الأقزام يؤثرون العزلة و"البوشيمان" يعبرون عن حبهم بالرماح
عالم غريب
الأقزام يؤثرون العزلة و"البوشيمان" يعبرون عن حبهم بالرماح
من أشهر القبائل التي اشتهرت بقصر القامة قبيلة الأونجي التي عاشت في عزلة تامة عن مظاهر الحضارة في جزيرة اندومان الواقعة في المحيط الهندي بين بورما والهند.
وهذه القبيلة على طريق الانقراض، إذ لم يبق من افرادها حتى سنة 1950 سوى عشرين فرداً هذا إن لم تكن قد انقرضت بالفعل، ولا يزيد طول قامة أكثرهم طولاً على 122 سم، أما قبيلة الأقزام التي مازالت قائمة فهي قبيلة “مبوتي” والتي تقطن في الأدغال الواقعة على ضفاف نهر (أيتوري) في جمهورية الكونجو الديمقراطية، وعاصمتها كينشاسا. ويبلغ معدل قامة الذكور 152 سم في حين يصل طول الإناث إلى 125 سم، ويشير علماء الانثروبولوجيا إلى أن ثمة قبيلة صغيرة في مناطق الصين الوسطى يبلغ أفرادها 800 شخص ويبلغ معدل قاماتهم أقل من 125 سم.
وفي العام 1970 اكتشف هؤلاء بطريق الصدفة في الأراضي المتاخمة لحدود بوليفيا والبرازيل والبيرو قبيلة من الأقزام لا يزيد معدل طول قامة أفرادها على 120 سم وتوجد في مناطق منعزلة في الأدغال الافريقية والأمريكية الجنوبية جماعات بدائية أخرى يتفرد أهلها بقصر القامة وان كان معدل قامتها أطول من قامة القبائل التي ذكرت آنفاً.
في طريق الانقراض
ولاحظ العلماء أن كل هذه القبائل تؤثر العزلة والابتعاد عن بقية الجماعات وهي تعتمد عموماً على الصيد في معيشتها، وعلى الرغم من التناقص الموجود في العالم حود عدد الاقزام، إلا أن السجلات التاريخية تدل على وجود شعوب من الأقزام فيما مضى لكنها إما انقرضت أو في طريقها إلى الانقراض. وقد تطرق الشاعر الاغريقي هوميروس في ملحمته إلى ذكر الأقزام فقال إنهم أقوام يقيمون في إثيوبيا وانهم في صراع دائم مع أسراب الغربان التي تغير عليهم، بل إنه كرر في حملته اسطورة تناقلتها الألسن في ذلك الزمان وهي أن واحدهم كان لا يزيد طوله على 30 سم.
قبيلة البوشيمان
ونبقى في إطار قصر القامة فأفراد قبيلة البوشيمان يتميزون بقصر القامة نسبياً ويقيمون في صحراء كالاهاري ويعيش أفراد هذه القبيلة من الصيد وجني الثمار، أما وسيلة التعبير عن الحب لديهم فعبارة عن رمح صغيرة يصوبه الرجل نحو الفتاة التي تعجبه فإن التقطت السهم فذلك يعني أن الحب متبادل وأن مشروع الزواج قد تكلل بالنجاح.
وهناك قوس الحبيب الذي يستخدمه البوشيمان لدى قدوم أي غريب لطرده، وفي هذه الحالة يعتبر القتل محللاً ومشروعاً، وثمة سهام أخرى لتمجيد العاطفة وللدفاع عن النفس ولعل في ذلك شاهداً على ازدواجية عميقة الجذور وعلى تناوب مظاهر الحب والعدوانية لدى أفراد البوشيمان، ويشير الباحث الاجتماعي والمتخصص في الحياة القبيلة ايبشغيليت في هذا الصدد إلى وجود خطأ تحليلي وقع فيه عدد من علماء الانثروبولوجيا، فلقد اكتشف ان البوشيمان هم قوم ينشدون السلام ويتميزون بعدم العدوانية وبالعيش داخل مجموعات منفتحة على الآخرين.
ويعتقد هذا الباحث ان القبائل البدائية تشكل حسب رأيه ميداناً مثالياً لدراسة الطبيعة البشرية البعيدة عن أي مؤثرات ثقافية، وعندما تعرض الباحث إلى مسألة التفريق بين الجنسين فإنه دحض بذلك الرأي القائل بأن سيطرة الرجل على المرأة نابعة من كونها مسألة حضارية ذات ارتباط وثيق بتطور العلاقات الاجتماعية، ولعل ما توصل إليه ايبشغيليت بهذا الخصوص يتوافق مع الملاحظات المهمة التي توصلت إليها الباحثة في علم الانثروبولوجيا، الفرنسية باتريسيا داربييه لا سيما فيما يتعلق بالبوشيمان بالتحديد، إذ على الرغم من ملاحظتها بأنه ليس هناك من ضغط اجتماعي معين يمارس على الأولاد انطلاقاً من التفريق الجنسي وبأن لكل فرد أن يتصرف على هواه في أموره الشخصية إلا أن هناك فروقات جوهرية في السلوك بين الذكور والإناث أبرزها أن الإناث يكتشفن المحيط ويحاولن اخضاعه ولكن بعدوانية أقل بحيث يصبح التساؤل عن إمكانية وجود طبيعة نسائية متمايزة في الأصل أمراً مشروعاً، حتى ان السلوك اليومي العام يبدو مخالفاً للمألوف من حيث فجاجته، فالرجل عند البوشيمان لا يتورع مثلاً لدى أدنى احتكاك عن أن ينهال ضرباً على امرأته بعصا غليظة وغالباً ما يكون رد فعل المرأة بالمستوى نفسه من العنف.
ويقول الباحث ايبشغيليت انه على الرغم من وجود عناصر سلوكية مشتركة تتساوى فيها القبائل البدائية جميعاً مثل التوازن بين الحب والعدوانية، أو سيطرة العنصر الذكوري او اتباع الطريقة نفسها في الضحك والتعبير عن الفرح إلا أن البوشيمان قياساً إلى هنود يانوماي في أمريكا الجنوبية يتفوقون في تصريف الأمور اليومية ويستدل على ذلك بالقول إن 25% من سكان قبائل يانوماي يموتون في المعارك الداخلية فيما بينهم سواء نشبت بين قبيلتين أو فخذين من القبيلة الواحدة.
نبات الهوديا
ومنذ عهود طويلة اعتادت قبائل البوشيمان التي تعيش في صحراء كالاهاري على تناول نبات الهوديا، ويشير الباحثون إلى أن هذه العادة تعود إلى أكثر من 100 عام ولايزال أفراد قبيلة البوشيمان يعيشون في أكواخ تقليدية ويطبخون الطعام الذي يجمعونه من حولهم من الصحارى بطرق تقليدية قديمة، وفي غالب الأحيان يحتوي طعامهم على نبات الهوديا الذي يقلل من الوزن ويشعر المرء بأنه غير راغب في الأكل أو الشرب طوال اليوم، ولقد اكتشف البوشيمان هذا النبات عندما لاحظوا أن ماشيتهم تبدأ في فقدان وزنها عندما تأكل هذه النبات.
ومن صفات البوشيمان أنهم يتعلمون منذ سن الطفولة قراءة علامات الطبيعة وكيفية الحفاظ على الحياة، لكن حظهم كشعب لم يحالفهم كثيراً بل يمكن القول إنهم اختفوا في بعض الحالات أو كادوا إذ انهم فقدوا أوطانهم التقليدية أو أخرجوا منها ولاتزال أعداد كبيرة منهم في ناميبيا وقليل منهم يعيش في عزلة تامة بعد أن أجبروا على الانزواء في بيئة صعبة وهامشية.
واليوم لايزيد عدد البوشيمان على 20 ألفاً ولا يسمون أنفسهم اسماً محدداً ويطلق عليهم البعض لفظ “سان” أو “باسا روا” إلا أن العديد منهم يعتبرون هذه الألفاظ إهانة حيث ان لفظ “سان” في اللغات المحلية تعني الغريب و”باسا روا” تعني من لا يملك شيئاً، ولذا يفضلون كلمة البوشيمان الإنجليزية التي أطلقها عليهم المستوطنون الأوائل، ويطلق على لغتهم الخاصة “الخوسيان” وهي تعتمد على الطرطقات أو الطقطقة لذلك يحملون ايضاً اسم الهوتنوت أي المتلعثمون، وبالنظر الى موطن البوشيمان وهو صحراء كالاهاري نرى أن معنى هذه الكلمة يأتي من كلمة “ىمث- كير” أي العطش الشديد وهو ما يصف لنا المساحات الكبيرة داخل الصحراء التي تمتد فيها الرمال الحمراء دون أي مصدر أساسي للماء، ومن عجائب هذه الصحراء انه على الرغم من أنها أكثر المناطق جفافاً في العالم إلا أن أحد نباتاتها الطبيعية وهو “الهوديا” يمكن أن يشكل ثورة في عالم الحمية وثورة لهذه القبائل الفقيرة.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات