دراسات في التصوف: 1.الأنسان و الغيب
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، اما بعد
لم يكن الوحي و الرسالة عند من يفهمون معنى التلقي عن الله تعالى بالأمر الهين ، بل كان نبأ عظيما و حدثا بالغا في تاريخ البشرية ، وفي استعدادها الفطري لتتلقى معنى وجودها النسبي في دار الدنيا ، وخلافتها عن الله في دار البلاء و تحمل مشاق الأمانة : أمانة التوحيد و المعرفة ، ومهام العدل .ثم لتهيئ نفسها لملاقاة الله في دار الاخرة ، دار السعادة لمن سعد ، ودار البلاء لم شقي.
ليس الرسول مجرد انسان ، يأكل و يشرب ، ويتلقى الوحي و يبلغ رسالته، وبموته ينقضي كل شيء ، لترث أمته من بعد ثراثه الأسمي فقط . لتشارك الأنسانية فيما بعد فن الثراث ، والمخزون النفسي العالمي : لكل ثراثه و خصوصيته . يستبيح فيها العالم الألمعي و الباحث الحاذق خصوصية من سبق ،ليشطب بقلم أحمر ما يناسب العصر ، فأن وجد ما يخالف عقله تركه ، وسبة الغيب في جبين من تمسك بشراكه العلمي سبة وأي سبة يتبرأ كل عالم منها في المحافل العامة. الغيب عند هؤلاء اخت الخرافة أن كأن أمها فلا بأس. يضع خطا أحمرا على هذه الكلمة كلمة الغيب فلا يسمعها ، ثم يفتخر بفعل المجتمعات الطفولية التي كانت تضع اصابعها على أذنيها لكيلا تسمع خطاب الغيب. عبد يوحى أليه و رب يتكلم و أمة تسمع أي حمق هذا ؟.
ما معنى الغيب عند المؤمن الموقن بربه المؤمن بما بلغه الله على لسان رسله ؟
أهو مجرد كلمات همس بها نبي من الأنبياء ؟ام هو ميقات معلوم ، وابلاغ واشهاد واسماع ثم بشارة و أنذار؟.
وما معنى الرسالة ؟ منهاج و شرعة وقرآن ، أم مجرد تقاليد نرثها و أعراف نتمسك بها ؟ أو علوم نتركها في الرفوف تنتظر من يتبرك بها ؟.
ننظر الى حاضر الأنسان ، فلا تجد له فضيلة الا فضيلة العقل المعاشي وان كان في حوزة غيرنا ، عقل لا ينظر ألا لأسفل قدميه ، فأن لمح بارقا متوهجا من السماء سماه ماورائيات حتى لا يقع في براثن الخرافة ، يقول السيد عبد السلام ياسين في كتاب تنوير المؤمنات :*........العقل المعاشي المشترك بين الكافرين والمومنين يسيطر بمنجزاته العلومية الصناعية. فلهذا العقل صولة في العالم وحضور ماثل تجسده الاختراعات والمصنوعات والصواريخ. يملأ ذلك أعين الناس وآذانهم، ويسكن هواجسهم.
عقلانية علومية تنظيمية هي في حوزة غيرنا. تتقمصها العقلانية الفلسفية وتحتج بها لتُؤكد للإنسان أنه إنسان لأنه يفكر، ويخترع، ويصنع.
لا مكان في بلاد العقلانية الفلسفية لطرح سؤال المعنى والوجود والغاية. لأن الضجيج الذي أحدثته العقلانية الأخرى يغطي على همس الفطرة ويسكت صوتها ويُنسي سؤالها.
عجزت العقلانية العلومية الاختراعية التصنيعية التنظيمية عن إدارة نتائج ما صنعت يدها. في بلاد التكنولوجيا المتطورة الاوتوماتيكية الروبوطية اختصار للعمل، واقتصاد في الوقت، وتسريع للإنتاج السوقي تغرق به متاجر من يدفعون ولا ينتجون. ومع التقدم المهول للعقلانية العلومية المصنِّعة يختفي الداء العُضال، والعمَى والصمم عن الحق. لا يعرف هذا العقل العلومي المادي الله، ولا يريد أن يعرف، ولا وقت لديه ليسمع من يضع عليه سؤال الفطرة.
إنه مشتغل بالأمراض الاجتماعية البيئية الاقتصادية السياسية التي أوقع فيها العالم، لا يجد لها حلا. الصناعة تلوث البيئة. هذا هو المشكل. الروبوطية تسبب البِطالة. هذا هو المشكل. ونسي وتناسى مشكل وجوده، من أين وإلى أين؟
هذه العقلانية المتفَرعنة بإنجازاتها تقول بلسان حالها وفلسفتها الضمنية ووجودها الثقيل المالئ للآفاق: أنا الله كما قال فرعون: )يأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري(.(سورة القصص، الآية: 38) وما هي في الحقيقة إلا مظهر وآلة للهوى يتصرف بها في العالم بنزغ الشيطان ونزوات النفوس الجاهلية.
هذه العقلانية المعاشية آلة نطلبها، يجب أن نطلبها، بجهاد تشترك فيه المومنات. جهاد لامتلاكها وتكييفها وصياغتها صياغة تخدم الحق لا الباطل، العدل لا الظلم، الإحسان إلى الإنسان لا تردية الإنسان.
النفوس الجاهلية المتمردة على الله الماسكة بسلاح العقلانية واهية هلوع حائرة. طلقت الدين فأدبر عنها مع الدين الأخلاق والرحمة. طردت الدين وصمت عن السؤال الفطري، وعميت عن تدبر آيات الله في الكون، فهي سابحةٌ في صحبة الهوى والشيطان، متقلبةٌ في رغباتها الاستهلاكية المُنوّعة المجددة، غاطسة في أوحال الرذيلة الشهوانية، مرتدةٌ إلى الشعوذة الشيطانية، والأوهام الصبيانية تملأ بها فراغا كان يشغله الإيمان بالله.* كتب تنوير المؤمنات.
نسال الله أن يرحمنا آمين
نجد في كتاب الأمام البخاري حديثا بالغ الأهمية ، عن صفة الوحي :
وأنقل فيه الحديث الثاني من (صحيح البخاري رحمه الله) (2): عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا)).
وهذا حديثٌ عظيمٌ جدًا يتكلم عن أكثر من قضية ، ونبدأ أولا ببيان معانيه من خلال شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) حيث يقول في أثناء شرحه لهذا الحديث: ((قِيلَ : وَالصَّلْصَلَة الْمَذْكُورَة صَوْت الْمَلَك بِالْوَحْيِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد أَنَّهُ صَوْت مُتَدَارَك يَسْمَعهُ وَلا يَتَبَيَّنهُ أَوَّل مَا يَسْمَعهُ حَتَّى يَفْهَمهُ بَعْد , وَقِيلَ : بَلْ هُوَ صَوْت حَفِيف أَجْنِحَة الْمَلَك وَالْحِكْمَة فِي تَقَدُّمه أَنْ يَقْرَع سَمْعه الْوَحْي فَلا يَبْقَى فِيهِ مَكَان لِغَيْرِهِ , وَلَمَّا كَانَ الْجَرَس لا تَحْصُل صَلْصَلَته ألا مُتَدَارِكَة وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ دُون غَيْره مِنْ الالات.... قَوْله : ( وَهُوَ أَشَدّه عَلَيَّ ) يُفْهَم مِنْهُ أَنَّ الْوَحْي كُلّه شَدِيد , وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَة أَشَدّهَا , وَهُوَ وَاضِح ....... كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس " كَانَ يُعَالِج مِنْ التَّنْزِيل شِدَّة " قَالَ وَقَالَ بَعْضهمْ : وَإِنَّمَا كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِ لِيَسْتَجْمِع قَلْبه فَيَكُون أَوْعَى لِمَا سَمِعَ اهـ........ قَوْله : ( فَيَفْصِم ) فَتْح أَوَّله وَسُكُون الْفَاء وَكَسْر الْمُهْمَلَة أَيْ : يُقْلِع وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي , وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّله مِنْ الرُّبَاعِيّ , وَفِي رِوَايَة لِأَبِي ذَرّ بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الصَّاد عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ , وَأَصْل الْفَصْم الْقَطْع , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( لا اِنْفِصَام لَهَا ) , وَقِيلَ الْفَصْم بِالْفَاءِ الْقَطْع بِلا إِبَانَة وَبِالْقَافِ الْقَطْع بِإِبَانَةٍ , فَذَكَرَ بِالْفَصْمِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَلَك فَارَقَهُ لِيَعُودَ , وَالْجَامِع بَيْنهمَا بَقَاء الْعُلْقَة . قَوْله : ( وَقَدْ وَعَيْت عَنْهُ مَا قَالَ ) أَيْ : الْقَوْل الَّذِي جَاءَ بِهِ ........ قَوْله : ( يَتَمَثَّل لِيَ الْمَلَك رَجُلًا ) التَّمَثُّل مُشْتَقّ مِنْ الْمِثْل , أَيْ : يَتَصَوَّر . وَاللام فِي الْمَلَك لِلْعَهْدِ وَهُوَ جِبْرِيل , وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة اِبْن سَعْد الْمُقَدَّم ذِكْرهَا . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَلَك يَتَشَكَّل بِشَكْلِ الْبَشَر . قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : الْمَلائِكَة أَجْسَام عُلْوِيَّة لَطِيفَة تَتَشَكَّل أَيّ شَكْل أَرَادُوا ........ قَوْله : ( لَيَتَفَصَّد ) بِالْفَاءِ وَتَشْدِيد الْمُهْمَلَة , مَأْخُوذ مِنْ الْفَصْد وَهُوَ قَطْع الْعِرْق لِإِسَالَةِ الدَّم , شُبِّهَ جَبِينه بِالْعِرْقِ الْمَفْصُود مُبَالَغَة فِي كَثْرَة الْعَرَق . وَفِي قَوْلهَا " فِي الْيَوْم الشَّدِيد الْبَرْد " دِلالَة عَلَى كَثْرَة مُعَانَاة التَّعَب وَالْكَرْب عِنْد نُزُول الْوَحْي , لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَة الْعَادَة , وَهُوَ كَثْرَة الْعَرَق فِي شِدَّة الْبَرْد , فَإِنَّهُ يُشْعِر بِوُجُودِ أَمْر طَارِئ زَائِد عَلَى الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة . وَقَوْله " عَرَقًا " بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيز , زَادَ اِبْن أَبِي الزِّنَاد عَنْ هِشَام بِهَذَا الإسْنَاد عِنْد الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلائِل " وَإِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَته فَيَضْرِب حِزَامهَا مِنْ ثِقَل مَا يُوحَى إِلَيْهِ"))أهـ.
لم يكن الوحي في عرف من عرف من القوم ، مجرد حادثة عابرة .
بل ميقات معلوم يصطفي فيه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ويجتبيه ، فقد كان الوحي ياتيه في مثل صلصلة الجرس فيعي ما أراد الله تبليغه. فينظر في ملكوت الله ليستيقن وجود الله وملائكته وما يرسل من كتب و رسالات لتهتدي بها الأنسانية. يعي الرسل عليهم السلام حقيقة القصد ومناط الرسالة ووجهة الغاية ، أن يستقي العقل الحكمة من القلب المرحوم بالأيمان ، فيستقر ذكر الله في الجنان ، ويتيقن الخلق من ان وجودهم لم يكن عبثا هملا كما يدعي البعض ، وأن مصير النسان الحتمي لقاء الله ، فأي وجه يلقاه؟.
نقرا نصا فريدا في وصف صلصلة الجرس للشيخ عبد الكريم بن أبراهيم الجيلي فيقول في ص 108 :
*.......صلصة الجرس أنكشاف الصفة القادرية عن ساق بطريق التجلي بها على ضرب من العظمة ، وهي عبارة عن بروز الهيبة القاهرية ، وذلك ان العبد الألهي أذا أخذ يتحقق بالحقيقة القادرية برزت له في مباديها صلصلة الجرس ، فيجد امرا يقهره بطريق القوة العظموتية فيسمع لذلك أطيطا من تصادم الحقائق بعضها على بعض كانها صلصلة الجرس في الخارج ، وهذا مشهد منع القلوب من الجراءة على الدخول في الحضرة العظموتية لقوة قهره للواصل اليها ، فهي الحجاب الأعظم الذي حال بين المرتبة الألهية و بين قلوب عباده ، فلا سبيل الى انكشاف المرتبة الألهية الا بعد سماع صلصلة الجرس ....*
.نستمطر رحمة الله الوهاب أن يرزقنا فهم علوم القوم لأشكالها على القارئ و على السامع و المتلقي.
همة القوم في معرفة الله لا يدانيها همة ، والرجل الولي الكريم رضي الله عنه يتكلم في أمرين ، في تلقي العارف بالله حقائق المعرفة ، التي تتجانس و تتشاكل في صور شتى ، ومعان متداخلة فتندك روحه امام ماتراه من عجائب الأنية و الهوية والألوهية و الأحدية و الواحدية و الرحمانية و الربوبية ، وتحتار في معنى العماء و التنزيه ، وتخضع لتجلي الأفعال و الأسماء و الصفات ، ثم ترقى لمقام تعتبر بمجلى الذات والحياة ، فتعرف حقيقة حديث الولي ومعناه شان السمع و البصر و الفؤاد والقدرة و الكلام ، والجمال و الجلال و الكمال . والأمر الثاني في وصفه للمشهد الغيبي لسعة قلب المؤمن في حمل هذه المعاني القهرية العظموتية القادرية في قلبه ، ولا تتحمل الجبال والأكوان لحملها.
وفي معراج الروحي للعبد كما سيصف الشيخ الكريم في نفس الكتاب ، يقول :*......ولقد وجدت ليلة اسري بي الى السموات العلا عند وصولي الى هذا المقام الأسنى و المنظر الأزهى من الهيبة في هذا المحل ما انحلت له قواي و اضمحلت له تراكيبي و انسحقت اجزائي وانمحقت ترائبي ، وكنت لا اسمع الا صلصة تندك الجبال لهيبته و تخضع الثقلان لعزته ، و لا ابصر الا سحابا من الأنوار منهلة بوابل من نار ، وأنا مع ذلك في ظلمات من بحار الذات بعضها فوق بعض ، فلا وجود لسماء تحتها و لاأرض ، فسيرت الجبال الراكدة ........*.من كتاب الأنسان الكامل في معرفة الأوائل و الأواخر.ص109.فصل : صلصلة الجرس.
يشبه الولي عبد الكريم بن ابراهيم الجيلي في هذا النص الروح بمثابة الجبل الراكد المستقر في الأرض، لا تتزعزع وتظل تابثة في اصلها كالشجرة الطيبة تزداد أغصانها واوراقها خضرة مهما كانت الأنواء و الصعاب ، وتنقلها في المقاعد و المراتب ، تخشى قهر الله في جلاله ، وتنبسط فرحة بجماله ، فهي تتأرجح بين القبض آلامه ووحشته و الفرح بالله و نعمه عندالبسط.
ثم تتلقى الروح معنى القرآن غيبا وبوارد رحماني وكانها تسمعه عن الله ، فتعى معنى أم الكتاب ، والقرآن ، والفرقان و الفرق بينهما في اللغة و الحق و الحقيقة ، ومدارج المعرفة ، وحقائق فاتحة الكتاب الجامعة بين الربوبية و العبودية و عزة الأنسان في ربيته المنسوبة الى الرب ، وعبوديته في شرف انتسابه الى الله ،وتعرف التوراة و الأنجيل و الزابور ، لمن كان قدمه في المقام على قدم الأنبياء عليه السلام كالختم الموسوي ، والختم العيسوي ، وتعرف كيف ينزل الله الى سماء الدنيا ،
ثم ترقى الروح في تلقي وارداتها فمقام الطور و حقائقه و الكتاب المسطور و دلائله وعلومه ، ثم الى رق منشور وعجائبه.
فترى ما في غيب الله من الرفرف الأعلى والسرير و التاج ، والقدمين و النعلين ، و العرش و الكرسي و القلم الأعلى و لوح محفوظ ، ثم تضع في سدرة المنتهى فأذا بها في صورتها و حقائقها الملائكية تستعد لدخول عالم الجبروت و الملكوت و لا يكون هذا ألا من ثبث قدمه و رسخت معرفته ، وكلها حقائق ومعارف في عرف العقلاء : هيان بن بيان. وعند أهل الله : منح ومواهب.
تلج الروح الصافية جوهرها بساط روح القدس ، فتشهد الملك المسمى بالروح ، و القلب محتد ملك اسرافيل عليه السلام ، و تستقي العلم من العقل الأول ، فتعرف الوهم و الهمة و الفكر و الخيال .وكلها مدارج ومراتب ، لا تنتهي حتى يصل العبد الى مبتغاه ، ويعرف حقيقة الأنسان الكامل ، وأن وهذا الوصف الكمالي الأحساني لا يستحقه الا رجل واحد ، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وان الأولياء الوارثون من بعده يتفاوتون في هذه المرتبة.