قالوا عن الشاذلية
بسم الله الرحمن الرحيم أحمدك اللهم بكل قلب ولسان ، يا مجتبي المخلصين إلى أعلى درجات الاحسان ، فضلك تؤتيه من تشاء وأنت أهل الفضل والكرم والامتنان ، فأشهد أنك الواحد الأحد المنفرد بالوجود والإيجاد وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً رسولك المستعد لكمال تجلياتك كل الاستعداد ، فصلّ اللهم عليه بقدر ما في كرمك ، صلاةً وسلاماً يوفيان بغرضه منك ، وآله وأصحابه القائمين بنصرة الحق الناشرين لواءه وارحم اللهم الباقيات الصالحات في هذه الأمة ، وأمطر على أجسامهم وأرواحهم وقلوبهم من سحائب الرحمة وأيدهم وسددهم وقوهم بكل برهان وحجة وحكمة آمين .
قال العارف بالله سيدي داود الباخلي - صاحب عيون الحقائق وأحد أصحاب الشيخ تاج الدين بن عطاء الله وأستاذ سيدي محمد وفا - في شرح حزب البحر : فليتأمل المنصف أحوال الشاذلية وسداد طريقتهم وقوة يقينهم وكثرة أنوارهم وفتحهم وكشفهم وذكاء عقولهم وقلوبهم مع غرق كثير منهم في الأسباب : وتلبسهم ظاهرا بأحوال العالم ، فتراهم أبدا محفوظين في أحوالهم ، محافظين على أعمالهم قد أشرقت في قلوبهم أسرار العلوم ولاحت لهم حقائق الحكم والمفهوم فترى أحدهم في صورة العامي يلهج بالحقائق وينطق بالحكمة مما يعز وجوده لأرباب الإنقطاع والخلوات وأهل التجلي والمشاهدات وهذا يدل على كثرة الأنوار وحصول الغاية وأنهم في صون وحماية ، وأن مشايخ هذه الطريقة لهم من الله نصيب وافر ونور متظافر وقد قال أستاذ هذه الطائفة الشيخ أبو الحسن الشاذلي - رضي الله عنه - << أنا حملت التعب عن أتباعي >> وقال خليفته سيدي أبو العباس المرسي - رضي الله عنه - << ليس الرجل من دلك على تعبه إنما الرجل من دلك على راحته >> وقال سيدي داود بعد ذلك << وليتأمل المنصف في أحوال هذه الطائفة وكلام أهلها في السلوك والحقائق والمقامات والأحوال والحكم والمواعظ مما لا تكاد تسمعه إلا في هذه الطائفة ، بأسلوب خاص ومنهم غريب وءاثار في القلب عظيمة فتجد المنزلة الواحدة سلوكا عظيما بلفظ قليل ومعنى جليل كل منزلة تحتمل مجلدا شرحا ولا يفي بمعانيها ؛ لأنها تصير أمرا باهرا ودليلا ظاهرا في طريق الأبرار والمقربين دلالة بالعلم والنور وتربية بالأحوال من الأفعال والأقوال ؛ لأنها قد جمعت بين المواعظ والحقائق والدقائق والمعاني والرقائق -إلى أن يقول - ولهذا امتازت هذه الطائفة بين الصوفية بالمشرب الغريب والمأخذ القريب والفتح العجيب وقال بعض العارفين :<< الشاذلية أصول ، لهم أساس من الرسول >> وقال بعض : << الشاذلية قضاة الطريق >> وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : << إذا أراد الله أن ينزل بلاء سلم منه أمة النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان عموما سلم منه الشاذلية >> ، كذا وجد بخط شيخ الإسلام قاضي القضاة ناصر الدين بن الميلق رحمة الله عليه ، وقال القطب العارف ناصر الدين محمد الشاذلي لتلميذه العارف بالله سيدي محمد الشريفي << يا محمد إذا أراد الله بعبد سوء سلطه على شاذلي >> وقال بعض الصالحين من الشاذلية للسيد الكبير العارف بالله << ماضي >> خادم الشيخ أبي الحسن الشاذلي << يا سيدي إن الأمير الفلاني شوش علي فقال له سيدي ماضي << اذهب إليه وقل له مابقي إلا السادة الشاذلية تشوش عليهم ، بعد ثلاثة عشر يوما تضرب عنقك ، فأتى إليه وأخبره كما قال له الشيخ ، فما مضت عليه المدة المذكورة حتى ضربت عنقه ، وكان الأستاذ المسلك قطب الدائرة شمس الدين الحنفي يقول : إن أدنى رسل الشاذلية إلى من عاداهم : العمى والكساح وخراب الديار ، وأنا من الشاذلية لأنه رضي الله عنه جاءه رجل فقال له : ياسيدي إن الأمير الفلاني ظلمني فأرسل إليه رسولا يطلبه فامتنع الأمير ولم يأت إليه فأرسل إليه ثانيا وقال للرسول : قل له إن لم تأت إلى الشيخ أرسل إليك رسولا من رسله فإذا قال لك من رسله ، قل له العمى والكساح وخراب الديار ، فلما أتى الرسول إلى الأمير أخبره بما قاله الشيخ فامتنع أيضا عن الحضور بين يديه ثم لم يمض إلا ليال قليلة وابتلاه الله بالعمى والكساح إلى أن مات وخربت داره إلى يومئذ ، وأخبرني بعض أصحابنا قال رأيت الشيخ العارف بالله أبا المواهب التونسي رحمه الله في المنام وبعض تلامذته معه أوراق يقرأ عليه فيها وعلى حاشيتها مكتوب : << الشاذلية تعلو ولا يعلى عليها >> فانظر رحمك الله إلى هذه الطائفة أرباب المقامات السنية وإلى ما اخصهم الله من العلوم اللدنية والمنازلات القربية فعليك يا هذا بحبهم فعسى تظفر بقربهم وتدخل في حمايتهم وتصير في حزبهم كما قيل
تمسك بحب الشاذلية تلق ما** تروم فحقق ذاك منهم وحصل
ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم**شموس هدى في أعين المتأمل
إلى أن يقول
فهم قادة لله جل جلاله**وهم مطر يسقى به كل ممحل
وهم رحمة منشورة وكرامة**وهم مرهم يشفى به كل معضل
إلى أن قال : وقال ءاخر:
تمسك بحب الشاذلية تلق ما**تروم فحقق ذاك منهم وحصل
مريدوه أقطاب الوجود بأسرهم**شموس الهدى للسالك المتأمل
وقال ءاخر:
تمسك بحب الشاذلي فإنه**له طرق التسليك في السر والجهر
أبوالحسن السامي على أهل عصره**كراماته جلت عن الحد والحصر
مريد له في عالم الذر مقتف**لآثاره حي إلى الحشر والنشر
يفوز بجنات ورؤية ربه**وقد فاز بالغفران من جاء بالذكر
وقال ءاخر:
تمسك بحب الشاذلي وحققن**لتحصيل ما تختاره وتروم
فحسبك من شيخ له الله ناظر**وفي قلبه حب الإله يدوم
وقال ءاخر :
تمسك بحب الشاذلية تلق ما**تروم وحقق ذا المناط وحصلا
توسل به في كل حال تريده**فما خاب من يأتي به متوسلا
وقال الإمام البوصيري صاحب البردة المشهورة في قصيدة طويلة :
إن الإمام الشاذلي طريقه**في الفضل واضحة لعين المهتدي
فانقل ولو قدما على ءاثاره**فإذا فعلت فذاك أخذ باليد
ثم قال رحمه الله تعالى :-
أفدي عليا بالوجود وكلنا**بوجوده من كل سوء نفتدي
قطب الزمان وغوثه وإمامه**سرالوجود لسان سر الموجد
ساد الرجال فقصرت عن شأوه**همم المآرب للعلى والسؤدد
فتلق ما يلقي إليك فنطقه**نطق بروح القدس نعم المقتدي
أوما مررت على مكان ضريحه**وشممت ريح الند من ترب ندي
ورأيت أرضا في الفلاة بخضرة**مخضرة منها بقاع الفدفد
والوحش ءامنة لديه كأنما**حشرت إلى حرم بأول مسجد
ووجدت تعظيما لقلبك لوسرى**في جلمد سجد الورى للجلمد
فقل السلام عليك يابحر الندى**الطامي إلى بحر العلوم المزبد
وقال الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن الميلق رحمه الله :
ولوقيل لي من في الرجال مكمل**لقلت إمامي الشاذلي أبو الحسن
لقد كان حبرافي الشرائع راسخا**ولاسيما علم الفرائض والسنن
ومن منهل التوحيد قد عب وارتوى**فلله كم روى قلوبا بها محن
وحاز علوما ليس تحصى لكاتب**وهل تحصر الكتاب ماحاز من فنن
فكن شاذلي الذات تحظ بسره**وفي سائر الأوقات إن تستعن تعن
وإني له عبد وعبد لعبده **فياحبذا عبد لعبد أبي الحسن
إذا لم أكن عبدا لشيخي وقدوتي**إمامي وذخري الشاذلي أكن لمن
فيارب بالسر الذي قد وهبته**فمن علينا بالمواهب والمنن
وما أحسن قول العارف بالله سيدي علي بن عمر القرشي تلميذ العارف بالله تعالى قاضي القضاة ناصر الدين بن الميلق رحمه الله تعالى حيث قال:-
أنا شاذلي ما حييت وإن أمت**فمشورتي للناس أن يتشذلوا
إلى أن قال :
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات