أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت           

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-2011
  #51
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صيقل الإسلام


صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 543
الخطوات الست
تأليف
بديع الزمان سعيد النورسى
ترجمة وتحقيق
إحسان قاسم الصالحى
صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 545
بسم الله الرحمن الرحيم
نبذة تاريخية
بينما كانت رحى الحرب دائرة في معارك ضارية وتسيل دماء الالوف من المسلمين رخيصة في سبيل الدفاع عن مركز الخلافة "استانبول"، بدأ الحلفاء ولا سيما الانكليز بشن حرب نفسية واشاعة افكار مضللة تمس عقيدة الأمة، فانبثّ اعوانهم وجواسيسهم في ارجاء استانبول يلقون بألسنتهم تلك الشبهات المغرضة وينشرونها في اوساط العامة والخاصة، ضمن حرب هادفة تحطم الروح المعنوية للمسلمين.
ولما شاهد الاستاذ النورسي سَرَيان هذه الافكار المسمومة في هذه الحرب الماكرة التي استطاعت استمالة قسم من العلماء الى صف الانكليز قام بتأليف هذه الرسالة "الخطوات الست" مبيناً فيها مكايد الغزاة المحتلين، داحضاً شبهاتهم ووساوسهم الشيطانية، مُبعداً عن المسلمين مشاعر اليأس والقنوط.
وطبعت الرسالة سراً، ونشرت وهي لا تحمل اسم المطبعة ولا سَنَة الطبع، وقام محبو الاستاذ وتلاميذه بنشرها في اوسع نطاق في خفاء تام.
ولنلق الآن نظرة سريعة على تلك الاحوال التي واكبت تأليف الرسالة ونشرها ومدى تأثيرها:
"في13 تشرين الثاني سنة 1919م دخلت خمس وخمسون سفينة حربية من اساطيل الحلفاء استانبول، حسب هدنة "موندروس". وصلت هذه السفن الى البسفور أمام قصر "دولمة باغجة" ووجهت مدافعها نحو قصر الخليفة "السلطان وحيدالدين" الذي اصبح في حكم الأسير.
هكذا داست اقدام جنود اربع دول محتلة، استانبول. وخرجت الأقليات غير المسلمة ترحب بجنود الاحتلال وتصفق لهم، فاليهود والارمن بدأوا يجوبون
صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 546
الشوارع ويلوّحون بقبعاتهم لهؤلاء المحتلين وينثرون عليهم الورود. اما الروم فقد كانوا يحملون اعلام اليونان الصغيرة ويهتفون: زيتو . زيتو. أي يعيش. يعيش.
وبين مظاهر فرح اليهود والارمن والروم وهتافاتهم وتصفيقاتهم إخترق القائد الفرنسي الجنرال فرانس دوبر شارع "بك اوغلو" متوجهاً الى السفارة الفرنسية ممتطياً جواداً ابيض، وملوحاً بيديه لهؤلاء المستقبلين، مقلداً في ذلك الفاتحين العظماء في التاريخ. بل لم يتورع من وطء العَلَم العثماني بحوافر جواده.
أما المسلمون فقد كانوا يشاهدون هذه المناظر بقلوب جُرحت وعيون تجمدتْ في مآقيها الدموع، ويطوون هذه الآلام في اعماق قلوبهم.
ولم تكن استانبول هي المدينة الوحيدة التي احتلتها دول الحلفاء. بل تم احتلال مدن اخرى كثيرة، احتلها الارمن والايطاليون والانكليز واليونان والروس حيث سرّح الجيش العثماني من الخدمة بموجب تلك المعاهدة المذكورة ولم يبق إلاّ الاناضول(وسط تركيا) سالماً من الاحتلال.
وهكذا امتلأت شوارع هذه المدن بجنود سكارى يعربدون ويصخبون ويفسدون كيفما شاؤوا. ويخيم على الاحياء الاسلامية حزن صامت.
في هذا الجو القاتم كان الاستاذ النورسي يشعر بألم عميق، وكان اصدقاؤه يحاولون التسرية عنه والتخفيف من شدة آلامه. وهو يقول لهم والأسى يعصر قلبه:
"لقد تحملت آلامي الشخصية كلها. ولكن آلام الامة الاسلامية سحقتني، انني اشعر بأن الطعنات التي وجهت الى العالم الاسلامي، انها توجه الى قلبي اولاً. ولهذا ترونني مسحوق الفؤاد. ولكني ارى نوراً سَيُنْسينا هذه الآلام ان شاء الله".
ومع ان الجانب العسكري والمادي للدولة العثمانية قد انهدّ امام الحلفاء، إلاّ ان الحرب النفسية ما زالت دائرة، فالانكليز ما فتئوا يزاولون بث الافكار والشبهات كي يكون النصر ساحقاً وكاملاً ونهائياً من دون ان يكون هناك احتمال للمقاومة، فيجب أن تسلم الضحيةُ رقبتَها برضاها الى جلاديها دون تذمر) 1.
وما ان دخل القائد الانكليزى استانبول حتى سُلّمت له رسالة "خطوات ستة" التي تهاجمهم بعنف وتفنّد اباطيلهم وتشد من عزائم المسلمين.. وعُرض عليه نشاط "بديع الزمان" الدائب في فضح سياسة المحتلين وتأليب الناس عليهم.
_____________________
1 سعيد النورسي رجل القدر في حياة أمة - تأليف اورخان محمد علي - باختصار.



صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 547
قرر القائد الانكليزي اعدام الاستاذ النورسي، ولكن عندما أُعلم أن هذا القرار سيثير غضب الأمة كلها ويزيد سخطها، وسيدفعهم الى القيام باعمال عدائية مهما كلفهم ذلك، تخلّى عن قرار الاعدام، إلاّ ان سلطات الاحتلال لم تفتر عن ملاحقة الاستاذ.
ولما سمع قواد حركة التحرير في الاناضول بتأثير هذه الرسالة في اوساط العامة والخاصة، وعن اعمال "بديع الزمان" ضد المحتلين في استانبول دَعَوه الى "انقرة" مرتين تقديراً لأعماله البطولية وخدماته الجليلة نحو الامة والبلاد. إلاّ ان الاستاذ النورسي آثر البقاء في استانبول يجابه الاعداء مباشرة ورفض الدعوة قائلاً:
"انني اريد ان اجاهد في اكثر الاماكن خطراً، وليس من وراء الخنادق، وارى ان مكاني هذا اخطر من الاناضول".
كتب الاستاذ النورسي هذه الرسالة بالتركية، وطبعت من دون الاشارة الى اسم المطبعة وسنة الطبع كما ذكرنا، ثم عرّبها بنفسه وطبعها في مطبعة اوقاف اسلامية باستانبول سنة 1336هـ - 1338 رومي، في كتيب يضم "الخطبة الشامية" و "سنوحات". وقام طلاب النور باعادة طبعها سنة 1958 في مطبعة النور بانقرة. والطبعتان مليئتان باخطاء املائية ومطبعية.
قابلتُ النصّين التركي والعربي ووجدت أن عبارات النص التركي اوضح من النص العربي وفيه زيادات طفيفة، فاستخلصت منهما هذا النص الذي يستوعب النص التركي معنىً، ويكاد يطابق النص العربي مبنىً.
والله نسأل أن يوفقنا الى حسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل، وصلّ اللّّهم على سيدنا محمّد وعلى آلهِ وصحبه وسلم أجمعين.

إحسان قاسم الصالحي



صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 549

الخطوات الست

تأليف
بديع الزمان سعيد النورسى
ترجمة وتحقيق
إحسان قاسم الصالحى



صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 551
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(ولا تتبعوا خطوات الشيطان) (البقرة: 168)
اعلم! ان لكل زمان شيطاناً انسياً، هو وكيل الشيطان وقد لبس صورةَ انسانٍ فردٍ أو روح جماعة. وعزازيل 1 زماننا هو الروح الغدّار الذي نشر الفساد في جوانب العالم بسياسته الفتانة، فيفسد العالم الاسلامي "بخطوات ست" اذ يتحرى في الاناسي وفي الجماعات المنابعَ الخبيثة، فيستعملها لاغراضه، ويتوسم في الطبائع المعادنَ المضرة فيستخرجها ويستخدمها لمصالحه بوساوسه الفعلية أي بدعاياته واشاعاته. ويتفطن في النفوس الى الاعصاب الضعيفة والعروق الواهية التي لاتقاوم، فيحرّكها لمفاسده، فيستعمل من بعضٍ: حرصَ الانتقام ..ويحرك من بعضٍ حرصَ الجاه.. ويهيج من بعضٍ: حسّ الطمع.. ويستغل من بعضٍ: الحمق.. ومن بعضٍ الالحاد.. وهكذا، ومن العجيب انه يستغل من بعضٍ التعصب، فيتخذ كل ذلك وساطة لإنفاذ سياسته.

الخطوة الاولى
انه يوسوس بالذات، أو بالوسيلة، فيقول صراحةً او يجعل غيره يردد ما يقوله:
أنتم تعترفون أنكم مستحقون لهذه المصيبة، فالقدر الالهي يعدل ولا يظلم، اذنً فارضوا بما اعاملكم به ، لأني وسيلة لما استحققتم.
نردّ هذه الوسوسة والشبهة، فنقول:
ان القدر الإلهي يصيبنا بمصيبة بسبب عصياننا لاوامر الله. فالرضى بما قدر الله هو عين التوبة عن سبب المصيبة، وهو الذنوب. ولكنك ايها الواسط الملعون تظلمنا لكوننا مسلمين، وتصيبنا بظلمك لاسلامنا، لا لذنوبنا ومعاصينا، فالرضى بما تعمل، واطاعتك طوعاً انما هو ندامة عن الاسلام واعراض عنه والعياذ بالله.
_____________________
1 عزازيل: اسم للشيطان - المترجم.



صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 552
نعم ان الشئ الواحد يكون ذا جهتين؛ فهو مصيبة من جهة القدر، فتكون عدالة، لترتبها على السبب الباطن من ذنوب وشرور فينزلها القدرالالهي زجراً عنهما. فالرضى بهذه المصيبة - من هذه الجهة - متضمن للندم من الذنوب.
والشيء نفسه يجيء من جهة البشر في الوقت نفسه، فيظلم البشر، لأن السبب عنده ليس كوننا مذنبين، بل كوننا مسلمين. فالرضى به من هذه الجهة اعظم الجنايات.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-02-2011
  #52
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صيقل الإسلام


الخطوة الثانية
يوسوس بالذات أو بالوساطة ، فيقول:
بانكم قد اتفقتم مع من هو مثلي في الكفر 1 ، فَلِم تتجنبون من المصافاة معي وموالاتي؟
نقول رداً على هذه الشبهة:
نحن نقبِّل يد المعاونة، ولا نَقْبل يد المعاداة فهما شيئان متغايران، لأن كل صفة من صفات الكافر ليست بكافرة أو ناشئة من كفره، لذا لا مشاحة في مصافحة يد الكافر الذي مدها لمعاونة الاسلام، وذلك لدفع عدو الاسلام المعتدى العريق . بل قبولها انما هو خدمة للاسلام. أما أنت ايها الكافر الملعون فتمدّ يد الخصومة التي لا تهدأ، وتريد منـا تقبيلهـا مع الاستسلام. ونحن نعلـم أن مسها - فضلا عن تقبيلها - جناية على الاسلام وعداء له.

الخطوة الثالثة
يوسوس بالذات أوبالوساطة فيقول:
أن من ساسوكم الى الان افسدوا واستهانوا بحقكم وشوشوا عليكم الادارة وظلموكم، اذاً فلستم اهلاً للادارة ، فاتخذوني وصيّاًعليكم وارضوا بحكمي وادارتي شؤونكم.
____________________
1 المقصود: الالمان الذين كانوا حلفاء الدولة العثمانية. المترجم.



صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 553
نرد هذه الشبهة فنقول:
ايها الموسوس الخناس ! ان السبب الاصلي للسيئات التي ارتكبها رؤساء امورنا ما هو الا انت، لأنك قد ضيقت عليهم الدنيا، وقطعت في كل فرصة مجاري حياتهم، وبثثت بينهم اولادك غير الشرعيين، واجبرتهم على ترك الدين للدينا اذ تنكحهم مدنية لا تأخد مهرها الا من دينهم ولا تعين حاكماً الا وقد أخذتَ منه دينه رشوة لقاء منصبه.
ومع ذلك فلو حكمناك فينا بدلاً منهم، نصير كمن تنجس ثوبه بماء نجس فيغسله ببول الخنزير.
انك لا تُبقى لنا الا حياة حيوانية مؤقتة، وتقتل فينا حياتنا الانسانية والاسلامية.
أما نحن فنحيا - على رغمك - بحياة الاسلام وشرف الانسانية.

الخطوة الرابعة
يوسوس بالذات أوبالوساطة ، فيقول :
بأن الذين يخاصمونني من اولياء اموركم في الاناضول 1، نيتهم فاسدة ومقصدهم ليس مقاصدكم الاسلامية عينها.
نرد هذه الوسوسة فنقول :
انهم وسائل، وتأثيرالنيات في الوسائل قليل، اذ لا تغير حقيقة القصد. لأن المقصود يترتب على وجود الوسيلة وليس على ما فيها من نية.
فمثلاً: اني احفر ارضاً لاستخراج الماء أو للعثور على كنز، وجاء احدهم وعاونني في الحفر بنية ستر نفسه في الحفرة أو بدفن شئ فيها، فنيتهُ هذه لا تؤثر في وجدان الماء ولا الكنز، لأن خروج الماء يتوقف على فعل الحفر وليس على نية الحافر وقلبه.
نعم! ان قصد المخاصمين لك وهدفهم هو توجيه المسلمين شطر الكعبة لا الى الغرب، والحفاظ على مكانة القرآن الرفيعة ذلك الكتاب الآمر باعلاء كلمة الله بالعزة الاسلامية. فهم يقيمون خصومة اوروبا مقام محبتها التي هي اساس كل مشاكلنا وسوء اخلاقنا. فكيفما تكن نيتهم لا تغير حقيقة هذه المقاصد الثابتة.
_____________________
1 المقصود: قواد حركة التحرير الذين بدأوا بجمع الشعب وتنظيمهم لأجل دفع المستعمرين عن البلاد - المترجم.



صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 554
الخطوة الخامسة
يقول بنفسه أو بوسائله :
ان الإمام - أي الخليفة - يؤيد سياستنا ويميل الى الود معنا، وامره مطاع!
فنرد هذه الشبهة:
ان ميل الشخص نفسه وامره الخاص وفكره الذاتي، مغاير تماماً للميل الحاصل من الشخصية المعنوية لأمر أمين الامة المتقلد امانة الامامة والخلافة فهذه الارادة تنبثق من عقل وتستند الى قوة وتتوجه الى مصلحة العالم الاسلامي.
أما عقله فهو شورى الأمة، وليس شبهتك ووسوستك! وقوته هو جيشه المسلح وامته الحرة، وليس سلاحك وحرابك. والمصلحة انما تتوجه من المحيط الاسلامي الى المركز، فترجح الفائدة العظمى للاسلام والمسلمين على المصالح الشخصية. والا لو انعكس الامر ورجحت - عند التعارض - مصلحة القربى على المصلحة العظمى، كترجيح سرير السلطنة على استانبول وهي على الاناضول وهو على الدولة وضُحي بالعالم الاسلامي لأجل الدولة فهذا الترجح لايطاع. وهو امر غير وارد اصلا. فالسلطان المتدين، وحيد الدين لو اصبح أفجر انسان، فلا يمكنه ان يقوم بهذا الأمر بارادته لسبب واحد هو أنه يحمل اسم الخليفة ، فان قام به فلا يقوم الا مكرهاً. فطاعته عند ذاك بترك طاعته.
الخطوة السادسة
انه يوسوس فيقول :
بأن مقاومتكم لا فائدة فيها ولا جدوى منها، انكم تلقون انفسكم بايديكم الى التهلكة، اذ كيف تقتدرون وحدكم على مالم تقتدروا عليه مع حلفائكم؟
فنرد هذه الشبهة:
ان قوتك العظيمة المخاصمة لنا، انما تتماسك متخاذلة على رجلَي الحيلةَ والافساد، فلا نيأس لإسباب ثلاثة:
صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 555
الاول: ان الحيلة والافساد انما تؤثران اذا استترتا تحت حجاب الخفاء والغفلة، فاذا ما تظاهرتا أفلستا، وانطفأت قوتهما.. وها قد تمزق الحجاب تمزقاً صيّر كذبك وهذيانك وافسادك اضحوكة، وشيئاً عقيماً لا يؤثر في شيء.
الثاني: ان قوتك المأفونة المنخورة المخاصمة لنا ليست بلا اعداء اذ تقابلها اعداء لا يقبلون الائتلاف معك ابداً، مما يقضي عليها ويجعل تسعين بالمئة منها معطلة لا نفع فيها. اما بقية قوتك فلا يمكنها ان تديم - كما ادامت في الماضي - استبدادات قاتمة تجثم على عالم الاسلام وتسكته بكمّ الافواه وتأسره حتى تتركه دون حراك، ذلك العالم اليقظ الذي تشترك اجزاؤه في الداء والدواء.
فهذا احتمال بعيد جداً، ان اعتقدته فانك اذاً احط من الدابة واحمق من الحمار مع انك شيطان خبيث.
الثالث: ان كان لابد من الهلاك بيدك فالموت بعزة حياة لنا والحياة بذلٍ هي الموت بعينه. والموت على نوعين وصورتين:
احدهما: التسليم والتذلل تحت اقدامك، فحينها نكون قاتلين لروحنا ووجداننا بأيدينا. ثم يقتل الخصم جسدنا كأنه قصاص لقتلنا الروح والوجدان.
والنوع الثاني: ان يحافظ المرء على وجدانه ويقاوم خصمه، ويبصق في وجهه وينزل صفعته على عينه، فيحيا الروح والوجدان، ويستشهد الجسد، وتتنزه الفضيلة عن الرذيلة والعقيدة عن الاستخفاف وعزة الاسلام عن الاستهزاء.
وحاصل الكلام:
ان محبة الاسلام توجب عداءكم وخصومتكم، اذ كيف يصالح جبرائيل (عليه السلام) عزازيل!
ان أشد العقول بلاهة عقلٌ يرى امكان التوفيق والتلاؤم بين اطماع (الانكليز) ومنافعهم وبين عزة الاسلام ومصلحته.
وان اكثر القلوب حماقة قلبٌ يظن إمكان الحياة تحت حمايتهم اذ يعلقون حياتنا بشرط محال في محال، اذ يقولون: احيوا حياةً ولكن بشرط الاّ تُرى في فرد منكم خيانة وإلاّ ندمّر عليكم الديار ونمحي المتهم والبرئ معاً.
صيقل الإسلام/الخطوات الست - ص: 556
فلو تحدى ظلمهم صادق لوجه الحق، والتجأ الى جامع اياصوفيا، فلا يتحرجون من هدم ذلك البناء الشامخ الذي لا يقدّر بثمن. واذا ما وجد في قرية من يقاومهم فلا يرون بأساً من إبادة القرية كاملة بشيبها وشبابها اذ يرون ان لهم صلاحية افناء جماعة برمتها اذا كان فيها من يضرهم. فتباً لمدنيةٍ خولتهم هذه الصلاحية.
اذاً أفيمكن ان يتفق قلبٌ مع قلبِ مَن يتلذذ بغرز خنجر الظلم فيه؟
أفيمكن ان لا يوجد مشاغب في مدينة أو قرية أو جماعة؟ فكيف يمكن اذاً ادامة حياة انسانٍ مريض مقيد، سُلب منه عصاه، وسلط عليه كلبان ذوا مخالب وانياب: ان (الانكليز) كالشيطان الرجيم يثير احاسيس الانسان الخبيثة ويشجع الاخلاق الرذيلة في حين يطفئ جذوة المشاعر النبيلة.
وان ما يظهره هذا العدو من حقد دفين لا يسكن ليس هو نتيجة الحرب الحالية لان انهزامنا كان كافياً لتسكينه كما سكن لدى الآخرين!..
فيا ايها المسلمون، أفبعد كل هذه الاحوال تنخدعون؟ أفبعد ما رأيتم من قربٍ قبحَ الكفار وشناعتهم - بعد ما كان يُرى جميلاً من بعيد - تستحسنون ما استقبحه الشرع والعقل ومصلحة الاسلام.
استعيذوا بالله من همزات الشيطان، والتجئوا اليه متضرعين نادمين وتوسلوا برحمة الرحمن الرحيم.

* * *
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
(( الإنسان )) في الإسلام .. الوفا لله المواضيع الاسلامية 0 07-17-2013 06:44 AM
الإسلام دين المحبة عبدالقادر حمود مقالات مختارة 2 11-27-2012 01:06 AM
صور من صدر الإسلام معين السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام 2 07-19-2009 01:41 PM
أخلاق الإسلام نوح القسم العام 2 07-16-2009 02:40 PM
من أدب الإسلام هيثم السليمان المواضيع الاسلامية 12 04-17-2009 03:33 PM


الساعة الآن 12:47 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir