ضحك لا يقبل الترجمة
منصور
شيء واحد فقط أخفقت الترجمة والعولمة في جعله متداولاً كالأرقام ومنجزات التكنولوجيا . إنه الضحك . الذي كتب عنه الفيلسوف برغسون كتاباً نادراً في بابه . وانتهى إلى أن بعض الضحك له مذاق مر، وكأنه يعيد صياغة ما قاله العرب وهو شر البلية ما يضحك .
وحين وصف الفرنسيون ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى بأنها خيانة لا بد منها على طريقة شر لا بد منه . نسوا أن هناك ما لا يقبل الترجمة على الاطلاق وهو النكتة فهي محكوم عليها بالبقاء داخل لغتها وذاكرة الشعب الذي يتداولها لهذا قد نقرأ نكات مترجمة عن الصينية أو الروسية أو الألمانية، ثم نجد أنفسنا صامتين وإن ابتسمنا فعلى سبيل المجاملة لمن يروي لنا هذه النكات .
وكما يقول أحد علماء الجمال فإن اللغة لها شكل ومضمون . لكن البعد الثالث لها هو النخاع، فإن كان شكل المفردة هو لحمها ومضمونها هو العظم فإن ما هو داخل العظم بيت السر والتصيد معاً لهذا فالنكتة هي إفراز من ذلك النخاع الذي تحتشد فيه عواطف وذاكرة وانفعالات شعب ما، ولأن القيم والمفاهيم نسبية فإن ما يضحك الناس في بلد ما قد يبكي سواهم في بلد آخر، والعكس صحيح أيضاً، ففي السويد مثلاً يعتبر إهداء تابوت خشبي لرجل طاعن في السن أمراً محبباً، لكن لو فعل أحدنا ذلك لاختلف الأمر وقيل إنه يتعجل موت المهدى إليه .
ومناسبة هذه التداعيات حول الضحك ما نشر من نكات مترجمة عن العبرية إلى لغتنا ومعظمها سياسية .
وقد حاولت كقارئ لها أن أضحك ولد لواحدة منها ففشلت، ووجدت أن الضحك منها هو الأيسر لأنها تتأسس على المفاهيم العنصرية ذاتها ومن غشّوا أدب الأطفال ودسّوا لهم السم في الحلوى حسب تعبير الراحل معين بسيسو لن يتورعوا عن دس السم، حتى في النكتة حيث تثير الغثيان لا الضحك .
فالنكتة هي الكبسولة التي تتقطر فيها لغة الناس وتعتمد على مفارقات لفظية تتعذر ترجمتها، ورغم أن الضحك كالبكاء قاسم مشترك أعظم بين البشر إلا أن لكل منا أسباب ضحكة وبكائه . وأحياناً نجد صعوبة في ترجمة نكتة عربية من اللهجات العاميّة إلى الفصحى، لأنها تصبح أميل إلى الوقار وتفقد الكثير من رشاقتها وحرارتها .
فما تتعذر ترجمته داخل اللغة ذاتها كيف يمكن لنا أن نترجمه إلى لغة أخرى، وكما يرى علماء النفس الاجتماعي فإن النكات وبالتالي الضحك له بعد طبقي، فما يضحك الأغنياء قد لا يحرك ساكنا في الفقراء، لأن المسألة في النهاية ذات علاقة بثقافة وأنماط تفكير كل فئة من الفئات الاجتماعية .
وكلما تدنى مستوى الوعي، تتطلب النكتة لكي تكون مضحكة وذات صدى درجة أعلى من استخدام الألفاظ القريبة من الفحش، ورغم ندرة الدراسات في عالمنا العربي حول هذه الظواهر إلا أنها أصبحت الآن في بعض الثقافات مفاتيح ذهبية لدراسة نفسية الآخر .
وفي الدوّلة العبّرية انصرف متخصصّون في شؤون العرب وشجونهم إلى دراسة سايكولوجيا الإنسان العربي وبالتحديد المصري قبيل حرب يونيو/حزيران عام ،1967 ومنه آبا ايبان الذي كان وزيراً للخارجية ويتكلم العربية بطلاقة .
فقد ترجمت معظم الروايات ذات البعد الاجتماعي وبالتحديد أعمال لنجيب محفوظ، ومحمد عبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي، كما ترجمت أفلام سينمائية وأخيراً، ترجمت قائمة طويلة من النّكات الأكثر تداولاً في النطاق الشعبي .
إن المداخل النموذجية الآن لقراءة التكوينات الاجتماعية والنفسية لدى الشعوب وانعكاساتها السياسية ليست عناوين كبرى، بل هي تفاصيل من هذا الطراز المسكوت عنه، وثمة من يقولون ان النكتة هي أشبه بعينة الدم التي يتم فحصها، فمن خلالها يمكن فهم ما يشغل الناس من هموم وما يحلمون به إضافة إلى تلك النكات التي تسود في أعقاب الهزائم ومنها يونيو/حزيران والتي تسخر من الذات وقد تعلي من حيث لا يدري من يتداولونها من شأن أعدائهم .
هكذا يبقى الضحك وكذلك البكاء خارج مدار العولمة وما من ترجمة لها!
http://www.alkhaleej.ae/portal/3a538...bae11e6f1.aspx
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات