![]() |
من هم اولياء الله
قال الله تعالى : (( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) سورة يونس /63 /.
اعلم أنّا بيّنا أنّ قوله تعالى : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ ) . ممَّا يقوِّي قلوبَ المطيعين ، وممَّا يكسرُ قلوبَ الفاسقين ، فأتْبَعَهُ اللهُ تعالى بشرحِ أحوال المخلصين الصّادقين الصِّدِّيقين وهو المذكورُ في هذه الآية : المسألةُ الأولى :اعلم أنّا نحتاج في تفسير هذه الآية إلى أن نبيِّن أنَّ الوليَّ مَنْ هو ؟ ، ثمَّ نُبيِّن تفسيرَ نفي الخوفِ والحزن عنه . فنقول أنَّ الوليَّ من هو ؟ فيدلُّ عليه القرآنُ والخبرُ والأثرُ والمعقولُ . أما القرآنُ فهو قوله تعالى في هذه الآية : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) فقوله : ( آمَنُوا) إشارةٌ إلى كمال حال القوَّة النَّظريَة . وقوله : ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) إشارةٌ إلى كمال حال القوّة العمليّة . وفيه مقامٌ آخر وهو أنْ يُحملَ الإيمانُ على مجموع الإعتقاد والعمل ثمَّ نصفُ الوليَّ بأنَّه كان متّقياً بالكلِّ . أمّا التَّقوى في موقف العلم فلأنَّ جلال الله تعالى أعلى من أن يحيط به عقلُ البشر . فالصِّدِّ يقُ إذا وَصَفَ اللهَ سبحانه وتعالى بصفةٍ من صفاتِ الجلال فهو يقدِّسُ اللهَ تعالى عن أن يكون كمالُه وجلالُه مختَصرا ً على ذلك ، والمقدار الذي عرفه وصفه به . وإذا عبد الله تعالى فهو يقدِّس الله تعالى عن أنْ تكون الخدمة لائقة بكبريائه فتقدِّره بذلك المقدار . فثبت أنَّه أبداً يكون في مقام الخوف والتقوى . وأمّا الأخبارُ فكثيرةٌ : روى عمرُ رضي الله عنه أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلم قال : ( هم قوم ٌ تحابُّوا في الله على غير أرحامٍ بينهم ولا أموالٍ يتعاطونها . فو الله إنّ وجوهَهم لنورٌ وإنَّهم لعلى منابرَ من نورٍ لا يخافون إذا خافَ الناسُ ولا يحزنون إذا حزنَ النَّاس ، ثم قرأ هذه الآيه ) رواه ابو داود وعن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( همُ الّذينَ يُذكَرُ اللهُ تعالى برؤيتهم ). قال أهلُ التَّحقيق : والسببُ فيه أنّ مشاهدَتهم تُذكِّرُ أمرَ الآخرة لِما يُشاهَدُ فيهم من آيات الخشوع والخضوع ولِما ذكر الله سبحانه في قوله : ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ). وأما الأثر : قال أبو بكر الأصمّ رحمه الله تعالى : ( أولياءُ الله تعالى هُمُ الّذين تولّى الله هدايَتّهَم بالبرهان وتولَّوا القيامَ بحقِّ عبوديَّةِ الله تعالى والدعوة إليه . وأما المعقول : فنقول ظهر في علم الإشتقاق أنّ تركيبَ الواو واللام والياء يدلُّ على معنى القرب ، فوليُّ كلّ شيءٍ ، هو الّذي يكون قريباً منه والقربُ من الله سبحانه وتعالى بالمكان والجهة محال . فالقربُ منه إنّما يكون إذا كان القلبُ مستغرقاً في نور معرفةِ الله تعالى ، فإن رأى رأى دلائلَ قدرةِ الله تعالى ، وإن سمعَ سمعَ آياتِ الله تعالى ، وإن نطق نطق بالثناء على الله تعالى . وإن تحرَّك تحرّكَ في خدمة الله تعالى ، وإن اجتهد اجتهد في طاعة الله تعالى . فهناك يكون في غاية القرب من الله تعالى . فهذا الشخصُ يكون وليّاً لله تعالى ، وإذا كان كذلك كان اللهُ تعالى وليّاً له أيضاً كما قال الله تعالى : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) سورة البقرة 357 . ويجب أن يكون الأمرُ كذلك لأنَّ القربَ لا يحصلُ إلا من الجانبين . وقال المتكلمون : وليُّ الله تعالى من يكون آتياً بالاعتقاد الصحيح المبنيِّ على الدّليل ويكون آتياً بالأعمال الصَّالحة على وفق ما وردتْ به الشريعة . _ تفسير فخر الرازي - ج 17- ص 103 _ نقلاً من القطوف |
الساعة الآن 02:51 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |