الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني - منتدى الإحسان
أنت غير مسجل في منتدى الإحسان . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           الحَمْدُ لله الذِي عَافَانِي في جَسَدِي ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وأَذِنَ لي بِذِكْرهِ           
العودة   منتدى الإحسان > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
قديم 06-07-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني
بسم الله الرحمن الرحيم

انتشرت مقولة خطيرة بين الأوساط النقديّة الأدبيّة والتاريخيّة للعصرين المملوكي والعثماني ؛ مفادها أنّ هذين العصرين هما عصرا تخلّف وانحطاط , هذه المقولة بدأت مع المستشرقين الذين كادوا للدّين وأخذوا بتشويهه , وتشويه تاريخه ، وعلومه , وآدابه , فقد درسوه دراسة وافرة متعمّقة , وأظهروا له عناية فائقة ؛ الأمر الذي جعل كثيراً من الباحثين العرب الذين تقمّصوا آراء أساتذتهم الغربيّين يردّدون كلامهم دون دراسة وتمحيص , ممّا ساعد على انتشار هذه المقولة المغلوطة .
فنحن لو تأمّلنا نتاج هذين العصرين لوجدنا دُرَرَاً لا يأتي الزّمان بمثلها ؛ في العلوم , والتاريخ , والطب , والأدب ... , وجميع فروع الحياة .
فأبرز علماء المسلمين الموسوعيّين ظهروا في هذين العصرين ؛ من مثل النويري صاحب كتاب ( نهاية الأرب ) , والقلقشندي صاحب ( صبح الأعشى في صناعة الإنشا ) , والأبشيهي صاحب ( المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ) , وابن منظور صاحب ( لسان العرب ) , والزبيدي صاحب ( تاج العروس في شرح القاموس ) , وابن أبي أصيبعة صاحب ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء ) , وابن خلكّان صاحب ( وفيّات الأعيان ) , وعماد الدّين القزويني صاحب ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ) , ولسان الدّين الخطيب صاحب ( الإحاطة في أخبار غرناطة ) , وغيرهم كثير ...
كما برز كبار علماء المسلمين وأدبائهم من مثل : ابن حجر العسقلاني , والحافظ السيوطي , والسّخاوي , والبوصيري , وصفي الدّين الحلّي , والشاب الظريف , وعبد الغني النابلسي , وغيرهم ...
والسبب في وسم العصرين بهذه السمة , كما أرى , طمس المعالم الحضاريّة لهما , وإبعاد تهمة تأثّر الحضارة الغربيّة بهما , فالدّارس لهذه الفترة يلاحظ أنّها بداية انطلاق النهضة الغربيّة , وهذه النهضة تدين بانطلاقتها للحضارة العربيّة , لذلك أرادوا إبعاد حقيقة تأثّرهم بالحضارة العربيّة الإسلاميّة باتهامهم لهذين العصرين بالتخلّف والانحطاط , فكيف يتأثرون بأناسٍ متخلفين ( كما زعموا ) ؟
وأسأل الله أن يوفقني أن أكتب بحثاً مفصّلاً عن هذين العصرين , وأظهر مميّزاتهما , وتأثيرهما بالحضارة الغربيّة .
لكنّني سأسلّط الضوء هنا على بعض أنواع الشعر العربي التي ظهرت في هذين العصرين , والتي تعدّ بحقّ إبداعاً في عالم الشعر العربي ؛ على عكس ما يروّجه بعض الدّارسين من أنّ الشعر في هذين العصرين كان متكلّفاً يعتمد الصنعة , ويبتعد عن الإبداع والأصالة .
فأنا أرى أنّ وصول الشعراء إلى هذه الأنواع الجديدة يدلُّ على رفاهيّة وصلوا إليها في الشعر , فبعد أن وصلوا إلى ذروة في الشعر التقليدي أخذوا في البحث عن ألوانٍ جديدة مبتكرة , فأبدعوا فنوناً مستحدثة لم يعرفها السابقون .
ومع ذلك فنحن لا ننكر أنّ هناك كثير من الشعر الرديء والمستهجن في هذين العصرين , لكن يجب علينا ألا نطلق أحكاماً عامّةً دون دراسة , فالفنون الشعريّة الجديدة لا يستطيع أيّ شاعر أن يكتب بها إلا إذا كانت لديه ملكة شعريّة فذّة , وخيال متوقّد , فهي بحاجة إلى دراية واسعة بفنون الشعر واللغة والبلاغة ليستطيع الشاعر أن يبدع فيها .
ومن هذه الفنون :
أولاً : التأريخ الشعري :
اختلف مؤرّخو الأدب العربي في توقيت العصر الذي ابتُدع فيه التأريخ بالشعر اختلافاً كبيراً , فالأمير حيدر الشهابي ادّعى أنّ عبد الرحمن البهلول النحلاوي ـ وهو أحد أبناء القرن الثاني عشر الهجري ( الثامن عشر الميلادي ) ـ أوّل من اخترعه حيث قال : " وهو الذي اخترع فنَّ التاريخ على حساب الجمل , لأنّنا لم نجد تأريخاً على هذا الحساب قبل عهده "
أمّا الأب لويس شيخو فقد كتب مقالاً ضافياً في هذا الصّدد , وذكر فيه " أنّ حساب الجمل في الأدب العربي , ظلّ العرب يعرفونه حتّى أوائل العهود الإسلاميّة , فاستبدلوا به الأرقام الهنديّة , ثمَّ إنّهم ركّبوا حروف الجمل تركيباً له معناه اللغوي , إلى جانب دلالته التأريخيّة الحسابيّة , وسمّوه " التاريخ الحرفي " , وعرّفوه بأنّه : ما دَلَّ على ابتداء زمن بطريق جمل حروف معدودة , أو ما في معناها " .
أمّا الأبياري فقد زعم أنّه رأى في التواريخ ما يقضي أنّه كان مستعملاً في الجاهليّة الأولى عند شعرائها , ولكنّه لم يبرهن على ما ذهب إليه بدليل .
واتفق مصطفى صادق الرّافعي مع الأب لويس شيخو بأنّ أقدم ما وصل إلينا من هذا القبيل قول ابن الشَّبيب في الإمام المستنجد بالله ؛ وهو الخليفة الثاني والثلاثون من خلفاء العبّاسيّين :
أصبحت " لبّ " بني العبّاس كلّهمإن عددت بحروف الجمـل الخلفـا
أراد ابن الشّبيب أن يقول : إنّ المستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء العبّاسيّين , وإنّ هذا العدد متضمّن في جمل "لبّ " ثمَّ انتشر هذا الفنُّ وشاع بين الشعراء , ولا سيّما في القرون المتأخّرة , وتقرّرت شروطه , وتعيّنت أنواعه , حتّى إنّه لم يجرِ في الأزمنة المتأخرة أمر ذو بال دون أن ينظم له بعض الشعراء تأريخاً . (1)
وتعتمد هذه الطريقة على حساب التاريخ تبعاً لترتيب الحروف الهجائيّة العربيّة , وهي : أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ .
فكلّ حرف له قيمة عدديّة يمثلها كالتالي :
أ = 1 , ب = 2 , ج = 3 , د = 4 , هـ = 5 , و = 6 , ز = 7 , ح = 8 , ط = 9 , ي = 10 , ك = 20 , ل = 30 , م = 40 , ن = 50 , س = 60 , ع = 70 , ف = 80 , ص = 90 , ق = 100 , ر = 200 , ش = 300 , ت = 400 , ث = 500 , خ = 600 , ذ = 700 , ض = 800 , ظ = 900 , غ = 1000 .
لكن هناك شروط يجب توافرها في هذا الفنّ :
منها أن يتقدّم على ألفاظه كلمة " أرّخ " , أو " أرّخوا " , أو ما يدلّ على التاريخ , وإذا تصرف الشاعر في تقديم أو تأخير أو زيادة بعد لفظة " التاريخ " أشار إليه لئلا يستغلق على القارئ , كقول بعضهم في تأريخ بستان :
يهنيـك تاريـخٌ أتـى ضبـطـه( بستان بسط باهر زاخر )
فلم يحسب في التاريخ قوله : " أتى ضبطه " .
وقال شاعر آخر :
( فتحنا العراق ) وذا اللفظ منرشـاقـتــه جـــــاء تـاريــخــه
فقد قدّم كلمات التاريخ على ألفاظ البيت , ودلَّ على الألفاظ التي قصد بها التأريخ .
ومن شروط هذا الفنّ ألا يكون في بيتين , بل في بيت واحد , ويستحسن أن يقع في عجز البيت أو في قسم من العجز .
ومنها أنّ الحروف تحسب على صورتها دون مراعاة لفظها , فتحسب مثلاً ألف كلمة " فتى " ياء , وتاء التأنيث المنقّطة تاء , وغير المنقّطة هاء , ولا يحسب المشدّد إلا حرفاً واحداً , والهمزة التي لا كرسي لها لا تحسب شيئاً , ويحسبون ألف الإطلاق ألفاً , وهلمَّ جرا . (2)

وهذه بعض الأمثلة :
الأديب ماميه الانقشاري يؤرّخ تاريخ موت سلطان الروم السلطان سليم ابن السلطان سليمان :
فارق الملك سليم المجتبـىوغدا ضيفاً على باب الكريم
وغـدا فـي الشهـداء تاريخـهرحمة الله على حـي سليـم
ولماميه الانقشاري تاريخ ابتداء سلطنة سليم نصيف هو " تولّى سليم الملك بعد سليمان", وتولّى بعده ولده السلطان مراد, ولنامية الانقشاري في تاريخ ذلك :
بالبخت فوق التخت أصبح جالساًمـلـك بــه رحــم الإلــه عـبـاده
وبـه سريـر الملـك سـرّ فأرّخـواحاز الزمان من السـرور مـراده
فيكون تاريخ تولّيه ( حاز الزمان من السرور مراده ) = 982 هـ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 166-167 .
2- مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 170-171 .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-07-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

ثانياً : التشجير :
التشجير في اللغة ضرب من ضروب التصنيف , يقوم على تفريع كلمة من معنى كلمة أخرى , وهكذا دواليك في استطراد وتسلسل .
وقد ذكر السيوطي المشجّر في كتابه ( المزهر ) , وذكر أنّ أئمة اللغة سمّوه بشجر الدّر , ونقل لأبي الطيب اللغوي قوله في " كتاب شجر الدّر " : " هذا كتاب مداخلة الكلام للمعاني المختلفة سميّناه " كتاب شجر الدّر " لأنّا ترجمنا كلّ باب منه بشجرة , وجعلنا لها فروعاً , فكلّ شجرة مئة كلمة , أصلها كلمة واحدة , وكلّ فرع عشر كلمات الخ ... ثمّ مثّل على ذلك بشجرة لفظ ( عين ) فقال : " شجرة العين : العين : عين الوجه , والوجه : القصد , والقصد : الكسر , والكسر : جانب الخباء , والخباء : مصدر خابأت الرّجل أي خبّأت له خبأ , والخبء : السحاب , والسحاب : اسم عِمامة كانت للنّبيّ , والنّبيّ : التل العالي ... الخ . (1)
أمّا التشجير في الأدب فهو نوع من النظم يجعل في تفرّعه على أمثال الشجرة , وسمّي مشجّراً لاشتجار بعض كلماته ببعض , أي تداخلها , وكلّ ما تداخل بعض أجزائه في بعض فقد تشاجر .
وذلك أن ينظم البيت الذي هو جذع القصيدة , ثمّ يفرّع على كلّ كلمة منه تتمّة له من نفس القافية التي نظم بها , وهكذا من جهتيه اليمنى و اليسرى , حتّى يخرج منه مثل الشجرة .
وإنّما يشترط فيه أن تكون القطع المكملة كلّها من بحر البيت الذي هو جذع القصيدة , وأن تكون القوافي على رويّ قافيته أيضاً . (2)
وهذه بعض الأمثلة على التشجير :







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المزهر في علوم اللغة وأنواعها , السيوطي , تح : جاد المولى والبجاوي , 1/454.
2- تاريخ آداب العرب ؛ مصطفى صادق الرافعي ، دار صادر , 3/445 .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #3
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

ثالثاً : ذات القوافي :


ابتدع هذه التسمية مصطفى صادق الرّافعي , وقد وردت في خزانة الأدب لابن حجة الحموي باسم " التشريع " , وسمّاها ابن أبي الإصبع " التوأم " , وهي تعني أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان القريض وقافيتين , فإذا أسقط جزءاً أو جزأين صار ذلك البيت من وزن آخر غير الأول كقول الحريري :

يـا خاطـب الدّنيـا الدنيّـة إنّـهـاشَرَك الـرّدى وقـرارة الأكـدار
دارٌ متى ما أضحكتْ في يومهاأبكـتْ غـداً تـبّـاً لـهـا مــن دار
وتنتقل بالإسقاط إلى ثامن الكامل فتصير :

يا خاطب الدّنيا الدنــيّة إنّها شَرَك الرّدى
دار متى ما أضحكتْفي يومها أبكتْ غـدا
وقد سُبق الحريري في ذلك , فنجد للأخطل :

وإذا الرّياح مع العشيّ تناوحتهـدج الـرّئـال يكبّـهـنّ شـمـالا
ألفيتنـا نقـري العبيـط لضيفنـاقبـل العيـال ونقـتـل الأبـطـالا
ونجد الأبيات بعد الإسقاط على الصورة التالية :

وإذا الرّياح مع العشيّتناوحت هـدج الرّئـال
ألفيتنا نقـري العبيـطلضيفنـا قبيـل العيـال
وأوسع البحور في هذا النوع الرّجز , فهو يقع تاماً ومجزوءاً ومشطوراً ومنهوكاً , فيمكن أن يعمل للبيت منه أربع قواف ٍ ، من ذلك قول أبي عبد الله محمّد بن جابر الضرير الأندلسي :
يـرنـو بـطـرفٍ فـاتــرٍ مـهـمـا رنـــافهـو المـنـى , لا أنتـهـي عــن حـبّـه
يهفـو بغصـن نـاضـر , حـلـو الجـنـىيشفي الضّنى , لا صب لي عن قربه
لـو كـان يـومـاً زائــري , زال العـنـايحلو لنا , فـي الحـبّ أن نُسْمَـى بـه
أنزلـتـه فـــي نـاظــري لـمّــا دنـــاقـد سَرَّنـا , إذ لـم يَحُـلْ عـن صـبّـه
فإذا أسقطنا القافية الأولى أصبح مجزوءاً :

يـرنــو بـطــرفٍ فــاتــرٍمهمـا رنـا فـهـو المـنـى
يـهـفـو بـغـصـن نـاضــرحلو الجنى يشفي الضّنى
لـو كــان يـومـاً زائــريزال الـعـنـا يـحـلـو لـنــا
أنزلـتـه فـــي نـاظــريلـمّـا دنـــا قـــد سَـرَّنــا
وإذا أسقطنا القافيتين أصبح مشطوراً :

يرنو بطرفٍ فاترٍ مهمـــا رنــا
يهفو بغصن ناضر حلو الجنى
لو كان يوماً زائري زال العنا
أنزلته في ناظري لمّا دنـــــا

وإذا أسقطنا القوافي الثلاث أصبح منهوكاً :

يرنو بطرفٍ فاتـــرِ
يهفو بغصن ناضرِ
لو كان يوماً زائري
أنزلته في ناظـــري
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #4
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

رابعاَ : القوافي المشتركة والملوّنة :

وهي أن تأتي قوافي الأبيات كلمة واحدة يختلف معناها من بيت لآخر .
يقول الرافعي : أوّل ما جاء من الشعر في ذلك ثلاثة أبيات للخليل وهي
:

يا ويح قلبي من دواعي الهوىإنْ رَحَلَ الجيران عند الغروب
أتْبَعْتُهـم طرفـي وقـد أزمعـواودمع عينـيَّ كفيـض الغـروب
بـانـوا وفيـهـم طفـلـة حـــرّةتفترّ عن مثل أقاحي الغروب
فلفظ " الغروب " الأولى يعني غروب الشمس , والثاني جمع غَرْب ؛ وهو الدّلو العظيمة المملوءة , والثالث جمع غَرْب ؛ وهو الوهاد المنخفضة .
وفي تاج العروس للشيخ يوسف بن عمران الحلبيَّ قصيدة مطلعها :
لِـحــاظٌ دونـهــا غُـــولُ الـعَـجُـوزِوشَكَّـتْ ضِعْـفَ أَضعـافِ العَـجُـوزِ
 لِحـاظُ رَشـاً لـهـا أَشْــراكُ جَـفْـنٍفكَـم قَنَصَـت مِثالـي مـن عَـجُـوزِ
 وكَـم أَصْمَـتْ ولـم تعـرِف مُحِـبّـاًكمـا الكُسَعِـيُّ فـي رَمْـيِ العَجُـوزِ
 وكــمْ فتَـكَـتْ بقـلـبـي نـاظِــراهكمـا فتـكَـتْ بـشـاةٍ مــن عَـجُـوزِ
 وكـم أَطفَـى لَمَـاهُ الـعَـذْبُ قَلْـبـاًأَضَــرَّ بــه اللَّهـيـبُ مــن العَـجُـوزِ
 وكــم خَـبَــلٍ شَـفَــاهُ اللهُ مـنــهكـذا جِلْـدُ العَـجُـوزِ شِـفَـا العَـجُـوزِ
 إذا مــا زارَ نَـــمَّ عـلـيـه عَـــرْفٌوقــد تَحْـلُـو الحَـبـائِـبُ بالـعَـجُـوزِ
 رَشَفْت من المَراشِف منه ظَلْمـاًأَلَــذَّ جَـنـىً وأَحْـلَـى مــن عَـجُـوزِ
وجَـدْتُ الثَّغْـرَ عـنـدَ الصُّـبْـحِ مـنـهشَـــذاهُ دُونَـــه نَــشْــرُ الـعَـجُــوزِ
 أَجُــرُّ ذُيـــولَ كِـبْــرٍ إنْ سَـقـانِـيبراحَـتِـهِ العَـجُـوزَ عـلـى الـعَـجُـوزِ
 برُوحِـي مَــنْ أُتـاجِـرُ فــي هَــواهفَـأُدْعَـى بـيـنَ قَـومِــي بالـعَـجُـوزِ
مُقِيـمٌ لَـمْ أَحُـلْ فـي الحَـيِّ عـنـهإذا غَــيــري دَعَـــــوْه بـالـعَـجُــوزِ
 جَـرَى حُبِّيـه مجـرى الـروح منّـيكجَرْيِ المـاءِ فـي رُطَـبِ العَجُـوز
 وأَخــرَسَ حُـبّـه مـنّــي لِـسـانِـيوقد أَلْقَـى المَفاصِـلَ فـي العَجُـوزِ
 وصَيَّرَنِي الهَوَى من فَرْطِ سُقْمِـيشَبيـهَ السِّلْـكِ فـي سَــمِّ العَـجُـوز
 عَـذُولِـي لا تَلُمْـنِـي فـــي هَـــواهفلـسـتُ بـسـامِـعٍ نَـبْــحَ الـعَـجُـوزِ
 تَـــرُومُ سُــلُــوَّهُ مــنِّــي بـجـهْــدٍسُـلُــوِّي دُونَ شَــيْــبُ الـعَـجُــوزِ
كـلامُـكَ بــاردٌ مــن غَـيـر مَعـنـىًيُـحَـاكِـي بَــــرْدَ أَيّــــام الـعَـجُــوز
 يَطـوفُ القلْـبُ حَـولَ ضِيـاهُ حُبّـاًكـمـا قــد طــافَ حَــجٌّ بالـعَـجُـوزِ
 لـهُ مـن فـوقِ رُمْـحِ القَـدِّ صُــدْغٌنَـضـيـرٌ مـثــلُ خـافـقَـةِ الـعَـجُـوزِ
 وخَصْـرٌ لـم يـزَلْ يُدعـى سَقيـمـاًوعـن حَـمـلِ الــرَّوادِفِ بالعَـجـوز
 بلَحْظِـي قـد وَزَنْـت البُـوصَ مـنـهكـمـا البيـضـاءُ تُـــوزَنُ بالـعَـجُـوز
 كـــأَنَّ عِــــذارَهُ والــخَــدَّ مــنــهعَجُـوزٌ قــد تَــوارَتْ مــن عَـجُـوزِ
 فـهــذا جَـنَّـتــي لاشَــــكّ فــيــهوهــــذا نــــارُه نــــارُ الـعَــجُــوزِ
 تَـــراهُ فـــوقَ وَرْدِ الـخَــدِّ مــنــهعَجُـوزاً قـد حَكَـى شَكْـلَ العَـجُـوز
 علـى كُــلِّ القُـلـوبِ لــهُ عَـجُـوزٌكــذا الأَحـبــاب تَـحْـلُـو بالـعَـجُـوزِ
 دُمُوعِـي فـي هَـواهُ كنِيـلِ مِـصْـرٍوأَنـفـاسِـي كـأَنْـفــاسِ الـعَـجُــوز
 يَهُـزُّ مــن الـقَـوامِ الـلَّـدْنِ رُمْـحـاًومــن جَفْنَـيْـه يَسْـطُـو بالـعَـجُـوزِ
 ويَـكْـسِـرُ جَـفْـنَـه إنْ رامَ حَـرْبــاًكّـذاكَ السَّهـمُ يفْعَـلُ فـي العَجُـوز
 رَمَى عـن قـوسِ حاجِبِـه فُـؤادِيبـنَـبْــلٍ دُونــهــا نَــبْــلُ الـعَـجُــوزِ
 أَيــا ظَبْـيـاً لــه الأَحْـشـا كِـنــاسٌومَرْعَـىً لا النَّضيـرُ مــن العَـجُـوزِ
 تُـعَـذِّبُـنـي بــأَنـــواع الـتَّـجـافِــيومِـثـلِــي لا يُــجَــازَى بـالـعَـجُـوز
 فقُرْبُـكَ دُونَ وَصْلِـكَ لــي مُـضِـرٌّكــذا أَكــلُ العَـجُـوز بــلا عَـجُــوزِ
وهَيْـفـا مــن بـنــاتِ الـــرُّومِ رُودٍبعَـرْفِ وِصالِـهـا مَـحْـضُ العَـجُـوزِ
 تَـضُـرُّ بـهـا المَنـاطِـق إنْ تَـثَـنَّـتْويُـوهِـي جِسْمَـهـا مَــسُّ العَـجُـوزِ
 عُتُـوّاً فـي الهَـوَى قَذَفَـت فُـؤادِيفمَـنْ شـامَ العَجُـوزَ مـن العَـجُـوزِ
 وتُصْمِي القَلْبَ إنْ طَرَفَتْ بطَرْفٍبــلا وَتَــرٍ وسَـهْــمٍ مـــن عَـجُــوزِ
 كـأَنَّ الشُّهْـبَ فـي الـزَّرْقـا دِلاصٌوبَــدْرُ سَمـائِـهـا نَـفــسُ الـعَـجُـوزِ
 وشَمْـسُ الأُفْـقِ طَلْعَـةُ مَـنْ أَرانـاعَطـاءَ البَحْـرِ مـنـه فــي العَـجُـوز
 تَــوَدّ يَـسَـارَه سُـحْــبُ الـغَــوادِيوفَـيْـضُ يَمِيـنِـه فَـيْــضُ الـعَـجُـوزِ
 أَجـلُّ قُضـاةِ أَهــلِ الأَرضِ فَـضْـلاًوأَقْـلاهُــمْ إلـــى حُـــبِّ الـعَـجُـوزِ
 كمال الدِّين لَيْثٌ فـي اقْتِنـاصِ الْــمَحـامِـد والـسِّـوَى دونَ العَـجُـوزِ
إذا ضَــنَّ الـغَـمـامُ عـلــى عُـفــاةٍسَقـاهُـمْ كَـفُّـه مَـحْـضَ الـعَـجُـوزِ
 وكَـمْ وضَـعَ العَجُـوزَ علـى عَجُـوزٍوكــم هَـيّـا عَـجُـوزاً فــي عَـجُـوزِ
وكَـــمْ أَرْوَى عُـفــاةً مـــن نَـــداهُوأَشْبَـعَ مَـنْ شَكـا فَـرْطَ العَـجُـوزِ
 إذا ما لاطَمَتْ أَمْـواجُ أَمـواجُ بَحْـرٍفلـم تَـرْوَ الظُّـمـاةُ مــن العَـجُـوز
 أَهـالـي كــلّ مِـصْـرٍ عـنـه تثْـنِـيكــذا كُــلُّ الأَهـالـي مــن عَـجُــوزِ
 مَـــدَى الأَيّـــامِ مُبْتَـسِـمـاً تَـــراهُوقـد يَهَـبُ العَجُـوزَ مــن العَـجُـوزِ
 تَــرَدَّى بالـتُّـقَـى طِـفــلاً وكَـهْــلاًوشَيْخـاً مـن هَــواهُ فــي العَـجُـوزِ
 وطــابَ ثَـنــاؤُهُ أَصـــلاً وفَـرْعــاًكما قـد طـابَ عَـرْفٌ مـن عَجُـوزِ
 إذا ضَـلَّـتْ أُنــاسٌ عـــن هُـداهــافيَهْـدِيـهـا إلـــى أَهْـــدَى عَــجُــوزِ
ويَـقْـظـانَ الـفُــؤادِ تَـــراهُ دَهْـــراًإذا أَخَــذَ الـسِّـوَى فَــرْطُ العَـجُـوزِ
 وأَعظَـمَ مـاجِـدٍ لُـوِيَـت علـيـه الــخَناصِـرُ بالفضائـل فــي العَـجُـوزِ
 أَيا مَولىً سَما فـي الفضـلِ حتّـىتَـمَـنَّـتْ مـثـلَـه شُـهُــبُ الـعَـجُـوزِ
 إذا طـاشَـتْ حُـلـومُ ذَوِي عُـقـولٍفحِلْـمُـكَ دُونَـــه طَـــوْدُ الـعَـجُـوزِ
 فكَـمْ قــد جــاءَ مُمْتَـحِـنٌ إليـكُـمفـأُرْغـمَ مـنــه مُـرتَـفِـعُ الـعَـجُـوزِ
 إلـى كَـرَمٍ فــإنْ سابَـقْـتَ قَـوْمـاًسَبقْتَـهـمُ عـلـى أَجْـــرَى عَـجُــوزِ
 ففَضْـلُـكَ لـيـسَ يُحْصِـيـه مَـديــحٌكمـا لــم يُـحْـصَ أَعْــدادُ العَـجُـوزِ
 مكانَـتُـكُـم عـلــى هـــامِ الـثُّـرَيّـاومَـــنْ يَــقــلاكَ راضٍ بـالـعـجـوز
 رَكِبْتَ إلى المَعالـي طِـرْفَ عَـزْمٍحَـمـاهُ الله مــن شَـيْـنِ الـعَـجُـوزِ
ومعانيها حسب الترتيب ( مع ذكر معنى المكرّرة في البيت الواحد ) : المنية , الإبرة , الأَسَد , حِمار الوَحْش , الذئب , الخمر , الضَّبُع , الكَلَب , النَّميمة , ضَرْبٌ من التَّمر جيِّدٌ , المسك , الخمر , المَلك , التَّاجِر , المُسافِر , النَّخْلَة , الرَّعشة , الإبرة , الكلب , الغُراب , الأَيّام السبعة , الكعبة شرَّفها الله تعالى , الراية , مبالغة في العاجز , الصنْجة , الشّمس , دارَة الشَّمس , جهنَّم , المسك , العقرب , التحكم , النَّار , السيف , الحرب , الكنانة , النَّبات , المعاقبة , النَّبْت , السَّمْن , العافية , الثَّوب , النَّار , السِّنور , القوس , التُّرْس , الكَفّ , البحر , الدُّنيا , الثعلب , الذهب , القِدر , المنصب الذي توضع عليه , الناقة , الصفحة , الجوع , الركيَّة , القرية , الألف , البقر , الآخرة , المسك وإن تقدّم فبعيد , الطريق , السَّنَة , الشمس , السماء , الأَرض , الأَنف , الفرس , الرمل , الصومعة , العَرَج .

ولا يخفى التّكلف الواضح في القصيدة .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #5
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

خامساً : الطّرد والعكس :


ونعني به أن ينظم الشاعر قصيدة , فتقرأ على وجوه متعدّدة, دون أن يكون وراء ذلك معانٍ جديدة _ في أغلب الأحيان .
ويبدو أنّ القدماء لم يعرفوا هذا الصنيع , وإذا كان قد ورد شيء من ذلك في كلامهم فهو عفوي غير متكلّف , كما ورد في القرآن الكريم { ربَّك فكبّر } فإذا ما قرئت في العكس جاءت من جديد { ربَّك فكبّر } .
ويبدو أنّ صفي الدّين الحلّي أوّل من ابتدع هذا الضرب , ففي ديوانه هذه الأبيات :

ليت شعري , لك علـممن سقامي , يا شفائي
لك علم , مـن زفيـريونـحـولـي , وضـنـائـي
من سقامي , ونحولـيداونـي إذ , أنـت دائــي
يـا شفـائـي , وضنـائـيأنــت دائــي , ودوائــي
نلاحظ أنّ الأبيات تقرأ طولاً فتؤدّي معنى , وتقرأ عرضاً فتؤدّي المعنى ذاته .
ويمكننا تقسيم ألوان الطّرد والعكس إلى عدّة أقسام :

1- المخلّعات :

وتعني باللغة المتفككات , وكأنّ كلمة ( المخلّعات ) تحوي إشارة إلى ما في القصيدة من تفكّك , أو ما يمكن أن يصيبها من انحلال .
وأوّل مخلّعة في الشعر ظهرت في الأندلس على يد الوزير لسان الدّين محمّد بن عبد الله السليماني , وهذه صورة أبياتها الاثني عشر , ويمكن أن تقرأ على 460 وجهاً طرداً وعكساً .

داءٌ ثَـــوى , بِــفُــؤادِ شَــفَّــهُ الـسَـقــمُبمَهجتـي ، مِــن دَواعــي الـهَـمِّ وَالكَـمـدِ
بِأَضـلُـعـي ، لــهَــبٌ تَــذكــو شــرارَتُــهُمِنَ الضَنى , في مَحَلِّ الرَوحِ من جَسَدِي
يَـومَ النَـوى , حـلَّ فـي قَلـبـي لَــهُ أَلَــمُوَحـرَقَـتـي ، وَبـلائــي فــيــهِ بِـالـرَصَــدِ
تَوَجُّـعـي , مِــن جــوىً شَـبَّـت شَـرارَتُـهُمَـعَ العَنـا , قَـد رَثـا لـي فيـهِ ذو الحَسَـدِ
جـلَّ الهَـوى , مُلبِسـي وَجــداً بِــهِ عَــدَمُلِمحنتـي , مَـن رَشــا بِالحُـسـنِ مُنـفَـرِدِ
تَتَّبِـعُـي , وَجـــهُ مَـــن تَـزهــو نَـضـارَتُـهُإذا انثـنـى , قـاتـلـي عـمــداً بـــلا قَـــوَدِ
مُصلـي الجَـوى , مولَـعٌ بِالهَـجـرِ مُنتَـقِـمٌمـا حيلَتـي , قَـد كَـوى قَلبـي مَـعَ الكَبِـدِ
بمَـصـرَعـي , مُـعـتَـدٍ تَـحـلــو مَــرارَتُــهُيــا قَومَـنـا , آخــذاً نَـحـوَ الــردى بِـيَـدي
هَــدَّ الـقُـوى , حُسـنـه كَالـبَـدرِ مُبتَـسِـمٌلِفِتنَـتـي , مـوهِـنٌ عِـنـدَ الـنَـوى جَـلَـدي
مُـروّعــي , قَــمَــرٌ تَـسـبــي إِشــارَتُــهُإِذا رَنــا , سـاطِـعُ الأَنــوارِ فـــي الـبَـلَـدِ
قَلبـي كَــوى , مـلِـكَ بِالحُـسـنِ مَحَتـكُـملِقصَّتـي , وَهـوَ سُـؤلـي وَهــوَ مُعتَـمِـدي
مَـودّعــي , ســـارَ لا شَـطَّــت زِيـارَتُــهُلِمّـا جَـنـى , مـورثـي وجــداً مــع الأبــدِ



هذه المزاوجة في ترتيب القوافي هي التي سمحت بفصلها , ومكّنت من أن يكون منها قصائد عدّة .
ولاشكّ أنّ هذا التفكّك في أجزاء القصيدة هو علّة تركّب القصائد الكثيرة من القصيدة الواحدة , ولقد قرأنا أنّ شاعراً عمل قصيدة , واشتغل بإحصاء الوجوه التي تُنظر بها فبلغت في عينه مليون وجه , وذاك علم من الأرقام في قفر من الكلام . (1)

2- ما لا يستحيل بالانعكاس :


سمّاه ابن حجّة الحموي بهذه التسمية , وذكر أنّ جماعة سمّوه ( بالمقلوب ) , أو ( بالمستوي ) , ودعاه السكاكي بـ ( مقلوب الكلّ ) , وعرّفه الحريري في مقاماته بـ ( ما لا يستحيل بالانعكاس ) .
وهو أن يكون عكس البيت , أو عكس شطره كطرده , وهذا النوع ـ كما زعم ابن حجّة ـ غايته أن يكون رقيق الألفاظ , سهل التركيب , منسجماً في حالتي النثر والنظم .
جاء منه في القرآن الكريم : { كلٌّ في فلك } , و { ربّك فكبّر } , ومن الكلام الذي رقَّ لفظه ( أرضُ خضرا ) , وأورد الحريري في مقاماته ( ساكب كاس ) , وزاد في العدّة ( كبر رجاء أجر ربّك ) , و ( لذ بكلّ مؤمل إذا لم ّوملك بذل ) .
ولقد نجح بعضهم في استنباط بعض جمل طريفة , وأوردها صاحب خزانة الأدب , ومنها ( سور حماه بربّها محروس ) , وحادثة العماد مشهورة ؛ عندما رآه شخص فقال له : " دام علا العماد " , وهي تقرأ عكساً , فأجابه العماد : " سر فلا كبا بك الفرس " وهي أيضاً تقرأ عكساً .
ومن المنظوم الرائق قول القاضي الأرَّجاني : (2)
مودّته تدوم لكلّ هولوهل كلٌّ مودّته تـدوم
ولقد أولع المتأخّرون بهذه الصنعة فجاء أحدهم بقصيدة كلّها على هذه الشاكلة , ومن أبياتها : (3)
قمر يفـرط عمـداً مشـرقرشّ ماء دمع طرف يرمق
قـد حـلا كـاذب وعـد تـابـعلعبـاً تدعـو بــذاك الـحـدق
قبس يدعـو سنـاه إن جفـافجنـاه أنـس وعـد يسـبـق
قرفـي إلـف نـداهـا قلـبـهبلـقـاهـا دنـــف لا يـفــرق

3- الطرد مدح والعكس هجاء :

وهو نوعان ؛ الأول عكسٌ في الحروف , والثاني عكسٌ في الكلمات كاملة .
مثال النوع الأول :
أ – الطرد مديح :
باهي المراحم لابسٌكريمـاً قديـر مُسْنـد
بـابٌ لـكـلّ مـؤمّـلٍغُنْمٌ لَعَمْـرك مُرْفـد
ب – العكس هجاء ( في جميع الحروف ) :
دَنـسٌ , مريـد , قـامـركسب المحارم لا يهاب
دَفِــرٌ , مِـكَـرٌّ , مُعْـلَـمنَغْلٌ , مُؤمل كـلّ بـاب
ومثال النوع الثاني :
أ – الطرد مديح :
حَلموا , فما ساءت لهم شيمٌسمحوا , فما شحّت لهم مِنَنُ
سَلموا , فما زلّـت لهـم قـدمرَشدوا , فما ضلّت لهم سُنن
ب – العكس هجاء ( في الكلمات كاملة ) :
مِننٌ لهم شحّت , فما سمحواشِيم لهم ساءت , فما حلموا
سنن لهم ضلّت , فما رشدواقدمٌ لهم زلّـت , فمـا سلمـوا

4- الطرد الأفقي مدح والشاقولي هجاء :

من ذلك قول أحد الشعراء : (4)
إذا أتـيــت نـوفــل بـــن دارمأميـر مخـزوم وسيـف هاشـم
وجـدتـه أظـلـم كــلّ ظـالــمعـلـى الدّنـانـيـر أو الـدّراهــم
وأبـخـل الأعــراب والأعـاجـمبـعـرضـه وســـرِّه الـمـكـاتـم
لا يستحي مـن لـوم كـلّ لائـمإذا قضى بالحقّ فـي الجرائـم
ولا يـراعـي جـانـب المـكـارمفي جانب الحقّ وعدل الحاكم
يقـرع مـن يأتيـه سِــنّ نــادمإنْ لـم يكـن مـن قـدم بقـادم
هذه الأبيات إذا قرئت على وضعها الأفقي أدّت شيئاً من معاني المديح لذلك الرّجل المدعو ( نوفل بن دارم ) , وإذا حذف الشطر الثاني من كلّ بيت , وأحلّ محلّه الشطر الأول من البيت الذي يليه انقلبت هجاء , وكانت الصورة التالية :
إذا أتيـت نـوفـل بــن دارموجدتـه أظلـم كـلّ ظـالـم
وأبخل الأعـراب والأعاجـملا يستحي من لوم كلّ لائم
ولا يراعي جانـب المكـارميقرع من يأتيـه سِـنّ نـادم

5- أشعار التبادل والمتواليات :
لقلبي , حبيب , مليحٌ , ظريفبديعٌ , جميل , رشيقٌ , لطيف
هذا البيت يقرأ على أربعين ألف بيت من الشّعر وثلاثمئة وعشرين بيتاً ( 40,320 ) , وذلك أنّ أجزاءه ثمانية , يمكن أن ينطق بكلّ جزء من أجزائه مع الجزء الآخر , فتنتقل كلّ كلمة ثمانية انتقالات , فالجزءان الأوّلان ( لقلبي حبيب ) يتصوّر منهما صورتان بالتقديم والتأخير , ثمّ خذ الجزء الثالث ( مليح ) فيحدث منه مع الأوّلين ست صور وهي : (1) لقلبي حبيب مليح , (2) لقلبي مليح حبيب , (3) حبيب لقلبي مليح , (4) حبيب مليح لقلبي , (5) مليح لقلبي حبيب , ( 6) مليح حبيب لقلبي .
والذي لاحظناه أنّ له ثلاثة أحوال : تقديم , وتأخير , وتوسّط لكلّ كلمة , فإذا ضربنا أحواله في الحالين يكون ستة .
ثمّ خذ الجزء الرابع , وله أربعة أحوال , فاضربها في الصورة المتقدّمة وهي الستّة التي قبلها تكون أربعة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء الخامس تجد له خمسة أحوال , فاضربها في الصور المتقدّمة وهي أربعة وعشرون تكون مئة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء السادس تجد له ستّة أحوال , فاضربها في مئة وعشرين تكون سبعمئة وعشرين .
ثمّ خذ الجزء السابع تجد له سبعة أحوال , فاضربها في سبعمئة وعشرين تكون خمسة آلاف وأربعين .
ثمّ خذ الجزء الثامن تجد له ثمانية أحوال , فاضربها في خمسة آلاف وأربعين تكون أربعين ألفاً وثلاثمئة وعشرين بيتاً .
ولاشكّ أنّه كلّما زادت كلمات البيت زادت المتوالية , وواضح أنّ كلّ لفظ يجب أن يكون وزنه العروضي كوزن باقي الكلمات .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1- تاريخ آداب العرب ؛ مصطفى صادق الرافعي ، دار صادر , 3/290 .
2- خزانة الأدب وغاية الأرب ؛ ابن حجّة الحموي , دار صادر 237.
3-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 200 .
4-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 203 .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #6
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

خامساً : محبوك الطّرفين :


يراد بهذا اللون نوع من المنظوم تكون كلّ أبيات القصيدة أو القطعة مبتدَأة ومختتمة بحرف واحد من حروف المعجم .
يذكر الرافعي أنّ أوّل من جاء بشيء من ذلك هو أبو بكر محمّد بن دُرَيْد , وقد نظم ابن دريد قطعاً مربعة على عدد حروف الحروف لم يلتزم فيها مجرى واحداً , بل جعل كلّ قطعة منها مستقلّة عن سائرها بالوزن , كما هي مستقلّة في الرويّ , وأوّلها قوله في حرف الألف :

أَبقَيتَ لي سَقَماً يُمـازِجُ عَبرَتـيمَـن ذا يلـذُّ مَـعَ السَـقـامِ بَـقـاءَ
أَشمَتَّ بي الأَعداءَ حينَ هَجَرتَنيحاشـاكَ مِمّـا يُشمِـتُ الأَعــداءَ
أَبكَيتَـنـي حَـيـن ظَنَـنـتَ بِأَنَّـنـيسَيصيرُ عُمري مـا حَييـتُ بُكـاءَ
أُخفـي وَأُعلِـنُ بِاِضطِـرارٍ أنَّـنـيلا أَستَطـيـعُ لِـمـا أُجِــنُّ خَـفـاءَ
ثمّ كثر نظم الشعراء لهذا النوع من الشعر , ومنهم عليّ بن محمّد الأندلسي , وصفيّ الدّين الحلّي , والألبيري , ولمحمّد بن العفيف الإيجي الحسني مسدّسة في المديح النبوي مطلعها :

اللهَ أحمدُ ( أحمداً ) إذ يبرأأوضى وضيء نـوره يتـلألأ
أنـواره كـلَّ العوالـم تـمـلأأكوانه لولاه لـم تـك تنشـأ

سادساً : الشعر الهندسي :

هذه التسمية مبتدعة , لم يقل بها أحد من القدماء أو المعاصرين , ولكنّا نراها ـ مع الدكتور عانوتي ـ متّفقة مع شكل الشعر الذي نسعى إلى دراسته . (1)
وهذا النوع من الشعر يأخذ شكل الدائرة , والمثلث , والمربع , والمخمّس , والمَعِين , وغيرها من الأشكال الهندسيّة ...
وليس لدينا معلومات دقيقة عن أوّل من ابتكر هذا النوع من الشعر , ومهما يكن فقد وجد هذا النوع على صنوفه المعروفة لدينا اليوم ...
فالدائرة لها مركز , وفي هذا المركز حرف من الحروف , ومن هذا الحرف يبتدئ البيت , وإلى هذا الحرف ينتهي البيت , فهو إذن من ألوان الشعر المحبوك من طرفيه .
والدّوائر على أنواع ؛ منها : الدائرة المركّبة , ومنها : الدّائرة البسيطة .
وشعر الدّائرة المركّبة يتطلّب رسم دائرة أصلية كبرى , وحولها على المحيط دوائر صغيرة , وعلى حواف هذه الدّائرة الكبيرة والصغيرة يمرُّ البيت ابتداء وانتهاء ؛ ليعود من جديد منطلقاً من المركز إلى الدّائرة الصغيرة الثانية , ثمّ ينتهي إلى الكبيرة في مركزها .
ويختلف عدد الأبيات باختلاف عدد الدّوائر , فكلّما كثرت الدّوائر طالت القصيدة , والعكس صحيح .
وهذه أبيات دائرة : (2)

عشقـت نـوراً مـن مقامـك يسطـعوعيني غدت من فرط عشقك تدمع
عمدت على تقديم مدحي لمن غـداأبـا النـدِّ يـا مـن لـه الخلـق تـضـرع
عرضت لمن حاز الشفاعة والعلـىوقلت أغث دمعـي مـن النّـار تلـذع
عذلـت فـؤادي مـن محبّـة غيـركـموفرغـتـه مــن كــلّ نـفـس تـولّــع
علوتَ بما أعطيت من رافع السمـامقامـاً فغثنـي مــن هـمـوم تفـجـع
عجفت ولم يُبْقِ الهوى لي من قوىفاشفـع وغثنـي مـن كـروب تـفـزع
عزفـت حياتـي مـن محبّـتـك الـتـيبـهـا تـذهـب الأكــدار مـنّـا وتقـشـع



ومن تأمّل هذه الدّائرة المركّبة تبدو لنا الملاحظات التالية :
1- كلّ بيت يبتدئ بحرف العين وبه ينتهي .
2- نهاية كلّ بيت معكوسة في مطلع الذي بعده .
3- عكس بداية البيت الأول تتّفق وقافية الأخير .
4- هذه القصيدة تصلح أن تكون دائرة سباعيّة .
وهاتان دائرتان مركبتان أكثر تعقيداً من الدّائرة المركّبة السابقة , يقال إنّ ابن الإفرنجيّة نظمهما في المديح :






وهذه أمثلة الأشكال البسيطة :
وتلاحظ أنّ الأبيات الثلاثة التالية أمكن رسمها في دائرة في مثلث متساوي الأضلاع , والأبيات هي :

دمع عيني سائل في حبِّ منإنْ رأته العين لم تخـشَ رمـد
دمـرّ الله أنـاسـاً قــد طـغَـواوبغَوا ما لم ينالوا مـن الرّمـد
دشر العصيان ثمّ اتّبـع رضـىرافع السبع الشـداد بـلا عمـد



وهذه الأبيات ترسم مربّعاً ودائرة , وأبياتها هي :

عشـق المسكيـن هـذا ذنـبـهقصّة الشكوى إليكم قد رفـع
عفّر المسكين خدّاً في الثرىيرتجي وصـلاً وباللطـف قنـع
عنـق المحبـوب غيـري ولثـمصـاح لمـا بـارق الثغـر فـرع
عـرف الهجـر حبيبـي عامـداًوتثـنّـى عـنـد مــا دلّ قـشـع



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 209
2-مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني : بكري شيخ أمين , دار الآفاق ، بيروت ـ لبنان ، ط1 1979م , ص 210
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009
  #7
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني

سابعاً : ألوان أخرى من البديع :

1 – القصيدة المهملة ( الخالية جميع حروفها من النقط ) :


الحـمـد لله الصـمـدحال السرور والكمد
الله لا إلــه إلا الـــلــه مــولاك الـصـمـد
أوّل كــــــــــلّ أوّلأصل الأصول والعمد
الــواســـع الآلاء والآراء علـمـاً والـمــدد
الحَـوْل والطَـوْل لـهلا درع إلا مـا سَــرَد
كــلٌّ ســواه هـالــكلا عُـــدَدٌ ولا عَــــدد

2 – القصيدة المعجمة ( كلّ حروفها منقّطة ) :


بين جنبيَّ شقّـة خشُنـتفي قضيضٍ تُبيتني خَشِنِ
قِضْتُ جفني بيقظة ثبتَتغبّ بينٍ فبـتُّ فـي غَبَـنِ
بي شقيق يغيب غيبة ذيضَـعَــنٍ بـيّــنٍ تجـنّـبـنـي
شيخ فن , فتـي شنشنـةشبَّ في بيت نخبة فبُنِي
يتّقـي زيـنَ جنّـة جُنـيـتيتّقـي شيـن ضنّـةٍ بغـنـي

3 – إهمال كلمة و إعجام أخرى :


لا تفي العهد فتشفينـي ولاتنجز الوعد فتشفـي العلـلا
تقتضي أحكام بغي , طالمانفّـذت أحكامهـا بيـن المـلا

4 – إهمال حرف وإعجام آخر :

ونديـم بــات عـنـديلـيـلـة مـنــه غـلـيـل
خاف من صنع جميلقلت لي صبر جميـل
قرّة لـي ميـل قلـبمنك يـا غصنـاً يميـل
سـيّــدي رقّ لـذلّــيسـيّـدي عـبـد ذلـيـل

5 – النثر شعر :


كتب المعريّ : ( أصلحك الله وأبقاك , لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي , لكي يحدث لي أنسك , يا زين الأخلاء فما مثلك من غيّر عهداً أو غفل ) .
وهذه الكلمات تخرج من بحر الرجز المجزوء .


6 – كلّ كلمة تبدأ بعين :


علـى عهـد علـوى عِلّتـي عــنَّ علمـهـاعسى علمت عذري عفت عن عقوبتي

7 – ظاء في كلّ كلمة :

ظنـت عظيمـة ظلمنـا مــن حظّـهـافظلـلـت أوقظـهـا لتكـظـم غيظـهـا
وظعنـت أنظـر فـي الظـلام وظـلّـهظـمـآن أنتـظـر الظـهـور لوعـظـهـا
ظهري وظفري ثمّ عظمي في لظىلأظــاهــرنَّ لـحـظـهـا ولـحـفـظـهـا
لفظـي شـواظ أو كشمـس ظهـيـرةظفـر لـدى غـلـظ القـلـوب وفظّـهـا

8 – النون في كلّ كلمة :


نزّه لسانك عن نفاق منافـقوانصح فإنَّ الدّين نصح نصيح
وتجنّب المـنّ المنكّـد للنـدىوأعن بنيلك من أعانك وامنن

9– الشعر ذو الحروف المقطّعة :


إذا زار داري زَوْرَ وَدودٍأودُّ وأورده  وِردَ  وُدي

10 – الشعر ذو الحروف الموصولة :

سل متلفي عطفاً عسى يتعطّففلقـد قسـا قلـبـاً فــلا يتلـطّـف

هذه بعض الفنون الشعريّة المستحدثة في العصرين المملوكي والعثماني , والتي تظهر تطوّر الشعر في تلك الحقبة , ومدى الترف المعرفي الذي وصلوا إليه , مع عدم إنكارنا لكثير من الشعر الغثّ الذي ظهر في تلك المرحلة .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ترميم نسخة نادرة من المصحف الشريف تعود للعهد المملوكي في حلب نوح ركن بلاد الشام 1 08-03-2009 11:20 PM
انتحار فتاة في العشرين من عمرها في عاشر حالة خلال شهر في حلب عبدالقادر حمود القسم العام 2 05-04-2009 10:21 PM


الساعة الآن 04:17 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir