أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور           
العودة   منتديات البوحسن > التزكية > رسائل ووصايا في التزكية

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-23-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي المثنوي العربي النوري - قطرة


المثنوي العربي النوري - ص: 103
الرسالة الرابعة
قطرة
من بحر التوحيد
مفتاح حل هذه الرسالة المستفادة من فيض القرآن
إنما يحصلُ بعد مطالعتها بتمامها مرةً بدقة. 1

_____________________
1 طبعت هذه الرسالة لأول مرة بمطعة "نجم استقبال" باستانبول سنة 1340 هـ (1922م)



المثنوي العربي النوري - ص: 104
افادة المرام
اقرأ بدقة تَقِرَّ عينُك بإذن الله
اعلم!
يا ايها الناظرون!. أنى قد ساقني القدر الآلهي الى طريق عجيب، صادفتُ في سيري فيه مهالك ومصائب واعداء هائلةً. فاضطربتُ، فالتجأت بعجزي الى ربي.. فاخذت العنايةُ الازلية بيدي، وعلّمني القرآنُ رشدي، واغاثتني الرحمة فخلصتني من تلك المهالك. فبحمد الله صرتُ مظفراً في تلك المحاربات مع النفس والشيطان اللذين صارا وكيلين فضوليين لانواع اهل الضلالات..
فاولاً ابتدأت المشاجرةُ بيننا في هذه الكلمات المباركة وهي:
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله اكبر، ولاحول ولاقوة الا بالله.. فوقع تحت كلٍ من هذه الحصون الحصينة ثلاثون حرباً. فكلُّ جملة، بل كل قيد في هذه الرسالة نتيجة مظفريةٍ لحرب لم يبق للعدوّ في شئ منها مطمَع وأدنى ممسك.. فما كتبتُ الاّ ما شاهدتُ.. بحيث لم يبق لنقيضه عندي إمكانٌ وهمي. فاُشير بعضاً الى حقيقة طويلة مع دليلها بقيدٍ او صفة اندمج دليلُ الحكم فيهما، يُعرف بالدقة. وما صرّحتُ ليُحسَّ بالمرام من احتياج ٍ ولايشتغلَ مَن لم يحتج فيحتاج.. 1
اظن ان جريان هذا الزمان يلقي العقولَ والقلوبَ في المهالك التي أمَرَّني القدرُ عليها. فهذا الاثرُ يمكن ان يكون نافعاً باذنه تعالى لبعض المصابين. ومن الله التوفيق..
سعيد النورسي

_____________________
1 بمعنى انه سلك مع روح الشريعة التي وضحّها في ص 172 من "اشارات الاعجاز ": "ان الشريعة فسّرت في مواقع اللزوم ومظان الاحتياج ، وفيما لم يلزم او لم يستعد له الاذهان او لم يساعد له الزمان اجملت بفذلكة ووضعت اساسا احالت الاستنباط منه وتفريغه ونشونمائه على مشورة العقل ".



المثنوي العربي النوري - ص: 105
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على نبيه
فهذا الأثر: على اربعة ابواب وخاتمة ومقدمة.
الـمـقـدمـة
اعلم! اني حصلتُ في اربعين سنة في سفر العمر، وثلاثين سنة في سير العلم: اربع كلمات، واربع جمل. سيجئ تفصيلها. اشير هنا الى الاجمال..
اما الكلمة فهي:
المعنى الحرفي، والمعنى الاسمي، 1 والنية، والنظر.
اعني: ان النظر الى ما سواه تعالى، لابد ان يكون بالمعنى الحرفي وبحسابه تعالى، وان النظر الى الكائنات بالمعنى الاسمي اي بحساب الاسباب خطأ. ففي كل شئ وجهان: وجهٌ الى الحق، ووجه الى الكون. فالتوجه الى الوجه الكوني لابد ان يكون حرفياً وعنواناً للمعنى الاسمي الذي هو جهة نسبته اليه تعالى. مثلا: لابد أن يُرى النعمةُ مرآةً للانعام، والوسائطُ والاسبابُ مرايا لتصرف القدرة..
وكذا، ان النظر، والنيّة يغيرّان ماهيات الاشياء، فيقلبان السيئات حسناتٍ. كما يقلب الاكسيرُ الترابَ ذهباً، كذلك تقلب النيةُ الحركات العادية عباداتٍ. والنظر يقلب علومَ الاكوان معارفَ إلهية.. فان نُظر بحساب الاسباب والوسائط فجهالات، وان نُظر بحساب الله فمعارف إلهية..

_____________________
1 سيرد شرح هذين المصطلحين في ثنايا الكتاب فالحرف يعرف في النحو: مادلّ على معنى في غيره، اما الاسم فيعرف : مادلّ على معنى في نفسه غير مقترن بزمان.
والمقصود ان النظرة القرآنية الى الموجودات تجعلها بمثابة حروف تعبّر عن معنى تجليات الاسماء الحسنى والصفات الجليلة للخالق العظيم سبحانه.



المثنوي العربي النوري - ص: 106
واما الكلام:
فالاول: "اني لست مالكي" وان مالكي هو مالك الملك ذو الجلال والاكرام... فتَوهَّمْتُني مالكاً 1، لأفهم صفات مالكي بالمقايسة. ففهمت بالمتناهي الموهوم، الغيرَ المتناهي. فجاء الصباح وانطفأ المصباح المتخيل..
الثاني: "الموت حق" فهذه الحياة وهذا البدن، ليسا بقابلين لان يصيرا عمودَين تُبنى عليهما هذه الدنيا العظيمة؛ اذ ما هما بأبديين ولا من حديد ولاحجر بل من لحم ودم وعظم، ومتخالفات توافقوا في ايام قليلة هم على جناح التفرق في كل آن.. فكيف يُبنى بالآمال قصرٌ يسع الدنيا على هذا الاساس الرخو الفاسد والعمود المدَوّد 2 الكاسد..
الثالث: "ربي واحد": كل السعادات لكلِ واحدٍ هو التسليمُ لرب واحد. والاّ لاحتاج الى الارباب المتشاكسين من مجموع الكائنات؛ اذ لجامعية الانسان، له احتياجات الى كل الاشياء، وعلاقات معها، وتألمات وتأثرات، شعورياً وغير شعوري بكل منها، فهذه حالة جهنميّة. فمعرفة الرب الواحد الذي كل هذه الارباب الموهومة حجابٌ رقيق على يد قدرته هي حالة فردوسية دنيوية..
الرابع: ان "انا" نقطة سوداء، وواحد قياسي، التفّ على رأسه خطوط الصنعة الشعورية، تشاهَد فيها ان مالكه اقربُ اليه منه..
سيجي تفصيل هذه الجمل في خاتمة الباب الاول.

_____________________
1 اي : توهمت اني مالك .
2 المنخور.



المثنوي العربي النوري - ص: 107
الباب الاول
فى
لا إله الا الله
بسم الله الرحمــن الرحيم
الحَمدُ لله ربِ العاَلمينَ والصّلاةُ والسّلامُ عَلى سيّد المرسَلين، وعلى آله وصَحبه اجمعين.
أُشهدُ كلَّ شاهدٍ ومشهود بأنّي اشهَدُ انْ لا إلهَ الاّ الله الذي دلّ على وجوب وجوده، ودلّ على اوصاف كماله، وشهد على انه واحد احد فرد صمد:
الشاهدُ الصادق المصدَّق والبرهانُ الناطق المحقَّقُ.. سيدُ الانبياء والمرسلين.. الحاملُ لسر إجماعهم وتصديقهم.. وامامُ الاولياء والعلماء المتقين.. الحاوي لسر اتفاقهم وتحقيقهم.. ذو الآيات الباهرة والمعجزات القاطعة المحققة المصدّقة.. والسجايا السامية والاخلاق العالية المكملة المنزّهة.. مهبط الوحي الرباني.. سيّارُ عالم الغيب والملكوت مُشاهدُ الارواح ومُصاحبُ الملائكة.. مرشد الجن والانس.. انموذج كمال الكائنات بشخصيته المعنوية المشيرة الى انه نصبَ عين فاطر الكون.. ذو الشريعة التي هي انموذج دساتير السعادات، المرمزَة بانها نظام ناظم الكون سيدنا ومهدينا الى الايمان: محمّد بن عبدالله بن عبدالمطلب عليه افضل الصلوات واتم التسليمات.. فانه يشهد عن الغيب في عالم الشهادة على رؤوس الاشهاد بشيراً ونذيراً ومنادياً لأجيال البشر خلف الاعصار والاقطار بأعلى صوته، وبجميع قوته وكمال جديته، وغاية وثوقه ونهاية اطمئنانه وكمال ايمانه بانه:


المثنوي العربي النوري - ص: 108
لا الهَ الاّ الله الذي دل على وجوب وجوده، وصرّح باوصاف جلاله وجماله وكماله، وشهد على وحدانيته:
الفرقانُ الحكيم المتضمن لسرّ اجماع كلّ كتب الانبياء المختلفة الاعصار، وكلّ كتب الاولياء المختلفة المشارب، وكلّ كتب الموحدين المبرهنين المختلفة المسالك. فقد اجمع الكلُّ - اي العقول والقلوب في هؤلاء - على تصديق حُكم القرآن الكريم المنوّر جهاته الست: كلام الله، المحافظ لياقته لهذا الاسم على مر الدهور.. محض الوحي باجماع مهبط الوحي واهل الكشف والالهام.. عين الهداية بالبداهة.. معدن الايمان بالضرورة.. مجمع الحقائق باليقين.. موصلٌ الى السعادة بالعيان.. ذو الثمرات الكاملين بالمشاهدة.. مقبول الملك والانس والجان بالحدس الصادق، المتولد من تفاريق الامارات.. المؤيد بالدلائل العقلية باتفاق العقلاء الكاملين.. المصدّق بشهادة الفطرة السليمة عن الامراض باطمئنان الوجدان.. المعجزة الابدية بالمشاهدة.. لسان الغيب يشهد في عالم الشهادة شهادات مكررة جازمة بـ:
(فاعلم أنه لا إله الاّ الله) 1 الذي دل على وجوب وجوده ودل على اوصاف جلاله وجماله وكماله، وشهد على وحدانيته:
العالمُ، اي هذا الكتاب الكبير بجميع ابوابه وفصوله وصُحفه وسطوره وجُمله وحروفه، وهذا الانسان الكبير بجميع اعضائه وجوارحه وحجيراته وذراته واوصافه واحواله. اي هذه الكائنات بجميع انواع العوالم تقول: لا إله الاّ الله.. وبأركان تلك العوالم: لاَ خالِق الاّ هو.. وباعضاء تلك الاركان: لاصانع الاّ هو.. وباجزاء تلك الاعضاء، لامدبّر الاّ هو.. وبجزئيات تلك الاجزاء: لامُربّيَ الاّ هو.. وبحجيرات تلك الجزئيات: لامتصرف الاّ هو.. وبذرات تلك الحجيرات: لا خالِقَ الاّ هو.. وبأثير تلك الذرات: لا إله الاّ هو.. فتشهد الكائنات على انه هو الواجب الوجود الواحد الاحد بجميع انواعها واركانها واعضائها واجزائها وجزئياتها وحجيراتها وذراتها واثيرها، افراداً وتركيباً متصاعداً بتركيبات منتظمة رافعاتٍ اعلامَ الشهادة على وجوب وجود الصانع الازلي.. ومتنازلاً بنقوش غريبة، شاهدات على وجوب وجود النقاش الازلي.. والكائنات كل واحد من مركباتها واجزائها تشهد بخمس وخمسين لساناً بانه واجب الوجود الواحد الاحد..

_____________________
1 محمد : 19



المثنوي العربي النوري - ص: 109
سيجئ تفصيل تلك الالسنة. اما إجمالها فهي:
تنادي بألسنة افرادها وتركيباتها المنتظمة.. وفقرها وحاجاتها المقضية.. واحوالها المنتظمة.. وصورها المكملة العجيبة اللائقة.. ونقوشها المزينة الغريبة الفائقة.. وحِكَمها العالية.. وفوائدها الغالية.. وبتخالفاتها الخارقة المتلاحظة.. وتماثلاتها المنتظمة المتناظرة.. وبألسنة نظامها وموازنتها جزءاً وكلاً.. وبانتظامها واطرادها.. وباتقان الصنعة الشعورية وكمالها في كل شئ.. وبتجاوب المتخالفات الجامدات بعضٌ لحاجة بعض.. وتساند المتباعدات المتفاوتات.. وبلسان الحكمة العامة.. والعناية التامة.. والرحمة الواسعة.. والرزق العام.. والحياة المنتشرة.. وبلسان الحُسن والتحسين.. والجمال المنعكس الحزين.. والعشق الصادق.. والانجذاب والجذبة.. وظليّة الاكوان.. وبلسان التصرف لمصالح.. والتبديل لفوائد.. والتحويل لحِكَم.. والتغيير لغايات.. والتنظيم لكمالات.. وبألسنة إمكانها وحدوثها.. واحتياجاتها وافتقاراتها.. وفقرها.. وضعفها.. وموتها.. وجهلها.. وفنائها.. وتغيرها.. وعباداتها.. وتسبيحاتها.. ودعواتها.. والتجاآتها..
فالكائنات - مركباتها واجزاؤها - بكل هذه الألسنة شاهدات على وجوب وجود خالقها القديم القدير.. ودالات على اوصاف كماله - كالدوائر المتداخلة المتحدة المركز - شاهدات على وحدانيته تعالى.. وذاكرات تاليات لاسمائه الحسنى.. ومسبّحات بحمده تعالى.. ومفسّرات لآيات القرآن الحكيم.. ومصدقات لاخبارات سيد المرسلين.. ومولّدات لحدس صادق منظّم 1 الى نور الاسلام، المنظم الى التسليم لطور النبوة، المنظّم لنور الايمان بواجب الوجود الواحد الاحد. فإجماع الكائنات بكل ألسنتها تحت أمر الكلام القديم، ورياسة سيد الانام والمرسلين.. قائلات ناطقات:
(الله لا إله الاّ هُو الحيّ القيّوم) 2.
فاستمع تفصيل هذه الفقرات المذكورة: 3

_____________________
1 نظّم الشئ الى الشئ : ضمه والّفه.
2 البقرة : 255
3 وضعنا ارقاماً امام الفقرات تسهيلاً للقارئ الكريم.



المثنوي العربي النوري - ص: 110
(1،2) اذ ما يتراءى ويتظاهر في الكائنات مجموعاً واجزاءاً من نوع "التنظيمات" المتلاحظة والنظامات المتناظرة و"الموازنات" المتساندة، الدالة على وجوب وجود مَن هذه الكائنات في تصرف قبضَتي "نظامه وميزانه" والشاهدة بالتلاحظ والتناظر والتساند على ان المقنن والاستاذ والنظّام واحد.. يفتحان مَنفذاً نظاراً الى المطلوب: اي وجوب الوجود والوحدة، تشهد الكائنات فيه بهذا اللسان: الله لا اله الاّ هُو..
(3، 4) وان ما في بيت الكائنات من "الانتظام والاطراد" الدالين على عدم تداخل الايدي المتعددة، وان الصنعة والنقش والمُلك لواحد.. يفتحان كوةً نظارةً بطرز آخر ايضاً، تشهد الكائنات فيها بهذا اللسان: الله لا اله الاّ هو..
(5، 6) وان "اتقان الصنعة الشعورية، وكمالها" في كل شئ بما تسعه لياقة قابليته المجعولة بقلم القَدَر من يد الفياض المطلق الدالّين على اتحاد القلم، وان كاتب صحيفة السماء بنجومها وشموسها هو كاتب صحيفة النحل والنمل بحجيراتها وذراتها.. يفتحان مشكاة نظارة بطور آخر ايضاً، تشهد الكائنات فيها بلسان كل مصنوع منادية: الله لا اله الاّ هو..
(7، 8) وان "تجاوب الاشياء المتخالفة" الجامدة في الطرق الطويلة المعوجة، بعضٌ لحاجة بعض؛ كمادة غذاء الحجيرات والثمرات "وتساند الاشياء المتباعدة المتفاوتة" كالسيارات التي هي ثمرات الشمس، الدال ذلك التجاوب والتساند على ان الكل خُدام سيدٍ واحد، وتحت أمر مدبّر واحد، ومرجعهم مربٍ واحد.. يفتحان منفذاً نظاراً ايضاً بمرتبة اخرى، تشهد الكائنات فيه بهذا اللسان: الله لا إله الاّ هو..
(9،10) وان "تشابه الآثار" المنتظمة المتناظرة، كنجوم السموات، "وتناسب الآثار المتلاحظة" كأزاهير الارضين، الدالّين على ان الكل مالُ مالك واحد، وتحت تصرّف متصرف واحد، ومصدرهم قدرةُ واحدٍ.. يفتحان منفذاً نظاراً ايضاً، تشهد الكائنات فيه بهذا اللسان: الله لا إله الاّ هو..
(11) وان "مظهرية كل حي لتجليات اسماءٍ كثيرة شعورية" مختلفة الآثار والجمال، المتساندة في التأثير، والمتشابهة المتشاركة حتى في حجيرة واحدة،


المثنوي العربي النوري - ص: 111
والمتعاكسة كلٌ في كلٍ، والمتمازجة كالالوان السبعة في ضياء الشمس الدالة هذه الاحوال مع وحدة اثرها، على ان مسماها واحد، تدل بالضرورة على ان خالقَ الحيّ هو بارئهُ، ومصوّره، والمنعم عليه، ورزاقه، وأن رزاقه هو خالقُ منابع الرزق، وخالقُها هو الحاكم على الكل.. فتفتح هذه الحقيقة منفذاً نظاراً ايضاً الى مرتبة الوجوب والوحدة، تشهد الكائنات فيه بلسان كل حي: الله لا إله الاّ هو..
(12،13) وان "ارتباط" امثال عين النحل والنمل ومعدتهما بالشمس ومنظومتها، مع "المناسبة" في الجزالة الكيفية والتلاحظ والتناظر، الدال ذلك الارتباط والمناسبة على انهما: كلاهما نقشا نقاش واحد.. فيفتحان منفذاً نظاراً ايضاً، تشهد الكائنات فيه منادية: الله لا إله إلاّ هو..
(14) وان "اخوة الجاذبة" المكتوبة المنسوجة المنقوشة بين الذرات والجواهر الفردة "للجاذبة العمومية" المكتوبة المنسوجة الممددة بين النجوم والشموس، الدالة على انهما: كلاهما كتابةُ قلمِ واحدٍ ومدادِه ونَسجا نسّاج واحدٍ وأسدائه، وشعاعا شمس واحدٍ وفيضِه.. تفتح مرصاداً نظاراً ايضاً الى الوجوب والوحدة، تشهد الكائنات فيه بهذا اللسان الدقيق والعلوي: الله لا إله إلاّ هُو..
u (15) وان "نِسَب كلّ ذرةٍ في المركبات" المتداخلة المنتظمة الموظفة، تلك الذرة كالنفر في كل نسبة له وظيفة لفائدة، كذرة العين في مركبات الاعصاب المحركة والحساسة والاوردة والشرايين والباصرة. فتدل بالضرورة على ان خالق عين العين والعين، وعين العالم - اي الشمس - وواضعها موضعَها اللائق، هو خالق كل المركبات.. فتفتح هذه الحقيقة ايضاً مشكاة نظارة، تشهد الكائنات فيها بلسان كل ذرة من ذراتها: الله لا إله إلاّ هُو..
(16) وان "وُسعَة تصرف القدرة في النوع الواحد" الذي لا يصدر الاّ عن الواحد بالبداهة، مع شمول بعض الانواع اكثر الكائنات - كالحيات والملَك والسمك - يُتحدس منه بأن خالق الفرد هو خالقُ النوع، مثلاً: ان القلم الذي رسم تشخّص وجه زيد، لابد بالضرورة ان يكون كل افراد البشر منظوراً له دفعةً، لمخالفة تعينه لكل فرد، والاّ لوقع التوافق بالتصادف! وخالقُ النوع بهذا السرّ هو خالق الاجناس.. فتفتح هذه الحقيقة ايضاً منفذاً نظاراً، تشهد الكائنات فيه: الله لا إله إلاّ هُو..


المثنوي العربي النوري - ص: 112
(17) وان "ما يتوهم بقصور النظر من الاستبعاد والاستغراب والحيرة والكلفة" المنجرة الى الاستنكار في اسناد كل شئ الى الواجب الوجود الواحد الاحد. فتلك الاستبعاد والاستغراب والحيرة والكلفة والمعالجات تنقلب حقيقية عند عدم الاسناد الى صاحب مرتبة الوجوب والوحدة، 1 بل تتضاعف تلك الامور عند اسناد الآثار الى جانب الامكان والكثرة والاسباب وانفسِها، عددَ اجزاء الكائنات.. فما يتوهم في اسناد الكل الى الواجب يتحقق في اسناد جزء واحد الى غيره تعالى. بل الاولُ اسهل وايسر؛ اذ صدور الكثير عن الواحد اقل كلفة من صدور الواحد عن الكثير المتشاكسين العُمي الذين اجتماعهم يُزيدهم عمىً؛ اذ النحلة لو لم تخرج من يد قدرة الواجب، لزم اشتراك ما في الارض والسموات في وجودها!.. بل تترقى الكلفة والمعالجة في الجزء الواحد من الذرة بالنسبة الى الوجوب الى امثال الجبال، ومن الشعرة الى امثال الحبال، لو احيل على الاسباب.. اذ الواحد بالفعل الواحد يحصّل وضعية ومصلحة للكثير، لايصل الى عين تلك الوضعية والنتيجة الكثيرُ، الاّ بفعل كثير؛ كالامير بالنسبة الى نفراته، والفوّارة الى قطراتها، والمركز الى نقاط دائرته. فبفعل واحدٍ تصل هذه الثلاثة الى تحصيل وضعيةٍ للكثير، 2 ونتيجةٍ لاتصل النفرات والقطرات والنقاط لو احيلت عليها الاّ بافعال كثيرة وتكلفات عظيمة. بل الاستغراب والاستبعاد الموهومان في طرف الوجوب، ينقلبان هنا الى محالات متسلسلة.
من بعض المحالات: فرض صفات الواجب في كل ذرة بضرورة اقتضاء النقش الكامل والصنعة المتقنة.. وكذا، توهم شركاء غير متناهية في الوجوب الذي لايقبل الشركة اصلاً.. وكذا، فرض كل ذرة حاكماً على الكل ومحكوماً لكلٍ من المجموع، وللكلِ معا، بضرورة اقتضاء النظام والانتظام.. وكذا، فرض شعورٍ محيط، وعلمٍ تام في كل ذرةٍ، بضرورة اقتضاء التساند والموازنة. فاسناد الاشياء الى الاسباب في جانب الامكان والكثرة يستلزم التزامَ هذه المحالات المتسلسلة، والممتنعات العقلية، والاباطيل التي تمجّها الاوهام..

_____________________
1 تفصيله في "حباب" ص 184 - 188
2 سيرد شرح هذا المثال في ذيل الحباب ص 208



المثنوي العربي النوري - ص: 113
واما اذا اسند الى صاحبها الحقيقي، وهو صاحب مرتبة الوجوب والوحدة، لايلزم الا ان تكون الذرة ومركباتها - كقطرات المطر المتشمسة المتلمعة بتماثيل الشمس - مظاهرَ للمعاتِ تجليات القدرة النورانية الازلية الغير المتناهية المتضمنة للعلم والارادة الازليين الغير المتناهيين، فلمعتُها المالكة لخاصيتها، اجلّ من شمس الاسباب تأثيراً بسبب التجزؤ والانقسام في جانب الامكان والكثرة دون الوجوب والوحدة. فالتّماس مع تلك القدرة في اقل من ذرة اكبر تأثيراً من امثال الجبال في جانب الكثرة، بسبب ان جزء النوراني مالكٌ لخاصية الكل، كأن الكلّ كلي، والجزءَ جزئيٌ ولو كان النور ممكناً، فكيف بنور الانوار المتنور من جانب الوجوب؟ 1.. وكذا لاكلفة ولامعالجة بالنسبة الى تلك القدرة؛ اذ هي ذاتية للذات 2 محالٌ تداخل ضدها فيها، فتتساوى بالنسبة الى لمعتها الذراتُ والشموس والجزء والكل والفرد والنوع، بسر الشفافية والمقابلة والموازنة والتجرد والاطاعة والانتظام 3 بل بالحدس والمشاهدة، اذ تلك القدرة تفعل بامثالِ الخيوط الدقيقة الجامدة امثال العناقيد، تلك الخوارق الحيوية.. لو احيلت على الاسباب؛ لاحتيج لتصنيع عنقود واحد - لو امكن - الى ملايين قنطارٍ من تلك الكلفة والمعالجات!.. وكذا ان تلك القدرة تتجلى بجلوات الوجود المنعكس من ظل الوجوب في سم الخياط، على صفحات الشفافات بالتماثيل البرزخية.. لو احيلت على الاسباب لامتنعت او احتيجت الى ما لايحد من المعالجات.
اعلم! ان الحياة والوجود والنور - لشفافية وجهَي المُلك والملكوت فيها ما استتُرت القدرةُ عند ايجادها تحت الوسائط الكثيفة، فيترقق السببُ الظاهري فيها بحيث يتراءى تحتَه تصرفُ القدرة. فمن امعن النظر في اطوار الحياة والانوار، يشاهد تصرفات القدرة تحت الاسباب؛ اذ تلك القدرة لاتصرّف لتصنيع عنقودِ العنب، الاّ غصناً دقيقاً جامداً، ولترسيم شُميسة في زجيجة، الاّ إمرار النور في سمّ الخياط، ولتنوير البيت الا توسيط شعرة في زجاجة.

_____________________
1 اي: لو كان النور من جانب الامكان هذا فعله فكيف بنور الانوار...
2 للذات الالهية.
3 هذه الاسرار الستة مذكورة بالتفصيل في "ذيل الكلمة العاشرة" وفي "الكلمة التاسعة والعشرين".

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - قطرة


المثنوي العربي النوري - ص: 114
وكذا ان الارواح والعقول في اضطرابات مزعجة ناشئة من امراض وضلالات ناشئة من الاستنكارات الناشئة من الاستبعاد والاستغراب والحيرة في اسناد الاشياء الى انفسها واسبابها الامكانية 1. فتجبر الاضطراباتُ الارواحَ للخلاص والتشفي 2 الى الفرار الى الواجب الوجود الواحد الاحد الذي بقدرته يحصل ايضاح كل مشكل، وارادتُه مفتاح كل مغلق، وبذكره تطمئن القلوب. فلا ملجأ ولامنجأ ولامناص ولامخلص، الا الالتجاء والفرار الى الله والتفويض اليه. كما قال الله تعالى (فِفرّوا الى الله) 3 (ألا بِذِكرِ الله تطمَئِنُ القُلوبُ) 4 فتفتح هذه الحقيقة ايضاً مشكاةً نظارة الى الحدس الصادق، المنظّم الى نور الاسلام، المنظّم الى التسليم لطور النبوة، المنظّم لنور الايمان بواجب الوجود الواحد الاحد، فتشهد الكائنات بلسان كل جزء من اجزائها: الله لا إله الاّ هو..
(18) وان "بساطة الاسباب" الظاهرية كالخبز واللبن، ومحدوديتها وحصرها وانضباطها وعرضية بعضها وفقرها وضعفها وموتها وجمودها في ذاتها وعدم شعورها وعدم ارادتها بالمشاهدة، واعتبارية القوانين، وموهوميتها، وعدم تعينها الا بمقننها، وعدم وجودها الموهوم الا بعد رؤيتها، وعدم رؤيتها الاّ بعد وجود المسبب "مع خوارق نقش المسببات" واعجبية صنعتها كتشكيلات نُسُج حجيرات البدن بسببية اكل الخبز، وكتابة النقوش الغير المحدودة المنتظمة المكتوبة في خردلة الحافظة، كأن تلك الخردلة سند 5 استنسختها يدُ القدرة من صحيفة الاعمال، واعطتها ليد الانسان ليتذكّر به وقتَ المحاسبة، وليطمئن ان خلفَ هذا الهرج والمرج الوجودي مرايا للبقاء، يرسم العليمُ فيها الاشياء بانتظام بلا اختلاط - ولو كانت الاشياء كثيرة مختلطة - وكان المرسم فيه اضيق الاشياء بسببية وضعية التلافيف وتشكيلات الحروف والصور الذهنية في التكلم والتفكّر، بسببية قرع اللها 6 وحركة الذهن

_____________________
1 انظر "حباب" ص 130
2 مشتقة من الشفاء .
3 الذاريات : 50
4 الرعد : 28
5 اي المستند والدليل والحجة .
6 اللهاة : اللحمة المشرفة على الحلق في اقصى سقف الفم والتي تساعد على التصويت والتحكم في مخارج الكلام.



المثنوي العربي النوري - ص: 115
المقتضية هذه المسببات بالضرورة لقدرة غير متناهية؛ بل علم وارادة غير متناهيين. فتستلزم هذه الحقيقة انه لامؤثر في الكون على الحقيقة الاّ خالق قدير لانهاية لقدرته بوجه من الوجوه. وما الاسباب الاّ (بهانات) 1 وما الوسائط الاّ حجابات ظاهرية، وما الخاصيات والخواص الاّ اسماء وعنوانات وزُجيجات جامدة للمعاتِ تجلياتِ القدرة الازلية النورانية الغير المتناهية، المستندة، بل المتضمنة للعلم والارادة الازليين الغير المتناهيين. اذ التماس مع تلك القدرة بادنى شئ، اعظم واجلّ واكبر من جبال الاسباب. اذ تفعل لمعةُ تلك القدرة بامثال الخيوط الدقيقة الجامدة اليابسة امثالَ العناقيد، تلك الخوارق الحيوية الطرية، لو احيلت على الاسباب واجتمعت الاسباب والوسائط على ان يأتوا بمثله ما فعلوا ولو كانَ بعضُهُم لبعضٍ ظَهيراً. وتستلزم هذه الحقيقة ايضاً ان ما يسمى بالقوانين والنواميس انما هي: اسماء وزجيجات لتجليات مجموع العلم والامر والارادة على الانواع. وما القانون، الاّ امرٌ ممدود او أوامر مسرّدة. وما الناموس، الاّ ارادة مطولة او تعلقات منضدة.. فتفتح هذه الحقيقة مشكاة نظارة في الامكان الى مرتبة الوجوب تشهد الكائنات بلسان كل مسبب من مسبباتها منادية: الله لا إله الاّ هُو..
(19) وان "عدم تناهي خوارق نقش صنعة الكائنات واتقانها" والاهتمام بها، تستلزم قدرة غير متناهية، بل كل جزء منها ايضاً يستلزم تلك القدرة. فاذاً تستلزم وتقتضي وتدل بالضرورة على ان لهذه الكائنات خالقاً قديراً، له قدرة كاملة لانهاية لتجليات تلك القدرة بوجه من الوجوه. فاذاً استغنى عن الشركاء بالقطع فلاحاجة اليها بالضرورة، مع ان الشركاء الموهومة المُستَغنىة عنها بالقطع والضرورة، ممتنعةٌ بالذات. لايمكن أن يوجد فرد منها؛ وإلاّ لزم تحديد القدرة الكاملة الغير المتناهية من كل وجه، وانتهاءها في وقت عدم التناهي بالمتناهي بلا ضرورة، بل مع الضرورة في عكسه وهو محال بخمس مراتب بالضرورة. فمن هنا يكون الاستقلال والانفراد خاصيتين ذاتيتين للالوهية. مع انه لامحل ولاموضع ولا مكان للشريك، الا في الفرض الوهمي؛ اذ ما نزل سلطانٌ قط ولا احتمالٌ عن دليل، ولا امكاناً ذاتياً 2 ولم يوجد امارة ما قط على وجود الشريك في جهة من جهات الكائنات. والى اي

_____________________
1 حجج واهية.
2 اي: ولا حتى امكاناً ذاتياً.



المثنوي العربي النوري - ص: 116
جهة روجع واستُفسر عن الشريك، اعطي جواب ردٍ باراءة سكة التوحيد، مع انه لامؤثر في الكون على الحقيقة إلاّ واحد احد؛ بسرّ انّ اشرف الكائنات واوسع الاسباب اختياراً: الانسان، مع انه ليس في يد البشر من اظهر افعاله الاختيارية كالأكل والكلام من مائة جزء الاّ جزءٌ واحد مشكوك فيه. فاذا كان الاشرفُ والاوسعُ اختياراً هكذا مغلول الايدي فكيف بالاسباب الجامدة الميتة؟ فكيف يكون المنديل والظرف الذي لف فيه السلطانُ هديته، شريكاً للسلطان او معيناً له؟.. فتتحدس من هنا قطعاً، بان الاسباب حجاب القدرة فقط؛ ومناط الحكمة ليس الاّ.. فتفتح هذه الحقيقة ايضاً مرصاداً ناظراً الى الوجوب والوحدة؛ فتشهد الكائنات فيه بهذا اللسان منادية: الله لا إله إلاّ هُو..
(20) وان "تساند الاسماء المتجلية" في الكائنات، مع شمول بعض الاسماء كل شئ بظهور اثره فيها كالعليم، وتشاركها وتشابكها حتى في ذرة واحدة، وتعاكسها كلاً في كلٍ، وتمازجها كالالوان السبعة في ضياء الشمس، تدل هذه الاحوال مع وحدة أثرها على ان مسماها واحد احد فرد صمد؛ فتفتح مشكاة نظارة الى الواجب الوجود الواحد الأحد تشهد الكائنات فيها بهذا اللسان النوراني: الله لا إله إلاّ هُو..
(21) وان ما يتظاهر في مجموع الكائنات كلاً واجزاء: من "الحكمة العامة" المتضمنة للقصد والشعور والارادة والاختيار، الدالة على وجوب وجود حكيم مطلق؛ لإِمتناع الفعل بلا فاعل، ولإِمتناع ان يكون جزء المفعول المنفعل الجامد فاعلاً لهذا الفعل العام الشعوري..
(22) وما يتلألأ على وجه الكائنات من "العناية التامة" المتضمنة للحكمة واللطف والتحسين، الدالة بالضرورة على وجوب وجود خلاق كريم؛ لامتناع الاحسان بلا محسن..
(23) وما انبسط على وجه الكائنات من "الرحمة الواسعة" المتضمنة للحكمة والعناية والاحسان والانعام والاكرام والتلطيف والتودد والتحبب والتعرف، الدالة على وجوب وجود الرحمن الرحيم؛ لإِمتناع الصفة بلا موصوف ولإِمتناع ان


المثنوي العربي النوري - ص: 117
يُلبس هذه الحلة التي تسع السموات والارض غيره تعالى. اذ اين قامة هذه الاسباب الجامدة الميتة القصيرة الحقيرة، واين قيمة هذه الحلة الغير المحدودة؟..
(24) وما وزع على ذوي الحياة على تنوع حاجاتها من "الرزق العام" المتضمن للحكمة والعناية، والرحمة والحماية، والمحافظة والتعهد، والتعمد والتودد والتعرف الدال بالضرورة على وجوب وجود رزاق رحيم؛ لاِمتناع الفعل بلا فاعل، وامتناع أن يكون جزء المفعول فاعلاً لهذا الفعل العام..
(25) وما انتثر وانتشر في الكائنات من "الحي والحياة" المتضمنتين للحكمة والعناية والرحمة والرزق والصنعة الدقيقة والنقش الرقيق والاتقان والاهتمام المترشحة بتجليات قصد وشعور وعلم وارادة تامة عليها الدالة تلك الحياة على وجوب وجود قادر قيوم محيي مميت واحد؛ ولأن كل شئ واحد فخالقه واحد؛ اذ "الواحد لايصدر الاّ عن الواحد" فخالق الكل واحد خلافاً لقاعدة الفلسفة الكاذبة المشركة القائلة: "الواحد لايصدر عنه الا الواحد"
فهذه الحقائق الخمسة الممتزجة كالألوان السبعة في الضياء وكالدوائر المتداخلة المتحدة المركز، تدل بالبداهة على ان لهذه الكائنات رباً، قديراً، عليماً حكيماً، كريماً، رحيماً، رحمانَ، رزاقاً، حياً، قيوماً، متصفاً باوصاف الكمال.. فتفتح هذه الخمسة الممتزجة بضياء واحد مشكاة نظارة الى الحدس الصادق المنظم الى نور الاسلام، المنظّم الى التسليم لطور النبوة، المنظّم لنور الايمان بانه: هو الله الواجب الوجود الواحد الاحد. فتشهد الكائنات في تلك المشكاة بهذا اللسان ذي النغمات الخمس منادية. الله لا إله إلاّ هُو..
(26) وكذا ان ما يتلمع على وجه الكائنات من "الحُسن العَرَضي، والتحسين" المشيرين الى وجوب وجود مَن له الحسن الذاتي والاحسان..
(27) وما يُرى في خد الكائنات من "الجمال الحزين" المنعكس المرمِز الى وجوب وجود ذي الجمال المجرد..
(28) وما يُرى في قلبها من "العشق الصادق" المنادي على المحبوب الحقيقي.
(29) وما يُحَسّ به في صدرها من "الانجذاب والجذبة" الملوحين بالحقيقة الجاذبة التي تنجذب اليها الاسرار..


المثنوي العربي النوري - ص: 118
(30) وما "يُسمع من كل الكُمّلين من شهادتهم" بمشاهدتهم كون كل الاكوان ظلال انوار ذات واحد..
آيات نيرات.. فهذه الحقائق الخمسة تدل بالضرورة على ان لهذا الكون رباً واجب الوجود، متصفاً باوصاف الجلال والجمال والكمال. فتفتح كوة نظارة ايضاً تشهد الكائنات فيها بهذا اللسان ذي النغمات الخمس: الله لا إله إلاّ هُو..
(31) وكذا ان ما يُرى في جزئيات انواع الكائنات، من "التصرفات المتناظرة" والتصرف لمصالح الدال بالبداهة على وجوب وجود متصرفٍ حكيم واحد؛ لإِمتناع الفعل بلا فاعل، وامتناع ان يكون جزء المفعول المنفعل الجامد فاعلا لهذا الفعل العام الشعوري المتلاحظ..
(32،33) وما يُرى في اجزاء الكائنات من انواع النباتات والحيوانات من "التبديل لفوائد، والتحويل لحِكَم" الدالين على وجوب وجود رب مدبر حكيم..
(34) وما يُرى في اعضاء الكائنات ككرة الارض بليلها ونهارها من "التغيير لغايات" الدال على وجوب وجود فاعل مختار، فعال لما يريد؛ لإِمتناع الفعل بلا فاعل، ولإمتناع ان يكون مصدر هذه الافاعيل المتناظرة، غير قدرة الواجب..
(35) وما يُرى في العالم من "التنظيم لكمالات" الدال بالبداهة على وجوب وجود القادر القيوم؛ لاِمتناع التنظيم بلا ناظم، وامتناع ان يكون جزء الكثير الممكن المنفعل فاعلاً لهذا الفعل المحيط الشعوري. واين يد العنكبوت من نسجِ حُلّة قُدّت على مقدار قامة الكائنات؟ بل اين الاعمى الاشل الجامد واين نسج قميص مطرز لهذا العالم؟
ايضاً آيات 1 على وجوب الوجود والوحدة.. وهذه الحقائق الخمسة في الفعالية كالالوان السبعة في الضياء، وكالدوائر المتداخلة المتحدة المركز؛ تدل بالبداهة على ان لهذه الكائنات رباً متصرفاً حكيماً مدبراً فاعلاً مختاراً فعّالاً لما يريد قادراً قيّوماً متصفاً باوصاف الكمال. فتفتح هذه الحقائق الخمسة ايضاً بضياء واحد كوة نظّارة الى مرتبة الوجوب والوحدة، فتشهد الكائنات بهذا اللسان ذي الأصوات الخمسة منادية: الله لا إله إلاّ هُو..

_____________________
1 اي ماذكر من التصرف والتبديل والتحويل والتغيير والتنظيم.



المثنوي العربي النوري - ص: 119
(36) وكذا ان "حدوث الكائنات" كلاً وجزءاً يستلزم محدِثاً قديماً.. وان تردد الكائنات مجموعا واجزاء بين "الامكانات" الغير المحدودة ذواتٍ وصفاتٍ وكيفياتٍ بمقدار تخصصها تتزايد الامكانات. ثم اخذها هذا الشكل المنتظم المتقن المحكم من بين تلك الطرق العقيمة يستلزم ذلك التردد، ويدل بالضرورة على وجوب وجود رب عليم حكيم قدير.
(37) وان "احتياجات الكائنات" كلاً واجزاءً وجوداً وبقاءً مادة ومعنى، حياة وفكراً، مع فقرها وضعفها في ذاتها وقصر يدها عن ادنى حاجاتها، ثم قضاء حاجاتها - على تنوعها - من حيث لايُشعَر في اوقاتها المناسبة؛ تستلزم وتقتضي وتدل على وجوب وجود رب مدبر رزاق كريم رحمان رحيم..
(38) وان "افتقارات الكائنات" مجموعاً واجزاءً وجوداً وبقاء مادة ومعنىً، مع ضعفها في ذاتها وقصر يدها عن ادنى مطالبها، ثم اغناء مطالبها من حيث لايُحتسب في الاوقات اللائقة؛ تستلزم وتقتضي وتدل على وجوب وجود رحيم كريم فياض لطيف ودود.
(39) وان "فقرها في ذاتها" كالشجر والارض اليابسين في الشتاء "مع تظاهر الاقتدار المطلق" في معدن ضعفها كحياتهما في الربيع، يدل على وجوب وجود القدير المطلق الذي تتساوى بالنسبة اليه الذراتُ والشموس.
(40) وان فقر الكائنات لذاتها، مع تظاهر آثار "الغناء المطلق" كظهور الارزاق من التراب اليابس، يدل على وجوب وجود الغني المطلق الذي من حجيرات خزائن رحمته: الشمسُ والشجر، ومن مسيلات حوض رحمته: الماء والضياء.
(41) وان "موتها في ذاتها مع تظاهر انوار الحياة" يدل على وجوب وجود الحي القيوم المحيي المميت.
(42) وان "جمودها وجهلها مع تظاهر آثار الشعور المحيط" وان ذا 1 هذا الشعور سميع بصير، يدلان على وجوب وجود عليم خبير.

_____________________
1 صاحب هذا الشعور.



المثنوي العربي النوري - ص: 120
(43) وان "فناءها وتغيرها على الدوام بالانتظام" يدلان بالحدس القطعي على وجوب وجود المغير، الغير المتغير الدائم الباقي.
(44) وان ما لذوي الارواح من "العبادات النورانية" المقبولة المثمرة المتضمنة للمشاهدات والمكالمات والفيوضات والمناجاة، تدل على وجوب وجود معبود حقيقي.
(45) وان "تسبيحات الكائنات" القالية والحالية، 1 تدل على وجوب وجود من
(يُسبّحُ لهُ ما في السمــواتِ والارضِ) 2 اذ دلالة الفطرة صادقة، وشهادتها الفذة لاترد.. فكيف بدلالات غير متناهية وشهادات غير محصورة، قد اتفقت كالدوائر المتداخلة المتحدة المركز، على وجوب وجود مَن (يُسَبّحُ لَهُ مَا في السَّمواتِ والارضِ) بألسنة اقوالها واحوالها وبنقوش جباهها؟.
(46) وان "ادعية ذوي الحاجات" المقبولة والمستجابة، والمؤثرة والمثمرة، تدل بالضرورة على وجوب وجود مَن يجيب المضطر اذا دعاه.
(47) وان "التجاآت ذوي البلايا" شعورياً وغير شعوري عند الاضطرار الى حاميها المجهول، بل خالقها، تدل على وجوب وجود ملجأ الخائفين، وغياث المستغيثين.
(48) وان "مشاهدة كل الكُمّلين" العابرين من الظاهر الى الباطن، واتفاقهم بالكشف والشهود والذوق والمشاهدة على ان كل الاكوان ظلال لانوار ذات تدل على وجوب وجود شمس الازل الذى هذه الاكوان ظلال انواره.
(49) وكذا ان مايُعلم بل يُتحدس بل يُحسّ بل كأنه يُرى ويُشاهد ملء الكون والفضاء، قد توضعت على مثل الذرة امثال الجبال من "الافاعيل المتجلية، وتجليات الاسماء" السيالة الهابطة من مرتبة الوجوب والوحدة، تدل بالضرورة على ان مبدأ هذه الافاعيل ليس مرتبة الامكان، بل هي اشعة مرتبة الوجوب، وتدل على وجوب وجود ذات مقدس فاعل لهذه الافاعيل، ومسمىً لهذه الاسماء.

_____________________
1 بلسان الحال والمقال.
2 الحشر : 24



المثنوي العربي النوري - ص: 121
(50) وان "اضطرابات الارواح" من الاستبعاد والاستغراب والحيرة والكلفة المنجرة الى الاستنكار ثم الى محالات متسلسلة في تفويض الاكوان الى انفسها واسبابها تلجئ العقول والارواح، للخلاص من مرض الاضطراب والتشفي منه الى امتثال امر:(فـفـرُّوا الى الله) 1 (ألا بـِذكــرِ الله تَطمَئِنُ القُلوب) 2 (والى الله تُرجعُ الاُمور) 3 الذي بقدرته يحصل الايضاح لكل مشكل وبذكره تطمئن القلوب. نعم لامؤثر في الكون حقيقةً الا الله..
(51) وكذا ان ما يُرى من "القَدر بالضرورة" في المحسوسات، و"بالنظر" في غيرها، يدلان على وجوب وجود مَن خلق كل شئ وقدّره تقديراً؛ اذ عالم الشهادة مجموعاً واجزاءً لكل شئ منه غايات منتظمة، ونهايات مثمرة وحدود كانها آجال منتظمة، التي تسمى بالمقادير التي لاتحصل الا بقوالب وما هى إلاّ القضاء والقدر، التى هي قوالب القدر قُدّتْ على مقدار قامات الاشياء تعينت اولاً فبنيت الاشياء على هندستها. فان شئت مثالا فانظر الى بدنك باعوجاجاته ويدك باصابعها.. فينتقل بالحدس الصادق، من هذا القَدر الضروري الى القَدَر النظري في المعنويات والاحوال؛ اذ لها ايضاً نهايات وغايات مثمرة وحدود وآجال منتظمة، هي مقاديرها، هي قوالبها ترسمت بيد القضاء والقدر، فكتبت القدرةُ كتاب المعاني على مِسطر القَدَر. فالقُدرة مصدرٌ، تنظر الى مِسطَر القدر. 4 فهذان القَدران يدلان بالضرورة على وجوب وجود مَن هذه الكائنات خطوط قلم قضائه وقدره. آمنا!..
(52) وكذا ان "جامعية استعدادالانسان" تخبرنا بان البشر ثمرة شجرة الخلقة، فيكون اكملَ وابعدَ، فوجههُ الشفاف متوجه الى الظلمة وفضاء العدم الذي هو باطن الدنيا. وما في جامعية الاستعداد من قابلية العبادة، تخبرنا بان الانسان ما خلق هكذا، ليكون منكوس الرأس يخلد الى الفاني، بل قابلية العبادة لصرف وجهه الشفاف من الظلمة الى النور، ومن فضاء العدم الى الوجود، ومن المنتهى الى المبدأ، ومن الفاني الى الباقي، ومن الخلق الى الحق. كأن العبادةَ حلقة اتصال بين المنتهى

_____________________
1 الذاريات : 50
2 الرعد : 28
3 فاطر : 4
4 اي ان تجليات القدرة المطلقة تنضبط وفق مقادير القدر كما هو في علم الله.



المثنوي العربي النوري - ص: 122
والمبدأ في دائرة الخلقة. فتشهد الفطرة بهذا اللسان على وجوب وجود مَن خلق الخلق ليُعْرَف وخلق الجن والانس ليُعْبَد. آمنا..
(53) وكذا ان ما يُشاهد في الكون من مرتبة "الامكان والكثرة والانفعال" يستلزم بالبداهة الاَولَوية مرتبة الوجوب والوحدة والفاعلية، فيدل بالضرورة على وجوب وجود الواجب الوجود الواحد الاحد الفعال لما يريد. آمنا..
(54) وكذا يُشاهَد في الكائنات ان "الاشياء تتحرك قبل الوصول الى نقطة الكمال لها" ثم تسكن بعد الوصول وتستقر. فيتحدس من هنا بان الوجود يقتضي الكمال؛ والكمال يقتضي الثبات، فوجود الوجود بالكمال، وكمال الكمال بالدوام، فالواجب السرمدي، هو الكامل المطلق. فكل كمالات الممكنات ظلال لتجليات انوار كماله. فتدل هذه الحقيقة على ان الله هو الكامل المطلق في ذاته وصفاته وافعاله. آمنا..
(55) وكذا ان "ألْطفية باطن الشئ من ظاهره" كما يدل على ان صانعه ليس خارجاً بعيداً منه، كذلك "محافظته لِنِسَب النظام والموازنة" مع سائر الاشياء يدل على انه ليس داخلاً في الشئ ايضاً. فالنظر الى المصنوع في ذاته كما يدل على ان صانعه عليم حكيم.. فالنظر اليه مع الغير يدل على ان صانعه سميع بصير، فوق الكل يراه مع الغير يرسم بهما نقشاً لمصلحة. فيدل هذه الحقيقة على وجوب وجود الصانع الذي ليس داخلا في العالم ولا خارجاً، كما هو في أبطن البطون كذلك فوق الفوق، كما يرى شيئاً يرى معه كل الاشياء. آمنا..
فهذه الحقائق العشرون المتمازجة كالوان القوس القزح وكالدوائر المتداخلة المتحدة المركز، آيات نيرات تدل بالضرورة على ان لهذه الكائنات رباً، قديماً واجب الوجود، عليماً، حكيماً، مريداً، قديراً، رحمان، رحيماً، رزاقاً، كريماً، قادراً، غنياً، حياً، قيوماً، عليماً، خبيراً، دائماً، باقياً، معبوداً
(يُسَبحُ لَهُ ما في السمــواتِ والارضِ) 1 (يُجيبُ المُضطرَّ اذا دَعاهُ) 2 ملجأ الخائفين، غياث المستغيثين، الذي هذه الكائنات ظلال انواره وتجليات اسمائه وآثار افعاله.. الذي بذكره تطمئن

_____________________
1 الحشر : 24
2 النمل : 62



المثنوي العربي النوري - ص: 123
القلوب.. واليه ترجع الامور.. خلق الجن والانس ليعبدوه.. نظّم الكائنات بقوانين قضائه وقدره.. وهو الواجب الوجود الواحد الاحد.. الكامل المطلق في ذاته وصفاته وافعاله.. وهو اللطيف الخبير السميع البصير..
فتفتح هذه العشرون من الحقائق المتمازجة، بانوار مخططة كواتٍ نظارة بوجوهٍ وجهاتٍ ومراتبَ الى الحدس الصادق المنظم لنور الاسلام المنظم الى التسليم لطور النبوة المنظم الى الايمان؛ بانه هو الله الواجب الوجود الواحد الاحد. فتشهد الكائنات بهذا اللسان ذي النغمات العشرين منادية: الله لا إله إلاّ هُو.واعلم! ان "الله لا اله الا هُو" بكل دلائله المزبورة 1 مثبت "لاحولَ ولاقُوّةَ الا بالله".
وكذا فاعلم انه "لا اله الا الله" بكل براهينه المذكورة، يستلزم "محمد رسول الله". فمحمد رسول الله كما يتضمن من الايمان خمسة اركانه، كذلك هو مظهرٌ ومرآةٌ لصفة الربوبية. فبهذا السر صار قريناً موازيا لـ"لااله الا الله" في ميزان الايمان، فتأمل. ولأن النبوة مظهر لصفة الربوبية تكون جامعةً وكليةً، والولاية خاصة وجزئية، فنسبتها اليها كنسبة صفة "رب العالمين" الى "ربي"... ونسبة العرش الى القلب.. ونسبة المعراج الممتد من الارض الى مافوق العرش المار على طوائف المُلك والملكوت الى معراج المؤمن في سجوده.. بالوجه الخاص..تنبيه
u اعلم! ان هاتيك البراهين على هذا المطلب العالي، كالدائرة المحيطة بالمركز، وكل نقطة من المحيط كمنفذ ينظر بلونه المخصوص الى المركز، وبين النقاط تساندٌ يزيل ضعفَ الأفراد الخصوصية، ويتولد من مجموع البراهين حدسٌ صادقٌ ينظَّم الى نور الاسلام، ثم يُنَظَّم الى التسليم لطور النبوة، ثم يُنظَّم لنور الايمان القيوم للمطلوب. وما البراهين الا منابع لتحلُّب هذا الحدس، فضعف الفرد يزول بسرّ التساند.. ومع فرض عدم زواله لايسقط الفردُ عن الجزئية وعن الاعتبار، بل عن الاستقلالية

_____________________
1 اي المكتوبة.



المثنوي العربي النوري - ص: 124
والبرهانية.. ومع فرض إبطال الفرد لاتبطل الدائرةُ بل تتصاغر.. وبفرض إبطالها لايزول الحدسُ الصادق.. وبفرض زواله فلا بأس ايضاً.. اذ نور الاسلام قائم، وبعدَه التسليمُ لطور النبوة لايتزلزل.. وبعدَه نور الايمان الموهوب قيومٌ. فطلبُ قوةِ وضوحِ المطلوب المترتب على مجموع البراهين من كل فردٍ على حدة بجزئية الذهن من مرض النفس، الذي يزيد مرضَها ويلقنها ملَكةُ الرد والانكار.. اللهم احفظنا!. فالبرهان الواحد اولاً يُنظر به الى المطلوب، ثم يتشرب انموذجُ المجموع فتتساقط عنه الاوهامُ.اعلم! ايضاً ان من البراهين ماهو كالماء، ومنها ما هو كالهواء، ومنها ماهو كالضياء، لابد من التوجه بلطفٍ ووُسعة نظرٍ في لينة؛ والاّ فبالحرص والتعمق والجسّ باصابع التحري يسيلُ ويزولُ ويختفي. 1
ثم اعلم! ان النظر الى شجرة ذات اغصان وفروع وثمرات لمعرفة حياتها وطعمها ودرجة قوتها على قسمين:
نظرٌ من طرف الاصل والجرثوم، فهذا نظر سهل وبسيط مستقيم متين.
والثاني: من طرف الثمرات والفروعات، فهذا النظر بدون النظر الاول سقيم موصلٌ الى الضلالات.
كذلك ان شجرة الاسلامية جرثومها في السماء، اغصانها منتشرة في آفاق الكثرة، فلمعرفتها نظران؛ وللدخول في دائرتها طريقان:
فالنظر الاول:
هو النظر من جانب الاصل، فاذا نظر الموفَّق الى الجرثوم يرى فيها حوضاً عظيماً منبعهُ الصافي هو الوحي المحض، فتزايدَ الحوضُ بتحلّب الآيات الآفاقية والأنفسية، فمن ذلك الحوض الممتزج مادة حياة الثمرات وغذائها. فاثبات حياة ثمرة واحدة تكفي لاثبات سائر اخواتها، بل - وكذا - تدل على حياة شجرتها مع ان اثبات حياة الثمرة سهل سريع يحصل برؤية الاتصال فقط. وابطالها وزوالها عسير بطئ

_____________________
1 تفصيل هذه البراهين في "زهرة من رياض القرآن" ص 280 وفي المذكرة العاشرة من اللمعة السابعة عشرة.



المثنوي العربي النوري - ص: 125
لايقتدر على ابطالها مع بقاء الاتصال، وعلى منبع سريان الحياة اليها مالايقتدر على قلع الاصل. ولو صادف هذا النظر بين الثمرات ميتة يابسة حَكَمَ بانها دخيلة ويحيل موتَها على الاسباب الخارجية. هذا النظر هو النظر الايماني والاسلامي والمستقيم السهل والمنقاد لطور النبوة.. اللهم ارزقنا وثبتنا عليه.
والنظر الثاني:
السقيم الذي هو منشأ الضلالات ومعدن الاضطرابات، هو النظر من جانب الثمرات بنظر تنقيدي.. وفي هذا النظر يحتاج في كل ثمرة الى الاثبات والذوق لفقد الاتصال هنا، مع ان اثبات ثمرةٍٍ فردةٍ وايصال مادة غذائها عسير يحتاج الى مايحتاج اليه تمامُ الاصل، مع ان زوالها وبطلانها سريع يحصل بادنى شئ. ولو صادف بينها ميتة يابسة احالها على موت الاصل.. اعاذنا الله من هذا النظر. لكن لو كان هذا النظر تابعاً للنظر الاول كان حسناً وسبباً لاطمئنان النفس..
سعيد النورسي


المثنوي العربي النوري - ص: 126
خاتمة هذا المبحث
في اربـعـــة امــراض 1
الاول: اليأس.. اعلم! انك اذا تدهّشت من العذاب وما وُفِّقتَ للعمل، تتمنى عدمَ العذاب، فتتحرى ما ينافيه، فترى الامارات المنافية براهينَ، فتخطفك الشياطين؛ فاستمع بقلب شهيد قوله تعالى:
(قُلْ يا عِبَادي الذينَ أسرفوا على أنفُسهِم لاتَقنَطوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ الله يَغفِرُ الذُنوبَ جَميعاً إنَّهُ هوَ الغَفورُ الرحيمُ) 2.والثاني: العُجُب..
نعم يانفس! 3 ايستَ ثم تَحريتَ ماتستند اليه في مقابلة العذاب، فرأيت محاسنك، فوقعت في ضلالةٍ من باب العُجب، مع انه لاحقَّ لك قطعاً في شئ من الكمالات، فتأمل..
يانفسي! هذا الوجود الذي سكنته ما هو صنعتُك حتى تتملك وما هو لقيطةٌ التقطتها، حتى يُتَمَلَّك. وما هو نتيجة تصادفٍ اعمى واتفاقية عوراء واسباب جامدة حتى يُقتطف ويُتملك. وليس شيئاً رخيصاً بلا اهمية تافهاً سدىً اعرض عنه مالكهُ حتى تأخذَه وتتملَّكه، بل هذا الوجود بعجائب صنعته وغرائب نقشه يدل على انه خرج من يدِ صانعٍ حكيم، مهيمن عليه دائماً..

_____________________
1 في (ط1) اربعة امراض مضلة.
2 الزمر : 53
3 ذكّر النفس لان المقصود منه الانسان وفي (ت 59) يا اخي.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - قطرة

المثنوي العربي النوري - ص: 127
الا تَرى انه ليس في يدك من تصاريف هذا الوجود من ملايين تصرفاتٍ الاّ تصرفٌ واحد مشكوكٌ هو حجتُه عليك..
وكذا الا ترى انك اشرف الاسباب وأوسعها اختياراً واظهرُ افعالك الاختيارية الاكل والكلام، مع انه ليس في يدك من مائة جزءٍ منهما الاّ جزءٌ واحد..
وكذا ان اضيقَ خاصياتك الاختيارُ واوسَع حواسك الخيالُ، مع ان الخيال لايحيط بالعقل وثمراته، فكيف تُدخِله تحت دائرة الاختيار فتفتخر به؟.
وكذا تجري فيك وعليك افاعيلٌ لايلحقها شعورك مع انها شعورية، فصانعهما ذو شعور سميع بصير، لا انت ولا الاسباب العُمي الصُم. فلابد ان تتبرأ من دعوى المالكية وتوهُم مصدرية المحاسن، وتعترف بانه: ليس اليك منك الا النقصان والقصور؛ اذ بسوء اختيارك تغير صورة فيضِ الكمال المفاض عليك.. وبانَّ الجسد الذي هو منزلك عاريةٌ وامانة وانت مسافر، ومحاسنك هذه موهوبةٌ وسيئاتِك مكسوبة لك، فلابد ان تقول: له الملك وله الحمد ولاحول ولاقوة الاّ بالله..والثالث: الغرور..
وكذا من مرضك غرورك، فبحُكمهِ نظرتَ الى الاسلاف العظام من بُعدٍ فتصاغروا في عينك، فحُرِمْتَ محاسنَ ارشاداتهم، وابتليتَ بالاوهام المتطايرة من تحت اقدامهم في سلوكهم مع اوهامك. فانظر اليهم من قُربٍ تَرَهُم اعاظمَ كشفوا في اربعين يوماً ما لم تقتدر على كشفه إلاّ في اربعين سنة.والرابع: سوء الظن..
وكذا من مرضك سوء الظن، فبحُكم أن الجائع يتوهم الناسَ جياعاً، اسأت الظن بسبب مرضك وريائك باولئك الاسلاف العظام. فقد رأيت انك بغمضِ عينك جعلتَ النهارَ ليلاً على نفسك فقط.
اللّهم احفظنا من اليأس وسوء الظن والعجب والغرور، آمين..
***


المثنوي العربي النوري - ص: 128
ثم قد شاهدت في سياحة تحت الارض المعنوية وفي بطنها حقائق:الحقيقة الاولى:
اعلم! ان الغفلة عن المالك الحقيقي جل جلاله، سببٌ لفرعونية النفس، فتتوهم نفسَها مالكةً لها، فيتشكل في وهمها دائرةٌ لحاكميتها، ثم تقيس الناسَ بل الاسباب على نفسها، فتقسم مال الله عليها، فتعارض الاحكام الالهية، وتبارز مع مقدرات خالقها؛ مع ان الحكمة في اعطاء انانيةٍ لها، ان تصير واحداً قياسياً لفهم صفات الالوهية، فاساءت بسوء الاختيار، فصرفَتْها في غير ماوُضِعَت له..
ياايها الناظر!
ان هذه الحقيقة الدقيقة الرقيقة صارت مشهودةً لي بتمام ظهورها، فرأيت أن ما في النفس من "انا" المتنبت بماء الغفلة هو "نقطة سوداء" تصير واحداً قياسياً لِفَهمِ صفات خالقها الذي لاشريكَ له، لا في ملكه ولا في ربوبيته ولا في الوهيته.
اذ معرفة الناس للاشياء اولاً نسبية وقياسية. وتفهّم الصفات المحيطة التي لاحد لها، يحصل بتوهم الحد.
فـ"انا" يتجاوز عن حده.. فيتوهم الحدَّ، فيقيس، فيفهم.. فيرجع الى حده، فيزول الحد الموهوم.. فيصير أولاً سمكاً، وثانياً حَبابا. فقد مَرّ:
ان النفس ليست مالكة لنفسها ولالجسمها، اذ ما هو 1 لقيطة ولانتيجة تصادف، ولاشئ تافه، ولامتشكل بنفسه؛ بل هو ماكينة دقيقة عجيبة إلهية يعمل فيه في كل وقت قلمُ القدرة بيد القضاء والقدر.
فيا ايتها النفس!
تفرّغي من هذه الدعوى الباطلة، وسلمي الملك الى مالكه، وكوني امينة على هذه الامانة.

_____________________
1 اي : الجسم



المثنوي العربي النوري - ص: 130
الحقيقة الثانية:اعلمي! يا ايتها النفس الامارة! ان لك دنيا هي قصر، واسعة مبنية بآمالك وتعلقاتك واحتياجاتك الى الاكوان، فالحجر الاساس، في ذلك القصر والاصل الاول والعمود الفريد، هو وجودك وحياتك، مع ان هذا العمود مدوّد، وهذا (التمل جوروك) والاساس فاسد ضعيف مهيأ للخراب في كل آن. فليس هذا الجسم بأبديّ ولا من حديد ولاحجر؛ بل من لحم ودم مهئٍ لان يتفرق في كل آن، فبانحلاله تنفلق عنك هذه الدنيا بحذافيرها، فتخرب على رأسك دنياك. فانظري الى الماضي اذ هو قبر واسع خرب على رأس كل ميتٍ كان مِثلُك في دنياه. والمستقبل ايضاً قبر واسع يكون مثله. وانت الآن بين ضغطة القبرين، كما ان امس قبرُ أبي، وغداً قبري، وانا ايضاً بين ضغطة القبرين. فالدنيا مع انها واحدة؛ تداخلتْ واندمجت فيها - لكل احد - دُنياً بتمامها، فهي شخصية كلية، مَن مات قامتْ قيامتهُ..الحقيقة الثالثة
قد شاهدتُ ان الدنيا بجميع لذائذها حمل ثقيل، وقيدٌ لايرضى بها الا المريضُ الفاسد الروح؛ فبدلاً من التعلقات بالكائنات، والاحتياجات الى كل الاسباب، والتملق لكل الوسائط، والتذبذب بين الارباب المتشاكسين الصم العمي؛ لابد من الالتجاء الى الرب الواحد السميع البصير الذي إن توكلتَ عليه فهو حسبُك.الحقيقة الرابعة
اعلم! يا انا، ان ما التفت على رأسك من سلاسل الايجاد العلمية، واتصلت بانانيتك من سطور الصنائع الشعورية، وما اخذت بايدي حوائج ذاتك من وسائل المدد والاجابة، تدل على ان موجدك وصانعك ومغيثك يسمع انينات 1 فاقاتك، فيتحنن لها، ونداء حاجاتك وآمالك، فيتعرف بتعهّدها؛ 2 اذ ذلك الصانع والموجد يغيث ويلبي نداء حاجة حجيراتك الصغيرة بالمشاهدة؛ فكيف لايجيب ولايغيث - وهو السميع البصير - لدعائك.

_____________________
1 الانين: صوت توجع وألم .. ج : انات . والمقصود هنا انين كل فاقة.
2 اي: بتعهده وتفضله سبحانه لتلك الحاجات يتعرف اليه الانسان.




المثنوي العربي النوري - ص: 131
ايتها الحجيرة الكبرى المعبرة بأنا، المركبة من تلك الحجيرات! فقل 1 يا الهي، ياربي، ياخالقي، يامصوري، يامالكي، ياسيدي، يامولاي لك الملك ولك الحمد: انا مسافر في وديعتك وامانتك ومملوكك الذي هو هذا الجسم بمشتملاته.
فيا انا لِمَ تتملك ما لايصير لك ملكاً؟ فتفرَّغْ من هذه الدعوى الباطلة، اذ توهم التملك يوقعك في ألم أليم. فانظر الى الشفقة التي هي من مزينات الروح ومراوحه 2، لو بُنيتْ على توهمك هذا لانقلبت نكالاً مزعجاً للروح.
مثلاً: اذا رأيت يتيماً واحداً ضعيفاً فقيراً له بيت صغير ومُلك قليل يتهاجم عليه الوفٌ من القاسية القلوب، كيف تتألم بألمه؟! ولو تزايد مثل هذه الواقعة الى مالاحد له تتزايد الآلام المنعكسة اليك بنسبته. واما اذا رأيت أحدَ نفرِ العسكر للسلطان، قد احترق مسكنهُ او غُصِبَ مَركَبه - بغير قصورك وبأذن السلطان - لاتتوجع على النفر؛ اذ المالُ للسلطان الذي لايتأثر بمثل هذا النقصان، ولايتأثر العساكر بضياعه تأثراً عميقاً؛ اذ ليس هو ملكه وهو فقير بل ملكُ غني خُرّب مالهُ بواسطة اخرى، بل تترحم بحساب السلطان وبنظر رحمة السلطان. فالشفقة على خلق الله من حيث هو خلق الله، كلما تزايدت تنبسط الروحُ. والشفقة الناشئة من الغفلة والمبنية على توهم المالكية بتزايدها ينقبض الروح ويتألم القلب بظلمة الغموم.
كذلك: ان النظر الايماني والتوحيدي يرى كلَّ ذي حياة يتصرف في وجوده، كالامير المستأجَر على السفينة للسلطان الذي يتصرف في ملكه كيف يشآء. فهذا النظر لايرى النملة ولا النحلة الصغيرة الفقيرة تصارع الاسباب الظالمة المهاجمة، بل يرى النملة والنحلة تتصرفان في سفينة برية وطيارة هوائية، زمامهما وناصيتهما تصل بيد قدرة قدير، تتصاغر الاسبابُ الهاجمة في نظر راكبهما. انما النملة وكذا النحلة تصارع الاسباب - ولو عظمت - بالاستناد بمالكه الحقيقي.
واذا قيل عند المصيبة
(إنّا لله وإنّا الَيهِ رَاجِعُونَ) 3 فمعناه: المالُ له، وأنا في أمره، وإليه اذهبُ، ما عليّ لو لم اقصّر في حفظه. مثلُه كمثل نفرٍ هجم على ما في يده من مال السلطان بعضُ الناس. يقول النفر: انا وما معي للسلطان واليه اذهب، فان كان بإذنه فلا عليّ.. واما اذا نظر بنظر توهم التملك انقلبت الشفقةُ ناراً محرقة لمن له قلب؛ اذ يصير كل الحيوانات مثل اليتيم المذكور ويُرى في الكون مأتماً عمومياً..

_____________________
1 فقل يا انا..
2 مروّح : مطّيب
3 البقرة : 156



المثنوي العربي النوري - ص: 132
الباب الثانى 1
فى
ســـــبـحـان الله
بسم الله الرحمــن الرحيم
سُبحان الله القادر المطلق بالقدرة الذاتية، والغني المطلق المتقدس المتنزّه عن العَجز والاحتياج.
سُبحانَ الله الكامل المطلق في ذاته، وصفاته، وافعاله، المتقدس المتنزّه عن القصور والنقصان؛ اذ كمال آثاره دالٌّ على كمال افعاله، وهو على كمال اسمائه، وهو على كمال أوصافه، وهو على كمال ذاته جل جلاله. بل مجموع ما في الكائنات والمصنوعات من الكمال والجمال؛ انما هو ظلٌّ ضعيف بالنسبة لكماله وجماله بالحَدس الصادق، وبالبرهان القاطع، وباجماع جماعاتٍ عظام متواترين متفقين بالكشف والذوق والشهود والمشاهدة: على ظلية كمال الكائنات بل كل الأكوان لأنوار واجب الوجود.
سبحان الله الواحد الاحد المتقدس المتنزّه عن الشركاء، لاشريك له؛ لا في ملكه لواحدانية الأثر الدالة على وحدة المؤثر، ولا في ربوبيته لاتحاد القلم، ولا في الوهيته المستلزمة للانفراد والاستقلال بالذات.
سبحان الله القدير الأزلي المتقدس المتنزّه عن المعين والوزراء؛ لامتناع التحديد والانتهاء في القدرة الكاملة الغير المتناهية بواسطة الممكن المتناهي..
_____________________
1 [ايضاح هذا الباب الثاني الذي يخص "سبحان الله " في اللمعةالعربية التاسعة والعشرين وفي مواضع عدة من رسائل النور، لذا جاء هنا مختصراً] المؤلف.




المثنوي العربي النوري - ص: 133
سبحان الله القديم الأزلي المتقدس المتنزّه عن مماثلة المحدثات..
سبحان الله الواجب الوجود المتقدس المتنزّه عن لوازم ماهيات الممكنات..
سبحان الله الذى له المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم المتقدس المتنزّه عما تصفه العقائد الباطلة الخاطئة، وعما تتصوره الاوهام الباطلة القاصرة، وعن كل النقائص؛ اذ هي إما من الأعدام، او الى الأعدام. فكيف تصل الى ذيل الوجود الواجب؟! ..
سبحان الله السرمدي الابدي المتقدس المتنزّه عن التغير والتبدل اللازمين للكثرة والامكان والمنافيين للوجوب والوحدة..
سبحان الله خالق الكون والمكان، المتقدس المتنزّه عن التحيّز والتجزء المنافيين للغناء الذاتي.
سبحان الله القديم الباقي المتقدس المتنزّه عن الحدوث والزوال.
سبحان الله الواجب الوجود المتقدس المتنزّه عما لايليق بجنابه من الحلول والاتحاد - ما للتراب ولرب الارباب! - ومن الحصر والتحديد المستلزمين للمحكومية؛ ومن الوالد والولد تعالى الله عَمَّا يقول الظَّالمون عُلوّاً كبيراً.
سبحان الله الذي تسبح له الملائكة كلهم ويسبح له ما في السموات وما في الارض، بما على جباهها من نقوش قلم القَدَر..
***


المثنوي العربي النوري - ص: 134
الباب الثالث 1
فى
الحـــــمـد لله
بسم الله الرحمــن الرحيم
الحمد لله الذي تحمِد له وتثني عليه باظهار صفاته الكمالية هذه العوالمُ بجميع ألسنتها الحالية والقالية؛ اذ العوالم بانواعها، واركانها، واعضائها، واجزائها، وذراتها، واثيرها؛ بألسنةِ حدوثها وإمكاناتها، واحتياجاتها، وافتقاراتها، وحكمتها، وصنعتها، ونظامها، وموازنتها، واتقانها، وكمالاتها، وعباداتها، وتسبيحاتها.. ألسنات مسبّحات تاليات لأوصاف جلاله بانه: هو الله الواجب الوجود القديم السرمدي الأبدي الواحد الاحد الفرد الصمد العزيز الجبار المتكبر القهار.. وكذا حامداتٌ تاليات لأوصاف جماله قائلات بان: خالقنا رحمن، رحيم، رزاق، كريم، جواد، ودود، فياض، لطيف، محسن، جميل.. وكذا ذاكرات تاليات لأوصاف كماله ناطقات - قالاً وحالاً - بان خالقنا ومالكنا: حيٌّ، قيوم، عليم، حكيم، قدير، مريد، سميع، بصير، متكلم، شهيد.. وكذا ألسنات تاليات لاسمائه الحسنى المتجلية في الكائنات.
ثم، الحمد لله الذي تحمده وتسبح له وتثني عليه باظهار صفاته الكمالية هذه الكائناتُ بجميع ما فيها؛ اذ هذا الكتاب الكبير بجميع ابوابه وفصوله وصحفه وسطوره وجُمَله وحروفه؛ بحكمتها وصنعتها بصفاتها ونقوشها، كلٌ بقدرِ نسبته
_____________________
1 [ لقد كتب هذا الباب المهم في "الحمد لله" كتابةً مفصلة في الرسالة العربية "التفكر الايماني الرفيع" (اللمعة التاسعة والعشرين) لذا جاء هنا مختصراً] . المؤلف.



المثنوي العربي النوري - ص: 135
مظاهرٌ متفاوتة ومرايا متنوعة لتجليات بوارق اوصاف جلاله واضواء اوصاف جماله وانوار اوصاف كماله واشعات اسمائه الحسنى..
الحمد لله على نعمة الوجود الذي هو الخير المحض، وعلى نعمة الحياة التي هي كمال الوجود، وعلى نعمة الايمان الذي هو كمال الحياة بل حياة الحياة..
الحمد لله على نور الايمان المزيلِ عنا ظلمات الجهات الستة، والمنوّر الجهات الافاقية والانفسية، والنَيِّرِ الذي فيه الانوار الستة ومنه الاضواء الثلاثة المنعكسِ من شمس معرفة سلطان الازل.
الحمد لله على الايمان بالله، اذ به يخلص الروح من ظلمات الأعدام ووحشة الاكوان ومن المأتم العمومي، ومِن، ومِن، ومِن، ومِن، ومِن الى ما لايحد مِن الاهوال المحرقة للروح..
الحمد لله على نور الايمان الذي ارانا ملجأ، محسناً، كريماً، ودوداً، رؤوفاً، رحيماً؛ اذ الايمان هو المنوّر لنا الحياة الابدية، والمبشر المضئ لنا السعادة الابدية، وهو المحتوي على نقطتي الاستناد والاستمداد، وهو الدافع لحجاب المأتم العمومي عن وجه الرحمة المرسَلة على وجه الكائنات، وهو المزيل للآلام الفراقية عن اللذائذ المشروعة باراءة دوران الامثال، ويديم النعم معنىً باراءة شجرة الانعام..
وكذا يبدّل نور الايمان ما يُتوهم من الكائنات اعداءاً أجانب امواتاً موحشين؛ ويحولها أودّاء اخواناً احياء مؤنسين.
وكذا يصور ذلك النور كلَّ الكائنات ومجموع الدارين مملؤاً من الرحمة هديةً لكل مؤمن حقاً - بلا مزاحم - يستفيد من جميعها بوسائطها وحواسها المتنوعة الكثيرة الموهوبة، فحُقَّ له وعليه ان يقول: "الحمد لله على كل مصنوعاته". ولازمٌ له وواجب عليه ان لايرضى بمَن ليس كل الكائنات في يده يهديها لمن يشاء، رباً ومعبوداً ومحبوباً ومقصوداً..
الحمد لله رب العالمين على رحمته على العالمين التي هي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، اذ به وبرسالته استثبت واستقر ما انطفأ تحت كثافة الفلسفة ما في سائر الاديان من انوار


المثنوي العربي النوري - ص: 136
فكر الالوهية.. وكذا برسالته تظاهر للبشر مرضيات رب العالمين.. وكذا به اهتدى البشر الى الايمان الذي هو نور الكون والوجود..
الحمد لله على نعمة الاسلامية التي هي مرضيات رب العالمين؛ اذ الاسلام هو الذي أرانا ما يرضى به ويريده ويحبه ربُّنا وربُّ العالمين ورب السموات والارضين.
الحمد لله على نور الايمان المستضئ بضياء: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لابد للحامد أن ينظر من النعمة الى الاِنعام، ليرى ان المُنعم أبصرُ به واقربُ منه اليه يتعرّف بالانعام، ويتوَدّد بالاحسان، ويتحبب بالاكرام الى الانسان. فالانسان انما يكون شاكراً اذا استشعر ذلك التعرّف والتودّد.
***

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - قطرة

المثنوي العربي النوري - ص: 137
الباب الرابع
فى الله اكبر
هذا الباب قسمان: هذا القسم الاول بغاية الاجمال، والقسم الثاني فيه ايضاح تام.
القسم الاول
بسم الله الرحمن الرحيم
الله اكبر.. من كل شئ، اذ هو القدير على كل شئ، بقدرة لانهاية لها بوجه من الوجوه، تتساوى بالنسبة اليها الذراتُ والنجومُ والجزءُ والكلُ والفردُ والنوعُ بسرّ: (مَا خَلْقُكُمْ ولابَعْثُكُم إلاّ كَنَفسٍ واحِدَةٍ) 1.
نعم! ان الذرة والجزء والفرد ليست بأقل جزالةً من النجم والنوع والكل.
الله اكبر.. اذ هو العليم بكل شئ بعلمٍ لانهاية له بوجه من الوجوه لازمٍ 2 ذاتي للذات، فلايمكن ان ينفكَّ عنه شئ بسر الحضور.. وما في الكائنات من الحكمة العامة، والعناية التامة، والشعور المحيط، والاقضية المنتظمة، والاقدار المثمرة، والآجال المعينة، والارزاق المقنّنة، والرحمات المتنوعة، والاتقانات المفننة، والاهتمام المزين..
_____________________
1 لقمان : 28
2 كلزوم الضياء المحيط للشمس، ولله المثل الاعلى



المثنوي العربي النوري - ص: 138
شاهدات على احاطة علمه تعالى بكل شئ بسر:(ألا يَعلَمُ مَنْ خَلَق وهُو اللّطيفُ الخَبيرُ) 1 جل جلاله.
الله اكبر.. اذ هو المريد لكل شئ؛ اذ تردد الكائنات بين الامكانات الغير المحدودة، ثم تنظيمها بهذا النظام وموازنتها بهذا الميزان، وخلقُ المختلفات المنتظمة - كالشجر باوراقها وازهارها ثمراتها مثلاً - من البسيط الجامد.. شاهدات على عموم ارادته تعالى، ومستلزمة لـ: ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن. جل جلاله..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو الشمس الازلي الذي هذه الكائنات ظلالُ انواره وتجليات اسمائه وآثار افعاله باتفاق اهل الشهود.
الله اكبر.. من كل شئ.. وان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو السلطان الازلي الذي هذه العوالم بتمامها في تصرف قبضتي نظامه وميزانه جل جلاله..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو الحاكم الازلي الذي نظّم الكائنات بقوانين سنته، ودساتير قضائه وقَدَره، ونواميس مشيئته وحكمته، وجلوات عنايته ورحمته، وتجليات اسمائه وصفاته. وما القوانين والنواميس الاّ اسماءٌ لتجلي مجموع العلم والأمر والارادة على الانواع..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو الصانع الازلي الذي هذا العالمُ الكبير ابداعهُ وانشاؤه وصنعته، وهذا العالمُ الصغير ايجادهُ وبناؤه وصبغته.. وعلى جوانبهما بل على كل جزء من اجزائهما سكتُه..
الله اكبر.. ان قلت: لِمَ ومَن هو؟ قيل لك: اذ هو النقاش الازلي الذي هذه الكائناتُ خطوطُ قلمِ قضائه وقَدَره، ونقوشُ بركار 2 حكمته، وثمرات فياض 3 رحمته، وتزييناتُ يدِ بيضاء عنايته، وازاهيرُ لطائف كَرَمه، ولمعاتُ تجليات جماله..
تنبيه:
احكام هذه الابواب الثلاثة 4 تشربت براهينها تعرف بالدقة، في قيودها دلائل الاحكام.
_____________________
1 الملك : 14
2 بركار آلة هندسية معروفة لرسم الدوائر
3 الفيّاض : الكثير الماء.
4 اي: "سبحان الله والحمد لله والله اكبر".



المثنوي العربي النوري - ص: 139
الله اكبر.. ان قلت: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو القدير الازلي الذي هذه الموجودات معجزات قدرته. تشهد تلك المعجزات على انه على كل شئ قدير. لم يخرج ولن يخرج عن حكم قدرته شئٌ تتساوى بالنسبة اليه الذراتُ والشموس..
الله اكبر.. إن قلتَ: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى. الذي هذه الاجرام العلوية نيّرات براهين الوهيته وعظمته، وشعاعات شواهد ربوبيته وعزته جل جلاله..
الله اكبر.. ان قلت: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو الخالق لكل شئ، اذ هو الرزاق لكل حي، وهو المنعم لكل النِعَم، وهو الرحمن في الدارين؛ مِن عظيمِ رحمتهِ سيدنا "محمد" عليه الصلاة والسلام، و"الجنة". وهو الرب لكل شئ، وهو المدبّر لكل شئ وهو المربي لكل شئ..
الله اكبر.. ان قلتَ: مَن هو؟ قيل لك: اذ هو المصور لكل شئ، وهو المتصرف في كل شئ، وهو النظّام لهذا العالم.
الله اكبر.. واعظم واجلّ مِن ان يحيط به الافكارُ والعقول، وارفعُ واعلى واجلّ وانزَه من أن يناله العجزُ والقصور..
الله اكبر من كل شئ؛ اي ما يكون لأجله اكبر، وأعلى، وأحسن، وأولى.. وما يكون به اعظم واجلّ..
***
تنبيه
هذه الكلمات المباركة التي تتكرّر بعد الصلوات؛ شاهَدتُ انها ليست تكراراً، بل تأسيسٌ - كما اشير اليه في الابواب - او تأكيد في تأسيس معانيها متساندةً لا متحدةً.
مثلاً: رميتَ حجراً في وسط حوضٍ كبير تقول للدائرة المتشكلة من وقوع الحجر: واسعة.. واسعة.. واسعة.. كلما تتلفظ بواسعة تتظاهر دائرةٌ اوسع. وكذا تأكيدٌ في المعنى، تأسيسٌ في المقاصد والثمرات.
***


المثنوي العربي النوري - ص: 140
ان قلت: ما معنى "الله اكبر" من كل شئ. ماقيمة "الممكن" حتى يقال: "الواجب" اكبر منه؟ اين (الخالقين.. والراحمين) غيرهُ تعالى حتى يُقال (احسنُ الخالقين) و (ارحم الراحمين)؟
قيل لك: اي: ماكان منه اكبرُ واعلى، وما كان له احسنُ وأولى، وما كان به اعظمُ واجلُّ. وهو في ذاته اكبرُ من كل ما يتصوره العقول.. وكذا لابد ان يكون اكبر في قلوبكم وأهم من كل مقاصدكم ومطالبكم.. وكذا اكبر واعظم من ان يستره ويحجبه حجاب الكائنات.
واما "احسن الخالقين"! اي: هو في ذاته احسنُ من الخالقين الذين في مرايا العقول بتجلي صفة الخالقية فيها، كالشمس في المرايا. يقال: الشمسُ في ذاتها انورُ من تماثيلها المنورين في المرايا.. وكذا احسنُ في مرتبة وجوبه من الخالقين الموهومين في فرض الاوهام.. وايضاً نظرنا الوهمي الظاهري لما يرى الاثار من الاسباب ويتوهم الخالقية، اي: هو احسنُ خالقاً بلا حجاب الاسباب، فلابد ان يُتَوَجّه اليه بالذات، ولا يُبالى بالاسباب الظاهرية.. وكذا ان نسبة المفاضلة تنظر الينا والى الاشياء التي تتعلق بنا، لافي نفس الامر، كما يُقال لنفرٍ في وظيفة جزئية: السلطانُ احسن واعظم. اي: مدخله في وظيفتك هذه أزيد؛ فلابد ان تلاحظه ازيد من سائر امرائك الظاهرية.
الله اكبر واجلّ من ان تحيط به الافكار والعقول.. وارفع وانزه من ان يناله العجز والقصور.. وهو الكامل المطلق في ذاته، وصفاته، وافعاله، جل جلاله..
***


المثنوي العربي النوري - ص: 141
الباب الرابع المفصل
فى مراتب
الله اكبر
القسم الثاني
[ سنذكر سبعاً من ثلاث وثلاثين مرتبة لهذا الباب، حيث قد ذُكر قسمٌ مهم من تلك المراتب في المقام الثاني من المكتوب العشرين، وفي نهاية الموقف الثاني من الكلمة الثانية والثلاثين، وبداية الموقف الثالث منها، فمن شاء ان يطلع على حقيقة هذه المراتب فليراجع تلك الرسائل].
المرتبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَقُلِ الحَمْدُ لله الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَليّ ٌ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبيراً) 1 . لَبَيكَ وَسَعْدَيكَ جل جلاله. الله اكْبَرُ مِنْ كُلِّ شئٍ قُدرَة ً وَعِلماً، إذْ هُوَ الخَالِقُ البارىءُ المُصَوِّرُ الَّذي: صَنَعَ الانسَانَ بقُدرَتهِ

_____________________
1 الاسراء : 111



المثنوي العربي النوري - ص: 142
كالكَائِنَاتِ، وَكَتَبَ الكَائِنَاتِ بقَلَمِ قَدَرِهِ كَمَا كَتَبَ الانسَانَ بذَلِكَ القَلَمِ. إذْ ذاكَ العَالَمُ الكَبيرُ، كَهَذَا العَالَمِ الصغيرِ: مَصنُوعُ قُدرَتِهِ، مَكتُوبُ قَدَرِهِ. إبدَاعُهُ لِذَاكَ صَيَّرَهُ مَسْجداً، اِيجَادُهُ لهذا صَيَّرَهُ ساجِداً. إنْشَاؤُهُ لِذَاكَ صَيَّرَ ذاكَ مُلكاً، بِنَاؤُهُ لِهذا صَيَّرَهُ مَملُوكَاً. صَنْعَتُهُ في ذاكَ تَظَاهَرَتْ كِتَابَاً، صِبْغَتُهُ في هَذا تَزَاهَرَتْ خِطابَاً. قُدرَتُهُ في ذاكَ تُظهِرُ حِشمَتَهُ، رَحْمَتُهُ في هَذا تَنظِمُ نِعْمَتَهُ. حِشمَتُهُ في ذاكَ تَشْهَدُ هُوَ الوَاحِدُ. نِعْمَتُهُ في هَذا تُعلِنُ هُوَ الأحَدُ. سِكَّتُهُ في ذَاك في الكُلِّ وَالاَجْزَاءِ سُكونَاً حَرَكَةً. خاتَمُهُ في هَذا في الجِسمِ وَالاَعْضآءِ، حُجَيْرَة ً ذَرَّةً..
فَانْظُرْ إلى آثَارهِ المُتَّسِقَةِ كيفَ تَرى - كَالفَلَقِ - سَخَاوَةً مُطْلَقَةً مَعَ انْتِظَامٍ مُطْلَقٍ، في سُرْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّزَانٍ مُطْلَقٍ، في سُهُولَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتْقَانٍ مُطْلَقٍ، في وُسْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ حُسْنِ صُنْعٍ مُطْلَقٍ، في بُعْدَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّفَاقٍ مُطْلَقٍ، في خِلْطَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ امْتِيَازٍ مُطْلَقٍ، في رُخْصَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ غُلُوٍّ مُطْلَقٍ، فَهَذهِ الكَيْفِيَّةُ المَشْهُودَةُ شَاهِدَةٌ للعَاقِلِ المُحَقِّقِ، مُجْبِرَةٌ للاَحْمَقِ المُنَافِقِ، عَلى قَبُولِ الصَنْعَةِ وَالوَحْدَةِ للحَقِّ ذي القُدْرَةِ المُطْلَقَةِ وَهُوَ العَليِمُ المُطْلَقُ.
وَفي الوَحْدَةِ سُهُولَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَفي الكَثْرَةِ وَالشِّرْكَةِ صُعُوبَةٌ مُنغَلِقَةٌ. إنْ اُسْنِدَ كُلُّ الاَشْيَاءِ للِوَاحِدِ؛ فَالكَائِنَاتُ كَالنَّخْلَةِ وَالنَّخْلَةُ كَالثَّمَرَةِ سُهُولَةً في الابْتِدَاعِ.. وَإنْ اُسْنِدَ للِكَثْرَةِ فَالنَّخْلةُ كَالكَائِنَاتِ وَالثَّمَرَةُ كَالشَّجَرَاتِ صُعُوبَةً في الامْتِنَاعِ؛ إذْ الوَاحِدُ بِالفَعْلِ الوَاحِدِ يُحَصِّلُ نَتِيجَة ً ووَضْعيِة ً للكَثيرِ بِلا كُلْفَةٍ ولا مُبَاشَرَةٍ؛ لَوْ اُحِيلَتْ تِلْكَ الوَضِْعيَّةُ وَالنَّتيجَةُ إلى الكَثرَةِ لا يُمْكنُ أنْ تَصِلَ إلَيهَا إلاّ بِتَكَلُّفَاتٍ وَمُبَاشَرَاتٍ وَمُشَاجَرَاتٍ، كَالاَمِيرِ مَعَ النَّفَرَاتِ وَالبَانِي مَعَ الحَجَراتِ وَالاَرضِ مَعَ السَّيَّارَاتِ والفَوَّارَةِ مَعَ القَطَرَاتِ وَنُقطَةِ المَرْكَزِ مَعَ النُّقَطِ في الدَّائِرَةِ:


المثنوي العربي النوري - ص: 143
بِسِرِّ: أنَّ في الوَحْدَةِ يَقُومُ الانتسَابُ مَقَامَ قُدْرَةٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ. وَلا يُضْطَرُ السَّبَبُ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ، وَيتعَاظَمُ الاَثَرُ بالنِّسْبَةِ إلى المُسْنَدِ إلَيهِ. وَفي الشِّرْكَةِ يُضْطَرُّ كُلُّ سَبَبٍ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ، فَيَتَصاغَرُ الاَثَرُ بِنِسْبَةِ جِرْمِهِ. وَمِنْ هُنَا غَلَبَتِ النَّمْلَةُ وَالذُّبَابَةُ عَلى الجَبابِرَةِ، وَحَمَلَتِ النَّوَاةُ الصَّغِيرَةُ شَجَرَةً عَظِيمة.
وَبِسِرِّ: أنَّ في إسْنادِ كُلِّ الاشياءِ إلى الوَاحِدِ لايَكُونُ الايجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَقِ، بَلْ يَكُونُ الايجَادُ عَيْنَ نَقلِ المَوجُودِ العِلمِيِّ، إلى الوُجُودِ الخَارِجِيِّ. كَنَقْلِ الصُّورَةِ المُتَمَثِّلَةِ في المِرآةِ، إلى الصَّحيِفَةِ الفُوطُوغْرافِيَّةِ لِتَثْبِيتِ وُجُودٍ خَارِجِيٍّ لَهَا بِكَمالِ السُّهُولَةِ، أوْ إظهارِ الخَطِّ المَكتُوبِ بِمِدَادٍ لايُرى بِواسِطةِ مَادَةٍ مُظهِرَةٍ للِكِتَابَةِ المَسْتُورَةِ.. وَفي إسْنَادِ الاَشْيَاءِ إلى الاَسْبَابِ وَالكَثْرَةِ يَلْزَمُ الايجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَق؛ِ وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحَالاً يَكُونُ أصْعَبَ الاشْيَاءِ! فَالسُهُولَةُ في الوَحْدَةِ واصِلَةٌ الى دَرَجَةِ الوُجوبِ، وَالصُعُوبَةُ في الكَثْرَةِ وَاصِلَةٌ الى دَرَجَةِ الامتِنَاعِ.. وَبِحِكْمَةِ أنَّ في الوَحدَةِ يُمْكِنُ الابْدَاعُ وَايجَادُ "الاَيْس مِنَ اللَّيْس" يَعْني إبْدَاعَ المَوْجُودِ مِنَ العَدَمِ الصِّرْفِ بِلا مُدَّةٍ وَلا مَادَّةٍ، وَإفراغَ الذَّرَّاتِ في القَالَبِ العِلْمِيِّ بلا كُلْفَةٍ وَلا خِلْطَةٍ.. وَفي الشِّرْكَةِ وَالكَثْرَةِ لايُمْكِنُ الإبْدَاعُ مِنَ العَدَمِ بِاتِّفَاقِ كُلِّ أهلِ العَقْلِ. فَلا بُدَّ لِوُجودِ ذي حَيَاةٍ جَمْعُ ذَرَّاتٍ مُنْتَشِرَةٍ في الارضِ وَالعَناصِرِ، وَبِعَدَمِ القَالَبِ العِلْميِّ يَلْزَمُ لِمُحَافَظَةِ الذَّرَاتِ في جِسْمِ ذي الحيَاةِ وُجُودُ عِلْمٍ كُلِّي وَإرادَةٍ مُطْلَقَةٍ في كُلِّ ذَرَّةٍ. وَمَعَ ذلِكَ إنَّ الشُّركاءَ مُسْتَغْنيةٌ عَنْهَا وَممْتَنِعَةٌ بالذَّاتِ بخَمسَة وجوهٍ متداخلة، والشُركاء المُستَغنيةُ عنها والمُمتَنِعَةُ بالذات تَحَكُّمِيَّةٌ مَحْضَةٌ، لاأمارَةَ عَلَيْها وَلاإشَارَةَ إلَيْهَا في شَيءٍ مِنَ المَوْجُودَاتِ، إذ خِلْقَةُ السَّموَاتِ وَالأرضِ تَسْتَلْزِمُ قُدْرَة ً كَامِلَةً غَيْرَ مُتَناهِيَةٍ بالضَّرُورَةِ، فَاسْتُغْني عَنِ الشُّرَكَاءِ.. وَإلاّ لَزِمَ تَحْديدُ وَانْتِهَاءُ قُدْرَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ في وَقْتِ عَدَمِ التَّناهِي بِقُوَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، بِلا ضَرَورَةٍ، مَعَ الضَّرُورَةِ في عَكْسِهِ. وَهُوَ مُحَالٌ في


المثنوي العربي النوري - ص: 144
خَمْسَةِ أوْجُهٍ: فَامْتَنَعَتِ الشُّرَكَاءُ، مَعَ أنَّ الشُّرَكَاءَ المُمتَنِعَةَ بِتِلكَ الوُجوُهِ لا إشَارَةَ إلى وُجودِها، وَلاأمارَةَ عَلى تَحققهَا في شىءٍ مِنَ المَوجُودَاتِ.
فَقَدِ استَفسَرنا هذِهِ المَسْألَةَ في المَوقِفِ الاَوَّلِ مِنَ الرِّسالَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاثِينَ: مِنَ الذَّرَّاتِ إلى السَّيَّارَاتِ، وَفِي المَوْقِفِ الثَّاني: مِنَ السَّمَواتِ إلى التَّشَخُّصَاتِ الوَجْهِيَّةِ، فَاعْطَتْ جَمِيعُها جَوَابَ رَدِّ الشِّرْكِ بِإراءة سِكَّةِ التَّوْحِيدِ.
فَكَمَا لا شُرَكَاءَ لَهُ. كَذَلِكَ لامُعِينَ وَلا وُزَراءَ لَهُ. وَمَا الاسْبَابُ إلاّ حِجَابٌ رَقِيقٌ عَلى تَصَرُّفِ القُدْرَةِ الاَزَلِيَّةِ لَيْسَ لَهَا تَأثِيرٌ إيجادِيٌ في نَفسِ الأمرِ؛ إذْ أشْرَفُ الاسْبَابِ وَاوْسَعُها اِختِيَاراً هُوَ الانسَانُ، مَعَ أنَّهُ لَيسَ في يَدِهِ مِنْ أظْهَرِ أفْعَالهِ الاختِيَاريَةِ - كَالاَكْلِ وَالكَلامِ وَالفِكْرِ - مِنْ مِئَاتِ أجْزاءٍ إلاّ جُزْءٌ وَاحِدٌ مَشْكُوكٌ. فَإذَا كَانَ السَّبَبُ الاَشْرَفُ وَالاَوْسَعُ اختِيَاراً مَغْلُولَ الاَيْدي عَنِ التَّصَرُّفِ الحَقيِقيِّ كَمَا تَرى، فَكَيفَ يُمْكِنُ أنَ تَكُونَ البَهِيماتُ والجَمَاداتُ شَرِيكاً في الايجَادِ وَالرُّبُوبِيَّةِ لخَالِقِ الأرضِ وَالسَّمَواتِ؟ فَكَمَا لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ الظَّرْفُ الَّذي وَضَعَ السُّلطَانُ فيهِ الهَدِيَّةَ، أو المَندِيلُ الَّذي لَفَّ فيهِ العَطيَّةَ، أوِ النَّفَرُ الَّذي أرسَلَ عَلى يَدِهِ النِّعْمَةَ إليكَ؛ شُرَكَاءَ للِسُلْطَانِ في سَلْطَنَتِهِ.. كَذَلِكَ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ الاسْبَابُ المُرْسَلَةُ عَلى أيْديِهمُ النِّعَمُ إلينَا، وَالظُرُوفُ الَّتي هِيَ صَنَادِيقُ للِنِّعَمِ المُدَّخَّرَةِ لَنَا، والاسْبَابُ الَّتي التَفَّتْ عَلى عَطَايَا إلَهِيَّةٍ مُهْداةٍ إلَينَا؛ شُرَكَاءَ أعْواناً أو وَسَائِطَ مُؤَثِّرَة.
المرتبة الثانية
الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قُدْرَة ً وَعِلْمَاً، إذْ هُوَ الخَلاّقُ العَلِيمُ الصَّانِعُ الحَكِيمُ الرَّحمنُ الرَّحِيمُ الَّذي: هذِهِ المَوجُودَاتُ الأرضِيَّةُ وَالاجْرَامُ العُلوِيَّةُ في بُسْتَانِ الكَائِنَاتِ،


المثنوي العربي النوري - ص: 145
مُعجِزَاتُ قُدْرَةِ خَلاّقٍ عَليِمٍ بِالبَدَاهَةِ. وَهَذهِ النَبَاتَاتُ المُتَلَونَة المُتَزَيِّنَةُ المَنْثُورةُ، وَهَذِهِ الحَيْوَانَاتُ المُتَنَوِّعَةُ المُتَبَرِّجَةُ المَنْشُورَةُ في حَدِيقَةِ الأرضِ، خَوَارِقُ صَنْعَةِ صانِع ٍ حَكِيم ٍ بِالضَّرُورَةِ. وَهَذهِ الاَزْهَارُ المُتَبَسِّمَةُ وَالاَثْمَارُ المُتَزَيِّنَةُ في جِنَانِ هذِهِ الحَديقَةِ هَدَايَا رَحْمَةِ رَحْمن رَحيِم ٍبالمُشَاهَدَةِ.. تَشْهَدُ هاتِيكَ، وَتُنَادي تَاكَ، وتُعْلِنُ هذِهِ: بِأَنَّ خَلاَّقَ هَاتيكَ، وَمُصَوِّرَ تَاكَ، وَوَاهِبَ هذِهِ عَلى كُلِّ شئٍ قَدير، وَبِكُلِّ شئٍ عَليم، قَد وَسِعَ كُلَّ شَىءٍ رَحْمَةً وَعِلمَاً، تتَسَاوى بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِهِ الذَّرَّاتُ وَالنُّجُومُ وَالقَليلُ وَالكَثيرُ والصَغيرُ وَالكَبيرُ وَالمُتَنَاهِي وَغَيرُ المُتَنَاهِي، وَكُلُّ الوُقُوعَاتِ المَاضِيَةِ وَغَرَائِبها مُعْجِزَاتُ صَنْعَةِ صانِعٍ حَكيمٍ، تَشْهَدُ: أنَّ ذَلِكَ الصَّانِعَ قَديرٌ عَلى كُلِّ الامْكَانَاتِ الاسْتِقْبَالِيَّةِ وَعَجائِبِها، إذ هُوَ الخَلاّقُ العَليمُ وَالعَزيزُ الحَكيِمُ.
فَسُبْحانَ مَنْ جَعَلَ حَديقَةَ أرضِهِ مَشْهَرَ صَنْعَتِهِ، مَحْشرَ فِطْرَتِهِ، مَظْهَرَ قُدرَتِهِ، مَدَارَ حِكْمَتِهِ، مَزْهَرَ رَحْمَتِهِ، مَزْرَعَ جَنَّتِهِ، مَمَرَّ المَخْلُوقَاتِ، مَسِيلَ المَوجُودَاتِ، مَكيْلَ المَصْنُوعَاتِ.
فَمُزَيَّنُ الحَيْوانَاتِ، مُنَقَّشُ الطُّيورات، مُثَمَّرُ الشَّجَرات، مُزَهََّرُ النَبَاتات؛ مُعْجِزَاتُ عِلمِهِ، خَوَارِقُ صُنْعِهِ، هَدايَا جُودِهِ، بَراهِينُ لُطْفِهِ.
تَبَسُّمُ الأزهَارِ مِنْ زينَةِ الاثْمَارِ، تَسَجُّعُ الاطيَارِ في نَسْمَةِ الاسْحَارِ، تَهَزُّجُ الامطارِ عَلى خُدُودِ الازهَارِ، تَرَحُّمُ الوالِدَاتِ عَلى الاَطفَالِ الصِّغَارِ، تَعَرُّفُ وَدُودٍ، تَوَدُّدِ رَحمن، تَرَحُّمُ حَنَّانٍ، تَحَنُّنُ مَنَّانٍ، للِجِنِّ وَالانسَانِ، وَالرُّوحِ وَالحَيوَانِ وَالمَلَكِ وَالجانِّ. وَالبُذُورُ وَالاثْمَارُ، والحُبُوبُ وَالازهَارُ مُعجِزَاتُ الحِكمَةِ.. خَوَارِقُ الصَّنْعَةِ.. هَدَايا الرَّحْمَةِ.. بَرَاهينُ الوَحْدَةِ.. شَوَاهِدُ لُطْفِهِ في دارِ الآخِرَةِ... شَوَاهِدُ صَادِقَةٌ بأنَّ خَلاَّقَهَا عَلى كُلِّ شئٍ قَديرٌ وَبِكُلِّ شئٍ عَلِيمٌ. قَدْ وَسِعَ كُلَّ شئٍ بِالرَّحْمَةِ وَالعِلْمِ وَالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ وَالصُّنْعِ وَالتَّصْوِيرِ. فَالشَّمسُ كَالبَذرَةِ، وَالنَّجْمُ كَالزَّهْرَةِ، وَالاَرضُ كَالحَبَّةِ، لاتَثْقُلُ عَلَيهِ بِالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ، وَالصُّنعِ وَالتَّصْويرِ. فَالبُذُورُ وَالاَثْمَارُ مَرَايا الوَحْدَةِ في


المثنوي العربي النوري - ص: 146
اَقْطَارِ الكَثْرَةِ، إشَاراتُ القَدَرِ، رُمُوزَاتُ القُدْرَةِ؛ بِأنَّ تِلكَ الكَثْرَةِ مِنْ مَنْبَعِ الوَحْدَةِ، تَصْدُرُ شَاهِدَةً لِوَحْدَةِ الفَاطِرِ في الصُّنْعِ وَالتَصْويرِ. ثُمَّ إلى الوَحْدَةِ تَنْتَهي ذَاكِرَةً لِحِكمَةِ الصَّانِعِ في الخَلْقِ وَالتَّدْبيِرِ.. وَتَلْوِيحاتُ الحِكْمَةِ بأنَّ خَالِقَ الكُلِّ - بِكُلِّيَّةِ النَّظَرِ إلى الجُزْئيِّ - يَنْظُر ثمَّ إلى جُزْئِهِ، إذْ إنْ كانَ ثَمراً فَهُو المَقْصُودُ الاظهَرُ مِنْ خَلقِ هَذا الشَّجَرِ. فَالبَشَرُ ثَمَرٌ لِهَذِهِ الكَائِنَاتِ، فَهُوَ المَقْصُودُ الاَظْهَرُ لِخَالِقِ المَوْجُودَاتِ. والقَلبُ كَالنُّوَاةِ، فَهُوَ المِرآةُ الأنْوَرُ لِصَانِعِ المَخْلُوقَاتِ، ومِنْ هذِهِ الحِكْمَةِ فَالانسَانُ الاَصْغَرُ في هذِهِ الكَائِناتِِ هُوَ المَدَارُ الاَظْهَرُ للنَّشْرِ وَالمحَشْرِ في هذِهِ المَوجُوداتِ، وَالتَّخْريبِ والتَّبْديلِ وَالتَّحويلِ وَالتَّجْديدِ لِهَذِهِ الكَائِناتِ.
الله أكبَرُ: يَا كَبيرُ أنتَ الَّذي لاتَهدِي العُقُولُ لِكُنْهِ عَظَمَتِهِ..
كه (لا اله الاّ هو برابر مي زند هر شئ، دمادم جويد: ياحق، سراسر كويد: ياحى) 1
المرتبة الثالثة 2
ايضاحها في رأس "الموقف الثالث من الرسالة الثانية والثلاثين".
الله أكبرُ مِنْ كُلِّ شئٍ قُدْرَةً وَعِلماً، إذْ هُوَ القَديرُ المُقَدِّرُ العَلِيمُ الحَكيِمُ المُصَوِّرُ الكَرِيمُ اللَّطِيفُ المُزَيِّنُ المُنْعِمُ الوَدُودُ المُتَعَرِّفُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ المُتَحَنِّنُ الجَمِيلُ ذُو الجَمَالِ وَالكَمَالِ المُطْلَقِ، النَّقَّاشُ الاَزَليُّ الَّذي: ما حَقَائِقُ هَذِهِ الكَائِناتِ كُلاً وَأجزَاءً،

_____________________
1 [[الذي لا إله إلاّ هُو يقابل كلّ شئ.. دائماً يطلبونَ الحق، وابداً يقولون: ياحيّ]].
2 [ هذه المرتبة الثالثة تأخذ بعين الاعتبار زهرة جزئية وحسناء جميلة ، فالربيع الزاهر كتلك الزهرة والجنة العظيمة مثلها؛ اذ هما مظهران من مظاهر تلك المرتبة ، كما ان العالم انسان جميل وعظيم، وكذا الحور العين والروحانيات وجنس الحيوان وصنف الانسان.. كل منها كأنه في هيئة انسان جميل يعكس صفحاته هذه الاسماء التي تعكسها هذه المرتبة ] . المؤلف.




المثنوي العربي النوري - ص: 147
وَصَحَائِفَ وَطَبَقاتٍ، وَما حَقائِقُ هذِهِ المَوجُودَاتِ كُلّياً وَجُزئِياً وُجُوداً وَبَقاءً.. إلاّ خُطُوطُ قَلَمِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِتَنْظِيمٍ وَتَقدِيرٍ وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ.. وَإلاّ نُقُوشُ بَركَارِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بِصُنْعٍ وَتَصويرٍ.. وَإلاّ تَزْييناتُ يَدِ بَيْضاءِ صُنْعِهِ وَتَصويِرِهِ وَتَزْيينهِ وَتَنْوِيرِهِ بِلُطْفٍ وَكَرَم.. وَإلاّ أزاهيرُ لَطائِفِ لُطْفِهِ وَكَرَمِهِ وتِعِرُّفِهِ وَتَوَدُّدِهِ بِرَحْمَةٍ وَنِعْمَةٍ.. وَإلاّ ثَمَرَاتُ فَيَّاضِ عَيْنِ رَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ وَتَرَحُّمِهِ وَتَحَنُّنِهِ بِجَمَالٍ وَكَمالٍ.. وَإلاّ لَمَعَاتُ جَمالٍ سَرْمَديٍّ وَكَمالٍ دَيْمُومِيٍّ بِشَهَادَةِ تَفانِيَّةِ المَرايا وَسَيَّالِيَّةِ المَظاهِرِ، مَعَ دوامِ تَجَلي الجَمَالِ عَلى مَرِّ الفُصُولِ وَالعُصُورِ وَالادْوَارِ، وَمَعَ دَوَامِ الاِنْعَامِ عَلى مَرِّ الاَنَامِ وَالاَيَّامِ وَالاَعْوَامِ.
نَعَم! تَفَاني المِرْآةِ، زَوَالُ المَوجُودَاتِ مَعَ التَّجَلِّي الدَّائِم ِمَعَ الفَيضِ المُلازِمِ، مِنْ أظْهَرِ الظَّوَاهِرِ مِنْ أبْهَرِ البَوَاهِرِ أنَّ الجَمالَ الظَّاهِرَ، أنَّ الكَمالَ الزَّاهِرَ ليسَا مُلْكَ المَظَاهِرِ، مِنْ أفصَحِ تِبيانٍ مِنْ أوضَحِ بُرْهَانٍ للِجَمَالِ المُجَرَّدِ للاِحسانِ المُجَدَّدِ، للواجِبِ الوُجُودِ للِبَاقي الوَدُودِ.
نَعَم! فَاْلاَثَرُ المُكَمَّلُ، يَدُلُّ بالبَدَاهَةِ عَلى الفِعْلِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الفِعْلُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِالضَّرُورَةِ عَلى الاسمِ المُكَمِّلِ، وَالفَاعِلِ المُكَمَّلُ. ثم الاسم المُكَمّلُ يَدُلُّ بِلا رَيبٍ عَلى الوَصفِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الوَصفُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِلا شَكٍ عَلى الشَّأنِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الشَّأنُ المُكمَّلُ يَدُلُّ بِاليَقينِ عَلى كَمالِ الذَّاتِ بِمَا يَليقُ بِالذَاتِ، وَهُوَ الحَقُّ اليَقينُ...


المثنوي العربي النوري - ص: 148
المرتبة الرابعة
جَلَّ جَلالُهُ الله أكبَرُ؛ إذْ هُوَ العَدلُ العَادِلُ الحَكَمُ الحَاكِمُ الحَكِيمُ الأزَليُّ الَّذي: أسَّسَ بُنْيَانَ شَجَرَةِ هذِهِ الكَائِنَاتِ في سِتَةِ أيَّامٍ بِاُصُولِ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَفَصَّلَها بِدَساتِيرِ قَضائِهِ وَقَدَرِهِ، وَنَظَّمَها بِقَوَانينَ عادَتِهِ وَسُنَّتِهِ، وَزَيَّنَها بِنَواميسِ عِنَايَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَنَوَّرَهَا بِجَلَواتِ أسْمآئِهِ وَصِفَاتِهِ: بِشَهَادَاتِ إنْتِظامَاتِ مَصنُوعَاتِهِ، وَتَزَيُّنَاتِ مَوجُودَاتِهِ وَتَشابُهِها وَتنَاسُبِها وَتَجَاوُبها وَتَعاوُنِها وَتَعانُقِها، وَاتْقانِ الصَّنعَةِ الشُّعُوريَّةِ في كُلِّ شَئٍ، عَلى مِقْدَارِ قَامَةِ قابِليَّتِهِ المُقَدَّرَةِ بِتَقْدِيرِ القَدَرِ.
فَالحِكمَةُ العَامَّةُ في تَنْظيماتِها، وَالعِنَايَةُ التَّامَّةُ في تَزيِيِنَاتِها، وَالرَّحمَةُ الوَاسِعَةُ في تَلطيفاتِها، وَالاَرزَاقُ وَالاعَاشَةُ الشَّامِلَةُ في تَربِيَتِها، والحَيَاةُ العَجيبَةُ الصَّنعَةِ بِمَظْهَرِيَّتِها للِشُؤنِ الذَّاتِيَّةِ لِفَاطِرِها، وَالمَحَاسِنُ القَصْدِيَّةُ في تَحْسينَاتِهَا، وَدَوَامُ تَجَلِّي الجَمَالِ المُنْعَكِسِ مَعَ زَوالِهَا، وَالعِشْقُ الصَّادِقُ في قَلْبِها لِمَعبُودِهَا، وَالاِنْجِذَابُ الظَّاهِرُ في جَذبَتِها، وَاتِّفاقُ كُلِّ كُمَّلِهَا عَلى وَحْدَةِ فاطِرها، وَالتَصَرُّفُ لِمَصالِحَ في أجزائِها، وَالتَّدْبيرُ الحَكيمُ لِنَباتاتِها، وَالتَّربِيَةُ الكَريمَةُ لِحَيواناتِهَا، والاِنتِظامُ المُكَمَّلُ في تَغيُّراتِ أركَانِها، وَالغاياتُ الجَسيمةُ في انتِظامِ كُلِّيتِها، وَالحُدُوثُ دَفْعَةً مَعَ غايَةِ كَمَالِ حُسنِ صَنْعَتِها، بِلااحتِياج ٍ إلى مُدَّةٍ ومَادَّةٍ، وَالتَّشَخُّصاتُ الحَكِيمَةُ مَعَ عَدَم ِتَحْديدِ تَرَدُّدِ إمْكاناتِها، وَقَضاءُ حاجاتِها عَلى غَايَةِ كَثْرَتِها وَتَنَوُّعِها في أوقَاتِها اللاَّئِقةِ المُنَاسِبَةِ - مِنْ حَيثُ لايَحتَسِبُ وَمِنْ حَيثُ لايَشْعُرُ - مَعَ قصرِ اَيْدِيها مِنْ أصغَرِ مَطالِبِها، وَالقُوَّةُ المُطلَقَةُ في مَعْدَنِ ضَعْفِهَا، وَالقُدْرَةُ المُطلَقَةُ في مَنبَعِ عَجزِها، وَالحَياةُ الظَاهِرَةُ في جُمُودِها، وَالشعُورُ المُحيطُ في جَهْلِها، وَالانتِظامُ المُكَمَّلُ في تَغَيُّراتِها المُسْتَلزِمُ لِوُجُودِ المُغَيِّرِ الغَيرِ المُتَغَيِّر. وَالاتِّفاقُ في تَسْبِيحَاتِها - كَالدَوّائِرِ المُتَدَاخِلَةِ المُتَّحِدَةِ المَرْكَزِ - وَالمَقْبُولِيَّةُ في دَعَوَاتِها الثَّلاثِ: بِلسانِ إستِعدادها وبِلسانِ إحتِيَاجَاتِها الفِطريَّةِ وبِلسانِ اضطِرارِها، وَالمُناجاتُ وَالشُّهوداتُ وَالفُيُوضاتُ في عِباداتِهَا، وَالاِنتِظامُ في قَدَرَيها،


المثنوي العربي النوري - ص: 149
وَالاِطْمِئنَانُ بِذِكرِ فاطِرِها، وَكَونُ العِبادَةِ فيها خَيْطَ الوُصْلَةِ بَينَ مُنْتَهاها وَمَبْدَئها، وسَببَ ظُهُورِ كَمَالِها، وَلِتَحَقُّقِ مَقَاصِدِ صانِعِها وَهكَذا. بِسائِرِ شُئُوناتِها وَاحْوَالِها وَكَيفِيَّاتِها.. شاهِداتٌ بِاَنَّها كُلَّها بِتَدبيِرِ مُدَبِّرٍ حَكيم واحِدٍ، وَفي تَربِيَةِ مُرَبٍ كَريم اَحَدٍ صَمَدٍ، وَكُلُّهَا خُدَّامُ سَيِّدٍ واحدٍ، وتَحتَ تَصَرُّفٍ متصرِّف واحدٍ وَمَصدَرُهُمْ قُدْرَةُ واحِدٍ، الَّذي تَظاهَرتْ وَتَكاثَرَتْ خَواتِيمُ وَحْدَتِهِ عَلى كُلِّ مَكتُوبٍ مِنْ مَكتُوبَاتِهِ في كُلِّ صَفحَةٍ مِنْ صَفَحَاتِ مَوجُودَاتِهِ.
نَعَمْ، فَكُلُّ زَهرَةٍ وَثَمَرٍ، وَكُلُّ نَبَاتٍ وَشَجَرٍ، بَل كُلُّ حَيوانٍ وَحَجَرٍ، بَل كُلُّ ذَرّ ٍ وَمَدَرٍ، في كُلِّ وادٍ وَجَبَلٍ، وكُلِّ بادٍ َوقَفَرٍٍ.. خاتَمٌ بَيِّنُ النَّقشِ وَالأثَر، يُظْهِرُ لِدِقَّةِ النَّظرِ بِأنَّ ذا ذاكَ الأثر هُوَ كاتِبُ ذاكَ المَكانِ بِالعِبَرِ، فَهُوَ كاتِبُ ظَهْرِ البَرِّ وَبَطْنِ البَحْرِ، فَهُوَ نَقَّاشُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ في صَحيفةِ السَّموَاتِ ذاتِ العِبَرِ جَلَّ جَلالُ نَقَّاشِها الله أكْبَرُ .
كه لا اله الاّ هو برابر مى زند عالم 1
المرتبة الخامسة 2
الله أكبَرُ؛ إذْ هُوَ الخَلاّقُ القَديرُ المُصَوِّرُ البَصيرُ الَّذي هذِهِ الأجرَامُ العُلويَّةُ والكَواكِبُ الدُّرِّيَّةُ نَيِّراتُ بَراهينِ اُلُوهيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَشُعاعاتُ شَوَاهِدِ رُبُوبِيَّتِهِ وَعِزَّتِهِ، تَشْهَدُ وَتُنادي عَلى شَعْشَعَةِ سَلْطَنةِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَتُنَادي عَلى وُسْعَةِ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وعَلى حِشمَةِ عَظَمَةِ قُدْرَتِهِ.
فَاسْتَمِعْ إلى آيةِ
(اَفَلَمْ يَنْظُرُوا إلى السَّمآءِ فَوقَهُمْ كَيْفَ بَنَينَاهَا وَزَيَّنَّاها ..) 3 الخ.. ثُمَّ انظُرْ إلى وَجْهِ السَّمآءِ: كيفَ تَرى سُكُوتاً في سُكُونَة، حَرَكَةً في حِكْمَةٍ،
_____________________
1 [[حيث ان (لا إله إلاّ هو) اعظم من العالم ]].
2 [ لقد وضحت هذه المرتبة في ذيل الموقف الاول من الكلمة الثانية والثلاثين وفي المقام الثاني من المكتوب العشرين ] المؤلف.
3 سورة ق : 6



عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - قطرة


المثنوي العربي النوري - ص: 150
تَلألُؤاً في حِشمَةٍ، تَبَسُّماً في زِينَةٍ؛ مَعَ انتَظامِ الخِلقَةِ مَعَ إتِّزَانِ الصَّنْعَةِ.. تَشَعْشُعُ سِراجِها لِتَبديلِ المَوَاسِمِ، تَهَلهُلُ مِصْباحِها لِتَنويِرِ المعَالَم، تَلألُؤُ نُجُومِها لِتَزيينِ العَوَالِم.. تُعْلِنُ لاَهلِ النُهى سَلْطَنَة بلا انتِهَاءٍ لِتَدبيرِ هذَا العَالَمِ.
فَذَلِكَ الخَلاّقُ القَديرُ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ، وَمُريدٌ بِإرادَةٍ شَامِلَةٍ "ما شآءَ كانَ وَمَالَم يَشأ لَمُ يَكُنْ". وَهُوَ قَدِيرٌ عَلى كُلِّ شَيءٍ بِقُدْرَةٍ مُطْلَقَةٍ مُحيطةٍ ذاتِيَّةٍ. وَكَما لا يُمكِنُ ولا يُتَصوَّرُ وُجُودُ هذِه الشَّمسِ في هذا اليَومِ بِلا ِضِياءٍ ولا حَرارةٍ، كذَلِكَ لايُمْكِنُ ولايُتَصوَّرُ وُجودُ إلهٍ خالِقٍ للِسَّمواتِ بِلا عِلم مُحيطٍ وبِلا قُدرَةٍ مُطلَقَةٍ.. فَهُوَ بِالضَرورَةِ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ بِعلم مُحيطٍ لازِم ذَاتيٍّ لِلذاتِ يَلزَمُ تَعَلُّقُ ذلِكَ العِلمِ بِكُلِّ الاَشيَاءِ، لايُمكِنُ أنْ يَنْفَكَّ عَنْهُ شَيءٌ؛ بِسِرِّ الحُضُورِ وَالشُّهُودِ وَالنُّفُوذِ وَالاحَاطَةِ النُّورانِيَّةِ
فَما يُشَاهَدُ في جَميعِ المَوجُودَاتِ: مِنَ الاِنْتِظامَاتِ المَوزُونَةِ، وَالاِتِّزَاناتِ المَنْظُومَةِ، وَالحِكَمِ العَامَّةِ، وَالعِنَايَاتِ التَّامَّةِ، وَالاَقْدَارِ المُنْتَظَمَةِ، وَالاَقْضِيَةِ المُثْمِرَةِ، وَالاَجالِ المُعَيَّنَةِ، وَالاَرزَاقِ المُقَنَّنَةِ، وَالاِتْقَانَاتِ المُفَنَّنَةِ، وَالاِهْتِمَامَاتِ المُزَيَّنَةِ، وَغَايَةِ كَمَالِ الاِمتِيازِ، وَالاِتِّزانِ، وَالاِنْتِظَامِ، وَالاِتْقَانِ، وَالسُّهُولَةِ المُطلَقَةِ.. شَاهِدَاتٌ عَلى إحَاطَةِ عِلمِ عَلاّمِ الْغُيُوبِ بِكُلِّ شَيءٍ، وَإنَّ آيَةَ: (ألايَعلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبيرُ) 1. تَدُلُّ عَلى أنَّ الوُجودَ في الشَيءِ يَسْتَلزِمُ العِلمَ بِهِ، وَنُورَ الوُجودِ في الاَشيَاءِ يَستَلزِمُ نُورَ العِلمِ فيها. فَنِسبَةُ دَلالَةِ حُسنِ صَنْعَةِ الاِنسانِ عَلى شُعُورِهِ، إلى نِسبَةِ دَلالَةِ خِلقَةِ الانسانِ عَلى عِلمِ خالِقِهِ، كَنِسبَةِ لُمَيعَةِ نُجَيْمَةِ الذُّبَيْبَةِ في اللَّيلَةِ الدَّهمَاءِ إلى شَعشَعةِ الشَمْسِ في نِصفِ النَّهارِ عَلى وَجهِ الغَبْراءِ.
وَكَما أنَّهُ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ فهو مريد لكُلِّ شَيءٍ لايُمْكِنُ أنْ يَتَحَقَّقَ شَيءٌ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ.

_____________________
1 المُلك : 14




المثنوي العربي النوري - ص: 151
وَكمَا أنَّ القُدْرَةَ تُؤَثِّرُ وَأنَّ العِلمَ يُمَيِّزُ، كَذَلكَ أنَّ الارادةَ تُخَصِّصُ ثُمَّ يَتَحَقَّقُ وُجودُ الاَشيَاءِ، فَالشَوَاهِدُ عَلى وُجودِ إرادَتِهِ تَعالى وَاختِيَارِهِ سُبحانَهُ بِعَدَدِ كَيفِيَّاتِ الاَشيَاءِ وَاحْوالِهَا وَشُئُوناتِها.
نَعَمْ! فَتَنْظيمُ المَوجودَاتِ وَتَخْصيصُها بِصِفاتِها مِنْ بِينِ الاِمْكَانَاتِ الغَيْرِ المَحْدُودَةِ، وَمِنْ بَينِ الطُّرُقِ العَقيمَةِ، وَمِنْ بَينِ الاحتِمَالاتِ المُشَوَّشَةِ، وَتَحتَ أيدي السُّيُولِ المُتَشاكِسَةِ بِهذا النِّظَامِ الاَدَقِّ الاَرَقِّ، وَتَوْزِينُهَا بِهذا المِيزانِ الحَسَّاسِ الجَسَّاسِ المَشْهُودَينِ.. وَاَنَّ خَلقَ المَوجُوداتِ المُختَلِفَاتِ المُنتَظَماتِ الحَيَويَّةِ مِنَ البَسائِطِ الجَامِدَةِ - كَالانسانِ بِجِهَازاتِهِ مِنَ النُّطفَةِ، وَالطَّيْرِ بِجوارِحِهِ مِنَ البَيضَةِ، وَالشَّجَرِ باعْضَائِهِ المُتَنَوعَةِ مِنَ النَّوَاةِ - تَدُلُّ عَلى أنَّ تَخَصُّصَ كُلِّ شَيءٍ وَتَعَيُّنَهُ بارادَتِهِ واختِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ.
فَكَما أنَّ تَوافُقَ الاشيَاءِ مِنْ جِنْسِ وَالافرَادِ مِنْ نَوع، في اسَاساتِ الاَعْضاءِ، يَدُلُّ بالضَّرُورَةِ عَلى أنَّ صانِعَها واحِدٌ أحدٌ.. كَذلكَ أنَّ تَمايُزَها في التَّشَخُّصاتِ الحَكيمَةِ المُشتَمِلَةِ عَلى عَلاماتِ فارِقَةٍ مُنْتَظَمَةٍ، تدُلُّ عَلى أنَّ ذلكَ الصَّانعَ الواحِدَ الاَحدَ هُوَ فاعِلٌ مُختَارٌ مُرِيدٌ.. يَفعَلُ ما يَشآءُ وَيَحكُمُ ما يُريدُ. جَلَّ جَلالُهُ.
وَكَما أنَّ ذلِكَ الخَلاّقَ العَليمَ المُريدَ؛ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ وَمُرِيدٌ لِكُلِّ شَيءٍ، لَهُ عِلمٌ مُحيطٌ وَارادةٌ شَامِلَةٌ وَاختيَارٌ تَامٌّ، كَذلكَ لَهُ قُدرَةٌ كاملَةٌ ضَرُوريَّةٌ ذَاتِيَّةٌ ناشِئَةٌ مِنَ الذَّاتِ وَلازِمَةٌ للِذَّاتِ. فَمُحَالٌ تَداخُلُ ضِدِّها، وَإلاَّ لَزِمَ جَمْعُ الضِّدَّيْنِ المُحالُ بالاتِفَاقِ، فَلا مرَاتِبَ في تِلكَ القُدرةِ، فَتَتَساوى بِالنِّسبَةِ إلَيها الذَّرَّاتُ وَالنجُومُ، وَالقَليلُ وَالكثيرُ، وَالصَغيرُ والكبير، وَالجُزئيُّ وَالكُلِّيُّ، وَالجُزءُ وَالكُلُّ، وَالانسانُ وَالعالَمُ، والنُّوَاةُ والشَّجَرُ؛ بِسِرِّ: النُّورَانيَّةِ، وَالشَّفافِيَّةِ، وَالمُقابَلَةِ، وَالمُوَازَنَةِ، وَالانتِظامِ، وَالامتِثالِ؛ بِشَهادَةِ الانتِظامِ المُطلَقِ، وَالاتِّزَانِ المُطلَقِ، وَالامتِيَازِ المُطلَقِ، في السُّرعَةِ


المثنوي العربي النوري - ص: 152
وَالسُّهُولَةِ وَالكَثرَةِ المُطلَقَاتِ. بِسِرِّ: إمدادِ الوَاحِديَّةِ، ويُسرِ الوَحدَةِ، وتجَلِّي الاَحَديَّةِ؛ بِحِكمَةِ الوُجوبِ، وَالتَجَرُّدِ، وَمُبَايَنَةِ الماهيَّةِ. بِسرِّ: عَدَمِ التَّقَيُّدِ، وَعدَمِ التَّحَيُّزِ، وَعَدَمِ التَّجَزُّءِ. بِحِكمَةِ انقِلابِ العَوَائِقِ وَالمَوَانِعِ إلى الوَسَائِلِ في التَسهيل إن احتيجَ إلَيهِ. وَالحَالُ: أنَّهُ لااحتِيَاجَ كاعصابِ الانسانِ وَالخُطُوطِ الحَديديَّةِ لنَقلِ السَيَّالاتِ اللَّطيفَةِ؛ بِحكمةِ أنَّ الذرَّةَ وَالجُزءَ وَالجُزئيَّ وَالقَليل وَالصَغير والانسانَ والنَّواةَ ليسَت بِاقَلَّ جَزَالَةً مِنَ النَّجْمِ وَالنَّوعِ وَالكُلِّ وَالكُلِّيِّ وَالكَثيرِ وَالكَبيرِ وَالعَالَمِ وَالشَّجَرِ. فَمَنْ خَلَقَ هؤُلاءِ لايُسْتَبعَدُ مِنْهُ خَلقُ هذِهِ؛ إذْ المُحاطاتُ كالامثِلَةِ المَكتُوبَةِ المُصَغَّرَةِ أو كالنُّقَطِ المَحلُوبَةِ المُعَصَّرَةِ؛ فَلابُدَّ بالضَرُورَةِ أنْ يَكونَ المُحيطُ في قَبضَةِ تَصَرُّفِ خالِقِ المُحَاطِ، لِيُدْرِجَ مِثالَ المُحيطِ في المُحَاطَاتِ بِدَسَاتيرِ عِلمِهِ، وَاَنْ يَعْصُرَها مِنْهُ بِمَوازينِ حِكمَتِهِ. فَالقُدرَةُ الَّتي أبرَزَتْ هَاتيكَ الجُزئيَّاتِ لايَتَعسَّرُ عَليها إبرَازُ تَاكَ الكُلِّيَّاتِ.
فَكَما أنَّ نُسخَةَ قُرآنِ الحِكمَةِ المَكتُوبَةِ عَلى الجَوهَرِ الفَردِ بِذَرَّاتِ الاَثيرِ؛ لَيسَتْ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنْ نُسْخَةِ قُرآنِ العَظَمَةِ المَكتُوبَةِ عَلى صَحَائِفِ السَّمواتِ بِمِدادِ النُّجُومِ وَالشُّموسِ.. كذَلِكَ لَيسَتْ خِلقَةُ نَحلَةٍ وَنَمْلَةٍ بِاقَلَّ جَزَالَةً مِنْ خِلقَةِ النَّخلَةِ والفيلِ، وَلا صَنْعَةُ وَردِ الزَّهْرَةِ بِاقَلَّ جَزَالَةً مِنْ صَنْعَةِ دُرِّيِّ نَجمِ الزُّهْرَةِ. وَهكَذا فَقِسْ. فَكمَا أنَّ غايَةَ كَمالِ السِّهُولَةِ في إيجَادِ الاَشيَاءِ أوقَعَتْ اهلَ الضَّلالَةِ في اِلتِبَاسِ التَّشكيلِ بالتَّشَكُّلِ، المُستَلزِمِ للِمُحَالاتِ الخُرَافيَّةِ الَّتي تَمُجُّها العُقُولُ، بَل تَتَنَفَّرُ عَنها الاَوهَامُ.. كذلِكَ أثْبَتَتْ بِالقَطعِ وَالضَرُورَةِ لاَهلِ الحَقِّ وَالحَقيقَةِ تَساويَ السَّيَّاراتِ مَعَ الذَّرَّاتِ بالنِسبَةِ إلى قُدْرَةِ خالِقِ الكائِناتِ. جَلَّ جَلالُهُ وَعَظُمَ شأنُهُ وَلآ اِلهَ إلاّ هُوَ.


المثنوي العربي النوري - ص: 153
المرتبة السادسة 1
جَلَّ جَلالُهُ وَعَظُمَ شَأنُهُ الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَيءِ قُدْرَةً وَعلمَاً؛ إذْ هُوَ العَادِلُ الحَكيمُ القَادِرُ العَليمُ الوَاحِدُ الاَحَدُ السُّلطَانُ الاَزَليُّ الَّذي: هذِهِ العَوَالِمُ كُلُّهَا في تَصَرُّفِ قَبْضَتَىْ نِظامِهِ وَميزَانِهِ، وَتَنْظيمِهِ وَتَوزيِنِهِ وَعَدلِهِ وَحِكمَتِهِ وَعِلمِهِ وَقُدرَتِهِ، وَمَظهَرُ سِرِّ وَاحِدِيَّتِهِ وَأحَديَّتِهِ بِالحَدْسِ الشُّهُوديِّ، بَل بِالمُشَاهَدَةِ؛ إذ لاخَارِجَ في الكَونِ مِنْ دَائِرَةِ النِّظَامِ وَالميزَانِ، وَالتَّنظيمِ وَالتَّوزينِ. وَهُمَا بابانِ مِن"الاِمامِ المُبينِ وَالكِتَابِ المُبينِ"، وَهُما عُنوَانانِ لِعِلمِ العَليمِ الحَكيمِ وَأمْرِهِ، وَقُدْرَةِ العَزيزِ الرَّحيمِ وَإرادَتِهِ. فَذلكَ النِّظامُ مَعَ ذلكَ المِيزَانِ في ذلكَ الكِتَابِ مَعَ ذلكَ الاِمامِ بُرهَانانِ نَيِّرانِ؛ لِمَنْ لَهُ في رَأسِهِ إذعَانٌ وفي وَجهِهِ العَينَانِ: أنْ لاشَيءَ مِنَ الاَشياءِ في الكَونِ وَالزَّمانِ، يَخْرُجُ منْ قَبضَةِ تَصَرُّفِ رَحمن، وَتَنْظيمِ حَنَّانٍ وَتَزييِنِ مَنَّانٍ وَتَوزينِ دَيَّانٍ.
الحَاصِلُ.. أنَّ تَجَلِّيَ الاِسمِ "الاَوَّلِ وَالاَخِرِ" في الخَلاّقِيَّةِ ، النَّاظِرَينِ إلى المَبدَإِ وَالمُنتَهى، وَالاَصلِ وَالنَسلِ، وَالمَاضي وَالمُستَقبلِ، وَالاَمرِ وَالعِلمِ، مُشيرانِ إلى"الاِمامِ المُبينِ". وَتَجَلِّيَ الاِسمِ "الظَّاهِرِ وَالباطِنِ" عَلى الاَشيَاءِ في ضِمنِ الخَلاّقِيَّةِ، يُشيرانِ إلى"الكِتابِ المُبينِ".
فَالكَائِناتُ كَشَجَرَةٍ عَظيمَةٍ، وَكُلُّ عالَمٍ مِنها ايضاً كَالشَّجَرةِ. فَنُمَثِّلُ شَجَرَةً جُزئِيَّةً لِخِلقَةِ الكائِناتِ وَاَنواعِها وَعَوالِمِها. وهَذِهِ الشَّجَرَة الجُزئِيَّةُ لها أصلٌ وَمَبدَأٌ، وَهُوَ النَّواةُ الَّتي تَنبُتُ عَليهَا. وَكَذا نَسلٌ يُديمُ وَظيفَتَها بَعدَ مَوتِها؛ وَهُوَ النَّواةُ في ثَمَراتِها. فَالمَبدَأُ وَالمُنتَهى مَظهَرانِ لِتَجَلِّي الاِسمِ "الاَوَّلِ وَالآخِرِ" فَكأنَّ المَبدأ وَالنَّواةَ الاَصليَّةَ بِالانتِظامِ وَالحِكمَةِ فِهرِستَةٌ، وَتَعرِفَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَجمُوعِ دَساتيرِ تَشكُّلِ الشَّجَرةِ، وَالنَّواتَاتُ في ثَمَراتِها الَّتي في نِهاياتِها مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الاِسمِ "الآخِر".
_____________________
1 [ لو كتبت هذه المرتبة السادسة كسائر المراتب لطالت جداً، لان »الامام المبين والكتاب المبين "لا يمكن بيانهما باختصار، وحيث اننا ذكرنا نبذة منهما في "الكلمة الثلاثين" فقد اجملنا هنا ، الاّ اننا اسردنا بعض الايضاحات اثناء الدرس] . المؤلف.




المثنوي العربي النوري - ص: 154
فَتِلكَ النَّواتاتُ في الثَّمَراتِ بِكمَالِ الحِكمَةِ كَأنَها صُنَيدِيقَاتٌ صَغيرَةٌ اُودِعَتْ فيها فِهرِستَةٌ وَتَعرِفَةٌ لتَشَكُّلِ ما يُشابِهُ تِلكَ الشَجَرةَ وَكأنَّها كُتِبَ فيها بِقَلَمِ القَدَرِ دَساتيرُ تَشكُّلِ شَجَراتٍ آتِيَةٍ. وَظاهِرُ الشَّجَرَةِ مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الاِسمِ "الظَّاهِرِ". فَظَاهِرُها بِكَمالِ الاِنتِظامِ وَالتَّزيينِ وَالحِكمَةِ كَأنَها حُلَّةٌ مُنتَظَمَةٌ مُزَيَّنَةٌ مُرَصَّعَةٌ، قَد قُدَّتْ عَلى مِقدارِ قَامَتِها بِكَمالِ الحِكمَةِ وَالعِنَايَةِ. وَبَاطِنُ تِلكَ الشَّجَرَةِ مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الاِسمِ "البَاطِنِ" فَبكَمالِ الانتِظامِ وَالتَّدبيرِ المُحَيِّرِ للِعُقُولِ، وَتَوزيعِ مَوَادِّ الحَياةِ الى الاَعَضاءِ المُختَلِفَةِ بِكَمالِ الانتِظامِ، كأنَّ باطِنَ تِلكَ الشَّجَرَةِ ماكِينَةٌ خَارِقَةٌ في غَايَةِ الاِنتَظامِ وَالاِتِّزَانِ. فَكَما أنَّ أوَّلَها تَعرِفَةٌ عَجيبَةٌ، وآخِرَها فِهرِستَةٌ خارِقَةٌ يشيرانِ إلى "الاِمامِ المُبينِ".. كَذَلكَ إنَّ ظَاهِرَها كحُلَّةٍ عَجيبَةِ الصَنْعَةِ، وَباطِنَها كَمَاكينَةٍ في غَايَةِ الاِنتِظامِ، يشيرَانِ إلى"الكِتَابِ المُبينِ". فَكما أنَّ القُوَّاتِ المُحَافِظاتِ في الاِنسانِ تُشيرُ إلى"اللَّوحِ المَحفُوظِ" وَتَدُلُّ عَلَيهِ، كَذلِكَ إنَّ النَّوَاتاتِ الاَصليَّةَ وَالثَّمَراتِ تُشيرَانِ في كُلِّ شَجَرةٍ إلى"الاِمامِ المُبينِ" وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ يَرمُزَانِ إلى"الكِتَابِ المُبينِ". فَقِسْ عَلى هذِهِ الشَّجَرَةِ الجُزئِيَّةِ شَجَرَةَ الاَرضِ بِمَاضِيها وَمُستَقبَلِها، وَشَجَرةَ الكَائِناتِ بِاَوائِلِها وَاتِيها، وَشَجَرةَ الاِنسانِ بِاجْدَادِها وَانسَالِها. وَهَكذا جَلَّ جَلالُ خالِقِها وَلا إلَهَ إلاّ هُوَ.. يا كَبيرُ أنتَ الَّذي لاتَهدِي العُقُولُ لِوَصفِ عَظَمَتِهِ، وَلاتَصِلُ الاَفْكَارُ إلى كُنْهِ جَبَرُوتِهِ..
المرتبة السابعة
جَلَّ جَلالُهُ الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قُدرَةً وَعِلماً إذ هُوَ الخَلاّقُ الفَتَّاحُ الفَعَّالُ العَلاّمُ الوَهَّابُ الفَيَّاضُ، 1 شَمسُ الاَزَلِ الَّذي: هذِهِ الكَائِناتُ بِانواعِها وَمَوجُودَاتِها ظِلالُ أنوَارهِ، وَآثارُ أفعَالِهِ، وَألوانُ نُقوشِ انواعِ تَجَلِّياتِ اسمائِهِ، وخُطُوطُ قَلَمِ قَضائِهِ
_____________________
1 [يمكن الانتقال الى المسمى ذي الجلال والاكرام بالنظر بمنظار هذه الاسماء المباركة الى مظاهر الافعال والآثار الالهية وراء هذه الموجودات ] . المؤلف



المثنوي العربي النوري - ص: 155
وَقَدَرِهِ، وَمَرَايَا تَجَلِّياتِ صِفَاتِهِ وَجَمَالِهِ وَجَلالِهِ وَكَمالِهِ؛ بِاجمَاعِ الشَّاهِدِ الأزَليِّ بِجَميعِ كُتُبِهِ وَصُحُفِهِ وآياتِهِ التَكْويِنيَّةِ والقُرآنيَّةِ، وباجمَاعِ الاَرضِ مَعَ العَالَمِ بِافتِقَاراتِها وَاحتِيَاجاتِها في ذاتِها وَذَرَّاتِها مَعَ تَظاهُرِ الغَناءِ المُطلَقِ وَالثَّروَةِ المُطلَقَةِ عَلَيها؛ وباجمَاعِ كُلِّ اهلِ الشُّهُودِ مِنْ ذَوي الاَرواحِ النَّيِّرَةِ، وَالقُلوبِ المُنَوَّرَةِ، وَالعُقُولِ النُّورانيَّةِ مِنَ الاَنبِيَاءِ وَالاَولِيَاءِ والاَصفِيَاءِ بِجَميعِ تَحقيقَاتِهِمْ وَكُشُوفَاتِهِمْ وَفُيُوضاتِهِمْ وَمُنَاجَاتِهِم. قَدْ اتَّفَقَ الكُلُّ مِنهُم، وَمِنَ الاَرضِ وَالاَجرَامِ العُلويَّةِ وَالسُّفليَّةِ بِما لا يُحَدُّ مِنْ شَهادَاتِهِمُ القَطعيَّةِ وَتَصدِيقاتِهِمُ اليَقينيَّةِ بِقُبولِ شَهَادَاتِ الآيَاتِ التَّكْوينيَّةِ والقُرآنيَّةِ وَشَهَادَاتِ الصُّحُفِ والكُتُبِ السَّماويَّةِ الَّتي هيَ شَهَادَةُ الوَاجِبِ الوُجُودِ عَلى أنَّ هذِهِ المَوجُودَاتِ: آثارُ قُدرَتِهِ ومكتوبات قَدَرِهِ وَمَرايا أسمائِهِ وَتَمَثُّلاتِ أنوَارِهِ.
جَلَّ جَلالُهُ وَلا إلَهَ إلاّ هُوَ..
***


المثنوي العربي النوري - ص: 156
خاتمة
فى مسائل مشهودة متفرقة
المسألة الاولى:
اعلم: إني اقول مادمتُ حياً، كما قال مولانا جلال الدين الرومي قُدس سرّه:
من بندهء قرآنم اكر جان دارم من خاك راه محمد مختاره م 1
لأني أرى القرآن منبع كلّ الفيوض، وما في آثاري من محاسن الحقائق ما هو الاّ من فيض القرآن. فلهذا لايرضى قلبي أن يخلو اثرٌ من آثاري من ذِكرِ نُبذٍ من مزايا اعجاز القرآن. ولقد ذكرتُ في [اللوامع] 2 انواع اعجاز القرآن البالغة الى نيف واربعين نوعاً. أذكرُ هنا تبركاً مسألة فقط؛ هي هذه:
انظر الى مَن قال؟ ولمَن قال؟ ولِمَا قال؟ وفيمَا قال؟
نعم! ان مَنابع علو طبقة الكلام؛ وقوتَه وحسنَه وجماله اربعةٌ: المتكلم، والمخَاطَبُ، والمقصدُ، والمقامُ. لا المقام فقط.. كما ضلّ فيه الادباء. وكذا ان الكلام لفظُه ليس جسداً بل لباسٌ له، ومعناه ليس روحاً بل بدنٌ له. وما حياتهُ الاّ مِن نية المتكلم وحسّه. وما روحه الاّ معنىً منفوخٌ من طرف المتكلم. فالكلام إن كان أمراً أو نهياً فقد يتضمن الارادة والقدرة بحسب درجة المتكلم، فتتضاعف علوية الكلام وقوته.
نعم؛ اين صورة امر فضولي ناشئ من اماني التمني وهو غير مسموع، واين الامر الحقيقي النافذ المتضمن للارادة والقدرة؟ فانظر اين
(يَا أرضُ ابْلَعي مَاءكِ ويَا سَماءُ أقلِعي) 3 واين خطاب البشر للجمادات كهذيانات المُبَرسَمين 4: "اسكني ياارض وانشقي ياسماء وقومي ياايتها القيامة".. وكذا اين أمر امير مُطاع لجيش

_____________________
1 [[مَادمتُ حياً فأنا خادم القرآن.. وانا تراب سبيل محمد المصطفى]].
2 المنشورة ملحقة بمجموعة »الكلمات«.
3 هود : 44
4 المبرسم : الذي اصيب بالبرسام ، وهو التهاب في الحجاب الذي بين الكبد والقلب.



المثنوي العربي النوري - ص: 157
عظيم مطيع بـ"آرش!..." 1 واهجموا على اعداء الله، فهجموا وغلبوا، ثم اين هذا الامر اذا صدر من حقير لايُبالى به وبأمره.. وكذا اين تصويرُ مالكٍ حقيقي، وآمرٍ مؤثر أمره، نافذ حكمه، وصانع وهو يصنع، ومُنعمٍ وهو يُحسن قد شرع يصوّر أفاعيله، يقول: فعلتُ كذا وكذا.. افعل هذا وذاك.. صيّرتُ لبيتكم الارضَ فرشاً والسماء سقفاً، ثم اين تصوير فضولي وبحثه عن افاعيل لاتماسَّ له بها.. وكذا اين أعيان النجومِ ثم اين تماثيلها الصغيرة السيالة - التي لا هي موجودة ولا معدومة - المرئية في الزُجيجات؟ نعم، اين ملائكة كلمات كلام خالق الشمس والقمر، ثم اين زنابير مزامير مزوّرات البشر؟.. وكذا اين الفاظ القرآن التي هي اصداف الهدى والحقائق الايمانية والاساسات المنبثة من عرش الرحمن مع تضمن اللفظ للخطاب الازلي وللعلم والقدرة والارادة، ثم اين الفاظ الانسان الهوائية الواهية الهَوسيَة؟ 2.. وكذا اين شجرة تفرعت واورقت وازهرت واثمرت، ثم اين المعجون الذي اتخذه احد من بعض ثمراتها بتغيير صورة الثمرات وازالة العقدة الحياتية منها مع مزجها بمادة اخرى؟
نعم! ان القرآن انبتَ شجرةً هكذا فانقلبت كل نويّاته دساتير عملية واشجاراً مثمرةً، تشكل وتركب منها هذا العالمُ الاسلامي بمعنوياته واعماله، فأخذ منها كلُّ الافكار فتَصَّرفَ فيها الى الآن حتى صارت حقائقهُ العلوية العالية علوماً متعارفة ومُسَلّماتٍ. فيقوم احدٌ ويأخذ من تلك الحقائق ويتصرف فيها بتغيير الصورة، فتزيل منها العقدةَ الحياتية. ثم على زعمه يزيّنها بتهوسه، فيوازن ذوقه الفاسد بينه وبين الآيات. فكيف يمكن الموازنة بين الصورة العَرضَية التابعة المنحوتة بهوس الصبيان في جواهر منتظمة ودرر منثورة، وبين تلك الجواهر والدرر نفسها؟
ولقد شاهدتُ ان مشاهدة جمال القرآن تابعةٌ لدرجةِ سلامة القلب وصحته. فمريضُ القلب لايشاهد الاّ ما يشوّه له مرضه. فاسلوب القرآن والقلب كلاهما مرآتان ينعكس كلُّ واحدٍ في الآخر.

_____________________
1 ايعاز عسكري بمعنى : تقدم ، سر.
2 الهوس: مصدر هاس: وهو طرف من الجنون وخفة العقل.



المثنوي العربي النوري - ص: 158
نكتة 1......... 2
نكتة:
ولأن الايمان يؤسس الاخوة بين كل شئ، لايشتد الحرصُ والعداوةُ والحقد والوحشة في روح المؤمن؛ إذ بالدقة يرى اعدى عدوه نوع اخٍ له.. ولأن الكفر يؤسس اجنبيةً وافتراقاً - لا الى اتصال - بين كل الاشياء، يشتد في الكافر الحرصُ والعداوةُ والتزام النفس والاعتمادُ عليها. ومن هذا السر صاروا غالبين في الحياة الدنيا. ولأن الكافر يرى في الدنيا مكافأة حسناتِه في الجملة، والمؤمن يرى جزاءَ بعضَ سيئآته في الدنيا؛ صارت (سجن المؤمن وجنة الكافر). 3
واعلم: ان اكسير الايمان اذا دخل في القلب يصيّر الانسان جوهراً لائقاً للابدية والجنة، وبالكفر يصير خزفاً خالياً فانياً. اذ الايمانُ يرى تحت القشر الفاني لباً لطيفاً رصيناً، ويرى مايُتوهم حَباباً مُشمساً زائلاً، ألماساً متنوراً. والكفر يرى القشر لباً فيتصلب فيه فقط. فتنزل درجة الانسان من الألماس؛ الى الزجاجة بل الى الجمد، بل الى الحباب، هكذا شاهدتُ..
نقطة
قد شاهدتُ ازدياد العلم الفلسفي في أزديادِ المرض، كما رأيت ازدياد المرض في ازدياد العلم العقلي. فالامراض المعنوية توصِلُ الى علوم عقلية، كما ان العلوم العقلية تولّد امراضاً قلبية.

_____________________
1 النكتة: هي مسألة لطيفة اخرجت بدقة نظر وامعان فكر ، وسميت المسألة الدقيقة نكتة لتأثير الخواطر في استنباطها (التعريفات للجرجاني).
2 في (ط1) : نكتة : (اعلم) ان ما يُرى على كل شئ من اثر الشعور والعلم والبصر فيه إطلاق يشير الى عدم التناهي ، لا يتيسر للمقيّد المتناهي - من الشعور والعلم والبصر - ذلك التأثير . وان ذرة الاطلاق وعدم التناهي اجلّ واعظم بلا حدّ من المحدود المقيد.. فإن شئت تقريب هذه الحقيقة الى الفهم فانظر الى »عالم المثال« الذي هو اقرب الى الاطلاق من عالم الشهادة المقيد، ترَ ذرة من جرم شفاف - الذي هو منفذ من هنا الى عالم المثال - يمكن ان تسع - تلك الذرة من الصور المثالية ما لا تسع الارض من اعيانها.
3 (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) : رواه مسلم (2959) كتاب الزهد ، وابن ماجة (4113) كتاب الزهد ، والترمذي (2324) كتاب الزهد ايضاً . ورواه احمد في مسنده (2 / 458) وكلهم عن ابي هريرة.



المثنوي العربي النوري - ص: 159
وكذا شاهدت الدنيا ذات وجهين:
وجه: ظاهرهُ مأنوس في الجملة مؤقتاً، باطنهُ موحشٌ الى مالايحد.
ووجه: ظاهره موحِش في الجملة، وباطنهُ مؤنس الى مالانهاية.
فالقرآن يوجّه الانظار الى الوجه الثاني، الذي يتصل بالآخرة. والوجه الاول الذي يتصل بالعدم ضد الآخرة، وضرّتها ومعكوستها حسنه قبيحها، قبيحه حسنها.
وكذا شاهدتُ ان ما في الممكن من وجه الوجود بالانانية يوصِل الى العدم وينقلبُ اليه، وما فيه من وجه العدم بتركِ الانانية ينظرُ الى الوجود الواجب. فان اَحببتَ الوجودَ فانعدم لِتَجِد الوجود..
نكتة
اعلم! ان النية إحدى الكلمات الاربعة التي ذُكرت في المقدمة انها محصولة اربعين سنة من عمري!
نعم! ان النية؛ اكسيرٌ عجيب تقلب بخاصيتها العادات الترابية والحركات الرملية 1 الى جوهر العبادة.. وكذا هي روح نافذة تحيا بها الحالات الميتة، فتصير عبادات حيوية.. وكذا فيها خاصيةٌ تقلبُ السيئات حسنات.
فالنية روح، وروحها "الاخلاص" فلا خلاص الاّ بالاخلاص. ويمكن بالنية - بسبب هذه الخاصية - عملُ كثير في زمانٍ قليل، فيمكن اشتراء الجنة بما يُعمل في هذا العمر القليل بهمّة تلك الخاصية.
وبالنية يصيرُ المرءُ شاكراً دائماً؛ لأن ما في الدنيا من اللذائذ والنِعَم يُقتطف بوجهين:
الوجه الاول: يقول المرءُ بسبب النية هذه النعمة مَدَّتْها اليّ يدُ رحيمٍ محسن، فينتقل نظرهُ من النِعمة الى الإِنعام. فيتلذذ به ازيد من نفس النعمة.

_____________________
1 اي العادات الارضية.



عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - قطرة


المثنوي العربي النوري - ص: 160
والوجه الثاني: يتحرى اللذة بتهّوس النفس. فلا يتخطر الإنعام، انما ينحصر نظرهُ على النعمةِ واللذة فيتلقى اللذةَ غنيمةً فيقتطفها بلا مِنّة، بل يغتصبها.
ففي الوجه الاول: تموت اللذةُ بالزوال ويبقى روحُها، اي: إن رحمةَ المُنعم تَخَطّرتني، فلا تنساني. فهذا التخطُر رابطةٌ ومناسبةٌ في الخاطر!
وفي الوجه الثاني: لاتموت اللذة الموقتة ليبقى روحُها، بل تنطفئ ويبقى دخانُها. والمصيبة يخمد دخانها ويبقى نورها، ودخانُ اللذة زوالها واثمها.
واذا نُظرَ بنور الايمان الى اللذائذ المشروعة في الدنيا والنِعَم في الآخرة، يرى فيها حركة دورية ووضعية تتعاقب فيها الامثالُ، فلا تنطفئ الماهية، وانما يحصل الفراقُ والافتراق عن التشخصات الجزئية. فلهذا لاينغَّص - بألم الزوال والفراق - اللذائذُ الايمانية بخلاف الوجه الثاني. فان لكلّ لذةٍ زوالاً، وزوالُها ألَمٌ، بل تَصورُ الزوالِ ايضاً ألمٌ؛ اذ في الوجه الثاني، ليست الحركة دوريةً بل حركةٌ مستقيمة، ففيها اللذة محكومة بالموت الابدي..
نقطة
اعلم: ان التعلق بالاسباب سببُ الذلّة والاهانة. ألا ترى ان الكلب قد اشتهر بعَشرِ صفاتٍ حسنة، حتى صارت صداقتهُ ووفاؤه تُضربُ بهما الامثال؟! .. فمن شأنه ان يكون بين الناس مباركاً. ففضلاً من المباركية ينزل على رأس المسكين من طرف الانسان ضربةُ الاهانة بالتنجيس؛ مع ان الدجاجة والبقر حتى السنّور، الذين ليس فيهم حسّ شكرانٍ وصداقةٍ في مقابلة احسانِ البشر، يُشرَّفون بين الناس بالمباركية. اقول - بشرط ان لاينكسر قلب الكلب ولايصير غيبةً - إن سببه: أن الكلب بسبب مرض الحرص اهتم بالسبب الظاهري، بدرجةٍ أغفَلته بجهةٍ عن المُنعمِ الحقيقي، فتوهَّم الواسطة مؤثرةً. فذاق جزاءَ غفلته بالتنجيس، فَتَطهّر.. وأكل ضربَ الاهانة كفارةً للغفلة، فانتَبه!. اما سائر الحيوانات المباركة فلا يعرفون الوسائط ولا يقيمون لها وزناً، او يقيمون لها وزناً خفيفاً. مثلاً: ان السنّور يتضرع حتى يأخذ الاحسان، فاذا اخذ فكأنه لايعرفك ولاتعرفه. ولايحس في نفسه شكراناً لك. بل انما


المثنوي العربي النوري - ص: 161
يشكر المنعم الحقيقي بـ: يارحيم.. يارحيم.. يارحيم.. فقط؛ اذ الفطرة تعرف صانعَها وتعبدهُ شعورياً وغير شعوري..
نكتة:
ولقد شاهدتُ: انه لو لم يُسند كلُّ شئ اليه تعالى لَزِمَ اثبات آلهة - كلٌّ منها ضدٌ للكل، ومِثلٌ في آن واحدٍ - غير متناهية.. يزيدعددُها على عدد ذرات العالم ومركباتها، بوجهٍ يكون كلُّ إلهٍ يَمُدُّ يَدَه الى مجموع العالم ويتصرف فيه.
مثلاً ان القدرة الخالقة لفردِ نحلةٍ او حبةِ عنب، لابد ان ينفُذ ويَجري حكمُها في عناصر الكائنات؛ اذ هما اُنموذجان أخذَت اجزاؤهما من جميع الكون. مع انه لامحل في الوجود إلاّ للواجب الأحد. واما لو احيلت الاشياءُ على انفسها لزِمَ اثباتُ الألوهية لكلِّ ذرةٍ. الا ترى ان الاحجار التي في قبة "آيا صوفيه" 1 اذا انتفى الباني، لزِمَ ان يكون كلُّ حجرٍ منها مثلُ "معمار سنان" 2. فدلالةُ الكائنات على خالقها الواحد اظهرُ وأنورُ وأجلى وأولى وافصحُ واوضحُ من دلالتها على وجود نفسها بمراتب. فيمكن انكارُ الكون ولايمكن انكار الواحد الاحد القدير على كل شئ..
نقطة
ما اعجب شأن الضلالة بسبب الغفلة! كيف استخرجت العلّية من المقارنة الساذجة والدوران الطردية بين المصنوعات! مع ارتكاب محالاتٍ متسلسلة، مع انه لم يتبين ولم يتحقق قط في شئ من الاشياء امارةٌ صادقة على وجود شريكِ صانعٍ لذلك الشئ، بل تحت صنعةِ كلِّ شئ مجهوليةٌ تتكشف عن قدرة غير متناهية لقدير واجب الوجود. فياخسارة الانسان وياجهالته!.. كيف اخذ الشركُ لنفسه موقعاً في نفسه وفي عقله!.

_____________________
1 كنيسة قديمة حوّلها السلطان محمد الفاتح الى جامع ، وظل هكذا طوال قرون عدة حتى حوّلها مصطفى كمال الى متحف سنة 1934 .
2 اكبر مهندس معماري عثماني (1489 - 1578) اشرف على بناء جوامع وآثار كثيرة اهمها جامع سليمية ، سليمانية ، شهزادة.



المثنوي العربي النوري - ص: 162
نكتة:
وما في نون (نعبُدُ) من سر الجماعة، يصور للمصلي المتنبه سطحَ الارض مسجداً، اصطفّ فيه - مع المصلي - جميعُ المؤمنين، ويرى نفسه في تلك الجماعة العظمى. وبما في اجماع الانبياء والأولياء على ذكر "لا إله إلاّ الله" من توافق الاصوات يتيسرُ للذاكرِ ان يرى الزمانَ "حلقة ذكرٍ" تحت رياسة "إمام الانبياء".. في يمين الماضي "الانبياء" قاعدون.. في يسار الاستقبال "الاولياء" جالسون.. يذكرون الله بصوتٍ يسمعه مَن ألقى السمعَ وهو شهيد. فان كان حديد السمع والبصيرة استمع الذكر من مجموع المصنوعات ايضاً ورأى نفسه في حلقة ذِكرها..
نقطة
إعلم! أن محبة ماسواه تعالى على وجهين:
وجهٍِ ينزل من علوٍ، أي يحب الله فبحبّهِ يُحب من يُحبّهُ الله، فهذه المحبة لاتُنقصُ من محبة الله بل تزيدها.
والوجه الثاني: يَعرُج من سُفلٍ، أي يحب الوسائل، فيتدرج في محبتها ليتوسل الى محبة الله، فهذه المحبة تتفرق، وقد تصادف وسيلة قوية فتقطع عليها الطريق فتهلكها، وإن وصلت.. وصلت بنقصان.
نكتة
اعلم! ان الرزاق جل شأنه تعهّد بآية:
(وَمَا مِن دَآبَةٍ في الأرضِ إلاّ عَلى الله رزقُهَا) 1 رزق كل دابة، الاّ ان الرزق قسمان:
حقيقي ومجازي، فالمتكفَّل بالآية هو الحقيقي. واما المجازي الصُنعي اللازم بالتزام ما لايلزم وبالاختيارات السيئة والاعتيادات المضرة، حتى صارت الحاجات الغير الضرورية ضرورية، فَلَبست الحاجاتُ الكاذبة صورةَ الرزق. فهذا الرزق غير متكفَّل
_____________________
1 هود : 6




المثنوي العربي النوري - ص: 163
بالآية. ومَن تأمل في الباذنجانات التي هي اسماكُ البر وفي الاسماك التي هي باذنجانات البحر كيف اسَمَنتها القدرة الفاطرة؛ اذ كلها سمينة - ما فيها هزيلة - يأتيها رزقُها رغداً من حيث لاتحتسب.. عَلِم ان الوسوسة في الرزق واتهام الرزاق، من البلاهة.
نكتة
اعلم! ان المصائب التي تصيب المعصوم من الحيوان والانسان، يجوز ان يكون لها اسبابٌ تدقّ عن فهم البشر؛ مثلاً: ان الشريعة الفطرية التي هي دساتير المشيئة، لاتنظر الى العقل حتى يَسقط التكليفُ بها عند عدم العقل، بل تنظرُ الى القلب والحس، بل والاستعداد ايضاً، فتجازي على أفاعيلها.. وقد نشاهد الحيوان كاملاً في حس النفس، والصبي بالغاً في حس القلب، بل حس طفلك، اكمل من عقلك واشد تيقظاً؛ اذ تظلِمُ يتيماً بالضرب ولايمنعك عقلُك، وصبيُك الناظر اليك يُبكيه حسُّ شفقته.. لو كان هو لانزجر.
فاذ كان هذا هكذا؛ فالصبي الذي يمزّق للتهوس والتلهي نحلةً مسكينة، ولم يسمع نهي حسّ شفقته الحساسة، فاصيب بأن انكسر رأسه.. استحقَّ.
مثلا: ان النمرة تحس في نفسها على شبلها شفقةً شديدة ومع رفيقها حس حماية، فلا يمنعها هذان الحسّان من تمزيق الظبية المسكينة.. فمزّقتها، ثم اصيبت هي ببندقة 1 الصياد مثلا، أفلا تكون مستحقة؟ اذ رزقها الحلال امواتُ الحيوانات لااحياؤها! على ان هذا مبنيّ على توهم مالكية الحيوانات لأنفسها، والحق ان هذا باطل كما مرّ سابقاً. وان المالك الحقيقي هو مالك الملك ذو الجلال والاكرام يتصرف في ملكه كيف يشآء، وهو الفاعل المختار الفعال لما يريدُ
(لايُسئَلُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسئَلون) 2.
***
_____________________
1 البندق : كل ما يرمي به رصاص كروي وغيره ، ومنه البندقية المعروفة .
2 الانبياء : 23




المثنوي العربي النوري - ص: 164
ذيل القطرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ لله رَبّ العَالمين.
والصَلاةُ والسّلامُ على سيدنا مُحمّدٍ وعلى آله وصَحبهِ أجمَعين.
رمز
اعلم! ان الصلاة في اول الوقت، والنظر الى الكعبة خيالاً مندوبٌ اليهما، ليرى المصلي حول بيت الله صفوفاً كالدوائر المتداخلة المتّحدة المركز، فكما احاط الصفُ الأقربُ بالبيت، احاطَ الأبعدُ بعالم الاسلام. فيشتاق الى الانسلاك في سلكهم. وبعد الانسلاك يصير له اجماعُ تلك الجماعة العظمى وتواتُرهم حجةً وبرهاناً قاطعاً على كل حُكمٍ ودعوى تتضمنّها الصلاة.


المثنوي العربي النوري - ص: 165
مثلا: اذا قال المصلّي "الحمد لله" كانه يقول كلُّ المؤمنين المأمومين في مسجد الارض: نعم صَدَقتَ 1. فيتضاءل ويضمحل تكذيبُ الاوهام ووسوسة الشياطين. وكذا يستفيض كلّ من الحواس واللطائف حصةً وذوقاً وايماناً، ولايعوقها لِمَ؟ وكيف؟ ففي اول الوقت تنعقد الجماعةُ العظمى "للمتقين" ولإتفاق الصلوات الخمس في الاقوال والاركان لايخلّ اختلاف المطالع بخيال المصلي.. ولينظر المصلي وهو في مكانه الى الكعبة، وهي في مكانها لايجذبها اليه ولايذهب اليها ليتظاهر الصفوف، لايشتغل بها قصداً، بل يكفي شعورٌ تَبَعي. ومايُدريك لعل القَدر الذي لايَهملُ شيئاً من الاشياء يكتب باشكال هذه الصفوف المباركة المنتظمة في حركاتها سطوراً على صحائف عالَم المثال الذي من شأنه حفظ ما فيه دائماً..
رمز
اعلم! إنّي شاهدت في سيري في الظلمات، السُّنَن السَّنية نجوماً ومصابيح، كلُّ سنَّةٍ، وكلُّ حَدٍ شرعي يتلمع بين مالايُحصر من الطرق المظلمة المضلّة. وبالانحراف عن السنة يصير المرء لعبة الشياطين، ومركَب الاوهام، ومعرض الاهوال، ومطية الاثقال - امثال الجبال - التي تحملها السنةُ عنه لو اتّبعها.
وشاهدتُ السننَ كالحبالِ المتدلّية من السماء، من استمسك ولو بجزئي استَصعد واستسعد. ورأيتُ مَن خالَفَها واعتمدَ على العقل الدائر بين الناس، كمَن يريد ان يبلُغَ اسباب السموات بالوسائل الارضية فيتحمّق كما تَحمّقَ فرعونُ بـ
(ياهَامَانُ اِبنِ لِي صَرحَاً..) 2.
رمز
اعلم! ان في النفس عقدة مغلقةً مدهشةً تُصيّرُ الضدَّ مولِّدَ الضّدِ، وترى ماعليها كأنه لها.
مثلاً: ان الشمس تصل يدُها إليك تمسحُ او تضربُ وجهكَ، ولاتصل يدُك اليها ولايؤثر (كيفُك) 3 فيها. فهي قريبةٌ اليك، بعيدة منك!.. فكما ان جعل وجه
_____________________
1 حيث يقولون جميعاً : الحمد لله ، مثله.
2 غافر : 36
3 الكيف: المزاح والسرور، والمقصود هنا: ما تشتهيه وترغبه.



المثنوي العربي النوري - ص: 166
البُعديّة دليلاً على عدم تأثيرها فيك، ووجه القُربية دليلاً على تأثرها منك، جهلٌ.. كذلك نظرُ النفس - بعين الهوى والانانية - الى خالقها القريب اليها، البعيد منها سببُ ضلالتها.
وكذا ترى النفسُ عظمة المكافأة، فمن شدة الحرص تقول: ليت، وانّى، وهيهات. وتسمع دهشة المجازاة، فمن شدة الخوف تتسلى بالتعامي والإنكار.
فيا ايتها النقطة السوداء الحمقاء 1 ان افعاله تعالى انما تليق به وتنظر اليه تعالى، لا بكَ ولا الى حَوصلتِكَ الضيقة، ولا بنَى هندسةَ الكائنات على هَوَسِك، ولا أشهَدَك خَلقها. ولقد صدق الامام الرباني في قوله: "لايحمل عطايا المَلِك الاّ مطاياه".
رمز
اعلم! ان مَن يُزَيِّن رأسكَ ويُحسنه، ويعلّق به زينةَ البصر؛ أبصرُ بك منك. فالصانعُ الذي زيّن رأسك بفصّي العينين، وصَدَفي الاُذنين، وعلّق مرجان اللسان في مغارة وجهك - يتلقلق - لهو أبصر بك منك، واقربُ اليك منك، واشفقُ عليك منك، واسمع لك منك..
رمز
اعلم! ان الدعاء لاسيما من المضطرين، له تأثير عظيم، يسخَّر بسببه اقوى الاشياء واعظمها لأضعفِ الاشياء واصغرها، كسكوتِ غضب البحر لأجل معصومٍ على لوحٍ منكسر دعا بقلبٍ منكسر؛ فيدلّ على ان المجيبَ يحكم على الكل فهو ربُّ الكل.
رمز
اعلم! ان من اهم مرض ضلالة النفس؛ طلبُ شوكةِ الكلِ من الجزء، وحِشمةِ السلطان من نَفَر، فاذا لم تجده فيه تَردُّه. مثلاً: تطلب تمامَ تجليات الشمس في تمثالها المرتسِم في حباب، فاذا لم تجد بالتمام تَنكرُ أنه منها.
_____________________
1 اي "أنا"




المثنوي العربي النوري - ص: 167
ايتها النفس!. وحدةُ الشمس لاتستلزم وحدة التجليات، وان الدلالة لاتستلزم التضمن، وان ما يصفُ لايلزم ان يتَّصف؛ فالذرةُ الشفافة تصفُ الشمسَ، والنحلة تصف الصانعَ الحكيم.
رمز
اعلم! ان الذهاب في طريق الكفر كالذهاب في الجَمَد بل تحت التراب بل الحديد، مع دفع الدافعة، مشكلٌ عسير على من توجَّه اليه قصداً وبالذات. وهذا الاشكال يستتر تحت النظر التَبعي.
وفي سبيل الايمان كالذهاب في الماء بل الهواء بل الضياء، مع جذبة الجاذبة، سهلٌ يسير للموفَّق.
مثلا: تريد ان تقابل الشمسُ جهاتك الستة، فإما ان تتحول انت بلا كُلفة فيحصل المقصود، واما ان تكلف الشمسَ قطع مسافةٍ مدهشةٍ لمقصد جزئي. فالاول: مثال التوحيد سهولةً. والثاني: مثال الشرك إشكالاً، هكذا شاهدتُ. وبرهان هذا الرمز في "قطرة".
فان قلت: فكيف يُقبل الكفر مع هذا الاشكال ويُترك الايمان مع هذه السهولة؟..
قيل لك: ان الكفر لايُقبل قصداً، بل يُزلَق بسوء الهوى ويسقط فيه ويتلوث به. واما الايمان فيُقصد فيقبَل ويُوضع في القلب.
رمز
اعلم! انه كما ان الكلمة الفردةَ مسموعةٌ لألوفٍ من المخاطبين كواحدٍ لافرقَ بين الواحد والملايين، كذلك نسبةُ الاشياء الى القدرة الازلية، لافرق بين الفرد والنوع..
رمز
اعلم! ان جامعية القرآن ووسعته، ومراعاته لحسيات طبقات المخاطبين، لاسيما: تَنّزلاته لتأنيس العوام - الذين هم الاكثر المطلق والمخاطبون اولاً وبالذات - مع انها سببٌ لكماله. فالنفس المريضة تضلّ بها؛ اذ تتحرى في ادنى طرزِ تفهيمِه المناسب


المثنوي العربي النوري - ص: 168
للمقام أعلى وأزينَ صور الافادة، وتصيّر الاسلوبَ - الذي هو ميزانٌ ومَعكَسٌ لحسّ المخاطب وفهمهِ - ميزاناً ومرصاداً تنظُرُ منه الى المتكلم، فتضل ضلالاً بعيداً!..
رمز
كيف السكون الى الدنيا بالوجه الثالث والفرح بها؟.. ان الدنيا لها وجوه ثلاثة:
وجه: ينظر الى اسماء الله.
ووجه: هو مزرعة الآخرة.. فهذان الوجهان حَسنان.
والوجه الثالث: الدنيا في ذاتها بالمعنى الاسمي، مدار للهوسات الانسانية ومطالب الحياة الفانية.
انا رُكِّبتُ نقطةً ميتة، وتركَبُني جيفةٌ ميتة. ويومي تابوتي، بين أمسِ وغدٍ قبرَي أبي وابنه. فانا بين تضييق ميتتين وضغطة القبرين. الاّ ان الدنيا من جهة انها مزرعة الآخرة والنظر اليها بنور الايمان تصير كجنةٍ معنوية.
رمز
اعلم! ان وجودك كالبندقة الميرية 1 او الفرس الميري في يد عسكر. كما ان العكسر مكلّف بتعهد بندقته وفرسه السلطانيَين، كذلك انت مكلف بحفظ امانتك وتعهدها..
اعلم! ان السائق لهذا القول، اني رأيت نفسي مغرورة بمحاسنها. فقلتُ: لاتملكين شيئاً!. فقالت: فاذاً لااهتم بما ليس لي من البدن.. فقلت: لابد ان لاتكوني اقل من الذباب.. فان شئتِ شاهداً فانظري الى هذا الذباب، كيفَ ينظِّفُ جناحَيهِ برجليهِ ويمسحُ عينيه ورأسه بيديه! سبحان من ألهَمَه هذا، وصيّره استاذاً لي وأفحمَ به نفسي!.
رمز
اعلم! ان من المزالق للاقدام: خلطُ احكامِ الاسم "الباطن" بأحكام الاسم "الظاهر" وسؤالها منه.. ولوازم "القدرة" بلوازم "الحكمة" وطلب رؤيتها فيها..
_____________________
1 اي التي تملكها الدولة.



المثنوي العربي النوري - ص: 169
ومقتضيات دائرة "الاسباب" بمقتضيات دائرة "الاعتقاد والتوحيد" وطلبها منها.. وتعلقات "القدرة" بجلوات "الوجود" او تجليات سائر الصفات، وملاحظة نواميسها وحِكمها فيها.. مثلاً: وجودُك هنا تدريجي، ووجودك في المرايا البرزخية دفعيّ آني؛ لتمايز الصفات الالهية في التعلقات.. وللفرق بين الايجاد والتجلي.
رمز
اعلم! ان الاسلامية رحمة عامة، حتى ان الكفار سعادةَ حياتهم الدنيوية وعدَم انقلاب لذائذهم الى الآلام الأليمة، سببُها الاسلامية!.. اذ الاسلامية قَلَبت الجحود والكفر المطلق، والانكار المحض المتضمنين لليأس الاليم، والالم الشديد الى الشك والتردد. فالكافر بسبب تولّد احتمال الحياة الابدية في ذهنه بصيحةِ القرآن يستريحُ من الألم المنغِّص، وبعدم اليقين يستريح من الكلفة اللازمة للديانة. فهو كالنعامة (ابل الطير) اذا قيل له: طِرْ يقول: انا ابل.. اذا قيل له: احمل الحمل. يقول: انا طير! فهذه الدسيسة الشيطانية هي التي صيَّرت الكافر والفاسقَ مسعودين ظاهراً في الحياة الدنيوية بالنسبة الى الكافر المطلق والمؤمن الخالص..
رمز
اعلم! ان النفس لاتريد ان تعترفَ وتتصور صُدور ما هو اصغر او اقلُ قيمةً منها من يدِ قدرةِ الخالق، لتحافظ على دائرة ربوبية نفسها، فتعطي للخالق مافوقَها، وتتغافل عما تحتها. فما دامت لم تر نفسَها اصغر الاشياء او لاشئ، لاتخلَص من ميل نوعِ تعطيلٍ 1 او شرك خفي.
رمز
اعلم! ان النفس بسبب تكاسلها في وظيفتها، تريد أن لايكون عليها رقيب فتحب التستر. فتلاحظ عدم المالك مكرراً، فتعتقد حريتها؛ فأولاً تتمنى، ثم تترجى، ثم تلاحظ، ثم تتصور، ثم تعتقد العدَم. ثم تمرُق من الدين!.. ولو استشعرت بما تحت الحرية والراحة وعدم المسؤولية من الاهوال المدهشة المحرقة واليُتم الحزين الأليم؛ لما مالتْ أدنى ميلٍ، بل لفرّتْ وتبرأت وتابت أو ماتت.
_____________________
1 اي انكار صفات الخالق.




المثنوي العربي النوري - ص: 170
رمز
اعلم! ان الاشياء تتفاوت بتفاوت مدار الاستناد. مثلاً: ان النفر المستند بسلطانٍ عظيم يفعل ما لا يقتدر عليه (شاه) 1 عظيم، فالنفر يزيد بسبعِ مراتب على من زاد عليه بسبعين مراتب. فالبعوضة المأمورة من طرف القدرة الازلية تغلب نمرود النماريد المتمرّدة. فالنواة المأذونة من طرف فالق الحَبّ والنوى، تتضمن وتَسَعُ كلَّ ما تحتاج اليه النخلةُ الباسقة، ولاتسعُهُ (فابريقات) تسَع قريةً..
اعلم! ان الفرق بين طريقي في "قطرة" المستفادة من القرآن؛ وطريق اهل النظر والفلاسفة، هو اني احفر اينما كنتُ، فيخرج الماءُ، وهم تشبثوا بوضعِ ميازيب وانابيب لمجئ الماء من طرفِ العالَم ويُسلسِلونَ سلاسل وسلالمَ الى مافوق العَرش لجلب ماء الحياة، فيلزم عليهم بسبب قبول السبب وضع ملايين من حفظة البراهين في تلك الطريق الطويلة لحفظها من تخريب شياطين الاوهام. واما ما علَّمنا القرآنُ فما هو الاّ ان اُعطينا مثلَ "عصا موسى" اينما كنتُ - ولو على الصخرة - اضربُ عصاي فينفجر ماءُ الحياة، ولا احتاج الى السفر الطويل الى خارج العالم، وتعهّد الانابيب الطويلة من الانثلام والانكسار..
رمز
(اي واه) وااسفاً!. إن وجودَ النفس عمى في عينها، بل عينُ عُميها، ولو بقي من الوجود مقدارُ جناحِ الذباب يصيرُ حجاباً يمنع رؤيتها شمسَ الحقيقة. فقد شاهدتُ ان النفسَ بسبب الوجود ترى على صخرةٍ صغيرةٍ في قلعة عظيمة مرصوصةٍ من البراهين القاطعة ضعفاً ورخاوةً، فتنكر وجود القلعة بتمامها. فقس من هنا درجة جهلها الناشئ من رؤيتها لوجودها..
رمز
اعلم! يا انا قد علمتَ انه ما في يدك منك من الاُلوف، الاّ جزءٌ مشكوك. فأبنِ على ذلك الجزء الاختياري الضعيف مايطيق حملَه. ولاتحمل على الشعرة الشعورية الصخورَ العظيمة، ولاتحمل على ماليس إليك، الاّ باذن مالِكهِ.
_____________________
1 رتبة عظيمة قريبة من السلطان.



المثنوي العربي النوري - ص: 171
فاذا تكلمتَ بحسابكَ - بالغفلة - فلا تتجاوز عن حدك، وميدان جولانك شعرة فقط.
واذا تكلمت بحساب مالك الملك فاحمل ماترى كيفما أمر، وكيفما يشاء لا كيفما تشاء وإذنُ المالكِ ومشيئتُه تُعرف من شريعته.
رمز
يامن يطلب الشهرة المسماة في العرف بـ(شان وشرف)! اسمع مني. فقد شاهدتُ الشهرةَ عينَ الرياء وموتَ القلب، فلا تطلبها لئلا تصير عبدَ الناس، فان اعطيتَها فقل:
(إنَّا لله وإنَّا الَيهِ رَاجِعُونَ) 1.
***
_____________________
1 البقرة : 156



المثنوي العربي النوري - ص: 172
تقريظ
الشيخ صفوت افندي
رئيس مجلس تدقيق المصاحف الشريفة والمؤلفات الشرعية 1
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
احمد الله سبحانه وأصلي واسلم على نبيه الذي انزل عليه قرآنه وعلى آله واصحابه الذين شيّدوا معالمَ الدين ومهّدوا بنيانه.. وبعد:
فقد تجلى لعيني هذه "القطرة من بحر التوحيد" فرأيت لافرقَ بينها وبينه، لأنها اظهرت وافاضت في دين الاسلام عينه، وفي الحقيقة منه بدت واليه تعود، فشَكَر الله تعالى سعي اخينا في رضاعة ثدي الاسلام المغترف من بحار التوحيد "بديع الزمان العلاّمة سعيد" والغريب في هذه الأيام.. فطوبى للغرباء.. كما قال عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين.
الفقير اليه سبحانه
تراب اقدام العلماء
صفوت
***
_____________________
1 هو مصطفى صفوت، ولد ( 1282هـ) في اورفة ، تخرج في الازهر، كان يتقن العربية والتركية والفارسية. اصدر مجلة اسبوعية في استانبول سنة 1327باسم "التصوف ". تقلّد مناصب علمية عديدة، حتى اصبح عضواً في "دار الحكمة الاسلامية " وعيّن رئيساً لهيئة تدقيق المصاحف والمؤلفات الشرعية سنة 1335هـ . وانتخب للمرة الثانية نائباً من اورفة وظل هكذا حتى سنة 1927م.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المثنوي العربي النوري - قطعة من شمة عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 4 03-23-2011 08:14 PM
المثنوي العربي النوري - شَمَّةٌ عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 1 03-23-2011 08:07 PM
المثنوي العربي النوري - ذرة عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 1 03-23-2011 08:04 PM
المثنوي العربي النوري - حبة عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 3 03-23-2011 07:55 PM
المثنوي العربي النوري - حباب عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 3 03-23-2011 07:49 PM


الساعة الآن 11:11 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir