![]() |
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 162
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) قولُهُ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} الرجزُ: العذابُ، جاء ذلك فيما رواه ابنُ أبي حاتم بسندِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ـ قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الطَّاعُونُ رِجْزٌ عَذَابٌ، عُذِّبَ بِهِ قَوْمٌ قَبْلَكُمْ)). وأخرج كذلك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: "رِجْزاً"، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الرِّجْزِ يَعْنِي بِهِ الْعَذَابَ". وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَتَادَةَ، نَحْوُ ذَلِكَ. وروى عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ، فِي قَوْلِهِ: "رِجْز"، قَالَ: الرِّجْزُ: الْغَضَبُ". وعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: "الرِّجْزُ: إِمَّا الطَّاعُونُ، وَإِمَّا الْبَرْدُ". وروى الطبريُّ عن أبي جَعْفَرِ: يقول تعالى ذكرُه: فغيَّر الذين كفروا بالله منهم ما أمرَهمُ اللهُ بِهِ مِنَ القوْلِ، فقالوا ـ وقدْ قِيلَ لهم: قولوا: هذه حِطَّةٌ: "حِنْطَةٌ في شَعيرةٍ". وقولُهُ تَعالى: "فأرسلنا عليهم رجزًا من السماءِ"، أي: بَعَثْنا عَلَيْهِم عَذابًا، أَهْلَكْناهُم بما كانوا يُغيِّرون ما يُؤمَرونَ بِهِ، فَيَفْعَلون خِلافَ ما أَمَرَهم اللهُ بِفِعْلِهِ، ويَقولونَ غيرَ الذي أَمَرَهمُ اللهُ بِفِعْلِه. وقال في سُورةِ البَقَرَةِ: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السماء} الآية: 59. والفارِقُ بَين "الإِنْزالِ" و "الإِرسالِ" أَنَّ الإِنزالَ يَكونُ مَرَّةً واحدةً. أَمَّا الإِرسالُ فهوَ مُسْتَرْسِلٌ ومُتَواصِلٌ. ولِِذلكَ يَقولُ اللهُ ـ سبحانه ـ في المطر: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَماءِ مَاءً طَهُوراً}. لأَنَّ المَطَرَ لا يَنْزِلُ طَوالَ الوَقْتِ مِنَ السَماءِ. أَمَّا الإِرسالُ فهوَ مُستَمَرٌّ، اللَّهُمَّ إلاَّ بَعضاً مِنْ تأثيرِ الهواءِ. ولذلك يَقولُ الحَقُّ تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ}. فالذي يحتاجُ إلى اسْتِمراريَّةٍ في الفِعْل يَقولُ فِيهِ الحَقُّ: "أرسل" بدليلِ أَنَّ اللهَ حينَما أَرادَ أَنْ يجيءَ بالطُوفانِ لِيُغْرِقَ آلَ فِرعَوْنَ المُكذِّبين بموسى ورِسالَتِهِ كما تقدم قال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان . . } الآية: 133. من هذه السورة. وعِنْدَما أَرادَ أَنْ يُرَغِّبَ عاداً قومَ سَيِّدِنا هُود في الاستغفارِ والتوبةِ والرُجوعِ عَمّا كانوا عَلَيْهِ مِنَ الكُفرِ والآثامِ قال لهم على لسانِ نبيِّه: {و يا قومِ اسْتغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السماءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} سورة هُود، الآية: 52. إذاً فالإِرْسالُ يَعني التَواصُلَ، أَمَّا الإِنزالُ فهُو لمرَّةٍ واحدةٍ، وفي قِصَّةِ بَني إسرائيلَ أتى سبحانه بِكَلِمَةِ "أَنْزَلْنا"، مرةً وبِكَلِمَةِ "أرسلْنا" أُخرى لأنَّ العُقوبةَ تختلِفُ باخْتِلافِ المُذْنِبين، فلِكُلٍّ منَ العذابِ على قدْرِ ذَنْبِهِ. قولُهُ تعالى: {قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} غيرَ: نَعْتٌ للقولِ منصوبٌ مثله. قولُه: {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} الباء: للسبَبَيَّةِ، أَيْ: بِسبَبِ ظُلمِهم المُسْتَمِرِّ السابِقِ واللاَّحِقِ، وهذا بمعنى ما في البَقَرَةِ لأنَّ ضميرَ "عليهم" عائدٌ على الذين ظَلَموا، والتصريحُ بهذا التَعليلِ لمِا أَنَّ الحُكْمَ هُنا مُرَتَّبٌ على المُضْمَرِ دونَ المَوْصولِ. |
الساعة الآن 03:05 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |