![]() |
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 147
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) قولُه: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَلاَ يُجْزَوْنَ إلاَّ عَلَى الأَعْمَالِ التِي قَامُوا بِهَا مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ بِأَنْ جَعَلَ الجَزَاءَ فِي الآخِرَةِ أَثَراً لِلْعَمَلِ فِي الدُّنْيا، وَلاَ يَظْلِمُ اللهُ تَعَالَى أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ أَبَداً. وهذه الآيةُ المباركة تقريرٌ المُرادُ بِهِ تَأكيدُ خُسرانِ أُولئِكَ المَصْروفينَ عَنْ آياتِ اللهِ تَعَالى، إذْ لم تَقُمْ أَعْمالُهم على أَساسِ العَدْلِ والحَقِّ بَلْ قامَتْ على أَساسِ الظُلْمِ والأباطيل، ولذلك فهي باطلةٌ مِنْ جهةٍ فَلا تُكْسِبُهم خيراً، وهي من جهةٍ أُخرى أَعمالُ سُوءٍ سَوْفَ يُجْزَوْنَ بها سُوءً في دارِ الجَزاءِ، وهوَ عَذابُ الجَحيمِ، ولِذا قال تعالى: "هل يُجْزَوْنَ إلاَّ ما كانوا يعملون} أيْ: ما يُجْزَوْنَ إلاَّ ما كانوا يَعملونَ مِنَ السُوءِ، وعَدالَةُ اللهِ تَعالى أَنَّ مَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ فلا يُجْزى إلى مِثْلَها وهُم لا يُظْلَمون. قوله تعالى: {والذين كَذَّبُواْ} الذين: مُبتدأٌ وخبرُه إمَّا الجُملةُ مِنْ قولِه: "حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ" و "هَلْ يُجْزَوْنَ" خبرٌ ثان أَوْ استئنافٌ. وإمَّا أنَّ جملةَ "حَبِطَتْ" في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ، و (قد) مُضمرةٌ مَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ ذلك، وصاحبُ الحال هو فاعلُ "كذَّبوا" والخبرُ هو جملةُ "هل يُجْزون". قولُهُ: {وَلِقَاءِ الآخرة} هو مِنْ بابِ إضافةِ المَصْدَرِ لِمَفعولِهِ، والفاعلُ محذوفٌ والتقديرُ: ولِقائِهِمُ الآخرةَ. وذكرَ الزمخشريُّ وجهاً ثانياً وهو: أنَّهُ مِنْ بابِ إضافةِ المَصْدَرِ للظَرْفِ، فيكون المعنى: ولِقاءِ ما وَعَدَ اللهُ في الآخِرَةِ، لكنَّ جُلَّةَ النَّحْوِيّينَ لا يُجيزُونَ هذه الإِضافةَ لأَنَّ الظَرْفَ على تقديرِ "في"، والإِضافةُ عندَهم على تقديرِ اللامِ أوْ "مِنْ"، فإنِ اتُّسِعَ في العامِلِ جازَ أَنْ يُنْصَبَ الظَرْفُ نَصْبَ المفعول، ويجوزُ إذْ ذاك أَنْ يُضافَ مَصدرُه إلى ذلك الظَرْفِ المتَّسَعِ في عاملِه، وأَجازَ بَعْضُ النَّحْوِيين أَنْ تَكونُ الإِضافةُ على تقديرِ "في". قولُه: {هَلْ يُجْزَوْنَ إلاَّ ما كانوا يعملونَ} اسْتِفْهامٌ مَعناهُ النَفْيُ، ولِذلكَ دَخَلَتْ "إلا"، ولو كان مَعناهُ التَقريرَ لَكانَ مُوجِباً فيَبْعُدُ دُخولُ "إلا" أَوْ يَمْتَنِعُ. ولا بُدَّ مِنْ تقديرِ محذوفٍ، أي: هل يجزونَ إلاَّ بما كانوا يعملون، أو على ما كانوا يعملون، أوْ جزاءَ ما كانوا يعملون. ذلك لأنَّهم لا يجزون بنفسِ ما كانوا يَعْملونَهُ، وإنَّما يُجْزونَ بما يُقابِلِهِ. |
الساعة الآن 02:50 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |