أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام

إضافة رد
قديم 02-14-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى




الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى


ولادته :

ولد جينو في بلدة ( بلوا ) في 15 نوفمبر 1886م من أسرة فرنسيّة كاثوليكيّة محافظة كانت تعيش في يُسر ورخاء , فقد كان والده مهندساً ذا شأن .
وحياة جينو لا تتّسم بحوادث معيّنة ؛ فقد كان هادئاً وديعاً , وكانت تلوح عليه ، منذ الطفولة مخايل الذكاء الحاد , وقد بدأ تعليمه في إقليمه الذي نشأ فيه , وكان دائماً متفوقاً على أقرانه . وانتهى به الأمر سنة 1904م إلى نيل شهادة البكالوريا بعد أن نال جوائز عدة كانت تمنح للمتفوقين , وفي هذه السنة ؛ 1904م سافر جينو إلى باريس لتحضير الليسانس , ومكث عامين في الدراسات الجامعيّة ؛ ولكنّ باريس لم تدعه يستمر في دراسته المدرسيّة المحدودة فقد فتحت له أبواباً أخرى كلّها لذة , وكلّها نعيم ؛ ولا نقصد لذّة حسيّة , أو , نعيماً ماديّاً ؛ وإذا كانت باريس تمنح ذلك للماديّين الحسيّين فإنّها تمنح لذّة روحيّة , ونعيماً وجدانياً لمن لم تغرهم الدنيا وزينتها .
وقد كان جينو من هذا النمط الأخير ؛ كان متطلّعاً إلى المعرفة ؛ المعرفة بمعناها الصوفي . كان يتطلّع إلى السماء ؛ يريد أن يخترق الحجب , وأن يكشف القناع , وأن يرفع المساتير , وأن يصل إلى الحق .
وقد كان مثله إذ ذاك مثل الإمام الغزالي بالضبط , ولو عبّرنا عن حالة جينو لما وجدنا أبرع من حديث الغزالي عن نفسه إذ يقول : " ولم أزل في عنفوان شبابي ـ منذ راهقت البلوغ قبل سنّ العشرين إلى الآن وقد أناف السنّ على الخمسين ـ أقتحم هذا البحر العميق ( بحر المعرفة ) وأخوض غمرته خوض الجسور , لا خوض الجبان الحذر , وأتوغل في كلّ مظلمة , وأتهجّم على كلّ مشكلة , وأقتحم كلّ ورطة, وأتفحّص عن عقيدة كلّ فرقة , وأستكشف أسرار مذهب كلّ طائفة ؛ لأميز بين محقّ ومبطل , ومتسنّن ومبتدع . لا أغادر باطنيّاً إلا وأحبّ أن أطّلع على بطانته , ولا ظاهريّاً إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته , ولا فلسفيّاً إلا وأقصد الوقوف على كُنْهِ فلسفته , ولا مُتكلّماً إلا وأجتهد في الاطّلاع غاية كلامه ومجادلته , ولا صوفياً إلا وأحرص على العثور على سرّ صفوته , ولا مُتعبّداً إلا وأترصّد ما يرجع إليه حاصل عبادته , ولا زنديقاً مُعطِّلاً إلا وأتجسّس وراءه ؛ للتّنبّه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته .
وقد كان التّعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدني من أوّل أمري , وريعان عمري ؛ غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلّتي لا باختياري وحيلتي حتّى انحلّت عنّي رابطة التقليد , وانكسرت على العقائد المورّثة على قرب عهد سنّ الصبا " .
كانت تلك بالضبط حالة جينو , ولقد أخذت باريس تشير إليه بالابتعاد عن الرسميات والشكليات , وتقدم له الكثير من النواحي الثقافية الروحانية .
كانت باريس مفعمة بالمدارس مختلفة الألوان ؛ كان فيها الماسونيّة , وكان فيها المدارس التي تنتسب إلى الهند , أو إلى التبت , أو إلى الصين , وكان فيها الروحانيون على اختلاف ألوانهم ومشاربهم ونزعاتهم , بل كان فيها هؤلاء الذي يعالجون السحر , والتنجيم , والتصرف في العناصر , وتحضير الأرواح ..
وتركَ فتانا التعليم الجامعي غير آسف عليه , وأخذ ينهل من هذه المنابع المختلفة ؛ لقد انتسب إليها , واتصل بها عن قرب , وعرف ما تهدف إليه , بل ساهم في نشاطها , ومنحته هذه المدارس درجاتها الكهنوتيّة السامية ...
ولقد كانت صلته الوثيقة بهذه المدارس السبب المباشر في انفصاله عن أغلبها , فقد أدرك الطيّب منها والخبيث , وهدته بصيرته النقّادة , وهداه رأيه القويم إلى أنّ الكثرة الكثيرة من هذه المدارس إنّما هي شكلية سطحية لا تصل بالإنسان حقيقة إلى معرفة ما وراء الطبيعة أو إلى اختراق حجاب المساتير , فأخذ في الانفصال عنها شيئاً فشيئاً .
وما أن تخلّص جينو من هذه النزعات حتى أنشأ سنة 1909م مجلّة سمّاها ( المعرفة ) , وهذه المجلة اتسمت بالطابع الذي كانت عليه مجلّة أخرى سبقتها كانت تسمّى ( الطريق ) ؛ وهو الطابع الصوفي .
كان يساهم في إصدار مجلّة ( الطريق ) , ويشرف على منهجها عالم فرنسي اسمه ( شمبرينو ) , وقد اعتنق شمبرينو الإسلام , وتسمّى باسم ( عبد الحقّ ) , واستمرّ يساهم في إصدار مجلّة ( الطريق ) من سنة 1904م إلى سنة 1907م , ثمّ ؛ لأسباب عدّة ؛ انتهى إصدار المجلّة .
وفي هذه الأثناء تعرّف جينو بعبد الحقّ , وساعد عبد الحقّ جينو في تحرير مجلّة ( المعرفة ) , وكانت المجلّة تنشر الأبحاث عن الإسلام , وعن الديانة الهنديّة , وعن الديانة البوذيّة , وكانت في الوقت نفسه تنتقد كلّ ما لا تراه مستقيماً في المدارس التي تنتسب إلى الروحانيّة .
استمرت هذه المجلّة إلى سنة 1912م وفي هذه السنة اعتنق جينو الإسلام , وتسمّى باسم الشيخ ( عبد الواحد يحيى ) .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-14-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

كيف اعتنق جينو الإسلام ؟ ولِمَ اعتنقه ؟ وعلى يد مَنْ أسلم ؟

هذه الأسئلة وضعها الغربيون , وأخذوا يفترضون مختلف الفروض للإجابة عليها , ولكن لم تخرج عن أن تكون مجرّد فروض .
ولقد قال جينو إنّه اتصل بممثّلي الأديان الشرقيّة عن طريق مباشر ؛ فكيف اتصل بهم ؟ وبمن منهم اتصل ؟ ثمّ إنّ جينو أهدى أحد كتبه إلى الشيخ ( عبد الرحمن عليش ) .فمن هو هذا الشيخ عبد الرحمن عليش ؟ وكيف عرفه جينو ؟ وهل هو الذي هداه إلى الإسلام ؟ وكيف ؟
كلّ هذه الأسئلة كانت غامضة حتّى ألقى عليها الأستاذ ( فلسن ) ـ الذي اعتنق هو الآخر الإسلام , وأتقن لغة القرآن ـ شيئاً من الضوء في بحث مستفيض نشر في عدد يناير سنة 1953م من مجلّة ( إتيد ترادسيونل ) الفرنسيّة , وهذا البحث نلخّصه فيما يأتي :

{ من تاريخ الحركة الصوفيّة في مصر }

الشيخ عليش والشيخ عبد الواحد
(( الشيخ عليش : أسرة الشيخ عليش أسرة مغربيّة أشهر رجالها هو الشيخ محمد عليش الكبير 1218- 1299 , وقد درس الشيخ محمد عليش في الأزهر ثمّ جلس للتدريس به 1245هـ , وكان يحضر عليه ما ينوف عن المئتين من الطلبة , وقد تقلّد مشيخة السادة المالكيّة والإفتاء بالديار المصريّة سنة 1270هـ , وتذكر الخطط التوفيقيّة " أنّه كان في حال حياته مستغرقاً زمنه في التأليف والتدريس والعبادة , متجافياً عن الدنيا وأهلها , لا تأخذه في الله لومة لائم " . وقد ألّف الكثير من الكتب في مختلف الفنون التي تدرّس بالأزهر .
والطريف أنَّ الشيخ عليش في 1 يونيه سنة 1882م خطب ممتدحاً " الجيش الذي خلّص البلاد من الوقوع في أيدي الكفّار " وأثنى على رؤسائه وعلى وطنيّتهم , وكانت هذه الخطبة تتعارض كلّ المعارضة مع سياسة الخديوي توفيق , ولكنّ الشيخ عليش لم يبالِ به .
ثمّ أفتى الشيخ عليش بمروق الخديوي توفيق من الدّين كمروق السّهم من الرمية لخيانته دينه ووطنه , وتلا الشيخ محمد عبده هذه الفتوى في الجمعيّة العموميّة في 22 يوليه سنة 1882م , وكان الخديوي قد أصدر أمراً بعزل عرابي , وتداول الأعضاء في الموقف , وفيما يجب عمله فاتفقت آراؤهم على عدم قبول عزل عرابي , وقرّرت الجمعيّة وقف أوامر الخديوي وعدم تنفيذها ) .


الشيخ عليش والشيخ عبد الواحد
إنّ الصّلة بين الشيخ الأكبر ؛ سيدنا محيي الدين بن عربي , وبين الشيخ عبد الواحد بادية ظاهرة , ولقد اعتنق جينو الإسلام بواسطة شيخ ينتسب إلى روحانيّة الشيخ الأكبر ؛ أعني الشيخ عليش الكبير , وهو الشخص الذي أهدى إليه جينو أحد كتبه في هذه العبارة : (( إلى الذكرى المقدّسة , ذكرى الشيخ عبد الرحمن عليش الكبير , المالكي , المغربي , الذي أدين له بالفكرة الأولى لهذا الكتاب . مصر القاهرة 1329 – 1347 هـ )) .
وهذا الشيخ المصري يهمّنا من ناحية أخرى لأنّه فضلاً عن صفته الصوفيّة السامية , كان له صفة أخرى , فلقد كتب جينو في أحد خطاباته يقول : " كان الشيخ عليش شيخ فرع من الطريقة الشاذليّة , وكان في الوقت نفسه شيخ المذهب المالكي بالأزهر " .
والشاذليّة طريقة أسّسها في القرن السابع الهجري الشيخ أبو الحسن الشاذلي , وهو صورة من أروع الصور الروحانيّة في الإسلام .
كان الشيخ الذي ينتسب إليه جينو , إذاً , يجمع بين صفتين هما الحقيقة والشريعة ؛ كان شيخ طريقة , وشيخ مذهب , وهذا له أهمّية بالنسبة لتلميذه فيما يتعلق بتقديرنا لآرائه من الناحية الإسلاميّة .
ومما ينبغي ملاحظته في عناية أنَّ هذا الشيخ هو الذي يدين له جينو بالفكرة الأولى لكتابه (( رمزيّة الصليب )) , وهكذا كان هذا الشيخ يفتح السبل أمام جينو , ويهديه الطريق , ولذلك ينبغي أن نعرّف القراء بهذا الشيخ , وبالواسطة التي كانت بينه وبين جينو , والمعلومات التي سنتحدث عنها مصدرها مجلّة عربيّة إيطاليّة كانت تصدر في القاهرة 1907م تسمّى (( النادي )) .
كانت الروح التي تسود هذه المجلّة هي روح الشيخ الأكبر محيي الدين , وكانت هذه المجلّة تعتبر طليعة لمجلّات أخرى صدرت فيما بعد في فرنسا , وساهم فيها جينو بحظّ وافر , وكان من ألمع محرّري مجلّة النادي _ سواء ذلك قسمها العربي أو قسمها الإيطالي _ وهو عبد الهادي, وعبد الهادي هذا من أصل لتواني فنلندي , ونشأ مسيحيّاً , وكان اسمه (( إيفان جوستاف )) , ثمّ اعتنق الإسلام , وتعلّم العربيّة , وأخذ يكتب في المجلّة المقالات , ويطبع فيها الرسائل الصوفيّة الإسلاميّة من مؤلفات الشيخ الأكبر , ويترجم بعض النصوص , وقد تحدّثت هذه المجلّة كثيراً عن الشيخ عبد الرحمن عليش , ولقد كتب فيها الشيخ عليش نفسه مقالة خاصّة بمحيي الدين بن عربي .
وكان عبد الهادي على صلة شخصيّة طبعاً بالشيخ عبد الرحمن عليش , قد أعطانا عنه معلومات نفيسة ؛ إنّه يراه من أشهر رجال الإسلام , ووالده من كبار رجال المذهب المالكي , أمّا هو نفسه فقد كان حكيماً عميق الحكمة , وكان محترماً من الجميع , سواء في ذلك الرجال العاديّون أم الأمراء والسلاطين , وكان شيخاً لكثير من الجماعات الدينيّة المنتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي .
كان زعيماً من زعماء الإسلام , سواء في ذلك ما اتّصل بالجانب الصوفي , أو الجانب الفقهي , أو الجانب السياسي ؛ ومع ذلك فقد ابتعد هو ووالده عن ألاعيب السياسة ومؤامرتها , وكانت صفاتها الكريمة , وتقشّفها في الحياة , ومعرفتها المستفيضة العميقة , وحسبها العريق ,,, كلّ ذلك سما بهما إلى مركز ممتاز في العالم الإسلامي , بيد أنّهما لم يعيرا ذلك اِلتفتاً واِلتزاماً مرضاة الله .
أمّا شهرتهما بالتعصّب التي لا أساس لها , فقد كان مصدرها فتوى شهيرة كانت نتيجتها كما يقولون ثورة عرابي باشا 1882م , وفي هذه السّنة ؛ سنة 1882م زُجَّ بالشيخين في السجن , وحكم عليهما بالإعدام , وقد مات الأب في السجن , أمّا الشيخ عبد الرحمن فقد استبدل حكم الإعدام فيه بالنفي .
ولكن الحظّ السيّئ تابعه في منفاه ؛ كانت شهرته وكان حسبه ونبله الذاتي ..., كان كلّ ذلك من عوامل الشّك فيه , واتّهم ؛ في حماقة , بأنّه يتطلّع إلى إقامة الخلافة الإسلاميّة لحسابه أو لحساب سلطان مراكش , فوضع في السّجن من جديد , ولكن وضعه في السّجن هذه المرّة كان بناء عن أمر أمير مسلم .
ومكث عامين في زنزانة لا تطاق , حيث العفونة والروائح الكريهة , وغير ذلك مما تضيق به النفس , ولأجل بعث الرّعب في نفسه كانوا يتعمدون أن يقتلوا أمامه بعض من حكم عليهم بالإعدام , ثمّ أخرج من السّجن من جديد , ونفي إلى رودس .
ولقد أقام أيضاً في دمشق , حيث التقى بعدوّ الفرنسيّين العتيد ؛ الأمير عبد القادر الجزائري , فتألفت بينهما صداقة وطيدة ؛ كان من أسسها الحبّ القوي في نفسيهما للشيخ الأكبر الذي كان الأمير يكرّس وقته في أخريات حياته لدراسته , وحمله إعجابه به على أن يموّل الطبعة الأولى لكتاب الفتوحات المكيّة ؛ ذلك الكتاب الذي تبلغ صفحاته حوالي ( 2500 ) , ولمّا مات الأمير كفّنه الشيخ وصلّى عليه , ودفنه في الصالحيّة بجوار مقبرة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي .
وأصدرت الملكة فيكتوريا العفو عن الشيخ , فعاد إلى مصر وأقام في القاهرة , وأخذ نوره ينبعث من القاهرة إلى جميع أقاليم العالم الإسلامي.
وكان يبتعد ويبعد تلاميذه عن جميع الصغائر , وكان تأثيره قوياً إلى درجة أنّه حينما تلتقي برجل شرقيّ ترى فيه سموّ الأخلاق وسعة المعرفة , فيجب أن تعلم أنّه " شاذلي " . ( هذا رأي عبد الهادي , ورجال التصوّف الحقيقيّون كلّهم خير وكلّهم بركة ) , والشاذليّة لا شكّ مدينة في احتفاظها بالمثل العليا للسنّة التي أقامها أبو الحسن الشاذليّ ؛ إلى السموّ الروحي للشيخ عليش .
وقد نشرت مجلّة النادي مقالة للشيخ عليش عن محيي الدين وقد اختتمها بشكره لعبد الهادي بسبب ما أدّاه للحضارة من خدمة جليلة هي تعريف النّاس بمحيي الدين , ثمّ ينتهي الشيخ بأنّ يحثّ عبد الهادي على أن يستمر في متابعة دراساته الصوفيّة غير معني بما يثيره حوله بعض من لم يفهموا الإسلام على حقيقته .
وما إن نشرت مقالة الشيخ في المجلّة حتّى أعلن في العدد التالي أنّه تألّفت جمعيّة في إيطاليا وفي الشرق لدراسة ابن عربي وسمّيت (( الأكبريّة )) ووضعت منهاجاً هو التالي :
1- دراسة ونشر تعاليم الشيخ محيي الدين سواء ما يتصل منها بالشريعة وما يتصل بالحقيقة , والعمل على طبع مؤلّفاته ومؤلّفات تلاميذه وشرحها , وإلقاء محاضرات خاصّة به , وأحاديث تشرح آراءه .
2- جمع أكبر عدد ممكن من محبّي الشيخ ابن عربي , وعقد صلة قويّة بينهم تقوم على الأخوّة , وتؤسّس على الترابط الفكري بين النخبة المختارة من الشّرقيّين والغربيّين .
3- تقديم المساعدة المادّية والتشجيع الأدبي لمن هم في حاجة إلى ذلك ممن يتبعون الطريق الذي اختطّه محيي الدين بن عربي ؛ وعلى الخصوص هؤلاء الذين ينشرون دعوته بالقول أو بالعمل .
4- ولا يقتصر عمل الجمعيّة على ذلك ؛ بل يتعداه أيضاً إلى دراسة مشايخ الصوفيّة الشّرقيّين ؛ كجلال الدين الرومي مثلاً , بيد أنّ مركز الدائرة يجب أن يستمرّ ابن عربي .
5- ولا صلة للجماعة قطّ بمسائل السّياسة مهما كان مظهرها ؛ إذ أنّها لا تخرج عن دائرة البحث في الدين والحكمة .
وبدأ عبد الهادي ينشر دراساته الصّوفيّة , وقد ساعده الحظّ فوجد حوالي عشرين رسالة لابن عربي مخطوطة , نادرة الوجود ، نفيسة القيمة , فأخذ في تحليلها .
ولكنّ المجلّة للأسف لم تسلم من شرّ أعداء التصوّف فقضي عليها , ورأى عبد الهادي ؛ متابعاً لإشارة الشيخ عليش أن يحاول إقامة صلة روحيّة بين الشرق والغرب , فسافر إلى فرنسا حيث التقى بجينو .
وكان جينو إذ ذاك يصدر مجلّة باسم (( المعرفة )) , فأخذ عبد الهادي في سنة 1910م يساهم فيها بجدّ ونشاط . لقد نشر فيها أبحاثاً , ولكنّه نشر فيها على الخصوص ترجمة كثير من النصوص الصوفيّة إلى اللغة الفرنسيّة , وأثمرت مرافقته لجينو أن عقد بينه وبين الشيخ عليش صلة قويّة متينة عن طريق تبادل الرسائل والآراء , كانت النتيجة أن اعتنق جينو الإسلام سنة 1912م بعد أن درسه دراسة مستفيضة .
وقامت الحرب سنة 1914م فأوقفت كلّ نشاط يتّصل بالدين والروح والفكر , وسافر عبد الهادي إلى إسبانيا ؛ وهناك في بلدة برشلونة توفاه الله سنة 1917م .
وحمل جينو راية الجهاد فاستمر يبني على ما أسّسته (( الأكبريّة )) ؛ تلك الجماعة التي تنتهج نهج الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي .
والواقع هو أنّ الذي وجّه جينو هذه الوجهة هو الشيخ عليش ؛ والشيخ عليش إنّما كان مرآة تعكس صورة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي ؛ وهو أسمى مظهر للتصوف الإسلامي والعقيدة الإسلاميّة , وإذا كان الشيخ عليش مالكيّاً محافظاً , فإنّ تصوفه لا يخرج عن التعاليم الإسلاميّة .
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة له فإنّه كذلك أيضاً بالنسبة لتلميذه جينو .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-14-2009
  #3
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

عودة إلى حياة جينو

وفي السنة التي اعتنق جينو فيها الإسلام وتسمّى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى ؛ أعني سنة 1912م تزوّج من فتاة فرنسيّة من إقليمه .
وفي هذه السنة نفسها توقفت مجلّة المعرفة عن الصدور , فأخذ الشيخ عبد الواحد يكتب في مختلف المجلّات ؛ أخذ يكتب عن انحراف الماسونيّة فأثار سخط الماسونيّين , وأخذ يكتب عن انحراف البروتستانتيّة فأثار سخط البروتستانتيّين , وانتقد الروحانيّة المزيّفة أنّى وجدت فغضب منه الذين ينتسبون إلى الروحانيّة الحديثة .
وفي سبتمبر سنة 1917م عُيّنَ الشيخ أستاذاً للفلسفة في الجزائر , فقضى فيها عاماً عاد بعده إلى فرنسا , وعُيّنَ في مدرسة بلدته , ولكنّه استقال بعد عام قضاه في التدريس ليتفرّغ لأبحاثه , وكان من ثمرة هذا التفرّغ أن نشر في سنة 1921م كتابين هما : ( مدخل لدراسة العقائد الهنديّة , و التيوزوفيّة تاريخ دين مزيّف ) . وتوالى نشر كتبه , وتوالت مقالاته في مختلف الجرائد .
وفي سنة 1925م فتحت له مجلّة (( قناع إيزيس )) صدرها فأخذ يكتب فيها , وانتهى به الأمر في سنة 1929م أن أصبح أهم محرّر بها ؛ ذلك أنّه رفض ما عرضته عليه المجلّة من رئاسة التحرير .
ومن بين من التفّوا حوله في تحرير المجلّة العالم الضليع الأستاذ (( شون )) الذي ألّف كتباً بالفرنسيّة من بينها كتاب (( عين القلب )) , وقد اعتنق هذا العالم الإسلام أيضاً , وهو يدين ـ رغم أصالته وعبقريّته ـ إلى جينو بكثير من اتجاهاته .
ثمّ عرض بيتٌ من بيوت النشر في باريس على الشيخ عبد الواحد أن يسافر إلى مصر ليتّصل بالثقافة الصوفيّة فينقل نصوصاً منها , ويترجم بعضها فقبل العرض .
وفي 20 فبراير سنة 1930م سافر إلى مصر لهذا الغرض , وكان من المفروض أن يقضي فيها بضعة أشهر فقط , ولكنّ هذا العمل اقتضاه مدّة طويلة , ثمّ عدل بيت النشر عن مشروعه , فاستمرّ الشيخ عبد الواحد يحيى في القاهر يعيش في حيّ الأزهر ؛ متواضعاً ... مستخفياً لا يتّصل بالأوربيّين , ولا ينغمس في الحياة العامّة , وإنّما يشغل كلّ وقته بدراسته .
كانت والدته وزوجه ووالده قد توفّاهم الله قبل حضوره إلى القاهرة , فحضر إليها وحيداً , ووجد الكثير من المشاقّ في معيشته منفرداً , فتزوج سنة 1934م كريمة الشيخ محمد إبراهيم , فمهّدت له حياة من الطمأنينة والهدوء , وانتقل بها من حيّ الأزهر إلى حيّ الدقي , واستمر يرسل المقالات إلى فرنسا , وينشر الكتب مستريحاً إلى عطف زوجته ورعايتها .
ورزقه الله بفتاتين ؛ سمّى إحداهما خديجة , والأخرى ليلى , ورزقه بولد سمّاه أحمد ؛ كان له قرّة عين , وبعد وفاته بأربعة أشهر أتت زوجه بولد سمّته عبد الواحد .
ولقد حاول الشيخ عبد الواحد بمجرّد وصوله إلى القاهرة أن ينشر فيها الثقافة الصوفيّة , فساهم ماليّاً وأدبيّاً في إخراج مجلّة (( المعرفة )) , وقد بدأت المجلّة وعليها طابع التصوّف , ولكنّها ـ فيما يبدو ـ لم تجد الإقبال المنتظر , فأخذت تتّسم شيئاً فشيئاً بالطابع الأدبي , ثمّ توقّفت عن الصدور بعد ثلاث سنوات من حياتها .
ومكث الشيخ عبد الواحد في القاهرة يؤلّف الكتب , ويكتب المقالات , ويرسل الخطابات إلى جميع أنحاء العالم .
كان حركة دائمة ؛ حركة فكريّة وروحانيّة ترسل بسنائها إلى كلّ من يطلب الهداية والرشاد .

وفــاته :
واستمرّ هكذا إلى أن أتاه المصير المحتوم في 7 يناير سنة 1951م تحيط به أسرته الكريمة , وبجواره السيّدة (( فلنتين دي سان بوان )) ؛ تلك السيّدة العظيمة التي أقامت في القاهرة منذ سنة 1924م , واستقبلت الشيخ عند حضوره , واستمرّت صديقة له طيلة إقامته بالقاهرة , ثمّ ودّعته الوداع الأخير .
كانت هذه السيّدة أديبة مشهورة , وصحفيّة لامعة , ولا عجب في ذلك فقد كانت من أسرة (( لامرتين )) , وقد اعتنقت الإسلام , وناضلت عنه جزاها الله خير الجزاء .
ولقد وصف الكاتب المشهور (( أندريه روسو )) ـ حيث كان في القاهرة إذ ذاك ـ جنازة الشيخ عبد الواحد فكتب في جريدة ((الفيجارو)) الفرنسيّة يقول : " شُيّعتْ جنازته في اليوم التالي لوفاته , فذبح تحت نعشه ـ كما هي العادة ـ كبش وأسيل دمه على عتبة المنزل , وسار في الجنازة زوجه وأطفاله الثلاث , واخترقت الجنازة البلدة إلى أن وصلت إلى مسجد سيّدنا الحسين حيث صُلّيَ عليه , ثمّ سارت الجنازة إلى مقبرة الدراسة . لقد كانت جنازة متواضعة مكوّنة من الأسرة , ومن بعض الأصدقاء , ولم يكن فيها أيّ شيخ من مشايخ الأزهر , ودفن الشيخ عبد الواحد في مقبرة أسرة الشيخ محمد إبراهيم " .وكان آخر ما قال لزوجه : (( كوني مطّمئنة ؛ سوف لا أتركك قطّ , حقيقة أنّك لا ترينني , ولكنّني سأكون هنا وسأراك )) .ويضيف روسو : " والآن حينما لا يلتزم أحد أطفالها الهدوء فإنّها تقول له : كيف تجرؤ على ذلك مع أنّ والدك ينظر إليك , فيلتزم الطفل السكون في حضرة والده اللامرئي " .
وفي 9 يناير وصلت إلى باريس برقيّة تعلن : (( وفاة رينيه جينو الفيلسوف والمستشرق الفرنسي )) ؛ وما أن وصلت هذه البرقيّة حتّى أخذت الصحف والمجلّات تنشر مختلف المقالات عن الشيخ تحت عناوين مختلفة منها ؛ (( حكيم كان يعيش في ظلّ الأهرامات )) , ((فيلسوف القاهرة )) , (( أكبر الروحانيّين في العصر الحديث )) .
ووصفوه (( بالبوصلة المعصومة )) , و (( بالدرع الحصين )) , ثمّ خصّصت له مجلّة (( إتيد تراد سيونل )) عدداً ضخماً كتب فيه الكثيرون من كتّاب فرنسا أروع المقالات .
وكذلك خصّصتْ له مجلّة (( فرنسا ـ أسيا )) عدداً ضخماً كتب فيه كذلك كثير من الكتّاب الفرنسيّين , ولكنّ جينو كان عالميّاً , ولذلك أوسعت المجلّتان صدرهما للكتّاب الألمان والإنجليز , وغيرهم من غربيّين وشرقيّين , فكتبوا المقالات المستفيضة التي تناولت آثاره بالتحليل والتقدير , وأخيراً خصّه الكاتب الفرنسي الشهير (( بول سران )) بكتاب خاص تناول فيه نواحيه المتعدّدة مُبدياً إعجابه العظيم , وتقديره السامي .
ولكن ما كتب عنه لم يكن كلّه من هذا النمط , فقد كان هناك أعداؤه ؛ كان هناك الماسونيّون المنحرفون , كان هناك المسيحيّون الحانقون , وكان هناك المشايعون لهذه الحضارة الماديّة التي هاجمها جينو ولعنها في غير ما رأفة أو رحمة .
وقد كتب هؤلاء كلّهم ضدّ جينو , واحتدّ الخلاف بين أنصاره وأعدائه , وكانت النتيجة من ذلك كلّه خيراً وبركة , فقد حثَّ ذلك الكثيرين على قراءة كتب جينو ؛ وفي قراءته الخير كلّ الخير , وكانت النتيجة المباشرة لذلك كلّه أن اضطرّبت وتهافتت حجج المبشّرين ضدّ الإسلام , وأخذ الإسلام يغزو أوربا في بعض أفراد من طبقتها المثقّفة , وتكونت الجمعيّات في فرنسا وسويسرا تريد أن تنهج نهج الشيخ عبد الواحد وتسير على منواله .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-14-2009
  #4
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

رينيه جينو بقلم الدكتور عبد الحليم محمود ( شيخ الأزهر ) :

ولا يتأتّى أن نترك المجال دون أن نذكر بعض ما سبق أن كتبناه عن الشيخ , لقد كتبنا عنه في الكتيّب الذي نشرناه بعنوان (( أوربا والإسلام)) ما يلي : " أمّا الذي كان إسلامه ثورة كبرى هزّت ضمائر الكثيرين من ذوي البصائر الطاهرة , فاقتدوا به واعتنقوا الإسلام , وكوّنوا جماعات مؤمنة مخلصة , تعبد الله على يقين في معاقل الكاثوليكيّة في فرنسا , وفي سويسرا .. فهو العالم الفيلسوف الحكيم الصوفي (( رينيه جينو )) الذي يدوي اسمه في أوربا قاطبة , وفي أمريكا , والذي يعرفه كلّ هؤلاء الذين يتّصلون اتصالاً وثيقاً بالدراسات الفلسفيّة الدينيّة في أوربا , أو في أمريكا .
وكان سبب إسلامه بسيطاً منطقيّاً في آنٍ واحد ؛ لقد أراد أن يعتصم بنصٍّ مقدّس , لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , فلم يجد ـ بعد دراسة عميقة ـ سوى القرآن , فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله التحريف ولا التبديل لأنّ الله تكفّل بحفظه , وحفظ حقيقة (( إنّا نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون )) .
لم يجد سوى القرآن نصّاً مقدّساً صحيحاً ؛ فاعتصم به , وسار تحت لوائه , فغمره الأمن النفساني في رحاب الفرقان .
ومؤلّفاته كثيرة مشهورة من بينها كتاب (( أزمة العالم الحديث )) بيّن فيه الانحراف الهائل الذي تسير فيه أوربّا الآن , والضلال المبين الذي أعمى الغرب عن سواء السبيل . أمّا كتابه (( الشرق والغرب )) فهو من الكتب الخالدة التي تجعل كلّ شرقيّ يفخر بشرقيّته ؛ وقد ردّ فيه إلى الشرق اعتباره مبيّناً أصالته في الحضارة , وسموّه في التفكير , وإنسانيّته التي لا تقاس بها ماديّة الغرب وفساده وامتصاصه للدّماء , وعدوانه الذي لا يقف عند حدّ , وظلمه المؤسس على الماديّة والاستغلال , ومظهراً في كلّ صفحة من صفحاته نبل الشرقيّين وعمقهم وفهمهم للأمور فهماً يتّفق مع الفصيلة ومع أسمى المبادئ الإنسانيّة ..!
وقد كتبنا عنه تقريراً لإحدى جامعاتنا المصريّة للتّعريف به ننشره فيما يلي : " رينيه جينو ؛ من الشخصيات التي أخذت مكانها في التاريخ, يضعه المسلمون بجوار الإمام الغزالي وأمثاله , ويضعه غير المسلمون بجوار أفلوطين صاحب الأفلاطونيّة الحديثة وأمثاله .
وإذا كان الشخص في بيئتنا الحاليّة لا يُقدّر التقدير الذي يستحقّه إلا بعد وفاته , فقد كان حسن حظّ (( رينيه جينو )) أنّه قُدّرَ أثناء حياته , وقُدّر بعد وفاته ؛ أمّا في أثناء حياته فكان أوّل تقدير له أن حرّمت الكنيسة قراءة كتبه , والكنيسة لا تفعل هذا إلا مع كبار المفكّرين الذين تخشى خطرهم , وقد وضعته بذلك بجوار عباقرة الفكر الذين اتخذت تجاههم نفس المسلك , ولكنّها رأت في (( رينيه جينو )) خطراً يكبر كلّ خطر سابق , فحرّمت حتّى الحديث عنه .
وإذا كان هذا تقديراً سلبيّاً له قيمته , فهناك التقدير الإيجابي الذي لا يقلّ في أهمّيته عن التقدير السلبي ؛ فهناك هؤلاء الذين استجابوا لدعوة (( رينيه جينو )) فألّفوا جمعيات في جميع العواصم الكبرى في العالم , وعلى الخصوص في سويسرا وفي فرنسا , والمكوّنون لهذه الجمعيات احتذوا حذو (( رينيه جينو )) فاتخذوا الإسلام ديناً , والطهارة والإخلاص وطاعة الله شعاراً وديدناً , ويكونون وسط هذه الماديّة السابغة ؛ وهذه الشهوات المتغلّبة واحاتٍ جميلة , يلجأ إليها كلّ من أراد الطهر والطمأنينة .
ومن التقدير الإيجابي أيضاً ؛ أنّ كتبه رغم تحريم الكنيسة لقراءتها قد انتشرت في جميع أرجاء العالم , وطبعت المرّة بعد الأخرى , وترجم الكثير منها إلى جميع اللّغات الحيّة الناهضة ؛ ما عدا العربيّة للأسف الشديد .
ومن الطريف أنّ بعض الكتب ترجم إلى لغة الهند الصينيّة , ووضعت كشرح للوصيّة الأخيرة من وصايا (( الدالاي لاما )) , ولم يكن يوجد في الغرب شخص متخصّص في تاريخ الأديان إلا وهو على علم بآراء (( رينيه جينو )) .
كلّ هذا التقدير في حياته ؛ أمّا بعد مماته فقد زاد هذا التقدير , لقد كتبت عنه جميع صحف العالم , ومنها بعض الصحف المصريّة العربيّة ؛ كالمصوّر مثلاً , الذي كتب عنه في استفاضة , والصحف الإفرنجيّة أيضاً ؛ كمجلّة (( أيجيت نوفل )) التي أخذت تكتب عنه عدّة أسابيع , ثمّ أخذت تكتب عنه كلّ عام في ذكرى وفاته .
وقد خصّصت له مجلّة (( فرنسا أسيا )) وهي مجلّة محترمة ؛ عدداً ضخماً كتب فيه كبار الكتّاب الشرقيّين والغربيّين , وافتتحته بتقدير شاعر فرنسا الأكبر (( أندريه جيد )) لرينيه جينو وقوله في صراحة لا لبس فيها : " إنّ آراء (( رينيه جينو )) لا تُنقض " .وخصّصت مجلّة (( ايتودترا ديسيونيل )) وهي المجلّة التي تعتبر في الغرب كلّه لسان التصوّف الصحيح ؛ عدداً ضخماً من أعدادها كتب فيه أيضاً كبار الكتّاب الشرقيّين والغربيّين .
ثمّ خصّص له الكاتب الصحفي الشهير (( بول سيران )) كتاباً ضخماً تحدّث فيه عن حياته , وعن آرائه , ووضعه ـ كما وضعه الآخرون الذين كتبوا عنه ـ في المكان اللائق به ؛ بجوار الإمام الغزالي أو الحكيم أفلوطين .
نشأ (( رينيه جينو )) في فرنسا من أسرة كاثوليكيّة ثريّة محافظة , نشأ مرهف الشعور , مرهف الوجدان , متجهاً بطبيعته إلى التفكير العميق والأبحاث الدقيقة , وهاله ـ حينما نضج تفكيره ـ ما عليه قومه من ضلال ؛ فأخذ يبحث في جدٍّ عن الحقيقة , ولكن أين هي ؟ أفي الشرق أم في الغرب ؟ وهل هي في السماء أم في الأرض ؟
أين الحقيقة ؟ سؤال وجّهه (( رينيه جينو )) إلى نفسه , كما وجّهه من قبل إلى نفسه ؛ الإمام المحاسبي , والإمام الغزالي , و الإمام محيي الدين ابن عربي , وكما وجّهه قبلهم عشرات من المفكّرين الذين أبوا أن يستنيموا للتّقليد الأعمى ....
وتأتي فترة الشّك والحيرة والألم المُمضّ , ثمّ يأتي عون الله ؛ وكان عون الله بالنسبة لرينيه جينو أن بهرته أشعّة الإسلام الخالدة , وغمره ضياؤه الباهر , فاعتنقه , وتسمّى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى , وأصبح جنديّاً من جنوده يدافع عنه ويدعوا إليه .
ومن أمثلة ذلك ما كتبه في كتاب (( رمزيّة الصليب )) تفنيداً للفريّة التي تقول : " إنّ الإسلام انتشر بالسيف " , ومن أمثلة ذلك أيضاً ما كتبه في العدد الخاص الذي أصدرته مجلّة (( كايية دي سود )) في عددها الخاص بالإسلام والغرب دفاعاً عن الروحانيّة الإسلاميّة .
لقد أنكر الغربيّون روحانيّة الإسلام , أو قلّلوا من شأنها , وأشادوا بروحانيّة المسيحيّة وأكبروا من شأنها , ووضعوا التصوف المسيحي في أسمى مكانة , وقلّلوا من شأن التصوف الإسلامي .
كتب الشيخ عبد الواحد يحيى مبيّناً سمو التصوّف الإسلامي وروعته , وقارن بينه وبين ما يسمّونه بالتصوّف المسيحي , أو (( الميستيسيسم )) وانتهى بأنّ هذا الميستيسيسم لا يمكنه أن يبلغ ولا عن بعد ما بلغه التصوّف الإسلامي من سموّ , ومن جلال .
على أنّ الشيخ عبد الواحد يحيى لم يشد بالإسلام فحسب , وإنّما أشاد في جميع كتبه , وفي مواضيع لا يأتي عليها حصر بالشرق , ثمّ خصّص كتاباً ضخماً بعنوان : (( الشرق والغرب )) تزيل قراءته من نفس كلّ شرقي مركّب النقص الذي غرسه الاستعمار في نفوس الشرقيّين في السنوات الأخيرة .
لقد دأب الاستعمار على أن يغرس في نفوس الشرقيّين أنّهم أقلّ حضارة , بل أقلّ إنسانيّة من الغربيّين ...
وأتى الشيخ عبد الواحد فقلب الأوضاع رأساً على عقب , وبيّن للشرقيّين قيمتهم , وأنّهم منبع النور و الهداية , ومشرق الوحي والإلهام .
إنّ كلّ شرقيّ يفخر بشرقيّته بمجرد قراءته لهذا الكتاب , هو ليس كتاباً يشيد بالشرق على الأسلوب الصحفي , أو على الطريق الإنشائيّة , وإنّما هو كتاب علمي بأدقّ المعاني لكلمة علم , وهذا وحده يكفي لأن يقيم الشرقيّون مظاهر التكريم للشيخ عبد الواحد اعترافاً منهم بالجميل , والله الموفق .



المدرسة الشاذليّة الحديثة للدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-14-2009
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى






اقتباس

وكان يبتعد ويبعد تلاميذه عن جميع الصغائر , وكان تأثيره قوياً إلى درجة أنّه حينما تلتقي برجل شرقيّ ترى فيه سموّ الأخلاق وسعة المعرفة , فيجب أن تعلم أنّه " شاذلي

ــــــــــــــــــــــــــــــــ اقتباس ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.وكان آخر ما قال لزوجه : (( كوني مطّمئنة ؛ سوف لا أتركك قطّ , حقيقة أنّك لا ترينني , ولكنّني سأكون هنا وسأراك )) .ويضيف روسو : " والآن حينما لا يلتزم أحد أطفالها الهدوء فإنّها تقول له : كيف تجرؤ على ذلك مع أنّ والدك ينظر إليك , فيلتزم الطفل السكون في حضرة والده اللامرئي " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ تعليق ــــــــــــ
ذكرتني هذه الكلمات عندما كنا بحضور حفل زواج ولد اخينا عايد العبد الحميد رحمه الله كلمات للشيخ محمد رجو حفظه الله وهي : أشعر ان روح اخينا المرحوم عايد العبد الحميد تحلق حول هذا المكان
ــــــــــــــــــــ شكر ـــــــــــــــــــــــــــ
بارك الله بكم سيدي هيثم على اتحافنا بهذه السيرة الرائعة العطرة
واسمح لي ان انقل الموضوع الى النادي المخصص لان هذه النادي خاص برجال السلسة النورانية المباركة المتصلة
واذا وافقني الاحباب نجعل نادياً لعلماء الشاذلية
الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	481184599.jpg‏
المشاهدات:	23162
الحجـــم:	28.2 كيلوبايت
الرقم:	2194  

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 08-21-2011 الساعة 12:35 AM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-14-2009
  #6
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

اقتراح جيد


هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-15-2009
  #7
ابوعبدالله
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: دير الزور - الكرامة
المشاركات: 2,061
معدل تقييم المستوى: 18
ابوعبدالله is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

شكرا لكم أخي المحترم هيثم على هذه السيرة العطرة المنورة
ولهذا الجهد المميز والواضح الذي حبس أنفاسنا حتى النهاية
وبارك الله بكم
ابوعبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-17-2009
  #8
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

نسأل الله الصدق والإخلاص

هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2009
  #9
الشريف اسامه خليف
محب جديد
 الصورة الرمزية الشريف اسامه خليف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 11
معدل تقييم المستوى: 0
الشريف اسامه خليف is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

جميل جداا سيدى هيثم وقد اطلع على هذا البحث سماحة سيدى عبد الواحد عبد الواحد يحيا وقد

طلب منى ان ابلغك شكره وان تتفضل فى مجلسه العامر يوم الثلاثاء بالدقى وهذه دعوة

سيدى الابن البار بوالده سيدى عبد الواحد يحيا الابن الى سيدى هيثم
الشريف اسامه خليف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2009
  #10
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشريف اسامه خليف مشاهدة المشاركة
جميل جداا سيدى هيثم وقد اطلع على هذا البحث سماحة سيدى عبد الواحد عبد الواحد يحيا وقد

طلب منى ان ابلغك شكره وان تتفضل فى مجلسه العامر يوم الثلاثاء بالدقى وهذه دعوة

سيدى الابن البار بوالده سيدى عبد الواحد يحيا الابن الى سيدى هيثم
جزاك الله خير الجزاء سيّدي الشريف أسامة
لقد مننتم عليَّ بمنّة أسأل الله أن يكافئكم عليها بما تستحقّونه

لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي بهذه البشارة التي زففتموها إليّ

بلغ سلامي الحار إلى سيّدي عبد الواحد , وقبّل لي يده المباركة , وقل له بأن لا ينسانا من الدعاء

وأسأل الله أن يكرمنا بزيارته , وتقبيل يده المباركة

جزاك الله الفردوس
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معهد الفتح الإسلامي عبدالقادر حمود المناسبات الدينية واخبار العالم الاسلامي 3 01-20-2012 04:47 PM
برنامج دليل الانترنيت 2008 العالمي احمد قسم الحاسوب 2 08-31-2009 10:24 PM
إنشاء المجلس الصوفي العالمي في القاهرة ابوعبدالله القسم العام 6 05-08-2009 02:55 AM
مشروع الصرف الصحي في أبو حردوب مشكلة القرن الواحد والعشرون عبدالقادر حمود ركن وادي الفرات 1 02-14-2009 02:42 AM
اسلام القائد الفرنسي منو عبدالقادر حمود ركن التاريخ 0 08-31-2008 10:47 PM


الساعة الآن 02:08 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir