المولد النبوي الشريف
المولد النبوي الشريف
جريدة المدينة
لينة خالد آل معينا
* بداية أود أن أهنئ الأمة الإسلامية بذكرى ميلاد رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أهم حدث في تاريخ البشرية جمعاء، وبهذه المناسبة الغالية على نفوسنا جميعًا أقول: انهالت الرسائل والإيميلات قبل ذكرى المولد النبوي الشريف بين مُحبِّذ ومُنكر، رسائل تُحذِّر من الاحتفال بالمولد النبوي باعتباره بدعة محدثة، وأنه تشبّه بأعداء الله من اليهود والنصارى، وأن الواجب على أهل الإسلام ترك ذلك والحذر منه، وإنكاره على من فعله، وعدم نشر ما يُشجّع على ذلك، والأخرى تقول: مولد النبي صلى الله عليه وسلم 12 ربيع الأول يُصادف نفس يوم «عيد الحب»، وتقول الرسالة: «خلّوا الناس تستحي على دمها».. رسالتين مختلفتين. ثم جاءتني يوم الاثنين رسالة على جوالي من أخت تصغرني سنًا ذات سبعة عشر عامًا، وهي صديقة وقريبة لي، واسمحوا لي أن أشارككم هذه النشرة المتداولة بين بعض بنات المدارس والجامعات: أقولها وبكل فخر سأحتفل بعيد الحب ولكن بطريقة مختلفة، فكلي ثقة أن حبي يزيد يومًا بعد يوم بالرغم من تقصيري.. لكني أقسم أني أحبه بالأمس واليوم والحاضر.. ولد في هذا اليوم.. أي صدفة هذه.. كل منا يحتفل بمحبوبه.. وأنا مثلهم أحتفل بحبيبي عليه الصلاة والسلام.. أعطاني حبًا.. وأشعرني به، وغمرني في عشقه، وأنا لم أره.. فكيف لا أفخر بذلك الحب.. أحبك أيها الحبيب الأعظم.. في يوم ميلادك، وفي يوم وفاتك، وفي كل يوم أحبك دومًا وأبدًا.. عسى ربي يرزقني رشفات من نهرك.. أرشفها من يدك الشريفة أنا ووالداي وأحبتي.. * تَزامُن عيد الحب بليلة المولد النبوي الشريف يجعلني أقول: هناك فئة من المجتمع -على حسب تصريحات نشرت في بعض الصحف- تحتفل بـ «عيد الحب» ليس كتقديس ولا انتماء فكري، ولكن كتقليد، وهي ظاهرة منتشرة بين الشباب والفتيات على السواء، وقد أفتى كبار العلماء بتحريم الاحتفال بمثل هذه الأيام المبتدعة، وأن الاحتفال خروج عن الأنظمة. لقد كتب وناقش كثير من الكتاب والمفكرين والعلماء والدعاة المولد النبوي الشريف.. نشأته وشرعيته. وأفتى سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أيضًا بعدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف حسب صحيفة المدينة يوم الاثنين 11 ربيع (العدد 17463)، وكثير من العلماء المُحرّمين للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم قد يستندون إلى بعض المنكرات التي تصدر من فئة معينة مثل: الغلو والاعتقاد بحضور روحه عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم، أو إحياء الذكرى بالموسيقى والمعازف. واستند المؤيدون إلى سؤال الصحابة عن صوم يوم الاثنين وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بقوله: «ذلك يوم ولدت فيه»، إذًا فهو تشريف وليس تعظيم. ويقول الإمام ابن حجر العسقلاني عن المولد النبوي الشريف: «من تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة». وفي اعتقادي أنه يجب أن يوضع المولد النبوي في الميزان الإسلامي، وفي إطار الوسطية والاعتدال، لأننا أمة وسطًا، والميزان الإسلامي يكون بالوقفة والذكرى، والعبادة والابتهال، والأدعية والأناشيد والتماس مواطن القدوة، وإحياء سنته صلى الله عليه وسلم، والسير على نهجه. وإذا نظرنا إلى الاحتفال باليوم الوطني للمملكة لوجدنا أنه قد عزّز الحس الوطني بدرجة كبيرة في فئات المجتمع، وبخاصة فئة المدارس والجامعات، ودعم التلاحم الوطني في سنين النقش على الحجر. هناك كثير من دول العالم الإسلامي جعلت من المولد النبوي الشريف إجازة دراسية للطلبة والطالبات، وقد استطاعت بذلك أن تربط بين المفهوم المعنوي والفعلي لمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالنا ونحن مهد الإسلام ومهبط الوحي..؟! وعليه أقترح أن يكون المولد النبوي لدينا مثل كثير من دول العالم العربي والخليجي إجازة تدعم فيه الأسرة والإعلام هذا المفهوم، أو أن يكون يومًا مفتوحًا يُستعرض فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المدارس والجامعات، ويوم وقفة وتأمل للسيرة النبوية والتضحيات المحمدية، حيث ادخرها لنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليقف لنا آخر الصراط عند باب الجنة ويقول: يا رب سلّم سلّم.. إن جيل اليوم يواجه صراعات كثيرة، واستعمارًا فكريًا إعلاميًا غربيًا شديدًا، وشهوات وفتنًا لا حصر لها، وأرى في هذا المقام (تزامن عيد الحب الوثني النصراني تاريخيًا، بمولد النبي صلى الله عليه وسلم)، أن هذه الفئة من الأولاد والبنات بعمر الزهور خُيّروا في هذا العام واختاروا، وبالرغم من احتفال بعضهم السطحي بعيد الحب في أعوام مضت، إلا أنهم اختاروا هذا العام الاحتفال بنبيهم وصلوا عليه وأشعروا فيه، وبكوا على شوقهم إلى لقائه صلى الله عليه وسلم. إنني وكثيرون مثلي مؤمنون أن شباب وبنات هذا الجيل، فيهم الخير، ولديهم طاقة وقوة إيمانية هائلة، إن وُجهت واستُثمرت، تستطيع أن تقود الأمم كافة، وإنا نحتاج إلى ترسيخ مفهوم القدوة المحمدية.. ونحتاج إلى البدعة الحسنة في زمن شديد الصراعات.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك