منتدى الإحسان

منتدى الإحسان (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الرقمية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   الأنوار القدسية في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=838)

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:04 PM

"الرتبة الثانية من مراتب الولاية: أن يتنـزَّل إلى رتبة بطن ‏أمه، فيشاهد أنه كان ماء مهيناً في ظلام الأحشاء، وقد تولاَّه ‏‏"الولي" بأنوار الأسماء، فيتجلَّى له نور "البصير،"السميع".‏


فإذا تنـزَّلت إلى هذا المشهد، وخلعت الأنانية والحيثية، ‏ورجعت إلى أصلك واجهتك هذه الأسماء، وتجمَّلت بمعانيها، ‏وهذه رتبة من مراتب الأولياء، الذين تجمَّلوا بالعطاء، وسبحوا ‏في بحار الأسماء، وانجلى لهم أصلهم؛ وهو الماء، فرجعوا إليه ‏شهوداً وذكراً، فرفع الله لهم بين العوالم قدرا..... يقول ‏أحدهم: "الله" وهو مستحضر أنه "المصوِّر، الجميل، السميع، ‏البصير، المحيي ، النافع " فيرجع إلى أصله فيفوز بوصله.‏


المرتبة الثالثة: تتنـزَّل إلى رتبة التراب، فيشهدك الحق أنك ‏كنت متفرقاً في عناصر الوجود، فجمع الله حقيقتك من ‏تراب، ولحم، وفاكهة، وحوَّلها إلى منيّ هو أصلك، وعند ‏ذلك يتجلَّى لك أنوار اسمه تعالى:" الحكيم، الخبير، المحيط، ‏الحفيظ، اللطيف، القريب، الرحيم".‏


فمتى دخلت في هذا المشهد، وخلعت الأنانية، وذكرت ‏الله مستحضراً معاني الأسماء، فانياً عن كل ما أحاط بك، أو ‏نسب إليك من الآلاء، انفعلتْ لك الحقائق، وفُزتَ بالدقائق، ‏وتشهد أن الأسماء التي تولَّتك في تلك المواطن، هي التي ‏تتولاَّك هناك.‏


فإذا ذكرت الله وأنت تلاحظ تلك المعاني الخفية، تاركاً ‏المظاهر البشرية، شاهدت الأمر على ما هو عليه، فإن الأسماء ‏التي تولَّتك في تلك المواطن هي التي تواجهك الآن بالأسرار.‏


وجميع التطورات في نظر الله واحدة، والذي حجبك هو ‏الأنانية (1) ‏.‏


المرتبة الرابعة: أن تتنـزَّل من رتبة الأرض إلى رتبة العدم، ‏وتفهم معنى قوله تعالى"‏ {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ ‏شَيْئًا }‏(2) ‏ ‏. ‏


فترى العدم على أصله لم يتحوَّل، وترى نور القدم تجلَّى، ‏فأبرز العدم في صورة الوجود، وعند ذلك يصبح العبد مشرقاً ‏لشمس الحقيقة، إماماً لكل أهل الطريقة (3) ‏.‏" اهـ


اقتباس:============================= الحاشية =============================


(1) ‏: الأنانية : هي الحقيقة يضاف إليها كل شيء من العبد كقوله: روحي، ونفسي، ‏وقلبي، ويدي، ومالي.... .‏


(2) ‎ ‎‏: سورة مريم – الآية 9.‏


(3) ‎ ‎‏: الطريقة: هي السيرة المختصَّة بالسالكين إلى الله تعالى من قطع المنازل والترقِّي في ‏المقامات. وقيل: العمل هو حركة الجسم والقلب والفكر، فإن تحرَّك بما يوافق الشريعة ‏سمي طاعة. وإن تحرك بما يخالف الشريعة سمي معصية، لذلك أجمعوا على أن الشريعة: ‏لإصلاح الظواهر، والطريقة: لإصلاح الضمائر، والحقيقة: لإصلاح السرائر. ‏ " اهـ 165




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: العلم كلُّه في العالَم كلِّه..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:05 PM

العلم كلُّه في العالَم كلِّه



"مهما أوتيت من علم فاعتقد أن فوقك من هو أعلم منك، وما ‏من كائن إلا وفيه معنى سرٍّ من أسماء الله ، لا تناله منه إلا ‏بالتواضع له والاحترام.‏


فلا تتكبَّر على أي رتبة من رتب الكون، فالظاهر فيها هو ‏‏"المعطي" تعالى، وقد قال الإمام أبو العزائم:" إن الرجل الذي ‏يتكمَّل بالعلم حتى تنطوي فيه معانيه، وحتى يأخذ دروس الحكمة ‏في النمل والنحل، والحيوانات، وجميع الكائنات، ولا ينظر إلى أنه ‏مكمِّل لغيره، مثل الشمعة تحترق لتضيء على غيرها، والبعض ‏يضيع الأنفاس بدون أن يحصِّل كمالاً لنفسه، لأنه متى رأى نفسه ‏كاملاً مكمِّلاً لغيره اغترَّ وتكبَّر.‏


إن معاني أسماء الله الحسنى ظهرت أسرارها في العبد ففيه ‏الحياة، والسمع، والبصر. وفيه سرُّ القدرة والإرادة. وفيه ‏الجمال الإلهي (1) ، والحسن الباهي، وجميع الأسماء تعينه في ‏حركته وسكونه، وفي يقظته ونومه.‏


فإذا عرف ما تجلَّى فيه له من الله، فقد عرف سيِّدَه ‏ومولاه، وانظر إلى هذا المثل ففيه غاية الأمل :‏


الكون كله مملكة يتصرَّف فيه الربُّ الكبير، وجسمك هذا ‏مملكة تصرَّفت فيها الروح بأمر مقدور له جنود في الأرض ‏والسموات، ولك جنود وهي الجوارح لقضاء الحاجات، ولله ‏عرشٌ عظيم، وقلبك يمثِّل العرش، وهو واسعٌ لأسرار العليم.‏


فلا تغفل عن شهود أنوار أسمائه فيك وفي الآفاق، واحذر ‏أن تنسبها لنفسك فتقع في الحجاب والنفاق." اهـ 168‏

اقتباس:====================== الحاشية =======================


(1) ‎ ‎‏: الجمال الإلهي: هو عبارة عن أوصافه العليا وأسمائه الحسنى، هذا على العموم، وأما على ‏الخصوص: فصفة الرحمة وصفة العلم، وصفة اللطف، والنعم، والجود، والرزَّاقية، ‏والخلاَّقيَّة، وصفة النفع، وأمثال ذلك كلها صفات جمال. وثَمَّ صفات مشتركة لها ‏وجه إلى الجمال ووجهٌ إلى الجلال، كاسمه تعالى:"الرب"، فإنه باعتبار التربية والإنشاء ‏‏: اسم جمال، وباعتبار الربوبية والقدرة: اسم جلال. ومثله اسم: "الله". واسمه " ‏الرحمن" بخلاف اسم " الرحيم"، فإنه اسم جمال وقس على ذلك.‏


‏ واعلم - رحمني الله وإياك - أن جمال الحق سبحانه وتعالى وإن كان متنوِّعاً فهو ‏نوعان: النوع الأول معنوي، وهو معاني أسماء الله الحسى، والأوصاف العلا، وهذا ‏النوع مختصٌّ بشهود الحقّ إيَّاه.

والنوع الثاني: صوري، هو هذا العالم المطلق المعبّر عنه ‏بالمخلوقات، وعلى تفاريعه وأنواعه، فهو حسن مطلق، إلهي، ظهر في مجال الهيئة، ‏سميت تلك المجالي بالخلق، وهذه التسمية أيضاً من جملة الحسن الإلهي، فالقبيح من ‏العالم كالمليح منه، باعتبار كونه مجلى من مجالي الجمال الإلهي، لا باعتبار تنوُّع ‏الجمال، فإن من الحسن أيضاً إبراز جنس القبيح على قبحه، لحفظ مرتبته في ‏الوجود، كما أن الحسن الإلهي إبراز جنس الحسن على وجه حسنه لحفظ مرتبته من ‏الوجود. وإن القبح في الأشياء إنما هو للاعتبار لا لنفس ذلك الشيء، فلا يوجد في ‏العالم قبحٌ إلا بالاعتبار، فارتفع حكم القبح المطلق من الوجود، فلم يبق إلا ‏الحسن المطلق، ألا ترى إلى قبح المعاصي إنما ظهر باعتبار النهي، وقبح الرائحة المنتنة ‏إنما ثبت باعتبار من لا يلائم طبعه." اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: معرفة الذات الأحدية والأسماء.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:05 PM

معرفة الذات الأحدية والأسماء ( 1 )




حضرة الذات في غيوب الغيوب = في بطون عن واصلٍ محبوب
فوق أسمائها وفوق صفات = فوق قدر الأرواح ، فوق القلوب
هي في الطَّمس والعماء تعالت = عن إشارات سابق ومنيبِ
آمن المرسلون بالغيب منها = سلم الأصفياء بالترحيبِ
ثمَّ للذات حضرةٌ تتجلَّى = بألوهيةٍ لفردٍ قريبِ
حضرةٌ حيَّرتْ عقول البرايا = جمعت ضدَّين باقتدارٍ عجيبِ
يظهر الحقُّ، يظهر الخلقُ فيها = طلعت شمسها بغير غروبِ
يتراءى عبدٌ ذليلٌ ضعيفٌ =يتجلَّى القوي للمطلوبِ
هي شمسٌ تمحو ظلام المباني = تتراءى أسماؤها للحبيبِ
ثُم لله حضرةٌ تتجلَّى =وهو رحمنٌ فوق عرش القلوبِ
تشمل الرحمةُ العوالم حقاً =لمطيعٍ تعمُّ أهل الذنوبِ
ثُمَّ لله حضرةٌ تتجلَّى =وهو ربُّ العباد ماحي الكروبِ
يظهر العبد بالخلافة عنه =ويطيع الورى لعبد نجيبِ
إن تجلَّى بحضرة العزِّ ذابت =من جلال المقام أهل القلوبِ
أو تجلَّى بحضرة اللطف هامت =أنفس المغرمين بالمحبوبِ
إن تجلَّى "الرحيمُ" أحيا البرايا =راحمُ الكلِّ ساتر العيوبِ
أو تجلَّى "القهَّار" ذلَّت خشوعاً =أنفس الأنبياء في ترهيبِ
أو تجلَّى "الكريم" طمأَنَ قلباً =نال أمناً وهام في ترغيبِ
أو تجلَّى "السَّتّار" جلَّ تعالى =ستر العبدَ من جميع الذنوبِ
حضرات الجمال (2)‏ تُحيي وتبقي =تتجلَّى لكلِّ صَبٍّ أديبِ
حضرات الجلال (3) ‏ تمحو وتُفني =تجعل الطفل عندها في المشيبِ
حضرات الكمال ميراثُ طه (4)‏ =بين خوفٍ وبين أمنٍ عجيبِ
فتوسَّط في السير فالدين يسرٌ =وتهنَّى بخالص المشروبِ
واعرف الله في جميع التجلَّي =وتحلَّ منه بخيرِ نصيبِ
إن عرفتَ "الودودَ" يعطيك فضلاً =فاعرف"العدل" في حساب "الحسيب
إن عرفت"الغفَّار" للذنب فاعرف =شدَّة"الحقِّ" عند كشف الغيوبِ
يتجلَّى بالعطف فينا ينادي: =رحمتي واسعه لأهل الخطوبِ
يتجلَّى بالكبرياء ينادي =يا عبادي ! لا تأمنوا تعذيبي
إنَّ مكري فوق العقول خفيٌّ =فلهذا يخشاه كل لبيبِ
فاطلب الذات فهي منها إليها =كلُّ أسمائها بغير غروبِ
إن أسماءها تجلَّت حناناً =لك يا عبدُ وهي غيب الغيوبِ
كن مع الذات، وحِّدِ الله وانهج =سُنَّةَ المصطفى بصدرٍ رحيبِ
عُرِضَ الملك والكنوزُ عليه (5) =طرحَ الكُلَّ مقبلاً للرقيبِ
هو عبدٌ للذَّات وهو مرادٌ =وهو كنـزٌ فالزم طريق الحبيبِ


اقتباس:============================= الحاشية =====================

(1) ‎ ‎‏: وهي قصيدة من نظم المؤلف رضي الله تعالى عنه وأرضاه.‏


(2) ‎ ‎‏: وذلك بمشاهدة القلوب بالأنوار والسرور، والألطاف، والكلام اللذيذ، والحديث ‏الأنيس، والبشارة بالمواهب الجسام، والمنازل العالية، والقرب منه عز وجل. ‏


(3) ‎ ‎‏: والجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة وتعظيماً وبه ظهر اسم الجليل، وحكم هذا ‏الاسم من أعجب الأحكام، فإن له حكم { ليس كمثله شيء }، {;سبحان ربك رب ‏العزة } ;‏.فمن حضرة الجلال ظهرت الألوهة وعجز الخلق عن المعرفة بها، ومن هذا ‏الاسم يعلم سر الخلق في الأرض لما فيهم من نسبة الباطن وجهرهم لما فيهم من نسبة ‏الظاهر، لارتفاعهم عن تأثير الأركان، فكل عظيم فهو جليل، وكل حقير فهو جليل، ‏فهو من الأضداد. قيل لأبي سعيد الخرَّاز - رضي الله عنه - : بم عرفت الله؟. فقال: ‏بجمعه بين الضدَّين قائلاً:‏‎ {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِن }. يعني من عين == ‏واحدة، وفي عين واحدة. ذكره سيدي محيي الدين بن عربي - رضي الله عنه - في ‏الفتوحات 4/251.‏


(4) ‎ ‎‏: سيدي وسيد الكائنات، حبيب الحق ومنقذ الخلق محمد بن عبد الله - صلى الله عليه ‏وآله وسلم - عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ‏ذكره الغافلون.‏


(5) ‎ ‎‏: الضمير هنا عائد على حضرة النبي سيدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم أن ‏عرضت عليه قريش أن يكون ملكاً عليها، مقابل أن يعود عن دعوته التي أرسله الله ‏بها!. فأبى عليهم وقال لعمه أبي طالب : والله يا عمِّ! لو وضعوا الشمس في يميني ، ‏والقمر في يساري على أن أدع هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه. " اهـ172



(يتبع إن شاء الله تعالى.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:06 PM

الباب الرابع

شرح الأســــــماء الحسنى ‏ودعــــــاؤها

الله جلَّ جلاله



"إنَّ هذا الاسم علمٌ على الذات العليَّة، المنزَّهة عن الحدود، ‏وهو اسم الله الأعظم، الجامع لكل معاني الأسماء الحسنى، ولا ‏يسمَّى به إلا هو - عزَّ وجلّ-.‏


وإذا قلت: يا الله! تجيبك جميع الأسماء، كأنك قلت: يا ‏رحيم، يا كريم، يا معطي. إلى آخر الأسماء.


فقلبك يستحضر ‏معاني الأسماء ، ولسانك يقول:"الله" فيتجلَّى الحقُّ للذاكر ‏العارف في جلالة وعَظَمة خضعت لها الأعناق بالركوع ‏والسجود. قال تعالى:‏‎ { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ ‏وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ }‏(1) ‏ ‏.


ويتجلَّى للذَّاكر بجمالٍ لاح على صفحات الوجود، ‏ويجذب الألباب، ويبهر الأرواح بالشهود، وتتجلى لك ‏الحضرات والإمدادات والجمالات، والجلالات، والآيات ، ‏والبينات، وما فيها تحت سلطان الألوهية.... .‏


فالعارف بالله يرى نفسه أحقر من الذَّر، لظهور العظمة، ‏وتجلِّي الحضرة العلية، ويرى نفسه أسعد الخلق وأغناهم، لأنه ‏صار عبداً للغني العلي الكبير، فهو العبد الذَّليل لله، العزيز ‏بالله، الفقير لله، الغني بالله، لا ينظر إلى معاني الأسماء من ‏حيث الألفاظ اللغوية، ولكن يتوجَّه إليها من معانهيا النورانية، ‏وآثارها البهية.‏


وليس للعبد من هذا الاسم حظٌّ إلا التعلُّق به ذكراً ‏وحضوراً واستحضاراً، حتى يتلاشى تحت سواطع الأنوار، ‏فيحصل له الوَلَه، والذُّهول عن الآثار، وعند ذلك يشهد مولى ‏ليس كمثله شيء، وهو أقرب إلينا من كل شيء (2) ‏" اهـ


اقتباس:========================== الحاشية =====================.

(1) ‎ ‎‏: سورة الرعد – الآية 15.‏

(2) ‎ ‎‏: قال الشيخ زروق رضي الله عنه: كل الأسماء يصح لمعانيها التخلق إلا هذا الاسم فإنه ‏للتعلق ، وكل الأسماء راجعة إليه ، فالمعرفة به معرفة بها ، وهو دال بصيغته على عظمة ‏المسمى به ، ذاتاً ، وصفاتٍ ، وأسماءً ، وما يرجع لذلك من أفعاله . والمعرفة به تفيد ‏الفناء فيه للعارفين ، والتعظيم والإجلال ، والهيبة والأنس للمريدين ، والتقرب به على ‏وفق ذلك من إسقاط الهوى ، ومحبة المولى ، ولا يصح ذلك إلا بقلب مفرد فيه توحيد ‏مجرد ، وذلك يستدعي جميع الأحوال والمقامات والكرامات ، فلذلك لما سئل الجنيد ‏رضي الله عنه: كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى ؟. قال: بتوبة تزيل الإصرار ، ‏وخوف يزيل التسويف ، ورجاء يبعث على مسالك الأعمال ، وإهانة النفس بقربها ‏من الأجل وبعدها من الأمل . قيل له : بماذا يصل العبد إلى هذا ؟ قال: بقلب مفرد ‏فيه توحيد مجرّد، انتهى.

‏ قال سيدي ابن عجيبة في شرحه لهذا الاسم: " قلت: وقول الشيخ زروق رضي الله ‏عنه : لا يصلح هذا الاسم إلا للتعلق دون التخلق، إنما هو مذهب أهل الظاهر، وأما ‏مذهب أهل التحقيق من أهل الباطن فهو يصلح للتعلق ، والتخلق . والتخلق به: هو ‏الفناء فيه ، والاستهلاك في الحقيقة بحيث يفنى من لم يكن ، ويبقى من لم يزل .

‏ وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : إن لله عباداً محق أفعالهم بأفعاله ، ‏وأوصافهم بأوصافه ، وذاتهم بذاته، وحملهم من أسراره ما تعجز الأولياء عن حمله ، ‏انتهى.‏

‏ وقال القطب شيخ شيوخنا ، ومادة طريقتنا مولانا عبد السلام بن مشيش رضي الله ‏عنه ، ونفعنا ببركاته - لما تكلم على المحبة - قال :والمحبة مزج الأوصاف بالأوصاف، ‏والأخلاق بالأخلاق ، والأنوار بالأنوار ، والأسماء بالأسماء، والنعوت بالنعوت ، ‏والأفعال بالأفعال، انتهى .

فتحصل: أن التخلق باسم الجلالة هو : الفناء فيه ، ‏والغيبة عما سواه .‏

‏ قال الغزالي رضي الله عنه :
ينبغي أن يكون حظ العبد من هذا الاسم التألّه، وأعني: ‏أن يكون مستغرق القلب والهمة بالله تعالى ، لا يرى غيره ، ولا يلتفت إلى سواه ، ‏ولا يرجو، ولايخاف إلا إياه ، وكيف لا يكون كذلك وقد فهم من هذا الاسم أنه ‏الموجود الحقيقي الحق ، وكل ما سواه هالك وفان ، وباطل إلا به ، فيرى أولاً نفسه ‏هالكاً ، وباطلاً . كما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: أصدق بيت ‏قالته العرب بيت لبيد:-‏
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل

‏ وقال بعض من شرح الأسماء : وأما التخلق بهذا الاسم : فاتصاف بكل وصف ‏كمال، بقدر ما يمكن في طور العبد ، وبحسب استعداد الخاصة مثل الأنبياء ، ‏والمجذوبين ، والمحبوبين من الأولياء ، وقد يكون بالمجاهدات البالغة ، والرياضة الشاقة ، ‏وتهذيب الأخلاق ، وتبديل الأوصاف ، وقد يكون بنتائج التجليات، وثمرات ‏المشاهدات ،

ثم قال: وأما التحقق بحقائق هذا الاسم فهو : أن تطلع شمسه من ‏مشرق قلبه ، وتنوّرٌ من العبد سارياً في كليته وسرائره ،شاملاً لظواهره وضمائره ، ‏فيفنى اسمه ورسمه ، ويلطف قلبه وروحه، بل جسمه ، فيبدل الحدوث بالقدم ، ‏والظلمات بالأنوار ، ويعوضه من ليل الحجاب نهار الإبهار ، فيفنى ثم يبقى ، بوجود ‏موجود حقاني ، ويخفى ثم يبقى بوصف كريم رباني، ويكون الحق سمعه ، وبصره ، ‏ويده ، به يسمع ، وبه يبصر، وبه يبطش ، بل يكون بكليته ما لا يصفه الواصفون ، ‏ولا يحيط به العارفون ، انتهى .‏" اهـ177




(يتبع إن شاء الله تعالى .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:07 PM

"وحضرة الألوهية حضرة الغنى المطلق، والعز المحقَّق.


يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه سيد الخلائق - صلى الله ‏عليه وآله وصحبه وسلم:‏‎ { وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن ‏تَخْشَاهُ}‏ ‏(1) ‏.‏


فحضرة الألوهية ترتعد من عزتها فرائص المقرَّبين. ‏والعارف بالله لا يأمن مكر الله، ولو صرَّفه الله في العوالم، ولا ‏ييأس من روح الله، ولو انغمس في الذنوب العظائم، لا يرى ‏في الوجود مخلوقاً أنقص من نفسه، ولا يتعالى على مخلوق ، ‏وتأخذه الغيرة بالله على انتهاك الحرمات، وهو فانٍ عن نفسه، ‏وحظِّه، وجميع الشهوات، عرف أن كل شيء ما خلا الله ‏باطل، فلم يرتكن على مخلوق لأنه رأى إشراقة الجمال فتنعَّم ‏بشهودها، وشرب الطهور من قول الله تعالى:‏{‏ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ ‏فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ } (2)‏ ‏ ‏.‏


انطوت العبارة، وانكشفت حقائق الآثار، فشاهد العدم ‏بارزاً بنور القدم، فقال: " سبحانك يا قدير! يا من أقمت ‏العبد في صورة "السميع، البصير".‏


ومن أراد أن يتنعَّم بشهود الحضرة فعليه أولاً أن يتطهَّر من ‏الذنوب الظاهرة بالتوبة، ومن العيوب الباطنة بالخشية، ثم ‏يغسل وجوده الباطل بماء الحقيقة، حتى يرجع لأصله، ويحظى ‏بوصله، فإن وجود العبد بنفسه باطل، وهو حدثٌ يجب ‏الطهارة منه، فيتحقق المدد من جنابه، فضلاً منه إليه، ويكون ‏هو الدليل عليه، سطعت أنوار ودِّه فجميع الورى يسبحون ‏في نوره.... .




والله لولا الله ما اهتدينا = ولا تصدَّقنا ولا صلينا (3)

1والله لـولا الله مـا iiاهتدينـا ولا تصدَّقنا ولا صلينا (3)



هو الموفق الهادي، وعليه توكلي واعتمادي، لولا ظهوره ‏ما ظهرت الكائنات، ولولا نوره ما لاحت المخلوقات." اهـ182


اقتباس:======================= الحاشية =====================‏

(1) ‎ ‎‏: سورة الأحزاب – الآية 37.‏

(2) ‎ ‎‏: سورة البقرة – الآية 115.‏

(3) ‎ ‎‏: وهذا البيت من جملة الأشعار التي أنشدها سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم متمثلاً ‏بها لا منشئاً لها، فهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل الشعر حيث عصمه الله منه . ‏وقد ثبت في الصحيح أنه صلى اللّه عليه وسلم تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد اللّه ‏بن رواحة رضي اللّه عنه، ولكن تبعاً لقول أصحابه رضي اللّه عنهم، فإنهم كانوا ‏يرتجزون وهم يحفرون فيقولون:‏

لا هم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
إن أولاء قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينا

‏ ويرفع صلى اللّه عليه وسلم صوته يقوله: أبينا، ويمدها، وقدر روى هذا بزحاف في ‏الصحيحين أيضاً، وكذا ثبت أنه صلى اللّه عليه وسلم قال يوم حنين وهو راكب ‏البغلة يقدم بها في نحور العدو:‏

أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب

لكن قالوا: هذا وقع اتفاقاً من غير قصد لوزن شعر، بل جرى على اللسان من غير ‏قصد إليه، وكذلك كا ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد اللّه رضي اللّه عنه ‏قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غار، فنكبت إصبعه، فقال صلى اللّه ‏عليه وسلم:‏

هل أنت إلا اصبع دميت *** وفي سبيل اللّه ما لقيت

‏ وكل هذا لا ينافي كونه صلى اللّه عليه وسلم ما علم شعراً وما ينبغي له، فإن اللّه تعالى ‏إنما علمه القرآن العظيم ‏{الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من ‏حكيم حميد} ، وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش، ولا كهانة ‏ولا سحر يؤثر، كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال، وقد كانت سجيته ‏صلى اللّه عليه وسلم تأبى صناعة الشعر طبعاً وشرعاً. قال صلى اللّه عليه وسلم: "لأن ‏يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً" . أخرجه الإمام أحمد عن أبي ‏هريرة مرفوعاً، قال ابن كثير. وإسناده على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

‏ على أن الشعر فيه ما هو مشروع وهو هجاء المشركين، الذي كان يتعاطاه شعراء ‏الإسلام، كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد اللّه بن رواحة وأمثالهم وأضرابهم ‏رضي اللّه عنهم أجمعين، ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب، كما يوجد في شعر ‏جماعة من الجاهلية، ومنهم (أمية ابن أبي الصلت) الذي قال فيه رسول اللّه صلى اللّه ‏عليه وسلم: "آمن شعره وكفر قلبه"، وقد أنشد بعض الصحابة رضي اللّه عنهم للنبي ‏‏صلى اللّه عليه وسلم مائة بيت يقول صلى اللّه عليه وسلم عقب كل بيت: ‏‏"هيه"، يعني يستطعمه فيزيده من ذلك، وفي الحديث: "إن من البيان سحراً وإن من ‏الشعر حكماً" أخرجه أبو داود من حديث أبي بن كعب وابن عباس رضي اللّه ‏عنهما. ولهذا قال تعالى: ‏{وما علمناه الشعر}‏ .‏" اهـ 182





(يتبع إن شاء الله تعالى مع الاستحضار براق الأخيار‏.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:08 PM

الاستحضار براق الأخيار‏



"استحضر قوله تعالى:‏‎ { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } (1)‏ ‏ ‏.


وأنه سبحانه وتعالى محيطٌ بالعالم، أقرب إليك من نفسك، له ‏عظمةٌ تدكُّ الجبال، وله لطفٌ وجمالٌ يدعو إلى الوصال، فاجعل ‏قلبك كأنه ينطق:‏‎ {الله ‏}‏. أو أن الاسم الشريف منقوش على ‏القلب ، واستغرق في الذكر ، فالقلب يذكر حضوراً، واللسان ‏يذكر لفظاً، والأذن تسمع اسم حبيبها.‏


فاستحضر أنك هنا غريب، ولا راحةَ لك إلا في وطنك ‏الأول، وهو وصولك إلى مولاك، فيحصل للقلب جواذب ‏وهيام، ويستديم الجهاد بين العبد وحظه، حتى يكاشفه الله ‏بالحقيقة.‏


استحضر سعة رحمة الله، وأقبل عليه بالكلية، حتى ينقلك ‏إلى حضرة العبودية، فتكون عنده تعالى ، ويكفيك أنك متى ‏ذكرت الله ذكرك (2)، وهذا هو الشرف العظيم، ‏قال تعالى: ‏{ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ( 3)

‏ ‏ ‏. ‏
يعني: ذكر الله للعبد أكبر من الصلاة وهي ذكر العبد لله .‏" اهـ185


اقتباس:============================ الحاشية ====================

(1) ‎ ‎‏: سورة الحديد - الآية 4. ‏

‏ ويكون الاستحضار بمراقبة العبد نفسه أنه في معية الله تعالى دائماً، وأن الله سبحانه ‏وتعالى يراقبه في كل أحواله، ولا يكون هذا إلا برياضة النفس وتربيتها على يد شيخ ‏تربية عارف بمداخل النفس وأمراض القلوب، يأخذ بيد المريد إلى حضرة ربه بعد ان ‏يخليه من كل خلق ذميم، ويحليه بكل خلق حميد كريم، فتثمر مراقبتنا لله عز وجل ‏الرفق بخلق الله ونتأنى في تحصيل ما نطلبه منه سبحانه، ونحلم على من خالفنا وعصانا ‏وآذانا، وهذا الخلق من أكمل أخلاق الرجال وقليل فاعله، ومن تخلق به ذوقا لم يصر ‏عنده غلظة ولا فظاظة لا على من أمره بالإغلاظ عليهم كالكفار، وكذلك من تخلق ‏به لم يتكدر ممن أبطأ في قضاء في الحاجة أبدا لأن الرسول لم يبطأ بها، وإنما أبطأ ‏بها وقتها المضروب لها في علم الله، وكذلك من تخلق به لا يقابل أحدا آذاه بنظير فعله ‏أبدا، ولو أن جاريته رمت ولده في نار فمات لم يقابلها ولا بكلمة تغيظها، بل ربما ‏أعتقها تماما للحلم. ولا بد لمن يريد أن يتخلَّق بهذا الخلق من سلوك على يد شيخ ‏ناصح يصبر معه على المجاهدة والرياضة حتى يدخله حضرات الأسماء الإلهية، فينصبغ ‏في حضرة الرحيم، والحليم، والصبور، ويصير لا يتكلف لرفق ولا حلم ولا صبر كما ‏لا يتكلف لدخول النفس وخروجه من خياشيمه، ومن لم يسلك فمن لازمه الإخلال ‏بهذا الخلق ويدرك في نفسه مشقة وتعبا. فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت ‏التخلُّقَ بهذا ، والله يتولى هداك.


(2) ‎ ‎‏: ولهذا شواهد كثيرة من الحديث الشريف؛ منها: قوله سبحانه وتعالى في الحديث ‏القدسي الجليل: (أنا جليسُ من ذكرني). رواه الديلمي بلا سند عن عائشة مرفوعا، ‏وعند البيهقي في الشعب عن أُبَي بن كعب قال: قال موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: يا رب أقريب أنت فأناجيك أو بعيد فأناديك؟ فقيل له:" يا موسى أنا ‏جليس من ذكرني". ‏


‏وعند البيهقي أيضا في موضع آخر أن أبا أسامة قال لمحمد بن النضر: " أما ‏تستوحش من طول الجلوس في البيت؟ فقال: ما لي أستوحش وهو يقول:" أنا جليس ‏من ذكرني". وعن محمد بن نضر الحارثي، أنه قال لأبي الأحوص: أليس تروي أنه ‏قال: " أنا جليس من ذكرني" فما أرجو بمجالسة الناس؟. وعند البيهقي معناه في ‏المرفوع عن أبي هريرة أنه قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز ‏وجل قال:" أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"، ورواه الأوزاعي عن أبي ‏هريرة موقوفا ومرفوعا، والمرفوع أصح، ورواه الحاكم وصححه عن أنس بلفظ قال ‏الله تعالى :"عبدي أنا عند ظنك بي، وأنا معك إذا ذكرتني".‏


(3) ‎ ‎‏: سورة العنكبوت – آية 45.‏



(يتبع إن شاء الله تعالى مع: " .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:08 PM

"قال بعض العارفين: إن أعظم ذنب هو نسيان الله المنعم ‏المتفضل، كيف تنساه وهو فيَّاض الخير في كل حين؟.‏


قال تعالى:‏‎ { وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها }‏ ‏(1) ‏.‏


فأكثر من ذكره ولو رموك بالجنون والبله (2)، فلك الشرف ‏العظيم، فاللوم فيه لذيذ جميل، فلا يقع بصرك على مخلوق إلا ‏وقد ذكرت الله الذي أبدعه وكوَّنه، فالعارف دخل جنة ‏المعرفة (3) ، فاستغنى بها عن الجنة الآجلة، لأنه شاهد أنوار ‏سيِّده.‏


أهل الله لا يطلبون غيره، ولا يحنُّون إلى سواه، صيَّر الله ‏قلوبهم بيوتاً معمورة بأنواره، وجعلهم كنوز معارفه وأسراره، ‏وجعلهم كعبة للزوَّار، وذخراً للأطهار.‏


قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( لي مع الله وقت لا يسعني ‏فيه مَلَكٌ مُقَرَّب، ولا نبيٌّ مُرسَل)‏ (4) ‏. ‏


فلا يسع العبد إلا مولاه الواسع.‏" اهـ

اقتباس:=========================== الحاشية ======================

(1) ‎ ‎‏: سورة النمل – الآية رقم 18.‏

(2) ‎ ‎‏: روى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد ‏مرفوعا: (أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون). وروى الطبراني والبيهقي مرسلا: ( ‏اذكروا الله ذكرا يقول المنافقون إنكم مراءُون). قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في ‏لواقح الأنوار القدسية في العهود والمواثيق المحمدية: وإنما سمى صلى الله عليه وسلم من ‏ينسب الذاكرين إلى الرياء منافقا، لأنه لا ينسبهم إلى الرياء إلا وقد تحقق هو به، ‏فعرفه صلى الله عليه وسلم حاله، وأنه لو لم يكن عنده رياء لحملهم على الإخلاص ‏نظير ما عنده ومن هنا قالوا: لا يصح من الشيطان أن يسلم أبدا لأنه لو أسلم لم ‏يتصور في باطنه كفر يوسوس به الناس، فكان بباطنه الكفر من العالم، لأنه لا واسطة ‏لأحد في الكفر إلا إبليس فافهم. والله أعلم.‏

(3) ‎ ‎‏: فهناك جنتان: جنة الزخارف: وفيها تقضى الشهوات، وتنال الملذات والمسرات. ‏وجنة المعارف:وهي غاية العارفين ومطلوبهم. فالشوق إلى النظر إلى وجه الكريم الذي ‏هو أرفع درحات النعيم وغاية الأماني لكل قلب سليم ومن منح الشوق انقطعت ‏عنه حاجات الدنيا والآخرة وأولاهم باللّه أشدهم له شوقاً. وقد كان المصطفى صلى ‏اللّه عليه وسلم طويل الفكر دائم الأحزان فهل كان كذلك إلا من شدة شوقه إلى ‏منزله وأقربهم قرباً وأعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب، روي عن موسى عليه الصلاة ‏والسلام أنه كان يخرج إلى طور سيناء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق قميصه ‏من شدة الشوق. ‏

‏ قال حجة الإسلام: لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت ‏أنها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت جنة ‏المعرفة ورياضتها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة وهذه الشهوة خلقت ‏للعارفين ولم تخلق لك كما خلق لك شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة ‏اللعب وأنت تعجب من عكوفهم عليه وخلوهم عن لذة العلم والرياسة والعارف ‏يعجب منك ومن عكوفك على لذة العلم والرياسة فإن الدنيا بحذافيرها عنده لهو ‏ولعب فلما خلق للكل معرفة الشوق كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم ‏ويتفاوتون في ذلك ولذلك سأل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم من المزيد ولا نسبة ‏لتلك اللذة إلى لذة الشهوات الحسية شتان. ولذلك كان العارف ابن أدهم يقول: لو ‏علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلونا عليه بالسيوف. ‏

(4) ‎ ‎‏: قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي ‏مرسل). قال العلامة العجلوني في كشف الخفاء: أن هذه الحديث يذكره ساداتنا ‏الصوفية كثيرا، وهو في رسالة القشيري بلفظ: (لي وقت لا يسعني فيه غير ربي). ‏ويقرب منه ما رواه الترمذي في شمائله وابن راهويه في مسنده عن علي في حديث: " ‏كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى منـزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءاً لله ، وجزءاً ‏لأهله، وجزءً لنفسه ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس". كذا في اللآلئ، وزاد فيها ورواه ‏الخطيب بسند قال فيه الحافظ الدمياطي أنه على رسم الصحيح. وقال القاري بعد ‏إيراده الحديث: قلت: ويؤخذ منه أنه أراد بالملك المقرب جبريل وبالنبي المرسل أخاه ‏الخليل انتهى فليتأمل، ثم قال القاري وفيه إيماء إلى مقام الاستغراق باللقاء المعبر عنه ‏بالسكر والمحو والفناء ، انتهى.‏" اهـ189


(يتبع إن شاء الله تعالى مع "واعلم أيها السالك‏.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:09 PM

"واعلم أيها السالك أنك لا تضع قدمك في السير إلا وراء ‏رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذاته معصومة ‏محبوبة، فلو كشف لك الحجاب ورأيت أمراً خارجاً عن سنة ‏رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تصدِّق ذلك ‏الكشف، لأن هذا الكشف على قدرك، وأنت قاصر، ولكنَّ ‏خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موافق للحقيقة، ‏وربما كان ذلك الكشف من المكر.‏


واحذر من الشاطحين الذين خرجوا عن الوسط، فليس في ‏الوجود إلا إمام واحد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‏والكل يخطيء ويصيب.‏


وإذا أردت أن تفوز بالسر المكنون، والكنـز المصون، ‏فأكثر من ذكر هذا الاسم مع استحضار معانيه، ووسعته، ‏وتجلياته، عند ذلك يتنـزل لك الحق رحمة منه، وحناناً معلى ‏قدرك، فتشهد سرَّ الحياة السارية فيك منه، وسرَّ السمع به ‏وأنت من الطين، ويكاشفك بأطوارك الأزلية، والأبدية.‏


فيشهدك يوم كنت روحاً لم تحجبك الغواشي، ويوم كنت ‏في علمه ثابتاً لم تبرز، ويوم ان توجَّهت إليك القدرة ‏فأبرزتك، ويوم أن أحاطت بك العناية، فجعلتك ممتداً من ‏نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، متَّصلاً به اتصال ‏الفرع بالأصل، ويوم { أَلَستُ بربِّكم }، ويوم كنت في بطن ‏أمك ، ويوم انتقالك من هذه الدار إلى البرزخ، ويوم قيامك ‏للحشر، ويوم دخولك الجنة، إن شاء الله، وهذه هي أيام الله.‏


ثم يرفعك من هذه المشاهد إلى شهودجنابه، فتكون بجواره ‏بفضل الله، ولذلك قال تعالى:‏‎ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا ‏اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً }‏ ‏(1)

‏.‏
فلم يحدده بعدد ولا زمان، ولا شرط، حتى أن الجنب لا ‏ينسى ذكر مولاه فهو معه أين ما كان، ويكاشفك الحق ‏سبحانه وتعالى بقدرته التي صيَّرت العدم وجوداً، وجعلت ‏الطين ناطقاً مشهودا.


واعلم أن السر الوحيد الذي يجعل الحق يعطف عليك، ‏ويأمنك على أسراره أن تتأكَّد أن لله أسماء وصفات، ولا ‏يشاركه فيها أحد، وأنت لك أسماء وصفات ضد هذه الأسماء ‏والصفات.‏


فاسمه تعالى: "العزيز" ووصفه العزة، واسمك: الذليل، ‏وصفتك الذِّلَّة.‏


واسمه: "القوي" وصفته:القوة، و اسمك: الضعيف، ‏وصفتك:الضعف.‏


واسمه: "الغني"، ووصفه : الغنى. واسمك: الفقير، ‏ووصفك: الفقر.‏


فلا يتجلى بالعلم إلا لمن تحقق بالجهل، ولا يتجلَّى بالكمال ‏إلا لمن تحقَّق بالنقص، فاعرف المفتاح يتجلَّى لك "الفتَّاح".‏ ." اهـ


اقتباس:============================ الحاشية =====================

(1) ‎ ‎‏: سورة الأحزاب – الآية 41.‏ " اهـ 192




‏(يتبع إن شاء الله تعالى مع: ومن فهم دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ‏وقف على سرِّ التوحيد،‏ .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:09 PM

"ومن فهم دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ‏وقف على سرِّ التوحيد، وتجمَّل من سيده بالمزيد، وهو:‏


‏"اللّهُمّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ ‏عُقُوبَتِكَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ. لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ. أَنْتَ كَمَا ‏أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"‏ (1) ‏.‏ ‏"تبارك اسمك ، وتعالى جدُّك ولا إله غيرك".‏


استعاذ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – بجمال ‏الله من جلال الله، وبعفو الله من عقاب الله، فلم يستعذ من ‏أثر من الآثار، أو من شر من الأشرار، ولكنه كشف الستار ‏عن حقيقة الأمر، فالخلق مظاهر للأسماء الإلهية؛ ‏فاسم:"المنتقم" قد يظهر معناه في فاجر يسلطه الله عليك، ‏يغيثك على يديه، إذ الأمر منه وإليه.‏


ثم قال:" وأعوذ بك منك" وهذا مشهد فوق الجلال ‏والجمال، يعني: أعوذ من ذاتك بذاتك.‏


ثم قال: " لا أحصي ثناء عليك" وهذا كلام سيد الخلق، ‏والذي يحصي الثناء على الله هو الله، وما عرف الله إلا الله، ‏قال بعض العارفين:


‏"إن لله رجالاً سطعت عليهم أنوار الجلالة، فسبحوا في ‏بحارها، وانجذبوا بتيَّارها، وأنسوا بجمالها، واستمدُّوا من ‏كمالها. فإن قاموا؛ فبالله. وإن نطقوا؛ فمن الله. وإن سكتوا؛ ‏فلله. وإن نظروا؛ فإلى أنوار الله المتجلية الدَّالَّة على علاه. وإن ‏سمعوا ؛ فمن الله. لا يرون شيئاً إلا ويجذبهم إليه، حتى قاموا ‏بالأرواح لديه، وكيف لا؟ وقد صرَّح القرآن حيث قال ‏تعالى.‏‎ { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّه }‏(2) ‏ ‏.


فلا تقع عيون الأرواح إلاعلى وجهٍ منـزَّهٍ قريبٍ في ‏علوِّه، قُدُّوسٍ في دنوِّه، لا تحيزه الأكوان، لأنه فوق الإمكان، ‏ولكن متى شاء أن يتجلَّى لعبده أشرق في قلبه نور العناية، ‏فلاحت له مواطن البداية، فتشهد الباقي بالباقي، وكان الحقُّ ‏للمحبوب واقي.‏


قال الإمام أبو العزائم - رضي الله عنه -:‏




خمر (3) ‏ الجلالة للأرواح قد دارا = من اقها صار محبوباً ومختارا
كم جنَّنت أنفساً ، كم حيَّرت ملكا = دارت بفضل إله العرش مدرارا

1
2خمر (3) ‏ الجلالة للأرواح قد دارا مـن اقهـا صـار محبوبـاً iiومختـارا
كم جنَّنت أنفساً ، كـم حيَّـرت iiملكـا دارت بفضـل إلـه العـرش iiمـدرارا



والجلالة: اسم الله ، فقد تكرر في القرآن الكريم كثيراً، ولم ‏يجرؤ أي جبار أن يتسمَّى به لأن العزة تصونه لصاحبه تعالى.‏ ‏ قال تعالى: ‏{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }‏(4) ‏ ‏.‏


أسأل الله أن يدخلنا في زمرة عباده الذين قال في حقهم:‏‎ ‎{ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا }‏ (5)‏ ‏.‏


قال بعض العارفين في قوله تعالى:‏‎ { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى ‏يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }‏ (6)‏ ‏.


يعني: اعبد حضرة الرب المتنـزِّل لك بالإنعام والإحسان ‏حتى تتجلَّى لك حضرة الألوهية، فتعبد الله لأنك في عبادة ‏الرب ، تلاحظ الكرم، والنعم، وإذا أتاك اليقين تترقَّى إلى ‏شهود عظمة الألوهية، فتعبده لذاته لأنه أهلٌ للعبادة.‏


اللهمَّ جمِّلنا بتلك الحقائق، واسقنا من الرائق، وكمِّل ‏ارواحنا بالدقائق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله ‏وصحبه وسلَّم.‏" اهـ



اقتباس:=========================== الحاشية ====================

(1)‎ ‎‏: روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن السيدة عَائِشَةَ رضي الله ‏عنها قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، ‏فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: ‏‏"اللّهُمّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ. لاَ ‏أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ. أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". صحيح مسلم ورواه الأربعة [أبو ‏داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه].‏

(2) ‎ ‎‏: سورة البقرة – الآية 115.‏

(3) ‎ ‎‏: الخمرة في اصطلاح ساداتنا الصوفية رضي الله عنهم يطلقونها على الذات العلية قبل ‏التجلي، وعلى الأسرار القائمة بالأشياء بعد التجلي، فيقولون : الخمرة الأزلية تجلَّت ‏بكذا، ومن نعتها كذا، وقامت بها الأشياء تستراً على سر الربوبية ، وعليها غنى ‏سيدي سلطان العاشقين ابن الفارض رضي الله عنه وأرضاه في قصيدته المشهورة ‏بالخمرية، وإنما سمَّوها :"خمرة" لأنها إذا تجلَّت للقلوب غابت عن حسها كما تغيب ‏بالخمرة الحسية، وقد يطلقونها على نفس السكر، والوجد، والوجدان، يقولون: كنا ‏في خمرة عظيمة، أي في غيبة عن الإحساس كبيرة، وعلى هذا غنى العارف بالله ‏الششتري رضي الله عنه حيث قال:‏

خمرها دون خمري *** خمرتي أزلية

‏ أي: سكر خمرة الدوالي دون خمرتي، وأما الكأس الذي تشرب منه هذه الخمرة فهو ‏كناية عن سطوع أنوار التجلي على القلوب عند هيجان المحبة، فتدخل عليها حلاوة ‏الوجد حتى تغيب ، وذلك عند سماعٍ، أو ذكر، أو مذاكرة، وقيل: الكأس هو قلب ‏‏== الشيخ، فقلوب الشيوخ العارفين كؤوس لهذه الخمرة، يسقونها لمن صحبهم، ‏وأحبَّهم، والشرب حضور القلب، واستعمال الفكرة والنظرة، حتى تغيب عن وجودك ‏في وجوده، هو السكر ، فالشرب والسكر متصلان في زمن واحد في هذه الخمرة، ‏بخلاف خمرة الدنيا، وقال القطب سيدي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه: المحبة ‏أخذة من الله قلب من أحب بما يكشف له من نور جماله، وقدس كمال جلاله، ‏وشراب المحبة مزج الأوصاف بالأوصاف، والأخلاق بالأخلاقن والأنوار بالأنوارن ‏والأسماء بالأسماء، والنعوت بالنعوت، والأفعال بالأفعال، ويتسع النظر لمن شاء الله عز ‏وجل ، والشراب يسقي القلوب والأوصال والعروق، من هذا الشراب ، ويكون ‏الشرب بالتدريب بعد التدريب، والتهذيب بعد التهذيب، فيسقى كُلٌّ على قدره، ‏فمنهم من يسقى بغير واسطة، والله تعالى يتولَّى ذلك منه، وهذا نادر. ومنهم من ‏يسقى من جهة الوسائط كالملائكة والعلماء، والأكابر من المقربين. والكأس مغرفة ‏الحق يغرف بها من ذلك الشراب الطهور المحض الصافي لمن شاء من عباده ‏المخصوصين.

(4) ‎ ‎‏: سورة مريم - الآية 65.‏

(5) ‎ ‎‏: سورة الإنسان - الآية 6.‏

(6) ‎ ‎‏: سورة الحجر - الآية 99.‏" اهـ 198




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الدُّعـــــاءُ.‏.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:09 PM

الدُّعـــــاءُ



‏" اللهمَّ أدخلني إلى الحضرة القدسية، من الباب الذي لا ‏تستره الحجب النورانية، والظلمانية، وأشهدني سرَّ تجلِّيك في ‏الآفاق وفي نفسي، حتى أشرب راحاً من العين بالعين، قبل أن ‏أدخل جنتي فأكون في ظلك سعيداً، ولنور وجهك شهيداً، ‏وبمددك قائماً بالعبودية، وبما أتلقاه من مواهبك هائماً في ‏شهود الذَّات العليَّة، يا قريب... يا مجيب... يا الله.... .‏


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم".‏" اهـ199




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الرَّحمنُ جلَّ جَلاَلُه.... )


الساعة الآن 09:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى