![]() |
حكم الحديث الضعيف
:extra144:
حكم الحديث الضعيف لما كان الحديث الضعيف على احتمال أن يكون راويه قد حفظه وأداه على وجهه الصحيح فقد كان ذلك مثار اختلاف كبير بين العلماء في العمل به ، دارت فيه مناقشات طويلة حتى وضع بعض العصريين بعض عباراتهم في غير موضعها ، وتقلب بينها بحيث يعسر على القارئ معرفة وجهه فيها . ونقدم إليك حاصل مذاهب العلماء في هذه المسألة الهامة : المذهب الأول : أنه يعمل بالحديث الضعيف مطلقا أي في الحلال والحرام والفرض والواجب بشرط أن لا يوجد غيره . ذهب إلى ذلك بعض الأئمة الأجلة كالإمام أحمد وأبي داود وغيرهما . وهذا محمول على ضعيف غير شديد الضعف ، لأن ما كان ضعفه شديدا فهو متروك عند العلماء ، وأن لا يكون ثمة ما يعارضه . وكأن وجهة هذا المذهب أن الحديث الضعيف لما كان محتملا للإصابة ولم يعارضه شيء فإن هذا يقوي الإصابة في روايته فيعمل به . روى الحافظ ابن منده أنه سمع محمد بن سعد الباوردي يقول : (( كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه )) . قال ابن منده : (( وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال )) . وهذا مذهب الإمام أحمد فإنه قال : (( إن ضعيف الحديث أحب إليه من رأي الرجال لأنه لا يعدل إلى القياس إلا بعد عدم النص )) . وقد تأول جماعة من العلماء هذه الروايات بأن المراد بها معنى آخر غير المعنى المتعارف لكلمة (( ضعيف )) ، وهذا المعنى المراد هو (( الحسن )) ، لأنه ضعف عن درجة الصحيح. لكن هذا التأويل يشكل عندنا بما قاله أبو داود ولفظه : (( وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل ، وهو مرسل ومدلس ، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل ، وهو مثل : الحسن عن جابر والحسن عن أبي هريرة ، والحكم عن مقسم عم ابن عباس ... )) . حيث جعل أبو داود الحديث غير المتصل صالحا للعمل عند عدم الصحيح ، ومعلوم أن المنقطع من أنواع الحديث الضعيف لا الحسن. كما أنه على تأويل الضعيف بالحسن لا معنى لتخصيص هؤلاء الأئمة بالعمل به وتقديمه على القياس ، لأن هذا مذهب جماهير العلماء . المذهب الثاني: يستحب العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال من المستحبات والمكروهات ، وهو مذهب جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم ، وحكى الاتفاق عليه بين العلماء الإمام النووي والشيخ علي القاري وابن حجر الهيتمي . وقد أوضح الحافظ ابن حجر شروطه خير إيضاح فقال : (( إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة : الأول : متفق عليه ، وهو أن يكون الضعف غيرشديد ، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه. الثاني : أن يكون مندرجا تحت أصل عام ، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلا . الثالث : ألا يعتقد عند العمل به ثبوته ، لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله)). وقد وجه الحافظ الهيتمي الاستدلال للعمل بالضعيف في فضائل الأعمال فقال : (( قد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لأنه إن كان صحيحا في نفس الأمر فقد أعطي حقه من العمل به . وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم ولا ضياع حق للغير )) . المذهب الثالث: لا يجوز العمل بالحديث الضعيف مطلقا ، لا في فضائل الأعمال ولا في الحلال والحرام ، نسب ذلك إلى القاضي أبي بكر بن العربي ، وقال به الشهاب الخفاجي والجلال الدواني ، ومال إليه بعض العصريين من الكاتبين مستدلا بأنها كالفرض والحرام لأن الكل شرع ، وإن في الأحاديث الصحاح والحسان مندوحة عن الأحاديث الضعيفة . هذا والمسألة ذات إشكالات كثيرة ومناقشات نرجو أن نوفق لبسطها في مقام آخر إن شاء الله ، إلا أنه يبدو أن أوسط هذه المذاهب هو أعدلها وأقواها ، وذلك أننا إذا تأملنا الشروط التي وضعها العلماء للعمل بالحديث الضعيف ، فإننا نلاحظ أن الضعيف الذي نبحث فيه لم يحكم بكذبه ، لكن لم يترجح فيه جانب الإصابة ، إنما بقي محتملا ، وهذا الاحتمال قد تقوى بعدم وجود معارض له وبانضوائه ضمن أصل شرعي معمول به ، مما يجعل العمل به مستحبا ومقبولا ، رعاية لذلك . أما زعم المعارضين أن العمل بالضعيف في الفضائل اختراع عبادة وتشريع في الدين لما لم يأذن به الله تعالى . فقد أجاب عنه العلماء بأن هذا الاستحباب معلوم من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في أمر الدين ، والعمل بالحديث الضعيف من هذا القبيل فليس ثمة إثبات شيء من الشرع بالحديث الضعيف . وفي رأيي أن الناظر في شروط العمل بالحديث الضعيف يجد فيها ما ينفي الزعم بأنه إثبات شرع جديد ، وذلك أنهم اشترطوا أن يكون مضمونه مندرجا تحت أصل شرعي عام من أصول الشريعة الثابتة ، فأصل المشروعية ثابت بالأصل الشرعي العام ، وجاء هذا الخبر الضعيف موافقا له . رواية الحديث الضعيف : أما مجرد رواية الحديث الضعيف في غير العقائد وأحكام الحلال والحرام ، كأن يروي في الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ ونحو ذلك فقد أجاز العلماء المحدثون رواية ما سوى الموضوع وما يشابهه من غير اهتمام ببيان ضعفه ، والآثار عنهم في ذلك كثيرة مستفيضة ذكر الخطيب البغدادي جملة منها في كفايته . منها قول الإمام أحمد : (( إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال أو مالا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد )) . لكن علماء الحديث يراعون الدقة في رواية الحديث الضعيف ، لذلك لا يسوغون روايته بصيغة جازمة في نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لك أن تقول في روايتك لحديث ضعيف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ... ، أو فعل , أو أمر وما شابه ذلك من الألفاظ الجازمة بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما تقول فيه : (( روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يروى ، أو ورد ، أو يحكى ، أو ينقل...)) وهكذا تقول أيضا فيما تشك في صحته وضعفه . إنما تقول : (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) فيما ظهر صحته أو حسنه . لكن المتقدمين كانوا يتساهلون في ذلك ، وربما عبروا عن الصحيح بقولهم (( روي )) اعتمادا على اشتهار الأحاديث والأسانيد في عصرهم ، كما ستقف عليه في بحث المعلق إن شاء الله تعالى . من كتاب منهج النقد عند المحدثين للدكتور نور الدين عتر |
رد: حكم الحديث الضعيف
بارك الله بكم ونفع اخي الفاضل
|
رد: حكم الحديث الضعيف
وبكم سيدي ابو النور وحفظكم الحافظ
|
رد: حكم الحديث الضعيف
يعطيك العافيه اخي الحسيني
|
رد: حكم الحديث الضعيف
الله يعافيك ويسلمك ابو معاوية
|
الساعة الآن 12:06 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |