![]() |
معضلة الحلاج بين الواقع و التلفيق ( ج 1 / ف 2)
معضلة الحلاج بين الواقع و التلفيق ( ج 1 / ف 2) وقيل أنه لما تفجرت مشاعر حب الولية لله في خلجات قلبه صرخ "أنا الحق " ؟؟ !!! ... قال غوث الأولياء " عبد القادر الجيلاني " قدس سره : ( قالها وهو غائب العقل سكران ) ، أو كما قال رضي الله عنه ... ويقول الحلاج في الصحو : ( يا إله الآلهة، ويا رب الأرباب... رد إلي نفسي لئلا يفتتن بي عبادك ) ... وهو إشارة إلى غيابه عن نفسه ذهولاً بالحق ... فعين بلوغ المحبة هي : ( محق ما في القلوب من سوى المحبوب) ... لأنهم استهلكوا بالله ذاكرين مفردين ... يقول صلى الله عليه وسلم : ( سبق المفردون " قالوا : وما المفردون ؟ يا رسول الله ! قال " الذاكرون الله كثيرا ، والذاكرات " ) رواه مسلم في "صحيحة" ... يقول الله تعالى : : ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) [الأحزاب : 35] ... و المغفرة من الله لهم بأن غطاهم بأنوار الحال ، وسترهم عن الأوحال ( كل يحول بين المؤمن وربه بأمر الله من العوالق النفسية و الأمراض القلبية ) ... بسم الله الرحمن الرحيم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال : 24] ... كما في الأثر القدسي : ( أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري ) ، ورد في "سر الأسرار" للغوث الجيلاني { ص : 54 } ... وأجرهم هو دوام حضوره معهم ومجالستهم ... كما ورد في الأثر القدسي : ( أنا جليس من ذكرني ) ، رواه البيهقي في "شعب الإيمان" ، وقال : صحيح ، بشرط الشيخان لما ورد في "الصحيحين" : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ) ... يقول الله تعالى : ( وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ۞ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) [الكهف : 3] ... ماكثين فيه ، أي بدوام حضورهم مع الله وهي جنة الصالحين في الدارين لقوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) [الرحمن : 46] ، أي جنة الدنيا والآخرة ... يقول أبو الفرج أبن الجوزي رحمه الله ، في "التذكرة" : ( من أحبشيئا، أكثر ذكره ، و من أجلّأمرا، أعظم قدره ، و لا حبيب أحب من الله إلى أهل ولايته ، و لا جليل أجل من الله عندأهل معرفته، فاذكروا الله ذكر المحبين، و أجلّوه إجلال العارفين ) .... يقول الإمام "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه : ( أفضل العبادة ، إدمان التفكر في فضل الله ، و في قدره ) ... يقول الله تعالى : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [آل عمران : 191] ... يقول الغوث الصمداني وريث سلطان العارفين البسطامي " أبو حسن الخرقاني" قدس الله سره بعد أن اجتباه الله من أوحال التوحيد "حشو التوحيد" إلى أنوار النفريد "محض التوحيد" : ( اليوم لي أربعون سنة ، و الله ينظر إلى قلبي ، لا يرى فيه غيره ، ما بقي في لغير الله شيء [ التجرد عن الأغيار "الأوحال"] ، و لا في صدري لغيره قرار [ الغياب عن ذاته التي بين جنبيه ] ) ورد في " الحدائق الوردية " للخاني { ص : 336} ... وعندما أدرك سلطان العارفين هذا المقام من القرب صرخ لحظة التحقيق عندما ارتقا إلى وحدة الشهود في مقام الإحسان ذاهلاً عن نفسه بعد أن تفجرت به مشاعر العشق و الهيام بالله المحبوب ، قائلاً " سبحاني" ... فسمع صراخه ذويه وجيرانه فنقلوا ذلك لتاج العارفين "أبو القاسم الجنيد" قدس سره ، فقال لهم : ( دعوه ، فأبو يزيد يشفع له حاله ، الرجل استهلك فنطق بما هلك به ، لذهوله بالحق عن رؤية إياه ، فلم يشهد بالحق إلا الحق ) ، ورد في " الحدائق الوردية " للخاني { ص : 195} ... ويقول الغوث المميز "أبو المغيث الحلاج" قدس سره في التوحيد : (هو تمييز الحدث [الخلق] عن القدم [الخالق] ، ثم الإعراض عن الحدث و الإقبال على القدم ، وهذا حشو التوحيد [ أي النفي " لا إله " والإثبات " إلا الله " ] ، وأما محضه [ وحدة الشهود "التفريد" ] ، فالفناء بالقدم عن الحدث ، وأما حقيقة التوحيد [ وحدة الوجود "عين الوحدة" ] فليس لأحد إليها سبيل إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ورد في "أخبار الحلاج" للساعي { ص :89 } ... ويقول الإمام الرباني الوارث "أبو يزيد البسطامي" : ( المعرفة معرفتان : معرفة الحقيقة ومعرفة الحق ، فأما معرفة الحق فقد عرفها المؤمنون بنور الإيمان و الإيقان ، و أما معرفة الحقيقة فلا سبيل لها ، قال تعالى ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) [طه : 110] ) ، ورد في " الحدائق الوردية " للخاني { ص : 324} ... يقول صلى الله عليه وسلم : (سبق المفردون ، قالوا : يا رسول الله وما المفردون ؟ قال : ( المستهترون في ذكر الله . يضع الذكر عنهم أثقالهم ، فيأتون يوم القيامة خفافا ) ، رواه الترمذي في "سننه" ، و البيهقي في "شعب الإيمان" ، رواه السيوطي في "الجامع الصغير" ، وقال : صحيح ... وفي رواية ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" قوله : ( الذين يهترون بذكر الله ، يضع الذكر عنهم ......... ) رواه أحمد في "مسنده" ، وقال : إسناده صحيح حتى لفظ ( يهترون بذكر الله ) ، والهيثمي في "مجمع لزوائد" ، وقال : رجاله رجال الصحيح وزاد بلفظ ( عز وجل) ، ورواه الذهبي في "ميزان الاعتدال"... يروى أن أحد العارفين قال أمام جمع أخوته بالله : "إني لا أخاف الله" ، فاستنكر عليه القوم ما قال ، وشكوه شيخه فأغاظ هذا النقل الشيخ فقال ، أتوني به ، فلما حضر قال له أحقاً ما سمعت ... قال نعم فقال فكيف تجرأت ، فقال : يا شيخي كيف أخاف من رب منعم ودود رءوف رحيم ، لكني أخاف من معصية نفسي له ، ثم تلا قول الله تعالى : ( قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [الأنعام : 15] صدق الله العظيم ... إذا فالبيان يطرد الشيطان ... والحلاج لم يتثنى له أن يدلي بالبيان ... محنة دعوة الحلاج : ففي ذلك الوقت أيام الخليفة العباسي "المتعمد" حدث تغير بالدعوة الصوفية الإصلاحية من المجاهرة إلى السر ؟!! ... بسبب معاداة مداهني السلطة و أعوانها للحركة الصوفية التي كانت تهدد مصالحهم الدنيوية ... وكان ذلك في نفس العام الذي جاء به الحلاج إلى بغداد ، حيث سجن في ذلك الوقت أئمة التصوف عدا الجنيد ومنهم النوري و الجريري و الخلدي ...الخ ... وتم الإفراج عنهم من قبل قاضي القضاة في ذلك الوقت "إسماعيل بن إسحاق "رحمه الله ، بعد أن تبين له براءتهم من تهمة الزندقة ، وأنهم أتقى الخلق في زمانهم ... ولكن عندما صمت الصوفية تكلم الحلاج ؟!!! ، ونشأ الخلاف بينه وبين الإمام الجنيد حول المجاهرة بدعوة الإصلاح السلوكي ، إضافة للخلاف المذهبي في معرضاته مع الحلاج الفقيه المتشدد ، فقد كان مذهب الجنيد الفقهي هو المذهب الشافعي وكان الحلاج حنبلياً ... شكا كبار التجار والمداهنين من رجالات الدين وأصحاب السلطة تطاول الحلاج عليهم في مجالس وعظة ، وشدته بالحق ، واتهامهم بالنفاق والإفساد في الأرض والفجور والإسراف ... هنا استدعى الجنيد الحلاج ، وأمره : ( بالسكون و المراعاة ) ... و أسر الجنيد لأحد مريديه بعد أن غادره الحلاج ، قائلاً : ( لا حول و لا قوة إلا بالله ، إني أرى أسياف الحلاج تقطر دماً ، وأعادها ثلاثاً ) ... وبالفعل صدق حدث الجنيد ، فقد قام القاضي "محمد بن داود" ، باعتقاله بتهمة الزندقة ، على أنه كان ينادي بالحلولبة , والمزجية "الاتحاد" ... لكن الحلاج أنكر هذه التهمة قائلاً : ( ظهري حِمي، ودمي حرام ، وما يحل لكم أن تتأولوا علي ، واعتقادي الإسلام ، ومذهبي السنة ولي فيها كتب موجودة ، فالله الله في دمى ) ... وطلب من القاضي أن يحضر مخطوطات له دونها أحد مريديه ، تبرأه من تهمة الزندقة ، فرفض القاضي "محمد بن داود" ، الذي كان محرض من قبل أركان السلطة والدين المداهنين في ذلك الوقت ... إلا أن الله قيض للحلاج ، القاضي "ابن السريج الشافعي" الذي أيد أن يعطى الحلاج فرصة للدفاع عن نفسه وكان هذا القاضي يعارض أن يقتص من الزنديق لعدم وجود نص شرعي بذلك ، ما لم يعلن زندقته ويفسد في الأرض ... وتبين أن الحلاج كان ضد العقائد الحلولية و المزجية التي نسبت إليه في ذلك الوقت ، فقد قال في الحلولية : ( إِنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ هي تَوْحِيدُهُ، وتَوْحِيدُهُ تَميُّزُهُ عَنْ خَلْقِهِ، وكُلُّ مَا تَصَوَّرَ في الأَوْهَامِ فَهْوَ [يعني الله] بِخِلاَفِهِ ، كَيْفَ يَحُلُّ بِهَ، مَا مِنْهُ بَدَأ ؟! ) ، ورد في "أخبار الحلاج" للساعي {ص :47} ... كما قال في العقيدة المزجية : ( مَنْ ظنَّ أَنَّ الإلوهية تَمْتَزِجُ بالبَشَريَّةِ، فقَدْ كَفَر ) ورد في "أخبار الحلاج" للساعي { ص : 31} ... وقد كان هذا القاضي الشافعي من أعوان الجنيد الذين انضموا للواء الحلاج بعد وفاة الجنيد ... وكان اللقاء الأخير بين الجنيد و الحلاج حيث قال له : ( لقد أحدثت بالإسلام ثغرة ، لن يسدها إلا رأسك ) ، وكان ما أشار له الجنيد الحكيم الإلهي رضي الله عنه ثم قال له : ( أي خشبة أفسدت ) ... وكان الجنيد يقصد خشبة النفاق عند أركان السلطة الدينية و القضائية و السياسية التي أجمعت على القصاص من الحلاج لأن فساد المنافق فجوره ... يقول تعالى في المنافقين : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [المنافقون : 4] ... نهاية الفصل الثاني من الجزء الأول ... |
الساعة الآن 02:48 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |