![]() |
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 37
لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قولُه: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} وَلِيَجْمَعَ الكُفْرَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَيَجْعَلَهُ مُلْقىً وَيَقْذِفَهُ فِي جَهَنَّمَ، بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. والرَّكْمُ: جَمْعُك الشيءَ فوقَ الشيءِ حتى يَصيرَ رُكاماً ومَرْكوماً، كما يُركم الرَمْلُ والسَحابُ والجيشُ. ومِنْهُ {يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} سورة الطور، الآية: 44. والمُرْتَكم: جادَّةُ الطَريقِ للرَّكْم الذي فيه، أي: ازدحامُ السَّابلة وآثارهم. فالمُرادُ بالخَبيثِ هنا إمّا الكافِرُ فيكونُ المعنى فَرْطُ ازْدِحامِهم في الحَشْرِ، وإمَّا الفَسادُ فالمعنى أَنَّهُ سُبْحانَهُ يَضُمُّ كلَّ صَنْفٍ منه بَعْضَهُ إلى بَعْضٍ "فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ" كلَّه، أيْ: يَجْعَلُ أَصحابَهُ فيها، وأَمَّا المالُ المُنْفَقُ في عَداوَةِ الرَسُولِ ـ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فجعلُهُ في جَهَنَّمَ يعني لِتُكْوى جِباهُهُم وجُنُوبُهم به. قولُه: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وَهَؤُلاَءِ الذِينَ يَقْذِفُهُمْ فِي جَهَنَّمَ هُمُ الخَاسِرُونَ. و "أولئك" إشارةٌ إلى الخبيث إذ هو عبارةٌ عن الفريق أو إلى المنفقين، والجمعُ لأنَّهُ مُقَدَّرٌ بالفريق الخبيثِ، أَوْ نسبةً إلى المُنفِقين الذين بَقُوا على الكُفْرِ، وما فيه مِنْ مَعنى البُعدِ للإيذان ببُعد درجتِهم في الخبث و "هُمُ الخاسرون" خسراناً كاملاً لأنهم خسِروا أنفسَهم وأَموالَهم. قولُهُ تعالى: {لِيميزَ} اللامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِ {يحشرون} من الآية: 36 السابقة. قولُهُ: {ويَجْعل} يحتمل أن تكون تصييريَّةً فتنصبَ مفعولين، وأن تكونَ بمعنى الإِلقاءِ فتَتَعَدَّى لواحدٍ، وعلى كِلا التَقْديريْن ف "بعضُهُ" بَدَلُ بعضٍ مِن كُلٍّ، وعلى القولِ الأوَّلِ يَكونُ "على بعض" في مَوضَعِ المفعولِ الثاني، وعلى الثاني يكون متعلقاً بنفس الجَعْل نحو قولك: ألقيْتَ متاعك بعضَه على بعض. وقالَ أبو البَقاء بعد أن حكم عليها بأنها تتعدَّى لواحد: وقيل: الجار والمجرور حالٌ تقديرُه: ويجعلُ الخبيث بعضه عالياً على بعض. قوله: {فَيَرْكُمَهُ جميعاً} فيركمُه: هو عطفُ نَسَقٍ على المَنصوبِ قبلَه. و "جميعاً" حالٌ. ويجوزُ أَنْ يَكونَ تَوْكيداً عندَ بعضِهم. وقرأ ابن كثير ونافع عاصم وأبو عمرو وابن عامر "ليَمِيز" بفتح الياء وكسر الميم ، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة بن نصاح وشبل وأبي عبد الرحمن والحسن وعكرمة ومالك بن دينار، وفي شاذِّ القراءةِ في سورة (يس): {وانمازوا اليومَ أيها المجرمون}، وأَنشدَ عليه أبو زيدٍ من البسيط: لمَّا نبا اللهُ عني شرَّ غَدْرتِه .......... وانْمِزْتُ لا مُنْسِئاً غَدْراً ولا وَجِلا وقرأ حمزة والكسائي "ليُمَيّز" بضمِّ الياءِ وفتحِ الميمِ وشَدِّ الياءِ، وهي قراءةُ الأَعْرجِ وطَلْحةُ بْنُ مُصرِّفٍ والأعمشُ والحَسَنُ ابصريُّ و عيسى أيضاً . |
الساعة الآن 02:54 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |