"وقد سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إفشاء السلام، لأنه يغرس المودَّة في القلوب، ويجعل صاحبه متواضعاً محبوباً (1) .
ومعنى "السلام عليكم" يعني: الأمان لكم. فقد سلمتم من أذانا وشرِّنا.
والسلام بمنـزلة العهد علينا لكم، وهو عنوان سرِّنا ، فإذا ألقيت السلام علىالإخوان فاحذر أن تضمر السوء لأحد من أهل الإيمان، فتصير منافقاً ظلوماً، وتبوء بالخسران، وتصبح ملوماً (2) ." اهـ
اقتباس:======================= الحاشية =====================
(1) روى الشيخان وغيرهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
وروى البزار بإسناد جيد مرفوعا: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: البغضاء والحسد والبغضاء هي الحالقة ليست حالقة الشعر ولكن حالقة الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أحدثكم بما يثبت لكم ذلك أفشوا السلام بينكم).
وروى الطبراني مرفوعا: (ثلاثة يصفين لك ود أخيك تسلم عليه إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه).
وروى الترمذي وقال حديث حسن صحيح مرفوعا: (أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
وروى الطبراني بإسناد جيد: عن أبي سبرة قال: (قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: "إن من موجبات المغفرة بذل السلام، وحسن الكلام".
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: (حق المسلم على المسلم ست فذكر منها رد السلام).
وروى الطبراني عن الأغر، أغر مزينة، قال: كنا إذا طلع الرجل من يعيد بادرناه بالسلام قبل أن يسلم علينا.
وروى أبو داود والترمذي وغيرهما مرفوعا: (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ).
وروى أبو داود والترمذي والنسائي مرفوعا: ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى أحق من الآخرة). وزاد رزين العبدري: ومن سلم على قوم حين يقوم عنهم كان شريكهم فيما خاضوا من الخير بعده.
وروى أبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه السلام ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد فجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشرون، ثم جاء آخر، فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد فجلس فقال ثلاثون، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال أربعون، قال هكذا تكون الفضائل. والله تعالى أعلم.
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام بيننا على العدو والصديق من المسلمين ، ومعنى السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنت يا رسول الله في أمان مني أن أخالف شرعك، فكان المسلم عليه يقر عينه صلى الله عليه وسلم بذلك، وإلا فالأكابر من الناس كالسلطان آمنون من شر الأصاغر فليفهم. اعلم أن الأكابر لا يهجرون أحدا إلا لمصلحة فهم يتركون السلام عليه تقبيحا لصنيعه وهم في الباطن يحبونه محبة أهل الإسلام لبعضهم بعضا، فحكمهم كالطفل مع والدته تخوفه ليرجع عن الفعل الرديء خوفا أن يتربى عليه وهي راحمة له في الباطن محبة له، وربما نخسته بالإبرة في يده حتى يخرج دمه، فإياك أن تظن بهم أنهم تركوا السلام أو البشاشة لإنسان لحظ نفوسهم.
وروي عن سيدي علي الخواص رحمه الله أنه كان يقول لسيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنهما : إذا مررت على عدوك فسلم عليه واجهر له بالسلام، بحيث تصدع قلبه إن كنت تعلم من دينه أن يغلب نفسه ويرد عليك السلام، وإلا فترك السلام عليه أولى لئلا توقعه في معصية بترك الرد الذي هو واجب، وهو منزع دقيق فليتأمل. وقال مرة أخرى: البداءة بالسلام سنة، وهي أكثر ثوابا من الرد، وإن كان واجبا، لا سيما بين المتشاحنين، فإن المبادرة لزوال الشحناء واجبة، والسلام طريق إليها، وهو مستثنى من قاعدة أن ثواب الواجب أفضل من ثواب السنة، والله أعلم.
(2) : روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟ قالوا: يا رسول الله ..من أبو ضمضم ؟ قال: كان إذا خرج من منـزله يقول:"اللهم إني تصدّقت بعرضي على عبادك". أخرجه أبو داود في سننه ، والضياء عن أنس بن مالك رضي الله عنه . وابن السني في عمل اليوم والليلة ، والديلمي في مسند الفردوس كلهم عن أنس (كنز العمال 3/374 الحديث 7011 ، 7025 ، 7026 ) . فلا يضمر لأحد من المسلمين إلا كل صفاء وخلوص ، وصدق ونصح ، فيحسن الظن بكافتهم ، ويسيء الظن بنفسه، فيلاحظ أفعاله بعين الازدراء ، وأقواله بعين الافتراء ، ويعتقد أنه شر الخلق ، فيرى الكبير خيراً منه لأنه عرف الله تعالى وأطاعه قبله ، ويرى الصغير خيراً منه ،لأنه أقل منه معصية .
وقال المشايخ : إذا ظهر لك من أخيك عيب فاطلب له سبعين باباً من العذر ، فإن اتضح لك فبها ، وإلا فعد على نفسك باللوم ، وقل : بئس الرجل أنت حيث لم تقبل سبعين عذراً من أخيك ! ." اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: وقد سلَّم سيدنا عيسى [
] على نفسه عند ولادته .... )