أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
قديم 06-07-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
بسم الله الرحمن الرحيم

انتشرت مقولة خطيرة بين الأوساط النقديّة الأدبيّة والتاريخيّة للعصرين المملوكي والعثماني ؛ مفادها أنّ هذين العصرين هما عصرا تخلّف وانحطاط , هذه المقولة بدأت مع المستشرقين الذين كادوا للدّين وأخذوا بتشويهه , وتشويه تاريخه ، وعلومه , وآدابه , فقد درسوه دراسة وافرة متعمّقة , وأظهروا له عناية فائقة ؛ الأمر الذي جعل كثيراً من الباحثين العرب الذين تقمّصوا آراء أساتذتهم الغربيّين يردّدون كلامهم دون دراسة وتمحيص , ممّا ساعد على انتشار هذه المقولة المغلوطة .
فنحن لو تأمّلنا نتاج هذين العصرين لوجدنا دُرَرَاً لا يأتي الزّمان بمثلها ؛ في العلوم , والتاريخ , والطب , والأدب ... , وجميع فروع الحياة .
فأبرز علماء المسلمين الموسوعيّين ظهروا في هذين العصرين ؛ من مثل النويري صاحب كتاب ( نهاية الأرب ) , والقلقشندي صاحب ( صبح الأعشى في صناعة الإنشا ) , والأبشيهي صاحب ( المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ) , وابن منظور صاحب ( لسان العرب ) , والزبيدي صاحب ( تاج العروس في شرح القاموس ) , وابن أبي أصيبعة صاحب ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء ) , وابن خلكّان صاحب ( وفيّات الأعيان ) , وعماد الدّين القزويني صاحب ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ) , ولسان الدّين الخطيب صاحب ( الإحاطة في أخبار غرناطة ) , وغيرهم كثير ...
كما برز كبار علماء المسلمين وأدبائهم من مثل : ابن حجر العسقلاني , والحافظ السيوطي , والسّخاوي , والبوصيري , وصفي الدّين الحلّي , والشاب الظريف , وعبد الغني النابلسي , وغيرهم ...
والسبب في وسم العصرين بهذه السمة , كما أرى , طمس المعالم الحضاريّة لهما , وإبعاد تهمة تأثّر الحضارة الغربيّة بهما , فالدّارس لهذه الفترة يلاحظ أنّها بداية انطلاق النهضة الغربيّة , وهذه النهضة تدين بانطلاقتها للحضارة العربيّة , لذلك أرادوا إبعاد حقيقة تأثّرهم بالحضارة العربيّة الإسلاميّة باتهامهم لهذين العصرين بالتخلّف والانحطاط , فكيف يتأثرون بأناسٍ متخلفين ( كما زعموا ) ؟
وأسأل الله أن يوفقني أن أكتب بحثاً مفصّلاً عن هذين العصرين , وأظهر مميّزاتهما , وتأثيرهما بالحضارة الغربيّة .
لكنّني سأسلّط الضوء هنا على بعض أنواع الشعر العربي التي ظهرت في هذين العصرين , والتي تعدّ بحقّ إبداعاً في عالم الشعر العربي ؛ على عكس ما يروّجه بعض الدّارسين من أنّ الشعر في هذين العصرين كان متكلّفاً يعتمد الصنعة , ويبتعد عن الإبداع والأصالة .
فأنا أرى أنّ وصول الشعراء إلى هذه الأنواع الجديدة يدلُّ على رفاهيّة وصلوا إليها في الشعر , فبعد أن وصلوا إلى ذروة في الشعر التقليدي أخذوا في البحث عن ألوانٍ جديدة مبتكرة , فأبدعوا فنوناً مستحدثة لم يعرفها السابقون .
ومع ذلك فنحن لا ننكر أنّ هناك كثير من الشعر الرديء والمستهجن في هذين العصرين , لكن يجب علينا ألا نطلق أحكاماً عامّةً دون دراسة , فالفنون الشعريّة الجديدة لا يستطيع أيّ شاعر أن يكتب بها إلا إذا كانت لديه ملكة شعريّة فذّة , وخيال متوقّد , فهي بحاجة إلى دراية واسعة بفنون الشعر واللغة والبلاغة ليستطيع الشاعر أن يبدع فيها .
ومن هذه الفنون :
أولاً : التأريخ الشعري :
اختلف مؤرّخو الأدب العربي في توقيت العصر الذي ابتُدع فيه التأريخ بالشعر اختلافاً كبيراً , فالأمير حيدر الشهابي ادّعى أنّ عبد الرحمن البهلول النحلاوي ـ وهو أحد أبناء القرن الثاني عشر الهجري ( الثامن عشر الميلادي ) ـ أوّل من اخترعه حيث قال : " وهو الذي اخترع فنَّ التاريخ على حساب الجمل , لأنّنا لم نجد تأريخاً على هذا الحساب قبل عهده "
أمّا الأب لويس شيخو فقد كتب مقالاً ضافياً في هذا الصّدد , وذكر فيه " أنّ حساب الجمل في الأدب العربي , ظلّ العرب يعرفونه حتّى أوائل العهود الإسلاميّة , فاستبدلوا به الأرقام الهنديّة , ثمَّ إنّهم ركّبوا حروف الجمل تركيباً له معناه اللغوي , إلى جانب دلالته التأريخيّة الحسابيّة , وسمّوه " التاريخ الحرفي " , وعرّفوه بأنّه : ما دَلَّ على ابتداء زمن بطريق جمل حروف معدودة , أو ما في معناها " .
أمّا الأبياري فقد زعم أنّه رأى في التواريخ ما يقضي أنّه كان مستعملاً في الجاهليّة الأولى عند شعرائها , ولكنّه لم يبرهن على ما ذهب إليه بدليل .
واتفق مصطفى صادق الرّافعي مع الأب لويس شيخو بأنّ أقدم ما وصل إلينا من هذا القبيل قول ابن الشَّبيب في الإمام المستنجد بالله ؛ وهو الخليفة الثاني والثلاثون من خلفاء العبّاسيّين :
أصبحت " لبّ " بني العبّاس كلّهم = إن عددت بحروف الجمل الخلفا
أراد ابن الشّبيب أن يقول : إنّ المستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء العبّاسيّين , وإنّ هذا العدد متضمّن في جمل "لبّ " ثمَّ انتشر هذا الفنُّ وشاع بين الشعراء , ولا سيّما في القرون المتأخّرة , وتقرّرت شروطه , وتعيّنت أنواعه , حتّى إنّه لم يجرِ في الأزمنة المتأخرة أمر ذو بال دون أن ينظم له بعض الشعراء تأريخاً . (1)
وتعتمد هذه الطريقة على حساب التاريخ تبعاً لترتيب الحروف الهجائيّة العربيّة , وهي : أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ .
فكلّ حرف له قيمة عدديّة يمثلها كالتالي :
أ = 1 , ب = 2 , ج = 3 , د = 4 , هـ = 5 , و = 6 , ز = 7 , ح = 8 , ط = 9 , ي = 10 , ك = 20 , ل = 30 , م = 40 , ن = 50 , س = 60 , ع = 70 , ف = 80 , ص = 90 , ق = 100 , ر = 200 , ش = 300 , ت = 400 , ث = 500 , خ = 600 , ذ = 700 , ض = 800 , ظ = 900 , غ = 1000 .
لكن هناك شروط يجب توافرها في هذا الفنّ :
منها أن يتقدّم على ألفاظه كلمة " أرّخ " , أو " أرّخوا " , أو ما يدلّ على التاريخ , وإذا تصرف الشاعر في تقديم أو تأخير أو زيادة بعد لفظة " التاريخ " أشار إليه لئلا يستغلق على القارئ , كقول بعضهم في تأريخ بستان :
يهنيك تاريخٌ أتى ضبطه = ( بستان بسط باهر زاخر )
فلم يحسب في التاريخ قوله : " أتى ضبطه " .
وقال شاعر آخر :
( فتحنا العراق ) وذا اللفظ من = رشاقته جاء تاريخه
فقد قدّم كلمات التاريخ على ألفاظ البيت , ودلَّ على الألفاظ التي قصد بها التأريخ .
ومن شروط هذا الفنّ ألا يكون في بيتين , بل في بيت واحد , ويستحسن أن يقع في عجز البيت أو في قسم من العجز .
ومنها أنّ الحروف تحسب على صورتها دون مراعاة لفظها , فتحسب مثلاً ألف كلمة " فتى " ياء , وتاء التأنيث المنقّطة تاء , وغير المنقّطة هاء , ولا يحسب المشدّد إلا حرفاً واحداً , والهمزة التي لا كرسي لها لا تحسب شيئاً , ويحسبون ألف الإطلاق ألفاً , وهلمَّ جرا . (2)

وهذه بعض الأمثلة :
الأديب ماميه الانقشاري يؤرّخ تاريخ موت سلطان الروم السلطان سليم ابن السلطان سليمان :
فارق الملك سليم المجتبى = وغدا ضيفاً على باب الكريم
وغدا في الشهداء تاريخه = رحمة الله على حي سليم
ولماميه الانقشاري تاريخ ابتداء سلطنة سليم نصيف هو " تولّى سليم الملك بعد سليمان", وتولّى بعده ولده السلطان مراد, ولنامية الانقشاري في تاريخ ذلك :
بالبخت فوق التخت أصبح جالساً = ملك به رحم الإله عباده
وبه سرير الملك سرّ فأرّخوا = حاز الزمان من السرور مراده
فيكون تاريخ تولّيه ( حاز الزمان من السرور مراده ) = 982 هـ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 166-167 .
2- مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 170-171 .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-07-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

ثانياً : التشجير :
التشجير في اللغة ضرب من ضروب التصنيف , يقوم على تفريع كلمة من معنى كلمة أخرى , وهكذا دواليك في استطراد وتسلسل .
وقد ذكر السيوطي المشجّر في كتابه ( المزهر ) , وذكر أنّ أئمة اللغة سمّوه بشجر الدّر , ونقل لأبي الطيب اللغوي قوله في " كتاب شجر الدّر " : " هذا كتاب مداخلة الكلام للمعاني المختلفة سميّناه " كتاب شجر الدّر " لأنّا ترجمنا كلّ باب منه بشجرة , وجعلنا لها فروعاً , فكلّ شجرة مئة كلمة , أصلها كلمة واحدة , وكلّ فرع عشر كلمات الخ ... ثمّ مثّل على ذلك بشجرة لفظ ( عين ) فقال : " شجرة العين : العين : عين الوجه , والوجه : القصد , والقصد : الكسر , والكسر : جانب الخباء , والخباء : مصدر خابأت الرّجل أي خبّأت له خبأ , والخبء : السحاب , والسحاب : اسم عِمامة كانت للنّبيّ , والنّبيّ : التل العالي ... الخ . (1)
أمّا التشجير في الأدب فهو نوع من النظم يجعل في تفرّعه على أمثال الشجرة , وسمّي مشجّراً لاشتجار بعض كلماته ببعض , أي تداخلها , وكلّ ما تداخل بعض أجزائه في بعض فقد تشاجر .
وذلك أن ينظم البيت الذي هو جذع القصيدة , ثمّ يفرّع على كلّ كلمة منه تتمّة له من نفس القافية التي نظم بها , وهكذا من جهتيه اليمنى و اليسرى , حتّى يخرج منه مثل الشجرة .
وإنّما يشترط فيه أن تكون القطع المكملة كلّها من بحر البيت الذي هو جذع القصيدة , وأن تكون القوافي على رويّ قافيته أيضاً . (2)
وهذه بعض الأمثلة على التشجير :







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المزهر في علوم اللغة وأنواعها , السيوطي , تح : جاد المولى والبجاوي , 1/454.
2- تاريخ آداب العرب ؛ مصطفى صادق الرافعي ، دار صادر , 3/445 .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #3
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

ثالثاً : ذات القوافي :


ابتدع هذه التسمية مصطفى صادق الرّافعي , وقد وردت في خزانة الأدب لابن حجة الحموي باسم " التشريع " , وسمّاها ابن أبي الإصبع " التوأم " , وهي تعني أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان القريض وقافيتين , فإذا أسقط جزءاً أو جزأين صار ذلك البيت من وزن آخر غير الأول كقول الحريري :

يا خاطب الدّنيا الدنيّة إنّها = شَرَك الرّدى وقرارة الأكدار
دارٌ متى ما أضحكتْ في يومها = أبكتْ غداً تبّاً لها من دار
وتنتقل بالإسقاط إلى ثامن الكامل فتصير :

يا خاطب الدّنيا الدنـ = ـيّة إنّها شَرَك الرّدى
دار متى ما أضحكتْ = في يومها أبكتْ غدا
وقد سُبق الحريري في ذلك , فنجد للأخطل :

وإذا الرّياح مع العشيّ تناوحت = هدج الرّئال يكبّهنّ شمالا
ألفيتنا نقري العبيط لضيفنا = قبل العيال ونقتل الأبطالا
ونجد الأبيات بعد الإسقاط على الصورة التالية :

وإذا الرّياح مع العشيّ = تناوحت هدج الرّئال
ألفيتنا نقري العبيط = لضيفنا قبيل العيال
وأوسع البحور في هذا النوع الرّجز , فهو يقع تاماً ومجزوءاً ومشطوراً ومنهوكاً , فيمكن أن يعمل للبيت منه أربع قواف ٍ ، من ذلك قول أبي عبد الله محمّد بن جابر الضرير الأندلسي :
يرنو بطرفٍ فاترٍ مهما رنا = فهو المنى , لا أنتهي عن حبّه
يهفو بغصن ناضر , حلو الجنى = يشفي الضّنى , لا صب لي عن قربه
لو كان يوماً زائري , زال العنا = يحلو لنا , في الحبّ أن نُسْمَى به
أنزلته في ناظري لمّا دنا = قد سَرَّنا , إذ لم يَحُلْ عن صبّه
فإذا أسقطنا القافية الأولى أصبح مجزوءاً :

يرنو بطرفٍ فاترٍ = مهما رنا فهو المنى
يهفو بغصن ناضر = حلو الجنى يشفي الضّنى
لو كان يوماً زائري = زال العنا يحلو لنا
أنزلته في ناظري = لمّا دنا قد سَرَّنا
وإذا أسقطنا القافيتين أصبح مشطوراً :

يرنو بطرفٍ فاترٍ مهمـــا رنــا
يهفو بغصن ناضر حلو الجنى
لو كان يوماً زائري زال العنا
أنزلته في ناظري لمّا دنـــــا

وإذا أسقطنا القوافي الثلاث أصبح منهوكاً :

يرنو بطرفٍ فاتـــرِ
يهفو بغصن ناضرِ
لو كان يوماً زائري
أنزلته في ناظـــري
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #4
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

رابعاَ : القوافي المشتركة والملوّنة :

وهي أن تأتي قوافي الأبيات كلمة واحدة يختلف معناها من بيت لآخر .
يقول الرافعي : أوّل ما جاء من الشعر في ذلك ثلاثة أبيات للخليل وهي
:

يا ويح قلبي من دواعي الهوى = إنْ رَحَلَ الجيران عند الغروب
أتْبَعْتُهم طرفي وقد أزمعوا = ودمع عينيَّ كفيض الغروب
بانوا وفيهم طفلة حرّة = تفترّ عن مثل أقاحي الغروب
فلفظ " الغروب " الأولى يعني غروب الشمس , والثاني جمع غَرْب ؛ وهو الدّلو العظيمة المملوءة , والثالث جمع غَرْب ؛ وهو الوهاد المنخفضة .
وفي تاج العروس للشيخ يوسف بن عمران الحلبيَّ قصيدة مطلعها :
لِحاظٌ دونها غُولُ العَجُوزِ = وشَكَّتْ ضِعْفَ أَضعافِ العَجُوزِ
لِحاظُ رَشاً لها أَشْراكُ جَفْنٍ = فكَم قَنَصَت مِثالي من عَجُوزِ
وكَم أَصْمَتْ ولم تعرِف مُحِبّاً = كما الكُسَعِيُّ في رَمْيِ العَجُوزِ
وكمْ فتَكَتْ بقلبي ناظِراه = كما فتكَتْ بشاةٍ من عَجُوزِ
وكم أَطفَى لَمَاهُ العَذْبُ قَلْباً= أَضَرَّ به اللَّهيبُ من العَجُوزِ
وكم خَبَلٍ شَفَاهُ اللهُ منه = كذا جِلْدُ العَجُوزِ شِفَا العَجُوزِ
إذا ما زارَ نَمَّ عليه عَرْفٌ = وقد تَحْلُو الحَبائِبُ بالعَجُوزِ
رَشَفْت من المَراشِف منه ظَلْماً = أَلَذَّ جَنىً وأَحْلَى من عَجُوزِ
وجَدْتُ الثَّغْرَ عندَ الصُّبْحِ منه = شَذاهُ دُونَه نَشْرُ العَجُوزِ
أَجُرُّ ذُيولَ كِبْرٍ إنْ سَقانِي = براحَتِهِ العَجُوزَ على العَجُوزِ
برُوحِي مَنْ أُتاجِرُ في هَواه = فَأُدْعَى بينَ قَومِي بالعَجُوزِ
مُقِيمٌ لَمْ أَحُلْ في الحَيِّ عنه = إذا غَيري دَعَوْه بالعَجُوزِ
جَرَى حُبِّيه مجرى الروح منّي = كجَرْيِ الماءِ في رُطَبِ العَجُوز
وأَخرَسَ حُبّه منّي لِسانِي = وقد أَلْقَى المَفاصِلَ في العَجُوزِ
وصَيَّرَنِي الهَوَى من فَرْطِ سُقْمِي = شَبيهَ السِّلْكِ في سَمِّ العَجُوز
عَذُولِي لا تَلُمْنِي في هَواه = فلستُ بسامِعٍ نَبْحَ العَجُوزِ
تَرُومُ سُلُوَّهُ منِّي بجهْدٍ = سُلُوِّي دُونَ شَيْبُ العَجُوزِ
كلامُكَ باردٌ من غَير مَعنىً = يُحَاكِي بَرْدَ أَيّام العَجُوز
يَطوفُ القلْبُ حَولَ ضِياهُ حُبّاً = كما قد طافَ حَجٌّ بالعَجُوزِ
لهُ من فوقِ رُمْحِ القَدِّ صُدْغٌ = نَضيرٌ مثلُ خافقَةِ العَجُوزِ
وخَصْرٌ لم يزَلْ يُدعى سَقيماً = وعن حَملِ الرَّوادِفِ بالعَجوز
بلَحْظِي قد وَزَنْت البُوصَ منه = كما البيضاءُ تُوزَنُ بالعَجُوز
كأَنَّ عِذارَهُ والخَدَّ منه = عَجُوزٌ قد تَوارَتْ من عَجُوزِ
فهذا جَنَّتي لاشَكّ فيه = وهذا نارُه نارُ العَجُوزِ
تَراهُ فوقَ وَرْدِ الخَدِّ منه = عَجُوزاً قد حَكَى شَكْلَ العَجُوز
على كُلِّ القُلوبِ لهُ عَجُوزٌ = كذا الأَحباب تَحْلُو بالعَجُوزِ
دُمُوعِي في هَواهُ كنِيلِ مِصْرٍ = وأَنفاسِي كأَنْفاسِ العَجُوز
يَهُزُّ من القَوامِ اللَّدْنِ رُمْحاً = ومن جَفْنَيْه يَسْطُو بالعَجُوزِ
ويَكْسِرُ جَفْنَه إنْ رامَ حَرْباً = كّذاكَ السَّهمُ يفْعَلُ في العَجُوز
رَمَى عن قوسِ حاجِبِه فُؤادِي = بنَبْلٍ دُونها نَبْلُ العَجُوزِ
أَيا ظَبْياً له الأَحْشا كِناسٌ = ومَرْعَىً لا النَّضيرُ من العَجُوزِ
تُعَذِّبُني بأَنواع التَّجافِي = ومِثلِي لا يُجَازَى بالعَجُوز
فقُرْبُكَ دُونَ وَصْلِكَ لي مُضِرٌّ = كذا أَكلُ العَجُوز بلا عَجُوزِ
وهَيْفا من بناتِ الرُّومِ رُودٍ = بعَرْفِ وِصالِها مَحْضُ العَجُوزِ
تَضُرُّ بها المَناطِق إنْ تَثَنَّتْ = ويُوهِي جِسْمَها مَسُّ العَجُوزِ
عُتُوّاً في الهَوَى قَذَفَت فُؤادِي = فمَنْ شامَ العَجُوزَ من العَجُوزِ
وتُصْمِي القَلْبَ إنْ طَرَفَتْ بطَرْفٍ = بلا وَتَرٍ وسَهْمٍ من عَجُوزِ
كأَنَّ الشُّهْبَ في الزَّرْقا دِلاصٌ = وبَدْرُ سَمائِها نَفسُ العَجُوزِ
وشَمْسُ الأُفْقِ طَلْعَةُ مَنْ أَرانا = عَطاءَ البَحْرِ منه في العَجُوز
تَوَدّ يَسَارَه سُحْبُ الغَوادِي = وفَيْضُ يَمِينِه فَيْضُ العَجُوزِ
أَجلُّ قُضاةِ أَهلِ الأَرضِ فَضْلاً = وأَقْلاهُمْ إلى حُبِّ العَجُوزِ
كمال الدِّين لَيْثٌ في اقْتِناصِ الْـ = ـمَحامِد والسِّوَى دونَ العَجُوزِ
إذا ضَنَّ الغَمامُ على عُفاةٍ = سَقاهُمْ كَفُّه مَحْضَ العَجُوزِ
وكَمْ وضَعَ العَجُوزَ على عَجُوزٍ = وكم هَيّا عَجُوزاً في عَجُوزِ
وكَمْ أَرْوَى عُفاةً من نَداهُ = وأَشْبَعَ مَنْ شَكا فَرْطَ العَجُوزِ
إذا ما لاطَمَتْ أَمْواجُ أَمواجُ بَحْرٍ = فلم تَرْوَ الظُّماةُ من العَجُوز
أَهالي كلّ مِصْرٍ عنه تثْنِي = كذا كُلُّ الأَهالي من عَجُوزِ
مَدَى الأَيّامِ مُبْتَسِماً تَراهُ = وقد يَهَبُ العَجُوزَ من العَجُوزِ
تَرَدَّى بالتُّقَى طِفلاً وكَهْلاً = وشَيْخاً من هَواهُ في العَجُوزِ
وطابَ ثَناؤُهُ أَصلاً وفَرْعاً = كما قد طابَ عَرْفٌ من عَجُوزِ
إذا ضَلَّتْ أُناسٌ عن هُداها = فيَهْدِيها إلى أَهْدَى عَجُوزِ
ويَقْظانَ الفُؤادِ تَراهُ دَهْراً = إذا أَخَذَ السِّوَى فَرْطُ العَجُوزِ
وأَعظَمَ ماجِدٍ لُوِيَت عليه الـ = ـخَناصِرُ بالفضائل في العَجُوزِ
أَيا مَولىً سَما في الفضلِ حتّى = تَمَنَّتْ مثلَه شُهُبُ العَجُوزِ
إذا طاشَتْ حُلومُ ذَوِي عُقولٍ = فحِلْمُكَ دُونَه طَوْدُ العَجُوزِ
فكَمْ قد جاءَ مُمْتَحِنٌ إليكُم = فأُرْغمَ منه مُرتَفِعُ العَجُوزِ
إلى كَرَمٍ فإنْ سابَقْتَ قَوْماً = سَبقْتَهمُ على أَجْرَى عَجُوزِ
ففَضْلُكَ ليسَ يُحْصِيه مَديحٌ = كما لم يُحْصَ أَعْدادُ العَجُوزِ
مكانَتُكُم على هامِ الثُّرَيّا = ومَنْ يَقلاكَ راضٍ بالعجوز
رَكِبْتَ إلى المَعالي طِرْفَ عَزْمٍ = حَماهُ الله من شَيْنِ العَجُوزِ
ومعانيها حسب الترتيب ( مع ذكر معنى المكرّرة في البيت الواحد ) : المنية , الإبرة , الأَسَد , حِمار الوَحْش , الذئب , الخمر , الضَّبُع , الكَلَب , النَّميمة , ضَرْبٌ من التَّمر جيِّدٌ , المسك , الخمر , المَلك , التَّاجِر , المُسافِر , النَّخْلَة , الرَّعشة , الإبرة , الكلب , الغُراب , الأَيّام السبعة , الكعبة شرَّفها الله تعالى , الراية , مبالغة في العاجز , الصنْجة , الشّمس , دارَة الشَّمس , جهنَّم , المسك , العقرب , التحكم , النَّار , السيف , الحرب , الكنانة , النَّبات , المعاقبة , النَّبْت , السَّمْن , العافية , الثَّوب , النَّار , السِّنور , القوس , التُّرْس , الكَفّ , البحر , الدُّنيا , الثعلب , الذهب , القِدر , المنصب الذي توضع عليه , الناقة , الصفحة , الجوع , الركيَّة , القرية , الألف , البقر , الآخرة , المسك وإن تقدّم فبعيد , الطريق , السَّنَة , الشمس , السماء , الأَرض , الأَنف , الفرس , الرمل , الصومعة , العَرَج .

ولا يخفى التّكلف الواضح في القصيدة .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #5
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

خامساً : الطّرد والعكس :


ونعني به أن ينظم الشاعر قصيدة , فتقرأ على وجوه متعدّدة, دون أن يكون وراء ذلك معانٍ جديدة _ في أغلب الأحيان .
ويبدو أنّ القدماء لم يعرفوا هذا الصنيع , وإذا كان قد ورد شيء من ذلك في كلامهم فهو عفوي غير متكلّف , كما ورد في القرآن الكريم { ربَّك فكبّر } فإذا ما قرئت في العكس جاءت من جديد { ربَّك فكبّر } .
ويبدو أنّ صفي الدّين الحلّي أوّل من ابتدع هذا الضرب , ففي ديوانه هذه الأبيات :

ليت شعري , لك علم = من سقامي , يا شفائي
لك علم , من زفيري = ونحولي , وضنائي
من سقامي , ونحولي = داوني إذ , أنت دائي
يا شفائي , وضنائي = أنت دائي , ودوائي
نلاحظ أنّ الأبيات تقرأ طولاً فتؤدّي معنى , وتقرأ عرضاً فتؤدّي المعنى ذاته .
ويمكننا تقسيم ألوان الطّرد والعكس إلى عدّة أقسام :

1- المخلّعات :

وتعني باللغة المتفككات , وكأنّ كلمة ( المخلّعات ) تحوي إشارة إلى ما في القصيدة من تفكّك , أو ما يمكن أن يصيبها من انحلال .
وأوّل مخلّعة في الشعر ظهرت في الأندلس على يد الوزير لسان الدّين محمّد بن عبد الله السليماني , وهذه صورة أبياتها الاثني عشر , ويمكن أن تقرأ على 460 وجهاً طرداً وعكساً .

داءٌ ثَوى , بِفُؤادِ شَفَّهُ السَقمُ = بمَهجتي ، مِن دَواعي الهَمِّ وَالكَمدِ
بِأَضلُعي ، لهَبٌ تَذكو شرارَتُهُ = مِنَ الضَنى , في مَحَلِّ الرَوحِ من جَسَدِي
يَومَ النَوى , حلَّ في قَلبي لَهُ أَلَمُ = وَحرَقَتي ، وَبلائي فيهِ بِالرَصَدِ
تَوَجُّعي , مِن جوىً شَبَّت شَرارَتُهُ = مَعَ العَنا , قَد رَثا لي فيهِ ذو الحَسَدِ
جلَّ الهَوى , مُلبِسي وَجداً بِهِ عَدَمُ = لِمحنتي , مَن رَشا بِالحُسنِ مُنفَرِدِ
تَتَّبِعُي , وَجهُ مَن تَزهو نَضارَتُهُ = إذا انثنى , قاتلي عمداً بلا قَوَدِ
مُصلي الجَوى , مولَعٌ بِالهَجرِ مُنتَقِمٌ = ما حيلَتي , قَد كَوى قَلبي مَعَ الكَبِدِ
بمَصرَعي , مُعتَدٍ تَحلو مَرارَتُهُ = يا قَومَنا , آخذاً نَحوَ الردى بِيَدي
هَدَّ القُوى , حُسنه كَالبَدرِ مُبتَسِمٌ = لِفِتنَتي , موهِنٌ عِندَ النَوى جَلَدي
مُروّعي , قَمَرٌ تَسبي إِشارَتُهُ = إِذا رَنا , ساطِعُ الأَنوارِ في البَلَدِ
قَلبي كَوى , ملِكَ بِالحُسنِ مَحَتكُم = لِقصَّتي , وَهوَ سُؤلي وَهوَ مُعتَمِدي
مَودّعي , سارَ لا شَطَّت زِيارَتُهُ = لِمّا جَنى , مورثي وجداً مع الأبدِ



هذه المزاوجة في ترتيب القوافي هي التي سمحت بفصلها , ومكّنت من أن يكون منها قصائد عدّة .
ولاشكّ أنّ هذا التفكّك في أجزاء القصيدة هو علّة تركّب القصائد الكثيرة من القصيدة الواحدة , ولقد قرأنا أنّ شاعراً عمل قصيدة , واشتغل بإحصاء الوجوه التي تُنظر بها فبلغت في عينه مليون وجه , وذاك علم من الأرقام في قفر من الكلام . (1)

2- ما لا يستحيل بالانعكاس :


سمّاه ابن حجّة الحموي بهذه التسمية , وذكر أنّ جماعة سمّوه ( بالمقلوب ) , أو ( بالمستوي ) , ودعاه السكاكي بـ ( مقلوب الكلّ ) , وعرّفه الحريري في مقاماته بـ ( ما لا يستحيل بالانعكاس ) .
وهو أن يكون عكس البيت , أو عكس شطره كطرده , وهذا النوع ـ كما زعم ابن حجّة ـ غايته أن يكون رقيق الألفاظ , سهل التركيب , منسجماً في حالتي النثر والنظم .
جاء منه في القرآن الكريم : { كلٌّ في فلك } , و { ربّك فكبّر } , ومن الكلام الذي رقَّ لفظه ( أرضُ خضرا ) , وأورد الحريري في مقاماته ( ساكب كاس ) , وزاد في العدّة ( كبر رجاء أجر ربّك ) , و ( لذ بكلّ مؤمل إذا لم ّوملك بذل ) .
ولقد نجح بعضهم في استنباط بعض جمل طريفة , وأوردها صاحب خزانة الأدب , ومنها ( سور حماه بربّها محروس ) , وحادثة العماد مشهورة ؛ عندما رآه شخص فقال له : " دام علا العماد " , وهي تقرأ عكساً , فأجابه العماد : " سر فلا كبا بك الفرس " وهي أيضاً تقرأ عكساً .
ومن المنظوم الرائق قول القاضي الأرَّجاني : (2)
مودّته تدوم لكلّ هول = وهل كلٌّ مودّته تدوم
ولقد أولع المتأخّرون بهذه الصنعة فجاء أحدهم بقصيدة كلّها على هذه الشاكلة , ومن أبياتها : (3)
قمر يفرط عمداً مشرق = رشّ ماء دمع طرف يرمق
قد حلا كاذب وعد تابع = لعباً تدعو بذاك الحدق
قبس يدعو سناه إن جفا = فجناه أنس وعد يسبق
قرفي إلف نداها قلبه = بلقاها دنف لا يفرق

3- الطرد مدح والعكس هجاء :

وهو نوعان ؛ الأول عكسٌ في الحروف , والثاني عكسٌ في الكلمات كاملة .
مثال النوع الأول :
أ – الطرد مديح :
باهي المراحم لابسٌ = كريماً قدير مُسْند
بابٌ لكلّ مؤمّلٍ = غُنْمٌ لَعَمْرك مُرْفد
ب – العكس هجاء ( في جميع الحروف ) :
دَنسٌ , مريد , قامر = كسب المحارم لا يهاب
دَفِرٌ , مِكَرٌّ , مُعْلَم = نَغْلٌ , مُؤمل كلّ باب
ومثال النوع الثاني :
أ – الطرد مديح :
حَلموا , فما ساءت لهم شيمٌ = سمحوا , فما شحّت لهم مِنَنُ
سَلموا , فما زلّت لهم قدم = رَشدوا , فما ضلّت لهم سُنن
ب – العكس هجاء ( في الكلمات كاملة ) :
مِننٌ لهم شحّت , فما سمحوا = شِيم لهم ساءت , فما حلموا
سنن لهم ضلّت , فما رشدوا = قدمٌ لهم زلّت , فما سلموا

4- الطرد الأفقي مدح والشاقولي هجاء :

من ذلك قول أحد الشعراء : (4)
إذا أتيت نوفل بن دارم = أمير مخزوم وسيف هاشم
وجدته أظلم كلّ ظالم = على الدّنانير أو الدّراهم
وأبخل الأعراب والأعاجم = بعرضه وسرِّه المكاتم
لا يستحي من لوم كلّ لائم = إذا قضى بالحقّ في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم = في جانب الحقّ وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سِنّ نادم = إنْ لم يكن من قدم بقادم
هذه الأبيات إذا قرئت على وضعها الأفقي أدّت شيئاً من معاني المديح لذلك الرّجل المدعو ( نوفل بن دارم ) , وإذا حذف الشطر الثاني من كلّ بيت , وأحلّ محلّه الشطر الأول من البيت الذي يليه انقلبت هجاء , وكانت الصورة التالية :
إذا أتيت نوفل بن دارم = وجدته أظلم كلّ ظالم
وأبخل الأعراب والأعاجم = لا يستحي من لوم كلّ لائم
ولا يراعي جانب المكارم = يقرع من يأتيه سِنّ نادم

5- أشعار التبادل والمتواليات :
لقلبي , حبيب , مليحٌ , ظريف = بديعٌ , جميل , رشيقٌ , لطيف
هذا البيت يقرأ على أربعين ألف بيت من الشّعر وثلاثمئة وعشرين بيتاً ( 40,320 ) , وذلك أنّ أجزاءه ثمانية , يمكن أن ينطق بكلّ جزء من أجزائه مع الجزء الآخر , فتنتقل كلّ كلمة ثمانية انتقالات , فالجزءان الأوّلان ( لقلبي حبيب ) يتصوّر منهما صورتان بالتقديم والتأخير , ثمّ خذ الجزء الثالث ( مليح ) فيحدث منه مع الأوّلين ست صور وهي : (1) لقلبي حبيب مليح , (2) لقلبي مليح حبيب , (3) حبيب لقلبي مليح , (4) حبيب مليح لقلبي , (5) مليح لقلبي حبيب , ( 6) مليح حبيب لقلبي .
والذي لاحظناه أنّ له ثلاثة أحوال : تقديم , وتأخير , وتوسّط لكلّ كلمة , فإذا ضربنا أحواله في الحالين يكون ستة .
ثمّ خذ الجزء الرابع , وله أربعة أحوال , فاضربها في الصورة المتقدّمة وهي الستّة التي قبلها تكون أربعة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء الخامس تجد له خمسة أحوال , فاضربها في الصور المتقدّمة وهي أربعة وعشرون تكون مئة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء السادس تجد له ستّة أحوال , فاضربها في مئة وعشرين تكون سبعمئة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء السابع تجد له سبعة أحوال , فاضربها في سبعمئة وعشرين تكون خمسة آلاف وأربعين .
ثمّ خذ الجزء الثامن تجد له ثمانية أحوال , فاضربها في خمسة آلاف وأربعين تكون أربعين ألفاً وثلاثمئة وعشرين بيتاً .
ولاشكّ أنّه كلّما زادت كلمات البيت زادت المتوالية , وواضح أنّ كلّ لفظ يجب أن يكون وزنه العروضي كوزن باقي الكلمات .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1- تاريخ آداب العرب ؛ مصطفى صادق الرافعي ، دار صادر , 3/290 .
2- خزانة الأدب وغاية الأرب ؛ ابن حجّة الحموي , دار صادر 237.
3-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 200 .
4-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 203 .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #6
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

خامساً : محبوك الطّرفين :


يراد بهذا اللون نوع من المنظوم تكون كلّ أبيات القصيدة أو القطعة مبتدَأة ومختتمة بحرف واحد من حروف المعجم .
يذكر الرافعي أنّ أوّل من جاء بشيء من ذلك هو أبو بكر محمّد بن دُرَيْد , وقد نظم ابن دريد قطعاً مربعة على عدد حروف الحروف لم يلتزم فيها مجرى واحداً , بل جعل كلّ قطعة منها مستقلّة عن سائرها بالوزن , كما هي مستقلّة في الرويّ , وأوّلها قوله في حرف الألف :

أَبقَيتَ لي سَقَماً يُمازِجُ عَبرَتي = مَن ذا يلذُّ مَعَ السَقامِ بَقاءَ
أَشمَتَّ بي الأَعداءَ حينَ هَجَرتَني = حاشاكَ مِمّا يُشمِتُ الأَعداءَ
أَبكَيتَني حَين ظَنَنتَ بِأَنَّني = سَيصيرُ عُمري ما حَييتُ بُكاءَ
أُخفي وَأُعلِنُ بِاِضطِرارٍ أنَّني = لا أَستَطيعُ لِما أُجِنُّ خَفاءَ
ثمّ كثر نظم الشعراء لهذا النوع من الشعر , ومنهم عليّ بن محمّد الأندلسي , وصفيّ الدّين الحلّي , والألبيري , ولمحمّد بن العفيف الإيجي الحسني مسدّسة في المديح النبوي مطلعها :

اللهَ أحمدُ ( أحمداً ) إذ يبرأ = أوضى وضيء نوره يتلألأ
أنواره كلَّ العوالم تملأ = أكوانه لولاه لم تك تنشأ

سادساً : الشعر الهندسي :

هذه التسمية مبتدعة , لم يقل بها أحد من القدماء أو المعاصرين , ولكنّا نراها ـ مع الدكتور عانوتي ـ متّفقة مع شكل الشعر الذي نسعى إلى دراسته . (1)
وهذا النوع من الشعر يأخذ شكل الدائرة , والمثلث , والمربع , والمخمّس , والمَعِين , وغيرها من الأشكال الهندسيّة ...
وليس لدينا معلومات دقيقة عن أوّل من ابتكر هذا النوع من الشعر , ومهما يكن فقد وجد هذا النوع على صنوفه المعروفة لدينا اليوم ...
فالدائرة لها مركز , وفي هذا المركز حرف من الحروف , ومن هذا الحرف يبتدئ البيت , وإلى هذا الحرف ينتهي البيت , فهو إذن من ألوان الشعر المحبوك من طرفيه .
والدّوائر على أنواع ؛ منها : الدائرة المركّبة , ومنها : الدّائرة البسيطة .
وشعر الدّائرة المركّبة يتطلّب رسم دائرة أصلية كبرى , وحولها على المحيط دوائر صغيرة , وعلى حواف هذه الدّائرة الكبيرة والصغيرة يمرُّ البيت ابتداء وانتهاء ؛ ليعود من جديد منطلقاً من المركز إلى الدّائرة الصغيرة الثانية , ثمّ ينتهي إلى الكبيرة في مركزها .
ويختلف عدد الأبيات باختلاف عدد الدّوائر , فكلّما كثرت الدّوائر طالت القصيدة , والعكس صحيح .
وهذه أبيات دائرة : (2)

عشقت نوراً من مقامك يسطع = وعيني غدت من فرط عشقك تدمع
عمدت على تقديم مدحي لمن غدا = أبا الندِّ يا من له الخلق تضرع
عرضت لمن حاز الشفاعة والعلى = وقلت أغث دمعي من النّار تلذع
عذلت فؤادي من محبّة غيركم = وفرغته من كلّ نفس تولّع
علوتَ بما أعطيت من رافع السما = مقاماً فغثني من هموم تفجع
عجفت ولم يُبْقِ الهوى لي من قوى = فاشفع وغثني من كروب تفزع
عزفت حياتي من محبّتك التي = بها تذهب الأكدار منّا وتقشع



ومن تأمّل هذه الدّائرة المركّبة تبدو لنا الملاحظات التالية :
1- كلّ بيت يبتدئ بحرف العين وبه ينتهي .
2- نهاية كلّ بيت معكوسة في مطلع الذي بعده .
3- عكس بداية البيت الأول تتّفق وقافية الأخير .
4- هذه القصيدة تصلح أن تكون دائرة سباعيّة .
وهاتان دائرتان مركبتان أكثر تعقيداً من الدّائرة المركّبة السابقة , يقال إنّ ابن الإفرنجيّة نظمهما في المديح :






وهذه أمثلة الأشكال البسيطة :
وتلاحظ أنّ الأبيات الثلاثة التالية أمكن رسمها في دائرة في مثلث متساوي الأضلاع , والأبيات هي :

دمع عيني سائل في حبِّ من = إنْ رأته العين لم تخشَ رمد
دمرّ الله أناساً قد طغَوا = وبغَوا ما لم ينالوا من الرّمد
دشر العصيان ثمّ اتّبع رضى = رافع السبع الشداد بلا عمد



وهذه الأبيات ترسم مربّعاً ودائرة , وأبياتها هي :

عشق المسكين هذا ذنبه = قصّة الشكوى إليكم قد رفع
عفّر المسكين خدّاً في الثرى = يرتجي وصلاً وباللطف قنع
عنق المحبوب غيري ولثم = صاح لما بارق الثغر فرع
عرف الهجر حبيبي عامداً = وتثنّى عند ما دلّ قشع



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 209
2-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 210
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #7
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

سابعاً : ألوان أخرى من البديع :

1 – القصيدة المهملة ( الخالية جميع حروفها من النقط ) :


الحمد لله الصمد = حال السرور والكمد
الله لا إله إلا اللـ = ـه مولاك الصمد
أوّل كلّ أوّل = أصل الأصول والعمد
الواسع الآلاء والآ = راء علماً والمدد
الحَوْل والطَوْل له = لا درع إلا ما سَرَد
كلٌّ سواه هالك = لا عُدَدٌ ولا عَدد

2 – القصيدة المعجمة ( كلّ حروفها منقّطة ) :


بين جنبيَّ شقّة خشُنت = في قضيضٍ تُبيتني خَشِنِ
قِضْتُ جفني بيقظة ثبتَت = غبّ بينٍ فبتُّ في غَبَنِ
بي شقيق يغيب غيبة ذي = ضَعَنٍ بيّنٍ تجنّبني
شيخ فن , فتي شنشنة = شبَّ في بيت نخبة فبُنِي
يتّقي زينَ جنّة جُنيت = يتّقي شين ضنّةٍ بغني

3 – إهمال كلمة و إعجام أخرى :


لا تفي العهد فتشفيني ولا = تنجز الوعد فتشفي العللا
تقتضي أحكام بغي , طالما = نفّذت أحكامها بين الملا

4 – إهمال حرف وإعجام آخر :

ونديم بات عندي = ليلة منه غليل
خاف من صنع جميل = قلت لي صبر جميل
قرّة لي ميل قلب = منك يا غصناً يميل
سيّدي رقّ لذلّي = سيّدي عبد ذليل

5 – النثر شعر :


كتب المعريّ : ( أصلحك الله وأبقاك , لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي , لكي يحدث لي أنسك , يا زين الأخلاء فما مثلك من غيّر عهداً أو غفل ) .
وهذه الكلمات تخرج من بحر الرجز المجزوء .


6 – كلّ كلمة تبدأ بعين :


على عهد علوى عِلّتي عنَّ علمها = عسى علمت عذري عفت عن عقوبتي

7 – ظاء في كلّ كلمة :

ظنت عظيمة ظلمنا من حظّها = فظللت أوقظها لتكظم غيظها
وظعنت أنظر في الظلام وظلّه = ظمآن أنتظر الظهور لوعظها
ظهري وظفري ثمّ عظمي في لظى = لأظاهرنَّ لحظها ولحفظها
لفظي شواظ أو كشمس ظهيرة = ظفر لدى غلظ القلوب وفظّها

8 – النون في كلّ كلمة :


نزّه لسانك عن نفاق منافق = وانصح فإنَّ الدّين نصح نصيح
وتجنّب المنّ المنكّد للندى = وأعن بنيلك من أعانك وامنن

9– الشعر ذو الحروف المقطّعة :


إذا زار داري زَوْرَ وَدودٍ = أودُّ وأورده وِردَ وُدي

10 – الشعر ذو الحروف الموصولة :

سل متلفي عطفاً عسى يتعطّف = فلقد قسا قلباً فلا يتلطّف

هذه بعض الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني , والتي تظهر تطوّر الشعر في تلك الحقبة , ومدى الترف المعرفي الذي وصلوا إليه , مع عدم إنكارنا لكثير من الشعر الغثّ الذي ظهر في تلك المرحلة .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ترميم نسخة نادرة من المصحف الشريف تعود للعهد المملوكي في حلب نوح ركن بلاد الشام 1 08-03-2009 11:20 PM
انتحار فتاة في العشرين من عمرها في عاشر حالة خلال شهر في حلب عبدالقادر حمود القسم العام 2 05-04-2009 10:21 PM


الساعة الآن 05:04 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir