أنت غير مسجل في منتدى الإحسان . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           الحَمْدُ لله الذِي عَافَانِي في جَسَدِي ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وأَذِنَ لي بِذِكْرهِ           

 
قديم 10-06-2008
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,221
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: علّامة الشام ومحدثها الأكبر

ملامح من شخصيته (صفاته وأخلاقه ) :
وأحب هنا ، قبل أن أنقل لكم شذرات من صفاته ، ومحامده الخُلقية والسلوكية السامية أن أبين لكم مشاعري ، تجاه هذا الجانب العظيم في السيرة المباركة لحياة الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه .
لقد أعجبت في شخصية الشيخ ، بذكائه الحاد وعقله الكبير ، ووقفت مندهشاً ومُكْبراً أمام علمه الغزير ، وإطلاعه الواسع ، وتنوع معارفه وعلومه ، بل وتفوقه وسبقه فيها بحيث كان المختصون في كل علم منها ، يعترفون له بتقدمه عليهم فيها ، لكن رسالة العالم الوارث لهدي النبوة وأعمالها ،لا تتوقف فقط على مقدار ما يحصله من علم ، وما يختزن فكره من معرفة ، وإنما رسالة العالم وتأثيره في الناس ، وتحويل حياتهم إلى ما يرضي الله تبارك وتعالى ، لا يكون إلا إذا تجسدت تلك العلوم والمعارف في أخلاق ربانية عالية،وتحولت إلى سلوك إسلامي رفيع المستوى ويصحب كل ذلك إخلاص عميق لله عز وجل ، عندئذٍ تغدو كلمات الشيخ وتوجيهاته نوراً يبدد الظلام ، ونفحات رخية ندية تتفتح لها العقول ، وتنشرح بها النفوس والصدور .
ولقد غمرتني – وأنا أطالع هذا الجانب في شخصية الشيخ – مشاعر من الأنس والإشراق والتأثر الشديد ،وقلت في نفسي ، هذا ما يحتاجه المسلمون في هذا العصر وفي كل عصر ، وهذا هو السر الكامن وراء كل تأثير ونهضة وتغيير ، أجراه الله على أيدي العلماء والدعاة والقادة ، في أي مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي الطويل .
أما صفات الشيخ الخِلقية الجسدية ، فقد كان رحمه الله ربعة من الرجال ، نحيلاً وفي وجهه نور تبدو عليه آيات النجابة والمهابة ، وكان قوي بنية الجسد لم يشكُ مرضاً في حياته سوى مرة أصيب فيها باليرقان في شبابه ، وكذلك مرض قبيل وفاته ولم يستعمل نظارة للقراءة أبداً ، وظل جهوري الصوت حتى النهاية .
وأما محامده الخُلقية ، فقد اقتفى فيها خطى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان صادقاً صان لسانه عن الكذب ، وكان صريحاً في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، ولا يقعد عن نصرته ما لم يرَ الحكمة والإقتداء بالسنة الشريفة ، تقتضي التغاضي وانتظار الفرص بعيداً عن المداهنة والملق .
كان قليل الكلام طويل الصمت ، دائم التفكير فلم يكن يتكلم فيما عدا التعليم والإرشاد وذكر الله تعالى ، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بما تدعو إليه الضرورة , لقد صان لسانه من ذكر أعراض الناس ، فما اغتاب أحداً في حياته ، وما كان أحد يجرؤ على ذكر أحد بغيبة في مجلسه ، وإن فعل طلب إليه الكف بلطف كائناً مَن كان القائل ، ولم يكن يشتم أحداً وكانت غاية تأنيبه إذا غضب أن يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله فيكمل الشيخ كلامه ويقول يابا ....ويُتبعها بسؤال استنكاري موجز ، ولم يُعرف عنه أن ضرب صغيراً أو غيره أو تكلم مع أحد بما يسوؤه .
وكان شديد الورع ، فمن ذلك أنه لم يكن يفتي أحداً بحكم فقهي في المعاملات خاصة إلا فيما ندر ، بل كان يحيل السائل إلى كتاب أو تلميذ من تلاميذه .
وكان عظيماً في تواضعه , لا يرى لنفسه فضلاً على أحد ، في علم أو صلاح أو غير ذلك وكان يقول ( التواضع أن ترى نفسك دون كل جليس ) كان إذا مدحه أحد بحضرته ينهاه عن ذلك ، إذ يَعدُّ نفسه من الخاطئين ، ومن أكثر الناس حاجة إلى عفو ربه .
ومن تواضعه رحمه الله ، أنه كان يُؤنس المساكين والفقراء ، وكان يزورهم أحياناً يخالطهم كأنه دونهم ، يهش لهم ويسألهم عن أحوالهم ، يقف لهم إن استوقفوه ، ويطلب منهم الدعاء له ، ومن ذلك أنه يزور مدارس الصغار ، ويدخل عليهم ويمسح رؤوس الأيتام منهم ، ويسألهم ومعلميهم الدعاء ، وكان يزور السجون ويدخل على السجناء ، فيحييهم ثم ينصح لهم ، ويعظهم بالحسنى ، ويدعو المظلوم منهم للصبر , فيزيل ما بهم من كرب ، وكان هؤلاء يكنون له الاحترام والمحبة .
ومن تواضعه ، أنه كان يجلس لدروسه في المدرسة أو البيت قرب باب الغرفة لا يحب أن يتصدر المجلس ، وكان يطلب الدعاء من كل إنسان .
كان عالي الهمة ، لا يُمكِّن أحداً من خدمته ، ولم يستعن في حياته بأحدٍ ولا بالعصا .
وكان صابراً محتسباً عند المصائب والأزمات ، ومن أمثلة صبره ما جرى في مرضه الأخير فقد كان متعباً متألما ً، وكان يتابع دروسه وعبادته حتى قبيل وفاته بقليل ، لقد أدى نافلة الضحى قبل أن يُسلم روحه بوقت قصير .
كان ذاكراً لله تعالى على كل حال ، مُكثراً من الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم .
وكان رحمه الله نظيفاً في ملبسه ومأكله ومجلسه ، ومع ذلك كان زاهداً مختاراً للزهد ، فقد أقبلت عليه الدنيا لكنه اعتزلها ، ونفر من شهواتها رغم أنه كان ميسور الحال فقد ترك له والده ثروة حسنة ، ولو شاء أن يعيش مترفاً لكان له ذلك .
ابتعد عن الوظائف والمناصب وجاهها على تهافتها عليه ، وكان رحمه الله لا يزور الحكام بل يزورنه ، وإذا قصدهم بمصلحة عامة أو بشفاعة خاصة ، أرسل بعض تلاميذه إليهم يبلغهم رسالته ، وكانوا يتلقون ذلك بالاحترام والقبول .
كان كريماً يبالغ في إكرام ضيوفه ، ويُهدي كثيراً منهم شيئاً مما يؤكل يحملونه إلى أهلهم وبلادهم إن كانوا غرباء .
لم يكن يسأله أحد شيئاً إلا أعطاه ، وإذا أحسَّ بأحد حاجة ولم يذكرها له ، تحيَّن انفراده به فيعطيه وقد كفاه الأذى .
وكان للشيخ رحمه الله صدقات خفية ، لا يعلمها إلا نفر قليل من خُلَّص تلاميذه ، يرسلها إلى أصحابها من طريقهم ، ولم يُروَ عنه أنه جمع مالاً أو ادخره .
هذه بعض من أخلاق الشيخ مع الناس ، فكيف كانت أخلاقه مع أسرته وأهله ؟
كان الشيخ يعامل أهله مقتدياً بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) فكان يرشدهم بالمعروف ، وبالتي هي أحسن فلا يضرب ، ولا يشتم ولا يدعو بسوء ، وينهاهم عن ذلك أيضاً , فإن غضب لشيء قطَّب جبينه ، أو حذر بعبارة قصيرة أو حوقل ، وربما علّل غضبه وبيَّن رأي الشريعة في ذلك .
كان يأكل مما يشتهيه أهله ، ويُوسِّع عليهم في حاجاتهم ، ويلبي رغباتهم إن رغبوا في طعام أو حلوى أو غيرها عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال ( إن أفضل دينار أنفقه رجل على عياله أو على دابته في سبيل الله أو أنفقه على أصحابه في سبيل الله ) . كان الشيخ وصولاً لرحمه ، محافظاً على حقوق الرضاع لا يتأخر عن صلتهم بزيارة أو هدية أو إكرام بمال أو قضاء حاجة مهمة .
وكان الشيخ يحب زيارة أهل التقوى والصلاح ، وأكثر مَن يزور من الناس البسطاء , وربما زار بعضاً من أصحاب الملل والأديان الأخرى ، ومن المشهور عنه زيارته لحي النصارى أيام الثورة على الفرنسيين ، وقد جاءت زيارته في وقت أشيع فيه من قِبل أعداء البلاد أن الثوار ينوون الاعتداء على الحي و أهله.
لقد كان الشيخ كثير التودد إلى الناس كافة ، وعظيم الاهتمام بأمورهم قريبهم وبعيدهم مسلمهم وغير مسلمهم ، حريصاً على نفعهم ، يمشي في حوائجهم ، فيشفع للمظلوم منهم عند أولي الأمر ، ويقضي ما استطاع قضاءه من أمورهم ، وكثيراً ما تكون متصلة بالحكام فيكتب كتاباً لمن يهمه الأمر، يرجوه حلَّ المشكلة ، كما فعل مع رجل نصراني من قرى بعلبك ، جاء متلهفاً للشيخ ليشفع لابنه الوحيد ، الذي فرَّ من الخدمة العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى ، وحكم عليه المجلس العسكري بالإعدام , فأرسل الشيخ كتاباً مع بعض تلامذته ، إلى الوالي جمال باشا العثماني ، وقد أثبت فيه حديثاً نبوياً شريفاً عن فضل العفو عند المقدرة ، وكان لهذا الكتاب وقعه وأثره في نفس الوالي ، حيث أصدر أمراً بالعفو عن ولد ذلك الرجل ، وعن كل محكوم بالإعدام معه .
كان رحمه الله يُقدم المعروف , ويحث عليه قولاً وعملاً ، وكان إذا أدى إليه أحد معروفاً قابله بما يزيد عليه ، مقتدياً في ذلك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وكان رحمه الله إلى ذلك كله يلتهب غيرة على العالم الإسلامي ،فكان يكتب إلى ملوك وأمراء الدول الإسلامية هنا وهناك ، يحثهم على العدل وإقامة الحق ، ويبين لهم سوء المغبة ، بترك الشريعة والاسترسال مع الأهواء .
وهنا لابد أن نسجل للشيخ رضي الله عنه ، منقبة من أعظم مناقبه ، وهي مشاركته في مقاومة المستعمر الفرنسي ، وحث الناس على ذلك ، ولا نبالغ إذا قلنا كان الشيخ الأب الروحي للثورة السورية على الاحتلال الفرنسي ، لقد كان يُغذي الثورة من كل وجوهها وسائر أطرافها ، ويرى فيها صورة الجهاد المفروض على المسلمين ، وهو الذي كان يطوف المدن السورية ، متنقلاً من بلدة إلى أخرى ، حاثاً على الجهاد وحاضاً عليه ، وكانت جملته الصريحة في ذلك : (الجهاد فرض عين على كل من يستطيع استعمال السلاح ) وكان يلقى الثائرين دائماً ، ويزودهم بنصحه ويغذيهم بفكره ورأيه .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 10-06-2008 الساعة 03:00 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المزدوجة الحسنى للاستغاثة بأسماء الله الحسنى عبدالقادر حمود الآذكار والآدعية 12 09-05-2013 03:55 PM
عظم الله اجركم اخي الشيخ عمر الحسني أبو أنور المناسبات الدينية واخبار العالم الاسلامي 2 12-14-2012 12:11 AM
انتقل الى رحمة الله الشيخ السيد تاج الدين ابن السيد مكي الكتاني عبدالقادر حمود المناسبات الدينية واخبار العالم الاسلامي 3 04-09-2012 02:01 AM
تتمة حوار الشيخ عبد الرحمن الشاغوري مع الشيخ عبد الله سرج الدين ابوعبدالله رسائل ووصايا في التزكية 5 11-26-2008 10:24 PM
الشيخ أبو الحسن علي الجمل إبن عبد الرحمن الحسني العمراني عبدالقادر حمود تراجم أصحاب السلسلة الذهبية للسادة الشاذلية 2 11-25-2008 11:23 AM


الساعة الآن 08:24 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir