![]() |
الشيخ علي الدقر
العالم الداعية والمربي الكبير الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى مولده : ولد الشيخ علي الدقر في دمشق حوالي عام 1294 هجرية الموافق لسنة 1877 ميلادية من أسرة صالحة ، وكان والده يعمل بالتجارة بهمة ونشاط ، وقد حصل منها على ثروة طائلة . نشأته العلمية وأساتذته : لازم بعد ذلك الشيخ محمد القاسمي ، فقرأ عليه علوم العربية ، وعلوم الدين والأصول والتوحيد ، وبقي عنده زمناً طويلاً حتى صار من خاصته ، يستعين به على التعليم ، فبدأ التدريس في عهد شيخه ، وثابر على العلم والتعليم ، إلى أن بلغ مبلغاً من العلم مكَّنه من تدريس الكتب الكبار في النحو والفقه الشافعي . كذلك لازم المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني ، وقرأ عليه الكتب الخمسة في الحديث ، وكان من خُلَّص طلابه , وله عنده منزلة سامية من الحب والتقدير ، وكان يختاره إماماً لصلاة العشاء في الدرس الخاص الذي كان يقام في منزل الشيخ بدر الدين على وجود كبار العلماء . وقرأ أيضاً على الشيخ أمين سويد بعض العلوم الشرعية ، لاسيما علم التصوف والأخلاق . النهضة العلمية والدعوية التي قام بها : أسفر الجد والاجتهاد وملازمة العلماء مدة طويلة من الزمن ، عن عالم جليل وداعية غيور , هو الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى ، الذي ما اتخذ من العلم وسيلة لتصدر المجالس ، ولا طريقاً لنيل الجاه والمنزلة ، بل كان يعتقد أن هذا العلم الذي أكرمه الله به ينبغي أن يبذل في خدمة دين الله عز وجل ، وفي نشر الوعي والمعرفة في صفوف الأمة التي أنهكها الجهل ، وأودى بها إلى دركات المهانة والتقهقر . وهبَّ الشيخ ينشر ما آتاه الله من علم ، وما وهبه من معرفة ليُـبصِّر بها أفراد أمته الجاهلين اللاهين , وليبعث في مجتمعه نهضة علمية دينية وأخلاقية رائعة ، عمَّت معظم أنحاء مدينة دمشق ، ودخلت بيوتها وأثرت في نسائها ورجالها ، وراح يحث الناس على طلب العلم ، وخاصة الشرعي عندما رأى انصرافهم عنه لقلة جدواه المادية , فكان يبث في نفوس طلابه اليقين بالله ، وأن الرزق محتوم ، وأن أعظم خدمة تقرب إلى الله هي خدمة الدين ونشره . ابتدأ ذلك في جامع( سنان باشا) في حي باب الجابية ، وذلك أثناء الحرب العالمية الأولى وبعد وفاة شيخه محمد القاسمي ، واستمر على ذلك رغم العدد البسيط من الطلاب ، الذين كانوا يؤمون دروسه , فقد انشغل الناس في تلك الفترة بتحصيل قوتهم , لأن البلاد كانت تمر بمرحلة قاسية وشديدة ، وصبر الشيخ على التعليم والدعوة من غير كلل ولا ملل زمناً طويلاً ، ثم توافد الناس لحضور دروسه حتى أصبح الإقبال عليه عظيماً . ولما وقعت سوريا في قبضة المستعمر الفرنسي ، قام الشيخ بما يجب أن يقوم به كل عالم صادق يشعر بمسؤوليته تجاه أمته ودينه ، فأخذ يحضُّ الناس على الجهاد ضد المحتلين ، بكلام فيه نبرة الإخلاص الشديد والغيرة العارمة ، وكان لذلك أثره البالغ في السامعين والحاضرين ، ولم يكتف بذلك بل رحل مع أستاذه المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين في جولة على المحافظات السورية ، يحثون الشعب على الثورة ضد المحتل الغاشم ، فكان لتلك الجولة صداها وأثرها الفعال في التحضير للثورة . ومن أبرز أعماله في خدمة العلم ونشر المعرفة اهتمامه بتعليم أطفال المسلمين دينهم وأخلاق سلفهم الصالح , فأنشأ في سبيل ذلك ( الجمعية الغراء ) سنة 1343هجرية بمعونة الوجهاء والتجار ممن يتصلون به ، وكانت جمعية مهمة ، لها قدرها ومكانتها في دمشق ، ووُضع لها قانون أساسي يوضح أهدافها ، ويذكر أعضاءها ، ويحدد مهماتهم ووظائفهم ، ولما قامت الجمعية لم يكن لها مركز معين ، ثم لم تلبث أن افتتحت لها مدرسة في المدرسة السميساطية لطلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية ، وكان مركز الجمعية في المدرسة ، ولما كثر الطلاب الوافدون وضاقت بهم مدرستهم على رحابتها ، اعتمدت الجمعية مراكز للتدريس ، في جامع العداس ، والتكية السليمانية ، والمدرسة الخيضرية وسواها , وفي سنة 1353هجرية أسست الجمعية في جامع تنكز ، بشارع النصر ثانوية شرعية تسمى ( معهد العلوم الشرعية الإسلامية ) وكانت الجمعية تقدم لطلابها ، الطعام والكساء ، والمبيت ، وتعلم الفقراء مجاناً ، وتهتم بعلوم الدين والدنيا والتوجيه الخلقي العام ، وقد بلغ مجموع معاهد الجمعية الغراء للعلوم الشرعية ، ستة تضم نحواً من أربعمائة طالب من شتى البلدان والقرى ، وبلغت مدارسها الابتدائية للذكور ثلاثة ، وللإناث اثنتين تضم أكثر من ألف وخمسمائة تلميذ وتلميذة . واتسع نشاط الشيخ وامتد نفعه خارج دمشق ،ليصل إلى القرى السورية الجنوبية وإلى الأردن ،وإلى البقاع في لبنان وغيرها ، فكان الشيخ يرسل طلابه المقتدرين إلى هناك يرغبونهم في طلب العلم ، فانهال عليه التلاميذ من القرى ، وخصوصاً قرى حوران وتخرج منهم القضاة ، والمفتون ، والمدرسون ، والخطباء والوعاظ ، وتخرج في معهد العلوم الشرعية الإسلامية أكثر من أربعة آلاف طالب ، كان يرسل منهم المئات إلى الجهات المختلفة البعيدة والقريبة وخاصة في رمضان يعلمون الناس أمور دينهم لمحات من صفاته وأخلاقه : لقد كان الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى يستشعر مسؤولية العلم ، وأنه حجة على حامله ، فما كان العلم عنده غاية يبتغي الوصول إليها فحسب ، بل كان يعتقد أن العلم وسيلة للغاية الكبرى ، وهي معرفة الله عز وجل معرفة صحيحة ، ومعرفة شريعته ومعرفة أخلاق الإسلام التي جسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليسعد هو بها ,وليُسعِد كلَّ مَن حوله ولينقلها للآخرين صافية نقية ، فيعم الخير وتهتدي الأمة إلى ما فيه صلاحها في دنياها وآخرتها . ومن هنا فقد أخذ الشيخ نفسه بأخلاق الدين والتمسك بآدابه , فكان يثور لانتهاك الحرمات ، بل ولترك سُنة من السنن ، ولا يخشى في الله لومة لائم ، جريء بقول الحق ، وكانت هذه تربيته لأهله وجيرانه ، وخاصته وتلاميذه وعامة الناس ، فلا يترك إرشادهم ووعظهم ، لا في السوق ولا في البيت, لا في النزهة ولا في الطريق ، لا يفرق في هذا بين صغير أو كبير ، أمير أو مأمور , يرى أن كل علم لا يُورِّث خشية لا يزيد صاحبه من الله إلا بعداً ، ولهذا حرص على التوازن بين العلم والخشية . وكان مخلصاً يبتغي وجه ربه في عمله . زهد في المال ورأى الدنيا عرضاً زائلاً , ولمع اسمه مرشداً واعظاً ، وكان كلامه وحديثه ينبع من تقواه وإخلاصه ، فيؤثر في السامعين لا يكادون يترددون إليه مرات قليلة ، حتى يتغير سلوكهم سريعاً , وقد سئل أكثر من مرة عن سر تأثيره في الناس ، وإقبالهم عليه ، فكان لا يحب أن يجيب على ذلك لئلا يصيبه الرياء والعجب ، ولكن في مجلس من المجالس أفصح عن ذلك لبعض أحبابه ومريديه ، فقال إنه في كل يوم قبيل الفجر في ساعة السحر يقرأ بعضاً من أجزاء القرآن الكريم على نية أن يُغير الله حال سامعيه , وأن يكتب لهم الهداية والنفع, لذلك لا عجب أن تنجذب له العقول ، وتهفو إلى كلامه القلوب ، وتذرف عند سماعه العيون . وكان حركة دائبة لا تتوقف منذ الفجر وإلى آخر اليوم ، يقضي ذلك بين صلاة وذكر ، أو تعليم وإشراف على دروس طلابه ، الذين امتلأت بهم المساجد , أو في درس توجيه ووعظ ، أو دروس علمية متخصصة في الفقه والأصول والتفسير والحديث والفرائض ، واستمر على ذلك سنين طوالاً إلى آخر حياته . ولقد أثمرت هذه الأخلاق وهذا الدأب ، عدداً كبيراً من طلاب العلم الذين بلغوا الآلاف والذين نبغ منهم الكثيرون ، فكانوا من خيرة علماء دمشق ، وسار بعضهم على طريقته كالشيخ عبد الكريم الرفاعي وغيره رحمهم الله تعالى والذين ساهموا في إعادة البلاد إلى ملامحها المسلمة الأصيلة . وفاته : توفي الشيخ يوم الثلاثاء 25صفر من سنة 1362 هجريةوالموافقة لسنة 1943 ميلادية ، وصُلي عليه في الجامع الأموي بجنازة حافلة ، حضرها كبار العلماء والوجهاء وعامة الناس ،وكلٌّ يبدو عليه التأثر والحزن ، ثم دفن في مقبرة الباب الصغير ، وأقيم له هناك حفل تأبيني ألقيت فيه الكلمات المؤثرة . رحم الله الشيخ علياً الدقر ، وجزاه عن علمه ودعوته ونهضته ، خير الجزاء وأجزل له العطاء ، وجمعنا به مع علمائنا الأبرار تحت لواء سيدنا ومصطفانا محمد صلى الله عليه وسلم . .................................................. .................. الأستاذ : خالد عالولا مصادر الترجمة : كتاب ( تاريخ علماء القرن الرابع عشر الهجري ) لمؤلفيه نزار أباظة ومطيع الحافظ |
الساعة الآن 11:47 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |