
المسائل الإثني عشرية في الفقه الحنفي
المسائل المسماة بالإثني عشرية
الحمد لله الذي أحيا بوحيه قلوبنا وأنار به نفوسنا، فأنقذنا من الجهالة ، وهدانا من الضلالة ،والصلاة والسلام على سيد المتقين، المبعوث رحمة للعالمين، خير من فقه هذا الدين، وفقه به أصحابه وأمته، حتى استقام بهم المسار، فمضوا على الصراط المستقيم، لا يضلون ولا ينحرفون، وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى وأنوار الدجا، ومن اقتفى أثرهم، وسار على مسارهم ، وسلك سبيلهم إلي يوم الدين ، وبعد :
فان من أراد التعمق في الفقه لا بد له من معرفة الأصول التي تبنى عليها المسائل تحقيقا لما ورد عن إمام المذهب : أنه لا يحق لأحد أن يأخذ بقولنا حتى يعلم من أين جئنا به ، وان كان هذا الشرط لمن وصل درجة من درجات الاجتهاد في المذهب، كدرجة الترجيح والموازنة، كما ذكر ذلك ابن عابدين في رسالته : رسم عقود المفتي . إلا أنه كما قيل:
تشبهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاح
لذا سأقوم بذكر هذه المسائل أولا- وهي باطلة عند أبي حنيفة، تمت (صحت ) عندهما - ثم أبين الأصل التي بنيت عليه هذه المسائل.
وسأوردها كما أوردها الإمام إبراهيم الحلبي ت/956 في شرحه (غنية المتملي في شرح منية المصلي ) مع بعض التصرف لبيان وتوضيح المراد
.
1. المصلي إذا سبقه الحدث من غير عمد منه تمت صلاته عندهما، ولم يبق عليه إلا شيء واجب وهو السلام وأما الفرائض فقد تمت جميعا. وقال أبو حنيفة: يتوضأ ويخرج عن الصلاة بفعله قصدا لكونه فرضا قد بقي عليه من فرائضها . حتى لو لم يتوضأ ولم يخرج بصنعه بل عمل عملا ينافي الصلاة من غير متعلقات الوضوء تبطل صلاته لفعله فرضا من فرائضها وهو الخروج منها بغير طهارة.
2. المتيمم إذا رأى الماء وقدر على استعماله بعد ما قعد قدر التشهد. وكذا المقتدي بالمتيمم إذا رأى الماء في هذه الحالة
3. إذا كان المصلي ماسحا على الخف فانقضت مدة مسحه بعد ما قعد قدر التشهد
4. خلع خفيه أو أحدهما حقيقة أو حكما بعمل يسير بحيث أن من رآه لا يظنه خارج الصلاة بسبب ذلك ، وقيد به لأنه لو خلعه بعمل كثير لا يتأتى الخلاف لوجود الخروج بصنعه.
5. إذا كان المصلي أميا فتعلم سورة بعد القعود قدر التشهد بأن تذكرها أو رآها مكتوبة ففهمها من غير تكلف .
حتى لو تعلمها من غيره أو درسها لايتأتى الخلاف لوجود الخروج بصنعه ، لأن هذا الفعل مناف للصلاة وقد فعله قصدا، بخلاف التذكر فانه ليس بمناف فلم يخرج به.
6. إذا كان المصلي عاريا فوجد ثوبا بعد ماقعد قدر التشهد ، بأن قدر على لبس الثوب أو ألقى عليه الثوب ولم يتكلف في لبسه.
7. إذا كان المصلي موميا غير قادر على الركوع والسجود فقدر على الركوع والسجود بعد القعود قدر التشهد
8. إذا تذكر المصلي في هذه الحالة أن عليه صلاة قبل هذه الصلاة وهو صاحب ترتيب
قلت: يجب على المصلي الترتيب في الفوائت مالم تبلغ التكرار، وحده مازاد على خمس صلوات.
9. إذا أحدث الإمام القاري في هذه الحالة فاستخلف أميا أو طلعت عليه أي على المصلي الشمس وهو في صلاة الفجر في هذه الحالة ،
10. أو إذا دخل وقت العصر وهو في صلاة الجمعة في هذه الحالة.
11.إذا كان المصلي ماسحا على الجبيرة فسقطت عن برء في هذه الحالة .
12.إذا كان المصلي صاحب عذر وانقطع عذره في هذه الحالة واستمر الانقطاع حتى استوعب وقت صلاة بان انقطع وهو في هذه الحالة من صلاه الظهر واستمر الانقطاع حتى خرج وقت العصر .
ففي هذه المسائل الاثني عشر فسدت صلاته عند أبى حنيفة لخروجه من الصلاة بامر آخر غير صنعه مع ان الخروج بصنعه فرض فقد ترك فرضا من الصلاة لا يمكن تداركه فتفسد .
فقالا : تمت صلاته لان الخروج بصنعه ليس بفرض لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود : ( إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك ) هكذا وقع في رواية الدارقطني ،وفي رواية أبى داود بالواو لكن قاتل النووي : اتفق الحفاظ على أنها من كلام ابن مسعود يعني قوله : ان قلت هذا …..
الأصل التي تبنى عليه هذه المسائل:
ذكر الإمام الدبوسي في تأسيس النظر الخلاف الذي تبنى عليه هذه المسائل ص6-8 مطبعة الإمام
*حكي عن أبي سعيد البردعي أنه كان يخرج هذه المسائل على أصل وهو: أن مذهب أبي حنيفة الخروج من الصلاة بصنعه فرض، وعندهما ليس بفرض
* الأصل عند الإمام أبى حنيفة على ما ذكره أبو الحسن الكرخي رحمه الله: أن ماغير الفرض في أوله غيره في آخره مثل نية الإقامة للمسافر واقتداء المسافر بالمقيم.
وذكر الدبوسي: أن ما ذكره البردعي ليس بمنصوص عليه عن أبي حنيفة
وذكر ابن عابدين في حاشيته: 2/360 الكتب العلمية
ووجه بطلانها عنده على ما خرجه البردعي: أن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عنده، لأنه لايمكن أداء فرض آخرالا بالخروج من الأولي، وما لايتوصل إلي الفرض إلا به يكون فرضا
وقال الكرخي: هذا غلط، لأن الخروج قد يكون بمعصية كالحدث العمد، ولو كان فرضا لاختص بما هو قربة وهو السلام، فلا خلاف بينهم في أن الخروج بصنعه ليس فرضا، وإنما قال الإمام بالبطلان في هذه المسائل لمعنى آخر، وهو أن العوارض الآتية مغيرة للفرض كرؤية المتيمم ماء، فانه كان فرضه التيمم فتغير إلي الوضوء، وكذا بقية المسائل.وأيده في البحر بما في المجتبى بأن عليه المحققين من أصحابنا، وبأنه صححه شمس الأئمة.
ومشى على كلام البردعي على افتراض الخروج بصنعه صاحب الهداية ( 1/61 دار احياء التراث ) وتبعه الشراح وعامة المشايخ وأكثرالمحققين والامام النسفي في الوافي والكافي والكنز وشروحه وصاحب المجمع وإمام أهل السنة أبو منصور الماتريدي.
قلت: وكذلك الإمام الحلبي في شرحه على منية المصلي (ص292 دار السعادة )
وفي الشرنبلالية: والأظهر قولهما. عزا ذلك الشرنبلالي في رسالته (المسائل البهية الزكية على الأثني عشرية ) إلي البرهان، ثم رده بأنه لاوجه لظهوره فضلا عن كونه أظهر، لأنه استدل على ذلك بما ليس فيه دلالة عليه. ثم قال الشرنبلا لي بعد ما أطال في رده: ومن المقرر طلب الاحتياط في صحة العبادة لتبرأ ذمة المكلف بها، وليس الاحتياط إلا بقول الإمام الأعظم: أنها تبطل. قال ابن عابدين: وعليه المتون.
والحمد لله رب العالمين
و
كتبه: لؤي الخليلي الحنفي
منقول من منتدى الأصلين