مدارس الأميرات الأيوبيات منارات لنشر العلم والفقه
المرأة وفنون الإسلام الرجال في ميادين القتال ضد الصليبيين
مدارس الأميرات الأيوبيات منارات لنشر العلم والفقه
جانب من صحن مدرسة الفردوس والفصول
أحمد الصاوي
أثارت الحروب التي خاضها ملوك وأمراء البيت الأيوبي ضد الوجود الصليبي ببلاد الشام الحماسة الدينية بين المسلمين كافة، وإذا كان الرجال قد حملوا لواء الجهاد في ميادين القتال، فإن نساء البيت الأيوبي لم يتخلفن عن ركب الجهاد وإن كن قد اتخذن من نشر العلم وتدريس الفقه على المذاهب السنية ميداناً لهن يتنافسن فيه ويبذلن الوقت والجهد والمال عن طيب خاطر وبكل سخاء.
(القاهرة) - وما زالت مدن الشام الكبرى مثل دمشق وحلب وحماة تحتفظ ببعض المدارس التي أنشأتها أميرات من البيت الأيوبي وأنفقن عليها من ريع الأوقاف الجزيلة التي رصدت لضمان قيام المدارس بوظائفها.
ومن أشهر المدارس تلك المعروفة إلى اليوم بمدرسة الصاحبة أو المدرسة الصاحبية، وهي من إنشاء الأميرة «ربيعة خاتون» أخت السلطان صلاح الدين الأيوبي التي نزلت دمشق بعد وفاة زوجها مظفر الدين كوكبوري حاكم أربيل في عام 620 هـ. ومنذ وصولها بدأت تجذب حولها الدارسين والعلماء وكان في مقدمتهم الشيخة الصالحة العالمة «أمة اللطيف بنت الناصح الحنبلي».
وتقع مدرسة الصاحبة بسفح جبل قاسيون بدمشق من جهة الشرق فيما كان يعرف بحارة الأكراد، وقد أوقفت على تدريس المذهب الحنبلي وعينت شيخاً لها هو الصاحب الحنبلي والد أمة اللطيف في عام 628 هـ.
وعندما توفيت ربيعة خاتون عن عمر يناهز الثمانين عاماً بدار العقيقي بدمشق عام 643 هـ «1245م» دفنت بمدرستها تلك. أما أمة اللطيف التي صاحبتها في حياتها وحصلت منها على أموال جزيلة للقيام بكتابة تصانيف في الفقه، فقد قاست الأمرين بعد وفاة ربيعة خاتون إذ تم اعتقالها ثلاث سنوات بقلعة دمشق وصودرت أموالها وطولبت بما حصلت عليه من أموال أغدقتها عليها ربيعة خاتون ويبدو أن إطلاق سراحها ارتبط بطريقة لتسوية الخلاف، إذ تزوجها فور إطلاقها الملك الأشرف موسى الأيوبي بن الملك المنصور إبراهيم صاحب حمص وسافرت معه إلى الرحبة، حيث توفيت هناك عام 653 هـ «1255م».
والمدرسة ما زالت قائمة لليوم، حيث تستخدم كمدرسة ابتدائية لسكان حي ركن الدين وتعد آخر ما شيده الأيوبيون بدمشق، وهي تتألف من صحن أوسط تحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة الذي تطل نوافذه على بستان أمام نهر يزيد وثمة اعتقاد بأن الصحن كان مغطى بقبة. ولتلك المدرسة واجهة حجرية بحالة جيدة وبوسطها المدخل الذي تتوج دخلته طاقية بها ثلاث حطات من المقرنصات الحجرية الفريدة في هيئتها وخاصة الحطة الثانية التي تأخذ شكل المحار البحري.
ومن المدارس المهمة التي شيدتها أميرات أيوبيات «مدرسة الفردوس» في حلب وهي من إنشاء «ضيفة خاتون» بنت السلطان العادل الأيوبي، وقد حكمت حلب لمدة ست سنوات نيابة عن ابنها الملك الناصر ولعبت دوراً مهماً في رعاية الحركة العلمية بالمدينة توجته بإنشاء المدرسة التي أفردتها لتدريس المذهب الشافعي في عام 633 هـ «1236م»، كما عينت للمدرسة التي كانت خارج باب المقام عدداً كبيراً من القراء والفقهاء والمتصوفة.
وبالمدرسة نص تأسيسي فوق إحدى النوافذ بالواجهة الشرقية جاء به «هذا ما تم تأسيسه بناء لأوامر الستار العالي والحجاب المحرم الملكة الرحيمة عصمت الدنيا والدين ضيفة خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحمهما الله وتم ذلك في أيام مولانا السلطان الملك الناصر العالم والعادل وبطل الإيمان والمحارب والمعاون من الله والظافر والمنتصر صلاح الدنيا والدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الزاهر غازي بن يوسف بن أيوب حامي أمير المؤمنين كان نصره مجيداً بإدارة العبد الحقير عبد المحسن العزيزي الناصري رحمه الله»، أما التاريخ المسجل فكان عام 633 هـ «1236م».
ولهذه المنشأة التي تقوم بوظائف المدرسة والرباط والتربة مدخل يقع في الجهة الشرقية يؤدي إلى ممر طويل ينتهي من الجهة اليسرى إلى صحن المنشأة.
وتتألف عمارة المدرسة من صحن أوسط مستطيل الأبعاد «15 متراً للطول و11 للعرض»، وهو مبلط بالحجارة وبوسطه بركة ماء ويحيط بالصحن ثلاثة أروقة معقودة بعقود مدببة ترتكز على أعمدة رخامية لها تيجان ذات مقرنصات.
والرواق الجنوبي منها يتقدم إيوان القبلة والرواقان الشرقي والغربي يتقدمان الإيوانين الجانبيين وتوجد بئر معطلة في الزاوية الشمالية الشرقية قرب المدخل.
ويعتبر إيوان القبلة أهم أجزاء المدرسة ويحتل مساحة مستطيلة طولها 19.5م وعرضها 6.5م ويتم الدخول للإيوان المعروف بالقبلية عبر الرواق الجنوبي بثلاثة أبواب مرتفعة تنتهي بعقود مدببة ارتفاع كل منها 6م. وينقسم الإيوان بواسطة عقدين يقطعان جدار القبلة إلى ثلاثة أقسام الأوسط منها مغطى بقبة ضخمة لها منطقة انتقال من المقرنصات ويتصدر الإيوان محراب من الحجر المنقوش بأعلاه دائرة تحمل اسم من أنشأ المحراب وهو «حسن بن عنان».
أما الإيوان الشرقي والغربي فيتم الدخول إليهما عبر الأروقة التي تتقدمهما من بوابات معقودة وهما متماثلان في مساحتهما «20م طولاً و6.25م عرضاً»، ويتفرد الإيوان الشرقي بوجود سبع خزائن جداريه وميضأة. وللمدرسة إيوان شمالي له سقف مسطح ينتهي من جهة الصحن بعقد مدبب وتقع المدرسة المستخدمة لليوم في التدريس خلف هذا الإيوان الشمالي، وهي ذات مساحة مربعة تقريباً.
أما الرباط فيقع في الجهة الشمالية الغربية للمنشأة ويتألف من مجموعة من الغرف الموزعة على جانبي ممرين وكانت مخصصة لإقامة المتصوفة. وتقع التربة في الزاوية الجنوبية الغربية وتعلوها قبة وتضم 8 قبور للمنشئة وعدد من أمراء البيت الأيوبي.
وقد أجريت عدة إصلاحات بمدرسة الفردوس منها استبدال الباب الخشبي القديم في عام 1916م وفي عام 1958م نقلت المئذنة المثمنة القصيرة التي كانت أعلى الإيوان إلى مكان أكثر ثباتاً يبعد عن الأروقة عدة أمتار إلى الشمال الغربي من موقعها القديم. وفي عام 1965م رممت الأروقة المحيطة بالصحن وأعيد بناء أعمدتها وصب سقفها بالبيتون المسلح وفي عام 1989م فرشت أرضية القاعة الغربية بالبلاط الحجري الأصفر، كما تم ترميم الإيوان الشمالي. كما أنشأت السيدة زهرة خاتون ابنة الملك العادل مدرسة عرفت بالعادلية الصغرى في داخل باب الفرج بدمشق وإن اندثرت وزالت معالمها الآن. وهناك أيضاً المدرسة المرشدية التي شيدتها خديجة خاتون بنت الملك المعظم عيسى بن الملك العادل وخصصت للمذهب الحنفي وكانت تقع في جبل الصالحية بدمشق على نهر يزيد. ومن المدارس الباقية جزئياً لليوم المدرسة الخاتونية في حماة وهي من أعمال مؤنسة خاتون ابنة الملك المظفر صاحب حماة، وكانت في الأصل داراً لها قبل أن تحولها إلى مدرسة. وقد أوقفت عليها أوقافاً كثيرة، كما جعلت لها مكتبة ضخمة زودتها بالعديد من الكتب المتنوعة في مختلف العلوم. وتقوم بقاياها اليوم داخل بستان بحي الجراجمة بحماة.