
الذي اصطفاه اللهُ ـ تعالى ـ وأدبه واصطنعه لبلاغ رسالته، وأرسله رحمةً وهدايةً؛ ليَخْرُجََ به النَّاسُ من ظلماتِ الكفرِ والضَّلالِ إلى نُورِ الإسلام؛ حتَّى شَهِدَ بذلك الكافرُ المُجَاهِرُ بالعَدَاوَةِ .. قال أبو سفيان في زمان جاهلِيَّتِهِ لِزَيْدِ بن الدَّثِنَةِ ـ رضي اللهُ عنه ـ وقد اقتادَهُ المشركون ليقتلوه خارجَ أرضِ الحَرَمِ: أنشُدُكَ اللهَ يا زَيدُ، أتُحِبُّ أنَّ مُحَمَّدًا عندنا الآنَ مكانَك نَضْرِبُ عُنُقَهُ وأنَّكَ في أهْلِكَ؟ قال: واللهِ ما أُحِبُّ أنَّ مُحَمَّدًا الآنَ في مكانِه الذي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأنَا جَالِسٌ في أهلي. قال أبو سفيان : ما رأيتُ في النَّاسِ أحَدًا يُحِبُّ أحَدًا كَحُبِّ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا
لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ. فقال له عُمَرُ: فإنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأنْتَ أَحَبُّ إليَّ مِن نَفْسِي. فقال النبيُّ
الآنَ يا عُمَرُ
بابَ معرفة الله ـ تعالى ـ ومعرفة شرعه وتفصيل تكاليف أوامره ونواهيه لعباده على النحو الذي تترجمه كلمة التوحيد الواجبة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله». وكان اتِّبَاعُهُ هو بابَ الفَوزِ بمَحَبَّةِ اللهِ ـ تعالى ـ ورضاه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ آل عمران/ 31، 32. لكن العمل لا يكون طاعة بمجرد الاتباع حتى ينضم إليه الرضا والتسليم .. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا النساء:65. وقال الرسول الكريم
لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ
ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
أجابه حسان بن ثابت ـ رضي الله عن أصحاب نبيه جميعا ـ قائلا:
في قلوب أصحابه، وقد عبَّرَتْ عنها أفعالُهم وأقوالُهم التي تتعاظم على الحصر، وقد رسَّخَ القرآنُ الكريم هذه المكانةَ بتشريع نَسَقٍ خَاصٍّ في التَّعَامُلِ مَعَ الرَّسُولِ الكريم، على نحو ما نَجِدُه في صَدْرِ سُورَةِ الحُجُرَاتِ .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ الحجرات/ 1: 3. ومما يُظْهِرُ انفِعَالَ الصَّحَابَةِ ـ رضي الله عنهم ـ بهذه الآيات ما أخرَجَهُ الإمامُ مُسْلِمٌ في صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك أنه قال: لما نزلت هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ جلس ثابت بن قيس في بيته ، وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي
فسأل النبي
سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عَمْرٍو، مَا شَأْنُ ثابتٍ أَشْتَكَى؟ قال سعد: إنه لجاري وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله
فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله
فأنا من أهل النار . فذكر ذلك سعدٌ للنبيِّ
فقال رسول الله
بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ونقل القرطبي عن القاضي أبي بكر بن العربي قوله: «حرمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قريء كلامه؛ وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به»
صاحبُ الشَّفَاعَةِ، والْمَجِيءُ إليهِ من أسبابِ قَبُولِ استغفارِ المُذنِبِ الظَّالِمِ لنفسِهِ بإذن الله ـ تعالى ـ الذي قال في محكم كتابه:وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا النساء/ 64. وَكُلُّ ذلك حُكمُهُ جَارٍ حياةَ الرسولِ وبعدَ انتقالِه إلى الرفيق الأعلى بلا فصل . وقد قال حينما أَمَرَ بالإكثارِ من الصلاة عليه في يوم الجمعة المشهود : أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِن الصَّلاةِ فِيهِ؛ فَإنَّ صلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ. قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف تُعرَضُ صَلاتُنا عليكَ وقدْ أَرِمْتَ؟ يقولون: بَلِيتَ. فقال: إنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ حَرَّمَ عَلَى الأرْضِ أجْسَادَ الأنْبِيَاءِ
حيا على الدوام في قلوب أمته، والصلاة عليه جارية على الدوام من الله ـ تعالى ـ والملائكة والمؤمنين .. إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا الأحزاب/ 56. ولقد عَظَّمَتْ هذه الأُمَّةُ مكانةَ نَبِيِّهَا، وَرَعَتْ حُرْمَتَهَا في حياتِه وبعدَ مَمَاتِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ. واجتمعت كلمتُها على أنَّ النَّيْلَ مِنْ جَنَابِهَا كُفْرٌ بَوَاحٌ يُعَاقِبُ اللهُ عليه، وَتَعَدٍّ سَافِرٌ يَجِبُ على الأمَّةِ دَفْعُهُ بكُلِّ إمكاناتها المُتَاحَةِ في إطارِ ما شَرَعَ اللهُ ـ عزَّ وجَلَّ ـ؛ مِصْدَاقَ قولِه ـ تعالى ـ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا الأحزاب/ 57. وقوله ـ تبارك اسمه ـ في المنافقين المستهزئين بالله ورسوله: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَالتوبة/ 65، 66. وقوله ـ سبحانه ـ في حق نبيه: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُالتوبة/ 40.| مواقع النشر (المفضلة) |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code is متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| الجمال الربانى لرسول الله صل الله عليه وسلم | محمود رضوان | المواضيع الاسلامية | 0 | 01-17-2014 02:17 AM |
| محاضرة قيمة للحبيب عمر يذكر فيها واجب النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومظاهر القيام بها في حياتنا | عبدالقادر حمود | الصوتيات والمرئيات | 2 | 09-26-2012 02:02 PM |
| عبّر عن حبك وحنينك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي تشاء | عبدالقادر حمود | مقالات مختارة | 8 | 03-28-2011 10:22 PM |
| لهذا نحب النبي صلى الله عليه وسلم | أبو أنور | الانشاد والشعر الاسلامي | 5 | 04-17-2009 02:18 AM |
جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها