أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           الحَمْدُ لله الذِي عَافَانِي في جَسَدِي ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وأَذِنَ لي بِذِكْرهِ           
العودة   منتديات البوحسن > التزكية > رسائل ووصايا في التزكية

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-23-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الملاحق - ملحق امير داغ الثاني


ملحق أميرداغ
2
بسم الله الرحمن الرحيم
الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 325

[شهادة]
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
اهنئكم بالعيد السعيد واذكّركم بما اخبرتكم سابقا عن قبولي كلاً منكم - حسب درجته - سعيداً، ووارثاً لي ومحافظاً لرسائل النور بدلاً عني، وذلك بناء على خاطرة معنوية. وابين لكم الآن ايضاً:
لما كنتم قد اعطيتم لي استاذية - بما يفوق حدي بكثير - في العلوم الايمانية والخدمة القرآنية، بناء على حسن ظنكم المفرط. فأنا كذلك امنح كلاً منكم شهادة - كما كان الاساتذة يمنحون الشهادة العلمية الى من يستحقها من الطلاب - وابارككم بكل ثقتي ووجداني وروحي.
فلقد سعيتم في سبيل نشر رسائل النور الى الآن سعياً يفوق الحد، مع الالتزام بالوفاء التام والاخلاص الكامل. وستستمرون عليه باسطع صورة وابهاها، فتصبحون باذن الله الوفاً من "سعيدين" مقتدرين اقوياء جادين في مهمتهم بدلاً من هذا "السعيد" العاجز الضعيف المتقاعد.
سعيد النورسي

***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 326
المكاتيب التى كتبت في اميرداغ
بعد سجن آفيون
باسمه سبحانه

الى رئيس الشؤون الدينية
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
ليذهب احدكم بدلاً عنى الى رئاسة الشؤون الدينية، وليبلّغ تحياتي واحتراماتي الى رئيسها السيد احمد حمدي وليبلّغه الآتي:
انكم تفضلتم قبل سنتين بطلب مجموعة كاملة من كليات رسائل النور، وقد احضرتها لكم. ولكن على حين غرة زجّونا في السجن، فلم استطع تصحيحها، لذا لم ابعثها الى حضرتكم. وانا الآن منشغل بتصحيحها، ولكن يبدو انني لا اتمكن من اتمامها بسرعة لتدهور صحتي من جراء التسمم. وسوف نقدمها لكم حالما تنتهي مهمة التصحيح باذن الله. وحيث ان من لا يقبل الهدية لا يهدي، فان ثمن هذا التفسير المعنوى القيم، سيكون ثمناً معنوياً سامياً، وهو ما تبذلونه من مساعٍ لإطلاق نشر رسائل النور بصفتكم رئيس العلماء في هذه البلاد الاسلامية. ونرسل معها ايضاً ثلاثة اجزاء من المصحف الشريف، سبق ان اريناكموه، راجين بذل الهمة والسعى لطبعه.
وابيّن لشخصكم الفاضل بوضوح:
انه لم يحدث تعدٍ غادر فاضح في التأريخ تجاه علم الحقيقة والحقائق الايمانية كما يحدث في قضيتنا نحن، لذا فمن مقتضى ديوانكم العلمى وموقع رئاستكم اداء هذه الوظيفة الدينية والعلمية قبل اى شئ آخر.
وفي اثناء تسممي الاخير فكرت في أجلي، وتسلّيت بأن "احمد حمدي" سيتبنّى رسائل النور بدلاً عني.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 327
وابعث لكم ايضاً نسخة كاملة من "دفاعاتي" في المحكمة، سبق ان ارسلت الى ديوانكم اجزاءً منها. وهي عين الحقيقة. ابعثها لكم على أمل ابرازها كمرجع لمن يسعى لإطلاق نشر رسائل النور باشرافكم.
***

"
رسالة صونغور من آنقرة الى الأستاذ "
[تباشير طبع الرسائل]
باسمه سبحانه
(وان من شىءٍ الاّ يسبح بحمده)
حضرة الفاضل استاذي العزيز المشفق المبارك المحبوب!
لقد سلّمت رسالتكم الغراء الى حضرة السيد احمد حمدي رئيس ديوان الشؤون الدينية، مع مجموعة من الرسائل. فوضعها بفرح بالغ في مكتبته الخاصة وقال: "سأعطي - ان شاء الله - هذه المجموعة الى اخوتي الخاصين لقراءتها، وسنحاول - على هذه الصورة - طبعها تدريجياً" وقد قال ايضاً - يا سيدي ويا استاذي المحبوب: انه سيعمل حسب ما ورد في رسالتكم الكريمة، الاّ انه لا يمكن نشر هذه المجموعات دفعة واحدة في الوقت الحاضر، الاّ انني سأُقرؤها اخوتي الخواص وننشرها حسب اهتمام الناس بها والطلب عليها، وباذن الله ساسعى لنشرها على أفضل ما يكون.
صونغور
***

[محاولة ترجمة القرآن الكريم ]
تُكتب النكتة الآتية في مقدمة المقام الثاني للمكتوب التاسع والعشرين عقب السؤال والجواب مباشرة:


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 328
"ان سبب تأليف هذه الرسالة هو نوع من الرد على الخطة الرهيبة بجعل قراءة ترجمة القرآن في الجوامع بدلاً من القرآن نفسه. ولكن دخلت في الرسالة تفاصيل وبحوث ليست من صلب الموضوع...
وخطر على القلب: ان المقام الاول للمكتوب التاسع والعشرين، هذا المقام المهم الضروري الساطع الخارق يزيل نقائص المقام الثاني واسرافه.
فشكرت ربي بسرور كامل ونسيت تلك النقائص.
***

رسالة شخصية الى رئيس الشؤون الدينية
باسمه سبحانه
(وإن من شىء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حضرة السيد احمد حمدي المحترم !
سأبين لكم حادثة روحية جرت لي:
قبل مدة مديدة كانت فكرة اتباع الرخصة الشرعية - بناء على الضرورة - وترك العزيمة لاينسجم مع فكري، مثلما سلكتموه انتم وعلماء معكم. فكنت اغضب واحتدّ عليكم وعليهم. واقول: لِمَ يتركون العزيمة متبعين الرخصة؟. لذا ما كنت ابعث اليكم رسائل النور مباشرة.
ولكن قبل حوالي اربع سنوات ورد الى قلبي، أسف شديد مشحون بالانتقاد. وفجأة خطر على القلب ما يأتي:
ان هؤلاء الافاضل اصدقاؤك وزملاؤك في المدرسة الشرعية، وفي مقدمتهم السيد احمد حمدي، قد هوّنوا الخطر الداهم - على الاسلام - الى الربع. وذلك بصرفهم قسماً من الوظيفة العلمية - حسب المستطاع - من امام التخريبات الرهيبة العنيفة، حفاظاً على المقدسات، متبعين الدستور الشرعي "اهون الشرين" وسيكون عملهم هذا - ان شاء الله - كفارة لبعض نقائصهم وتقصيراتهم التي اضطروا اليها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 329
فبدأت من ذلك الوقت انظر اليكم والى امثالكم نظرة اخوة حقيقية - كالسابق - فأنتم اخوتي في المدرسة الشرعية وزملائي في الدراسة.
وحيث انني كنت اترقب وفاتي من وراء تسممي هذا، عزمت على تقديم مجموعة كاملة اليكم قبل ثلاث سنوات آملاً ان تكونوا الصاحب الحقيقي لرسائل النور وحاميها بدلاً عني. غير ان المجموعة ليست مصححة ولا كاملة، الاّ انني قمت بشئ من التصحيح لمجموعة كاملة اكثر اجزائها استنسخها- قبل خمس عشرة سنة - ثلاثة طلاب لرسائل النور لهم شأنهم..
فما كنت اعطي هذه المجموعة النفيسة الى غيرك، حيث ان كتابتها من قبل هؤلاء الثلاثة الاعزاء جعلتْ قيمتها تعادل عشر مجموعات كاملة. ومقابل هذا فان ثمنها المعنوي ثلاثة امور:
الاول: استنساخ ثلاثين نسخة تقريباً من كل منها "بالرونيو" بالحروف القديمة ان امكن، والاّ فبالحروف الجديدة، وتوزيعها على شُعب رئاسة الشؤون الدينية في البلاد. بشرط ان يكون احد اخواننا الخواص مُعيناً على اجراء التصحيح وقائماً بأمره. لان نشر امثال هذه المؤلفات من مهمة رئاسة الشؤونة الدينية.
الثاني: لما كانت رسائل النور بضاعة المدرسة الشرعية وملكها، وانتم اساس المدرسة الشرعية ورؤساؤها وطلابها، فالرسائل اذاً ملككم الحقيقي. فانشروا ما ترتأون منها واجّلوا الاخرى!
الثالث: ليطبع المصحف الشريف الذي يبين التوافقات في لفظ الجلالة، بالصورة الفوطوغرافية لتشاهد لمعة الاعجاز في التوافقات. ويرجى عدم طبع التعاريف التركية حول التوافقات الموجودة في البداية مع المصحف الشريف، بل الافضل طبعها في كراس مستقل باللغة التركية او تترجم ترجمة امينة الى العربية.
***

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني

الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 330
[سرّ الاخلاص والحذر في هذا العمر]اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لقد اخطر على قلبي ان أبيّن لكم بعض المسائل التي تخصني بالذات:
ان سر الاخلاص يمنعني منعاً باتاً ان اجعل رسائل النور والخدمة الايمانية اداة لرتب دنيوية ولمقامات اخروية لشخصي، كما ارفض رفضًا قاطعاً جعل تلك الخدمة المقدسة وسيلة لراحتي بالذات وقضاء حياتي الدنيوية مرتاحاً هنيئاً، حيث ان صرف الحسنات الاخروية وثمراتها الخالدة في سبيل نيل لذائذ جزئية لحياة فانية ينافي سر الاخلاص، لذا ابلغكم جازماً:
ان خداماً روحانيين من الجن - ممن يرغب فيهم المعكتفون المنزوون من تاركي الدنيا- لو حضروا أوان جرحي وأتوني بأفضل دواء لي فانني اجد نفسي مضطراً الى عدم قبولهم تحقيقاً للاخلاص الحقيقي. بل لو تمثل قسم من الاولياء ممن هم في البرزخ واعطوني افضل الحلويات، فلا اقبلها منهم مع تقبيلي ايديهم، وذلك لئلا آكل ثمرات اخروية باقية في دنيا فانية. وقد أبدت نفسي ايضاً رضاها كقلبي في عدم قبولها.
ولكني اقبل الإكرامات الرحمانية القادمة من حيث العناية الالهية -كالبركة - من دون ان نقصدها وننويها، اقبلها بروحي - بشرط عدم تدخل النفس الامارة - ذلك لانها علامة قبول الخدمة والرضى عنها.
وعلى كل حال يكفى هذا القدر لهذه المسألة.
ثانياً: في اثناء الحرب العالمية الاولى كنت مع الشهيد المرحوم الملا حبيب، نندفع بالهجوم على الروس في جبهة "باسينلر". فكانت مدفعيتهم تواصل رمي ثلاث قذائف علينا في كل دقيقة او دقيقتين ، فمرت ثلاث قذائف من على رؤوسنا تماماً وعلى ارتفاع مترين وانفلقت احداها في الوادى الذى وراءنا. وتراجع جنودنا القابعون في الخندق. قلت للملا حبيب للتجربة والامتحان:
ما تقول يا ملا حبيب؟ لن اختبئ من قنابل هؤلاء الكفار. فقال: وانا كذلك لن اتخلف عنك ولن افارقك. فوقعت الثانية على مقربة منا. فقلت للملا حبيب واثقاً


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 331
من الحفظ الالهى لنا: هيا نتقدم الى الامام! ان قذائف الكفار لا تقتلنا، نحن لن نتدنى الى الفرار والتخلف.
وكذا الامر في معركة "بتليس" وفي الجبهة الامامية منها، فقد اصابت ثلاث طلقات للروس موضعاً مميتاً مني وثقبت احداها سروالي ومرت من بين رجليّ. كنت احمل حينها - في تلك الحالة الخطرة - حالة روحية تترفع عن النزول الى الخندق، حتى قال القائد "كل علي" والوالي "ممدوح" من الخلف: لينسحب، او ليدخل الخندق فوراً! ورغم قولهم هذا وقولي: قذائف الكفار لا تقتلنا، وعدم اكتراثي بالحذر والحيطة، فلم احاول الحفاظ على حياتي البهيجة ايام شبابي تلك. ولكن الآن رغم الثمانين التي بلّغتها اتخذ منتهى الحذر والحيطة لحفظ حياتي، حتى اتجنب المخاطر بحساسية شديدة.
فالذي يراقب هاتين الحالتين يجد التضاد العجيب. اذ من يضحي بايام شبابه دون احجام ويحاول الحفاظ بحساسية شديدة على بضع سنين من حياة الشيخوخة الفاقدة للذوق، لا شك ان الامر نابع من حكمة، وفيه مقصدان ساميان اثنان او ثلاث: المقصد الاول:
ان حياتي، حياة الشيخوخة والضعف تكون سبباً لنجاة طلاب رسائل النور - الى حدٍ ما - من الدسائس التي يحيكها الظالمون المتسترون - غير الرسميين وقسم من الرسميين - ومن هجماتهم التي يشنونها على شخصي بالذات حيث يظنون ان لي شأناً - جهلاً منهم - فينشلغون بي بدلاً عن طلاب رسائل النور. المقصد الثاني:
على الرغم من ان كلاً من اخوتي الخواص هم اصحاب رسائل النور وبمثابة "سعيد " كامل، فانني اشعر بضرورة حفظ حياتي المريضة الضعيفة الهرمة، لترسيخ التساند والترابط الذي هو اعظم قوتنا - بعد الاخلاص - ولئلا يصيبه شئ من التصدع - كما حدث في السجن - من جراء اختلاف المشارب، ولربما تلحق اضرار جسيمة بخدمة النور.. ولأجل ان تظهر مجموعات "الكلمات" و"اللمعات".. وليدفع بلاء الترويع من رسائل النور لدى العلماء النابع من الخوف والمنافسة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 332
ذلك لان اعدائي - طوال الامتحانات المديدة في المحاكم - عجزوا عن رؤية تقصيراتي الخفية، فلم يستطيعوا من التهوين من شأني بحفظ الله وعنايته، فلا يستطيعون ايضاً التغلب على رسائل النور. فاحاول الحفاظ على حياتي التي لا اهمية لها لقلقي على ان اعداءنا ربما يستطيعون الاضرار برسائل النور بالتهوين من شأن قسم من وارثيّ السعيدين الشباب، باختلاق الافتراءات عليهم في الحياة الاجتماعية، لامور لا تعرف ماهيتها، حتى رأيت ضرورة حمل مسدس آخر علاوة على ما عندي. وستبقى المؤامرات التي يحيكها الاعداء بائرة باذن الله ثم بفضل دعوات اخواني كما حصل في إبطال مفعول السم.
***

[تباشير تيار جديد]اخوتي الاعزاء الاوفياء!
ثالثاً: رغم انني لم اكترث بالحوادث السياسية الجارية منذ ثلاثين سنة ولم اتعقبها، فان مصادرتهم لمصحفنا الشريف الذي يظهر التوافقات في لفظ الجلالة وعدم اعادته الينا، والتعذيب الدنئ الذي قاسيناه بيد محكمة آفيون ومنعها لكتبنا.. كل ذلك أثّر فيّ أثراً بليغاً، فنظرت مرتين او ثلاثاً الى دنيا السياسة خلال ما يقرب من خمسة عشر يوماً. ورأيت عجبا:
ان تيار الزندقة الذي يحكم بالاستبداد المطلق والرشوة العامة قد سعى لتعذيبنا وافنائنا في سبيل ارضاء الماسونية والشيوعية، كما ذكرته في دفاعاتي، ولكني رأيت تباشير ظهور تيار آخر سيكسر قوة التيار الاول.. ولم انظر اكثر من هذا، اذ لا رخصة لي من حيث مسلكي.
الباقي هو الباقي
اخوكم المريض
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 333
[برقية الى رئيس الجمهورية]جلال بايار
رئيس الجمهورية
نهنئكم وندعو الله تعالى ان يوفقكم لخدمة الاسلام والوطن والامة.
عن طلاب النور
سعيد النورسي

الى السيد رئيس الجمهورية واعضاء مجلس الوزراء - آنقرةنحن طلاب النور اصبحنا هدفاً لما لا مثيل له من ضروب التعذيب والاهانة طوال عشرين سنة، فصبرنا تجاه ذلك حتى اتى المولى الكريم بكم لمعاونتنا.
ونقدم محكمة التمييز ومحكمة دنيزلي شاهدين على عدم وجود اي سبب كان لتلك الاهانات منذ خمس وعشرين سنة حيث لم تتمكن ثلاث محاكم من وجدان السبب، لاحقيقة ولا قانوناً بعد تدقيقاتهم في مائة وثلاثين كتاباً والوف المكاتيب.
وعلى الرغم من انني تركت السياسة منذ ثلاثين سنة، فانني اقدم تهانيّ الى رئيس الجمهورية والى مجلس الوزراء الذين تولوا رئاسة الاحرار، واقرن التهنئة بالافصاح عن "حقيقة" وهي الآتية:
ان الذين يغيرون علىنا ويعذبوننا في المحاكم قالوا: "ربما يستغل طلاب النور الدين في سبيل اغراض سياسية"! ونحن قلنا ونقول لاولئك الظالمين في دفاعاتنا ونسند قولنا باُلوف الحجج:
اننا لا نجعل الدين اداة للسياسة، فليس لنا غاية الاّ رضاه تعالى، ولن نجعل الدين اداة لا للسياسة ولا للسلطة ولا للدنيا برمتها. هذا هو مسلكنا.
وقد تحقق لدى اعدائنا، انهم على الرغم من تدقيقاتهم المغرضة طوال ثلاث سنوات في ثلاثة اكياس مليئة بالكتب والمكاتيب لا يستطيعون ادانتنا، بل لا يجدون مبرراً للاحكام الاعتباطية التي حكمونا بها. وحيث انهم لم يجدوا اي شئ علينا


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 334
فسخ التمييز ذلك الحكم. فنحن لا نجعل الدين اداة للسياسة بل نتخذ السياسة آلة للدين ومصالحة وفي وئام معه عندما نجد انفسنا مضطرين اضطراراً قاطعاً الى ان ننظر الى السياسة تجاه الذين يجعلون السياسة المستبدة اداة للالحاد، إضراراً للبلاد والعباد أضراراً بليغة، فعملنا يحقق رابطة اخوية لثلاثمائة وخمسين مليونا مع اخوانهم في هذه البلاد.حاصل الكلام:
اننا سعينا لأجل اسعاد هذه الامة والبلاد بجعل السياسة اداة للدين وفي وئام معه تجاه اولئك الذين جعلوا السياسة المستبدة آلة للالحاد وعذّبونا.
***

[بشارة اعادة الاذان الشرعي]باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: نهنئكم ملء كياننا وارواحنا بحلول شهر رمضان المبارك الذي يحقق ثمانين ونيف من عمر باق ملئ بالعبادة، ونتضرع اليه تعالى ان يجعل كل ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم مثمرة وبمثابة ليلة القدر. ونسأله تعالى برحمته الواسعة ونرجوه ان يجعلكم تحظون بالاخوة الحقة والاخلاص الكامل، حتى يشارك كل طالب نور خاص - بسر تشريك المساعي - بالمكاسب المعنوية لجميع الطلاب، وكأنه يؤدي العبادة ويدعو ربه ويستغفره ويسبّحه بالوف الالسنة.
ثانياً: مع غلبة رسائل النور وظهورها ظهوراً معنوياً كاملاً يحاول ملحدو الماسونيين وزنادقة الشيوعيين ان يستهولوا صغائر الامور، فيحولوا دون حرية نشر رسائل النور. حتى انهم سببوا تأجيل محكمتنا - لهذه المرة ايضاً - لخمسة وثلاثين يوماً. واحدثوا ضجة ومشادة مع محامينا، ليمنعوا اعادة مصحفنا الشريف. الاّ ان


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 335
العناية الالهية جعلت جميع خططهم عقيمة بائرة حيث ان رسائل النور في استانبول وانقرة تستقرئ نفسها للشباب بشوق كامل وترشدهم الى الصواب. حتى ادّت الغلبة المعنوية هذه الى ارسال البرقيات من قبل مئات الشباب المثقفين تعبيراً عن تهانيهم وشكرانهم الى رئيس الوزراء الذي سعى لإعادة الاذان المحمدي "على الوجه الشرعي".
***

[اسبارطة مباركة بالنسبة لي]اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: نبارك لكم بمناسبة ارتفاع الاذان المحمدي بكل بهجة وسرور وانشراح من فوق عشرات الالوف من المنائر في البلاد. فكما ان هذا بشرى لظهور الشعائر الاسلامية وسطوعها مجدداً في البلاد فهو مقدمة لأعياد جليلة لكم ولهذه البلاد وللعالم الاسلامي ان شاء الله.
ونحن هنا نقول آمين آمين آمين اللهم آمين لعباداتكم ودعواتكم المرفوعة في هذا الشهر المبارك، شهر رمضان الذي يُكسب المرء ثمانين ونيف من رأسمال عمر معمور بالعبادة، ونتضرع الى رحمته تعالى ان تكسب كل ليلة من لياليه المباركة ثواب ليلة القدر. راجياً منكم مدّ يد العون المعنوي لي، حيث لا استطيع مواصلة السعي في العبادة والدعاء في هذا الشهر لشدة المرض ولشدة الضعف الذي انتابني.
ثانياً: ان امنيتي الكبيرة هي ان اقضي نهاية حياتي في اسبارطه وحواليها. فقد قلت كما قال بطل النور:
ان اسبارطة مباركة بالنسبة لي بقضها وقضيضها بترابها وحجرها. حتى انني متى ما اعتراني الغضب والحدة على الاهانة والتعذيب الذي اُلاقيه من الحكومات السابقة منذ خمس وعشرين سنة، ما كنت اغضب على حكومة اسبارطة والمسؤلين فيها، بل كنت انسى بقية المسؤولين لاجل تلك البقعة الطيبة، فما كنت ادعو علىهم. ولاسيما الوطنيين الحقيقيين الذين بدأوا بتعمير ما هدم اولئك الاحرار الذين يتسمَّون


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 336
بالديمقراطيين. فانا شاكر اولئك الناشدين للحرية ويقدّرون النور وطلاب النور حق قدرهم وادعو ربي كثيراً لتوفيقهم. وسيرفع اولئك الاحرار الاستبداد المطلق بإذن الله. ويصبحون وسيلة للحرية الشرعية.
ثالثاً: ان مكوثي هنا لعدة ايام بعد العيد ضروري، بناء على سبب. اما بعد شهر او شهرين فهذا موكول الى قرار اركان مدرسة الزهراء وموافقة السعيدين الشباب من جامعة استانبول وانقرة. فأيّ موضع يرتأونه مناسباً لي للبقاء فسأرضى به. اذ لما كنتم وارثيّ الحقيقيين وتؤدون مهمتي في هذه الدنيا أفضل مما اؤديها بألف مرة، فسأدع موضع منزلي الأخير في هذه الحياة الفانية حسب رأيكم.
رابعاً: اخولكم في الجواب عن التهاني والرسائل القادمة ممن يعبّرون عن علاقتهم الشديدة بالنور.
***

[تأليف الطلاب سيرة استاذهم]اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: نتضرع الى المولى القدير- واسأله تعالى برحمته - ان يقبل احياء كل منكم مع جميع طلاب النور لليلة القدر التي تكسب ثمانين ونيفاً من سني العبادة، والتي توافق النصف الاخير من شهر رمضان ولاسيما في العشر الاواخر منه ولاسيما في الليالي المفردة ولاسيما في السابع والعشرين منه، وارجو ان تجعلوا اخاكم هذا الضعيف المقصر المريض ضمن دعواتكم المقرونة بألوف "آمين".
ثانياً: ان طلاب النور في الجامعة يمثلون "سعيدين" شباب، فهم يؤدون مهمة مدرسة الزهراء حق الاداء ، سواءً في استانبول او في أنقرة، ولا يدعون حاجة الى هذا السعيد الضعيف.
نرسل طي هذه الرسالة، البيان الذي وجهه الطلاب الجامعيون الى النواب والذي يمثل نموذجاً لكفاية رسائل النور، ونرفقه بـ "سيرة ذاتية" الذي يعدّ من تأليفهم ايضاً والمستنسخ باليد لاعطائه الى سبعين من النواب في البرلمان.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 337
فاذا ارتأيتم اجعلوا ذلك البيان ودفاع مصطفى صونغور الذي قدمه الى وزارة المعارف (التربية)، وعريضة مصطفى عثمان المقدمة الى وزارة العدل، ذيلاً لكتاب "سيرة ذاتية" المستنسخ باليد او بالرونيو في اينوبولو.
ثالثاً: ان اركان مدرسة الزهراء هم وكلاء حقيقيون لشخصي، فليكتبوا جواب الرسائل الواردة الى شخصي بالذات.
***

[الاخوان المسلمون وطلاب النور]اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً : بارك الله فيكم الف الف مرة على انجازكم مجموعة "الكلمات" على افضل وجه واصحّه. وحمدًا كثيراً لله على انقاذكم قسماً من المجموعات من المصادرة والتلف.
ثانياً: بالنسبة للتهنئة التي كتبها اليّ من حلب أحد اعضاء الاخوان المسلمين، فاننا نهنئه بالمقابل ونهنئ الاخوان المسلمين منصميم قلوبنا وارواحنا ونقول لهم:
بارك الله فيكم الف مرة. إن طلاب النور- الذين هم بمثابة خلف الاتحاد المحمدي السابق - يمثلون الاتحاد الاسلامي في الاناضول. اما في البلاد العربية فالاخوان المسلمون هم الذين يمثلون الاتحاد الاسلامي.. إن طلاب النور والاخوان المسلمين - من بين صنوف عديدة - يشكلان صفين مترافقين ومتوافقين ضمن حزب القرآن، وضمن دائرة الاتحاد الاسلامي المقدسة، وقد سعدنا باهتمامهم الجدي برسائل النور وبعزمهم على ترجمة بعضها الى اللغة العربية، ونحن نحمل لهم شعور العرفان بالجميل. لذا فارسلوا جوابا لمن ارسل الي بطاقة التهنئة باسم جمعية الاخوان المسلمين، وارجو منهم ان يقوموا برعاية طلاب النور ورسائل النور هناك.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 338
[سعيدون شباب]اخي العزيز الوفي عثمان نوري!
لقد جمع الله سبحانه حولك سعيدين شباب، لهم شأنهم بفضل ما تحمل من نية سامية واخلاص تام. وحيث انكم ترون وجودي في آنقرة ضرورياً، فأنا بدوري ارسل الىكم نسخي الخاصة من رسائل النور والتي تداركتها بنفقتي الخاصة، ارسلها الى تلك المدرسة النورية الصغيرة بدلاً عني. فتكون لك اصحاب وجيران بعدد تلك النسخ.
وفي الوقت نفسه اودع لديك سعيدين شباب وهم: صونغور، جيلان، صالح، عبدالله، احمد، ضياء، هؤلاء اثبتوا - الى الآن - بخدماتهم انهم مضحون اوفياء يفوق وفاء الابناء لآبائهم. فكل منهم بمثابة عشرة "عبدالرحمن". اودعهم لديك ليكونوا طلابا، ووكلاء عني، يؤدون مهمة النظارة - بدلاً عني - في تلك المدرسة الصغيرة، وجعلها مدرسة نورية صغيرة، والأمر أدعه الى رأيكم.
الباقي هو الباقي
اخوكم
سعيد النورسي
***

[انتقادات اهل الايمان]اخوتي الاعزاء الاوفياء الميامين!
........
ثانياً: انه لا اهمية قطعاً لانتقادات خفيفة يوجهها الينا بعض المتصوفة - كما ورد في رسالة اخينا من قونيا - وعليهم الاّ يتألموا منها، ولا يقابلوهم بالمثل بايّ وجه من الوجوه. لأني اعدّ تلك الانتقادات نوعاً من النصيحة وضرباً من الالتفاتة والتكريم، حيث انها واردة من اهل الايمان، ولاسيما من اهل الطرق الصوفية ولا سيما ما كانت


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 339
تمسّ شخصي بالذات. فأنا اسامحهم واعفو عنهم، فتجاه الاضرار الرهيبة التي ينزلها بنا أهل الالحاد حالياً اعدّ تلك الانتقادات الطفيفة من اخواننا اهل الايمان والتي تمسّ شخصي، توصية صديق شبيه بالتذكير والتنبيه لأخذ الحذر.
الباقي هو الباقي
اخوكم
سعيد النورسي
***

[من خدمات طلاب النور]ان الخدمات الايمانية التي قدمها طلاب النور، اركان مدرسة الزهراء - ولا سيما خُسرو - لهذه الامة والوطن والعالم الاسلامي ووضعهم الحد امام مكايد الملحدين المخرّبين ، هي حسنات عظيمة تذهب اُلوف سيئاتهم ــ لوكانت لهم سيئات بفرض محال ــ لذا يجب عدم انتقاد اعمال اولئك الاركان وحركاتهم - وفي مقدمتهم خسرو - بل يلزم إسنادهم باخلاص تام وتوثيق رابطة الاخوة معهم بوفاء خالص...
***

[حول رسالة "اللوامع "]اخوتي الاعزاء الاوفياء ويا اركان مدرسة الزهراء وناشري رسائل النور!
اولاً: لقد رأينا مسألةً ما مناسبة وملائمة. وخطر على القلب احالتها الى اركان مدرسة الزهراء ليبدوا رأيهم فيها، فهم اهل الرأي والصلاحية. وهي كالآتي:
بناء على لهفة ثلاثة اخوة يعاونونني في شؤوني الى تلقي درس موقت مني بضعة ايام، وشوقاً الى إحياء خاطرة قيمة درّستها طلابي في الماضي، فقد كنت ادرّس يومياً صحيفة واحدة من رسالة "اللوامع" المطبوعة، فتلقيناها معاً باعجاب وتقدير؛ اذ ورد الى فكرنا: ان سبب نفاد هذه الرسالة المطبوعة وامثالها، هو قيمتها الرفيعة التي


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني

الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 340
قدّرها الاعداء، فحالوا دون انتشارها، والاصدقاء الذين لا يريدون ان تفلت منهم فرصة اقتنائها. وشاهدنا ان هذه الرسالة "اللوامع" هي بمثابة بذور ونوي لقسم مهم من رسائل النور حيث تضم حكماً بليغة موجزة تحمل في طيّها حقائق اجتماعية عظيمة وردت باسلوب سهل ممتنع لا يمكن تقليده وبشكل منظوم كالمنثور، لم يوفق الىه اديب ولا مفكر، فيقرأها القاري بسهولة ويسر منثوراً من دون ان يورد الى خاطره النظم. وقد ألّفتْ في عشرين يوماً من ايام شهر رمضان المبارك بالعمل ساعة او ساعتين يومياً وذلك قبل سبع وثلاثين عاماً. وهي من ناحية الادب شبيهة بالمثنوي الرومي. وقد اخبرت عن امور ستتحقق مضامينها بعد ثلاثين سنة. فوضعنا اشارات في ثلاثين موضعاً من هذا القبيل، مما يدل على ان هذه "اللوامع" مبشّرة برسائل النور وفهرستها ومزرعتها وانموذجها.
***

بشرى .. وتنبيه!
"رسالة خاصة بأركان مدرسة الزهراء الحاليين"
"بشرى مهمة الى العجائز..
وتنبيه للآنسات اللائي يفضلن البقاء عازبات".
ان مفهوم الحديث (عليكم بدين العجائز) يحث على الاقتداء بدينهن، بمعنى ان الايمان الراسخ في آخر الزمان يكون لدى العجائز.
ولما كان أحد الاسس الاربعة لرسائل النور: "الشفقة" .. وان النساء هن رائدات الشفقة والحنان - حتى تضحي أشدهن تخوفاً بروحها، انقاذاً لطفلها - وان الولدات والاخوات المحترمات يواجهن في هذا الوقت أحداثًا جسامًا.. فقد اُلهم قلبي: أنه يلزم بيان حقيقة فطرية تخص الآنسات من طالبات النور بالرغم من أنها لا يجوز البوح بها أو نشرها، اذ هي خاصة جداً باللائي يرغبن البقاء في حياة العزوبة، أو اضطررن اليها . فأقول:
با بناتي ويا اخواتي!


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 341
ان زماننا هذا لا يشبه الأزمنة الغابرة، فلقد تمكّنت التربية الحديثة "الاوروبية" في المجتمع عوضاً عن التربية الاسلامية، طوال نصف قرن من الزمان. اذ بينما الذي يتزوج ليحصن نفسه من الآثام وليجعل زوجته صاحبته الابدية ومدار سعادته الدنيوية، بدافع من تربية الاسلام، تراه يجعل تلك الضعيفة المنكوبة، بتأثير التربية الاوربية، تحت سطوته و تحكّمه الدائم، ويحصر حبه لها في عهد شبابها وحده، وربما يزجها في عنت ومشقات تفوق كثيراً ما هيأ لها من راحة جزئية. فتمضي الحياة في عذاب وآلام، ولاسيما ان لم يكن الزوج كفؤاً - بالاصطلاح الشرعي - حيث الحقوق الشرعية لا تراعى . واذا ما تداخلت المنافسة والغيرة والتقليد فالبلاء يتضاعف.
وهكذا فالذي يدفع الى هذا الزواج اسباب ثلاثة: السبب الأول:
لقد وضعت الحكمة الالهية ميلا وشوقا في الانسان لإدامة النسل. ووضع أجرة لاداء تلك الوظيفة الفطرية، وهي اللذة. فالرجل ربما يتحمل مشاق ساعة لأجل تلك اللذة التي تدوم عشر دقائق - ان كانت مشروعة - بينما المرأة، تحمل في بطنها الطفل حوالي عشرة أشهر، مقابل تلك المتعة التي تدوم عشر دقائق، فضلا عما تتحمل من مشقات طوال عشر سنوات من اجل طفلها. بمعنى ان تلك اللذة التي تدوم عشر دقائق تزيل أهمية ذلك الميل الفطري، حيث تسوق الى هذه المصاعب الكثيرة والمتاعب المستمرة.
فيجب اذاً الاّ تدفع المرأة الى الزواج احاسيسها ودوافعها النفسية وميلها الفطري. السبب الثاني:
ان المرأة محتاجة فطرة الى من يعينها في أمور العيش، لضعف في خلقتها. فمن الأولى لها أن تسعى لكسب نفقتها بنفسها - كما هي الحال لدى نساء القرى - وذلك أفضل لها بعشرات المرات من ان تدفعها تلك الحاجة الى الرضوخ لسيطرة زوج نشأ على تربية غير اسلامية - كما في ايامنا الحاضرة - واعتاد على الاكراه والفساد، وربما تحاول الزوجة كسب رضاه بالتصنع وبالاخلال بعبادتها واخلاقها


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 342
التي هي مدار حياتها الدنيوية والاخروية. كل ذلك لأجل تلك المعيشة البسيطة الزهيدة.
وحيث ان الخالق الرحيم والرزاق الكريم يرسل لهن رزقهن مثلما يرسل رزق الصغار من الاثداء. فليس من شأن طالبة النور اذن البحث عن زوج تارك للصلاة، فاقد للاخلاق، والرضوخ له من التصنع لأجل ذلك الرزق. الثالث:
ان في فطرة المرأة حب الاولاد وملاطفتهم، والذي يقوي هذا الميل الفطري ويسوق الى الزواج هو خدمة الولد لها في الدنيا، وشفاعته لها يوم القيامة، وارساله الحسنات اليها بعد وفاتها. الا ان التربية الاوروبية التي حلت محل التربية الاسلامية في الوقت الحاضر، تجعل واحداً او اثنين من كل عشرة ابناء ، ابناً باراً بوالدته، ويسجل حسنات في صحيفة أعمالها بأدعيته الطيبة وأعمال البر، ويشفع لها - ان كان صالحاً - يوم القيامة، فيكافئ حقا شفقة والدته، بينما الثمانية الباقية من العشرة يهملون هذه الحالة.
لذا فإن هذا الميل الفطري والشوق النفساني في حب الاولاد ومداعبتهم لا ينبغي ان يدفع المرأة في الوقت الحاضر الى تحمل مصاعب هذه الحياة الشاقة، ان لم تكن مضطرة اليها اضطراراً قاطعا.
فبناء على هذه الحقيقة التي أشرنا اليها، اخاطب بناتي من طالبات النور اللائي يرغبن في حياة العزوبة، ويفضلن البقاء باكرات، فأقول:
يجب ألاّ يبعن أنفسهن رخيصات سافرات كاشفات، عندما لا يجدن الزوج المؤمن الصالح ذا الاخلاق الحسنة الملائم لهن تماماً، بل عليهن البقاء في حياة العزوبة ان لم يجدن ذلك الزوج الكفء، كما هو حال بعض طلاب النور الابطال، حتى يتقدم لطلبها من يلائمها ممن تربى بتربية الاسلام، وله وجدان حي، ليكون رفيق حياة ابدية يليق بها. وذلك لئلا تفسد سعادتها الاخروية لأجل لذة دنيوية طارئة فتغرق في سيئات المدنية.
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 343
[نشر الانوار]اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: نبارك مولودكم النبوي الشريف بقلوبنا وارواحنا.
ثانياً: سيبارك العالم الاسلامي نجاحكم الباهر في نشر الانوار ،رسائل النور، وها قد بدأت تباشيره. اذكر أنموذجاً منه:
أتاني وزير المعارف الباكستاني، لاخذ قسم من رسائل النور. وقال: سأسعى لنشر هذه الرسائل النورية بين تسعين مليوناً من المسلمين. وعلى الرغم من الدعايات المغرضة التي يشيعها المنافقون حولنا، فان الانوار تنتشر في اماكن بعيدة كأوروبا وآسيا. بل اُعلن في المانيا عن مجموعة "ذو الفقار" بعد ظهورها مباشرة. وفي داخل البلاد تُقرأ مجموعة "عصا موسى" و"ذوالفقار" بشوق كامل، غير آبهين بالحظر الذي فرض على الرسائل من قبل رئيس الوزراء ووزير الداخلية. واغلب القراء هم من "آنقرة".
ولقد قرر مدراء السجون في عدة ولايات: سنجعل السجون مدارس نورية، لاصلاح المساجين كما صلحوا في سجن "دنيزلي" "وآفيون".
ثالثاً: ان اخانا "برهان" عليه رحمة الله، هو من ابطال رسائل النور الاميين. فاعزّي اقاربه واسبارطه وطلاب مدرسة الزهراء بوفاته. وقد سمعت الخبر قبل ستة ايام تقريباً. ودعوت له في هذه الايام الف مرة، حيث كنت اذكره في دعواتي و في وردي: اجرنا من النار.. ما يقرب من اربعمائة مرة. واهدي ثوابه كله الى "برهان".
رابعاً: لقد باشرت رسائل النور بفضل الله بإنارة المدارس الحديثة، اذ جلبت طلابها الى صفوف طلاب رسائل النور وجعلتهم ناشرين ومالكين لها اكثر من طلاب المدارس الشرعية الذين سيكونون باذن الله طلاباً لرسائل النور ايضاً وبالتدريج، حيث ان رسائل النور بضاعتهم الحقيقية وحصيلة مدارسهم. وقد بدأت تباشير الرغبة والشوق الى الرسائل لدى كثير من المفتين والعلماء. فيلزم لأهل التكايا ايضاً وهم اهل الطرق الصوفية ان ينوروا تلك الرسائل.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 344
لقد كنت اقول: ان هذا الزمان ليس زمان الطريقة، فالبدع تحول دون ذلك، مفكراً في حقائق الايمان وحدها. ولكن الزمان اظهر انه يلزم لكل صاحب طريقة - بل الألزم له - ان يدخل دائرة رسائل النور التي هي اوسع الطرق وتضم خلاصة الطرق الاثنتي عشرة المهمة ضمن دائرة السنة النبوية الشريفة. حيث ان الذي غرق في الخطايا والذنوب من اهل الطريقة لا يلج في الالحاد بسهولة ولا يقهر قلبه. ولهذا فهم لا يتزعزعون ابداً فيمكنهم اذن ان يكونوا طلاب رسائل النور حقاً، بشرط الاّ يدخلوا - حسب المستطاع - في البدع ولا يرتكبوا الآثام التي تحول دون التقوى وتجرحها.
خامساً: ان اخطر شئ في هذا الزمان هو الإلحاد والزندقة والفوضى والارهاب. وليس تجاه هذه المخاطر الاّ الاعتصام بحقائق القرآن. وبخلاف ذلك لا يمكن بحال من الاحوال ان تجابه هذه المصيبة البشرية التي دفعت الصين الى احضان الشيوعية في زمن قصير. ولا يمكن اسكاتها بالقوى السياسية والمادية، فليس الاّ الحقائق القرآنية التى تستطيع ان تدفع تلك المصيبة.
***

[وظيفتنا العمل ومن الله التوفيق]باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائمًا
اخوتي الاعزاء الاوفياء، يا شباب النور الابطال!
اولاً : نبارك خدماتكم الجليلة الخارقة في آنقرة وغيرها من الاماكن ملء ارواحنا وكياننا. حقاً لقد اصبحتم وسيلة لصحوة مهمة لدى الكثيرين و لا سيما في اهل المدارس الحديثة بما يفوق آمالنا. ان ما انجزتموه من خدمات في انقرة لا يمكن ان تتحقق الاّ في عشر سنوات فاقتنعوا بما اديتموه من مهمة، لئلا يصيب الخور والوهن قوتكم المعنوية من جراء حوادث تافهة، بل لا بد ان تكون وسيلة لبلوغ وسائل اخرى لتزييد سعيكم ونشاطكم.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 345
ففي مثل تلك الاماكن التي يتصارع فيها اكثر من عشرين تياراً من التيارات السياسية والاجتماعية لاجل مصالح شخصية او لأغراض شتى، فان عملكم في سبيل القرآن والايمان وتبنّي طلاب الجامعة بتقدير واعجاب لرسائل النور، قد ابهج قلوب جميع طلاب النور بل سيبهج قلب العالم الاسلامي جمعاء.
ان ثوابكم عظيم في خدماتكم الكلية هذه كثواب المرابط في ظروف قاسية في الحدود تجاه الاعداء. اذ تعادل ساعة من المرابطة سنة من العبادة.
فانتم مثل اولئك المرابطين - وكذا طلاب النور في جامعة استانبول - قد قمتم باعمال جسام في زمن قصير، فلئن لم تقطفوا ثمرات سعيكم كلها، فاكتفوا بها قانعين.
نعم، كما ان انسحاب بعض الضعفاء اثناء الجهاد يثير الحماس ويحرك النخوة البطولية لدى الشجعان الغيورين. فعلى طلاب رسائل النور المضحين ان يُقبلوا اكثر على الغيرة والثبات والسعي المتواصل اكثر من قبل لدى انسحاب المرتابين.
نعم، انكم استرشدتم فطرة بحقيقة عظيمة من حقائق رسائل النور، فضعوا تلك الحقيقة نصب اعينكم وهي:
ان وظيفتنا العمل للايمان والقرآن باخلاص. أما احراز التوفيق وحمل الناس على القبول ودفع المعارضين، فهو مما يتولاه الله سبحانه. نحن لا نتدخل فيما هو موكول الى الله، حتى اذا غُلبنا فلا يؤثر هذا في قوانا المعنوية وخدماتنا. وينبغي القياس وفق هذه النقطة. فقد قيل لجلال الدين خوارزم شاه وهو القائد العظيم في عهده: ستنتصر على جنكيزخان. فقال: ان مهمتنا الجهاد، اما جعلنا غالبين او مغلوبين فهذا ما يتولاه الله سبحانه، ولا اتدخل انا فيه.
فأنتم يا إخوتي قد اقتديتم بهذا البطل، فتستمرون في العمل باخلاص دون ان ينال منكم الضعف والوهن شيئاً.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 346
[لا وسط بين الكفر والايمان]انه لا وسط بين الكفر والايمان، ففي هذه البلاد وتجاه مكافحة الشيوعية فليس هناك غير الاسلام؛ وليس هناك وسط. لان التقسيم الى يمين ويسار ووسط، يقتضي ثلاثة مسالك. وهذا قد يصدق لدى الانكليز والفرنسيين، اذ يمكنهم ان يقولوا اليمين الاسلام واليسار الشيوعية والوسط النصرانية. الاّ ان الذي يجابه الشيوعية - في هذه البلاد - ليس الاّ الايمان والاسلام. فليس هناك دين ومذهب آخر يجابهها الاّ التحلل من الدين والدخول في الشيوعية، لان المسلم الحقيقي لا يتنصّر ولا يتهوّد، بل - اذا خلع دينه - يكون ملحداً فوضوياً ارهابياً.
كما ادرك وزير المعارف والعدل هذه الحقيقة سيدركها باذن الله سائر الاركان في الحكومة حق فهمها، فيحاولون الاستناد الى قوة الحق والحقيقة والقرآن والايمان بدلاً من اليمين واليسار، وينقذون باذنه تعالى هذا الوطن من الكفر المطلق والزندقة ومن دمارهم الرهيب. فنحن نتضرع اليه تعالى بكل كياننا ان يوفقوا في ذلك.
***

[برقية من الفاتيكان]الفاتيكان 22 شباط 1951
مقام البابوية الرفيع
السكرتير الخاص
رئاسة القلم الخاص رقم 232247
سيدي! تلقينا كتابكم المخطوط الجميل "ذوالفقار" بوساطة وكالة مقام البابوية باستانبول، وتم تقديمه الى حضرة البابا الذي رجانا أن نبلغكم بالغ سروره من هذه الالتفاتة الكريمة منكم، ودعواته من الله عز وجل ان يشملكم بلطفه وفضله. ونحن ننتهز هذه الفرصة لنبلغكم احتراماتنا.
التوقيع
رئاسة سكرتارية الفاتيكان
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 347
[حول "ولدان مخلدون"]لقد ورد في سؤال اخينا: ورد في بعض التفاسير لدى الآية الكريمة: (يطوف عليهم ولدان مخلّدون) (الانسان:19) "ان جميع اهل الجنة، من الاطفال الصغار حتى الشيوخ الهرمين سيكونون في الثالث والثلاثين من العمر".
وحقيقة هذا والله اعلم هي:
ان صراحة الآية الكريمة بـ
(ولدان) تفيد ان الاطفال الذين لم يؤدوا الفرائض الشرعية ندباً على وجه السنة والنافلة - حيث لم تفرض عليهم - وتوفوا قبل البلوغ سيخلّدون في الجنة اطفالاً صغاراً محبوبين بما يليق بالجنة.
والوارد في الشريعة ايضاً: امر الوالدين اولادهما بالصلاة والصيام والحث على الصلاة متى ما بلغوا السابعة من العمر والاكراه عليها في العاشرة منه لاجل التعليم والتدريب.
بمعنى ان الاطفال الذين يؤدون الفرائض - كالصلاة والصيام - اعتباراً من السن السابعة الى حدّ البلوغ ندباً - وهي لم تفرض عليهم بعد - سيكونون في الثالث والثلاثين من العمر ليجازوا كالكبار الملتزمين بالدين.
فقسم من التفاسير لم يميز هذه النقطة بل عمّمها على جميع الاطفال فظنوا حكم الآية عامًا مع انه خاص..
***

تذكير اعضاء المجلس النيابي المتدينين الغيارىان مصلحة الاسلام والبلاد تقتضي قبل كل شئ اقرار قانون حرية المتدينين، وتنفيذه فوراً في المدارس. لأن هذا التصديق يُكسب هذه البلاد القوة المعنوية لأربعين مليوناً من المسلمين في روسيا واربعمائة مليوناً من المسلمين عامة ويجعل تلك القوة الهائلة ظهيرة لنا. اذ مما لا شك فيه ان الحقائق القرآنية والإيمانية هي التي صدّت اعتداء روسيا علينا - قبل اعتدائها على امريكا والانكليز - بمقتضى عداوتها


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 348
لنا منذ الف عام، لذا فمن الالزم لمصلحة هذه البلاد التمسك بتلك الحقائق القرآنية والايمانية وجعلها سداً قرآنياً قوياً -كقوة سد ذي القرنين - لصد تيار الالحاد المعتدي. ذلك لان الالحاد الذي استولى على روسيا وعلى نصف الصين - لحد الآن - وعلى نصف اوروبا قد وقف تجاهنا عند حده. ولم توقفه الا الحقائق الايمانية والقرآنية. وإلاّ فلا تملك المحاكم التي لا تعاقب الاّ واحداً من الف من المخربين القوة الكافية لإيقاف القوة المعنوية المدمرة لروسيا. حيث أن الدمار المعنوي الذي يبيح اموال الاغنياء للفقراء والسائبين، ويبيح اعراض اهل الغيرة والشرف للشباب الطائشين والذي استولى في فترة قصيرة على نصف اوروبا.. لا توقفه الاّ قنابل معنوية تنسفه نسفاً، وما هي الاّ قنابل ذرية معنوية عظيمة لحقائق القرآن والايمان، التي توقف تيار اليسار الجارف.
وبخلافه لا يمكن ايقاف تلك القوة المدمرة الهائلة - بمعاقبة واحد من الف - من قبل المحاكم.
ان الصحوة الحاصلة في البشرية نتيجة الحربين العالميتين ابانت بأن الامة لا تعيش بلا دين. فلن تبقى روسيا بلا دين ولا تستطيع ذلك، ولا تعود الى النصرانية. فلربما تصالح القرآن او تتبع ذلك الكتاب المبين الذي يقصم الكفر المطلق ويستند الى الحق والحقيقة والى الحجة والدليل ويقنع العقل والقلب. وعند ذلك لا تحارب اربعمائة مليوناً من اهل القرآن.
سعيد النورسي
***

[وفي كل شىء له آية]اخوتي الصديقين المتفكرين الاعزاء!.
أولا: لقد حصلت لدي القناعة التامة- بناء على امارات كثيرة - ان الملحدين المتسترين يغررون ببعض الموظفين الرسميين، فيبرزون لهم باصرار رسالة "مرشد الشباب" من بين رسائل ضخمة خاصة بالنور، ويتخذونها موضع اتهام. فيذيقني أولئك عنتاً ومضايقة منذ سنة ونصف السنة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 349
فلقد تيقنت ان سبب ذلك هو ما في تلك الرسالة من "نكتة توحيدية في لفظ هو" اذ ان هذا البحث قد كشف سر التوحيد ووضّحه توضيحاً يقطع به دابر الكفر المطلق، ولا يدع مجالا لأية شبهة لدى قسم منهم.
ولما لم يجد اولئك الملحدون المتسترون حيلة تجاه هذا البحث القيّم، دبروا المكايد للحيلولة دون انتشار الرسالة، وحجبها رسميا.
ولقد ألقيت قبل يوم درسا على اركان مدرسة الزهراء، حول نقاط من البحث المذكور. أبيّن لكم ثلاثا منها فقط.النقطة الاولى:
ان وظيفة سامية جليلة من وظائف الهواء، هي كونه وساطة انتشار الكلمات الطيبة، وأقوال الايمان، ذات الحقائق والمغزى الحكيم، كما تتوضح بالآية الكريمة
(اليه يصعد الكَلمُ الطيب..) (فاطر: 10) حتى يغدو الهواء صحيفة من صحائف القدرة الالهية، تتبدل تلك الصحيفة باستنساخ قلم القدر فيها وانتشار تلك الكلمات باذن إلهي، وذلك لاجل إسماع الملائكة والروحانيات في كرة الهواء كلها حتى صعودها الى العرش الاعظم.
فما دامت وظيفة الهواء المهمة السامية، وحكمة خلقه، تكمن في هذا.. وقد أَضحى سطح الارض شبيها بمنزل واحد، بوساطة الراديو - هذه النعمة الالهية العظيمة التي أسديت الى البشرية - فلا شك أن البشرية ستقدم شكراً شاملا عاما لربها تجاه ما أنعم عليها من نعمة كبرى، فتجعل تلك النعمة - نعمة الراديو - قبل كل شئ وسيلة لنقل الكلمات الطيبة، من قرآن كريم وحقائقه أولاً، ومن دروس الايمان والاخلاق الفاضلة، والكلام النافع الضروري للحياة البشرية.
اذ لولا هذا الشكر - أي إن لم تجد تلك النعمة شكراً مثل هذا - فستصبح تلك النعمة نقمة للبشرية. اذ كما ان الانسان محتاج للاستماع الى الحقائق فهو محتاج أيضا الى شئ من اللهو والترفيه، ولكن يجب ان تكون حصة هذا الترفيه المفرح الخُمْس مما ينقله الهواء. وبخلافه تقع منافاة لسر حكمة الهواء، حيث يؤدي الى دفع الانسان الى أحضان الكسل وحب الراحة والخمول والسفه،ويسوقه الى عدم إتمامه

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني

الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 350
وظائف ضرورية له وتركها ناقصة غير كاملة.. وعندها ينقلب ما كان نعمة عظمى الى نقمة عظمى، بما ثبط من شوق الانسان نحو العمل الضروري له.
تأملت في هذا الراديو الصغير الذي أمامي. وقد أتوا به الى غرفتي لاستمع الى القرآن الكريم. فاذا هو ماكنة صغيرة ضمن صندوق صغير، فرأيت أن هناك حصة واحدة فقط للكلام الطيب من بين عشر حصص للهو والترفيه، فعلمت ان هذا خطأ يرتكبه الانسان. وسيصلح باذن الله خطأه هذا ويقوّمه في المستقبل. فيجعل الراديو مدرسة ايمانية، وذلك بجعله حصة الكلام الطيب أربعة أخماس جميع الحصص، شكراً عاما تجاه نعمة الراديو هذه، وتوجيه تلك النعمة لصالح حياة الانسان الخالدة.
النقطة الثانية:
لقد ذكر في رسائل النور:
ان من لايقدر على خلق الكون لن يقدر على خلق ذرة واحدة، وليس غير خالق الكون الذي يقدر على خلق ذرة في موضعها المناسب ويسوقها الى وظيفتها بانتظام.
نذكر حجة جزئية من الحجج الكلية لهذه الجملة:
هذا الراديو بقربي، هو محفظة لانواع الكلمات.. وما فيها من جهاز قد لا يحوي إلاّ جزءاً قليلا من الهواء. لنتأمل في هذا الهواء القليل جدا، فيوضح لنا ما يأتي:
انه حسب قائمة دار الاذاعة التي بين ايدينا، هناك ما يقرب من مئتي مركز اذاعي، هذه المراكز متفاوتة في القرب والبعد، فقد تبعد عنا ساعة او سنة.
فلولا وجود قوة لا حد لها في كل ذرة من ذرات الهواء وارادة لا حصر لها، وعلم تام محيط بلهجات المقرئين في تلك المراكز على الارض كلها، ولولا وجود بصر حاد محيط يرى اولئك جميعهم، ولولا سمع يقدر على سماع كل شئ في آن واحد، دون ان يشغله شئ عن شئ.. لما امكن وصول كلمة قرآنية - الحمد لله مثلا - الى اذاننا في الدقيقة نفسها التي تبث فيها من المركز، بحروفها الكاملة وبلهجتها ولغتها، بل بنبرات صوت المتكلم بها، دون ان يطرأ عليها تغيير. كل ذلك بوساطة تلك الذرات التي في حفنة هواء جهاز الراديو الصغير. فايصال مختلف كلمات


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 351
القرآن، بمختلف الاصداء والاصوات من دون تغير ولا خلل، الى اسماعنا ، انما هو بتلك القدرة المطلقة والصفات المطلقة. ولولاها لما وجدت ولا ظهرت هذه المعجزة، معجزة القدرة.
اي ان ذرات الهواء، في هذا الجهاز الصغير، لا تنال القيام بتلك الاعمال المعجزة، ولا تُظهر معجزة القدرة، الا بقدرة من هو قدير مطلق وبارادته ومن هو عليم سميع بصير محيط بكل شئ، ومن لا يصعب عليه شئ، بل اعظم شئ كأصغره امام قدرته..
وبخلاف هذا فان اسناد هذا الامر المعجز الى المصادفة العشواء والقوة العمياء والطبيعة الصماء - التي يظن وجودها في موجات الهواء - انما هو جعل كل ذرة من ذرات الهواء، والهواء المحيط بالارض حكيما مطلقا بصيراً بكل شئ، عليما لا يخفى عليه شئ، قادراً على كل شئ!. وما هذا إلا خرافة ممجوجة ومحال بل محالات بعيدة كل البعد عن منطق العقل..
ألا فليأت اهل الضلال، وليروا: ما أبعد مذهبهم عن العقل!
النقطة الثالثة:
ان الهواء الضئيل جداً الموجود في جهاز الراديو الصغير، يؤدي مهمة السندانة لأزاهير الكلمات المعنوية الطيبة. فيظهر من معجزات القدرة الالهية ما يبين ان كل ذرة منه تثبت وجود الله سبحانه و تعرّفه بذاته المقدسة وصفاته الجليلة.
فلقد ساح الحكماء الفلاسفة، والعلماء الاعلام في جنبات الكون خيالا، ووضعوا ما فيه نصب نظر العقل، ليثبتوا وجوده سبحانه و وحدانيته، بايراد دلائل واسعة عظيمة، ومن بعد ذلك ينالون معرفة الله الحقة.
بينما هناك حقيقة وهي: ان الشمس حالما تشرق، تبيّنها قطعة من زجاج مثلما يبينها سطح البحر، اي كل منها يشير الى تلك الشمس. فبناء على هذه الحقيقة، فان كل ذرة من ذرات هواء هذا الراديو تبين بذاتها تجلي التوحيد، وكمال صفاته تعالى. ولقد اثبتت رسائل النور - التي هي لمعة من لمعات الاعجاز المعنوي للقرآن الكريم - هذه الحقيقة بوضوح تام.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 352
لذا لا يجد طالب النور المدقق ضرورة الى قول: "لا موجود الا هو" ليحصل على الحضور القلبي الدائم وتذكر المعرفة الالهية دائما. كما انه لا يحتاج ايضا الى قول : "لا مشهود الا هو" كما هو الحال لدى قسم من اهل الحقيقة، لينعم بالحضور القلبي الدائم.. بل تكفيه اطلالة من نافذة الحقيقة السامية:
وفي كل شئ له آية تدل على انه واحد
وتوضيح هذه العبارة باختصار هو:
ان لكل احد من هذا العالم عالما يخصه، وكونا خاصا به، اي كأن هناك عوالم واكواناً متداخلة بعدد ذوي الشعور.. وان حياة كل احد هي عمود لدنياه الخاصة به، كما لو كان بيد كل واحد مرآة ووجهها الى قصر عظيم، فيكون كل منهم مالكا لذلك القصر في مرآته.
لذا يجد قسم من اهل الحقيقة المعرفة الالهية ويحصلون على حضور القلب الدائم بانكار دنياهم الخاصة بهم، وبترك ما سوى الله، فيقولون: "لا موجود الا هو"..
وقسم آخر من اهل الحقيقة يقولون: "لا مشهود الا هو" بلوغاً منهم الى معرفة الله والحضور القلبي الدائمي . فيزجون دنياهم في سجن النسيان ويسدلون عليها ستار الفناء. فيحصلون على حضور القلب، ويجعلون عمرهم في حكم نوع من العبادة.
اما في هذا الزمان فان رسائل النور قد وضحت بالاعجاز المعنوي للقرآن الحكيم سر العبارة الاتية:
وفي كل شئ له آية تدل على انه واحد
اى ان رسائل النور تبين انه ابتداء من الذرات وانتهاء الى المجرات، هناك نافذة في كل منها تطل على التوحيد، وفي كل منها دلائل واشارات تدل مباشرة على ذات الواحد الاحد بصفاته الجليلة.
فلقد اشارت اشارات مجملة "نكتة لفظ هو" الى هذه الحقيقة السامية، حقيقة الايمان وحضور القلب. بينما اثبتتها رسائل النور اثباتا قاطعا واضحا. في حين بينها اهل الحقيقة سابقا بيانا مجملا مختصرا.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 353
بمعنى ان هذا الزمان الرهيب اشد حاجة من اي وقت آخر الى هذه الحقيقة، حتى انعم الله على الناس، بوساطة اعجاز القرآن الكريم، وفصلتها رسائل النور واصبحت احدى ناشريها.
الباقي هو الباقي
اخوكم
سعيد النورسي
***

[المألوف المعجز ]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائما
اخوتي الصديقين الاعزاء!
اولا:
نهنئكم - ملء كياننا وارواحنا - بالشهور الثلاثة المباركة التي تُكسب الانسان ثمانين سنة من عمر معنوي خالد. ونبارك لياليكم الفاضلة، ليلة الرغائب، ليلة المعراج، ليلة البراءة، ليلة القدر راجين من رحمته تعالى ان تتقبل مكاسبكم المعنوية وادعيتكم بحق اخوانكم، مباركين خدماتكم الطيبة وتوفيقكم في سبيل نشر النور.
ثانيا:
ان مصيبة النسيان التام التي المّت بي من جراء التسميم، قد تحولت بفضل الله الى نعمة ورحمة ومفتاح لكشف عدد من الحقائق. فاعلمكم بهذا لئلا تتألموا كثيراً على حالي، رغم اني ارجو دعواتكم بكل ما املك.
نعم! لقد قرأت الآن رسالة "المناجاة" التي هي في مستهل مجموعة "سراج النور" فلاحظت ان كثيرا من الحقائق تتستر تحت حجب الالفة والعادة والاطراد.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 354
وحيث ان الملحدين من اهل الغفلة واهل الطبيعة والفلسفة خاصة، لا يرون كثيرا من معجزات القدرة الالهية المحجوبة تحت حجاب قوانين الله ونواميسه الجارية في الكون، تراهم يسندون حقيقة جليلة الى سبب اعتيادي تافه، ويحملونها عليه. فيسدون بهذا الطريق المؤدي الى معرفة القدير سبحانه في كل شئ. بل يعمون أبصارهم عن النعم التي وضعها المنعم في كل شئ، فلا يرونها، ويسدّون أبواب الشكر والحمد.
فمثلا: ان القدرة الالهية الجليلة مثلما تستنسخ كلمة واحدة مليون بل مليار مرة في آن واحد، وذلك بتجليها على صحيفة الهواء. فكل كلمة طيبة ايضاً تستنسخ برمز الآية الكريمة
(اليه يصعد الكلم الطيب) (فاطر: 10) في كرة الهواء المحيطة بالارض، وفي آن واحد - في حكم بلا زمان - بقلم القدرة الالهية. وقد تسترت معجزة عجيبة من معجزات القدرة في كرة الهواء كأنها لوحة محو واثبات للحقائق المقبولة المعنوية، تسترت بستار الالفة عن انظار الغافلين منذ زمن آدم عليه السلام.
وقد اثبتت تلك المعجزة نفسها في الوقت الحاضر بوساطة جهاز سموه "الراديو" بحيث ان تجلياً للقدرة الازلية المطلقة التي يضم علماً مطلقاً وحكمة مطلقة وارادة مطلقة، حاضر وناظر في كل ذرة من ذرات الهواء. اذ ان الكلمات المختلفة التي لا حدود لها تدخل الاذن الصغيرة للذرة وتخرج من لسانها الدقيق، دوناختلاط او التباس، لا خلل ولا تحير.
بمعنى انه لو اجتمعت الاسباب كلها، لا تستطيع بحال من الاحوال ان تظهر تجلي القدرة الازلية في هذه الوظيفة الفطرية لذرة واحدة.. ولما كانت الاسباب لا دخل لها مطلقا في اظهار الصنعة البديعة المعجزة في آذان تلك الذرة الصغيرة التي لا تعد وفي السنتها الدقيقة التي لا تحصى ، فان اهل الضلال والغفلة يسترونها تحت ستار الالفة والعادة والقانون والاطراد، ويضعون عليها اسماً اعتياديا يخدعون به انفسهم موقتا.
فمثلا: مثلما ذُكر في حاشية ذيل الكلمة الرابعة عشرة، انه:
اذا صنع صنّاع ماهر مئة اوقية من مختلف الاطعمة، ومئة ذراع من مختلف


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 355
الاقمشة، من قطعة تافهة لا تتجاوز قلامة اظفر. ثم قال احدهم: ان هذه الاعمال قد نتجت من تلك القطعة الخشبية التافهة، مصادفة، وبامور طبيعية تهويناً من قيمة خوارق صنعة ذلك الصناع الماهر.. كم يكون كلامه هذا هذيانا، وخرافة خرقاء وضلالة بعيدة!.
كذلك الامر في شجرة الصنوبر او التين، وامثالها من الوف بدائع صنع الله الحاوية على معجزات قدرته سبحانه، فتراهم يبرزون حبة البذرة قائلين ان هذه الاشجار الضخمة قد نشأت من هذه البذور.
وكذلك الامر في هذا الجهاز الذي جعل الهواء المحيط بالكرة الارضية ميدان محاضرة، وحوّل سطح الارض الى مدرسة وملتقى دروس المعرفة والعرفان. ويتضمن نعماً لا حد لها، ينبغي الشكر غير المحدود عليها. وهو انموذج معجل لإحسانات إلهية، تنعم على البشر في حياته الاخروية الابدية، وهو دليل لا ريب فيه وهدية رحمانية تغدق مباشرة من خزينة الرحمة الإلهية. فاطلاق اسم "الراديو" على هذه الهدية المهداة، واطلاق اسم الكهرباء وموجات الهواء.. انما هو اسدال ستار الكفران على تلك النعم الالهية التي تربو على مئات الالوف - كما هو في المثال السابق - بل هو بلاهة لا منتهى لها يقترفها الماديون والضالون، بحيث تفضي بهم الى جناية غير متناهية، تعرضهم الى عقاب غير متناه يستحقونه.
فيا اخوتي:
لقد قرأت هذا اليوم - بنية التصحيح - رسالة "المناجاة" التي هي في مستهل مجموعة "سراج النور" ولكن لما كانت قوة حافظتي قد وهنت وضعفت نهائيا، فقد رأيتني كأنني اتيت حديثا الى الدنيا تجاه تلك الحقائق في "المناجاة" رغم اني في الثمانين من العمر، فلم تعد تلك العادات المعروفة ستارا وحجابا امام تأملي، لذا قرأت تلك "المناجاة" بشوق كامل، واستفدت منها استفادة عظيمة بفضل الله. ووجدتها خارقة حقا وعلمت ان اعداءنا المتسترين يغررون ببعض الموظفين الرسميين في سبيل مصادرة "سراج النور"، محتجين بما في آخره - من بحث الدجال - الا ان قناعتي ان سبب ذلك هو رسالة "المناجاة" التي في مستهلها، كما كان سبب هجوم الملحدين على "مرشد الشباب" بحث (نكتة توحيدية في لفظ "هو").


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 356
ثالثا:
نبشركم بكياننا كله يا اخوتي: ان الاخلاص التام الذي يتحلى به طلاب النور والوفاء الحقيقي الجاد والتساند الذي لا يتزعزع الذي يحملونه يجعل جميع المصائب التي تنزل بنا - من حيث الخدمة الايمانية - نعماً عظيمة .. نعم، ان فتوحات النور تتوسع في الخفاء بما ليس بالحسبان ولا يخطر على خيال احد.
فمثلا: لقد اضطروا الى دفع مئة ليرة ورقية اجرة للسيارة التي نقلتني من اسبارطة الى المحكمة المنعقدة هنا" استانبول". ثقوا يا اخوتي لو كنت ادفع مئتي ليرة لنتائج تخص خدمة الايمان تنشأ من هذه المسألة فقط وتخص "مرشد الشباب" فحسب، او مما يخصني انا بالذات، لكنت اعد تلك النقود المصروفة قليلة زهيدة تجاه تلك النتائج الجليلة.. فكيف بالنتائج التي تعود الى عامة الطلاب والناس عموما والمسائل الكلية!
الباقي هو الباقي
اخوكم المريض الراجي دعاءكم
سعيد النورسي
***

[النظر الى المخلوقات]
"حاشية لرسالة مفتاح عالم النور"
في سفرة بالسيارة ذات يوم، مع طالبين نوريين جامعيين، كنا نستمع من راديو السيارة الذي لا يرتبط باي اتصال سلكي، الى مولود نبوي شريف مقام في مكان بعيد. قلت لذينك الجامعيين:
ان الدليل على ان تجلي القدرة الالهية تظهر في "النور" تجلياً بديهياً دون حجاب - كتجلي الحياة والوجود - هو:
ان الهواء الموجود في هذا الجهاز الصغير، والذي لا يتجاوز حجمه ظفر الانسان، هذا الهواء القليل جدا والنور المعنوي الضئيل جدا، لا يستمع الى الكلمات القادمة


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 357
من هذا المولود النبوي ثم يقولها، وانما ايضا يستمع الى الوف الكلمات ويسمعنا جميع الكلمات التي تبثها الوف اذاعات العالم، ونسمعها بمثل ما نسمع هذا المولود النبوي بوضوح.
بمعنى ان اصغر موجود جزئي يصبح اكبر كلي!
ثم ان هذا الهواء القليل جدا ينجز من الوظائف بقدر ما ينجزه الهواء المحيط بالكرة الارضية، اي يكبر اصغر جزئي بكبر الكرة الهوائية المحيطة.
فلو لم يسند هذا الامر الى تجلي القدرة الالهية لنتجت خرافة عجيبة تحمل من المتناقضات ما لا يسعه خيال، اذ ان انقلاب الشئ الى ضده محال، فكيف يصبح هذا الجزئي الذي هو صغير بالوف الدرجات، كليا بألوف المرات؟
وكيف يصبح هذا الجامد العاجز الذي لا يشعر بشئ مقتدرا وذا شعور وادراك وإرادة؟
فهذه خرافة تحمل مئات الخرافات والمتناقضات التي لا مثيل لها.
بمعنى ان الامر انما هو بتجلي القدرة الالهية بالبداهة. والذي يمثل ذلك التجلي الواسع في الهواء عامة يبينه معنى الحديث الشريف: "ان لله ملكا، له اربعون الف رأس، في كل رأس اربعون الف لسان، يسبح اربعين الف تسبيحة بكل لسان". بمعنى انه يسبح اربعا و ستين تريلون تسبيحة في اللحظة نفسها.
أي ان الهواء المحيط بالارض كهذا الملك . اي يكتب على صحيفة الهواء كل كلمة طيبة بعدد تسبيحات هذا الملك.
يقول الهواء المحيط: ان هذا الحديث ينبئ عني وعن الملك الذي يشرف على اعمالي، لانه ضمن كلمات الانسان كلها والاصوات الاخرى التي لا تحد، ترد هذه الكلمات الطيبة بحروفها دون اي التباس مع انها تختلط مع بعضها، وبنبرات المتكلم بها، وبصوته المتميز، فليس في الامكان قطعا احالة هذا العمل الذي يتم بشعور كلي كامل - هو وظيفة ذرة واحدة مني- اليّ ولا الى اي سبب من الاسباب.
اي انه تجلي القدرة الازلية التي تضم ارادة شاملة كل شئ وعلما محيطا بكل شئ ليس الا، ذلك التجلي العام الشامل لكل شئ، الحاضر والناظر بتجلي الاحدية في كل مكان.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 358
والشاهد على هذا يربو على الملايين، احد اولئك الشهود: الراديو.
ان مضمون ما جاء في الكلمة الثانية عشرة، لدى المقارنة بين حكمة القرآن وفلسفة الانسان هو الآتي:
ان الفلسفة التي توصل اليها الانسان تحجب معجزات القدرة الالهية وخوارق رحمته تعالى بستار العاديات، فلا ترى دلائل الوحدانية المضمرة تحت تلك العاديات وتلك النعم الجليلة. ولا تبينها ولا تدل عليها. بينما اذا ما رأت ما هو خارج عن العادة من جزئيات خاصة، تتوجه اليه وتهتم به.
فمثلا: انها لا ترى معجزة القدرة الالهية في خلق الانسان السوي ولا تهتم به بينما تجلب الانظار بحيرة واستغراب الى الانسان ذي الرأسين او ذي ثلاثة ارجل الخارج عن القاعدة. فهي تخبى معجزات القدرة الكلية العامة تحت ستار العادة. في حين انها تجعل المواد الخارجة عن وظائفها والجزئية مدار عبرة وتأمل!.
ومثلا: انها لا ترى المعجزات في اعاشة صغار الانسان والحيوانات، بل تعدها امراً عادياً فلا تعيرلها بالا، ولكن حشرة نأت عن طائفتها وانعزلت عن امتها وظلت في قعر البحر ومدت اليها يد المعونة بورقة خضراء، واخذت تتغذى عليها، ادمعت عيون صيادي الاسماك على الحادث هذا، واعلنوا عنها ببهاء حتى ذكرتها احدى صحف امريكا في حينه.
بينما في اصغر حيوان هناك الوف الوف المعجزات امثال هذه للارزاق، اذ تتدفق الاثداء بسائل الحياة للصغار. بيد ان الفلسفة البشرية لا ترى تلك المعجزة، معجزة الرحمة والاحسان الالهي كي تشكر ربها وتؤمن بالرحمن وتقابله بالشكر.
وهكذا فالحكمة القرآنية تمزق ذلك الحجاب، حجاب العاديات المضروب على المخلوقات وترشد البشرية الى تلك المعجزات الكلية والنعم التي يسبغها الله سبحانه على الكائنات قاطبة فتعرف ربها وتسوق الجميع الى العبودية المكللة بالشكر لله تعالى. وهكذا فان اعجب خطأ واغربه مما تقترفه الفلسفة البشرية هو:
ان الانسان الذي لا تفي ارادته وجزؤه الاختياري لفعل جزئي ظاهري جدا وهو "التكلم" ولا يقدر على ايجاده، وانما يدفع الهواء الى مواضع مخارج الحروف، والله


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 359
سبحانه هو الذي يخلق الكلمات بناء على هذا الكسب الجزئي، ويكتبه بالوف الوف النسخ في الهواء.
فعلى الرغم من قصر يد الانسان عن الايجاد الى هذا الحد، فان اعطاء اسم "ايجاد الانسان" على معجزة قدرة الهية كلية تعجز جميع الاسباب، اسباب الكون، دونها، خطأ جسيم وأي خطأ. يدرك ذلك كل من له ذرة من شعور.
ومثال ذلك هو:
ان رجلاً عاجزاً جعل قانوناً الهيًا - يضم مئة الف من الخوارق - وسيلة لاستفادة البشر، بكشفه الراديو، بالهام الهي، اي بنوع من استجابة دعاء الانسان الفعلي، كم يكون خطأ قول الانسان: نعم ان الراديو قد اوجده المخترع الفلاني، وهو الذي اوجد القوة الكهربائية. وهناك آخرون يسعون لايجاد مادة لقراءة ما في دماغ الانسان!.
نعم! ان الله سبحانه وتعالى قد خلق العالم دار ضيافة تليق بالانسان، وهيأ له فيها كل ما يحتاجه ويلزمه، وكنوع من متطلبات الضيافة يسلم الى يده - في بعض الازمان والعصور- نعماً ظلت مخفية عنه، وذلك نتيجة دعائه الفعلي الذي هو البحث عن الحقائق والتحري عنها، المتولد من تلاحق الافكار. فبينما يجب على الانسان ان يشكر ربه تجاه هذه النعم، اذا به يرتكب كفرانا عظيما فينسى انها منه تعالى وينظر اليها من ايجاد انسان اعتيادي عاجز ويسندها الى مهارته بل يُنسي الاخرين كذلك تلك الخوارق الناشئة من احسان عميم يغدق بعلم وارادة ورحمة وشعور، حيث لا يظهر الا سببا ومشهداً منه. ويفوض امره الى المصادفة العشواء والطبيعة والمواد الجامدة. وما هذا الا فتح لباب الجهل المطلق المنافي للانسان المكرم المخلوق في احسن تقويم.
لذا يلزم النظر الى المخلوقات بالنظر الحرفي لا الاسمي، وفق دستور:
وفي كل شئ له آية تدل على انه واحد
وذلك لاجل ان يسمو الانسان الى مستوى الانسان حقا.
(سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم)
***
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني

الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 360
[تحليل سيرة ذاتية]
باسمه سبحانه
اخوتي الصديقين الاعزاء!
اولا: نبارك لكم مولودكم النبوي الشريف، ونبارك توفيقكم في اعمالكم ونبشركم بانتشار رسائل النور انتشارا مؤثرا في الاوساط بما هو فوق المعتاد. ونهنئ جميع طلاب النور.
ثانيا: في هذه الليلة المباركة خطر على قلبي خاطر قوي وهو:
انه لمناسبة ما كتبه الطلاب الجامعيون في استانبول من خوارق عن حياة سعيد القديم وسعيد الجديد في كتاب "سيرة ذاتية" تولد لدى القراء رأيان ونشأت فكرتان هما:
الاول: لقد حصل حسن ظن مفرط لدى الاصدقاء - كما يحصل في الولاية - بما يفوق حدي بكثير.
الثاني: حصل ظن وشبهة بما هو خارج طوقي بألف مرة لدى المعارضين واهل الفلسفة، اذ ظنوا وجود دهاء خارق جدا، بل حتى تولد لدى البعض منهم توهم وجود سحر قوي.
ولقد سئلت في اماكن كثيرة اسئلة تدور حول هذا المعنى، وطلبوا مني جلية الامر ماديا ومعنويا.
وانا بدوري اضطررت الى بيان حقيقة ذات مقدمات كثيرة لورود ذلك الخاطر في هذه الليلة.
المقدمة الاولى: ان بذرة شجرة الصنوبر التي هي بحجم حبة الحنطة تكون منشأ لشجرة صنوبر ضخمة. فالقدرة الالهية تخلق تلك الشجرة العجيبة من تلك البذرة، وقد لا توجد للبذرة الا حصة واحدة من مليون حصة من الخلق،حيث سطر فيها قلم القدر فهرسا معنويا لتلك الشجرة. فلو لم يسند الامر الى القدرة الالهية للزم وجود مصانع تسع مدينة كاملة كي تتكون تلك الشجرة العجيبة باغصانها المتشعبة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 361
وهكذا فان احدى دلائل عظمة الله وقدرته سبحانه هو انه يخلق من شئ صغير جدا كالذرة، اشياء عظيمة عظمة الجبال.
وهكذا بمثل هذا المثال اُعلن باقتناع تام وبخالص نيتي ولا اتكلف التواضع ونكران الذات فاقول:
ان خدماتي واحداث حياتي قد اصبحت في حكم بذرة، لكي تكون مبدأ لخدمة ايمانية جليلة، قد منحت العناية الالهية منها في هذا الزمان شجرة مثمرة برسائل النور النابعة من القرآن الكريم.
فاقسم لكم لتطمئنوا فاقول:
انني ما كنت اجد في نفسي قابلية ولا مزية ولا اهلية فائقة لتلك الخوارق التي مرت في حياتي، لذا كنت اتقلب في حيرة. بل ما اجد في نفسي كفاءة لتدبير امورها وارتباطها بعلاقات بالمجتمع فكيف لها بدهاء خارق وولاية خارقة!
نعم لقد أظهرت حالات جلبت الانظار اليّ، ولكنها كانت خارجة عن ارادتي واختياري، حتى بدت كأنها نوع من جلب الاعجاب، وما كانت الا من قبيل عدم تكذيب حسن الظن الذي كان يحمله الناس نحوي.
ولكن لما كنت اجهل الحكمة في عدم كوني في الحقيقة على ما يظنه الناس بي، ولا افيد شيئا للدنيا، وها قد اصبحت موضع توجه الناس بما يفوقني بألف مرتبة ومرتبة، لذا كنت اتلقى هذا الامر باعتباره خلافاً للحقيقة كليا.
ولكن بفضل الله وكرمه، والف حمد وشكر له، اذ قد انعم علي فهم شئ من حكمة ذلك الامر، في اواخر ايامي بعد قضاء ما يقرب من ثمانين سنة من العمر.
وسأشير الى شئ منها. وها انا ابين قسما من عديد نماذجها:
المثال الاول:
انه حسب الطرق المتبعة في المدارس الدينية ينبغي دراسة العلوم الشرعية مدة خمس عشرة سنة - في الاقل - كي تحرز الحقائق الدينية والعلوم الاسلامية.
ففي ذلك الوقت لم يبد على سعيد ذكاء خارق او قوة معنوية وحدها بل ظهرت


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 362
ايضاً حالة عجيبة كانت خارجة عن نطاق استعداده وقابلياته كلها، بحيث انه بعد اطلاعه على مبادى الصرف والنحو خلال سنة او سنتين، ظهرت عليه الحالة العجيبة، فكأنه اكمل قراءة ما يقرب من خمسين كتابا خلال ثلاثة اشهر، وقد استوعبها واجيز عليها وتسلم الشهادة باكمالها.
هذه الحالة اظهرت بعد ستين سنة بوضوح: ان تفسيراً للقرآن الكريم سيظهر ويناول القارئ في فترة قصيرة لا تتجاوز أربعة اشهر، العلوم الايمانية وان ذلك الضعيف "سعيد" سيكون عاملا له وفي خدمته.
ومن جراء ذلك الوضع تخطر على البال معان كأنها اشارات غيبية بأنه سيأتي زمان تضمحل فيه المدارس الدينية، لا يمكن نيل العلوم الاسلامية في خمس عشرة سنة بل حتى في سنة واحدة.
الانموذج الثاني:
ان مناظرة "سعيد" في ذلك الزمن البعيد علماء اجلاء وهو بعدُ في فترة الصبا، واجابته عن اسئلتهم - من دون ان يسأل أحدا - اجابة صائبة رغم كونها في اعقد المسائل، هذه الحالة التي ظهرت، اعترف اعترافا قاطعا، واعتقد جازما انها ليست ناشئة من حدة ذكائي، ولا من خارق استعدادي قط. فانا الذي كنت صبيا صغيرا، مبتلى بامور كثيرة ، مبتدءا بعد في العلوم، سارح الفكر، ومثيرا للمناقشات، فما كان في طوقي قطعا اجابة اسئلة علماء افذاذ. بل كنت اغلب في مناقشات صغار العلماء وصغار طلاب العلم، لذا فانا على اقتناع تام بأن اجاباتي الصائبة تلك، ليست ناشئة من استعدادي ولا من ذكائي.
فلقد كنت طوال السنوات السبعين الماضية في حيرة من هذا الامر، ولكن الآن بفضل الله واحسانه فهمت حكمة منها وهي:
ستمنح علوم المدارس الدينية التي هي بمثابة بذرة تلك العلوم شجرة طيبة وسيكون لخادم تلك الشجرة حساد ومعارضون كثيرون.
وهكذا فان قيام اصحاب المشارب والمسالك المختلفة بين المسلمين في هذا الزمان بانتقاد عمل خدام تلك الشجرة، شجرة النور، ولاسيما من علماء الدين سواء بسبب


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 363
المنافسة او بسبب اختلاف المشارب. فضلا عما يثير رسائل النور كثيرا من عرق علماء الدين. كما كان دأب اهل السنة والمعتزلة سابقًا في دحض بعضهم بعضًا ونشر مؤلفات في تفنيد آراء الآخرين والظهور عليهم.. اقول بينما كان الامر لابد ان يؤول الى هذا الا ان الله سبحانه اراد ان يجري الامر على خلاف تلك العادة المتبعة منذ القدم.
فألف شكر وشكر لله سبحانه.
وانا على اعتقاد جازم ان سبب عدم تأليفهم اي كتاب لنقد رسائل النور او الاعتراض عليها انما هو:
اجابة سعيد الصغير اجابة صائبة لعلماء عظام، في ذلك الوقت. اذ تلك الاجابات السديدة قد فتت في عضد شجاعتهم وجرأتهم، حتى انهم لم يتصدوا لرسائل النور ولم يعارضوها رغم مخالفتهم لها مشربا، ورغم ما يحملون من روح المنافسة والغيرة العلميتين.
لذا اقتنعت اقتناعا تاما ان هذه هي حكمة واحدة لعدم قيام العلماء بالاعتراض على الرسائل. اذ لو بدأ الاعتراض لكان اعداؤنا المتسترون والملحدون ومن يوالونهم يتخذون ذلك الاعتراض ذريعة مهمة جداً لتهوين شأن رسائل النور وعلماء الدين معا. فالحمد لله حمداً لا حد له، لم يقاوم رسائل النور حتى اولئك العلماء الرسميون الذين تعرضت لهم الرسائل كثيرا.
الانموذج الثالث:
على الرغم من ان سعيداً القديم فقير الحال منذ ايام طفولته، كما ان والده فقير الحال، فان عدم قبوله الصدقات والهدايا من الاخرين، بل عدم استطاعته قبولها، الا بمقابل، رغم حاجته الشديدة جدا، وعدم ذهاب "سعيد" قط في اي وقت من الاوقات لاخذ الارزاق من الناس وعدم تسلمه الزكاة من احد - عن علم - كما كانت العادة جارية في كردستان، حيث كانت ارزاق طلاب العلم تدفع من بيوت الاهلين وتسد مصاريفهم من اموال الزكاة.
اقول اني على قناعة تامة الآن من ان حكمة هذا الامر هي:


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 364
عدم جعل رسائل النور - التي هي خدمة سامية خالصة للايمان والآخرة - في آخر ايامي وسيلة لمغانم الدنيا، وعدم جعلها ذريعة لجر المنافع الشخصية.
فلاجل هذه الحكمة اُعطيتْ لي هذه الحالة، حالة النفور من تلك العادة المقبولة وتلك السجية غير المضرة، والهروب منها، وعدم فتح يد المسألة من الناس. فرضيت بالعيش الكفاف وشدة الفقر والضنك. وذلك لئلا يفسد الاخلاص الحقيقي الذي هو القوة الحقيقية لرسائل النور.
واشعر كذلك ان في هذا الامر اشارة فيها مغزى ، بان هذه الحاجة هي التي تدفع اهل العلم الى الانهماك بهموم العيش حتى يغلبوا على امرهم في الزمان القابل.
الانموذج الرابع:
بينما كان سعيد الجديد يجهد في ان يجنب نفسه ايام شيخوخته عن السياسة وامر الدنيا كليا، فان اهل الدنيا خلافا لكل القوانين والاعراف والانصاف والوجدان بل خلافا للانسانية، انزلوا به اقسى ضربات الظلم الشنيع طوال ثمان وعشرين سنة، فقاسى ذلك الضعيف، سعيد، امر العذاب وتحمل اشدالعنت منهم مع انه ما كان يتحمل اذى الذباب، وذلك بما وهب له سبحانه من الصبر العظيم والتحمل الذي لا مثيل له لاذى الاهانات الشنيعة. وعلى الرغم من مزاجه العصبي ورهافة حسه وعدم التخوف في فطرته، والجرأة التي يحملها من ايمانه بحقيقة ان الاجل واحد لا يتغير، فان صبره وسكوته في حالة في غاية من المسكنة والخوف، بل منح الفرح والانشراح لروحه بعد معاناته تلك الانواع من التعذيب والاهانات.. اقول ان حكمة واحدة من هذا الامر هي الآتية كما اقتنعت بها قناعة تامة:
عدم جعل رسائل النور التي تفسر حقائق القرآن الحكيم الايمانية، وسيلة لاي شئ كان - عدا مرضاة الله - اذ قد أشاع اهل السياسة شبهة استغلال "سعيد" الدين لاجل السياسة، فعُذّب سعيد وسجن لئلايكون الدين وسيلة للسياسة. ولكن القدر الالهي لطم سعيداً لطمات رأفة وشفقة من تحت ستار ذلك الحكم الظالم لاهل السياسة، لئلا يفسد الاخلاص الذي استلهمه من رسائل النور قائلا له:
"أياك ان تجعل رسائل النور - التي هي تفسير لحقائق الايمان - وسيلة لجر منافعك الشخصية، بل حتى لكمالاتك المعنوية، واحذر ان تجعلها ذريعة للخلاص من البلايا


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 365
والاذى والاضرار. وذلك لكي يبقى الاخلاص الحقيقي- الذي هو القوة العظمى لرسائل النور- مصونا من الخلل".
فانا مقتنع الآن قناعة تامة ان تلك اللطمات كانت لطمات رأفة نزلت بي من القدر الالهي، بل اطمأننت تماما انه متى ما انصرفت لشؤون آخرتي وحدها، وانشغلت بعباداتي الشخصية وحدها، تاركا خدماتي لرسائل النور، في هذا الوقت بالذات، يتسلط علي اهل الدنيا فيذيقوني العذاب والآلام.
احيل ايضاح هذا الانموذج الرابع الى الرسالة الاخيرة - الحقيقة هي التي تتكلم - التي تخص بيان السبب في القاء اهل السياسة سعيدا في السجون والمعتقلات منعا لاستغلال الدين في امور السياسة، ومعرفة سعيد بعد ذلك حكمة الامر بانها لطمات قدر الهي رؤوف، وصفحه عنهم بعد ذلك ، وكذا معرفته حكمة الصبر الشديد والتحمل الشديد الذي وهبه الله له.
الانموذج الخامس:
ان هذا المسكين سعيد، برغم حاجته الشديدة الى الكتابة وجودة الخط، وانشغاله بها منذ سبعين سنة، واضطراره الى تصحيح مئتي صفحة في اليوم الواحد احيانا، لا يملك من الخط ما يتعلمه طفل ذكي في العاشرة من العمر في عشرة ايام. هذا الامر محير حقا، اذ لم يكن سعيد محروماً من القابليات كليا، فضلا عن ان اشقاءه يجيدون الخط وحسن الكتابة.
فانا مقتنع تمام الاقتناع بان حكمة بقائي نصف امي برداءة الخط وانا في اشد الحاجة اليه هي:
انه سيأتي زمان لا يمكن للقدرات والقوى الشخصية والجزئية ان تقاوم وتصد هجوم اعداء رهيبين، فيبحث سعيد بحثا حثيثا عن الذين يملكون خطا جيدا ليشركهم في خدمته فيشكلون معا الاف الاقلام التي تحول تلك الخدمة الشخصية الجزئية الى خدمة كلية عامة قوية، اذ يجتمعون حول تلك البذرة، بذرة النور، اجتماع الماء والهواء والنور، ويمدون تلك الشجرة المعنوية بالعون، ففضلا عن هذه


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 366
الحكمة فان اذابة انانيته في حوض الجماعة المبارك كاذابة قالب الثلج نيلاً للاخلاص الحقيقي، حكمة اخرى تدفع لخدمة الايمان.
الباقي هو الباقي
اخوكم
سعيد النورسي
***

[لا ذنب في رسائل النور]
اخوتي الاعزاء الصادقين!
نهنئكم من صميم ارواحنا واعماق قلوبنا بحلول العيد السعيد، و ستدركون باذن الله عيداً يعم العالم الاسلامي كله ذات يوم. ان هناك امارات كثيرة تبين ان القرآن الحكيم الذي هو منبع جميع القوانين السامية للجماهير المتحدة الاسلامية، سيكون مهيمناً في المستقبل. وسيأتى ذلك اليوم باذن الله، ذلك العيد الحق للمسلمين جميعاً، بل البشرية قاطبة.
ثانياً: مما لا ريب فيه ان رسائل النور وطلابها تحت العناية الالهية وحفظها، اذ رغم الظروف الدقيقة في هذه المرحلة، ورغم القوانين الاعتباطية، ورغم العناد الشديد، وطوال هذه المدة المديدة، لم يتمكنوا ان يلحقوا الضرر بطلاب النور إلاّ بنسبة واحد في المئة.
فعلى الرغم من خططهم الرهيبة لإشغال ستمائة طالباً من طلاب النور النشطين بالمحاكم المتتالية، لم يتمكنوا الاّ على ستة من الطلاب. حتى لم تجد خمس و عشرون محكمة من محاكم العدل شيئاً ما في الالوف من رسائل النور وفى الالوف من طلاب النور - كما ذكره بطل النور - خلال تحقيقاتها المتوالية. بل الدليل القاطع على ذلك هو قول الكثير من دوائر العدل أنه : لا ذنب في رسائل النور ولا نجده فيها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 367
فضلاً عن اننى قد تكلمت في كل من محكمة استانبول وآفيون وامثالها بما يناقض قوانينهم - التى يمكن استعمالها لاغراض سيئة - ولم يستطيعوا ان يدينوني.
علاوة على ان رسائل النور التى حطمت القوانين الجائرة للمدنية الاوروبية لم يجدوا فيها ذنباً قط. مما يبين بوضوح ان حقائق رسائل النور قد حملت دوائر العدل على الانصاف، بظهورها وتغلبها على معارضيها. فالعناية الالهية تضم رسائل النور تحت جناحها، وكيف لا وهى معجزة من معجزات القرآن الكريم. أما هجوم المعارضين والمخالفين عليها، فيكون باذن الله وسيلة لسطوع رسائل النور وسبباً لانتشارها.
***

[مع ضباط الأمن]
يقول استاذنا:
لم يقابلنى احد من مسؤولي الحكومة خلال ثمان وعشرين سنة الاّ وضايقنى، ماخلا ضباط الأمن "المباحث" فانهم لم يضايقوني قطعاً فضلاً عن ان بعضهم تصرف معي تصرف مدافع وحامٍ. والآن اوضح حكمة هذا التصرف منهم:
لقد تحقق ان رسائل النور وطلابها هم كأفراد أمن معنويين، يحاولون الحفاظ على الامن والنظام في البلاد عن عقيدة، وقد نصبوا حارساً في كل قلب مؤمن بارشاداتهم ونصائحهم. وشعر ضباط الامن بهذا شعوراً معنوياً، فاظهروا لنا في كل وقت وجه الصداقة. وسر هذا هو الآتى:
ان قانوناً اساسياً للقرآن الكريم هو
(ولا تزر وازرة وزر اخرى) (فاطر: 18) فيمنع القرآن بموجبه محاولة الاخلال بالنظام، وذلك لئلا يتضرر تسعون بالمائة من الناس في اثناء القضاء على عشرة من الجناة. وبناء على هذا السر الدقيق فانه على الرغم من وجود قوى معنوية رهيبة تحاول الاخلال بالأمن والنظام، وعلى الرغم من فعالياتهم ونشاطهم في البلاد كافة، بل ان نشاطهم هنا اكثر مما في فرنسا ومصر والمغرب وايران، لم يستطيعوا الاخلال بالامن. وما سبب ذلك الاّ ستمائة الف من نسخ


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 368
رسائل النور وخمسمائة الف طالب من طلابها وقد اصبحوا كقوة معنوية ساندة للأمن ليصدوا تلك القوى الهدامة الرهيبة.
فضباط الأمن شعروا بهذا، لذا يبدون حالات تتسم بالرحمة والانصاف والشفقة على رسائل النور خلاقا للموظفين الرسميين منذ ثمان وعشرين سنة.
ويقول استاذنا ايضاً:
"انني اقول: ان على افراد الأمن ان يكونوا اصحاب تقوى ودين فيؤدوا الفرائض ويجنبوا انفسهم الخطايا والذنوب، اكثر من العلماء المتصوفة، وهذا ما تقتضيه مهمتهم وواجبهم نظراً للحاجة الشديدة، وذلك ليؤدوا وظائفهم في سبيل استتباب الأمن والنظام حق الاداء، تجاه الدمار الرهيب الذى يحدثه المخربون المعنويون".
طلاب النور
الذين في صحبته
***

الحقيقة هي التي تتكلم
لقد أثبتت رسائل النور انه قد تنبثق عدالة من بين طيات الظلم. أي قد يتعرض أحدهم الى الظلم والى الحيف فتصيبه نكبة، وقد يحكم عليه بالحبس ويرمى به في غياهب السجون.. لاشك ان مثل هذا الحكم ظلم واضح، ولكنه قد يكون سبباً لتجلي العدالة وظهورها، ذلك لأن القدر الالهي قد يستخدم الظالم لتوجيه العقوبة الى شخص استحقها بسبب آخر، وهذا نوع من أنواع تجلي العدالة الالهية.
وانا الآن أفكر.. لِمَ اُساق من محكمة الى محكمة، ومن ولاية الى ولاية، ومن مدينة الى اخرى طوال ثمانية وعشرين عاماً؟ وما التهمة الموجهة اليّ من قبل من ارتضوا لأنفسهم معاملتي بكل هذا التعذيب الظالم؟ أليست هي تهمة استغلال الدين في سبيل السياسة؟ ولكن لِمَ لا يستطيعون اثبات ذلك؟.. ذلك لأنه لا يوجد أي شئ من هذا القبيل في الحقيقة وفي الواقع. فهذه محكمة تقضي الشهور


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 369
والسنوات في محاولة الحصول على أي دليل يدينني فلا تستطيع، واذا بمحكمة اخرى تسوقني للتحقيق وللمحاكمة تحت التهمة نفسها وتقضي بدورها مدة في هذه المحاولة وفي الضغط عليّ وتعرضني لأنواع شتى من التعذيب، وعندما لا تحصل على أية نتيجة تتركني، واذا بمحكمة ثالثة تمسك بخناقي هذه المرة.. وهكذا انتقل من مصيبة الى مصيبة، ومن نكبة الى اُخرى. لقد انقضى ثمان وعشرون سنة من عمري على هذا المنوال، واخيراً ايقنوا من عدم وجود أي نصيب من الصحة للتهم المسندة اليَّ؛ واني أتساءَل:
سواء أكان ذلك قصداً أو وهماً فانني أعلم علم اليقين عدم وجود أية علاقة لي بهذه التهمة، كما ان جميع أهل الانصاف يعرفون بانني لست بالرجل الذي يستغل الدين لغاية سياسية، بل ان الذين وجّهوا اليّ هذه التهمة يعرفون ذلك في قرارة نفوسهم.
اذن فما السبب في اصرارهم على اقتراف هذا الظلم في حقي؟ ولماذا بقيت معرضاً على الدوام لهذا الظلم والتعذيب مع كوني بريئاً ودون أي ذنب؟ ولماذا لم استطع التخلص من هذه المصائب؟ ألم تكن هذه الأحوال مخالفة للعدالة الالهية؟
لقد بحثت عن أجوبة لهذه الاسئلة خلال ربع قرن من الزمن فلم اُوفق في ذلك. ولكني الآن عرفت السبب الحقيقي في قيامهم بظلمي وتعذيبي. وانا أقول وكلي أسف:
ان ذنبي هو اتخاذي خدماتي القرآنية وسيلة للترقي المعنوي والكمالات الروحية. والآن بدأتُ افهم هذا وأحسه تماماً، وانا اشكر الله تعالى الاف المرات لانه طوال سنوات طويلة وضعت موانع معنوية وقوية جداً خارج ارادتي لكي لا اتخذ خدماتي الايمانية وسيلة للترقيات المادية والمعنوية أو من أجل الخلاص من العذاب ومن جهنم أو حتى من أجل سعادتي الأبدية أو من أجل أية غاية أخرى.
لقد اذهلتني هذه الاحاسيس الداخلية العميقة والخواطر الالهامية، فبينما نرى ان كل فرد له الحق في اكتساب المقامات التي يعشقها، وفي نيل السعادة الأخروية عن طريق الأعمال الصالحة، هذا زيادة على انه لا ينتج أي ضرر لأي أحد، ومع هذا

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 370
فقد رأيت انني اُمنع - روحياً وقلبياً - من هذه الأحوال ومن سلوك هذا الطريق. وجُعل نصب عيني أن عليّ الا أهتم - بجانب الفوز بالرضى الالهي - الا بواجب خدمة الايمان. ذلك لأن الزمن الحالي يحتاج الى اعطاء نوع من الدرس القرآني الذي لا يكون في خدمة أي غرض آخر للذين لم يتوصلوا بفطرة العبودية الموجودة في أنفسهم الى الحقائق الايمانية التي هي فوق كل شئ، والى الذين هم بحاجة الى فهم هذه الحقائق وذلك باسلوب مؤثر، بحيث يستطيع انقاذ الايمان في مثل دنيا الاضطراب هذه التي اختلطت فيها الأمور، ويستطيع اقناع حتى المعاندين وبعث الطمأنينة في نفوسهم، وبذلك يستطيع قصم ظهر الكفر المطلق والضلال المتمرد والمعاند وبذلك يهب القناعة الكاملة للجميع.
ولا تحصل مثل هذه القناعة في الظروف الحالية الاّ عندما يكون الدين بعيداً عن كونه وسيلة لأية غاية شخصية أو دنيوية أو أخروية، مادية كانت أو معنوية. واذا لم يتحقق هذا فان أي شخص يقف تجاه التيار الرهيب - المتولد من المنظمات والجمعيات السرية - ضد الدين عاجزاً مهما بلغ من المراتب المعنوية، لانه لا يستطيع ازالة كل الشكوك والشبهات. ذلك لان نفس الشخص المعاند الأمارة بالسوء الذي يرغب في الدخول الى حلقة الايمان ستقول له: "ان ذلك الشخص زين لنا هذا بدهائه وبمستواه الرفيع واستطاع بهذا اقناعنا".. يقول هذا ويبقى الشك يساوره.
فلله الشكر الوف الوف المرات ففي طيّ تهمة القيام باستغلال الدين في السياسة قام القدر الالهي - الذي هو العدل المحض - طوال ثمان وعشرين سنة بمنعي من جعل الدين دون علمي ودون ارادة مني - آلة لأي غرض شخصي، وذلك باستخدام الأيدي الظالمة للبشر في توجيه الصفعات لي وفي تذكيري وتنبيهي.. هذه الصفعات التي كانت عدلاً محضاً وتحذرني قائلة: إياك إياك! ان تجعل الحقائق الايمانية آلة لشخصك، وذلك لكي يعلم المحتاجون الى الحقائق ان الحقائق وحدها هي التي تتكلم، ولكي لا تبقى هناك أوهام النفس ودسائس الشيطان، بل لتخرس وتصمت.
هذا هو سر تأثير رسائل النور في اشعال الحماس في القلوب وفي الأرواح كالأمواج في البحار الواسعة. وهذا هو سر تأثيرها في القلوب وفي الأرواح وليس


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 371
شيئاً غيره. ومع ان هناك آلافاًً من العلماء سجلوا الحقائق التي تتحدث عنها رسائل النور في مئات الآلاف من الكتب، والتي هي أكثر بلاغة من رسائل النور، لم تستطع ايقاف الكفر البواح. فاذ كانت رسائل النور قد وفّقت الى حدّ ما في مقارعة الكفر البواح تحت هذه الظروف القاسية، فقد كان هذا هو سر هذا النجاح.. ففي هذا الموضوع لا وجود لـ "سعيد"، ولا وجود لقابلية "سعيد" وقدرته، فالحقيقة هي التي تتحدث عن نفسها..نعم.. الحقيقة الايمانية هي التي تتحدث.
وما دامت رسائل النور تؤثر في القلوب العطشى الى الايمان والى نور الحقائق، إذن لا يُفدّى بـ"سعيد" واحد بل بألف "سعيد وسعيد". وليكن كل ما قاسيته في غضون ثمانٍ وعشرين سنة من الأذى والمصائب حلالاً زلالاً. أما الذين ظلموني وجرجروني من مدينة الى اخرى، والذين أرادوا ان يوصموني بمختلف التهم والاهانات، وأفردوا لي أماكن في الزنزانات فقد غفرتُ لهم ذلك وتنازلت عن حقوقي تجاههم.
وأقول للقدر العادل:
انني كنت مستحقاً لصفعاتك العادلة لانني سلكت مثل الآخرين طريقاً - هي بذاتها مشروعة ولا ضرر منها - فكرت فيها بشخصي، ولو لم أضحي بمشاعري في الفيوضات المادية والمعنوية، لفقدت هذه القوة المعنوية الكبيرة في أثناء تأدية خدماتي من أجل الحفاظ على الايمان. لقد ضحيت بكل شئ وتحملت كل اذى، وبذلك انتشرت الحقائق الايمانية في كل مكان، ونشأ مئات الآلاف - بل ربما الملايين - من طلاب مدرسة النور ونهلوا من معارفها. وهؤلاء هم الذين سيستمرون في هذه الطريق في خدمة الايمان، ولن يحيدوا عن طريقتي في التضحية بكل شئ مادياً كان أو معنوياً، اذ سيكون سعيهم لله سبحانه وتعالى وحده دون غيره.
ان الكثيرين من طلابي قد ابتلوا بشتى انواع البلايا والمصائب، وتعرّضوا لصنوف العذاب والمتاعب، واجتازوا امتحانات عسيرة بفضل الله. انني اطلب منهم ان يتجاوزوا - مثلي - عمن اقترف تلك المظالم وهضم الحقوق، لان اولئك قد ارتكبوا تلك الامور عن جهل منهم و الذين آذونا وعذبونا، ساعدوا على نشر الحقائق الايمانية دون ان يدركوا تجليات أسرار القدر الالهي.. ووظيفتنا تجاه هؤلاء هي التمني لهم بالهداية.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 372
اوصي طلابي الاّ يحمل احدٌ منهم شيئاً من روح الانتقام في قلبه ولو بمقدار ذرة، وان يسعوا سعياً جاداً لنشر رسائل النور وليرتبطوا بها ارتباطا وثيقاً. انني مريض جداً.. لا طاقة لي لا في الكتابة ولا في الحديث.. وقد يكون هذا آخر أقوالي.. فعلى طلاب رسائل النور لمدرسة الزهراء الاّ ينسوا وصيتي هذه.
***

[رسالة الى رئيس الوزراء]
اخوتى!
لقد اخطرت على قلبى حقيقة فى غاية الاهمية، ابينها لكم، وأضعها بين ايديكم، فإن ارتأيتم ابلاغها الى رئيس الوزراء (عدنان مندرس) والنواب المتدينين فافعلوا.
مقدمة:
اننى لما كنت قد تركت الساحة السياسية الواسعة منذ اربعين سنة و قضيت اكثر ايام حياتي منزوياً عن الناس، ولم انهمك في الحياة الاجتماعية والسياسية لم استطع رؤية الخطر الداهم فى الوقت الحاضر. ولكن فى هذه الايام شعرتُ ان الوسط مهيأ لنزول ذلك الخطر الجسيم والمصيبة الكبرى بالامة الاسلامية وبهذه البلاد والحكومة الاسلامية.
فابيّن ثلاث نقاط - خطرت على قلبى معنوياً - لاولئك السياسيين الساعين لصالح الامة الاسلامية وللاحتكام بالاسلام ولضمان سلامة البلاد، ويحاولون الحفاظ على المجتمع الانسانى.
النقطة الاولى:
طرق سمعي منذ سنتين - رغم اني لا استمع الى الجرائد - الاتهام بالرجعية. فتأملت في الامر بعقلية سعيد القديم وشاهدت:
ان اعداء الاسلام المتسترين الذين يجعلون السياسة اداة للالحاد، ويجدّون لارجاع البشرية الى قانون الجاهلية الرهيبة متقنعين بقناع الدفاع عن الوطن والامة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 373
هؤلاء يتهمون اتهاماً جائراً غادراً اهل الاسلام والغيارى على الدين بالرجعية، علماً ان دافع الاسلام والغيرة على الدين يدفعهم الى جعل السياسة اداة طيعة للدين دون ان يجعلوا الاسلام اداة للسياسة. وانما يقومون بهذا العمل ليمدّوا هذه الحكومة بالقوة المعنوية للاسلام وتصبح قوية راسخة بقوّة اربعمائة مليوناً من اخوانهم الحقيقيين الظهيرين لهم، لكي ينجو اهل السياسة الحاضرة من التسول لدى ابواب ظلمة اوروبا.
فهذا الاتهام المجحف يوصم هؤلاء الغيارى بـ "الرجعية" ويظهرهم بأنهم يضرون البلاد والعباد. ألا إن هذا بهتان عظيم واتهام غادر لا حدود له.
هذا وان هناك نوعين من الرجعية، كل منهما يستند الى قانون اساس:
الاول: الرجعية الحقيقية، وهي رجعية سياسية اجتماعية، اصبح قانونها الاساس محوراً لكثير من المظالم والسيئات.
الثاني: هو اساس الرقي الحقيقي والعدالة الحقة، ولكن اطلق عليه - ظلماً - الرجعية.
النقطة الثانية:
ان الذين يشنون هجومهم على الدين يريدون ان يرجعوا بالبشرية الى عهود البداوة والجهل بقانون اساس و دستور جار لديهم متسترين باسم المدنية، والذى يفني سعادة البشرية وراحتها و عدالتها وسلامتها. فهم يريدون ان ينفذوا هذا القانون فى بلادنا المنكوبة فيزرعون بذور الشقاق والاختلاف وبلبلة الافكار بالتحزب وصولاً الى مآرب شخصية واشباعاً للحرص والعناد.
ذلك القانون هو:
يؤخذ بجريرة شخص واحد جميع افراد طائفته وجماعته وعشيرته، فكلهم مسؤولون ومدانون. فالذنب الواحد يكون بحكم هذا القانون الوف الوف الذنوب والخطايا. مما يجعل الاخوة والمحبة والمواطنة التي هي ركائز الاتفاق والاتحاد هباءً منثوراً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 374
نعم ان القوى المعارضة والمعاندة عندما يجابه بعضها بعضاً تستهلك وتضعف حتى تصبح بلا قوة. فلا تقدر بعد ذلك على العمل للامة والبلاد وفق العدالة حيث انها ضعفت وانهارت نتيجة المجابهة. لذا تضطر الى دفع نوع من الرشاوى والاتاوات لجلب الملحدين الى صفها. فتتشبث بذلك القانون الوحشي الجائر تجاه القانون العادل الحق والدستور السماوي المقدس وهو الآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر اخرى) (الانعام:164) الذي يحقق المحبة والاخوة الصادقة وينقذ الامة الاسلامية وهذه البلاد من المخاطر. فلا يكون احد شريكاً فى جناية ارتكبها آخر ولو كان اخوه وعشيرته وطائفته وحزبه، الاّ اذا مال الى تلك الجناية، فيكون مسؤولاً عنها فى الآخرة وليس فى الدنيا.
فما لم يؤخذ هذا الدستور قانوناً اساساً فان المجتمع البشري سيتردى برجعية وحشية الى اسفل سافلين مثل الدمار الفظيع الذى ولدّته الحربان العالميتان.
ألا ما اشقى اولئك الذين يطلقون على هذا القانون "قانون القرآن العظيم" اسم الرجعية ويرضون بقانون وحشي جاهلي وينفذّونه فى سياساتهم ويجعلونه ركيزتهم في الادارة والذي يُضحي فيه بالفرد لأجل الجماعة، ولا تؤخذ حقوق الافراد بنظر الاعتبار لأجل سلامة الوطن، ولا يكترث للمظالم الجزئية لأجل سلامة سياسة الدولة. وبناء على هذا يدمّّر مدينة كاملة ومافيها مئات الالوف من الابرياء بجريرة جانٍ واحد. ويجوّز هذا القانون اعدام الف شخص بجناية شخص واحد. ويفرض الضيق والعنت على الوف الابرياء لجرح اصاب شخصاً واحداً منهم.
وحسب هذه الحجة لا يعبأ باعدام مائتي شخص بالرصاص مثلما اُُفني ثلاثون مليوناً من الاشخاص في الحرب العالمية الاولى للسياسة الخاطئة التي ارتكبها ثلاثة الاف شخص. وقس على هذا المنوال الوف الامثلة.
ان لطلاب القرآن و خدّامه ازاء هذه المظالم الفظيعة لهذه الرجعية الوحشية مئات من قوانين القرآن الاساسية من امثال (ولاَ تزر وازرة وزر اخرى) (الانعام:164) التي تحقق العدالة الحقة والاتحاد والاخوة. فاطلاق الرجعية على اهل الايمان الذين يحققون العدل والاخوة، واتهامهم بذلك يشبه تفضيل ظلم "يزيد" الملعون على عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكترجيح محاكم التفتيش على عدالة القرآن الكريم العظيمة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 375
لذا يلزم لاهل السياسة الذين يسعون للحفاظ على سلامة هذه البلاد وبحكومتها الاسلامية ان يأخذوا هذه الحقيقة بنظر الاعتبار. وبخلافه فان التيارات المعارضة للحكومة واصرارها على المعارضة تنهك القوى، فلا تكفي تلك القوة الضعيفة لضمان مصالح البلاد وارساء النظام، ولا تحافظ على كيانها ولو بالاستبداد.
وما هذا الاّ فسح المجال لبذر بذور الثورة الفرنسية في هذه البلاد. و هذا مما يستحق القلق عليه.
مادامت تُعطى رشاوى من التنازلات المعنوية لاجل اقرار السياسة الاجنبية مقابل ما يقدمونه من مساعدات تافهة موقتة، بسبب ما نعانيه من الضعف الناشئ من الاختلاف، حتى غدت اللامبالاة تهيمن على اخوة اربعمائة مليوناً من المسلمين وعدم الاكتراث بمسلك مليار من الاسلاف العظام، بل رأوا انفسهم مضطرين الى دفع مبالغ ضخمة كمرتبات للموظفين لاجل عدم الاضرار بادارة الدولة ونظام البلاد من دون مراعاة لما يعانيه الناس من فقر مدقع.
ان مايعطيه ارباب السياسة الحاليون في هذه البلاد من رشاوى الى الغرب والى الاجانب ومن تنازلات سياسية و معنوية، عليهم ان يعطوا عشرة امثالها بل ينبغي لهم ان يدفعوها لاجل اقرار اخوة اربعمائة مليوناً من المسلمين والتي ستتشكل على صورة جمهوريات اسلامية متحدة. وذلك لاجل سلامة هذه البلاد والحفاظ على كيان هذه الامة، وسوف يكون ذلك هدية ضرورية وأتاوة لا ضرر فيها.
فتلك الرشوة الواجبة، الجائزة النافعة جداً بل الضرورية المقبولة هي اتخاذ الدساتير المقدسة منهجاً للعمل، تك الدساتير التي هي اساس التعاون الاسلامي وهي هدايا سماوية من القرآن الكريم توثق الرابطة بين المسلمين بل هي قانونهم المقدس الاساس وهي:
(انما المؤمنون إخوة) (الحجرات: 10)(واعتصمـــوا بحبــــــل الله جميعـــــاً) (آل عمران:103) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (الأنفال: 46).
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 376
ملاحظة: يرد في هذا الموضع من النص التركي الصفحات (20 - 25) من اشارات الاعجاز المتضمنة لإفادة المرام ومقدمة سورة الفاتحة، تراجع في موضعها. - المترجم.
***

[لِمَ تركت السياسة بعد الاندفاع فيها؟]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الاوفياء الصادقين!
اولاً: بملء روحي ووجداني اهنئ اعيادكم المعنوية والمادية، السابقة منها واللاحقة وابارك لياليكم المباركة الطيبة، واسأل رحمة المولى القدير واتضرع اليه تعالى أن يتقبل منكم طاعاتكم ودعواتكم المخلصة.
ثانياً: لقد اضطررت الى ان اجيب عن سؤاليهم المهمّين اجابة خاصة حيث يردان من جهات كثيرة:
سؤالهم الأول:
لقد كنتَ سابقاً وفي بداية عهد الحرية منهمكاً جداً في السياسة ومندفع اليها بحرارة؛ وها قد مرت اربعون سنة وقد تركت السياسة كلياً، فلماذا؟
الجواب:
ان القانون الاساس للسياسة البشرية هو: يضحّى بالافراد من اجل سلامة الأمة. وتُفدى بالاشخاص حفاظاً على الجماعة. ويرخص كل شئ في سبيل حماية الوطن.
فجميع الجرائم البشعة التي ارتكبت في البشرية الى الآن انما ترتكب بالاستعمال السئ لهذه القاعدة ولهذا القانون الاساس، فلقد تيقنت من هذا يقيناً قاطعاً. فهذا القانون البشري الاساس ليس له حدّ معين ولا ضوابط مخصصة، لذا فـقـد مهّـد السبيل للتـلاعب باستعماله بكثرة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 377
ان الحربين العالميتين قد نشبتا من سوء استعمال هذا القانون البشري الاساس، فأبادت نهائياً ما توصلت اليه البشرية من رقي منذ الف سنة، كما سمح هذا القانون بأخذ تسعين بريئاً بجريرة عشرة من الجناة، وافتى بأبادتهم، كما سمح بتدمير قصبة كاملة لجريمة مجرم واحد، لأغراض شخصية مستترة تحت اسم المصلحة العامة.
ولما كانت"رسائل النور" قد وضحت هذه الحقيقة في كثير من اجزائها وفي "الدفاعات" احيل القارئ الكريم اليها.
وهكذا، ولقد وجدت عوضاً عن هذا القانون البشري الاساس الغادر، القانون الاساس للقرآن العظيم النازل من العرش الاعظم، وذلك في الآيتين الآتيتين:
(ولا تزر وازرة وزر اخرى) (الانعام:164) (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً) (المائدة:32) فهاتان الآيتان تعلّمان القاعدة الجليلة الآتية:
لا يؤاخذ احد بجريرة شخص آخر. ثم ان البرئ لا يُضحّى به - حتى من اجل جميع الناس - دون رضاه، ولكن لوضحى بنفسه بارادته وبرضاه فتلك مرتبة الشهادة.
هذه القاعدة الجليلة هي التي ترسي العدالة الحقة في البشرية. احيل تفاصيلها الى رسائل النور.
سؤالهم الثاني: لقد كنتَ - فيما مضى - في اثناء تجوالك بين العشائر البدوية في شرقي الاناضول - تدعوهم الى التحضر وتحثهم بلهفة وشوق على التمدن والرقي في مجالات حياتهم، فلماذا انسللت - منذ نحو أربعين سنة - من المدنية الحاضرة ووصفتها بأنها دنيّة وليست مدنية وجانبت الحياة الاجتماعية وسحبت نفسك الى العزلة والانزواء؟..
الجواب: ان المدنية الحاضرة الغربية، لسلوكها طريقاً مناقضاً لأسس دساتير السماء وقيامها بمناهضتها، فقد طفح كيلُ سيئاتها على حسناتها وثقلت كفةُ اضرارها على فوائدها. فلقد اضطرب أمنُ الناس واطمئنانهم، واُقلقوا وأَسِنت سعادتُهم الحقيقية فاختل ما هو مطلوب من المدنية ومقصود منها. حيث قد حلّت بسببها نوازع


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 378
الاسراف والسفاهة محل بوادر الاقتصاد والقناعة، واستُمرئتْ ميولُ الكسل والدعة وهجرت مراعى السعي والعمل. ولقد ألبست - هذه المدنية - البشرية المضطربة لباس الفقر المدقع وكستها أثواب الكسل والتقاعس الرهيب.
واستناداً الى ما قامت به رسائل النور من ايضاح الدستور الذي يخاطب به القرآن الكريم في ندائه العلوي:
(وكلوا واشرَبوا ولا تُسرفوا...) (الاعراف :31)
وكذلك في قوله تعالى:
(وأن ليسَ للإنسان إلاّ ما سَعى...) (النجم:39)
فقد أشارت - تلك الرسائل - مستضيئة بنور الآيتين المذكورتين - الى ان سعادة حياة البشرية منوطة بالاقتصاد وعدم الاسراف، وعلى إثارة الهمم للسعي والعمل والكدّ.. وانه بهذين الشرطين يتم التآلف والوئام بين طبقتي البشرية: الخواص والعوام. لذا سأتحدث عن مسألتين لطيفتين، نكتتين قصيرتين وهما الآتيتان:
أولاهما:
كان البشر في عهد البداوة تعوزهم ثلاثة أو أربعة اشياء، وكان اثنان من كل عشرة اشخاص يعجزان عن تدارك تلك الاشياء الثلاثة أو الاربعة. بينما في الوقت الحاضر تحت سطوة المدنية الغربية المستبدة، المتميزة بإثارة سوء الاستعمال، والدفع الى الاسراف، وتهييج الشهوات، وادخال الحاجات والمطالب غير الضرورية في حكم المطالب والحاجات الضرورية؛ فقد اصبح الانسان العصري من حيث حب التقليد والإدمان مفتقراً الى عشرين حاجة بدلاً من اربع منها ضرورية. وقد لايستطيع إلاّ شخصان من كل عشرين شخص ان يلبّوا تلك الحاجات العشرين من مصدر حلال بشكل مباح. ويبقى الآخرون الثمانية عشر محتاجين وفقراء. فهذه المدنية الحاضرة اذاً تجعل الانسان فقيراً جداً ومعوزاً دائماً، ولقد ساقت البشرية - من جهة تلك الحاجة - الى مزيد من الكسب الحرام، والى ارتكاب انواع من الظلم والغبن، وشجعت طبقة العوام المساكين على الصراع والتخاصم المستمر مع الخواص، وذلك بهجرها القانون الاساس الذي سنّه القرآن الكريم القاضي بوجوب الزكاة وتحريم الربا


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 379
والذي يُحقق بواسطتهما توقير العامة للخاصة، ويوفّر بهما شفقة الخاصة على العامة. فبهجرها ذلك القانون الاساس أرغمت البرجوازيين على ظلم الفقراء وهضم حقوقهم، وأجبرت الفقراء على العصيان والتمرد في معاملتهم معهم. فدمّرت سعادة البشرية وراحتها وأمنها واطمئنانها وجعلتها اثراً بعد عين.
النكتة الثانية:
ان ما انجزته هذه المدنية الحاضرة من خوارق - في ساحة العلم - نِعمٌ ربانية تستدعي شكراً خالصاً من الانسان على ما اُنعم عليه، وتقتضي منه كذلك استخداماً ملائماً لها لفائدة البشرية ومنفعتهم. بيد اننا نرى الآن خلاف ذلك؛ اذ تقود تلك الخوارق قسماً من الناس - الذين لهم اهمية بالغة في الحياة - وتوردهم موارد الكسل والسفاهة... اذ انها تذكّي نار الاهواء النفسانية، وتثير كوامن النزعات الشهوانية فتُقعِد الانسانَ عن الكدّ والسعي وتثنيه عن الشوق الى العمل، وتسوقه بعدم القناعة وعدم الاقتصاد الى السفاهة والاسراف والظلم وارتكاب المحرمات.
نُورد مثـالاً على ذلـك:(مثلـمـا ذكر في رسـالـة "مفتاح عـالـَم النـور").
الراديو نعمة الهية عظيمة على البشرية، فبينما تقتضي شكراً معنوياً منّا عليها وذلك باستخدامها لمصلحة البشرية كافة، نرى أربعة أخماس استعمالاتها تُصرف في إثارة الاهواء النفسانية، والى امور تافهة لا تعني الانسان في شئ، فتجتث جذور شوق الإنسان الى السعي وتُوقعه في الكسل والإخلاد الى الراحة والاستمتاع بالاستماع اليها، حتى يدع الانسانُ وظيفة حياته الحقيقية. وفي الوقت الذي يلزم توجيه قسم من الوسائط والوسائل الخارقة النافعة وصرفها في تيسير مصالح البشرية الحقيقية واستخدامها في سبيل السعي والعمل لأجل خير البشرية وتوفير حاجاتها الحقيقية وتذليل مشاقها، فقد رأيتُ بنفسي، انها لا تُصرف إلاّ الى واحد او اثنين من عشرة في تلبية تلك الحاجات الضرورية وتُساق الثمانية الباقية من العشرة الى اللهو والاسترسال في اثارة الهوى والاسترخاء والدعة والكسل وقضاء الوقت.
وهناك ألوف الامثلة على هذين المثالين الجزئيين.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني

الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 380
وحاصل الكلام:
ان المدنية الغربية الحاضرة لا تلقي السمعَ كلياً الى الأديان السماوية؛ لذا أوقعت البشرية في فقرٍ مدقع، وضاعفت من حاجاتها ومتطلباتها، وهي تتمادى في تهييج نار الإسراف والحرص والطمع عندها بعد أن قوضت أساس الاقتصاد والقناعة، وفتحت أمامها سُبل الظلم وارتكاب المحّرمات. زد على ذلك فقد ألقت - بذلك - الانسان المحتاج المسكين في احضان الكسل والتعطيل المدمّر، بعد أن شجعته على وسائل السفاهة. وهكذا بددت الشوق لديه الى السعي والعمل، فأضاع الانسان عمره الثمين سدىً باتباعه هوى المدنية الحاضرة وبسيره وراء سفاهتها ولهوها.
زد على ذلك فقد ولّدت المدنية في ذلك الانسان المعوز العاطل أمراضاً وأسقاماً وعللاً، إذ اصبحت وسيلةً، الى انتشار مئات من الأوبئة والامراض في أرجاء المعمورة. بثتها في الاوساط بسوء الاستعمال والإسراف.
ففضلاً عن هذه العلل الثلاثة التي ولّدتها المدنية وهي الحاجة الماسة والميل الى السفاهة، وكثرة الامراض المذكّرة بالموت، فانه بتفشي الالحاد وتوغله فيها استيقظت البشرية من غفوتها، واذا بالمدنية تهددّها باستمرار، باظهار الموت تجاهها اعداماً ابدياًً، فجرّعتها نوعاً من عذاب جهنم في الدنيا.
فأزاء هذه المصيبة الرهيبة النازلة بساحة البشرية يداوي القرآن الكريم تلك الجروح الثلاثة البليغة بصحوة تلاميذه الذين يربون على اربعمائة مليون تلميذ وبما يضمه من قوانين مقدسة سماوية مثلما عالج علاجاً شافياً ادواء البشرية قبل الف وثلاثمائة سنة، فانه مستعد لتضميد تلك الجراحات الغائرة بقوانينه الاساسية السامية.. فضلاً عن انه الكفيل بتحقيق سعادة دنيوية واخروية للبشرية مالم تقم على رأسها قيامة مفاجئة.. زد على ذلك فانه يبين لها أن الموت ما هو إلاّ تسريح من الوظيفة وتذكرة ترخيص للدخول الى عالم النور بدلاً من كونه اعداماً ابدياً.. وان كفة حسنات الحضارة النابعة منه ستتغلب حتماً على سيئات المدنية الحاضرة، بل يجعل المدنية سائرة في ركاب تلك القوانين السماوية، تخدمها وتعينها بدلاً مما يحدث الى الآن من تنازل قسم من الدين لقسم من المدنية. ومن دفع احكام الدين رشوة في سبيل


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 381
المدنية. كل ذلك يفهم من اشارات القرآن المعجز البيان ومن رموزاته، فترجو البشرية الصاحية الحاضرة ذلك العلاج القدسي من رحمته تعالى وتتضرع اليه وتطلبه.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي
***

18 / 1/ 1958
[اتخاذ البيت مدرسة نورية]
باسمه سبحانه
(وان من شىء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الاوفياء، ويا طلاب النور لمدرسة الزهراء المعنوية!
عندما قدمت الى اسبارطه طرق سمعي انه ستفتح مدرسة الوعظ والخطابة والامامة فيها. فخطر على القلب:
فتح مدرسة نورية في الاماكن المجاورة من تلك المدرسة، وذلك لجعلها نوعاً من مدرسة نورية، اذ إن معظم الذىن سيسجلون فيها هم من طلاب النور.
وقد فهم من مجئ الرجال والنساء زرافاتٍ ووحداناً الى اسبارطة بعد يومين من مجيئي اليها، وبعد اشاعة الخبر وكأنني سألقي درساً عاماً للناس، انه لو فتحت مدرسة نورية شبه رسمية عامة فستكون مكتظة ومزدحمة لتوافد الناس اليها كما توافدوا لمشاهدتنا عند ذهابنا الى محكمة آفيون. ولاحتمال حدوث امثال هذه التجمعات التي لا معنى لها تركت تلك الخاطرة. ولكن خطرت هذه الحقيقة على القلب:
ليحوّل كل شخص بيته الى مدرسة نورية يتدارسون فيها مع اطفاله واهل بيته، وان لم يكن له احد وكان وحيداً فليتخذ مع بضع افراد من جيرانه احد المساكن


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 382
مدرسة نورية يتدارسون فيه رسائل النور او يستمعون لها او يستنسخونها، وذلك في الاوقات التي يتفرغون فيها عن اعمالهم ومشاغلهم، إذ الانشغال بهذه الرسائل ولو لعشر دقائق يثيب صاحبه ثواب طالب علم حقيقي، فضلاً عن كسبه ثواب خمسة انوار من العبادات المذكورة في رسالة الاخلاص. علاوة على تحول عاداته ومعاملاته الاعتيادية لمتطلبات معيشته عبادة يثاب عليها، كما هي الحال لدى طالب العلم. هكذا ورد الى القلب وانا بدوري ابينه لاخوتي.
الباقي هو الباقي
اخوكم المريض
سعيد النورسي
***

[الدروس تنوب عني]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: اقدم مائة الف شكر وشكر الى الرب الجليل الذي حقق بكم، انتم اركان مدرسة الزهراء، الحقيقة المعنوية لمدرسة الزهراء، التي كانت هدف خيالي وغاية حياتي طوال خمس وخمسين سنة.
ثانياً: لقد حرمت من المحاورة مع اخوتى طلاب النور والمجالسة معهم من جراء المرض ولاسباب اخرى. لذا فانني اوكل - عوضاً عني- الدروس التي لقنتها رسائل النور سعيداً الجديد في مدرسة القرآن، والدروس التي تعلمها سعيد القديم من الحياة الاجتماعية - كالخطبة الشامية وذيولها- فأوكل الكلام والمحاورات في تلك الدروس لتنيب عن اخيكم هذا الضعيف المشتاق اليكم في محاوراته.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 383
ثالثاً: اقدم تعازىّ الى البطل "طاهري" 1 الطالب الخاص الخالص لرسائل النور والناشر لها والذي اتخذ بيته مدرسة نورية صغيرة، وذلك لوفاة والده الذي وهبه لدائرة النور. واعزي اقاربه وذويه واسبارطة ودائرة رسائل النور سائلاً المولى القدير ان ينزل الرحمات الى روحه بعدد حروف رسائل النور...
الباقي هو الباقي
اخوكم المريض
سعيد النورسي
***

[اعتراض ولي عظيم]
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء!
حصلت على مؤلّف مطبوع لسعيد القديم "المناظرات" ونظرت اليه بلهفة وانعام نظر. فوردت الى القلب هذه الفقرة الآتية:
اولاً: ان هذا المؤلَّف الذي طبع في مطبعة "ابو الضياء" سنة 1329هـ هو الدرس الذي القاه سعيد القديم بين عشائر الارتوش ولاسيما عشائر كودان ومامخوران، لأجل افهام الشورى الشرعية للعشائر فهماً صائباً وحملهم على قبولها، وذلك فى السنة الثالثة من عهد الحرية. ولكن لم احصل على هذا المؤلّف مع الاسف رغم بحثي عنه منذ ثلاثين سنة، الاّ ان احدهم حصل على نسخة منه فأرسلها اليّ.
طالعت الكتاب بامعان وبعقل سعيد القديم وبسانحات سعيد الجديد، فادركت ان سعيداً القديم شعر بحسّ عجيب مسبق - قبل الوقوع - بالوقائع المادية والمعنوية التي تحدث الآن، فقد شعر بها قبل حوالي اربعين سنة. اذ انه شاهد ما وراء ستار العشائر الكردية، الخونة الذين جعلوا هذا الزمان قناعاً لهم وهم الملحدون الجاهلون
_____________________
1 طاهرى موطلو: هو احد طلاب النور المقربين للاستاذ النورسي، صاحبه في السجن، تولى شؤون الرسائل، انتقل الى رحمة الله سنة 1977م عن سبع وسبعين من العمر. - المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 384
الحقيقيون والرجعيون الذين يحاولون تحت ستار الوطنية ارجاع هذه الامة الى عاداتها السابقة قبل عهد الاسلام. فتكلم سعيد القديم معهم بشدة وحاورهم بعنف.
ثانياً: قرأت الصفحات التى يبدو فيها ان بين المستمعين لدرسي ذاك، ولي عظيم - دون علمي به - فقد اعترض اعتراضاً شديداً في ذلك المقام اذ قال:
- انت تغالي وتفرط، اذ تُظهر الخيال عينَ الحقيقة وتُهيننا بظنك اننا جهلاء، فنحن في عصر آخر الزمان والفساد يستشري وسينقلب من سئ الى أسوأ.
وكان الجواب في الكتاب:
لماذا تكون الدنيا ميدان تقدمٍ وترقٍ للجميع، وتكون لنا وحدنا ميدان تأخر وتدنٍ. فهل الأمر هكذا؟ فها أنذا آليتُ على نفسي الاّ أخاطبكم، فأدير اليكم ظهري وأتوجه بالخطاب الى القادمين في المستقبل: أيا من اختفى خلف عصر شاهق لما بعد ثلاثمائة سنة، يستمع الى كلمات النور بصمت وسكون. وتلمحنا بنظر خفي غيبي.. أيا من تتسمّون بـ "سعيد وحمزة، وعمر وعثمان وطاهر، ويوسف وأحمد وامثالهم" انني اتوجه بالخطاب اليكم: ارفعوا هاماتكم وقولوا: "لقد صدقت" وليكن هذا التصديق ديْناً في اعناقكم. إن معاصري هؤلاء وان كانوا لا يعيرون سمعاً لاقوالي، لندعهم وشأنهم، انني اتكلم معكم عبر امواج الاثير الممتدة من الوديان السحيقة للماضي - المسمّى بالتأريخ - الى ذرى مستقبلكم الرفيع، ما حيلتي لقد استعجلت وشاءت الاقدار ان آتي الى خضم الحياة في شتائها.. أما انتم فطوبى لكم ستأتون اليها في ربيع زاهر كالجنة، ان ما يزرع الآن ويستنبت من بذور النور ستتفتح ازاهير يانعة في ارضكم.. نحن ننتظر منكم لقاء خدماتنا.. انكم اذا جئتم لتعبروا الى سفوح الماضي، عوجوا الى قبورنا، واغرسوا بعض هدايا ذلك الربيع على قمة القلعة. (اي كما ذكر في الرجاء الثالث عشر من رسالة "الشيوخ" أنه بوفاة مدرسة خورخور التي هي تحت قلعة "وان" الصلدة والتي هي مدرسة ابتدائية لمدرسة الزهراء، وغلق المدارس الشرعية فى الاناضول كافة الدال على وفاتها. توفت جميع المدارس وكأن قلعة "وان" صارت شاهداً لقبرها العظيم. فيا ايها المقبلون بعد ثلاثمائة سنة ازرعوا على قمة هذه القلعة زهرة مدرسة نورية).


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 385
اي ابنوا جسم مدرسة الزهراء التي تعيش روحاً ضمن هيئة واسعة، ولم تبعث جسماً. علماً ان سعيداً القديم قد قضى معظم حياته في سبيل تحقيق تلك المدرسة. وقد سجل حقائق مهمة في مؤلفه ذاك سواءً في تأسيسها او في فوائدها.
وانه لفأل حسن بعد انكسار حدّة الاستبداد الرهيب الذى دام خمساً وعشرين سنة والذى انهى حياة المدارس الشرعية، قرار وزير المعارف "التربية" توفيق ايلرى على انشاء مدرسة الزهراء في "وان" باسم جامعة الشرق، واستصواب رئيس الجمهورية "جلال بايار" - من حيث لم يحتسب - قرار الوزير وجعله ضمن قائمة المسائل المهمة. وهذا ما كان يتمناه سعيد قبل اربعين سنة، وسيتحقق باذن الله.
نبين هنا ثلاث حقائق لايضاح جواب سعيد القديم الذي قاله قبل خمس واربعين سنة.
الحقيقة الاولى:
لقد شعر سعيد القديم بحس مسبق بحادثتين عجيبتين. ولكن كان يقتضي التعبير كما في الرؤى الصادقة. اذ لو نظر احدهم الى شئ ابيض من خلال ستار احمر فانه يراه احمر، فسعيد القديم كذلك نظر الى تلك الحقيقة من خلال ستار السياسة الاسلامية فأبدلت صورة الحقيقة شكلها شيئاً ما. وقد عرف ذلك الولي الصالح الحاضر في المجلس خطأ سعيد القديم فاعترض عليه من تلك الجهة.
وتلك الحقيقة قسمان:
القسم الاول: سيظهر نور ساطع عظيم فى المملكة العثمانية، حتى كان سعيد يبشر به طلابه قبل عهد الحرية ولمرات عديدة مسرّياً عنهم، وان ذلك النور سيحقق السعادة لهذا الوطن رغم التخريبات والفساد المشاهد. وهكذا اظهرت رسائل النور - بعد اربعين سنة - تلك الحقيقة حتى للعيون المطموسة.
فلقد عبّر سعيد القديم عما استشعره من منافع ذلك النور الجليلة الواسعة وبنوعيتها الراقية، فكأن ذلك النور سيظهر فى المملكة العثمانية كلها مشاهداً اياه من خلال السياسة من دون ان يأخذ بنظر الاعتبار كمية النور القليلة وسعته الضيقة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 386
فكان سعيد القديم محقاً الى حد ما كما ان ذلك الولي محق ومصيب فى اعتراضه برؤيته الدائرة الضيقة واسعة.
لأن دائرة رسائل النور الضيقة واسعةٌ جداً من حيث انقاذها الايمان. حيث انها تنقذ الحياة الابدية. فمليوناً من طلابها فى حكم المليار. اي ان محاولة اسعاد الف من الاشخاص فى الآخرة افضل بكثير من اسعادهم فى حياتهم الدنيوية والمدنية، واوسع منها معنى، فذلك الذى شاهده سعيد القديم بذلك الحس المسبق الشبيه بالرؤيا الصادقة. اي ان ذلك النور الضيق سيحيط بالمملكة العثمانية كلها.
ولعل الله سيجعل تلك الدائرة الواسعة منورة بنمو ما تزرعه رسائل النور من بذور نورانية. وعندها تتبين صحة تعبيره الخطأ.
الحقيقة الثانية:
كان سعيد القديم يخبر طلابه - في مؤلفاته القديمة وفي افادة المرام لاشارات الاعجاز - ويقول لهم مكرراً: ستحدث زلزلة اجتماعية بشرية عظيمة، زلزلة مادية ومعنوية، وسيغبطون اعتكافي وانزوائي وبقائي اعزباً.
حتى أنه في السنة الاولى من عهد الحرية سأل الشيخ بخيت - مفتى الديار المصرية - سعيداً القديم: ما تقول في حق هذه الحرية العثمانية والمدنية الاوربائية؟ فأجابه سعيد:
ان الدولة العثمانية حاملة بدولة اوروبائية وستلد يوماً ما، وان اوروبا حاملة بالاسلامية وستلد يوماً ما.
فقال له الشيخ الجليل: وانا اصدق ما يقوله. ثم قال لمن حوله من العلماء: لا اناقش هذا ولا اتمكن ان اغلبه.
فلقد شاهدنا الولادة الاولى، أنها سبقت اوروبا في بُعدها عن الدينبربع قرن.
اما الولادة الثانية: فستظهر بعد حوالي ثلاثين سنة باذن الله. ستظهر في الشرق والغرب دولة اسلامية.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 387
الحقيقة الثالثة:
كان سعيد القديم - والجديد - يخبر بحس مسبق وباصرار بالغ وبتكرار عن حادثة عظيمة معنوية ومادية وظهور زلزال اجتماعي بشري رهيب مدمّر فى الدولة العثمانية. والحال انه رأى بذلك الحس ما فى الدائرة الواسعة جداً فى دائرة ضيقة. ورغم ان الزمان صدّقه بالحرب العالمية الثانية تصديقاً تاماً فهو يعبّر عن رؤيته تلك الدائرة الواسعة فى المملكة العثمانية بالاتي:
رغم ان الدمار الذي ولّدته الحرب العالمية الثانية واسع جداً فانه ضيق بالنسبة للدمار الذي حصل في الدولة العثمانية، حيث انه متوجه الى الحياة الدنيوية والمدنية الزائفة. بينما الذي حصل فى الدولة العثمانية دمار للحياة الباقية والسعادة الدائمة. فهذا الدمار زلزلة اسلامية افظع وارهب من حيث المعنى من تلك الحرب. وبهذا يصحح ما سهى عنه سعيد القديم ويعبّر عن رؤياه الصادقة ويظهر للعيون حسه المسبق. ويردّ في الوقت نفسه اعتراض ذلك الولي الفاضل الذي يبدو حقاً، باثباته ان الحس المسبق لسعيد القديم احق منه.
***

[التضحية الصديقية]
نشرت كلٌ من صحيفة بويوك جهاد "الجهاد الاكبر" و "سبيل الرشاد" ما اعلنتُه، وهو: انني لا اجعل خدمة الايمان والدين ورسائل النور اداة للسياسة الدنيوية، ولاسيما للوصول الى كمالات معنوية ومقامات رفيعة، كذلك لا اجعلها وسيلة لبلوغ ما يهش له الناس من سعادة ابدية ونجاة من النار، بل هي خالصة لوجه الله ولابتغاء مرضاته وحده وتنفيذاً لأمره سبحانه. وما ألجأني الى هذا الامر الاّ الاخلاص الحقيقي الذي هو القوة الحقيقية للنور. علّنى احظى بذرةٍ من التضحية السامية التي كان الصدّيق الاكبر رضي الله عنه يتحلى بها، حيث قال:
اسأله تعالى ان يكبر جسمى ليملأ جهنم حتى لايبقي موضع لمؤمن، اعذب عوضاً عنهم. فانا ارضى كذلك بدخول النار لاُنقذ بضع اشخاص منها بالايمان.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 388
ومن المعلوم ان العبادة لا تؤدّى طمعاً فى الجنة ولا خوفاً من النار، بل للأمر الرباني وابتغاء مرضاته سبحانه.
***

[حول تحضير الارواح]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً.
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لقد تحقق بامارات كثيرة وحوادث عديدة ان اعداء طلاب النور يدبّرون خططاً شتى ليحملوا بعض طلاب رسائل النور الخواص على التخلي عن خدمة النور او التراخي والتخاذل عن العمل، وذلك بكشف ما لديهم من عرق ضعيف.
نبين ادناه أنموذجين اثنين ليكونا موضع عبرة وعظة:
الأنموذج الاول:
هو لفت نظر عدد من طلاب رسائل النور الخواص المرتبطين ارتباطاً قوياً بخدمة النور، وصرف تفكيرهم الى جهة غير الخدمة، باشغالهم بمشارب روحانية ذات اذواق، مما يفتتّ صلابتهم ويوهن ارتباطهم الوثيق. أو باشغالهم بتلقي الاخبار عن الاموات، المسمى بتحضير الارواح، وهو مخابرة مع الجن، او باشغالهم بالتنبؤ عن اخبار مستقبلية كما كان لدى الكهان السابقين، فكأنهم يتصلون مع اولياء عظام او حتى مع الأنبياء عليهم السلام، ويجرون معهم ما يشبه المحاورة.. وامثال هذه الامور. ولما كانت هذه المسألة - تحضير الارواح والتنبؤ بالغيب -آتية من الاجانب ونابعة من الفلسفة فقد تؤدى الى اضرار جسيمة بالمؤمنين، حيث يمكن استعمالها استعمالاً سيئاً، اذ لو كان فيها صدق واحد ففيها عشرة اكاذيب. ولا محك ولا مقياس لتمييز الصدق عن الكذب. وبهذه الوسيلة يلحق الجن - الذين يعينون الارواح الخبيثة - الضرر بقلب المنشغل بها وبالاسلام ايضاً، ذلك لانها إخبارات


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 389
تنافي حقائق الاسلام وتعارض عقائده العامة مع انها تزاوَل باسم امور روحية معنوية، حيث يوحون بأنهم ارواح طيبة مع انهم ارواح خبيثة، بل انهم يسعون للإخلال بالاسس الاسلامية، او يتفوهون بكلمات مقلدين اسماء اولياء عظام، وبهذا يستطيعون تغيير الحقيقة والتمويه على السذج الذين يكونون ضحية خداعاتهم..
فلو قالت جلوة الشمس التي تشاهد فى قطعة زجاج صغيرة - متكلمة باسمها- ان ضيائي يستولى على الدنيا وحرارتي تحمي كل شئ، وانا اكبر بمليون مرة من الكرة الارضية. كم يكون كلامها خلافاً للحقيقة!
فالنبي الذي في مقامه الحقيقى الرفيع كالشمس الساطعة، لا يمكن ان تتكلم جلوته باسمه، لدى تحضير الارواح او التنبوء بالمستقبل. ولو تكلمت باسم النبي لكان كلامها مخالفاً كلياً بمئات الاضعاف. فلا يمكن قياس ظهور جلوة جزئية لدى تحضير الارواح أو التنبؤ بالمستقبل اصلاً و قطعاً بالماهية السامية الرفيعة لصاحب الوحي الذى هو كالشمس المعنوية، لذا لا يمكن جلب تلك الحقيقة العظمى قطعاً، بل ان جلبها سوء ادب واهانة و عدم احترام ليس الاّ، وانما يمكن الرقي بالسير والسلوك للتقرب من ذلك المقام الرفيع فيحظى بالمحاورة والمجالسة مع تلك الشمس الحقيقىة كما حدث لجلال الدين السيوطى واولياء آخرين. مع العلم ان هذا الرقي هو مجالسة و محاورة مع ولايته صلى الله عليه وسلم - كما اثبتته رسائل النور - ولا يكون هذا الاّ حسب قابلياتهم ووفق استعداداتهم الذاتية. ولكن حقيقة النبوة لكونها أرفع وأسمى واعلى بكثير من الولاية، فان المحاورة التي تُنال بالرقي الروحي أو بوساطة تحضير الارواح والتلقي منها، لا تبلغ حقيقة المحاورة والتلقي من النبي تلقياً حقيقياً باي جهة كانت ولا يكون محوراً للاحكام الشرعية قطعاً.
ان تحضير الارواح المتأتي من الايغال في دقائق الفلسفة، وليس من الدين، حركة تخالف الحقيقة وتنافي الادب اللائق والاحترام الواجب. لان جلب ارواح من هم في اعلى عليين وفى المقامات السامية المقدسة الى مائدة تحضير الارواح، موضع الاكاذيب واللعب واللهو، في اسفل سافلين انما هو اهانة عظيمة وعدم توقير محض وسوء ادب.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني

الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 390
بل الحقيقة عينها والادب المحض والاحترام اللائق هو أن يحصل ما حصل للافذاذ من امثال جلال الدين السيوطي وجلال الدين الرومي والامام الرباني بالسمو الروحاني - بالسير والسلوك - الى مرتبة القربية لاولئك الاشخاص السامين والاستفاضة منهم.
ان الشيطان والارواح الخبيثة لا تتمثل في الرؤى الصادقة، بينما في تحضير الارواح يمكن ان تتكلم الارواح الخبيثة باسم نبي من الانبياء مقلدةً له خلافاً للاحكام الشرعية والسنة النبوية الشريفة.
فان كان هذا التكلم مخالفاً للاحكام الشرعية والسنة النبوية فهو دليل قاطع على ان المتكلم ليس هو من الارواح الطيبة وليس حنيفاً مسلماً ومؤمناً، بل هو من الارواح الخبيثة، يقلّد على هذه الصورة.
ثانياً:
ان طلاب النور ليسوا بحاجة الى مزيد من الارشادات في مثل هذه الامور حالياً، اذ رسائل النور قد بيّنت حقيقة كل شئ، ولم تعد هناك حاجة الى ايضاحات اخرى. فحسبهم رسائل النور. وعلى الذين هم خارج طلاب رسائل النور الاّ يعيروا سمعاً الى مثل هذه التلقينات المخالفة للاحكام الشرعية والسنة النبوية، سواء عن طريق تحضير الارواح، او عن غيرها. وهذا هو الالزم لهم. وبخلافه يحدث خطأ جسيم.
تنبيه:
ان هذا النقد الشديد الوارد في هذه الرسالة حول المحاورة مع الارواح منصبّ على تلك الحركة النابعة من الفلسفة والعلم والتى تسمى تحضير الارواح والتنويم المغناطيسي والتنبؤ بالمستقبل، والتي اتخذت شكل الامور الروحية والمعنوية. بمعنى ان هذا النقد القوي ليس موجهاً الى التصوف واهل الطريقة والنابع من الاسلام، وفيه ما يشبه المخابرة مع الارواح،التي اسئ استعمالها - الى حد ما - بدخول من ليس اهلاً فيها، ومع هذا ربما يكون لتلك المخابرة ضرر من جهة البعض الاّ انها ليست خادعة ولا يقصد منها الإضرار بالاسلام. فضلاً عن هذا ان هذا المشرب الآتي من الاجانب هو مناف للطريقة الصوفية ويخالف الاسلام ايضاً كما انه يحاول هدم مسلك التصوف، ويهوّن من شأنه حتى يجعله امراً اعتيادياً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 391
ألا فليحذر اولئك المتصوفة الذين لم يحظوا بعد - لضعفهم - باتباع السنة النبوية اتباعاً كاملاً، فلا يحاولوا التشبه باولئك.
سعيد النورسي
***

حقيقة تخص حياتنا الاجتماعية أُخطرت على القلب:
توجد على ارض الوطن اربعة احزاب : الاول : حزب الشعب الجمهوري والآخر: الحزب الديمقراطي 1، والآخر حزب الأمة 2، وآخر حزب الاتحاد الاسلامي.
ان حزب الاتحاد الاسلامي يستطيع أن يأخذ بناصية الحكم متى ما كان ستون الى سبعين بالمئة منه تام التدين لئلا يحاول جعل الدين اداة للسياسة. بل ربما يُسخّر السياسة في سبيل الدين. ولكن يلزم الاّ يتولى هذا الحزب الحكم حالياً، لانه سيضطر الى استغلال الدين في إمرة السياسة لمجابهة جرائم السياسة الحالية وشرورها. حيث ان التربية الاسلامية قد أصابها الوهن والخلل منذ زمن بعيد. 3
اما حزب الشعب الجمهوري: فان جميع الجرائم التي اقترفها طوال ثمان وعشرين سنة، وجرائم غيره، علاوة على سيئات الاتحاد والترقي والماسونيين منهم، قد حُمّلت على هذا الحزب. فعلى الرغم من جميع هذه السيئات فانه في حكم الغالب
_____________________
1 انفصل عن حزب الشعب الجمهوري سنة 1946، تولّى السلطة في سنة 1950 بعد احرازه الاغلبية العظمى في البرلمان 408 نائباً من بين 450 نائباً فاصبح جلال بايار رئيس الحزب رئيساً للجمهورية وعدنان مندرس رئيساً للوزراء. ومن منجزاته اعادة الاذان الشرعي وادخال دروس الدين في المدارس واذاعة برامج دينية مع اعطاء الحرية النسبية في النشر. استمر في الحكم عشر سنوات حتى ازيح عنه بانقلاب عسكري سنة 1960 وحوكم عدنان مندرس ورفقاءه بالاعدام.
2 تأسس سنة 1948 منفصلاً عن الحزب الديمقراطي، لم يحز في الانتخابات سوى نائباً واحداً. اُغلق سنة 1954 بحجة استغلاله الدين لاغراض سياسية. ثم تأسس تحت اسماء مختلفة حتى فسخ نفسه سنة 1977 .
3 لم يتأسس هذا الحزب وانما هو الشعور العام لدى الشعب المسلم ولدى اشخاص من احزاب محافظة، بعد ان اصبح لهم شئ من الحرية في النشاط، علماً ان بعضاً من الغيارى" على الاسلام حاولوا انشاءه الاّ انهم لم يفلحوا. والنسبة المئوية تخص الذين يتولون ادارة الامور في الدولة. ولعل المقصود من تام التدين هو عدم تجزئة شمولية الاسلام، لئلا يكون اداة للسياسة.
المترجم



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 392
على الديمقراطيين من جهة، ذلك لانه يرشي بعض الموظفين - تحت ستار القانون - رشوة عجيبة ولذيذة حقاً، لان الانانية تتقوى بنقصان العبادة، فيزداد الداعون الى فرعونية النفس. ففي مثل هذا الزمان الذي طغت فرعونية النفس، فاصبحت الوظيفة الحكومية تورث النفس روح التسلط والسيادة والفرعونية علماً انها مجرد قيام بخدمة الآخرين، وقد شعرتُ من طريقة التعامل التي يعاملونني بها، ان هذا الحزب يعطي مرتبة الحاكمية ذات المشاعر اللذيذة العجيبة الى نفوس قسم من الموظفين، رشوة لهم، فيغلب - في جهة - الديمقراطيين. على الرغم من جميع الجنايات المريعة ومن وجود نشريات الصحف التي لا تنتمي اليه. بينما الوظيفة هي خدمة الآخرين ليس الاّ، حسب الدستور الوارد في الحديث الشريف (سيد القوم خادمهم) 1 اذ القوة إن لم تكن في القانون فانها تسري الى الاشخاص، فالاستبداد يكون اعتباطياً بمعنى الكلمة. فلا مناص من ان تستند الديمقراطية وحرية الوجدان الى هذا الدستور الاسلامي.
أما حزب الامة: فإن كان المقصود بالامة، فكرة الامة الاسلامية التي هي الاساس في الوحدة الاسلامية - والقومية التركية ممتزجة بها - فهي موجودة في معنى الحزب الديمقراطي، وسيضطر هذا الحزب الى الالتحاق بالديمقراطيين المتدينين.
بيد ان العنصرية التي نعدّها داء السيلان الغربي، قد سرت فينا سريان الوباء من الغرب ولقحته اوروبا فينا كي تستطيع ان تمزق العالم الاسلامي. هذا الداء الوبيل يورث حالة روحية جاذبة. حتى ان كل امة تحمل رغبة وشوقاً بشكل كلي أو جزئي نحوها على الرغم من اضرارها الوخيمة ومهالكها المدمرة.
فلو أحرز هذا الحزب بسبب استحواذ المدنية الغربية وضعف التربية الاسلامية نصراً فان العناصر غير التركية التي تمثل سبعين بالمائة من الامة ستضطر الى اتخاذ جبهة مضادة للاتراك الحقيقيين - الذين لا يتجاوزون الثلاثين بالمائة - معارضة لسيادة الاسلام.
حيث ان من اسس القوانين الاسلامية
(ولا تزر وازرة وزر اخرى) (فاطر: 18) اى لا يؤاخذ الشخص بجريرة غيره، بينما في العنصرية يجد الشخص نفسه محقاً
_____________________
1 رواه عبدالرحمن السلمي في آداب الصحبة، ورواه الخطيب، واخرجه الديلمي، ورواه الطبراني ما بمعناه.. فالحديث ضعيف كما علمت. على انه قد يقال انه حسن لغيره لتعدد طرقه كما مرّ فتدبر (باختصار عن كشف الخفاء 2 / 463) - المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 393
في قتل شقيق الجاني، بل اقاربه، بل حتى افراد عشيرته. فمثلما لا يحقق هذا عدالة، يفتح سبيلاً الى ارتكاب مظالم شنيعة، علماً ان الدستور الاسلامي يقرر انه لا يُضحّى ببرئ واحد لأجل مائة جانٍ. فهذه مسألة مهمة من مسائل البلاد، وخطرة تجاه السيادة الاسلامية.
فمادامت هذه هي الحقيقة. فيا ايها الديمقراطيون المتدينون والذين يحترمون القيم الدينية! انتم مضطرون الى جعل الحقائق الاسلامية ركيزة لكم فهي اقوى من ناحية جاذبيتها المعنوية والمادية تجاه جاذبية ركائز هذين الحزبين واغرائها. وبخلافه فان الجرائم التي اُرتكبت بحق هذه الامة منذ القدم تُحمَّل عليكم وإن لم تكونوا قد اقترفتموها، مثلما تُحمَّل على الحزب السابق. وعند ذاك يستغل الحزب الشعب الجمهوري العنصرية، فيغلبونكم. وهذا احتمال قوى، كما شعرت به. لذا فاننى قلق باسم الاسلام من هذا الوضع. 1
***
_____________________
1 لقد ظهرت نتيجة سن القوانين الاعتباطية وتطبيقها السئ في عهد الحزب السابق، مسألة التيجانية(*)، فضلاً عن تحريضهم واثارتهم الناس. فلكي لا تقع مغبة هذه المسألة على الديمقراطيين المتدينين، وللحيلولة دون سقوطهم في نظر العالم الاسلامي ارى ان السبيل الوحيد هي:
مثلما احرز الديمقراطيون عشرة اضعاف قوتهم باعادة الاذان الشرعى، فان تحويل »اياصوفيا« الى وضعه العبادي السابق سيؤثر تأثيراً حسناً جداً في العالم الاسلامي، ويكسب لأهل هذه البلاد اهتمام العالم الاسلامي وودّهم.. وكذا على الديمقراطيين المتدينين الاعلان رسمياً عن حرية نشر رسائل النور التي لم تجد المحاكم فيها طوال عشرين سنة شيئاً ضاراً للبلاد، وقضت خمس محاكم ببراءتها. وبهذا تضمدون هذا الجرح فتكسبون اهتمام العالم الاسلامي فضلاً عن عدم تحميلكم جرائم ظالمة لغيركم.
في غضون يوم أو يومين نظرت الى الامور السياسية رغم اني تركتها منذ خمس وثلاثين سنة، وذلك لأجل الديمقراطيين المتدينين ولاسيما الافاضل من امثال عدنان مندرس.
سعيد النورسي
نحن طلاب النور شهود على هذه الحقيقة ومصدّقون لها.
جيلان، خليل، عثمان، حمزة، وغيرهم.
-------------------
(*) وهى ان متنسبي الطريقة التيجانية قد قاموا بحملة كسر هياكل مصطفى كمال في شتى انحاء تركيا (1950 - 1952) وحوكموا من جرائها، وعلى إثرها سُنّ قانون صيانه مصطفى كمال وانقلاباته. ونفي زعيمهم محمد كمال بلاو اوغلو بعد انتهاء محكوميته الى جزيرة »بوزجا« للاقامة الاجبارية حتى وفاته سنة 1977 . - المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 394
[مواجهة الاستاذ ]
باسمه سبحانه
يقول استاذنا:
"الى جميع اخوتي الاعزاء الراغبين في مقابلتي وزيارتي ابيّن لهم الآتي:
انني لا اطيق مقابلة الناس ما لم تكن هناك ضرورة، اِذ التسمم الحالي، والضعف الذي اعترى جسمي، وكذا الشيخوخة والمرض.. كل ذلك جعلني عاجزاً عن التحدث كثيراً. ولأجل هذا ابلّغكم يقيناً ان كل كتاب من رسائل النور انما هو "سعيد".
فما من رسالة تطالعونها إلاّ وتستفيدون فوائد افضل من مواجهتي بعشرة اضعاف، بل تواجهونني مواجهة حقيقية. فلقد قررت ان اذكر في دعواتي وقراءاتي صباح كل يوم اولئك الراغبين في لقائي لوجه الله بديلاً عن عدم استطاعتهم اللقاء، وسأستمر على هذا القرار".
ومنذ شهرين لا يستطيع استاذنا الكلام حتى مع من يعاونه في اموره، حيث ترتفع حرارته متى ما بدأ بالتكلم. وقد قال بناء على إخطار قلبى: "أن حكمة هذا هى: ان رسائل النور لا تدع حاجة اليّ. فلا داعي للكلام. فضلاً عن انني قد لا اتكلم الاّ مع عشرين او ثلاثين من احبتي فلربما منعت من الكلام لئلا يجرح شعور أُلوف الاحبة الآخرين. فليعذرني الاخوة عن اللقاءات الخاصة".
***

[اهمية مدرسة الزهراء]
"قبل اربع سنوات حينما وكّلني استاذنا - بسبب مرضه - لمتابعة شؤون رسائل النور في المحاكم بآنقرة، قدّمنا الى النواب الافاضل الرسالة المرفقة ادناه ونقدمها الآن لكم ولحضرات النواب الافاضل مجدداً. والداعي لهذا هو استمرار المسألة نفسها ولاسيما المحاولات الجارية في الشهور الاخيرة لإنشاء الجامعة الجديدة في الولايات الشرقية".


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 395
ان الانتشار الواسع لرسائل النور في السنين الثلاثين الماضية، سواءً في الداخل أو في الخارج وتأثيرها الجيد في الناس، والسعي المتواصل لإنشاء دار الفنون (الجامعة) في الولايات الشرقية قبل خمس وخمسين سنة، مسألتان مهمتان متعاقبتان متممتان احداهما للاخرى، وهما موضع اهتمام العالم الاسلامي.
فهذه الامة ولاسيما اهل الولايات الشرقية واربعمائة مليوناً من الامة الاسلامية وعالم النصرانية المحتاج الى السلام العالمي تهتم بهاتين النتيجتين العظيمتين والحادثتين الجليلتين. حيث انهما مصدران واسعان لإعلان الاسلام ونشر حقائق القرآن.
ولقد بذل استادنا المحترم منذ خمس وخمسين سنة جهوده وبهمة فائقة متوسلاً بوسائل شتى لإنشاء جامعة اسلامية باسم مدرسة الزهراء في شرقي الاناضول على غرار الجامع الازهر، ودعا الى الحاجة الماسة اليها. مثلما ورد في تهنئته لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بهذا الخصوص حيث قال: ان جامعة الشرق ستحرز مقاماً مرموقاً بين المسلمين بفضل ما تتمتع به من موقع مركزي في العالم الاسلامي. اذ ستبعث وتتجسم فيها الخدمات الدينية الجليلة السامية السابقة والخصال المعنوية الخالدة لألوف العلماء والعارفين والشهداء والمحققين من اجدادنا الراقدين في تلك الولايات، فيؤدون وظائفهم الايمانية في أوسع ميدان.
أما الدرس الاساس الجدير بأن يكون منهجاً وبرنامجاً لجامعة الشرق فهو رسائل النور التي تفسّر الحقائق الايمانية للقرآن الكريم والتي تقيم البراهين العقلية والدلائل المنطقية الايمانية لإثبات مسائل القرآن العظيم. فقمين بهذه الرسائل ان تكون موضع دراسة في الجامعات والمدارس الحديثة.
ان رسائل النور ظهرت بوساطة طالب من طلاب اساتذة الشرق ومدارسها الدينية المنتشرة في ارجائه كافة والتي فجّرت الينابيع المعنوية الباعثة على الحياة.
فنحن نرجو ونتمنى من الرحمة الإلهية بكل ارواحنا وكياننا ان يتسنم اولئك الاساتذة الافاضل وظائفهم السابقة مجدداً فيوسعوا من دائرة اعمالهم الفكرية وخدماتهم القرآنية بالثمار اليانعة المنورة الحالية لجهودهم فتتهيأ الظروف الحياتية الزمانية والمكانية والسلام العام لتحقيق امانينا هذه.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 396
نعم ان رسائل النور التي هي ثمرة واحدة ونتيجة عظيمة كلية لنشاط العلم والمعرفة في الشرق جديرة بأن تلقى اهتمام العاملين للاسلام وهذه الامة والعالم الاسلامي.
هذا وان الاقبال على رسائل النور وطلبها في كل من امريكا واوروبا وانتشارها هناك تبين اهمية دعوانا هذه.
مصطفى صونغور
***

[الحيلولة دون وصول حزب الشعب الى السلطة]
سألنا استاذنا:
لماذا تعمل على الحفاظ على الحزب الديمقراطي؟ فأجابنا بالآتي:
اذا سقطت حكومة الحزب الديمقراطي، فسيتولى السلطة حزب الشعب الجمهوري، او حزب الامة. والحال ان الجنايات التي ارتكبها الفاسدون من الاتحاد والترقي والقسم الاعظم من الاجراءات التي نفّذها رئيس الجمهورية الاول بموجب معاهدة سيفر، طوال خمس عشرة سنة تحت ضغوط ومكايد سياسية كثيرة، كل هذه الامور حُمّلت على حزب الشعب الجمهوري، لذا فان هذه الامة التركية العريقة لن تمكّن بارادتها ليتولى حزب الشعب السلطة، ذلك لأن حزب الشعب اذا تولى السلطة فان القوةالشيوعية ستحكم في البلاد تحت اسم الحزب نفسه، علماً ان المسلم يستحيل علىه ان يكون شيوعياً، بل يصبح ارهابياً فوضوياً، ولا موضع لمقارنة المسلم بالأجنبي.
ولأجل الحيلولة دون وصول حزب الشعب الى السلطة والذي يشكل خطراً رهيباً على حياتنا الاجتماعية وعلى الوطن، اعمل على المحافظة على الحزب الديمقراطي باسم القرآن والوطن والسلام.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 397
[لذة الجنة في الدنيا]
باسمه سبحانه
"هذه الرسـالة تخص مـا يحققه الايمان
فى حياتي من لذة الجنة حتى فى الدنيا".
انني لم اشاهد والدتي الرؤوفة منذ التاسعة من عمري، فلم احظ بتبادل الحوار اللطيف معها فى جلساتها. فبت محروماً من تلك المحبة الرفيعة.
ولم اتمكن من مشاهدة اخواتي الثلاث منذ الخامسة عشرة من عمري، حيث ذهبن مع والدتي الى عالم البرزخ. فبت محروماً من كثير من ألطاف الرحمة والاحترام التي تنثر فى الجلسات الاخوية الطيبة اللذيذة فى الدنيا.
ولم اشاهد ايضاً اخويّ - من ثلاثة اخوة - منذ خمسين سنة - رحمهم الله - فبت محروماً من السرور المنبثق من الاخوة الودودة والشفقة العطوفة في مجالسة اولئك الاعزاء المتقين العلماء.
وعندما كنت اتجول اليوم مع ابنائى المعنويين الاربعة الذين يعاونونني في شؤوني، اُخطر على قلبي بيقين جزءٌ من بذرة الجنة التي ينطوي عليها الايمان، مثلما أظهرتها رسائل النور.
وحيث اننى قضيت حياتى اعزباً فلم انجب الاولاد. لذا بت محروماً من اذواقهم البريئة ومن ابتهاجهم وانشراحهم.
ومع كل هذا ما كنت اشعر بهذا النقص قط، حيث انعم سبحانه وتعالى عليّ فى هذا اليوم معنىً في منتهى الذوق واللذة فضمد جراحاتي الاربعة المذكورة من جهات ثلاث:
الاولى: انه عوضاً عن اللذة الآتية من العطف الخاص لوالدتي، احسن الرحيم سبحانه وتعالى عليّ، اُلوفاً من الوالدات اللائي يستفدن من رسائل النور استفادة تفوق المعتاد ويتذوقن منها اذواقاً روحية خالصة، بمثل ما جاء في الحديث الشريف (عليكم بدين العجائز) المذكور في رسائل النور.
وعوضاً عن السرور والبهجة والعطف الاخوي الناشئ من مجالسة اخواتي الثلاث - رحمهن الله - أحسن المولى الكريم عليّ الالوف من السيدات والشابات،


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 398
وجعلهن سبحانه و تعالى في موضع اخوات لي، فاستفيد من دعواتهن وتعلقهن برسائل النور الوفاً من الفوائد والثمرات المعنوية والمسرات الروحية، وهناك امارات عديدة على صدق هذا القسم الثاني يعرفها اخوتي.
وعوضاً عن حرماني من العون المادي والمعنوي الذي كان يمدانني به فى الدنيا اخوايّ المرحومان ومن عطفهما ورأفتهما، فقد احسن سبحانه وتعالى برحمته عليّ مئات الالوف من اخوة حقيقيين مضحين في خدمة رسائل النور يحملون عطفاً خالصاً ويمدّون اليّ يد العون بل يفدون رأسمال حياتهم الاخروية فضلاً عن حياتهم الدنيوية.
وعوضاً عن حرماني من اذواق العطف والحنان النابعة من الاولاد - حيث لا اولاد لي فى الدنيا - انعم سبحانه وتعالى عليّّ مئات الالوف من الاولاد الابرياء، من حيث استفادتهم من رسائل النور مستقبلاً. فحوّل سبحانه وتعالى هذه العواطف الثلاث والشفقة الرؤوفة الجزئية الى مئات الالوف منها.
وفيما يخص هذا القسم هناك امارات كثيرة جداً. حتى يعلم من يعاونني في اموري من الاخوة. أن الاطفال فى "اميرداغ" و"بولفادين" 1 يتعلقون بي ويبدون من الاحترام والارتباط اكثر مما يبدونها لوالديهم. فأمثلة هذا كثيرة جداً بتحويله سبحانه وتعالى هذا الذوق واللذة والاحترام المتسم بالرأفة من هذا العطف الجزئي الشخصي الى صور الالوف من العواطف الكلية والرأفة العمومية.
فلقد استشعرتْ ارواح هؤلاء الاطفال الابرياء بحس مسبق - كما هو في بعض ذوي الارواح المباركة - ان رسائل النور ستربيهم تربية الوالدين في الدنيا وستصونهم من البلايا.. لذا يظهرون احتراماً وتوقيراً لخادم النور اكثر مما يظهرونه لوالديهم. حتى ان طفلة لا تتجاوز عمرها ثلاث سنوات اتتني مهرولة اليّ مخترقة الاشواك، علماً انني لا اعرفها. ولكثرة ما في "بولفادين" من الاطفال الابرياء المحبوبين ما كنا نخلص منهم ونحن نقطعها بالسيارة. بل حتى فى كل مكان رغم انهم لم يسمعوا عني شيئاً ولم يشاهدوني. فان اظهارهم هذا العطف والحنان نحوي اكثر مما يبدونه لوالديهم

_____________________
1 قصبة تابعة لولاية آفيون. - المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 399
جعلني ارى فى الايمان بذرة الجنة حقاً - بالنسبة لي - حتى من حيث جسمي وهواي.
***

اشارة قصيرة الى حقيقة مهمة
هناك اشارات لقسم من الاحاديث الشريفة:
أن حقائق الايمان تبدو بوضوح اكثر لدى النساء في آخر الزمان، حتى يتمكنّ من وقاية انفسهن - الى حد - من مهالك الضلالة في ذلك الوقت. كما ان هناك حثاً على الاقتداء بالعجائز في آخر الزمان، كما هو في الحديث (عليكم بدين العجائز).
وهذا يعنى ان النساء اللاتي هن بطلات الشفقة ورائدات الحنان والعطف، يحُول اخلاصهن النابع من تلك السجية دون مهالك الضلالة المتمرغة بالتصنع والرياء في ذلك الوقت، فيظللن محتفظات باسلامهن.
وهناك حديث آخر فيه:
ان أبا البنات مرزوق، بمعنى أن في آخر الزمان، يكثر الاناث من الاطفال، ويكنّ طيبات، يبارك الله في أرزاقهّن.
كنت أجهل في السابق سر هذا الحديث الشريف وأمثاله، ولكني ولله الحمد فهمت مؤخراً شيئاً من أسراره، أشير اليه في غاية الاختصار:
ان اطفال الانسان ليسوا كصغار الحيوانات، اذ بينما تقدر هذه الصغار على الاعتماد على انفسها في غضون شهرين او ثلاثة، يحتاج طفل الانسان الى حماية ورعاية مكللة بالرحمة والرأفة، تستغرق عشر سنوات أو اكثر.
وبناء على هذا، لزم دوام شفقة الوالدات على اطفالهن وحمايتهم حماية جادة، وهي سجية فطرية مغروزة في الانسان خلافاً للحيوان. أما في الرجال فقد درجت الحكمة الالهية في فطرتهم سجية الشرف والغيرة، ليتمكنوا من القيام بمعاونة الوالدات الضعيفات والاطفال العاجزين.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 400
وضمن هذه السجية - الشرف - درجت بطولة نادرة خالصة لا تقبل العوض والمقابل، ولكن - في الوقت الحاضر - دب فيها شئ من الفساد، فضعفت على أثرها تلك البطولة في معظم الناس. الا ان السجية الفطرية لدى النساء - وهي الشفقة والحنان - لم تفسد.
فالنساء بهذه السجية الفطرية يؤدين خدمات جليلة بين المسلمين في آخر الزمان، فتلك الاحاديث الشريفة تشير رمزاً الى أهمية هذه السجية الفطرية ودورها في المجتمع، وكيف انها تكون ركيزة ضمن دائرة الاسلام.
***

[موافقة السنة في الزواج]باسمه سبحانه
ِ(وان من شىء الا يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
جواب عن سؤال ورد في صحف نشرت في بلدان خارجية 1.
"لم بقيت أعزباً خلافاً للسنة النبوية؟"
لقد قرأنا رسالتكم على استاذنا الذي يعاني أشد حالات المرض، فقال لنا:
لو لم اكن في حالة شديدة من المرض لكنت اكتب جوابا مفصلا لهؤلاء الاخوة الفاضلين الطيبين، الا ان حالتي الصحية المتردية لا تسمح لي بذلك. فاكتبوا في غاية الاختصار، في بضع نقاط، جواباً لاولئك الاخوة المخلصين البررة ولرفقائي في خدمة القرآن:
_____________________
1 ننقل ادناه نص الرسالة التي بعثها أحدهم الى الاستاذ النورسي في حينه:
"لقد قرأت عدداً من رسائل النور مع ترجمة حياتكم، فرأيت في الترجمة ان من شؤونكم الخاصة: العزوبة، وعدم ايجاد علاقة بشئ في الدنيا، الأمر الذي لوحظ سريانه الى" طلاب النور ايضاً. وبما ان هذا مما لا يتفق مع قوله تعالى" في سورة النساء:
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (النساء: 3)، وقوله صلى الله عليه وسلم: »لا ترهّب في الاسلام« وقوله : »تناكحوا تكثروا فانى اباهي بكم الامم يوم القيامة« . فقد رأيت أن استوضح الأمر.
واني اعتقد ان الاعتراض الذي أوردته قد يندفع ببيان كون العزوبة مطلوبةً لطلاب النور، ذكورهم واناثهم الى سن معينة، من أجل التفرغ لخدمة القرآن والايمان في سن الفتوة والشباب، ولكني لا أرى بدا من البحث في هذا، مع تعيين السن التي يتمكن أولئك الطلاب من الزواج بعد الوصول اليها.
وليس لي على كل حال إلا انتظار جوابكم المقارن للصواب ان شاء الله."
نقلا عن كراس صدر ببغداد سنة 1953



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 401
أولا: في الوقت الذي يلزم لصد هجوم زندقة رهيبة تُغير منذ أربعين سنة، فدائيون يضحّون بكل ما لديهم، قررت ان اضحي لحقيقة القرآن الكريم لا بسعادتي الدنيوية وحدها، بل اذا استدعى الامر بسعادتي الاخروية كذلك، فلأجل ان اتمكن من القيام بخدمة القرآن على وجهها الصحيح باخلاص حقيقي ما كان لي بد من ترك زواج الدنيا الوقتي - مع علمي بانه سنة نبوية - بل لو وُهب لي عشر من الحور العين في هذه الدنيا، لوجدت نفسي مضطرة الى التخلي عنهن جميعاً، لأجل تلك الحقيقة، حقيقة القرآن. لأن هذه المنظمات الملحدة الرهيبة تشن هجمات عنيفة، وتدبر مكايد خبيثة، فلابد لصدها من منتهى التضحية وغاية الفداء، وجعل جميع الاعمال في سبيل نشر الدين خالصة لوجه الله وحده، من دون ان تكون وسيلة لشئ مهما كان.
ولقد افتى علماء منكوبون، وناس اتقياء ، لصالح البدع، أو ظهروا بمظهر الموالين لهم، من جراء هموم عيش أولادهم وأهليهم، فيقتضى منتهى التضحية والفداء، ومنتهى الثبات والصلابة وغاية الاستغناء عن الناس، وعن كل شئ، تجاه الهجوم المرعب العنيف على الدين، ولا سيما بعد الغاء دروس الدين في المدارس وتبديل الاذان الشرعي ومنع الحجاب بقوة القانون؛ لذا تركت عادة الزواج الذي أعلم انها سنة نبوية لئلا ألج في محرمات كثيرة، ولكي اتمكن من القيام بكثير من الواجبات واداء الفرائض. اذ لا يمكن أن تقترف محرمات كثيرة لأجل اداء سنة واحدة. فلقد وجد علماء ادوا تلك السنة النبوية أنفسهم مضطرة الى الدخول في عشر كبائر ومحرمات و ترك قسم من السنن والفرائض، في غضون هذه السنوات الاربعين.
ثانيا: ان الآية الكريمة
(فانكحوا ما طاب لكم..) (النساء: 3) والحديث الشريف (تناكحوا تكثروا..) 1. وامثالهما من الاوامر، ليست أوامر وجوبية ودائمية، بل استحبابية مسنونة، فضلا عن انها موقوفة بشروط لابد من توافرها، وقد
_____________________
1 "تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الامم يوم القيامة« رواه عبد الرزاق والبيهقي عن سعيد بن ابي هلال مرسلا بلفظ: »تناكحوا تكثروا فاني اباهي بكم الامم يوم القيامة" قال في المقاصد: جاء معناه عن جماعة من الصحابة، فأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن معقل بن يسار مرفوعاً: تزوجوا الولود الودود فانى مكاثر بكم الامم يوم القيامة، ولأحمد وسعيد بن منصور والطبراني في الاوسط والبيهقي واخرين عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديداً ويقول: تزوجوا الولود الودود فانى مكاثر بكم الامم يوم القيامة، وصححه ابن حبان والحاكم.. الخ »باختصار عن كشف الخفاء للعجلوني 1021".



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 402
يتعذر توافرها للجميع وفي كل وقت. ثم ان الحديث الشريف (لا رهبانية في الاسلام) 1 لا يعني ان الانزواء والعزوبة - كما هو لدى الرهبان - محرمتان مرفوضتان لا أصل لهما. بل هو حث على الانخراط في الحياة الاجتماعية كما هو مضمون الحديث الشريف (خير الناس انفعهم للناس) 2 والا فان ألوفاً من السلف الصالحين قد اعتزلوا الناس موقتاً، وآثروا الانزواء في المغارات لفترة من الزمن، واستغنوا عن زينة الحياة الدنيا الفانية وجردوا انفسهم عنها، كي يقوموا ببناء حياتهم الاخروية على الوجه الصحيح.
فما دام الكثيرون من السلف الصالحين تركوا الدنيا وزينتها بلوغاً الى كمال باق وخاص بشخصهم، فلابد ان الذي يعمل لأجل سعادة باقية، لكثير جداً من المنكوبين، ويحول بينهم وبين السقوط في هاوية الضلالة، ويسعى لتقوية ايمانهم، خدمةً للقرآن والايمان خدمة حقيقية، ويثبت تجاه هجمات الالحاد المغير من الخارج والظاهر في الداخل، اقول لابد أن الذي يقوم بهذا العمل العام الكلي - وليس عملا خاصاً لنفسه - تاركاً دنياه الآفلة، لايخالف السنة النبوية بل يعمل طبقا لحقيقة السنة النبوية.
ثم ان الكلام الصادق الصادرمن الصديق الاكبر رضى الله عنه: "ليكبر جسمي في جهنم حتى لا يبقى موضع لمؤمن" اتمنى ان اغنم ذرة واحدة من هذا الكلام الصادق.. ولأجله آثر هذا السعيد الضعيف العزوبة والاستغناء عن الناس طوال حياته كلها.
ثالثاً: لم نقل لطلاب النور: "تخلوا عن الزواج، دعوه للآخرين" ولا ينبغي ان يقال لهم هذا الكلام. ولكن الطلاب انفسهم على مراتب وطبقات. فمنهم من يلزم عليه الا يربط نفسه بحاجات الدنيا، قدر المستطاع، في هذا الوقت، وفي فترة من عمره، بلوغاً الى التضحية العظمى والثبات الاعظم والاخلاص الاتم. واذا ما وجد الزوجة التي تعينه على خدمة القرآن والايمان، فبها ونعمت. اذ لا يضر هذا الزواج
_____________________
1 قال ابن حجر لم أره بهذا اللفظ، لكن حديث سعد بن ابي وقاص عند البيهقي: ان الله ابدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة. "كشف الخفاء 3154"
2 حديث حسن أخرجه القضاعي في مسند الشهاب وابن عساكر في تاريخ دمشق 2/420/2 وانظر الصحيحة 426 وصحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 6538.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 403
بخدمته وعمله للقرآن، ولله الحمد والمنة ففي صفوف طلاب النور كثيرون من أمثال هؤلاء. وزوجاتهم لا يقصرن عنهم في خدمة القرآن والايمان، بل قد يفقن أزواجهن ويسبقنهم لما فطرن عليه من الشفقة التي لا تطلب عوضاً، فيؤدين العمل بهذه البطولة الموهوبة لهن باخلاص تام.
هذا وان المتقدمين والسابقين من طلاب النور أغلبهم متزوجون، وقد أقاموا هذه السنة الشريفة على وجهها، ورسائل النور تخاطبهم قائلة:
"اجعلوا بيوتكم مدرسة نورية مصغرة، وموضع تلقي العلم والعرفان، كي يتربى الاولاد الذين هم ثمار تطبيق هذه السنة، على الايمان، فيكونون لكم شفعاء يوم القيامة، وأبناء بررة في هذه الدنيا، وعندها تتقرر هذه السنة الشريفة فيكم حقاً. وبخلافه لو تربي الأولاد على التربية الاوروبية وحدها - كما حدث خلال ثلاثين سنة خلت - فإن أولئك الأولاد يكونون غير نافعين لكم في الدنيا - من جهة - ومدعين عليكم يوم القيامة، اذ يقولون لكم: "لِمَ لم تنقذوا إيماننا؟" فتندمون وتحزنون من قولهم هذا، يوم لا ينفع الندم، وما هذا الا مخالفة لحكمة السنة النبوية الشريفة".
***

[نكتة توحيدية في لفظ "هو"]باسمه سبحانه
(وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الأوفياء!
لقد شاهدت - مشاهدة آنية - خلال سياحة فكرية خيالية، لدى مطالعة صحيفة الهواء من حيث جهته المادية فقط، نكتةً توحيدية ظريفة تولدت من لفظ "هو" الموجود في
(لا إله اِلاّ هو) وفي (قل هو الله أحد) ورأيت فيها ان سبيل الايمان سهل ويسير الى حد الوجوب بينما سبيل الشرك والضلالة فيه من المحالات والمعضلات الى حد الامتناع.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 404
سأبين باشارة في منتهى الاختصار تلك النكتة الظريفة الواسعة الطويلة.
نعم! ان حفنة من تراب، يمكن ان تكون موضع استنبات مئات من النباتات المزهرة اِنْ وضعتْ فيها متعاقبةً. فاِن اُحيل هذا الامر الى الطبيعة والأسباب يلزم؛ اِما ان تكون في تلك الحفنة من التراب مئات من المصانع المصغرة المعنوية، بل بعدد الأزهار.. أو ان كل ذرة من ذرات تلك الحفنة من التراب تعلم بناء تلك الأزهار المتنوعة وتركيبها بخصائصها المتنوعة واجهزتها الحيوية، اي لها علم محيط وقدرة مطلقة بما يشبه علم الإله وقدرته!!.
وكذلك الهواء الذي هو عرش من عروش الأمر والارادة الإلهية، فلكل جزء منه، من نسيم وريح، بل حتى للهواء الموجود في جزء من نَفَس الانسان الضَئيل عندما ينطق كلمة "هو" وظائف لا تعد ولا تحصى.
فلو اُسندت هذه الوظائف الى الطبيعة والمصادفة والاسباب؛ فإما أنه اي الهواء يحمل بمقياس مصغر مراكز بث واستقبال لجميع ما في العالم من اصوات ومكالمات في التلغراف والتلفون والراديو مع ما لا يحد من انواع الاصوات للكلام والمحادثات، وان يكون له القدرة على القيام بتلك الوظائف جميعها في وقت واحد.. أو أن ذلك الجزء من الهواء الموجود في كلمة "هو"، وكل جزء من اجزائه وكل ذرة من ذراته، لها شخصيات معنوية، وقابليات بعدد كل مَن يتكلم بالتلفونات وجميع مَن يبث من البرقيات المتنوعة وجميع مَن يذيع كلاماً من الراديوات، وان تعلم لغاتهم ولهجاتهم جميعاً، وتعلّمه في الوقت نفسه الى الذرات الاخرى، وتنشره وتبثه. حيث ان قسماً من ذلك الوضع مشهود أمامنا، وان اجزاء الهواء كلها تحمل تلك القابلية.. اذاً فليس هناك محال واحد في طريق الكفر من الماديين الطبيعيين بل محالات واضحة جلية ومعضلات واشكالات بعدد ذرات الهواء.
ولكن ان اُسند الأمر الى الصانع الجليل، فان الهواء يصبح بجميع ذراته جندياً مستعداً لتلقي الأوامر. فعنئذٍ تقوم ذراتُه باداء وظائفها الكلية المتنوعة والتي لا تحد باذن خالقها وبقوته وبانتسابها واستنادها اليه سبحانه، وبتجلي قدرة صانعها تجلياً آنياً - بسرعة البرق - وبسهولة قيام ذرة واحدة بوظيفة من وظائفها وبيُسر تلفظ كلمة "هو" وتموج الهواء فيها. اي يكون الهواء صحيفة واسعة للكتابات المنسقة


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 405
البديعة التي لا تحصر لقلم القدرة الإلهية، وتكون ذراته بدايات ذلك القلم، وتصبح وظائف الذرات كذلك نقاط قلم القَدَر، لذا يكون الأمر سهلاً كسهولة حركة ذرة واحدة.
رأيت هذه الحقيقة بوضوح تام وبتفصيل كامل وبعين اليقين عندما كنت اشاهد عالم الهواء واطالع صحـيفـته فـي سيـاحتي الفـكرية وتأمـلي في
(لا إله الاّ هو) و(قل هو الله أحد) وعلمت بعلم اليقين ان في الهواء الموجود في لفظ "هو" برهاناً ساطعاً للوحدانية مثلما ان في معناه وفي اشارته تجليا للأحدية في غاية النورانية وحجة توحيدية في غاية القوة، حيث فيها قرينة الاشارة المطلقة المبهمة لضمير "هو" اي: الى مَن يعود؟ فعرفت عندئذٍ لماذا يكرر القرآن الكريم واهل الذكر هذه الكلمة عند مقام التوحيد.
نعم! لو أراد شخص ان يضع نقطة معينة - مثلاً - على ورقة بيضاء في مكان معين، فان الامر سهل، ولكن لو طُلب منه وضع نقاط عدة في مواضع عدة في آن واحد فالأمر يستشكل عليه ويختلط. كذلك يرزح كائن صغير تحت ثقل قيامه بعدة وظائف في وقت واحد. لذا فالمفروض أن يختلط النظام ويتبعثر عند خروج كلمات كثيرة في وقت واحد من الفم ودخولها الاذن معاً..
ولكني شاهدت بعين اليقين، وبدلالة لفظ "هو" هذا الذي اصبح مفتاحاً وبمثابة بوصلة، ان نقاطاً مختلفة تعد بالالوف وحروفاً وكلماتٍ توضع - أو يمكن ان توضع - على كل جزء من اجزاء الهواء الذي اسيح فيه فكراً بل يمكن ان توضع كلها على عاتق ذرة واحدة من دون ان يحدث اختلاط او تشابك أو ينفسخ النظام، علماً ان تلك الذرة تقوم بوظائف اخرى كثيرة جداً في الوقت نفسه، فلا يلتبس عليها شئ، وتحمل اثقالاً هائلة جداً من دون ان تبدي ضعفاً او تكاسلاً، فلا نراها قاصرة عن اداء وظائفها المتنوعة واحتفاظها بالنظام؛ اذ ترد الى تلك الذرات الوف الالوف من الكلمات المختلفة في انماط مختلفة واصوات مختلفة، وتخرج منها ايضاً في غاية النظام مثلما دخلت، دون اختلاط أو امتزاج ودون ان يفسد احداها الاخرى. فكأن تلك الذرات تملك آذاناً صاغية صغيرة على قدّها، وألسنة دقيقة تناسبها فتدخل تلك الكلمات تلك الآذان وتخرج من ألسنتها الصغيرة تلك.. فمع كل هذه الامور


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 406
العجيبة فان كل ذرة - وكل جزء من الهواء - تتجول بحرية تامة ذاكرةً خالقها بلسان الحال وفي نشوة الجذب والوجد قائلة: (لا إله اِلاّ هو) و(قل هو الله احد) بلسان الحقيقة المذكورة آنفاً وشهادتها.
وحينما تحدث العواصف القوية وتدّوي اهازيج الرعد، ويتلمع الفضاء بسنا البرق، يتحول الهواء الى امواج ضخمة متلاطمة.. بيد ان الذرات لا تفقد نظامها ولا تتعثر في اداء وظائفها فلا يمنعها شغل عن شغل.. هكذا شاهدت هذه الحقيقة بعين اليقين.
اذن، فإما ان تكون كل ذرة - وكل جزء من الهواء - صاحبة علم مطلق وحكمة مطلقة وارادة مطلقة وقوة مطلقة وقدرة مطلقة وهيمنة كاملة على جميع الذرات.. كي تتمكن من القيام باداء هذه الوظائف المتنوعة على وجهها.. وما هذا الاّ محالات ومحالات بعدد الذرات وباطل بطلاناً مطلقاً. بل حتى لا يذكره اي شيطان كان..
لذا فان البداهة تقتضي، بل هو بحق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين: أن صحيفة الهواء هذه انما هي صحيفة متبدلة يكتب الخالقُ فيها بعلمه المطلق ما يشاء بقلم قُدرته وقَدَره الذي يحركه بحكمته المطلقة، وهي بمثابة لوحة محوٍ واثبات في عالم التغيّر والتّبدل للشؤون المسطّرة في اللوح المحفوظ.
فكما ان الهواء يدل على تجلي الوحدانية بهذه الامور العجيبة المذكورة آنفاً، وذلك لدى اداء وظيفة واحدة من وظائفها وهي نقل الاصوات، ويبين في الوقت نفسه بياناً واضحاً محالات الضلالة التي لا تحصر، كذلك فهو يقوم بوظائف في غاية الاهمية وفي غاية النظام ومن دون اختلاط أو تشابك أو التباس كنقل المواد اللطيفة مثل الكهرباء والجاذبية والدافعة والضوء.. وفي الوقت نفسه يدخل الى مداخل النباتات والحيوانات بالتنفس مؤدياً هناك مهماته الحياتية باتقان، وفي الوقت عينه يقوم بنقل حبوب اللقاح - اي وظيفة تلقيح النباتات - وهكذا امثال هذه الوظائف الاساسية لإدامة الحياة؛ مما يثبت يقيناً ان الهواء عرش عظيم يأتمر بالأمر الإلهي وارادته الجليلة. ويثبت ايضاً بعين اليقين ان لا احتمال قطعاً لتدخل المصادفة العشواء والاسباب السائبة التائهة والمواد العاجزة الجامدة الجاهلة في الكتابة البديعة


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 407
لهذه الصحيفة الهوائية وفي اداء وظائفها الدقيقة. فاقتنعْتُ بهذا قناعة تامة بعين اليقين وعرفتُ ان كـل ذرة وكل جزء من الـهواء تقول بلس- ان حالها: (قـل هـو الله أحـد) و (لا إله الاّ هـو).
ومثلما شاهدت هذه الامور العجيبة في الجهة المادية من الهواء بهذا المفتاح، اعني مفتاح "هو" فعنصر الهواء برمته اصبح ايضاً كلفظ "هو" مفتاحاً لعالم المثال وعالم المعنى؛ اذ قد علمتُ ان عالم المثال كآلة تصوير عظيمة جداً تلتقط صوراً لا تعد ولا تحصى للحوادث الجارية في الدنيا، تلتقطها في آن واحد بلا اختلاط ولا التباس حتى غدا هذا العالم يضم مشاهد عظيمة وواسعة اُخروية تسع الوف الوف الدُنى تعرض اوضاع حالات فانية لموجودات فانية وتظهر ثمار حياتها العابرة في مشاهد ولوحات خالدة تعرض امام اصحاب الجنة والسعادة الأبدية في معارض سرمدية مذكّرةً اياهم بحوادث الدنيا وذكرياتهم الجميلة الماضية فيها.
فالحجة القاطعة على وجود اللوح المحفوظ وعالم المثال ونموذجها المصغر هو ما في رأس الانسان من قوة حافظة وما يملك من قوة خيال، فمع انهما لا تشغلان حجم حبة من خردل الاّ انهما تقومان بوظائفهما على اتم وجه بلا اختلاط ولا التباس وفي انتظام كامل واتقان تام، حتى كأنهما يحتفظان بمكتبة ضخمة جداً من المعلومات والوثائق. مما يثبت لنا أن تينك القوتين نموذجان للوح المحفوظ وعالم المثال.
وهكذا لقد عُلم بعلم اليقين القاطع ان الهواء والماء ولا سيما سائل النطف، واللذان يفوقان الترابَ في الدلالة على الله - الذي اوردناه في مستهل البحث - صحيفتان واسعتان يكتب فيهما قلمُ القدر والحكمة كتابة حكيمة بليغة، ويجريان فيهما الارادة وقلم القدر والقدرة. وان مداخلة المصادفة العشواء والقوة العمياء والطبيعة الصماء والاسباب التائهة الجامدة في تلك الكتابة الحكيمة محال في مائة محال وغير ممكن قطعاً.

(لم تُكتَّب بقية البحث في الوقت الحاضر)
الف الف تحية وسلام الى الجميع
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 408
[من معاني "التشهّد"]باسمه سبحانه
(وان من شىء الا يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابدا دائما
اخوتي الاعزاء الصادقين الابرار!
لقد ارتأينا ان نبين لكم خلاصة الدرس الذي ألقيناه على اركان مدرسة الزهراء، بناء على رغبتهم وموضوعه هو:
ان الرسول الاكرم فخر الكائنات وثمرة خلق العالم صلى الله عليه وسلم قد قال ليلة المعراج في الحضرة الإلهية باسم جميع الكون بدل السلام:
"التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله" قالها، باسم البشرية جمعاء، بل باسم جميع ذوي الحياة، بل باسم عموم المخلوقات.. وان الامة الاسلامية تردد هذا الكلام المبارك يومياً مرات ومرات في صلواتهم لما فيه من معنى كلي.. وينال كل مؤمن - مهما كانت مرتبته في الايمان - حظه من هذا الكلام.
ولقد ذكرنا - فيما سبق - ما في عنصر الهواء من خوارق القدرة الإلهية لدى بياننا ان الراديو نعمة إلهية، وذلك في حاشية بحث (نكتة توحيدية في لفظ "هو").. فلاجل كل هذا خطر على القلب:
ان العبادة التي يؤديها المؤمن في هذه الدنيا القصيرة، وفي عمر قصير، والتي يثاب عليها بملك باق واسع اوسعَ من الدنيا في السعادة الابدية، انما هي عبادة كلية، ولكأن دنياه الخاصة بكاملها تؤدي معه العبادة ايضا، حيث يثاب بقدر دنياه الخاصة.. هكذا تفهم من اشارات القرآن، كما هو مذكور في رسالة "الحجة الزهراء" في المقام الثاني لدى بحث العلم الإلهي.
فعندما كنت اقرأ في التشهد "التحيات.." خطرت معانيها الكلية على روحي فتحولت فجأة - في خيالي- عناصر دنياي الخاصة من تراب و ماء و هواء و نور، الى اربعة ألسن كلية ذاكرة. كل منها يذكر بأحواله: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله" بملايين بل ببلايين بل بما لايعد ولا يحصى من المرات.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 409
هكذا رأيته في خيالي:
احد هذه العناصر هو "التراب" .. هذا التراب اصبح لسانا ذاكراً، وكل ذي حياة غدا كلمة ذات حياة ناطقة بـ "التحيات .. لله" . وذلك:
ان حفنة من تراب يمكن ان تكون موضع استنبات معظم النباتات.. فإما ان فيها من المصانع المعنوية - بمقياس مصغر جدا ً- ما تتمكن من توليد تلك النباتات، وبعدد يفوق عدد المصانع التي نصبها الانسان في العالم.. وهذا محال في محال، او ان ذلك الاستنبات يحصل بقدرة قدير مطلق، وبعلمه المحيط وارادته الشاملة.
فعنصر التراب اذن ينال بهذا دلالة على الله بجميع ذراته وأجزائه؛ لذا يردد: "التحيات لله". اي يقول:
"ان الحياة الموهوبة لجميع الاحياء من الازل الى الابد خاصة لذات الله المقدسة سبحانه وتعالى".
وكذا العنصر الآخر لدنياي الخاصة - كما هو لدنيا الآخرين - وهو "الماء". رأيته قد اصبح كذلك لساناً كليا يلهج بأحواله و بجميع ذراته الكلمة المباركة: "المباركات" وينشرها في ارجاء الكائنات كلها بملايين بل ببلايين بل بما لايعد ولا يحصى من المرات. ولاسيما خدمته في انماء الاحياء واعاشتها، حيث الوظائف التي تقوم بها قطرات الماء ولاسيما في انماء النطف والنوى والبذور و تنبيهها لأداء وظيفتها الفطرية.. وقيام تلك المخلوقات الصغيرة الجميلة البديعة، وتلك الصغار المباركة باوضاعها اللطيفة بوظائف عظيمة وفي منتهى الاتقان والانتظام حتى يستنطق جميع ذوي الشعور فيقولوا من اعجابهم:
"بارك الله .. ماشاء الله" ويرددها بما لايعد ولا يحصى من المرات.. فأداء تلك الوظائف على ذلك الوجه المتقن يتطلب حتما ان يكون لكل ذرة من ذرات الماء من العلم ما لالف ألف افلاطون! ومن الحكمة والارادة ما لالف الف لقمان الحكيم!. وهذا محال في محال بعدد ذرات الماء!..
فاذاً لا تتم تلك الامور المتقنة الا بقدرة قدير ذي جلال وبارادته ، وبرحمة رحمن رحيم وبحكمته.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #10
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 410
فتلك الاحياء الصغيرة المباركة التي اظهرت تلك المعجزات التي لا تعد ولا تحصى تردد اذن بألسنة احوالها جميعا وبعددها الكلمة الكلية: "المباركات.. لله".
ومن هنا فقد قال ثمرة خلق العالم رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج متكلماً باسم جميع المخلوقات:
"المباركات .. لله" وقدم في الحضور الإلهي جميع "المباركات" التي لا يحصرها العد، اي:
"ان جميع هذه الحالات اللطيفة والاوضاع البديعة، والاتقان والابداع، التي تدفع كل ناظر الى ان يقول من اعجابه: "بارك الله.. ماشاء الله" .. جميعها خاصة لقدرة الله الجليلة وحدها".
وكذا عنصر "الهواء" وهو الثالث في دنيا كل أحد.. فان كل ذرة من ذرات قبضة صغيرة منه، حتى لو كانت بمقدار كلمة "هو " تحمل في طيات وظائفها - كمركز للاستلام والنقل - جميع الادعية وجميع الصلوات و جميع التضرعات وجميع العبادات والتي تعبر عنها جميعا بـ : "الصلوات". فيصبح الهواء لساناً كلياً ذاكراً بأحواله بعدد ذراته التي لا تعد ولا تحصى جميع تلك الكلمات وتقدمها الى خالقها العظيم، لذا فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "الصلوات لله" باسم جميع تلك الذرات معبراً عن ذلك المعنى الكلي، وقدّمها الى الحق سبحانه وتعالى. اي:
"ان جميع الادعية والتضرعات التي يتضرع بها المضطرون والشكر والحمد على النعم، والعبادات والصلوات كلها خاصة لخالق كل شئ، لله وحده". لانه كما ذكر في البحث المذكور آنفا:
إما ان ذرات قبضة هواء - بقدر كلمة "هو" - تتقن اللغات جميعها، وترى مواضع من يتكلمون بها، وتسمع كل ما هو قريب أو بعيد، و تجيد لفظة كل لهجة ومخارج كل حرف، مع وظائف اخرى كثيرة، من دون اختلاط ولا تشوش. بمعنى انها تكون مالكة لقدرة مطلقة وارداة مطلقة!. وهذا محال في محال بعدد ذرات الهواء!
او ان كل ذرة من تلك الذرات تدل على الصانع الحكيم يقينا و تشهد على جميع صفاته الجليلة بلا ريب، بل كأنها تسع - بمقياس مصغر - جميع شهادات


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 411
العالم على الصانع الجليل. اي ان الصلوات التي قدمت بعدد الذرات، والتي تعبر عنها بـ "الصلوات لله" قد قدمها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بهذا المعنى الكلي الى الله سبحانه وتعالى.
وكذا عندما تقال الكلمة الطيبة: "الطيبات" تصبح النار والنور، اي عنصر النور المادي والمعنوي - بحرارة او بدونها - لسانا كليا ذاكرا يردد: "الطيبات لله" يرددها بما لايحد من ألسنة احواله، اي:
"ان جميع الكلمات الطيبة، والمعاني الزكية، وبدائع الحسن والجمال، وتجليات الاسماء الحسنى الازلية المتلمعة على خد الكائنات وجميع سنا الجمال الزاهي المشاهد على المخلوقات والكائنات بايمانالمؤمنين وفي طليعتهم الانبياء عليهم السلام والاولياء الصالحون والاصفياء العاملون.. وجميع الاقوال الطيبة الجميلة النابعة من ايمان المؤمنين وتحميداتهم و تشكراتهم وتهليلاتهم وتسبيحاتهم و تكبيراتهم المتعالية صاعدة الى العرش الاعظم بدلالة الآية الكريمة: (اليه يصـعد الكلم الطيـب) (فاطر: 10).. فجميع هذه الكلمات الطيبات المتوجهة الى العرش الاعظم، مع جميع اشكال الجمال والحسن والطيب التي لا تحد والناشئة من أحد أجمل الوجوه الثلاثة للدنيا، وهي وجهها المرآة المتوجهة الى الاسماء الحسنى، مع ما لا يحد من الحسنات والخيرات والثمرات المعنوية المزروعة في الوجه الثاني للدنيا وهي مزرعة الآخرة.. كل هذه "الطيبات" خاصة بكاملها لله وحده.. القدير المطلق. سلطان الازل والابد.
فهذا المعنى الكلي، وبلسان العبودية الكلية للنار والنور قدّمه سيد الكون رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الطيبة: "الطيبات.. لله" باسم جميع المخلوقات، الى المعبود ذي الجلال سبحانه، اذ يحمل النور المادي والمعنوي من الشهادات والدلالات - الجزئية والكلية - على الله سبحانه ما لا يحصره العد.
نعم ، ان النور والنار - كما هو الحال في التراب والهواء والماء - يدلان بالبداهة دلالة قاطعة وبالضرورة وبتلك النماذج على أن الاسباب كلها ليست الا حجبا، والتأثير والايجاد كله انما هو من القدير ذي الجلال.
حيث ان النور - كالحياة والوجود تماما - ينال الوجود بصدوره مباشرة من القدرة الالهية، فلا تتوسط الاسباب الظاهرية حجابا دونه في اية جهة كانت. ومن


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 412
هنا فانه يدل على الاحدية ضمن الواحدية، اي: يشير بوظيفة جزئية صغيرة جداً الى دليل واسع كلي للاحدية - كما اثبت ذلك في (نكتة في لفظ "هو" مع هوامشها باختصار).
وسنذكر هنا مثالين اثنين فقط من بين ملايين الملايين من الامثلة:
المثال الاول:
هو ما يظهر على صورة علم في جزء من ومضة نور معنوي، في دماغ انسان يملك قوة حافظة لا تتجاوز حجم ظفر، هذا الشخص ادرج في دماغه كلمات تسعين كتابا، ويتم قراءة هذا الجزء فقط من حافظته في ثلاثة اشهر بمعدل ثلاث ساعات يوميا، ويمكنه ان يراجع ويخرج من تلك الحافظة ما يشاء و متى يشاء مما شاهده وسمعه وما تراءت امامه من صور ومعان وكلمات اعجب بها او تحير منها، او رغب فيها.. مع جميع الصور والاصوات طوال عمره الذي ناهز الثمانيين.. كل ذلك مجموعة في صحيفة تلك الحافظة. لذا يرى ان تلك الحافظة كأنها مكتبة ضخمة نسقت فيها المحفوظات منتظمة مرصوفة.
فهذه الحافظة التي لا تشغل حجم حبة من خردل تكتب فيها و تحفظ تلك الاحوال كلها، فلها اذن سعة كسعة البحر، ونور كلي، وضياء معنوي محيط بالشئ كضياء الشمس المحيط، وصحائف كبيرة واسعة سعة سطح الارض.. وما هذا الا محال في محال، بل محال بمئات الالوف من المحالات.
فلا بد اذن ولا شك ان هذه الحافظة الصغيرة جدا قد وضعها العليم المطلق العلم في دماغ الانسان بعلمه وحكمته وقدرته، وخلقها أنموذجا مصغرا ليشير ويشهد على اللوح المحفوظ الذي هو صحيفة قدره وقدرته.
المثال الثاني:
الجزئي والأنموذج المصغر جدا:
هو الكهرباء. فبعد أن خبر احدهم المصباح الكهربائي ودقق فيه النظر، رأى ان الذرات والمواد الموجودة في مئات المفاتيح الكهربائية واسلاكها ومراكزها، جامدة لا تملك شعورا، ولا حركة ذاتية. ومع هذا تمحي ظلمات كانت تشغل عشرات


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 413
الكيلومترات، بعد اقل من تماس بسيط، ويملأ مكانها نور في اقل من نصف ثانيه! فذهاب هذه الظلمات المشاهدة فجأة ومجئ نور مشاهد بقدرها بدلا منها لاشك انه ليس خيالا، فاما ان التماس الحاصل في تلك الذرات الجامدة الفاقدة للشعور يحمل قوة لا حد لها ونورا لا منتهى له بحيث تتمكن ان تمد تلك الذرات يدها الى مئات الكيلومترات، فتزيل منها الظلام وتملأه بالنور.. وهذا محال لا يمكن ان يقنع به حتى السوفسطائي ولو حاولت معه الشياطين جميعا والملحدون والماديون قاطبة.. 1 او حصل ذلك بقدرة القدير المطلق، علام الغيوب، وبحكمة العليم النافذ حكمه في الكون كله، فتستفيض الانوار من اسمه "النور" فهو "نور النور، وخالق النور، ومدبر النور".
وعلى غرار هذين المثالين هناك ما لا يحد من الامثلة والنماذج.
وهكذا فكما تقدم الكائنات جميع ما فيها من انوار، وحسن وجمال، وطيبات، وكلمات طيبة، وخيرات وكمالات الى الذات الجليلة بلسان حال عنصر النور بـ: "الطيبات لله" فان نتيجة خلق الكائنات وسبب خلق الكون صلى الله عليه وسلم قد قال ايضا بذلك المعنى الكلي في ليلة المعراج: "الطيبات لله" باسم جميع موجودات الكون التي بعث اليه.
فالرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم بعد ان قال هذه الكلمات الجميلة الاربع - بعدد ذرات الانام - بدلا من السلام في ليلة المعراج، قابله الرب الجليل سبحانه وتعالى - كما هو موضح في رسائل النور - بقوله:

_____________________
1 انه لأجل الخداع والتمويه ليس الاّ يضعون اسماً على بعض الحقائق العظيمة الجليلة، وكأن تلك الحقيقة قد عُلمت وفهمت، فيجعلونها امراً عاديا مألوفا.
فمثلا: ان قولهم : "هذا ما يسمى بقوة الكهرباء" يبدون به اظهار تلك الحقيقة العظيمة والدقيقة امراً عادياً مألوفاً، علما انه قد لا تكفي صفحات لبيان حكم تلك المعجزة البديعة للقدرة الالهية. لذا فبمجرد وضع اسم واطلاق عنوان على" تلك الحقيقة تُستر حِكَمها الكلية و تختفي ماهيتها وعظمتها، وتغدو من الامور العادية. وقد يقيمون مكان تلك الحقيقة العظيمة احد مظاهرها البسيطة، وعندها يسندون ذلك الاثر البديع الى قوة عمياء ومصادفة عشواء، وطبيعة موهومة، فيتردون في هاوية جهل اجهل من ابي جهل.
ان القوانين سنن الله الجارية في الكون والتي هي عناوين لنواميس الارادة الالهية، قد اطلق البشر على احدى تلك القوانين اسم »الكهرباء« وذلك لعجزه عن ادراك ماهيتها.
فجعل بهذا الاطلاق ما في التنوير من معجزة قدرة خارقة امرا عاديا بسيطا وكأنه شئ معلوم لدى الجميع.
وهكذا يجعلون امثال هذه المعجزات البديعة للقدرة الالهية اموراً عادية مألوفة بمجرد اطلاق اسم عليها كقوة الكهرباء.- المؤلف.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 414
"السلام عليك ايها النبي" دليلاً على رضاه وقبوله منه ما قدم من تحيات، واشارة منه سبحانه الى امته - بأمر معنوي - ان يقولوا مثله؛ السلام عليك ايها النبي.
وعند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" جاعلا من ذلك السلام الالهي المقدس سلاما عاما شاملا لنفسه ولامته ولامثاله من الانبياء - عليهم السلام - ولجميع المخلوقات، حيث هو المبعوث اليهم جميعا.
فما تقوله امته صلى الله عليه وسلم في كل صلاة: "السلام عليك ايها النبي" ما هو الا امتثال لما في ذلك السلام الالهي المقدس من امر . وهو في الوقت نفسه بيعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، و تجديد يومي لبيعته، اي الرضى به رسولا والطاعة والانقياد لما جاء به، وهو في الوقت نفسه تهنئة و تحية لرسالته.. وشكران يقدمه العالم الاسلامي اجمع يوميا لما بشّرهم به من سعادة ابدية.
نعم، ان كل انسان يتألم من زوال وجوده، كما يتألم من خراب بيته، ويتألم أشد الالم بدمار بلده، بل يتجرع قلبه آلاما وغصصا بفراق أحبائه ووفاتهم، بل يتحرق وجدانه وروحه حتى كأنه في جهنم معنوية كلما تفكر بزوال دنياه الخاصة - وهي بكبر الدنيا - ودمارها نهائيا في الختام. لذا فكل انسان راشد - أي ما لم يكن فاقد القلب والروح والعقل - يدرك بلاشك ان ما أتى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من بشرى عظيمة سارة، مما رآه رؤية عين وبصر في ليلة المعراج من سعادة أبدية، ومن تنعم أهل الايمان في جنة خالدة، ومن عدم فناء أحباء الانسان الذين يرتبط بهم بعلاقة، ومن لقائهم الحتمي بعضهم بعضا بعد زوالهم .. أقول: سيدرك هذا الانسان مدى ما تحمله تلك البشرى السارة والهدية البهيجة من فرح وانشراح، ويدرك أيضا سبب استقبال عالم الاسلام تلك الهدية الغالية بقولهم: "السلام عليك أيها النبي" كما يقوله كل موجود معنىً وبلسان هذه الحقيقة، اذ تتحول صحائف الكائنات الى كتابات صمدانية بتلك الهدية المعنوية، وتتظاهر القيمة الحقيقية للمخلوقات وكمالاتها برسالته. وما "السلام عليكم" الذي تتبادله الامة الاسلامية سنة نبوية وشعيرة للاسلام الا شعاع من تلك الحقيقة العظمى.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 415
الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
رجل على شفير القبر، جاوز الثمانين وابتلي بأمراض عديدة، شيخ غريب ضعيف، يقول: اريد ان ابين لكم حقيقتين:
اولاهما: اننا نبارك تعاونكم الوثيق مع العراق والباكستان بملء ارواحنا ووجداننا. فلقد أكسبتم بهذا التعاون الفرح والانشراح لهذه الامة 1 وسيكون بإذن الله مقدمة لإقرار الأمان والسلام بين اربعمائمة مليون مسلم، ويضمن السلام العام للبشرية قاطبة. هذا ما احسسته في روحى ورأيته لزاماً عليّ ان اكتب الىكم هذه الحقيقة، حيث وردت الى قلبي في الصلاة واذكارها.
انني كما يعلم الجميع تركت الدنيا والسياسة منذ اكثر من اربعين سنة، الاّ ان الذي دفعني الى بيان هذا الاخطار القلبي والعلاقة القوية التي شعرت بها هو: تأثير رسائل النور - التي كشفت منذ خمسين سنة عن اقصر طريق لانقاذ الايمان والمعجزة المعنوية للقرآن الكريم في هذا العصر - في البلدان العربية والباكستان اكثر من اي بلاد اخرى، حتى وردنا خبر مفاده ان طلاب النور في تلك الاماكن يزيدون ثلاثة اضعاف على ما ثبتته المحاكم هنا. لذا اضطرت روحي الى بيان ومشاهدة هذه النتيجة العظيمة وانا على عتبة القبر.
ثانيتها: لقد ظهرت اضرار النعرة القومية والعنصرية في عهد الامويين، كما فرّقت الناس شرّ فرقة في بداية عهد الحرية واعلان الدستور، حيث تأسست النوادى والتكتلات، كما استغلت اثارة النعرة القومية مجدداً للتفريق بين الاخوة العرب النجباء وبين الاتراك المجاهدين، فعّم الاضطراب وسُلبت راحة الناس.
علماً ان الاضرار بالناس باعمال سلبية هو فطرة القومية والعنصرية التي فطروا عليها. والاتراك مسلمون في انحاء العالم كافة فقوميتهم مزجت بالاسلام لا يمكن فصلهم عنه. فالتركي يعني المسلم. حتى ان غير المسلم منهم لا يكون تركياً. وكذلك العرب فان قوميتهم مزجت بالاسلام ايضا وينبغى هكذا. فقوميتهم الحقيقية هي الاسلام وهو حسبهم. ألا إن العنصرية ودعوى القومية خطر عظيم. نسأل الله أن
_____________________
1 لاشك انه بعد انقطاع دام اكثر من ربع قرن عن البلدان العربية والاسلامية يعدّ هذا الانفتاح بشرى عظيمة للمسلمين في تركيا- المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 416
يدفع تعاونكم مع العراق والباكستان أضرار هذه الدعوى الخطرة ويكسب للاتراك اربعمائة مليوناً من الاخوة بدلاً من خمسة ملايين من العنصريين. ويكسب فى الوقت نفسه صداقة ثمانمائة مليوناً من النصارى وسائر الاديان الاخرى المحتاجين الى اقرار السلام .
ثالثاً: قبل خمسة وستين عاماً اخبرنى وال من الولاة انه قرأ في الصحف بأن وزير المستعمرات البريطاني خطب وبيده نسخة من المصحف الشريف قائلاً: "اننا لا نستطيع ان نحكم المسلمين ما دام هذا الكتاب بيدهم، فلا مناص لنا من ان نزيله من الوجود او نقطع صلة المسلمين به".
وهكذا دأبت المنظمات المفسدة الرهيبة على تحقيق هاتين الخطتين: اسقاط شأن القرآن الكريم من اعين الناس، وفصلهم عنه. فسعوا في هذا المضمار سعياً حثيثاً إضراراً بهذه الامة المنكوبة البريئة المضحية.
وقد قررتُ قبل خمس وستين سنة ان اجابه هذه المؤامرات الخطرة مستمداً القوة من القرآن العظيم، فألهمني قلبى طريقاً قصيراً الى الحقيقة، وانشاء جامعة ضخمة. فمنذئذ نسعى لانقاذ آخرتنا. واحدى ثمراته في الدنيا انقاذ حياتنا الدنيوية من الاستبداد المطلق والنجاة من مهالك الضلالة وانماء علاقات الاخوة بين الاقوام الاسلامية. وقد وجدنا وسيلتين في هذه السبيل:
الوسيلة الاولى: رسائل النور التي تقوي وشائج الاخوة الايمانية بتقوية الايمان. والدليل على ذلك تأليفها في وقت الظلم والقسوة الشديدة، وتأثيرها البالغ في انحاء العالم الاسلامي وفي اوروبا وامريكا - في الوقت الحاضر - وغلبتها على المخلّين بالنظام والفلسفة الملحدة، وظهورها على المفاهيم الالحادية السارية كالفلسفة الطبيعية والمادية مع عدم جرحها من قبل اية محكمة او لجنة خبراء. وسيتبنى امثالكم بإذن الله ممن كشفوا عن مفتاح الاخوة الاسلامية، هذه الرسائل التي تمثل نوراً من انوار القرآن الكريم وينشرها في العالم الاسلامى كله.
الوسيلة الثانية: قبل خمس وستين سنة اردت الذهاب الى الجامع الازهر باعتباره مدرسة العالم الاسلامي، لأنهل فيه العلوم. ولكن لم يُكتب لي نصيب فيه، فهداني الله الى فكرة وهى:


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 417
ان الجامع الازهر مدرسة عامة في قارة افريقيا، فمن الضروري انشاء جامعة في آسيا على غراره، بل اوسع منه بنسبة سعة آسيا على افريقيا. وذلك لئلا تفسد العنصرية الاقوام في البلدان العربية والهند وايران والقفقاس وتركستان وكردستان وذلك لاجل إنماء الروح الاسلامية التي هي القومية الحقيقية الصائبة السامية الشاملة فتنال شرف الامتثال بالدستور القرآنى (إنما المؤمنون اخوة) (الحجرات: 10) وكذلك لتتصافح العلوم النابعة من الفلسفة مع الدين، وتتصالح الحضارة الاوروبية مع حقائق الاسلام مصالحة تامة. ولتتفق المدارس الحديثة وتتعاون مع المدارس الشرعية في الاناضول.
لذا بذلت جهدي كله لتأسيس هذه الجامعة في مركز الولايات الشرقية التى هي وسط بين الهند والبلاد العربية وايران والقفقاس وتركستان، وأسميتها "مدرسة الزهراء". فهي مدرسة حديثة ومدرسة شرعية في الوقت نفسه.
فمثلما بذلت جهدي في سبيل انشاء هذه الجامعة بذلته في سبيل نشر رسائل النور. هذا وان السلطان رشاد رحمه الله هو اول من قدّر اهمية انشاء هذه الجامعة، فخصص عشرين الف ليرة ذهبية لانجاز بنائها فقط. وحينما رجعت من الاسر في الحرب العالمية الاولى وافق ثلاثة وستون ومئة نائباً - من بين مائتين - في البرلمان ووقّعوا على تخصيص مائة وخمسين الف ليرة - بقيمة الليرة الثمينة آنئذٍ - للغرض نفسه. وكان مصطفى كمال من ضمنهم. وهذا يعنى انهم أولوا لانشاء هذه الجامعة اهمية اكثر من اي شئ آخر. بل حتى وقّع ذلك القرار المتغربون من النواب الذين لا يهمهم امر الدين من قريب او بعيد والذين قطعوا صلتهم بالاعراف الاسلامية سوى اثنين منهم حيث قالا: نحن بحاجة الى الحضارة الغربية اكثر من حاجتنا الى الجمع بين العلوم الدينية والحديثة.
وأنا بدورى اجبتهم بالآتي:
لنفرض فرضاً محالاً انتم لستم بحاجة الى ذلك، ولكن ظهور اكثر الانبياء في آسيا والشرق وظهور اكثر الحكماء والفلاسفة في الغرب يدل على ان الذي يدفع آسيا الى الرقي الحقيقي هو الشعور الدينى اكثر من العلوم والفلسفة. فان لم تأخذوا بهذا القانون الفطري واهملتم الاعراف الاسلامية بحجة التغرب واسستم الدولة على


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 418
الالحاد، فانتم مضطرون ايضاً الى الانحياز الى الاسلام - لصالح الوطن والامة - اقراراً للسلام في الولايات الشرقية الواقعة بين اربع دول كبرى.
وأورد لكم مثالاً واحداً من بين الوف الامثلة:
حينما كنت في مدينة "وان" قلت لاحد طلابي الاكراد الغيورين: لقد خدم الاتراك الاسلام كثيراً، فكيف تراهم؟ قال: اني افضل تركياً مسلماً على شقيقي الفاسق، بل ارتبط به اكثر من ارتباطي بوالدي، لخدمته الايمان خدمة فعلية.
ومرت الايام والسنون، ودخل ذلك الطالب - أيام أسري - المدرسة الحديثة في استانبول. ثم قابلته بعد عودتي فلمست ان عرق القومية الكردية قد تحرك فيه من جراء الدعوى العنصرية التركية لدى بعض معلميه. فقال لي: انني افضل الآن كردياً فاسقاً مجاهراً بل ملحداً على تركي صالح.. ثم جلست معه بضع جلسات فأنقذته بإذن الله، فاقتنع ان الاتراك هم جنود ابطال لهذه الامة.
فيا ايها النواب السائلون! ان في الشرق حوالي خمسة ملايين من الاكراد وحوالي مائة مليوناً من الايرانيين والهنود وسبعين مليوناً من العرب واربعين مليوناً من القفقاس، فهؤلاء جميعاً تربطهم الاخوة وحسن الجوار وحاجة بعضهم الى البعض الآخر.
فأنا اسألكم! ايمّا ضرورى اكثر: الدرس الذي يتلقاه الطالب في مدرسة "وان" الجامعة بين الشعوب والامم، ام الدرس الذي ينفّر بين تلك الشعوب ويحصر تفكيره بقومه فقط وينكر اخوة الاسلام، ويبذل جهده لتعلم العلوم الفلسفية دون اعتبار للعلوم الاسلامية، ألا تكون حاله كحالة الطالب الثانية؟
وعقب هذا السؤال قام المتغربون من النواب والمتحللون عن الاعراف الاسلامية بتوقيع القرار. ولا ارى داعياً لذكر اسمائهم.. سامحهم الله، لقد توفوا.
رابعاً: ادخل رئيس الجمهورية انشاء الجامعة في الشرق ضمن المسائل السياسية المهمة، حتى انه حاول اصدار قانون لتخصيص ستين مليوناً من الليرات لإنشائها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 419
ان هذه الجامعة حجر الاساس لإحلال السلام في الشرق الاوسط وقلعته الحصينة وستثمر فوائد جمة لصالح هذه البلاد والعباد بإذن الله.
ان العلوم الاسلامية ستكون اساساً في هذه الجامعة، لأن القوى الخارجية المدمّرة قوى إلحادية، تمحي المعنويات، ولا تقف تجاه تلك القوى المدمرّة الاّ قوة معنوية عظيمة فيها، تنفلق على رأسها كالقنبلة الذرية.
وحيث انكم ترون انفسكم مضطرين الى استشارة امريكا واوروبا في هذه المسألة الاّ ان لي الحق ايضاً أن أدلي برأيى فيها حيث قضيت خمساً وخمسين سنة من عمري لتحقيقها. بل ننتظر ذلك منكم باسم الامة جميعاً.
سعيد النورسى
***
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شجرة الدر ملكة الفسيفساء والقلادة النادرة عبدالقادر حمود القسم العام 0 08-20-2011 08:29 AM
الملاحق - ملحق اميرداغ الاول عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 9 03-23-2011 05:54 PM
الملاحق - ملحق قسطموني عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 14 03-23-2011 05:34 PM
الملاحق - ملحق بارلا عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 8 03-23-2011 05:10 PM
الطير الحر" رياضة الأغنياء عبدالقادر حمود القسم العام 3 06-05-2010 05:57 PM


الساعة الآن 04:31 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir