
التّيمّم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التّعريف :
1 - التّيمّم لغة : القصد والتّوخّي والتّعمّد . يقال : تيمّمه بالرّمح تقصّده وتوخّاه وتعمّده دون من سواه ، ومثله : تأمّمه . ومنه قوله تعالى : { وَلا تَيَمَّمُوا الخبيثَ منه تُنْفِقُونَ } . وفي الاصطلاح : عرّفه الحنفيّة بأنّه مسح الوجه واليدين عن صعيد مطهّر ، والقصد شرط له ، لأنّه النّيّة ، فهو قصد صعيد مطهّر واستعماله بصفة مخصوصة لإقامة القربة .
وعرّفه المالكيّة : بأنّه طهارة ترابيّة تشتمل على مسح الوجه واليدين بنيّة .
وعرّفه الشّافعيّة : بأنّه إيصال التّراب إلى الوجه واليدين بدلاً عن الوضوء أو الغسل ، أو بدلا عن عضو من أعضائهما بشرائط مخصوصة .
وعرّفه الحنابلة : بأنّه مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص .
مشروعيّة التّيمّم :
2 - يجوز التّيمّم في السّفر والحضر بشرطهما كما سيأتي ، وقد ثبتت مشروعيّته بالكتاب والسّنّة والإجماع . فمن الكتاب : قوله تعالى : { وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أو على سَفَرٍ أو جَاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ من الغَائطِ أو لامَسْتُم النِّسَاءَ فلمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدَاً طَيِّبَاً فَامْسَحُوا بِوجُوهِكُمْ وَأيْديكمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَفوَّاً غَفورَاً } .
وقوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدَاً طَيِّبَاً فَامْسَحُوا بِوجُوهِكمْ وَأيديكمْ منه } .
وأمّا السّنّة فحديث أبي أمامة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال :
« جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » أي : له صلى الله عليه وسلم ولأمّته .
وقد أجمع المسلمون على أنّ التّيمّم مشروع بدلا عن الوضوء والغسل في أحوال خاصّة .
3 - وسبب نزول آية التّيمّم هو « ما وقع لعائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق والمسمّاة غزوة المريسيع لمّا أضلّت عقدها . فبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم في طلبه فحانت الصّلاة وليس مع المسلمين ماء ، فأغلظ أبو بكر رضي الله عنه على عائشة وقال : حبست رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - والمسلمين على غير ماء فنزلت آية التّيمّم ، فجاء أسيد بن حضير رضي الله عنه فجعل يقول : ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر » .
اختصاص هذه الأمّة بالتّيمّم :
4 - التّيمّم من الخصائص الّتي اختصّ اللّه بها هذه الأمّة ، فعن جابر رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي . نصرت بالرّعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي ، وأعطيت الشّفاعة ، وكان النّبيّ يبعث في قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة » . وهذا الحديث الشّريف مصداق قول اللّه تعالى : { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَليكمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكمْ } .
التّيمّم رخصة :
5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ التّيمّم رخصة للمسافر والمريض ، وقال الحنابلة وبعض الشّافعيّة إنّه عزيمة .
واختلف المالكيّة في التّيمّم للمسافر ، فظاهر قول الرّسالة : إنّه عزيمة ، وفي مختصر ابن جماعة : إنّه رخصة ، وقال التّادليّ : والحقّ عندي أنّه عزيمة في حقّ العادم للماء ، رخصة في حقّ الواجد العاجز عن استعماله .
ثمّ إنّ وجه التّرخيص هو في أداة التّطهير إذ اكتفى بالصّعيد الّذي هو ملوّث ، وهو أيضا في محلّ التّطهير لاقتصاره على شطر أعضاء الوضوء . ومن ثمرة الخلاف : ما لو تيمّم في سفر معصية لفقد الماء فإن قلنا رخصة وجب القضاء وإلّا لم يجب .
شروط وجوب التّيمّم :
6 - يشترط لوجوب التّيمّم ما يلي :
أ - البلوغ : فلا يجب التّيمّم على الصّبيّ لأنّه غير مكلّف .
ب - القدرة على استعمال الصّعيد .
ج - وجود الحدث النّاقض . أمّا من كان على طهارة بالماء فلا يجب عليه التّيمّم .
أمّا الوقت فإنّه شرط لوجوب الأداء عند البعض لا لأصل الوجوب ، ومن ثمّ فلا يجب التّيمّم إلّا إذا دخل الوقت عندهم . فيكون الوجوب موسّعا في أوّله ومضيّقا إذا ضاق الوقت .
هذا وللتّيمّم شروط وجوب وصحّة معا وهي :
أ - الإسلام : فلا يجب التّيمّم على الكافر لأنّه غير مخاطب ، ولا يصحّ منه لأنّه ليس أهلا للنّيّة .
ب - انقطاع دم الحيض والنّفاس .
ج - العقل .
د - وجود الصّعيد الطّهور . فإنّ فاقد الصّعيد الطّهور لا يجب عليه التّيمّم ولا يصحّ منه بغيره حتّى ولو كان طاهرا فقط ، كالأرض الّتي أصابتها نجاسة ثمّ جفّت ، فإنّها تكون طاهرة تصحّ الصّلاة عليها ، ولا تكون مطهّرة فلا يصحّ التّيمّم بها . ثمّ إنّ الإسلام والعقل والبلوغ ووجود الحدث النّاقض للطّهارة ، وانقطاع دم الحيض والنّفاس ، شروط تنظر في مصطلحي ( وضوء ، وغسل ) لأنّ التّيمّم بدل عنهما . وسيأتي تفصيل بقيّة الشّروط .
أركان التّيمّم :
7 - للتّيمّم أركان أو فرائض ، والرّكن ما توقّف عليه وجود الشّيء ، وكان جزءا من حقيقته ، وبناء على هذا قالوا : للتّيمّم ركنان هما : الضّربتان ، واستيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين بالمسح فقط . واختلفوا في النّيّة هل هي ركن أم شرط ؟
أ - النّيّة :
8 - ذهب الجمهور إلى أنّ النّيّة عند مسح الوجه فرض ، وذهب بعض الحنفيّة وبعض الحنابلة إلى أنّها شرط .
ما ينويه بالتّيمّم :
9 - قال الحنفيّة : يشترط لصحّة نيّة التّيمّم الّذي تصحّ به الصّلاة أن ينوي أحد أمور ثلاثة : إمّا نيّة الطّهارة من الحدث ، أو استباحة الصّلاة ، أو نيّة عبادة مقصودة لا تصحّ بدون طهارة كالصّلاة ، أو سجدة التّلاوة ، أو صلاة الجنازة عند فقد الماء .
وأمّا عند وجوده إذا خاف فوتها فإنّما تجوز به الصّلاة على جنازة أخرى إذا لم يكن بينهما فاصل . فإن نوى التّيمّم فقط من غير ملاحظة استباحة الصّلاة ، أو رفع الحدث القائم به ، لم تصحّ الصّلاة بهذا التّيمّم ، كما إذا نوى ما ليس بعبادة أصلا كدخول المسجد ، ومسّ المصحف ، أو نوى عبادة غير مقصودة لذاتها ، كالأذان ، والإقامة ، أو نوى عبادة مقصودة تصحّ بدون طهارة كالتّيمّم لقراءة القرآن ، أو للسّلام ، أو ردّه من المحدث حدثا أصغر ، فإن تيمّم الجنب لقراءة القرآن صحّ له أن يصلّي به سائر الصّلوات ، وأمّا تعيين الحدث أو الجنابة فلا يشترط عندهم ، ويصحّ التّيمّم بإطلاق النّيّة ، ويصحّ أيضا بنيّة رفع الحدث ، لأنّ التّيمّم رافع له كالوضوء .
ويشترط عندهم لصحّة النّيّة : الإسلام ، والتّمييز ، والعلم بما ينويه ، ليعرف حقيقة المنويّ. وعند المالكيّة ينوي بالتّيمّم استباحة الصّلاة أو فرض التّيمّم ، ووجب عليه ، ملاحظة الحدث الأكبر إن كان عليه بأن ينوي استباحة الصّلاة من الحدث الأكبر ، فإن لم يلاحظه بأن نسيه أو لم يعتقد أنّه عليه لم يجزه وأعاد تيمّمه ، هذا إذا لم ينو فرض التّيمّم ، أمّا إذا نوى فرض التّيمّم فيجزيه عن الأكبر والأصغر وإن لم يلاحظ ، ولا يصلّى فرض عند المالكيّة بتيمّم نواه لغيره . قال في المقدّمات : ولا صلاة بتيمّم نواه لغيرها .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ينوي استباحة الصّلاة ونحوها ممّا تفتقر استباحته إلى طهارة . كطواف ، وحمل مصحف ، وسجود تلاوة ، ولو تيمّم بنيّة الاستباحة ظانّا أنّ حدثه أصغر فبان أكبر أو عكسه صحّ ، لأنّ موجبهما واحد ، وإن تعمّد لم يصحّ في الأصحّ لتلاعبه .
فلو أجنب في سفره ونسي ، وكان يتيمّم وقتا ، ويتوضّأ وقتا ، أعاد صلاة الوضوء فقط . ولا تكفي عند الشّافعيّة نيّة رفع الحدث الأصغر ، أو الأكبر ، أو الطّهارة عن أحدهما ، لأنّ التّيمّم لا يرفعه لبطلانه بزوال مقتضيه ، « ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وقد تيمّم عن الجنابة من شدّة البرد : يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب ؟ » .
قال الرّمليّ : وشمل كلامه ( النّوويّ ) ما لو كان مع التّيمّم غسل بعض الأعضاء ، وإن قال بعضهم : إنّه يرفعه حينئذ . ولو نوى فرض التّيمّم ، أو فرض الطّهر ، أو التّيمّم المفروض ، أو الطّهارة عن الحدث أو الجنابة لم يكف في الأصحّ لأنّ التّيمّم ليس مقصودا في نفسه ، وإنّما يؤتى به عن ضرورة ، فلا يجعل مقصودا ، بخلاف الوضوء .
والقول الثّاني عندهم : يكفي كالوضوء . ويجب قرن النّيّة بنقل الصّعيد الحاصل بالضّرب إلى الوجه ، لأنّه أوّل الأركان ، وكذا يجب استدامتها إلى مسح شيء من الوجه على الصّحيح . فلو زالت النّيّة قبل المسح لم يكف ، لأنّ النّقل وإن كان ركنا فهو غير مقصود في نفسه . وينوي عند الحنابلة استباحة ما لا يباح إلّا بالتّيمّم ، ويجب تعيين النّيّة لما تيمّم له كصلاة ، أو طواف ، أو مسّ مصحف من حدث أصغر أو أكبر أو نجاسة على بدنه ، لأنّ التّيمّم لا يرفع الحدث وإنّما يبيح الصّلاة ، فلا بدّ من تعيين النّيّة تقوية لضعفه .
وصفة التّعيين : أن ينوي استباحة صلاة الظّهر مثلا من الجنابة إن كان جنبا ، أو من الحدث إن كان محدثا ، أو منهما إن كان جنبا محدثا ، وما أشبه ذلك .
وإن تيمّم لجنابة لم يجزه عن الحدث الأصغر ،لأنّهما طهارتان فلم تؤدّ إحداهما بنيّة الأخرى. ولا يصحّ التّيمّم بنيّة رفع حدث لأنّ التّيمّم لا يرفع الحدث عند الحنابلة كالمالكيّة والشّافعيّة ، لحديث أبي ذرّ : « فإذا وجدت الماء فأمسّه جلدك » .
نيّة التّيمّم لصلاة النّفل وغيره :
10 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ من نوى بتيمّمه فرضا ونفلا صلّى به الفرض والنّفل ، وإن نوى فرضا ولم يعيّن فيأتي بأيّ فرض شاء ، وإن عيّن فرضا جاز له فعل فرض واحد غيره ، وإن نوى الفرض استباح مثله وما دونه من النّوافل ، وذلك لأنّ النّفل أخفّ ، ونيّة الفرض تتضمّنه . أمّا إذا نوى نفلا أو أطلق النّيّة كأن نوى استباحة الصّلاة بلا تعيين فرض أو نفل لم يصلّ إلا نفلا ، لأنّ الفرض أصل والنّفل تابع فلا يجعل المتبوع تابعا ، وكما إذا أحرم بالصّلاة مطلقا بغير تعيين فإنّ صلاته تنعقد نفلا .
والمالكيّة كالشّافعيّة والحنابلة إلا أنّهم صرّحوا بوجوب نيّة الحدث الأكبر إن كان عليه حال نيّة استباحة الصّلاة ، فإن لم يلاحظه بأن نسيه أو لم يعتقد أنّ الحدث الأكبر عليه لم يجزه وأعاد أبدا . ويندب عند المالكيّة نيّة الحدث الأصغر إذا نوى استباحة الصّلاة ، أو استباحة ما منعه الحدث ، لكن لو نوى فرض التّيمّم فلا تندب نيّة الأصغر ولا الأكبر ، لأنّ نيّة الفرض تجزئ عن كلّ ذلك .
وإذا تيمّم لقراءة قرآن ونحو ذلك لا يجوز للمتيمّم أن يصلّي به . وذهب الحنفيّة إلى جواز صلاة الفرض والنّفل سواء نوى بتيمّمه الفرض أو النّفل ، لأنّ التّيمّم بدل مطلق عن الماء ، وهو رافع للحدث أيضا عندهم .