تدهور 59% من أراضي سورية .. الخسائر بالمليارات والموارد مستنزفة والنتيجة... مزيد من التصحر


دمشق
سناء يعقوب
تشير التقديرات إلى أن موسم الجفاف1998*1999 لم تشهد له سورية مثيلاً خلال نصف قرن وقد أدى إلى انخفاض قيمة محاصيل القمح والشعير بما يعادل 209 مليارات ل.س أيضاً أدى إلى انخفاض قيمة إنتاج المراعي الطبيعية في البادية السورية بحوالي 206 مليارات ل.س والى انخفاض قيمة مخلفات المحاصيل في المناطق الهامشية بحوالي 7 مليارات ل.س

كما قدرت قيمة الخسائر في الغراس المزروعة في المحميات الطبيعية بحوالي /1.2/مليار ل.س، والخسائر في المساحات المزروعة بالبذور الرعوية بحوالي1.2 مليون ل.س أما قيمة الخسائر الناجمة عن نقص الكفاءة الإنتاجية والنفوق وبرامج دعم ووقاية الأغنام في نفس الموسم بحوالي 9.9 مليارات ل.س. ‏

مناخ وجفاف ‏

‏

ظاهرة التصحر من المشكلات المهمة للعديد من دول العالم خاصة للتأثير السلبي الذي خلفته على كل الصعد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ‏

ويرى المهندس خالد الشرع مدير سلامة الأراضي في وزارة البيئة أن تدهور الأراضي مستمر ويتزايد بمعدل يثير القلق مسبباً تآكلاً خطيراً في رصيد العالم الثمين من الأراضي المنتجة والأزمة أكثر حدة في الأراضي الجافة التي تمتد على أكثر من ثلث سطح الأرض. ‏

وهناك إجمالا ما يزيد على 110 دول تتعرض أراضيها الجافة للخطر وحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة يكلف التصحر العالم/42/ مليار دولار سنوياً بينما التكلفة البشرية أعلى من ذلك حيث يتعرض للخطر أكثر من مليار نسمة. ‏

وحول الأسباب الأساسية للتصحر في سورية يذكر المهندس الشرع أن من أهمها العوامل المناخية التي يصعب السيطرة عليها وأهمها تعاقب نوبات الجفاف وتغيرات عناصر المناخ المختلفة، إضافة إلى الممارسات البشرية غير السليمة في الاستثمار الخاطئ للموارد الطبيعية وسوء إدارة الأنظمة البيئية. ‏

وتشير الدراسات الى أن التصحر يهدد مساحات كبيرة من الأراضي السورية تقدر بحوالي 109 آلاف كم2 أي ما يعادل حوالي 95من مساحة البلاد. ‏

اذاً أهم أسباب التصحر هي التملح وتلوث التربة وسوء استعمال الاراضي وسوء استعمال الموارد المائية وتدهور الغطاء النباتي والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية. ‏

‏

مزيد من التصحر... ‏

‏

أدت ظاهرة التصحر إلى بروز مجموعة من الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية على المجتمع والأفراد في سورية سواء الذين يقيمون في المناطق المتصحرة أو في المناطق الأخرى وأخطر ما في التصحر تسببه بمزيد من التصحر إذا لم تتم معالجته في الوقت المناسب وبالكفاءة المطلوبة... ‏

يقول المهندس الشرع إن للتصحر نتائج وآثاراً أهمها خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية البعلية من الاستثمار بشكل متزايد وهو ما أدى عملياً إلى تراجع الإنتاج الزراعي في هذه الأراضي وتشير الإحصاءات إلى أن قيمة الإنتاج الضائع من خروج حوالي 207ملايين هكتار من الاستثمار على أساس زراعتها بمحاصيل بعلية كالشعير تقدر بحوالي 7.5 مليارات ل.س سنوياً، إضافة إلى تراجع مساحة المراعي وانعكاس ذلك على أعداد الثروة الحيوانية ومنتجاتها. ‏

وازدادت هذه الوتيرة بسبب تعاقب سنوات الجفاف وزيادة الضغط على المراعي، وقد بلغت نسبة تدني الإنتاج في البادية السورية عام 9991 حوالي 16 بالمقارنة مع إنتاج 1891كما قدرت قيمة الخسارة في الإنتاج العلفي لكامل مساحة المراعي الطبيعية بحوالي 8.5 مليارات ل.س سنوياً. ‏

كما أدى التصحر إلى نزوح سكان المناطق المتصحرة إلى المدن المجاورة والكبيرة...بحثاً عن مصدر للعيش ما أدى إلى زيادة الضغط على المرافق والخدمات في تلك المدن وأدى إلى انخفاض مستوى هذه الخدمات من ناحية وزيادة الحاجة إلى المزيد من الاستثمارات الحكومية والخاصة لتغطية الاحتياجات المتزايدة من ناحية أخرى... ‏

وطبعاً من أهم وأخطر النتائج الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة التصحر انعكاسها على موضوع الأمن الغذائي الوطني والقومي. ‏

‏

التصحر والفقر ‏

‏

من الطبيعي أن يكون للتصحر آثار متعددة حيث تصبح التربة أقل إنتاجية وتلف الغطاء النباتي وتدهور إنتاج الأغذية وحدوث المجاعات واستنزاف الموارد الاقتصادية بشدة وما يترتب على ذلك من آثار اجتماعية من فقر وأمية واستنزاف الموارد المائية والجفاف والهجرة وهذا كله يرتبط في تدهور الأراضي والتصحر. ‏

يذكر المهندس الشرع أن هناك علاقة وثيقة بين التصحر والفقر حيث يتركز الفقر في سورية في الأقاليم الشمالية الشرقية (وتزداد معدلاته في) حلب- الرقة- دير الزور- الحسكة).. وباستخدام الخط الأدنى للفقر تصل معدلاته إلى أعلى درجاتها في المناطق الريفية تليها المناطق الحضرية ‏

وتقل في الإقليم الحضري الجنوبي دمشق والمناطق الريفية لدمشق- درعا- والسويداء والقنيطرة وتصل إلى 8.5، ولا يتغير ترتيب المناطق عند تبني قياسات الفقر الأخرى. ‏

وتظهر المعطيات صورة أقل تفاؤلاً فهناك 3.83 من الفقراء يعملون في الزراعة وهو قطاع غير آمن بسبب خطر الجفاف. ‏

‏

وللأمية نصيبها.. ‏

‏

تختلف نسبة الأطفال في الفئة العمرية 6-11 سنة الذين يلتحقون بالتعليم الأساسي من محافظة إلى أخرى ففي عام 4002 كانت هذه النسبة في أقل قيمها في محافظة الرقة 93.2 وفي دير الزور 93.4 وفي الحسكة 94.8 ويعود ذلك إلى انخفاض مستوى الوعي الاجتماعي في هذه المحافظات الثلاث حول مسألة التعليم وإلى تنقل أفراد الأسرة للرعي والبحث عن مصادر للدخل لتغطية نفقات الأسرة مثل الحصاد في مناطق أخرى هي المناطق التي يقيمون فيها عادة. ‏

أما في محافظات دمشق وطرطوس والقنيطرة فارتفعت هذه النسبة إلى ما فوق 99. ‏

كما تشير البيانات إلى أن نسبة الملمين بالقراءة والكتابة لدى أفراد الفئة العمرية (15*25) في عام 4002 متدنية في محافظات المناطق الشرقية وريف حلب، فقد وصلت هذه النسبة في دير الزور إلى 87.3لمجموع الذكور والإناث، وإلى 2.07 فقط للإناث، وفي ريف حلب تصل النسبة إلى 85.5 لمجموع الذكور والإناث وإلى 80.1 فقط للإناث. بينما ترتفع إلى 99 في محافظتي دمشق والقنيطرة. ‏

وهذا يعني ضرورة التركيز والاهتمام بالمحافظات التي تنخفض فيها هذه النسب وبذل الجهود لتعميم التعليم. ‏

وماذا عن الموارد المائية؟ ‏

‏

الجفاف من أخطر المشكلات البيئية التي تؤثر على سورية خاصة على الزراعة، حيث 57 من المناطق المزروعة تعتمد على مياه الأمطار لذلك فإن نقص الأمطار له أثر بالغ على الإنتاج الزراعي، كما أن قطعان الأغنام تعتمد بشكل أساسي على المراعي التي تسقيها مياه الأمطار، والشعير وبقايا المحاصيل أيضاً معظم مصادر الري تأتي من المياه الجوفية والتي تعتمد إعادة تغذيتها على هطول الأمطار. ‏

وكما نعلم فإن سورية تقع في المنطقة الجافة وشبه الجافة ويبلغ متوسط مجموع الهطول المطري عليها حوالي 45 مليار متر مكعب يضيع حوالي 81 منها في التبخر، وقد بلغ وسطي حجم المياه المستعملة حوالي 16 مليار متر مكعب في السنة بمعدل 89 للزراعة و8 للاستعمالات المنزلية و3 للاستعمالات الصناعية. ‏

وتقسم سورية إلى سبعة أحواض مائية رئيسة تتوزع الموارد المائية المتاحة فيها بين سطحية بمعدل إجمالي وسطي قدره /10/ مليارات متر مكعب وجوفية بمعدل إجمالي وسطي قدره /6/ مليارات متر مكعب في السنة. ‏

وهذا المجموع لا يستطيع التغلب على الطلب المتزايد للمياه نظراً للتفاوت في توزع الكميات المتاحة والطلب عليها من حوض إلى آخر ما أدى إلى استنزاف المخزون الجوفي. ‏

ويؤكد المهندس الشرع وبالرغم من أن الجفاف ظاهرة متكررة في سورية وخاصة في المراعي ولكن ليس هناك تعريف موحد للجفاف ولا استراتيجية رسمية لإدارة الجفاف. ‏

وتشير الإحصائيات إلى عجز مائي وسطي في سورية قدره /2404 ملايين م3 لعامي 2007*2008 كما تعاني بعض الأحواض من مشكلات الصرف والتملح وخاصة حوض الفرات. ‏

لذلك لحظت الخطة الخمسية العاشرة إعادة النظر في أسلوب وسياسات إدارة واستثمار الموارد المائية التي تمثل العصب الرئيسي للتنمية الاقتصادية من خلال تبني إستراتيجية مائية واضحة تقوم بوضع برامج لرفع كفاءة استخدام الموارد المائية وحماية مصادرها والحفاظ عليها مع اتخاذ إجراءات لتوافق هذه البرامج وتوازيها مع التخطيط للاستخدامات المتعددة للمياه وتبني سياسات مدروسة لتخصيص هذا الاستخدام، ومن هذه السياسات رصد مبلغ /37/ مليار ل.س لمشروع الري الحديث، ويكفي أن نعطي مثالاً عن الخسائر المادية المباشرة الناجمة عن مظاهر التصحر وتدهور البيئة في سورية حيث تقدر قيمة الإنتاج الضائع نتيجة تدهور المساحات الزراعية في حوض الفرات والخابور بسبب ظاهرة التملح بحوالي 5.5 مليارات ل.س سنوياً. ‏