![]() |
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 20
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وفي هَذا رُجوعٌ إلى الأَمْرِ بالطاعَةِ الذي افْتَتَحَتْ بِهِ السُورَةُ في قولِهِ: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة الأنفالِ، الآية: 1. رُجوعَ الخَطيبِ إلى مُقدِّمَةِ كلامِهِ ودَليلِهِ ليأَخُذَها بَعْدَ الاسْتِدلالِ في صُورَةِ نَتيجةٍ أَسْفَرَ عَنْها احْتِجاجُهُ، لأَنَّ مَطْلوبَ القِياسِ هُوَ عينُ النَتيجةِ، فإنَّهُ لمَّا ابْتَدأَ فأَمَرَهُم بِطاعَةِ اللهِ ورَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} في سِياقِ تَرْجيحِ ما أَمَرَهمْ بِهِ الرَسولُ ـ عَليه الصلاةُ والسّلامُ، على ما تهواهُ أَنْفُسُهم، وضَرَبَ لهمْ مَثَلاً لِذلك بحادِثَةِ كَراهَتِهم الخُروجَ إلى بَدْرٍ في بِدْءِ الأَمْرِ ومُجادَلَتِهم للرَغْبَةِ في عَدَمِهِ، ثمَّ حادثةُ اخْتِيارِهِمْ لِقاءَ العِيرِ دُونَ لقاءِ النَفيرِ خَشْيَةَ الهَزيمةِ، ومَا نَجَمَ عَنْ طاعَتِهم الرَسُولَ ـ صلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ومخالفتِهم هواهم، مِنْ نَصْرٍ عَظيمٍ وغُنْمٍ وَفيرٍ لهم، ومِنَ التَأْييدِ المُبينِ للرَسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، والتَأْسيسِ لإقْرارِ دِينِهِ قولُهُ تعالى: {وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} سورة الأنفال، الآية: 7. وقولُهُ: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} الآية: 8 من ذاتِ السورة. وكَيفَ أَمَدَّهمُ اللهُ بالنَصْرِ العَجيبِ لما أَطاعوهُ مخالفين في ذلك هواهم، وكيف هَزَمَ المُشركين لأنهم شاقُّوا اللهَ ورسولَه. والمُشاقَّةُ ضِدُّ الطاعةِ تَعريضاً للمُسْلِمين بِوُجوبِ التَبَرُّؤِ ممَّا فِيهِ شائبةُ عِصْيانِ الرَسولِ ـ صَلَّى اللهُ عليْه وسَلَّم. قولُه: {وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} التَوَلّي الانْصِرافُ، وقد تَقَدَّمَ آنِفاً، وهُوَ مُسْتَعارٌ هُنا للمُخالَفَةِ والعِصْيانِ، "وأنتم تسمعون" دعاءَهُ لكم بالقُرآنِ والمواعِظِ والآياتِ، سماعَ تَفَهُّمٍ وإذعانٍ، وقد يُرادُ بالسَّماعِ التَصديقُ، وقد يَبْقى الكلامُ على ظاهرِهِ مِنْ غيرِ تجوُّزٍ. فيَجِبُ عَلَيْهم الاسْتِجَابَةُ لِلْرَّسُولِ إِذَا دَعَاهُمْ إلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَتَرْكِ طَاعَتِهِ، وَرَفْضِ الاسْتِجَابَةِ لَهُ إِذَا دَعَاهُمْ إلَى الجِهَادِ، لأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ الذِي يَأْمُرُهُمْ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَمُوَالاَتِهِ وَنَصْرِهِ، وَيَعْقِلُونَهُ، ويَدْخُلُ في طاعته ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وتَلْبِيَةِ دَعْوَتِهِ، السَّمْعُ والطاعةُ في كُلِّ ما أَمَرَ بِهِ ونهى، فالعِبرَةُ بِعُمومِ النَصِّ ولَيْسَ بخُصوصِ المناسبةِ. قولُهُ تعالى: {وَلاَ تَوَلَّوْا} الأَصْلُ: تَتَوَلَّوا، فحَذَفَ إحْدى التاءيْنِ. وقد تَقَدَّمَ الخلافُ في أَيِّهِما المحذوفةُ. قولُهُ: {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ، وهذه الجملةٌ حاليَّةٌ، مَسُوقَةٌ لِتَأْكيدِ وُجُوبِ الانْتِهاءِ عَنِ التَولي مُطْلَقاً، لا لِتَقْييدِ النَهْيِ عَنْهُ بحالِ السَّماعِ. والضميرُ في "عَنْهُ" يَعودُ على الرَسُولِ؛ لأنَّ طاعتَه مِنْ طاعةِ اللهِ. وقيلَ: يَعُودُ على اللهِ، وهذا كقولِهِ تَعالى في سُورَةِ التَوْبَةِ: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} الآية: 62. وقيلَ: يَعودُ على الأَمْرِ بالطاعَةِ. |
الساعة الآن 03:03 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |