أسد بن الفرات مجاهد في السبعين
في عصر من العصور، قد تقتضي الظروف الحربية أن يتولى القيادة رجل فقيه مجاهد، حتى وإن كان لا يجيد فنون الحرب والخدعة أو فنون الخطط الحربية، وهذا ما حدث لصاحب الراية في فتح صقلية أسد بن الفرات .
ولد أسد بن الفرات عام مائة واثنين وأربعين من الهجرة النبوية بالفرات، وقدم به أبوه فكان من قيادات الحرب ضمن جيش محمد بن الأشعث، واستقر في القيروان، وبها نشأ أسد وأخذ طريق العلم فدرس على أصحاب أبي حنيفة النعمان، ثم درس على أصحاب مالك بالمدينة المنورة، ودرس الموطأ لمالك ثم درس على محمد بن القاسم في مصر، وعاد إلى القيروان فقيهاً حسن التكوين، فدون ما سمعه من “الموطأ” في كتاب سماه “الأسدية”، وانتشر بين الناس، وسمت مكانته حتى أصبح كبير العلماء في عصره، وقاضي القيروان .
عاصر أسد فترات كثيرة من الحكم في بلاد المغرب، وكان آخر من عاصرهم هو زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أحد ملوك دولة الأغالبة في المغرب، وقد فكر زيادة الله، والذي تولى الحكم عام 201ه، في فتح صقلية، وذلك كما يقول بن الأثير في كتابه “الكامل”، لأن عدد الجند عنده كان كثيراً لا عمل لهم ورواتبهم تثقل أعباء الدولة، وكانت ظروف صقلية في ذلك الوقت تشجع على أي تدخل، وكانت من الناحية الرسمية تحت حكم الدولة البيزنطية، وشجع زيادة الله أكثر على فتح صقلية أن هناك قائداً رومياً يسمى “يوفيوس” ثار على الحكم البيزنطي، واستقل بشرق الجزيرة وتحصن في “سرقوسة”، وأرسل يستنجد بزيادة الله فاستجاب لصديقه وعجل بتسيير الجند .
وكان الأسطول البحري للروم قد أغار من صقلية على الساحل، فخرب بعض منازل المسلمين وألقى الرعب في قلوبهم، فرأى زيادة الله أن الفرصة أصبحت سانحة له ليثأر للمسلمين ولهذا دعا إلى فتح صقلية جنده الكثير، فتوافدوا عليه جماعات وتجمعوا في ميناء تونس وميناء سوسة واختاروا لقيادة الجيش الفاتح فقيهاً هو أسد بن الفرات، وذلك مستغرب لأن العادة جرت على أن تكون قيادة الجيوش لأهل الحرب، ولكن يبدو أن زيادة الله لم يكن يثق في قياداته الحربية فوافق بدوره على قيادة أسد بن الفرات للجيوش الفاتحة، وعندما أعلن زيادة الله عن حملة صقلية، تقدم أسد بن الفرات يطلب التطوع والجهاد كجندي عادي، فعرض عليه الوالي قيادة الحملة فوافق .
خرج أسد وبيده لواء الجيش، وكان في السبعين من عمره عندما أسندت إليه قيادة الجيوش، وانتقل هو وجيوشه على ظهر السفن التي أبحرت وعلى ظهرها عدد كبير من رجال القوة الإسلامية من تونس في ربيع الأول سنة مائتين واثني عشرة من الهجرة النبوية الطاهرة، ونزل في ميناء “مازورة” على الساحل الجنوبي لصقلية، وفي الوقت نفسه خرجت قوة أخرى من ميناء سوسة ونزلت فى ميناء أقصى الساحل الجنوبي إلى الشرق يسمى “رجوسه” وذلك لنجدة القائد البيزنطي الذي خرج على سلطة البيزنطيين، واستنجد بالحاكم زيادة الله وبالمسلمين .
ومن هنا نرى أن القوات الإسلامية نزلت في موقعين في جزيرة صقلية، هما “مازورة ورجوسه” وكان ينبغي على أسد بن الفرات بعد أن تمكن من موقع “مازورة” أن يسير رأساً إلى عاصمة صقلية ويستولى عليها، وبذلك يقضي على رأس المقاومة للفتح الإسلامي في البلاد، ولكنه بدلاً من ذلك اتجه إلى “اجرجنت” واستولى عليها، ثم دخل إلى وسط الجزيرة الصقلية واستولى على “قصر يانة” ثم اتجه شرقاً قاصداً سرقوسة فحاصرها وأشتد في حصارها وأصاب الإرهاق جنده بعد هذه الفتوحات، وهذه المسافات فضربوا الحصار حول المدينة وانتظروا، إلا أن الأمراض أصابت الجيش وقضت على ألوف من المسلمين .
وظل أسد بن الفرات يدعو الله ويشد من أزر المسلمين أمام المرض إلا أنه أصيب أيضاً بالمرض مع من أصيب من المسلمين فوقع القائد الفاتح الفقيه أسد بن الفرات فريسة للمرض، خصوصاً مع كثرة الجراح التي أصيب بها في جسده أثناء الفتح، وانتصر المرض على القائد فلقى منيته في ربيع الثاني عام مائتين واثني عشر من الهجرة النبوية، وبعد موته تفككت وحدة الجيش واضطرب أمر القوات الفاتحة، وخرج الحاكم البيزنطي “بيلانوس” وهاجم “قصر يانة” فقطع بذلك مواصلات المسلمين واضطرهم إلى الارتداد مسرعين عن “سرقوسة” وتحصنوا في حصن قريب منها يسمى “مناو” وأصبح مركزهم حرجاً وتعثر الفتح الإسلامي وتحول من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع، ومع ذلك فقد ظل التاريخ يذكر الفقيه القائد الذي حمل بيده راية الفتح لصقلية، فرحمه الله رحمة واسعة .
__________________
بطيب طه طاب نسيمك يا طيبة
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
07-25-2010
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
