منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   الأنوار القدسية في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=838)

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:45 PM

الأنوار القدسية في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة
في شرح أسماء الله الحسنى وأسرارها الخفية

لمولانا الفاضل أحمد سعد العقاد http://albwhsn.net/vb/images/smilies/137.gif
"بسم الله الرحمن الرحيم
تقديـــــم
بقلم: فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود" رحمه الله تعالى"
شيخ الأزهر ( سابقاً )



لتحميل الكتاب


:taht yalhabib:

من هنا




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن اتبع هديه إلى يوم الدين، وبعد......
فيقول تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ).
ويقول: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
والقرآن الكريم يعرض لأسماء الله - سبحانه - في كثير من المناسبات، يختم بها الآيات، ويعقب بها على بعض مظاهر القدرة، ودلائل العظمة، ويوجه إلى التفكر في مدلولاتها والانتفاع بآثارها والتوجه بالدعاء بها استلهاماً لها، وتوجهاً إليها وتقرباً بها...
وهذه الأسماء يقول عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
(إن لله تسعاً وتسعين اسماً، مائة غير واحد، من أحصاها دخل الجنة) وفي بعض الروايات، ذكر هذه الأسماء... وهذه الأسماء بحور أنوار، ومواطن أسرار يغترف منها كل مسلم بحسب صلته بالله ، وتفكره في عظمته وتحققه بعبوديته ويعرف منها كل مؤمن بحسب ما هيأ الله له من وسائل المعرفة، وبسط له من ألوان القرب والتوفيق.
وقد قام بعض العلماء بالتعبير عن نظرتهم إلى معاني الأسماء، وما هيأ الله لهم عنها من معرفة؛ فبسطوا من أسرارها ما أعجب وأظهروا من مدلولاتها ما أسر وأبهج، وفتحوا طريق التأمل والتفكير لمن بعدهم بتفريج جوانبه وتوضيح مناحيه.
وكان من أول هؤلاء القشيري - صاحب الرسالة - حيث ألف شرحاً للأسماء ..
ومن أشهر من كتب عن الأسماء الإمام الغزالي في كتابه "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" ..
وجاء فضيلة الشيخ أحمد سعد العقاد، ليدلي بدلوه في هذا المجال المبارك، فألف كتابه: الأنوار القدسية، في شرح أسماء الله الحسنى وأسرارها الخفية.. وقد صدر لكتابه بمقدمة لطيفة، وجَّه فيها إلى التفكير والانتفاع بثمار التأمل .. وبين أن ذلك سبيل الاستقامة في الفكر، والصلاح في السلوك.. وأوضح في هذه المقدمة التفاعل - المختلف من فرد إلى آخر - بين الناس والأسماء وقسم الأسماء إلى ثلاثة أقسام:
أسماء ذاتية كمالية:مثل الله، والنور..
أسماء جلالية: مثل القهار، والمنتقم ..
أسماء جمالية: مثل الرحيم، والحليم..
وقد أشار على وجود أسماء الله تعالى، غير ما حدده الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذكر بعضا من هذه الأسماء.. والسند في هذا أن بعضها جاء في القرآن الكريم نفسه..
وبحث المؤلف موضوع الاسم الأعظم،وماهيته .. وانتهى إلى ما قاله أستاذه من أن سر الاسم الأعظم في الاضطرار، وشهود الافتقار: ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) .
ومما يدل على حسن اختيار المؤلف قوله في المقدمة:
"ومن العجيب أن الأسماء الحسنى عربية، وكلا منا عربي، والأدعية المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عربية، فلا يصح العدول عنها على إلى الأسماء السريانية أو العبرانية، لأن معانيها غير مفهومة وربما كانت مطوية على معان غير شرعية ،فيقع العبد في البلية"...
وانطلق المؤلف من ذلك كله إلى الحديث عن التفاعل بين الكون والأسماء، والقول بزيادة العطاء الإلهي على مر الزمان..
وانتقل بعد هذه الإفاضة المتعددة الأطراف، المتنوعة الجوانب، في المقدمة.. إلى الحديث عن الأسماء كلاً على حده..
ومما يذكر له فيشكر، هذا الدعاء لكل اسم من الأسماء الكريمة، الذي أفاضه الله عليه بسبب تقواه ،وتحققه بالعبودية..
وحياة المؤلف- في سنواتها المتتالية- تبين للإنسان أنه كان مؤهلاً - في جدارة - لطرق هذا الموضوع والإفادة فيه وأسلوبه في الكتاب سهل واضح ..
والكتاب على وجه العموم - يتسم بروحانية المتعبدين، وعبودية المتقين وصفاء الصوفية.
وقد كان المؤلف موفقاً في اختياره لموضوعه وموفقاً في تقديمه له، وموفقاً في تناوله، فجاء كتاباً جديراً بالاطلاع، مجلاً للإفادة ..
والله نسأل أن يوفق به ويوفق له، وينفع به المسلمين ...
وجزى المؤلف خيراً عما بذله في هذا الكتاب الموفق، الذي نرجو أن ينال حظه من الذيوع والانتشار .. هذا وبالله التوفيق.
دكتور / عبد الحليم محمود
شيخ الأزهر( سابقاً ) " اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:45 PM


:159:
فضيلة الدكتور الشيخ محمد سليمان فرج http://albwhsn.net/vb/images/smilies/137.gif
حفيد المؤلف رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ، أما بعد...
فيقول الله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إِنّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً غَير وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنّةَ) . رواه البخاري.
فمعرفة الأسماء الحسنى ، والوقوف على معانيها من ألزم الواجبات، وأفضل القربات، وهذا الكتاب:" الأنوار القدسية شرح أسماء الله الحسنى وأسرارها الخفية" للعارف بالله تعالى العلاّمة الشيخ أحمد سعد العقاد رضي الله عنه، كتابٌ نفيس، وبحيث عميق مفيد ودقيق، يكاد يكون فريداً في بابه لأنه احتوى على أسلوب بديع رائع رصين مع السهولة والتبسيط، والعرض الشيق الميسر مع الوصول إلى أعماق المعاني العالية، واستخراج دررها ولآلئها من بحار المعرفة والفيض الإلهي، وكل ذلك منوط بالأدلة الساطعة، والبراهين القاطعة من محكم الذكر الحكيم، والأحاديث النبوية الشريفة الموثقة، وأقوال الصالحين والراسخين في العلم، ثم ختم ذلك الفتح الرباني والإلهام النوراني بدعاء خاص لكل اسم من أسماء الله الحسنى فيه من الرقائق السامية ما يجلب الخشوع ويفتح باب القرب، ويكون سبباً في سرعة الإجابة، فهنيئاً لمن سعد بقراءته وتنعَّم بمعرفة ما فيه. " اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:46 PM

ترجمة حياة المؤلف :



"وهذه نبذة موجزة عن حياة المؤلف - رحمه الله تعالى - من كتابه "الراح الطهور في التحدث بنعمة الله الشكور"، وهذا الكتاب - الذي لم يطبع بعد - يحتوي على المنن والهبات التي منحها الله سبحانه وتعالى له بمحض الفضل الإلهي وبعض مشاهده الصوفية وذكرياته العظيمة0


وقد كتبه - رضوان الله عليه - في معرض التحدث بنعمة الله تعالى لا على سبيل الفخر وتزكية النفس كما كتب الإمام الشعراني المنن التي أكرمه الله بها في حياته0


قال الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } .


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر" .


فإليك أيها القارئ اليسيرة من حياته المباركة التي سجلها في كتابه متبرءاً من حوله وقوته مرجعا الفضل كله لتوفيق الله ومعونته، قائلاً - رحمه الله تعالى وغفر له -:


"ولدت بمدينة الفيوم سنة 1307هـ وكان والدي من العلماء وأراد أن يكون له ولد من أهل العلم فألحقني بمكتب لحفظ القرآن الكريم، ومن نعم الله عليَّ أني كنت محافظا على مواعيد المكتب، وكان المعلم يحبني، ولم يحصل خلاف بيني وبين التلاميذ لأني كنت مقبلا على القرآن بشغف شديد، ولم أتذكر أن المعلم ضربني أو أساءني، وأذكر وأنا في سن العشر سنين، كنت إذا مررت بمنزل فقير أخذتني العواطف على أهله وقرأت لهم الفاتحة أن الله تعالى يسهل لهم ويوسع أرزاقهم وإذا وجدت ميتا مشيت في جنازته ولو لم أعرفه وإذا سمعت عن مريض زرته وإذا وجدت من يحتاج لقضاء مصلحة ساعدته فيها وذلك من فضل الله علي 000 وكنت إذا سمعت من يتلفظ بقول قبيح تعجبت له كيف ينطق به، وأفرح بإعطاء الصدقة وأبتهج بدعاء الفقير، وقد حببني الله في العلم والعلماء فكنت أجلس في الدرس وأنا مسرور جدا 00


وبعد أن أتممت حفظ القرآن الكريم درست أحكام التجويد ثم حصل عندي شوق شديد إلى طلب العلم بالأزهر الشريف فألحقني والدي به وأقبلت على الدراسة بحب شديد وكنت أتلذذ بفهم المسائل العلمية حتى قل عندي النوم والطعام فكنت أحضر درس الحديث بعد صلاة الفجر فأتلذذ به ويدوم انشراح صدري طول اليوم وأتلقى الفقه على المذهب الشافعي بعد الظهر وهكذا أظل طوال اليوم لا أمل من التزود من هذا الفيض الإلهي وقد أكرمني الله تعالى بأساتذة من أهل المعرفة والفتح الرباني00


وكنت مولعاً بالكتب النافعة الثمينة وأجتهد في البحث عنها وشرائها فلا تراني إلا ومعي بعض كتب العلم لأنه صار غذاء لروحي ولا أستريح إلا بمصاحبته ولذلك كنت أحب أن أقضي الإجازة بالأزهر رغبة في العلم والإقبال عليه طول عمري 000، وقد أكرمني الله تعالى بإخوان صدق ووفاء لأني كنت لا أسيء إلى أحد ولا أتكلم في عورة مخلوق، وأحاول أن أدخل السرور على كل مسلم فأحبني أساتذتي وإخواني وقد كنت مغرماً بمحبة آل البيت رضوان الله عليهم حباً في جدهم صلى الله عليه وسلم فما يمضي يوم إلا وتشرفت بزيارة سيدنا الحسين والسيدة زينب ليدوم الوصل بالحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم وكنت في الصيف أنام في الأزهر ليسهل على القيام لصلاة الفجر وفي ليلة بينما أنا نائم رأيت رجلا عليه ملابس جميلة وهو بهي الطلعة وجهه كالبدر فضمني وقبلني وأعطاني شيئا أبيض يشبه الكرة مكتوب على وجه منه لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلى الوجه الثاني بشارة تخصني فأخذت الهدية وعلمت أن الذي رأيته هو سيدنا الحسين رضي الله عنه فاستبشرت لذلك لأنها رؤية صالحة 000 وقد فتح الله على وألهمني أن أكتب رسالة في التوحيد وأنا في سن العشرين أي بعد دخولي الأزهر بثلاثة أعوام00


ثم أكرمني الله تعالى بالعمل في المساجد لخدمة الدعوة الإسلامية ولكني كنت مشوقا بالبحث عن الوارث الكامل في هذا الزمان إلى أن وقع في يدي كتاب "معارج المقربين" للإمام السيد محمد ماضي ابي العزائم رضي الله عنه فانجذبت روحي لصاحب هذا الكلام فأخذت في البحث عنه وفي نفس الليلة رأيته في عالم الرؤيا وتحدث معي بكلام زاد به غرامي ولما التقيت به وجدت صورة محمدية تدل على أنه الوارث المجدد والإمام الأوحد في هذا الزمان فتتلمذت على يديه إلى أن كشف الله لي أسراراً خفية وعلوم قدسية 00


ولقد رايت في عالم الرؤيا رجلا عظيما يحمل الإمام أبا العزائم على صدره بمنزلة حمل الوالد لولده والسيد الإمام يخرج من فمه ما يشبه اللبن فتلقيته منه بيدي وشربته وكان كثيرا ثم التفت إلى هذا الرجل العظيم المهيب وقال: إنك من الآن صارت عندك علوم الرسالة فعلمت في الحال انه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن اللبن إشارة لأسرار علوم الرسالة المحمدية وأن الله أكرمني بشيء منها على يد أستاذي أبي العزائم رضي الله عنه 0


ومما منّ الله به علي أني لا أسيء إلى أحد وإن أساءني سامحته لوجه الله ولا أحقد ولا أتمنى ضرراً لإنسان ولا أبيت على كراهة لمخلوق واكره الغيبة وأشعر عندها بألم شديد يزعجني وإن صدر مني تقصير في حق أحد ضاق صدري وأجتهد في رضاه وأحسن الظن وأعتقد الخير في جميع المسلمين وأن المعاصي أمراض مهلكة فأحاول أن أبتعد عنها بالكلية 00


ومما من الله به علي أن الله كاشفني ببعض من حكم أحكام الدين كحكمة الوضوء والصلاة وغيرها من العبادات وأكرمني بكشف بعض أسرار الأحكام القدرية من الأمراض والبلايا وأكرمني بفهم أسرار بعض الآيات القرآنية وأكرمني برؤية الجنة والحمد لله 00


وأعترف بتقصيري وخطئي فإن أصبت فبفضل الله وإن أسأت فبفطرتي وطبعي وما توفيقي إلا بالله ".


فهذه المقتطفات التي اخترتها من كلامه تلقي أضواء كاشفة على حياته التي تدل على انه كان ملحوظاً بعناية الله تعالى مؤهلاً بفطرته لهذا الفيض الإلهي 0


فقد نشأ في بيئة دينيه كلها ورع وتقوى لأن والده من العلماء العاملين وكان خطيبا بمسجد "الروبى بمدينة الفيوم" الذي كان فيه المؤلف0


فما أن شب وترعرع إلا أن وجد الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة فهو من سلالة الأولياء والصالحين ،فقد كان أجداده من السادة الصوفية ولهم مؤلفات عديدة ومخطوطات كثيرة في كافة علوم التصوف والفقه والتفسير لا تزال في مكتبته العظيمة التي ورثها من والده وتركها لبنيه من بعده0


ويكفي أنه كان داعياً إلى الله تعالى بعمله وسلوكه قبل علمه وبيانه فكل من خالطه أو عرفه أو تتلمذ على يديه رأى منه العجب العجاب من الأخلاق المحمدية والصورة الإسلامية التي تجذب القلوب وتحرك لطائف الأرواح 0


ومن المنح الربانية التي وهبها الله سبحانه وتعالى له أنه كان في كتابته يجمع بين سهولة الأسلوب المبسط والمعاني الدقيقة العميقة وذلك ما يسمونه في علم البلاغة "بالسهل الممتنع" فكل قارئ يستطيع أن يتذوق من كلامه ما يستطيع، فقد كان شاعراً ملهماً وأديباً رائعاً ينظم الشعر ارتجالاً في أي مناسبة روحية وقد ألف نهج البردة، ومنها:






أمن شهود جمال الله ذي الكــرم = هجرت نومك في حل وفي حــرم
أم من ظهور معاني اللطف في صور = حسنى تجلى بها المحبوب في النعــم
أم هـذه جذبـات الحب من أزل = بغير كسب لأواه ومصطلــــم







ومن الهمزية:





كيف تخفى وحسنك الوضاء = وجميع الوجود منك مضـاء
يا جميــلا له حنان ولطف =بالبرايا وجاره لا يســـاء
يا رحيما ألطافــه غمرتنا =وتوالت لم يحصها إمــلاء







وقد ترك - رحمه الله - أثراً عظيما في قلوب أحبابه وتلامذته وترك علماً ينتفع به من تفسيراً للقرآن الكريم وفقه وتصوف وترك ابناً صالحاً يدعو له هو فضيلة الشيخ نصر الدين أحمد العقاد من علماء الأزهر وفقه الله ونفع به0


وجزى الله المؤلف خيراً عن الإسلام والمسلمين . ولا يفوتني أن أقدم أسمى آيات الشكر وأجل معاني التقدير لصاحب القلم المبارك، والفهم النوراني، والفيض الإلهي المحفوظ بالعناية، والملحوظ بعين الرعاية السيد بسام محمد بارود جليس الصالحين، ومن تلقى عنهم دقائق المعاني وأسرار الحقائق، الذي أحسبه والله حسيبه - ولا أزكي على الله أحداً -من شباب أهل الجنة، وطلاب المعرفة السابقين للخيرات بتوفيق الله تعالى ، والذي أثرى المكتبة الإسلامية بأسمى المعارف والأسرار الروحية، والتحقيقات السنية المرضية، وخاصة كتب السادة الصوفية ، فجزاه الله أحسن الجزاء.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . " اهـ



(يتبع إن شاء الله تعالى مع الباب الأول... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:46 PM

الباب الأول

تمهيد


تقسيم الأسماء الحسنى وأثرها في الوجود


بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة المؤلف


"الحمد لله الغني بذاته عن العالمين، الظاهر بأسمائه وتعطُّفاته للعارفين. والصلاة والسلام على مفتاح كنـز الحضرة العلية، سيدنا محمد الذي وسع الأنوار بالعناية الأزلية، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وورثته، وسلَّم إلى يوم الدين.أما بعد:


فإن معرفة الله تعالى هي الشرف العظيم، والعلم بالله هو العز المقيم، لأن المعرفة بالذات الأحدية ومعاني الأسماء والصفات القدسية، هي غاية ما يتمناه الرجال، ويحنُّ إليه الأبطال.


وإن أقرب سبيل يوصل إلى الله معرفة أسمائه، فهي سر الوجود والشهود. وقد وضعت كتاباً سميته:
" الأنوار القدسية في شرح أسماء الله الحسنى وأسرارها الخفية"


وجعلت له أبواباً كالمقدَّمات، تكشف للطالب أنوار الصفات، ووضعت لكل اسم "دعاءً" لم أنقله من كتاب، إنما هو من فيض الوهاب .


قال صلى الله عليه وآله وسلم : (فيما رواه مسلمٌ وَغَيرُهُ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه ): "إِنّ للّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً. مِائَةً إِلاّ وَاحِداً. مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ" (1) .


وبقدر معرفتك بأسرار الأسماء بقدر رسوخك في مقامات (2) الأولياء ، فما فاز صفيٌّ بالشهود إلا من تجلي أسماء الرب الودود، وما تأدَّب عارفٌ وخشع إلا إذا نور الجلال سطع، وما طار قلب إلى الحبيب إلا بنور أسماء القريب المجيب.


فابحث عن العارفين بأسرار الأسماء والصفات، المستغرقين في أسرار التجليات. أسأل الله أن ينفعني بالعمل بما في هذا الكتاب، وأن ينفع إخواني ويفتح لهم الأبواب، إنه على ما يشاء قدير.


أحمد سعد العقاد

========================================

1 : الحديث رواه: متفق عليه [البخاري ، ومسلم] والترمذي ، وابن ماجة عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه ، ورواه أيضاً ابن عساكر عن سيدنا عمر رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم بشرح النووي: "وزادَ هَمّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِنّهُ وِتْرٌ. يُحِبّ الْوِتْرَ".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ،إنه وتر يجب الوتر" .وفي رواية: "من حفظها دخل الجنة"

قال الإمام أبو القاسم القشيري: فيه دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره لقوله تعالى: ] وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى[ - الأعراف - الآية 180 -. قال الخطابي وغيره: وفيه دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه، وقد روي أن "الله" هو اسمه الأعظم.

قال أبو القاسم الطبري: وإليه ينسب كل اسم له فيقال: "الرؤوف، والكريم" من أسماء الله تعالى ولا يقال من أسماء الرؤوف أو الكريم الله.

واتفق العلماء: على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة == والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الاَخر: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك". وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم، قال ابن العربي: وهذا قليل فيها والله أعلم. وأما تعيين هذه الأسماء فقد جاء في الترمذي وغيره في بعض أسمائه خلاف، وقيل إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم وليلة القدر ونظائرها.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحصاها دخل الجنة" فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين: معناه حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل: أحصاها عدها في الدعاء بها. وقيل: أطاقها أي أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق بمعانيها. وقيل: معناه العمل بها والطاعة بكل اسم منها. والإيمان بها لا يقتضي عملاً. وقال بعضهم: المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوف لها وهو ضعيف والصحيح الأول. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي رضي الله عنه.


(2) يعبر ساداتنا الصوفية رضي الله عنهم بلفظ"المقام" و"الحال"، أما المقام فهو عبارة عن طريق الطالب وموضعه في محل الاجتهاد، وتكون درجته مكتسبة بمقدار اكتسابه في حضرة الحق تعالى. والحال: عبارة عن فضل الله تعالى ولطفه إلى قلب العبد، دون أن يكون لمجاهدته تعلُّقٌ به، لأن المقام من جملة الأعمال، والحال من جملة الأفضال. والمقام من جملة المكاسب، والحال من جملة المواهب، فصاحب المقام قائم بمجاهدته، وصاحب الحال فانٍ عن نفسه، ويكون قيامه بحال يخلقه الحق تعالى فيه. ." اهـ



(يتبع إن شاء الله تعالى.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:47 PM

الآثار في طيِّها الأنوار



"قال الله تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض } (1) .


خلق الله الوجود مثل صدفة في طيِّها درَّة، ومن نظر إلى ظاهرها واكتفى، فاته ما فيها من الصفاء. والفكر هو مفتاح الكنـز المكنون، فمن وقف عند حدود الأكوان فقد شاركه في ذلك الحيوان.


خلق الله الكائنات وفي طيِّها آيات، وفوقها تجليات، وفوقها أنوار مجلى الذات...، جعل الله في الإنسان حواسّاً تدرك ظاهر الكون.


ثم جعل في الإنسان قلباً يقرأ آيات الله في الكون، ثم منحه روحاً تسعد بشهود تجليات الأسماء والصفات... ثم منحه الله نفحة قدسية تتنعَّم بأنوار مجلى الذات (2) . وكل إنسان لم يستعد بتلك الحقائق فقد فاته الخير كله.


على نفسه فليبك من ضاع عمره *** وليس له منها نصيبٌ ولا سهم


وقد أشار إلى ذلك العارف بالله تعالى ابن الفارض حيث يقول (3) :


فاجعل حسَّك يتمتع بالكون باعتبار أنه نعمةٌ فيَّاضة من الحق، واجعل قلبك يبحث عن آيات الكون حتى يذعن للقادر الحكيم، لأن معنى الآية قبس من نور البديع، وبارقة من سر البصير السميع، ينبه القلب إلى الحق فيتجول في المملكة الإلهية، فيفر من كون إلى آخر.


=============================================

(1) : سورة يونس – الآية 101.


(2) : المراتب الكلية هي ست مراتب: مرتبة الذات الأحدية، ومرتبة الحضرة الإلهية، وهي الحضرة الواحدية، ومرتبة الأرواح المجرَّدة، ومرتبة النفوس العاملة وهي عالم المثال وعالم الملكوت، ومرتبة عالم الملك، وهو عالم الشهادة، ومرتبة الكون الجامع، وهو الإنسان الكامل الذي هو مجلى الجميع، وصورة جمعيته. وإنما قلنا إن المجالي خمسة والمراتب ست، لأن المجلى هو المظهر الذي تظهر فيه هذه المراتب، والذات الأحدية ليست مجلى لشيء، إذ لا اعتبار للتعدد فيها أصلاً، ...ولا مجلى لأحدية الذات إلا الإنسان الكامل.
انظر: جامع أصول الأولياء وأنواعهم وكلمات الصوفية لسيدي أحمد النقشبندي الكمشخانوي – ص 97.


(3) : انظر: ديوان عمر بن الفارض - ص 330 - تحقيق د. عبد الخالق محمود.والبيت من القصيدة الخمرية المشهورة لسيدي ابن الفارض والتي بدأها بقوله رضي الله عنه:
شربنا على كأس الحبيب مدامة *** سكرنا بها، من قبل أن يخلق الكرم " اهـ




" حتى يشتد به داعي الشهود إلى الله فيقوم على قدم المجاهدة، طالباً عين المشاهدة (1) .


الآية: هي الأمر الدال على الخلاَّق ، والسر المحرِّك للأشواق.


الآية: هي البرهان القامع للنفوس، والسلّم الموصل إلى القدُّوس.


مثال ذلك: اللبن ؛ فإنه يخرج من بين فرث ودم (2) ، لونه جميل، طعمه لذيذ، ريحه طيب.


ومن ذلك العسل؛ يخرج من طائر ضعيف لونه مشوق، وطعمه يشرح الصدر فيه شفاء للناس (3) .


الماء ينبع من الأرض، وينـزل من السحاب (4) .


والنبات يخرج من الأرض، لونه أخضر، فيه حبوب وثمار مختلفة الأمزجة، يسقى بماء واحد... (5) .


فمتى تنبَّه القلب للآيات صار كالملك العادل في رعيته، فيوقف الوارح عند الحدود، فيتوجه إلى ربه، وتواجهه الروح، وعند ذلك تشرق على العبد أنوار تجليات الأسماء والصفات (6) ، فلا يرى أثراً إلا ويرى قبله تجلِّي المؤثِّر سبحانه...


===============================================

(1) يقول سيدي الإمام الجنيد رضي الله عنه وأرضاه، وعنَّا به:" المشاهدة على ثلاثة : مشاهدة من الرب، ومشاهدة للرب، ومشاهدة الرب. فالمشاهدة على ثلاث: مشاهدة الحق بالحق، وهي نظر الوجدان بوجوه الاستدلال على وحدانية الذات. ومشاهدة للحق: وهي نظر الحق في قيام المصنوعات، وتمام المبدعات وصيانتها عن الآفات. ومشاهدة الحق قبل الأشياء، ورؤيته قبل الأشياء، وهي رؤية خالية عارية عن الوصف عالية عن الكشف.

انظر: رحلة إلى الحق للسيدة فاطمة اليشرطية الشاذلية - رضي الله عنها ونفعنا بها وبالصالحين والصالحات – صفحة 211.


(2) قال تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِين } سورة النحل – الآية 66.


(3) : قال تعالى: { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . سورة النحل – الآيتان 68-69.


(4) : قال الله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ } سورة فاطر - الآية 9.


(5) قال الله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. سورة الرعد - الآيتان 3-4.


(6) : تجليات الصفات: عبارة عن قبول ذات العبد الاتصاف بصفات الرب قبولاً أصلياً حكمياً، قطعياً، كما يقبل الموصوف الاتصاف بالصفة، وذلك لما سبق أن اللطيفة الإلهية التي قامت عن العبد بهيكله العبدي، وكانت عوضاً عنه، وهي في اتصافها بالأوصاف الإلهية اتصاف أصلي حكمي قطعي، فما اتصف إلا الحق بما له فليس للعبد هنا شيء، والناس في تجليات الصفات على قدر قوابلهم وبحسب وفور العلم وقوة العزم.

انظر: الإنسان الكامل – لسيدي عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه - 1/38. ." اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:48 PM

فإذا رأى إنساناً: تجلَّى له نور"المصوِّر"، الجميل، "الخلاَّق" (1) .


وإذا رأى نباتاً: تجلَّى له نور"المقيت" (2) .


وإذا رأى دواءً: تجلَّى له "الشافي" (3) .


وإذا رأى سلاحاً : تجلَّى له :"القهَّار" الدافع (4) .


وإذا رأى ميتاً تجلَّى له :"المميت" (5) .


وإذا رأى مؤمناً: تجلَّى له:"الهادي" (6) .


وإذا رأى ولياً: تجلَّى له:"الولي" (7) ، "العلي " ( 8 ) ، "الفتاح" (9) .

=========================================


(1) : القائل في محكم تنزيله : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. سورة التين - الآية 4.
(2) : القائل سبحانه: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ } سورة فصلت - الآيتان 9-10.
(3) : وهو القائل في كتابه الكريم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [ سورة الشعراء - الآية 80.
(4) : القائل في كتابه الكريم: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار}. سورة غافر - الآية 16.
(5) : القائل سبحانه في وتعالى: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} سورة الدخان - الآية 8.
(6) : القائل سبحانه وتعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} سورة طه- الآية 50.
(7) : القائل سبحانه وتعالى: { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ } سورة البقرة - الآية 257.
( 8 ) : القائل سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } سورة البقرة – الآية 255 – آية الكرسي.
(9) : القائل سبحانه وتعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } سورة سبأ - الآية 26. "اهـ

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:48 PM

"وإذا سمع القرآن: تجلى له:"الواسع"، "العليم" (1) ، "الحليم" (2) ، "القادر" (3) ، "الرحيم" (4) .

وإن مشى: تجلى له :"المحرِّك" (5) .

وإذا قام: تجلَّى له :"القادر".

وإذا ركب: تجلَّى له من حمله وحمل دابته بلطف.

وإذا استنشق الهواء: تجلَّى له :"الستار".

وهكذا .... إذا نظرت إلى السماء : تجلَّى لك رافعها.

وإذا نظرت إلى الأرض: تجلَّى لك : باسطها.

وإذا نظرت إلى الإبل: تجلَّى لك خالقها.

وإذا نظرت إلى الجبال : تجلَّى لك :ناصبها.

وإذا نظرت إلى أي ناحية: تجلَّى لك بأنوار أسمائه وجمالات صفاته، فتكون في روضة الشهود آنساً بالمعبود.

وهذا هو معنى قوله تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}(6) .

================================================

(1) : القائل سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }. سورة البقرة - الآية 115.
(2) : القائل سبحانه وتعالى: {وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } سورة البقرة - الآية 225.
(3) : القائل سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } سورة الأنعام - الآية 65.
(4) : القائل سبحانه : {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }. سورة البقرة - الآية 37.‏
(5) : وهذا ليس من أسمائه كما هو معلوم، إنما من صفات أفعاله سبحانه أنه المحرك ، واهب القدرة على الحركة، والفاعل لكل شيء على الحقيقة.
(6) : سورة البقرة - الآية 115. " اهـ.



(يتبع إن شاء الله تعالى مع أنواع الشهود... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:49 PM

أنواع الشهود




"ليس الشهود بعيون الرأس، أو لحدود الحسِّ، بل هو فوق عيون القلوب، لأنه من نور علاَّم الغيوب، ولكنه لعيون الأرواح يواجهها كطلعة الصباح، ولا يحد بجهة أو قيود، لأن الأرواح فوق الحدود، قال العارف بالله تعالى:






إذا ما تجلَّى لي فكلي أعينٌ=وإن هو ناجاني فكلي مسامعُ







فكأن الروح تخلع ثياب البشرية، وتفر إلى المشاهد العليَّة، كأنها عادت لبدنها يوم أن قال تعالى: { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ } 1 .


وإيَّاك أن يغرَّك شيطان الحسّ؛ فتخلط بين مشهد الروح والقلب والرأس فتقع في اللبس.


ومن الواجب علينا أن نبحث عن العارفين، لنفرِّق بين هذه المشاهد ، ونأنس بالرب الواحد، وقد التبس هذا المشهد على الحلاَّج فأباح بمشهد الروح عند الحسّ فقتله الشرع... 2.



=====================================

1- : سورة الأعراف - الآية 172.

2- : الإمام العارف المحقق الحسين بن منصور الحلاج، وكنيته أبو مغيث: من بيضاء فارس، ونشأ بواسط، والعراق. صحب الجنيد، والنوري، وعَمْراً المكي، وغيرهم. واختلف المشايخ في أمره: فردَّه أكثرهم ونفوه، وأبوا أن يكون له قدمٌ في التصـوف. وقَبِلَهُ بعضهم: من جملتهم أبو العباس بن عطاء، وأبو عبد الله محمد بن خفيف، وأبو القاسم إبراهيم بن محمد النصراباذي، وأثنوا عليه، وصححوا له حاله، وحكوا عنه كلامه، وجعلوه أحد المحققين، حتى قال محمد بن خفيف:"الحسين بن منصور: عالمٌ ربَّانيّ". قتل بباب الطاق من بغداد، يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة، سنة تسع وثلاثمائـة. من أقواله التي تدل على تحقيقه وعلو مقامه:" حجبهم بالاسم فعاشوا؛ ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا؛ ولو كشف لهم الحجاب عن الحقيقة لماتوا". وقال:" من أسكرته أنوار التوحيد، حجبته عن عبارة التجريد، بل من أسكرته أنوار التجريد، نطق عن حقائق التوحيد؛ لأن السكران هو الذي ينطق بكل مكتوم". وقال:"من التمس الحق بنور الإيمان، كان كمن طلب الشمس بنور الكواكـب".

قال أبو العباس الرازي: كان أخي خادماً للحسين بن منصور، فسمعته يقول: لما كانت الليلة التي وعد من الغد لقتله، قلت له: يا سيدي! أوصني. فقال لي: " عليك بنفسك، إن لم تشغلها شغلتك". فلما كان من الغد، وأُخرِجَ للقتل، قال: "حسب الواحد إفراد الواحد". ثم خرج يتبختر في قيده ويقول:




[CENTER]
نديمي غيرُ مَنسُوبِ=إلى شيءٍ من الحَيفِ
سقاني مثل ما يشر=ب فعل الضيف بالضيف
فلما دارت الكأسُُ=دعا بالنطع والسيفِ
كذا من يشرب الكأسَ=مع التِّنِّين في الصيف





ثم قال:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقّ} .ثم ما نطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل.

انظر ترجمته في: طبقات الصوفية للسلمي 307-311، وتاريخ بغداد 1/112-141 رقم 4232، والمنتظم لابن الجوزي 6/160-164 رقم 265، ووفيات الأعيان 2/140-146 رقم 189، وسير أعلام النبلاء 14/313-354 رقم 205، وطبقات الأولياء لابن الملقِّن 187-188 رقم 35." اهـ43







(يتبع إن شاء الله تعالى .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:49 PM

" ومن هنا شطح الشاطحون فخرجوا بألفاظهم عن الحدود ؛ (1)

حتى أدى بالجهَّال (2) إلى الجحود... .


قال الإمام أبو العزائم (3) - رضي الله عنه وأرضاه:

يرى الحسُّ آثاراً ، يرى القلبُ آيةً *** ترى الروح وجه الله في التقريب

فلو أعطيت مشهد الروح للحسّ وقعت في الإلحاد.

وهذه النقطة ضلَّ فيها خلقٌ كثيرون، فلا تقرأ كلام الرجال حتى تعرف مشاهدهم (4) .

==============================================

(1) الشطح: معناه عبارة مستغربة في وصف وجدٍ فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته. أو هو كلامٌ يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه مقرونٌ بالدعوى، إلا أن يكون صاحبه مستلباً محفوظاً، قال أبو حمزة: سألني رجل خراساني عن الأمن؟ فقلت: أعرف من لو كان على يمينه سبع وعلى يساره مِسورة ما ميّز على أيهما اتَّكى؟ فقال لي: هذا شطحٌ فهات العلم!. وكان بعضهم إذا سأله إنسان مسألة فيها دعوى يقول: أعوذ بالله من شطح اللسان. ويأتي الشطح نتيجة وجد عنيف لا يستطيع صاحبه كتمانه، فينطلق بالإفصاح عنه لسانه، وفيه يتبين الهوية الجوهرية فيما بين العبد الواصل والمعبود الموصول إليه، فيتحدث على لسان الحق لأنه صار والحق شيئاً واحداً بمعنى أنه فني فناء كلياً ، لا كما يتوهم البعض حلولاً أو اتحاداً معاذ الله من هذا ، ومن هنا ينتقل الخطاب إلى صيغة المتكلم بعد أن كان في حال المناجاة بصيغة المخاطب، وفي حال الذكر بصيغة الغائب. لكن من المخاطِب؟ ومن المخاطَب؟، الأحرى أن يكون كلاهما واحداً، ولذا لا يفترض هنا غير يتوجه إليه الخطاب، وهذا هو الأصل في تحريم إذاعة ما يجري في النفس إبان هذه الحال، ومن أذاع فقد شطح. لكن هل كان في وسعه ألا يذيع؟ ذلك هو مأزق الصوفي : فشدة الوجد ترغمه على الإذاعة، والمذاع سر بين العبد والرب، لأن التفرقة انتفت وصارت اتحاداً! نتيجة الفناء الكلي. والكلام في هذا طويل طويل يكفي منه ما ذكرنا ، والله أعلم وأحكم.


(2) : ومن الجهَّال من تزيّا بزي العلماء، فنصَّب من نفسه مفتياً يوزع شهادات التكفير يميناً وشمالاً لكل من نطق بكلام لم يفهمه هو، فوقع في أعراض كبار الأولياء والصلحاء دون أن يدري، فنعوذ بالله من الجهل، ونسأله كمال الفهم، بحق مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


(3) : هو سيدي العارف بالله تعالى الإمام الرباني الشيخ محمد ماضي أبو العزائم ، شيخ المؤلف، رضي الله عنهما. كان رضي الله عنه فقيه وقته، ولد في مدينة رشيد، وانتقل مع أبيه إلى محلة أبي علي - بالغربية من بلاد مصر المحمية - فتعلَّم بها، وعين مدرساً للشريعة الإسلامية بكليىة "غوردون" بالخرطوم، ثم ترأس "جماعة الخلافة" بالقاهرة، وتوفي بها سنة 1356هجرية، موافق 1937م. له مجموعة من المؤلفات النافعة، منها: "أصول الوصول إلى معيَّة الرسول" و"معارج المقرَّبين" ، و"مذكرة المرشدين والمسترشدين"، و"النور المبين لعلوم اليقين"، و"أساس الرق" ، و"الإسراء" وكلها كتب نافعة ، ومطبوعة متداولة.
انظر: معجم المطبوعات ليوسف إليان سركيس 1/325، والأعلام للزركلي 7/16.


(4) : وتفهم كلامهم، وقد قال كثير منهم :" من لم يصل مقامي لا يفهم كلامي". ولا يكون ذلك كذلك إلا إذا كانت قراءتك على يد شيخ مربٍ عارف. ومن هنا فإن كتب القوم رضي الله عنهم على غاية من الخطورة فهمت أو لم تفهم، فإن فهمت فإن العمل بمقتضاها لا يناله إلا من باع نفسه وهواه، وأعرض عن دنياه، وهذا لا يكون هذا إلا بواسطة التربية على يد شيخ التربية.وأما إن لم يفهمهما فالخطر أعظم وأعظم فربما يقع نتيجة غبائه وعدم فهمه في عرض من أعلن الله سبحانه الحرب على من عاداه، أعني أولياء الله سبحانه وتعالى من العارفين والصلحاء ، وذلك فيما ورد في الحديث القدسي الشريف الذي أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله عز وجل قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته ).
انظر: صحيح البخاري 8/105 - باب التواضع ." اهـ



(يتبع إن شاء الله تعالى ... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:50 PM

فقد يكون يخاطب الروح فتأخذ ذلك للحسّ فتزلَّ قدمك (1)

قال الإمام أبو العزائم – رضي الله عنه -:


ما بين نفسي وروحي بل وباصرتي
كالثلـج والنـار قــد جمـعـا برحمـتـه




فهناك حرب شديدة بين الحسِّ، والنفس، وعين الروح. فالروح تشهد النور، والنفس من نار تشهد الأنانية والاستكبار، والحسُّ محجوب يشهد الآثار مع القيود، ويقيِّدها بالحدود.

فالروح تقول: الله قريبٌ، ظاهرٌ، مشهودٌ، متجلٍّ.

والنفس تقول: أنا، وحولي، ومالي!.

والحسُّ يقول: الدنيا، والأسباب، والمناصب!.


قال ابن الفارض (2) – رضي الله عنه وأرضاه - :


ما بين معترَك الأحداق والمُهَجِ
أنـا القتيـل بـلا إثــم ولا iiحــرجِ



فبين عين الرأس والروح صراع، فاحذر أن تعطي مشهد الروح للحسّ. قال الله تعالى: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ } (3) .

ومتى فهمت هذا الموضوع سهل عليك فهم معاني كلام الرجال... .

ومتى شاءت العناية أن تسعدك بشهود وجه الجميل؛ أفاض عليك نوراً تشهد الحق بلا مثيل؛ فكنت تشهده بمدده ونوره... (4) .

ومتى قوي داعي الغرام، وزاد الشوق إلى الحبيب، أشرق عليك نور من حضرة الذات، فمحاك عن شهود الأسماء والصفات، لأن أنوار مجلى الذات تستر العبد المشاهد عن الأسماء والصفات... (5) .






============== الحاشية =========================

(1) : كما زلَّت أقدام كثير من أشباه العلماء، وطلبة العلم المبتدئين الذين لم يتعلموا في مدارس التربية ، مدارس أهل الله العارفين، فترى أحدهم ما إن يتقن قراءة كتاب أو يسمع "شريط كاسيت" لأحد خطباء الفتنة، إلا ويظن نفسه سيبويه زمانه، أو شافعي عصرنه وأوانه، لبَّس عليه شيطانه أنه محقق الوقت، كيف لا و: "هم رجال ونحن رجال!!"، وما درى ذلك المسكين أن في تلك المقولة سماً قاتلاً حيث تعدى قدره، وما علم هو وأمثاله أن أول علامات الرجولة أن يعرف المرء قدر نفسه، فلا يتطاول على أسياده وخاصة أهل الله ، والعلماء الصالحين العاملين من سلف هذه الأمة وأئمتها وخلفها السائرين على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه هي أولى علامات الرجولة. ثم نقول لهؤلاء: أية رجولة تشبهون أنفسكم بسادة الأمة - ولا شبه –ثم ... هل عملتم كعملهم، هل قرأتم كتاب ربكم بتدبر كما قرأوا وتدبّروا، هل أخلصتم كإخلاصهم، هل تفقهتم كتفقُّهم، هل تورعتم عن الحرام وشبه الحرام كما تورَّعوا، وتركوا ما به بأس مخافة مما به بأس!، هل وهل وهل؟؟ فأين الشبه؟ خبروني بربكم. يا حسرة على العباد!، اللهم إنا نعوذ بك من مضلاَّت الفتن يا رب العالمين، وارزقنا الأدب معك، ومع رسولك صلى الله عليه وآله وسلم، ومع أوليائك الصالحين من سلف هذه الأمة وخلفها يا أرحم الراحمين ، بحق مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن قال آمين .

(2) : المعترك: اسم موضع العراك وهو القتال. انظر: ديوان ابن الفارض - 331 ، بتحقيق د. عبد الخالق محمود.

(3) : سورة الرحمن - الآيتان 19-20.

(4) : و {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا }

(5) : وتلك هي الحالة التي يعبر عنها بالفناء؛ وتكون بغياب كل ما هو سواه سبحانه وتعالى، وسوى رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يرتقي هذا الفناء فلا يرى الفاني إلا الله وحده سبحانه وتعالى، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر التجليات الأعظم، فهو صلى الله عليه وآله وسلم حجاب الله الأعظم كما قال سيدي عبد السلام ابن مشيش في صلاته المباركة المشهورة بالصلاة المشيشية حيث قال:" واجعل اللهم الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه سر حقيقتي وحقيقته جامع عوالمي" فالحجاب الأعظم هنا هو سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم. " اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:50 PM

ظهور أسماء الله في خلقه


"كل اسم من أسماء الله العلية له عبدٌ ظهرت عليه أسراره الخصوصية.

إن أسماء الله تعالى لها أنوار وتصرفات، ولكل عبد نصيب من معانيها بحسب القابل والاستعداد:-

فمن العارفين: من كشف له سرُّ اسمه "الحي" فشاهد الحياة السارية في العالم، فانجذب بالكلية إلى الحي الدائم . (1)

ومنهم: من كاشفه الله بسرِّ اسمه "القيُّوم" (2) ؛ فشاهد العوالم كلَّها قائمة بقيُّوميَّة الله، ولو سلب عنها المدد لانعدمت في الحال، ففني عن المخلوق بالخالق.

ومنهم: من كاشفه الله بسرِّ اسمه "البصير" ؛فانكشفت له الأمور، وصار بسرِّها خبير... .

ومنهم: من واجهه الحق بسرِّ اسمه "السميع" ؛ فسمع تسبح الكائنات . (3)

ومنهم: من جمَّله الله بنور اسمه"الرحيم" (4) ؛فصار يرحم العوالم، ويدعو للكل بقلب سليم.

ومنهم: من أشرق عليه أنوار اسمه"الجامع" فاجتمعت عليه العباد حبّاً ووداداً، وكان همّه جمع العباد على مولاهم، فـ"عبد الكريم" هو الذي جمَّله الله بالكرم الروحاني، والخلق الحميد، والكرم المادّي، ونشره بين العباد، فمن رآه شاهد أنوار"الكريم"، ومن أحبّه فقد أحبَّ سرَّ ربه القديم (5) ... .

وأعلى العبيد في المقامات والوصول: هو الذي تجلَّى له نور اسمه:"الله" وهو وارث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأن هذا الاسم شامل لكل الأسماء، و"عبد الله" من يعبده بغير ملاحظات للمنع أو للعطاء، فـ "عبد الله" سابق لـ "عبد المعطي"، و"عبد المنعم"، لأن "عبد المنعم" يعبد الله وهو يلاحظ النعمة، و"عبد الله" يعبد الله ملاحظاً القيام بحق العبودية ... (6) .



================ الحاشية ===============

(1) : فسمي :"عبد الحي" لأن الحق سبحانه تجلى له بحياته السرمدية، فحيي بحياته الديمومية. انظر: جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم لسيدي أحمد النقشبندي 121.

(2) فسمِّي:"عبد القيُّوم"، حيث شهد قيام الأشياء بالحق، فتجلَّت قيوميَّته له فصار قائماً بمصالح الخلق ، قيِّماً بالله، مقيماً لأوامره في خلقه بقيُّوميته، ممدّاً لهم فيما يقومون به من معايشهم، ومصالحهم، وحياتهم. ذكره القاشاني - اصطلاحات الصوفية 121.

(3) : فسمِّي:"عبد السميع، وعبد البصير"؛ حيث تجلى له الحق بهذين الاسمين ، فاتَّصف بسمع الحق وبصره، كما قال:"كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به". - صحيح البخاري ، كتاب الرقاق، باب التواضع – 1/105-؛ فيسمع ويبصر الأشياء بسمع الحق وبصره.

(4) : فسمي :"عبد الرحيم" حيث تجلى له الحق باسمه "الرحيم"، فصار مظهراً له، وهو الذي يخص رحمته بمن اتقى وأصلح، ورضي الله عنه. وينتقم ممن غضب الله عليه .

(5) : فعبد الكريم: هو الذي أشهده الله وجه اسمه الكريم، فتجلى بالكرم وتحقق بحقيقة العبودية بمقتضاه، فإن الكرم يقتضي معرفة قدره، وعدم التعدّي عن طوره، فيعرف أن لا مِلْك للعبد ، ولا يجد شيئاً ينسب إليه إلا يجود به على عباده بكرمه تعالى. فإن كرم مولاه يختصُّ بملكه من يشاء. وكذا لا يرى ذنباً من أحدٍ إلا وهو يستره بكرمه، ولا يجني عليه أحدٌ إلا ويعفو عنه، ويقابله بأكرم الخصال وأجمل الفعال. قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنا به لما سمع قوله تعالى: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم) - الانفطار - الآية 6 -، قال: كرمُك يا رب!.

وقال سيدي محيي الدين بن عربي قدس الله سره العزيز: هذا من باب تلقين الحجة. وفي الجملة: لا يرى لذنوب جميع عباده في جنب كرمه تعالى وزناً. ولا يرى لجميع نعمه تعالى عن فيض كرمه قدرا. فيكون أكرم الناس لصدور فعله عن كرم ربه الذي تجلى له به. وقس عليه:"عبد الجواد" فإنه مظهر اسمه "الجواد" وواسطة جوده على عباده، فلا يكون أجود منه في الخلق، وكيف لا وهو جاد بنفسه لمحبوبه، فلا يتعلق بقلبه ما عداه!. انظر: اصطلاحات الصوفية للقاشاني 116.

(6) : فـ"عبد الله" عبد تجلى له الحق بجميع أسمائه، فلا يكون في عباده - سبحانه - أرفع مقاماً أو أعلى شاناً منه، لتحقُّقه باسمه الأعظم، واتِّصافه بجميع صفاته، ولهذا خُصَّ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الاسم في قوله تعالى: ( لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) سورة الجن - الآية 19.

فلم يكن هذا الاسم في الحقيقة إلا له - صلى الله عليه وآله وسلم - وللأقطاب من ورثته - رضي الله عنهم وعنا بهم - بتبعيته، وإن أطلق على غيره مجازاً؛ لاتِّصاف كل اسم من أسمائه بجميعها بحكم الواحدية، وأحدية جميع الأسماء. انظر: المرجع السابق - ص 108. " اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الرجال في معرفة الأسماء.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:50 PM

الرجال في معرفة الأسماء


"الرجال في معرفة الأسماء الإلهية على ثلاث مراتب عليَّة (1) :-


الأولى: مرتبة التعلُّق: وهي أن يتعلَّق قلبك بها حُبّاً وشوقاً، وذكرا.

المرتبة الثانية:التخلُّق: وهي إشراق أنوار الأسماء حتى يتخلَّق العبد بخلق مولاه، ويظهر عليه ضياه، فتراه صبوراً، شكوراً، رحيماً، كريماً، حليماً، حكيماً في أعماله وأقواله. من رآه أحبَّه لظهور حلل سيده البهية... .

المرتبة الثالثة: التحقُّق: بمعاني الأسماء، والفناء الكلي عند سطوع الضياء، وهذا العبد تنفعل له الأشياء بدون اختياره، لأن مولاه غيَّبه في أنواره... .


فأول السير التعلُّق بمعاني الأسماء الحسنى، والإكثار من ذكرها، ومراقبة ما يرد على القلب من نورها، حتى يصير مجملاً بالأخلاق ، فانياً في الخلاَّق. ثم تنبلج له أسرار التحقُّق، وحكمة الاختصاص والتعشُّق، وتتجلَّى أسرار الخلاَّق في الإنسان، ويعيش في ظل الكريم الرحيم الحنَّان.


فقد ورد في صحيح السنة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إن لله رجالاً يظلهم في ظله) (2) .


فكل شيء سوى الله باطل، والكون في الحقيقة خيالٌ زائل، فمتى شاء الحق - سبحانه - أن يكرم عبداً أشرق عليه أنوار الأسماء فانمحى منه كل باطل، وكوشف بحقائق الأشياء... .


فإذا تجلَّت لك أنوار أسمائه "الموفق، المعين" رأيت كل عباداتك إنما هي منه وإليه بيقين (3) ... .



================== الحاشية ======================

(1) : اعلم أن أسماء الله الحسنى كلها تصلح للتعلق، والتخلق، والتحقق.

فالتعلق: طلب حصول معنى ذلك الاسم. والتخلق: المجاهدة في العمل الذي يحصل ذلك المعنى. والتحقق: حصوله ورسوخه في القلب حتى يتمكن منه، ولايتخلف عنه في الغالب. ذكر ذلك سيدي ابن عجيبة في شرحه الكبير لتفسير الفاتحة المسمى بالبحر المديد ، تحقيق كاتب هذه السطور عفا الله عنه بمنِّه وكرمه.


(2) يشير رضي الله عنه إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف :" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال "إني أخاف الله رب العالمين"، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". رواه مالك الترمذي عن أبي هريرة. و أبي سعيد أحمد في مسنده ومتفق عليه [البخاري ومسلم] والنسائي عن أبي هريرة صحيح مسلم عن أبي هريرة و أبي سعيد معا.


(3) : كما قال سيدي ابن عطاء الله السكندري – رضي الله عنه وأرضاه في إحدى حكمه الجليلة:" إذا أراد أن يظهر فضله عليك ، خلق ونسب إليك .

قال سيدي أحمد بن عجيبة في شرحه:"أي إذا أراد الله سبحانه أن يظهر فضله وإحسانه عليك _ أيها المريد _ خلق العمل الصالح فيك ونسبه إليك على ألسنة العبيد؛ بأن يطلق ألسنتهم بأنك مطيع. فينبغي لك أن تشهد هذا الفضل العظيم، وتستحي من مولاك الكريم ، لتتأدب.

يقول سهل بن عبد الله رضي الله عنه: إذا عمل العبد حسنة وقال: يا رب أنت بفضلك استعملت، وأنت أعنت، وأنت سهلت. شكر الله تعالى له ذلك، وقال له: "يا عبدي بل أنت أطعت، وأنت تقربت". وإذا نظر إلى نفسه، وقال: أنا عملت، وأنا أطعت، وأنا تقربت. أعرض الله تعالى عنه ، وقال: "يا عبدي ، أنا وفقت، وأنا أعنت، وأنا سهَّلت". وإذا عمل سيئة وقال: يا رب، أنت قدرت، وأنت قضيت، وأنت حكمت. غضب المولى عليه، وقال له: يا عبدي بل أنت أسأت وأنت جهلت ، وأنت عصيت. وإذا قال : يا رب، أنا ظلمت، وأنا أسأت، وأنا جهلت. أقبل المولى عليه، وقال: يا عبدي ، أنا قضيت، وأنا قدرت، وقد غفرت وحلمت وسترت ." اهـ58




(يتبع إن شاء الله تعالى ...)

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:51 PM

وإن ظهر لك اسمه:"المقيت، الرزَّاق"رأيت كل الأسباب ضعيفة في محاق ...(1)


وإن تجلَّى لك نور اسمه:"التوَّاب" رأيت التوبة منه - سبحانه وتعالى - وهو الذي يفتح الأبواب (2) .


وإن تجلَّى لك باسمه "الستَّار" أخفاك في ظلال أنواره عنك، وعن الآثار، فمتى ظلَّلتك أنوار أسماء الحق ، رفعك إلى مراتب أهل الصدق، فلا يقع بصرك إلا على ظلٍّ إلهي، ولا تشهد بصيرتك إلا حضرة الجمال الباهي، وعندها تدخل في رياض الشهود، ولا يراك إلا أهل التسليم للودود... .


ماهي الأمانة التي حملها الإنسان؟


خلق الله كل حقيقة في الوجود على استعداد وفطرة خاصة:

فالجبال مظهر لاسمه: "القوي، المتين".
والسماء مظهر لاسمه:" العلي، اللطيف".
والماء مظهر لاسمه: "المحيي".
والكواكب مظهر لاسمه: "النور الهادي".
والعرش مظهر لاسمه:"الواسع".
واللوح مظهر لاسمه:"العليم".
والملائكة مظهر لاسمه:"الحي، النور، اللطيف".


فما من مرتبة من رتب الوجود إلا وقد اختصَّت بظهور اسم أو اسمين أو ثلاثة، بحسب استعدادها... .


فقدر الحق سبحانه وتعالى أن يخلق حقيقة تحمل ظهور كل تلك المعاني، وتكون مظهراً للقادر الحكيم، الخبير العليم. فكان ذلك هو الإنسان الجامع الواسع، وكوَّنَه الله من حقيقتين: أرض وسماء. وطوى فيه معاني الملك والملكوت، وجعله كنـزاً للحي الذي لا يموت... .


خلقه باليدين، وجمع فيه الضدين، أنوار الروح، وظلام الجسم.. صفاء النفس، وكثافة الشبح، ففيه الاستعداد للخير والشر، والضر والنفع. قال تعالى: { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . (3)


الأمانة: هي معاني الأسماء والصفات.ومن حملها صار عبداً للذات، وقد عرض الله تلك المعاني على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها (4) ، لأن حقيقتها لا تتحمل، وحملها الإنسان لأن حقيقته أكمل، ويا ليته صبر حتى حملها له الحق قهراً، فينجو من المسئولية، ولا يخالف أمرا، فحملها طائعاً مختاراً لذلك استحق جنةً أو نارا.


قال تعالى: { وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} . (5)

وقال سبحانه: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} .

يعني: ظلوماً لنفسه بحمل الأمانة، جهولاً بالعواقب، وذلّ المسئولية والإهانة، ولو صبر لحملها له الحقُّ، ورفع عنه الحرج، ومنحه الوسعة من الضيق بالفرج، ولكن قضاء الله محتوم، وسرّ قدره غير معلوم." اهـ 62


==================== الحاشية ====================

(1) : كما جاء في الأثر:" لو ركب ابن آدم الريح هرباً من رزقه، لركب الرزق البرق حتى يقع في فم ابن آدم!". فسبحان مالك الملك، الخالق الرازق، الحنان، المنّان، أرحم الراحمين.


(2) : فكنت "عبد التوَّاب" والتواب هو الرجَّاع إلى الله دائماً عن نفسه، وعن جميع ما سوى الحق سبحانه، حتى شهد التوحيد الحقيقي.


(3) : سورة البقرة – الآية 20.


(4) : إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} سورة الأحزاب - الآية 72.


(5) : سورة الإسراء – الآية 11.




(يتبع إن شاء الله تعالى مع "آدم والأسماء الحسنى" .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:51 PM

آدم والأسماء الحسنى



"علَّم الله آدم الأسماء، وأسرارها في الأكوان، وعلَّمه أسماء ‏مظاهرها من السماء والأرض، من بعيدٍ أو دان، وجمع ‏الملائكة وكاشفهم بمظاهر أسماء لم يعرفوها. ‏


قال تعالى: ‏{ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ ‏صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ ‏الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }‏ ‏ ‏.‏ 1


أي: قال يا آدم أنبئهم بأسماء تلك المظاهر، وكاشفهم ‏بأسرار الأول والآخر، فإن الملابس: مظهر لاسمه "الستار".‏

والنار: مظهرٌ لاسمه"القهار". وليس لها أثر في الإحراق إلا ‏بأمره، فهي في غاية الافتقار... .‏

والخبز: مظهرٌ لاسمه :"المقيت"، "الرزاق"، وليس له وحده أثر ‏بين الخلائق.‏

والدواء: مظهرٌ لاسمه:"الشافي" النافع، وليس للدواء أثر إلا ‏بإذنه، فالله هو الدافع.‏

والسيف: مظهر لاسمه:"الحفيظ" الناصر، وليس له أثر في ‏الحقيقة، فالكل عاجزٌ وقاصر.‏

والهواء: مظهر لاسمه :"اللطيف" .‏


فبيَّن آدم الأسماء ومسمَّيات مظاهرها للملائكة الكرام، وكانوا ‏يجهلون تلك الأسماء لأنهم لا يأكلون، ولا يمرضون، ولا يذنبون، ‏ولا يسفكون الدماء 2‏. فسجدت الملائكة لآدم، فهو بمنـزلة ‏قبلة السجود.‏


وفي الحقيقة سجودهم لصاحب الأسماء والصفات الإلهية، ‏التي ظهرت كاملة في عالم الشهود، فلولا الإنسان ما ظهرت ‏تلك المعاني، ولا فازت الملائكة بالظهور الرحماني، وقامت ‏الحجة على أنه الخليفة المطاع ‏3 الذي تخدمه الملائكة،وتفوز ‏منه بالسماع... .


======================================

1 ‎ ‎‏: سورة البقرة - الآيتان 31-32‏

2- ‎ ‎‏ ‎ ‎‏: فهم عبادٌ مكرمون نورانيون كما قال عنهم الحق سبحانه:‏‎ {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا ‏أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }‏ . سورة التحريم – الآية 6.

3 ‎ ‎‏: لما قال سبحانه وتعالى للملائكة الكرام:‏‎ {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ ‏فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا ‏لاَ تَعْلَمُون}‏ سورة البقرة - الآية 30.‏ " اهـ65




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الأسماء الإلهية ثلاثة أقسام..... )‏

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:51 PM

الأسماء الإلهية ثلاثة أقسام (1)



"الأسماء الحسنى تسعة وتسعون، منها:-‏


عشرة أسماء ذاتية كمالية (2)‏: وهي التي منها اسم"الله"، ‏واسم"النور"، واسم"القدوس".‏


ومنها: تسعة عشر اسماً جلالية (3) ‏: وهي التي منها: اسمه"القهار"، "الجبار"، المنتقم". ‏


ومنها: سبعون جمالية (4) ‏: منها"الرحيم"، "الكريم"، ‏‏"الحليم".‏


فالأسماء الذاتية الكمالية: ليس للعبد حظٌّ في التخلُّق بها، ‏لأنها من خواصِّ الحضرة العليَّة، وما عدا ذلكمن الأسماء ‏التسعة والثمانين ، يكون للعبد حظٌّ في التخلُّق بها، والتحقُّق ‏بسرِّها.‏


فمثلاً اسمه تعالى"المنتقم": يتخلَّق به الوليُّ فينتقم من الظالم ‏انتصاراً للحق والشرع (5) ‏.‏


واسمه "الشديد" : يتخلَّق به المؤمن تشديداً على الكفار (6) ‏. ‏


======================================


(1) ‎ ‎‏: تنقسم الأسماء باعتبار الذات والصفات والأفعال إلى: ذاتية كـ"الله". ‏والصفاتية:كـ:"العليم". والأفعالية: كـ:"الخالق". وتنحصر باعتبار الأنس والهيبة ‏عند مطالعتها في الجمالية كاللطيف، والجلالية كالقهار. ‏

‏ والصفات تنقسم باعتبار استقلال الذات بها إلى: ذاتية وهي سبعة: " العلم، والحياة، ‏والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام". وباعتبار تعلقها بالخلق إلى أفعالية، ‏وهي ما عدا السبع. ولكل مخلوق سوى الإنسان حظ من بعض الأسماء، دون الكلّ ، ‏كحظِّ الملائكة من اسم "السبُّوح، والقدُّوس" ولذا قالوا:‏‎{نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ‏وَنُقَدِّسُ لَك ‏}. وحظ الشيطان من اسم "الجبار، والمتكبر"، ولذلك عصى واستكبر.

‏ واختصّ الإنسان بالحظ من جميعها، ولذلك أطاع تارة، وعصى أخرى. وقوله تعالى:‏‎ ‎{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} ، أي: ركَّب في فطرته من كل اسم من أسمائه لطيفة، ‏وهيَّأه بتلك اللطائف للتحقُّق بكل الأسماء الجلالية، والجمالية. انظر: التهانوي 4/60.‏


(2)‎ ‎‏: الأسماء الذاتية: هي التي لا يتوقف وجودها على وجود الغير، وإن توقف على اعتباره ‏وتعقُّله، كالعليم، والقدير، وتسمى الأسماء الأولية، مفاتيح الغيب، وأئمة الأسماء. ‏ذكره القاشاني في معجم اصطلاحات الصوفية 28.

(3) ‎ ‎‏: ومراتب الوجود هي حضرة الأسماء الجلالية كاسمه "الكبير، والعزيز، والعظيم، ‏والجليل، والماجد" إلى غير ذلك من الأسماء الجلالية،ذكره سيدي عبد الكريم الجيلي في ‏مراتب الوجود 19، وقال: وقد ذكرنا جميع الأسماء والصفات في كتاب: شمس ‏ظهرت لبدر قرهي" وهو المجزوء الرابع من أربعين من كتاب القاموس الأعظم ‏والناموس الأقدم.

(4)‎ ‎‏: قال سيدي عبد الكريم الجيلي في مراتب الوجود: " من مراتب الوجود وهي حضرة ‏الأسماء الجمالية كاسمه "الرحيم، والسلام، والمؤمن، واللطيف" إلى غير ذلك من الأسماء ‏الجمالة، ويلحق بها الأسماء الإضافية وهي:"الأول والآخر، والظاهر، والباطن، ‏والقريب، والبعيد". انظر: المرجع السابق 20. ‏

(5) ‎ ‎‏: وأول ما تنتقم منه نفسك وهواك، ومن كل من يقطعك عن مولاك.‏

(6) ‎ ‎‏: ويحب للناس ما يحبه لنفسه من العفو وغفران الزلَّة، وأن يكون عوناً للتوبة والإصلاح ‏وأن يقبل ممن أساء إليه التوبة فيكون من أهل الرحمة بعباده المؤمنين، وعلى العبد ‏بمقابل ذلك أن يكون شديداً في مواطن البأس والشدة، على نحو ما وصف به تعالى ‏عباده المؤمنين بأنهم:‏‎ {أشداء على الكفار رحماء بينهم }، وأن يلتزم الأسوة بالرؤوف ‏الرحيم بالمؤمنين - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنه كان حليماً لا يغضب إلا لله كما ‏كان لا يقبل الشفاعة عند قيام البينة علي حد من حدود الله على الخطة التي أمر الله بها ‏في عقاب أهل الزنا" {وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ‏} {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ ‏مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} ‏ وذلك زجراً بالشدة في مواقف الشدة، وقمعاً للفساد وأهله. وبهذا ‏عميم الرحمة لما ينفع الناس ويحييهم، كما قال تعالى:‏‎ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ ‏أُولِيْ الأَلْبَابِ} - البقرة 179 - ويلتزم العبد في كلا الحالين الميزان الذي وضعه الله ‏تعالى للرأفة والرحمة بما وصف به سبحانه وتعالى نفسه بقوله:‏‎ {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ ‏التَّوْبِ ‏}‏ بمقابل:‏‎ {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} فإن حياة الإنسان وهو يتأرجح بين ‏النجدين من الخير والشر تقابل بهذه الموازين من أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، ‏شديد العقاب، الذي رفع السماء و{ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا ‏الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ ولا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا للأَنَامِ} ‏ ليتعارفوا ويتعاونوا ‏ويجاهدوا أهل الفساد والإفساد.‏‎ {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ‏} وإذا أمهل للتوبة أهل ‏الإصلاح فإنه مع أهل البغي والطغيان والفساد :‏‎ {شَدِيدِ الْعِقَابِ}‏.‏" اهـ69



(يتبع إن شاء الله تعالى .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:52 PM

"قال الله تعالى: ‏{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ‏عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُم} 1‏ ‏ ‏.‏


فهم مظهر الرحمة والتواضع للمؤمنين، ومظهر الشدَّة ‏والقهر للمخالفين.‏


قال تعالى: ‏{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ‏مِئَةَ جَلْدَةٍ ولا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه }‏ 2‏ ‏.‏


وهذه هي أخلاق الله تعالى، وهو أرحم الراحمين، فتعلَّقْ ‏بها ليتجلَّى لك حق اليقين، فضع الأشياء في مواضعها بحكمة.‏


وتعلَّق بأذيال العارفين، وتعلَّم منهم مواضع الشدة ‏والرحمة.‏


فيجب عليك أن تكون جبَّاراً على نفسك، شديداً على ‏شيطانك.‏


‏ معادياً للأشرار‏ 3، يحبك الله الحكيم، ويجعلك خليفة، ‏سالكاً على الصراط المستقيم.‏


وإيَّاك أن يغرَّك الجهل بالحقائق، فتقول: الكل من الله، ‏وتفعل المعاصي ارتكاناً على أنها بقضاء الله، فإنَّ ذلك منتهى ‏الجهل، لأن الشريعة من الله ، والخروج عن الشريعة سقوط ‏في الجحيم، فتب إلى الله بقلب سليم... .‏


الإنسان كنـزٌ ثمين


كل ملك من الملوك يجمع ذخائره في كنـزٍ مخصوص، ‏ويدَّخر فيه غالي الجواهر والــدُّرر، ويحفظه من اللصوص، ‏ويجعل عليه طلاسم 4‏ وأرصادا، ليخفيه عن أعين أهل ‏الفساد.‏


فمتى عرف الإنسان رمز الكنـز الخافي فاز بجواهره، ‏وعرف مقدار صاحب الكنـز، من الوسعة والحكمة، وما ‏لديه من العطاء والنعمة.‏


فالله - عزَّ وجلَّ، وهو ملك الملوك الجليل - خلق الإنسان ‏وجعله كنـزاً لأسراره،وجعله أكبر دليلٍ عليه، ادَّخر في قلبه ‏لطائف روحانية، وفي سرِّه عطايا قدسية، وجعل الجسم ‏طلَّسماً ورصداً، حتى لا يفوز به إلا من فكَّ الطلاسم، ‏ووصل إلى جواهر كنـزه ففاز بالغنائم.‏


ولمَّا خلق الله الإنسان كتب عليه اسم "الله" في غاية البيان، ‏واسمه"الله" ، وذلك في الخمسة أصابع ، فهي تنطق باسم"الله" ‏جلَّ جلاله.‏


وكتب في كفِّ اليد اليمنى عدد ( 18 ) ، ثمانية عشر بالأرقام ‏الحسابية، وفي اليد اليسرى عدد: ( 81 ) واحد وثمانين، ‏فيكون مجموع العددين تسعاً وتسعون، مشهوداً للعيون.‏


يعني: أن الله سبحانه وتعالى جمع أسرار أسمائه الحسنى في ‏الإنسان، ولهذا فقد وكَّل الله به حَفَظَةً من الروحانيين، ‏ليحفظوا فيه أسرار ربه المعين... .‏


فإذا جمعك الله على عارف فكَّ لك الرمز، ودلَّك على ما ‏وراء الجدران من الكنـز، فأنت السعيد الشهيد، الفائز ‏بالولاية لله الحميد المجيد 5‏... ." اهـ‏


============== الحاشية ==============

1- ‎ ‎‏: سورة الفتح - الآية 29.‏

2- ‎ ‎‏: سورة النور - الاية 2.‏

3- ‎ ‎‏: لأن من قويت نفسه وأشرقت روحه، وعظمت همَّته، صار بالنسبة إلى ما سوى الحق ‏جباراً، لا يلتفت إلى ما سوى الله بكل ما يطلبه في دينه ودنياه. ‏

4- ‎ ‎‏: الطِّلَّسم: بكسر الطاء وشد اللام، وسكون السين المهملة، غير عربي، وكأنه مأخوذ ‏من لغة اليونان. وفي شفاء الغليل:" الطِّلَّسم: لفظ يوناني لم يعرِّبه من يوثق به، وكونه ‏مقلوباً من "مسلط" وهم لا يعتدُّ به. وفي السر المكتوم العقد المنظوم في الطلسمات ‏لأحمد بن أبي الحسن النامقي الجامي المتوفى 536هجرية ما نصه :" هو عبارة عن ‏علم بأحوال تمزيج القوى الفعالة السماوية، بالقوى المنفعلة الأرضية، لأجل التمكن ‏من إظهار ما يخالف العادة، والمنع مما يوافقها، انتهى. انظر: قصد السبيل للمحبي ‏‏2/264 ‏

5- ‎ ‎‏: وهذا إشارة من الشيخ رضي الله عنه إلى ضرورة صحبة العارفين الصادقين أهل الله ‏المخلصين لأن صحبتهم من أهم أسباب حصول الفتوح والمنوح والرسوخ ، فاللهم ‏اجعلنا في قلب من أحببت من عبادك ومن قال: آمين، يا رب العالمين.‏" اهـ74





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: أسمَاءُ الله لا تُحصَى، وَلا تُحصَر.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:52 PM

أسمَاءُ الله لا تُحصَى، وَلا تُحصَر



"بيَّن لنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - ‏من الأسماء الإلهية تسعاً وتسعين اسماً، وهي بمنـزلة الأصول، ‏وتحتها أسماء كثيرة عند الواصلين، وقد أشار لذلك رسول الله ‏‏- صلى الله عليه وآله وسلم - في دعائه فقال: "أسألك بكل ‏اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علَّمته ‏أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" (1)‏ ‏.


فمن الأسماء : ما لا يعلمها إلا الله .‏
ومنها: ما أنزلها الله في كتبه.‏
ومنها: ما يلهمها الله لحبيبٍ من أحبابه.‏


وقد قال بعض العارفين - رضي الله عنهم أجمعين -:" إن ‏أسماء الله لا نهاية لها؛ فما من كائن في الوجود إلا وله مددٌ ‏خاص من اسمٍ ربَّانيّ" (2)‏ ‏. يتجلَّى ذلك لمن يراقب المعاني:‏



===================== الحاشية =====================

(1) ‎ ‎‏:‏‎ ‎روى ابن السني، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى ‏اللّه عليه وسلم: "مَنْ أصَابَهُ هَمٌّ أوْ حَزَنٌ فَلْيَدْعُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ، يَقُولُ: أنا عَبْدُكَ ابْنُ ‏عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ فِي قَبْضَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ؛ ‏أسألُكَ بِكُلّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ، أوْ عَلَّمْتَه أحَداً مِنْ ‏خَلْقِكَ، أوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أنْ تَجْعَلَ القُرآنَ نُورَ صَدْرِي، وَرَبِيعَ ‏قَلْبِي، وَجلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمّي. فقال رجل من القوم: يا رسول اللّه! إن المغبونَ ‏لمن غُبن هؤلاء الكلمات، فقال: أجَلْ فَقُولُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ، فإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ الْتِماسَ ما ‏فِيهِنَّ أذْهَبَ اللَّهُ تَعالى حُزْنَهُ، وأطالَ فَرَحَهُ".

‏ أخرجه الإمام أحمد في المسند، وابن حبان ، والحاكم في المستدرك من حديث ابن ‏مسعود وقال صحيح على شرط مسلم. انظر:تخريج أحاديث إحياء علوم الدين ‏للحافظ العراقي .‏



(2) فمن الأسماء الحسنى ما هو مشهور متداول بين المتعبدين، ومنها الماثور الذي ورد في ‏بعض الأحاديث والآيات القرآنية، وقد نقل ابن العربي في شرح الترمذي أنها نحو الف ‏اسم، والتحقيق الذي عليه جمهور العلماء وساداتنا الصوفية رضي الله عنهم أن ‏أسماءه تعالى صفاته، وصفاته كمال، وله تعالى الكمال المطلق، فأسماؤه تعالى لا حدَّ ‏لها، ولا عدَّ، ولا حصر. وما ورد من أحاديث تحصرها في تسعة وتسعين أو في ثلاثمائة ‏أو غير ذلك ، فقد قال علماء الحديث: العدد لا مفهوم له، أو هو لمجرَّد الدلالة على ‏الكثرة، أو هو لخاصّيَّة معيَّة، في العدد المحدَّد المحصور... . وأما قولهم: وأسماء الله ‏توقيفية، بمعنى: أنه لا يسمَّى إلا بما سمَّى به نفسه، وقد أجاز كثير من العلماء استنباط ‏أسمائه تعالى من صفاته التي وصف بها نفسه في القرآن والسنة، واعتبروا بذلك توقيفاً ‏على ان يكون ذلك مما يليق به سبحانه وتعالى. وقد قال الإمام الفخر الرازي في ‏أوائل تفسيره: قد اشتهر عند العلماء أن لله تعالى ألفاً وواحداً من الأسماء المقدَّسة، ‏وهي موجودة في الكتاب والسنة. قال الصاوي في حاشية الجلالين عند تفسير ‏الإسراء: قيل إن أسماء الله نيف ومائة ألف، بعدد الأنبياء إذ أن كل نبي تمدّه حقيقة‏ اسم خاص بذاته مع إمداد بقية الأسماء له. قالك وقيلك ليس لأسماء الله تعالى ‏نهاية على حسب شئونه في خلقه، وهي لا تتناهى بقول، وفي الأمر سعة، والله واسعٌ ‏عليم. ‏


‏ ولهم - رضي الله عنهم - استئناس بقوله صلى الله عليه وآله وسلم - في دعائه ‏الشريف: (وأدعوك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم). وحديث ابن ‏مسعود: (أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو ‏علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك). والجمهور على أن ‏أسماءه سبحانه وتعالى توقيفية، قال الشيخ الباجوري: أي يتوقف إطلاقها عليه سبحانه ‏وتعالى على ورودها في كتاب أو سنة أو إجماع. قال سيدي الشيخ محمد زكي ‏إبراهيم في رسالته "في رياض اسم الله الأعظم" ما نصه: قلت: وقد منع بعضهم ‏القياس في هذا المقام، ومال الباقلاني إلى جواز إطلاق ما الله تعالى متصفاً بمعناه، ولم ‏يوهم نقصاً، وإن لم يرد به توقيف، ورضي الغزالي بهذا القول في الصفات، ولم يرض ‏به في الأسماء. قلنا - والقول للإمام محمد زكي إبراهيم - وهو المقبول ، وإن كان ‏إمام الحرمين توقف فيهما معاً ، والله سبحانه تعالى أعلم وأحكم. " اهـ77‏





(يتبع إن شاء الله تعالى ‏ ..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:56 PM

"فحلاوة القصب : مددٌ من"اللطيف، الحكيم". وطيب ‏الورد: نفحة من"الرب العليم". ولون الشجر: من ‏آثار"الجليل، الرحمن". والنبات في الأرض: من مدد"الحفيظ، ‏القريب". وإحياء الحيوان: من مدد"الحي، المجيب". ورفع ‏السماء: من مدد"القوي، القادر". وإشراق النور في ‏الكواكب: من مدد"النور" الهادي للأجسام والبصائر. ‏وإرسال الرسل: مدد من"الله" العطوف. وإجابة الدعاء: مدد ‏من"الرب، الرؤوف". وإنزال الكتب: مدد من"الحنَّان". ‏وتيسير القرآن للذكر: فضلٌ من"الديان". ووجود الحواسّ ‏والعقل: فيضٌ من"المعطي الوهاب". وتسخير الكائنات للعبد: ‏مددٌ من "الرحيم التوَّاب". وما من ذرَّة في نفسك وفي اآفاق ‏إلا وتجلَّى فيها اسم"الواحد، الخلاَّق"‏ ‏1.‏


==================== الحاشية ======================


1- ‎ ‎‏: وفي هذا المعنى ورد في بعض مناجاة سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه ‏وأرضاه وعنا به:" كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي أظهر كل شيء ؟ كَيْفَ ‏يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر بكل شيء ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ ‏وهو الذي ظهر في كل شيء ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر لكل ‏شيء ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الظاهرُ قبل وجود كل شيء ؟ كَيْفَ ‏يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو أظْهَرُ من كل شيء ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ ‏وهو الواحد الذي ليس معه شيء ؟. كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو أقرب إليك ‏من كل شيء ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ ولولاه ما كان وجودُ كل شيء ؟ يا ‏عجباً كيف يَظْهَرُ الوجودُ في العَدَم ؟ أم كيف يثبت الحادثُ مع مَنْ له وصْفُ القِدَم ؟ ‏‏".فبين رحمه الله تعالى في هذه الحكمة – كما قال سيدي أحمد بن عجيبة في شرحها ‏‏– بين الأدلة التي تدل على أنه سبحانه لا يحتجب بالأكوان، وأتى بها على وجه ‏استبعاد أن يتصور ذلك في الأذهان، فقال :" كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو ‏الذي أظهر كل شيء" حيث إنه هو الذي أوجده بعد العدم، وما كان وجوده ‏متوقفاً عليه لا يصح أن يحجبه ، وقوله : ظهر بكل شيء ؛ أي من حيث أن كل ‏شيء يدل عليه، فإن الأثر يدل على المؤثر :

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد


‏ قال تعالى :‏‎ { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ‏} (53) ‏فصلت . وقولُه : "ظهر في كل شيء" ؛ أي من حيث أن الأشياء كلها مجالي ‏ومظاهر لمعاني أسمائه، فيظهر في أهل العزة معنى كونه معزاً ، وفي أهل الذّلة معنى ‏كونه مذلاً ، وهكذا . . . وقولُه : "ظهر لكل شيء" ؛ أي تجلى لكل شيء حتى ‏عرفه وسبحه . كما قال تعالى : ‏{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُون} ‏ ‏‏(44) الإسراء . وقولُه : "وهو الظاهر قبل وجود كل شيء" ؛ أي فهو الذي وجوده ‏أزلي وأبدي ، فوجوده ذاتي ، والذاتي أقوى من العَرَضي ، فلا يصح أن يكون حاجباً ‏له . وقولُه : "وهو أظهر من كل شيء" ؛ أي لأن الظهور المطلق أقوى من المقيد ، ‏وإنما لم يُدْرك للعقول مع شدة ظهوره لأن شدة الظهور لا يطيقها الضعفاء ، ‏كالخفاش يبصر بالليل دون النهار لضعف بصره لا لخفاء النهار ، على حد ما قيل
: ‏
ما ضرَّ شمسَ الضحى في الأُفْقِ طالعةً *** أنْ لا يرى نورها من ليس ذا بصر" اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:56 PM

"ومن عرف ذلك، دخل في رياض الأسماء، وصارت الجنة ‏عنده وراء الوراء، لأنه ينجذب بالكلية إلى الله (1) ، ويستغرق في ‏أنوار جماله ورضاه. ومَن عَبَدَ الله لذاته: فهو من أهل الكمال، ومن العُبَّاد أهل الشمائل والصفات، وهم كثيرون، ولهم في ‏الوجود تصرُّفات وشئون تكثر لهم الكرامات، وتلتفُّ حولهم ‏المخلوقات.


أما عبد الذات: فلا يهمُّه إقبال الخلق وإدبارهم، ‏فهنيئاً لمن رآهم، أو رأى من رآهم. ومن حكمة الله تعالى: أنه ‏منح المرسلين عطايا لو نالها العلماء لما طاقوا البقاء في دار ‏الحجاب،فلا يسع العلماء إلا التسليم والإيمان بالغيب، ‏والاستسلام.


وللعلماء الواصلين علوم وأسرار ، لا يتحمَّلها ‏السالكون ولو كشفت لهم ما استطاعوا لأنهم قاصرون. ‏وللسالكين معارف ولطائف لا يعرفها العامة، لأنهم بمنـزلة ‏الأطفال، وليس لهم قدم في أحوال الرجال. فالحق يواجه كل طبقة ‏بما يناسبها من أنوار أسمائه، ويمد الكل من فضله، وفيض عطائه.‏




اقتباس:============= الحاشية ====================


(1) ‎ ‎‏: لأنه:" ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة : ‏الذي تطلب أمامك ، ولا تبرجت له ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها : ‏{ إِنَّمَا ‏نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ‏}‏ .قال سيدي ابن عجيبة في الإيقاظ:"أي ما قصد سالك؛ أي ‏سائر إلى الله تعالى ، أن يقف بهمته عندما كشف لها من الأنوار والأسرار في أثناء ‏السير ظناً منه أنه وصل إلى النهاية في المعرفة ، إلا ونادته هواتف الحقيقة؛ جمع هاتف وهو ما يُسمع صوته ولا يرى شخصه . أي: قالت له بلسان الحال : الذي تطلب ‏أمامك ، فلا تقف. ‏" اهـ81‏




(يتبع إن شاء الله تعالى ..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:56 PM

الباب الثاني

مبحث الاسم الأعظم وتجليات الأسماء الحسنى


الاســــم الأعظــم


هو:"الله" الاسم الجامع (1) ‏.‏ وقال بعضهم: هو"الحي القيُّوم" (2)‏ ‏.‏ وقال آخرون: اسمه تعالى:"النُّور". ‏وقالوا: اسمه "اللطيف" لأن لطفه تعالى مشهود، وكل ‏شخص صادق فيما يقول لأن الوسعة الإلهية فوق العقول.‏


فمن أشهده الله سرَّ اسمه"الحيّ" وعاين سريان الحياة من ‏مدد محيي الأكوان، ورأى سر"القيُّوم" الذي قامت السموات ‏والأرض بأمره، وهو على ما عليه كان، وصل إلى الله من ‏هذا الاسم، وكان في حقه هو الاسم الأعظم.‏


ومنهم: من كشف له الستائر عن خفيِّ لطفه، فشاهد ‏أنوار"اللطيف" وعطفه، فوصل إلى الله من هذا الباب، ونال ‏الأنس والاقتراب.‏


ومنهم: من أطلعه الله على اسمه"النور" المشرق في الوجود، ‏ففني عن نفسه ، واستغرق في الشهود.‏


وبالاختصار... فإن لله سبلاً لا تحصى، وكلُّها توصل إلى ‏جنابه، وتجذب العبد إلى رحابه."اهـ‏



اقتباس:============= الحاشية ====================


(1) ‎ ‎‏: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اسم الله الأعظم هو الله.‏

(2) ‎ ‎‏: أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أنس رضي الله عنه قال: " كنت مع النبي صلى الله ‏عليه وآله وسلم فدعا رجلٌ قائلاً: يا بديع السموات والأرض ، يا حي يا قيوم، ‏إنني أسألك " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" والذي نفسي بيده دعا الله ‏باسمه الذي إذا دعي به أجاب". وأخرج الإمام أحمد في المسند بسنده عن أنس رضي ‏الله عنه قال:" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورجلٌ قائم يصلي، فلما ‏ركع وسجد وتشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله ‏إلا أنت ، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم!" فقال ‏صلى الله عليه وآله وسلم: لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا ‏سئل به أعطى". انظر: مسند الإمام أحمد 3/245و256 .‏" اهـ85




(يتبع إن شاء الله تعالى.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:57 PM

" ‏وقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ‏أنَّ الاسم الأعظم في آخر سورة الحشر (1) ، وأول سورة ‏الحديد (2) ، وهذا دليلٌ على أن مجموعة تلك الآيات فيها أسماء ‏إذا انكشفت عرفتك الذات العلية، ومتى عرفتها استجاب لك ‏الحق لأن السبب في عدم الإجابة جهلك بمن تدعوه، وعدم ‏أدبك معه، كالرجل الذي يصلي من غير وضوء، فلو صلى ‏طول حياته لا يقبل منه، والأسماء التي أشار إليها رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وسلم في أول سورة الحديد قوله تعالى:‏‎ ‎{ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ‏عَلِيمٌ }(3) ‏. ‏


ثم قال:‏‎ (‏ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا ‏يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }‏(4) ‏ ‏.‏


فعرف العبد أنه: الأول قبل كل شيء، والأشياء بمدده ‏ظهرت (5) ، وأنه الآخر الباقي بعد كل شيء.‏ وأنه: الباطن عن كل العوالم، وسرّه لا ينشر، وأنه عليم ‏بطوايا النفوس، وأنه: معنا كما يليق بجنابه، لأنه "قُدُّوس" .‏


ومن فهم تلك المعاني وأنها للذات العلية، وناداه وهو ‏متحقِّقٌ بأوصاف العبودية، فقد عرف الاسم الأعظم في حق ‏نفسه.‏" اهـ


اقتباس:============================ الحاشية =================================

(1) ‎ ‎‏: أخرج الديلمي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسم الله ‏الأعظم في ستة آيات من آخر سورة الحشر". وهي قوله تعالى:‏‎ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ ‏إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ ‏الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا ‏يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ‏السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏}‏.‏

(2) ‎ ‎‏: أخرج ابن النجار في تاريخ بغداد بسند ضعيف عن ابراء بن عازب قال: قلت لعلي ‏رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين أسألك بالله ورسوله إلا خصصتني بأعظم ما خصك به ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم واختصه به جبريل، وأرسله به الرحمن، فقال: إذا ‏أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول سورة الحديد إلى آخر ست آيات منها ‏{عليم بذات الصدور} وآخر سورة الحشر يعني أربع آيات، ثم ارفع يديك فقل: يا ‏من هو هكذا أسألك بحق هذه الأسماء أن تصلي على محمد وأن تفعل بي كذا وكذا مما ‏تريد، فوالله الذي لا إله غيره لتنقلبن بحاجتك إن شاء الله.وهي قوله تعالى:‏‎ { سَبَّحَ لِلَّهِ ‏مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي ‏وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ‏عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا ‏يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ‏مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ‏يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ‏.‏

(3) ‎ ‎‏: سورة الحديد – الآية 3.‏

(4) ‎ ‎‏: سورة الحديد – الآية 4.‏

(5) ‎ ‎‏: وقد قال سيدي ابن عطاء الله – رضي الله عنه - في حكمه: "نعمتان ما خرج موجود ‏عنهما ، ولا بد لكل مكوَّن منهما : نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد" . يعني : أنه لا بد ‏لك مكوَّن _ بفتح الواو المشددة _ ؛ أي موجود ، من نعمتين لا يخرج عنهما : ‏الأولى: نعمة الإيجاد ؛ أي نعمة هي إيجاد الله إياه بعد العدم السابق ، والثانية: نعمة ‏هي إمداد بالمنافع التي تقتضي بقاء صورته وهيكله إلى أجل مسمى . فهو المنعم ابتداءً ‏ودواماً .ثم قال:" أنعم عليك أولاً بالإيجاد ، وثانياً بتوالي الإمداد" .وقد وجه الكلام ‏في هذه الحكمة على طريق الخطاب ؛ ليستحضرهما الإنسان في نفسه ، ويعلم أن ‏الإمداد متواصل لا يتخلله انقطاع ، فيعرف من نفسه الفاقة الذاتية.‏" اهـ



(يتبع إن شاء الله تعالى ..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:57 PM

"ومن كاشفه الله بسرِّ قوله:‏‎ { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ ‏وَالأَرْضِ }‏ (1) ‏ ‏. فهم سرَّ المثل المضروب ، وسكن نور المعرفة ‏في القلوب. فالسماوات والأرض خلقا من العدم وهو ظلام، ‏فالذي نوَّرهما بالوجود هو الله لتهتدي إليه الأنام.‏


وذوق اللسان: سرى فيه مدد "النور" فانتفع بتمييز ‏الأشياء.‏


واللَّمْس: أمدَّه بالنور الروحاني، فتباعد عن الضرَّاء.‏


والشَّم: أفيض عليه سرّ"اللطيف" ففرَّق بين الكريه ‏والطيب.


ولولا ظهور "النور" في الأرض والسموات، لما وصل أحدٌ ‏من المخلوقات، ، فنوره هو الدليل عليه، إذ الأمر منه وإليه، ‏فهو "النور"، والمنور، وهو "الهادي" والمسخر.


ولا تظنَّ أن النور هو النور المحسوس بالبصر، ولكنه نور ‏العلم والفهم والبصيرة، والعبرة ، والمدد الروحاني.‏


فَرُبَّ أعمى البصر وهو غارقٌ في هذا النور، ورُبَّ بصير ‏وهو غارقٌ في ظلام الجهل مقبور.‏


فالعارف لا يرى شيئاً في الوجود إلا ويتجلَّى له النور، ‏فيواجه ربه بنور المعرفة، فيصير نوراً على نور.


فمن عرف ذلك نادي:" يا نور!" قال له الحق: لبيك. لك ‏العزُّ في الدنيا ، ويوم النشور، ويكون الاسم الأعظم في حقه ‏هو اسمه تعالى:"النور"‏ ‏(2) .‏" اهـ



اقتباس:=========================== الحاشية ===============================

(1) ‎ ‎‏: سورة النور - الآية 35.‏

(2) ‎ ‎‏: وذلك لظهور الاضطرار عند هذه الحالة من العبد، والاضطرار من أعظم أسباب إجابة ‏الدعاء، وأقوى أسباب الحضور، لذا قال سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله ‏عنه وارضاه:" ما طلب لك شيء مثل الاضطرار ، ولا أسرع بالمواهب إليك مثل ‏الذلة والافتقار". أي ما طلب لك _ أيها المريد _ الحوائج من الله تعالى شيء مثل ‏الاضطرار إليه ؛ إذ به تقع الإجابة لقوله سبحانه :‏‎{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاه }‏. ‏فقوله طلب مبني للفاعل الذي هو شيء فيكون شبه الاضطرار بشخص طالب . ‏ويحتمل بناؤه للمفعول وشيء نائب فاعل على معنى أن أحسن مطلوب يطلبه العبد ‏الاضطرار ؛ وهو أن لا يتوهم من نفسه حولاً ولا قوة ، ولا يرى لنفسه سبباً من ‏الأسباب يعتمد عليه أو يستند إليه ، بل يكون بمنزلة الغريق في البحر ، أو التائه في ‏التيه القفر ، لا يرى لغياثه إلا مولاه ، ولا يرجو لنجاته من هلكته أحداً سواه . ‏

والذلة والافتقار أمران موجبان لإسراع مواهب الحق تعالى إلى العبد المتصف بهما ، ‏وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:‏‎ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ‏}‏ (123) آل ‏عمران . فذلتهم أوجبت عزتهم ونصرتهم ، كما قيل في هذا المعنى : ‏


‏ وإذا تذللت الرقاب تقرباً ‏ *** منها إليك فعزها في ذلها


‏ وما ألطف قول بعضهم :


‏ حيث أسلمتني إلى الذال واللا *** م تلقيتني بعين وزاي‏


‏ وافهم هاهنا قوله صلى الله عليه وسلم : " لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز ‏الجنة " . ‏


‏ لو أنك لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ، ومحو دعاويك ، لم تصل إليه أبداً . ولكن ‏إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك ‏لا بما منك إليه . أي لو أنك لا تصل إلى الله تعالى _ أيها المريد _ إلا بعد فناء ‏مساويك ؛ أي عيوبك ، ومحو دعاويك التي تدعيها من نسبة الأعمال إلى نفسك ، لم ‏تصل إليه أبداً ؛ لأن المساوي والدعاوي طبعك ، ولو لم يكن إلا إرادتك تحصيل هذا ‏الغرض بنفسك لكان كافياً، فلو تأملت وجدت محاسنك كلها مساوي ، ولو كنت ‏رأس المخلصين ، وأحوالك كلها دعاوي ، ولو كنت أصدق الصادقين . ‏{وَلَوْلا ‏فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} ‏. ولذا قال أبو العباس المرسي : ‏لن يصل الولي إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى ؛ يعني انقطاع ‏أدب لا انقطاع ملل . وقوله : غطى وصفك بوصفه ؛ أي أظهر لك من صفاته السنية ‏ما تغيب به عن صفاتك البشرية ، فتكون في مقام الحب الذي قال في صاحبه : " فإذا ‏أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش به، ‏ورجله التي يمشي بها " . وصاحب هذا المقام لا تكون له إرادة مع مولاه ؛ لأنه ما ‏وصل إلى الله إلا بما من الله .‏‎ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏}‏.‏" اهـ92




(يتبع إن شاء الله تعالى مع مشاهدة العارفين..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:58 PM

مشــــاهد العارفيــــن



"من العارفين من أشهده الله رحمته التي وسعت الأشياء، ‏وتجلى له العطف الشامل لأهل الأرض والسماء، فهو يرحم ‏الديدان في طوايا الأرض فيعطيها الأرزاق.


ويعطف على الجنين في الأحشاء فيصوره كيف يشاء، ‏ويعطف الدابة على ولدها حناناً منه وكرما، ويقبل التوبة عن ‏عباده ويبدل سيئاتهم حسنات.‏


فمن كاشفه الله بسر رحمته فقال:" يا أرحم الراحمين" قال ‏له الحق :" إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك بوجهه، ما ذا ‏تريد؟. كما ورد في بعض الاثار ‏(1) .‏


ومنهم: من كاشفه الله بسر الألوهية، وتجلَّى له اسمه الجامع ‏لكل الأسرار العلية، فذلك هو الفرد الجامع، والنور الساطع، ‏لأن حضرة الألوهية حضرة الكمالات الذاتية، التي ينفعل لها ‏كل موجود في البرية.‏


والواصل إلى تلك الحضرة يكون قلبه مع الحق، وجسمه ‏مع الخلقن يعامل الله في المخلوقات ، وغض الطرف عن ‏العورات.‏


قال الأستاذ الجنيد (2)‏ رضي الله عنه: ‏

‏"إن لي ثلاثين سنة أعامل الحق بالأقوال والأعمال، والخلق ‏يظنون أني أعاملهم، وهم بحالي جهَّال".‏


فمن عرف الله فهو السعيد، يرى الذلَّ لله هو العزّ الدائم، ‏والفقر لله هو الغنى والغنائم.‏ يرى الموت عن حظه هو الحياة، يرى الضعف هو أكبر ‏جاه تسطع له أنوار العزة، وتلوح له سطوة الجبروت، فيفر ‏من العوالم إلى الحي الذي لا يموت، فإن قال: " يا الله!" لبَّاه ‏وحيَّاه.‏


قال الإمام أبو العزائم – رضي الله عنه وأرضاه -:

‏" إن سرَّ الاسم الأعظم في الاضطرار، وشهود الافتقار". ‏قال تعالى:‏‎ { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ‏السُّوء } (3)‏ ‏ ‏.‏


فاخلع من قلبك كل شيء ترتكن عليه، وأقبل بالاضطرار ‏إليه، وشاهد أنك الغريق في بحر الأهوال وأنه" المغيث" المنقذ ‏من الوبال.‏" اهـ96


اقتباس:========================= الحاشية ====================

(1) ‎ ‎‏: عن أبي أمامة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ ‏تَعالى مَلَكاً مُوَكَّلاً بِمَنْ يَقُولُ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالها ثلاثاً قالَ لَهُ المَلَكُ: إنَّ ‏أرْحَمَ الرَّاحِمينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ".رواه أبو داود والترمذي ، وقال: هذا حديث ‏حسن صحيح وابن ماجه (3828) ، والنسائي في الكبرى. وقال السخاوي بعد ‏تخريجه من طرق: هذا حديث حسن أخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود الطيالسي، ‏والبخاري في الأدب المفرد، ورواه الدارقطني في الأفراد من طريق أخرى... الفتوحات ‏الربانية 7/191‏

(2) ‎ ‎‏: هو الجنيد بن محمد ، أبو القاسم الخزاز ، وكان أبوه يبيع الزجاج ، فلذلك كان يقال ‏له : القواريري ، أصله من نهاوند، ومولده ومنشؤه بالعراق ، وكان فقيهاً ، تفقه على ‏أبي ثور ، وكان يفتي في حلقته ، وصحب السري السقطي ، والحارث المحاسبي ، ‏ومحمد بن علي القصاب البغدادي ، وغيرهم ، وهو من أئمة القوم وسادتهم ، مقبول ‏على جميع الألسنة. توفي سنة سبع وتسعين ومائتين ، يوم السبت (وقيل توفي في آخر ‏ساعة من يوم الجمعة، ودفن يوم السبت ) رضي الله عنه ونفعنا به وبأمثاله في الدارين ‏‏.(انظر طبقات السلمي 155 ومابعدها ، وحلية الأولياء 10/255، طبقات الشعراني ‏‏1/98، المنتظم 6/105 ) .‏

(3) ‎ ‎‏: سورة النمل – الآية 62.‏" اهـ96




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: "وقد وردت أدعية كثيرة.... ) ‏

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:58 PM

"وقد وردت أدعية كثيرة يشير إليها رسول الله صلى الله ‏عليه وآله وسلم أن فيها الاسم الأعظم، وهي بالنسبة ‏لصاحبها الذي نال سرَّها وخصوصيتها ‏(1) .‏


وفي الحقيقة: أن سرَّ الاسم الأعظم لا يؤخذ من الكتب، ‏وإنما يؤخذ من أفواه العارفين، الذين رفعت لهم الحجب، فإن ‏كل إنسان له استعدادٌ لاسم يخصُّه ينال به الإسعاد:-‏


فمنهم: من يهيمه الجمال فيحظى بالوصال.‏


ومنهم: من يهذِّبه الجلال فيفوز بالكمال.‏


ومنهم: من يكون دواؤه في اسمه "الواسع، القادر".‏


ومنهم: من يكون عطاؤه في اسمه "المانع، القاهر".‏


فابحث عن العارفين لتحظى بالكنـز الدفين (2) ‏." اهـ100


اقتباس:================== الحاشية =================‏


" (1) - ‏: منها على سبيل المثال لا الحصر : ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة من ‏حديث أسماء بنت زيد:" إن اسم الله العظم في قوله تعالى:‏‎ {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ ‏إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }وأوائل آل عمران في قوله:‏‎ {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ ‏الْقَيُّومُ }‏.


وروي في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن بُريدةَ رضي ‏اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللَّهمّ إني أسألك بأني ‏أشهدُ أنك أنتَ اللّه لا إِلهَ إِلاّ أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له ‏كفواً أحد. فقال: "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ تَعالى بالاسْمِ الَّذي إذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ ‏أجابَ" وفي == رواية "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ باسْمهِ الأعْظَمِ" قال الترمذي: حديث حسن. ‏وأخرج الديلمي : أن اسم الله العظم في آيات آخر سورة الحشر – كما مر -. ‏


‏ وفي مجمع الزوائد: وعن أنس بن مالك قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عياش ‏زيد بن الصامت الزرقي وهو يصلي وهو يقول: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا ‏إله إلا أنت، يا منان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام. فقال رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم: "لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا ‏سئل به أعطى". رواه أحمد والطبراني في الصغير ورجال أحمد ثقات إلا أن ابن ‏إسحاق مدلس وإن كان ثقة.


وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي ‏والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم جالسا في الحلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، ‏فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك ‏لك، المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني ‏أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي ‏به أجاب، وإذا سئل به أعطي".


‏ وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن الضريس عن بريدة قال: دخلت ‏مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ويدي في يده، فإذا رجل يصلي يقول: ‏اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا نت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم ‏يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد دعا الله ‏باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب".


وعن أنس بن مالك ‏عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على عائشة ذات غداة فقالت: بأبي وأمي يا ‏رسول الله، علمني اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، فأعرض ‏النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقامت فتوضأت فقالت: اللهم إني أسألك من ‏الخير كله، ما علمت منه وما لم أعلم، وباسمك العظيم الذي إذا دعيت به أجبت ‏وإذا سئلت به أعطيت. فقال:"والله إنها لفي هذه الأسماء". رواه الطبراني في ‏الأوسط. ‏


‏ وتطول الروايات في هذا الباب تأصيلاً وتفريعاً وتعليقاً، وإلحاقاً ، واستنتاجاً، وليس من ‏مقصودنا هنا غير أنه مما تحسن الإشارة إليه ما ورد ثابتاً من أن اسم الله الأعظم جاء ‏في دعاء يونس:‏{‏ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ‏}، وفي دعاء آدم ‏وحواء عليهما السلام:‏‎ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِن ‏الْخَاسِرِينَ ‏}‏ وهناك آثار أخرى سترد في ثنايا هذا الكتاب عن المحدثين والأولياء ‏والصالحين رجال البركة والمدد. وقد ألف كثير من الئمة والمحدثين، وأهل الله العارفين ‏رسائل كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تبركاً:

‏ 1 - جواب من استفهم عن اسم الله الأعظم لابن بنت الميلق. ‏
‏ 2 – الدر المنظم في الاسم الأعظم للإمام السيوطي.‏
‏ 3 – غاية المغنم في الاسم الأعظم لابن الدريهم. ‏
‏ 4 – القول الأتم في الاسم الأعظم – للإمام السخاوي.‏
‏ 5 – لباب المغنم في معنى الاسم الأعظم لسيدي عمر اليافي.‏
‏ 6 – السر الملهم في بيان معرفة الاسم الأعظم لمحمود أبو الشامات.‏
‏ 7 - التوحيد الأفخم بالتوسل بالاسم الأعظم لحسن بن رضوان.‏
‏ 8 – العقد المنظم في الاسم الأعظم – لابن طولون.‏
‏ 9 – بهجة النور الأتم في بيان اسم الله الأعظم لمحمد بن عمر الغزي.‏
‏ 10 – في رياض الاسم الأعظم – للشيخ محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية ‏رضي الله عن الجميع، ونفعنا بهم وأمدنا بإمداداتهم.


(2) ‎ ‎‏: وفي كلامه هذا حثٌّ منه - رضي الله عنه - على ضرورة صحبة المشايخ العارفين ، ‏والبحث عنهم أنى وجدوا، لينال المحب الصادق حظه منهم في تدريب النفس على ما ‏تكره، وامتثال ما تؤمر، لأن هذا الأمر لا يكون إلا على يد شيخ مربٍّ، عارف ‏بدقائق النفس، ومداخل الشيطان، ليصف لمريده الدواء الشافي، من كتاب الله تعالى، ‏وسنة رسوله، ومجاهدة الشيطان وجنده من الإنس والجان، ومخالفة الهوى، وما إلى ‏ذلك من قواطع تكون في طريق المريد أثناء سلوكه إلى رب العالمين، ومن لم يكن له ‏في هذا الأمر شيخ فلا يطمع في النجاح والفلاح، والوصول لا يكون إلا على يد شيخ ‏مربٍّ صادق من شيوخ التربية ولو لم يكن هذا الشيخ من أساطين العلم، فالمعلوم ‏والمجرب عبر سلسلة كثير من الأئمة العارفين أن أكثرهم كانوا من الذين حصلوا ما ‏هو مطلوب من العلوم الشرعية الضرورية لإقامة العبادات على وجهها الصحيح ، ثم ‏اشتغلوا بتهذيب نفوسهم، وترقيتها، إلى أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فكان من ‏تلاميذهم ومريديهم كبار الأئمة من علماء الظاهر، منهم سيدي أبي الحسن الشاذلي ‏مع شيخه سيدي عبد السلام بن مشيش - وقد كان رضي الله عنه من أساطين العلم ‏‏- وكذلك سيدي ومولاي العربي بن أحمد الدرقاوي الشاذلي مع شيخه سيدي علي ‏الجمل، وكذلك سيدي الإمام الشعراني مع سيدي علي الخواص – رضي الله عنهما ، ‏وكذلك سيدي محمد بن المبارك مع سيدي عبد العزيز الدباغ، وغيرهم كثير كثير ‏مبارك، لا يتسع له المجال هنا. رضي الله عنهم وأرضاهم وأمدنا بمددهم، ونفعنا ‏ببركتهم في الدارين بجاه سيد الكونين صلى الله عليه وآله وسلم. ‏" اهـ100




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: أسباب السعادة.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:59 PM

أسباب السعادة


"روي أن رجلاً في زمن سيدنا موسى - على نبينا وعليه ‏أفضل الصلاة والسلام - وقع في مخالفة فقال الحقُّ سبحانه ‏لسيدنا موسى:" لأسلِّطنَّ عليه بلائي". ‏


فصعد الرجل على الجبل وقال:‏ ‏"يا ربَّاه! أنا أنا، وأنت أنت". فعفا عنه الحق، وأكرمه. ‏وأدخله في رياض الرضا ونعمه، وكان ذلك هو الاسم ‏الأعظم في حقِّه، ولبَّاه ربه لحسن صدقه ، فكأنه قال: ‏‏"أنا العبد وصفتي العيب، وأنت الموصوف بالكمال، العالم ‏بالغيب، لا تضرُّك المعاصي، ولا تنفعك الطاعات. أنا الفقير ‏وأنت الغني".


فمن تحقق بهذه المعاني وقال للحق:أنا أنا، وأنت أنت. ‏أجابه الحق في الحال ولبَّاه في السؤال.‏


ومن العجيب : أن الأسماء الحسنى عربية، وكلامنا عربي، ‏والأدعية المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم ‏‏- عربية، فلا يصح العدول عنها إلى الأسماء السريانية، أو ‏العبرانية، لأن معانيها غير مفهومة، وربما كانت مطوية على ‏معاني غير شرعية، فيقع العبد في البلية.‏


ولا يجوز الذكر بها إلا بالتلقي من أستاذ عالمٍ تقيّ، واصل. ‏أما أخذها من الكتب فلا يجوز له، لأن أسماء الله - تعالى - ‏فيها كل الحقائق وفيها الكنـز لكلِّ صادق (1) ‏. "اهـ106


اقتباس:====================== الحاشية ====================‏

(1) واستكمالاً للبحث نقول: ذهب كثير من الصالحين بحسن النية والترخص إلى أن اسم ‏الله الأعظم وارد في غير اللغة العربية، ثم لكل لغة بركتها ، وأسرارها كما في قوله ‏تعالى:‏‎ { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} ‏. وقوله تعالى:‏‎ { وَإِنَّهُ ‏لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ }‏. وهو استدلال فيه مقال طويل، ثم لمجرد الإحاطة والتثقيف نثبت ‏هنا بعض هذه النقول إن صحَّت نسبتها – ولا نظنُّ ذلك -: ‏


‏ نقل الشيخ السباعي في رسالته ؛ أن اسم الله الأعظم هو هذه الكلمات:" أهم سقك، ‏حلع، يص، طرن". وهذه هي مجموعة الحروف المعروفة بالنورانية. من حيث إنها ‏فواتح السور القرآنية، ولكن لا دليل عليها من الكتاب أو السنة.‏


‏ ونقلوا عن سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وأرضاه وعنا به في ورد البسملة : ‏أن اسم الله الأعظم هو:"طهور، بدعق، محببه، صوره، محببه، سقفاطيس، بطد، زهج، ‏واح، سقاطيم، أحون، قاف، أدم، حمَّ، هاء، آمين". وهي ألفاظ ساذجة ليس لها ‏دليل علمي قط!، على أنها أو منها أو فيها الاسم الأعظم!.‏


‏ ونقلوا عن سيدي أبي الحسن الشاذلي – رضي الله عنه وأرضاه وعنا به – ما جاء في ‏‏(دائرته) المعروفة، وإن كان أكثر أشياخنا – ونحن معهم – ينكر نسبتها إليه جميعاً، لا ‏محالة.‏


‏ ونقلوا عن الإمام الدسوقي – رضي الله عنه وأرضاه وعنا به – في أحزابه قوله " بهيا ‏بهيات"، أو " كدكد، كردد، كردد، ده ده". إلى آخره ، وشأنها شأن المنسوب إلى ‏سيدي الشيخ الجيلاني تماماً، ونستغفر الله تعالى.‏


‏ أما ما قد يجده الذاكر بهذه الألفاظ من آثار مختلفة فهي: إما من ألاعيب الشيطان، ‏أو من أثر حسن النية، أو من صدق التوجه القلبي، أومحض الصدفة العابرة".‏


‏ ونقلوا عن بعض الأولياء - رضي الله عنهم - أن الاسم الأعظم " لمقفنجل" أو " ‏أهطم فشذ". كما نقلوا عن غير هؤلاء أنه:" آهيا شراهيا، أدوناي، أصباءوت، آل ‏شداي" كما نقلوا كذلك عن بعضهم ما يسمى:"التهاطيل السبعة" 0000إلخ.‏


‏ أما لفظ: "آه" و "هو"، فليس من الأعجمية في شيء، وللإمام الرازي في تفسير الفاتحة ‏بحث عظيم للفظ:"هو" يرجع إليه، ولبعض الشاذلية كلامٌ في" آه" وهنا لا بد من ‏ملاحظة أمرين غاية في الأهمية:‏


‏ أولاً: أنه ليس في جميع لغات الأرض أشرف لغة من العربية ، ولا أسمى، ولا أحب إلى ‏الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ويكفيها مجداً وشرفاً وقدساً أن نزل بها القرآن ‏الكريم، وأنها لغة خاتم النبيين، وهي لغة أهل الجنة، معنى هذا أن فيها الأسرار والأنوار ‏والبركات والغيوب، ما لا يمكن أن يكون في غيرها من اللغات الأخرى على ‏الإطلاق، بلا نزاع، ذلك كله بالإضافة إلى خصيصة سمو البيان والبلاغة، وأبَّهة ‏التركيب، وإعجاز الأداء، وخلود المعنى، وإشراق الحرف واللفظ، وحلاوة الجملة، ‏والديباجة، وإحاطة المضامين والمفاهيم، وحسبك ما جاء من أنها اللغة التي سوف ‏يحدِّث الله بها عباده في الجنة.


‏ ثانياً: إنه لم يأت في لفظ آية أو معناها، ولا في صحيح أو ضعيف من نص حديث ‏نبوي ، أو قول صحابي أو تابعي، أو معنى حديث، تفضيل عبادة الله أو ذكره، ‏والابتهال إليه بغير اللغة العربية، أو أن في غيرها أية ميزة عليها، فاللجوء إلى غيرها ‏إذن استدبار للأفضل، وتعلق بالأدنى، وسقوط على الشبه والمحاذير، في مقام لا يرتبط ‏العبد فيه بغير الأسمى والأسنى، ليرتقي في معارج القرب إلى حضرات الأنس والمدد ‏الإلهي. ‏


‏ وحسبك الخلاف بين علمائنا – رضي الله عنهم – في حكم جواز قراءة الفاتحة بغير ‏العربية في الصلاة، وهل تجزيء أم لا؟. بل هل تصح بها الصلاة أم لا؟. وهو بحث ‏طويل متشعب يرجع إليه في كتب الفقه والأصول.‏


‏ إذن: فليس من الجائز – فيما نعتقد ونحرر – الالتفات إلى التعبد بهذه الألفاظ إلا في ‏حالتين:" عند الاقتضاء الهام": الأولى: عند التأكد من تمام المطابقة الترجمة وصحة ‏المعنى، حتى لا يكون اللفظ شركاً، أو كفراً، او معصية، أو من أسماء الملائكة الأعلياء ‏كما يزعمون، أو أسماء الجن، أو ألفاظ السحر، أوعبثاً يحاسب عليه، فنحن إنما نعبد ‏الله ونذكره، لا نعبد الملائكة ولا الجان، فنكفر أو نشرك ، ولا ندري.‏


‏ الثانية: تكون القراءة لمجرد تحصيل البركة من هذه اللغة العجمية على فرض أن فيها ‏روائح بركة، إضافة إلى بركة اللغة العربية، ثم تيمناً بالقدوة وحسن الظن بالأشياخ ‏فقط، إذا صحت نسبة هذه الألفاظ إليهم، - ولا نظنُّ ذلك، ولا نجادل من يظنّ - ‏فالذي دسّوه زوراً على أولياء الله كثير في كل جانب، ولا حول ولا قوة إلا بالله ‏العلي العظيم. انتهى ما ذكره نصاً سيدي البركة الشيخ محمد زكي إبراهيم في رسالته ‏القيمة "في رياض الاسم الأعظم" صفحة 34 وما بعدها، فانظرها. "اهـ 106 ‏




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الكون في رقيٍّ على الدوام‏ .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 04:59 PM

الكون في رقيٍّ على الدوام‏


"إنَّ الحقَّ - سبحانه وتعالى - قدّر أن يفيض الكمال على ‏أهل الوجود، فواجههم بأنوار قدرته بالتدريج والألطاف، ‏أظهر الآيات الدَّالَّة على وحدانيته، فوحَّدوه. وأقام لهم ‏الدلائل على كرمه فأحبُّوه. ولما تقوَّتِ العقول بظهور الآيات ‏أشرق عليها أنوار التجليات، ومعاني الأسماء والصفات، ‏وكلَّما مضى زمان تجلَّى للعارفين بمعنى أرقّ، فيزداد الحبُّ ‏والإيقان.


فمن ذلك: أن الله تجلَّى باسمه "الرحيم" فخلق الحيوانات ‏رحمة بالإنسان، تحمله ، وتحمل أثقاله إلى أماكن بعيدة (1) ، ‏فتجلَّى برحمة أوسع فألهم الإنسان سر الطائرة، وسرَّ الكهرباء ‏في السلب والإيجاب، وانبعاث التيار، فكان من أعظم مظاهر ‏تجلِّي "الرحمن" وشهود نور اسمه "السريع" ظاهراً للعيان.‏


ومن ذلك: تجلِّيه بمعاني الهداية والنور في عالم الأجسام، في ‏مظاهر المسرجة والفتيلة لإضاءة الظلام، فتجلَّى في مظهر ‏الإشراق بالكهرباء حتى أصبح الليل نهاراً من شدة الضياء.


وكان متجلياً باسمه"الشافي" في مظاهر محدودة ، ولكنه ‏تعالى تجلَّى فلطَّف الدواء بالتحليل والتركيب والسحق ‏والتهذيب، وتجلَّى بالرؤوف العطوف، فكشف سر البنج، فلم ‏يشعر المريض بالتعذيب. ‏


وكان متجلياً باسمه "الستَّار" في ملابس الكتان، والقطنن ‏والشعر، والوبر، فنوَّعها إلى أنواع شتى في دقَّتها ورقَّتها، ‏وجمالها ونعومتها. ليعرِّفك من معاني اسمه"الستار" ما يجذب ‏الأرواح إلى الغفار.‏


وكان متجلياً باسمه "الحفيظ" الواقي، في مساكن وأكواخ ‏وخيام ومنازل، لم تكتمل بالنظام التام، فتجلى باسمه"الحفيظ" ‏الواقي، في منازل محكمة، ومباني منظَّمة، مرتَّبة، منقوشة ‏بالألوان، مزخرفة، تشرح صدر السكان.‏


تجلَّى باسمه "الباسط" فبسط لنا طرق السير، وذلَّل للسالك ‏مصاعبها، ومتاعبها، فمهَّد لنا الطريق في أمان وسلام.‏


وكان يتجلَّى باسمه "الرزَّاق" في مظاهر الأرزاق، فنوَّعها ، ‏وأبدع منها العجائب والغرائب، فمن ذلك أنواع الفواكه ‏الكثيرة، والنباتات المتنوعة، حتى نشهد أنه "الظاهر" المتجلي ‏في كل نفس بمعاني جديدة، وعلوم مفيدة.‏


ومن ذلك: تجلِّيه باسمه"القادر" "النافع" في المراكب ‏الشراعية، فتجلَّى باسمه "المعين" فصيَّرها أساطيل بحرية.‏ قال تعالى:‏‎ {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ ‏الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُون}‏(2) ‏ ‏.‏


ومن ذلك: تجلِّيه بأنوار اسمه"القريب" فقرَّب لنا البعيد، ‏وكان ذلك في مظاهر البريد، فتجلَّى بنور ها الاسم في ‏التلغراف، والتليفون، والطائرة، فأصبح الذي في المشرق كأنه ‏مع أهل المغرب.‏


ومن ذلك: تجلِّيه باسمه"الحفيظ"، "الشديد" في مظاهر ‏السيف، والنشاب، والدرع، والسهم، على ظهر الخيل، ‏فتجلَّى بنور اسمه:"الحفيظ" الشديد" في مظاهر المدافع، ‏والدبابات، والمدرَّعات، والغوَّاصات.‏


وإنما ضربت لك هذه الأمثال لتأنس بظهور العلي المتعالي، ‏وهكذا باقي الأسماء، تترقَّى مظاهرها بأمر مولاها وخالقها، ‏فمتى شهدت عيون روحك الأسماء صارت الآثار هباء.‏


هذا عالم الأجسام ، أما عالم الأرواح فإنه في رقيٍّ دائم ، ‏وظهور جديد بأمر رب العوالم، فكل تجلٍ لروحك فالذي ‏بعده أرقى من الأول، فسبحان "الواسع" الذي لا يحول ولا ‏يزول.‏" اهـ111

اقتباس:====================== الحاشية =====================

(1) ‎ ‎‏: قال تعالى:‏‎{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ‏حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِق ِّ ‏الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا ‏لاَ تَعْلَمُونَ} ‏ سورة النحل – الآيات 5 - 8.‏


(2) ‎ ‎‏: سورة يس – الآية 41.‏


( يتبع إن شاء الله تعالى مع تجلِّيات الأسماء الحسنى.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:00 PM

تجلِّيات الأسماء الحسنى



"احذر أن تشهد تلك الحقائق على سبيل الحلول، فإن ‏حضرة الرب فوق العقول، ولكن تلك المعاني مشهودة لعيون ‏الأرواح.‏


وقد تجلَّى باسمه "العليم" فكشف من أسرار الكائنات، ‏وأظهر من معاني الآيات ما به اطمأنَّت الأرواح، واستراحت ‏الأشباح.‏


ففي كل حينٍ يكشف للعقول من أسرار الحقائق ما يدلُّها ‏علىالبديع الخالق، كشف لنا سرِّ الهواء وما فيه من الجراثيم، ‏وسخَّره لنا لما به من الخواص، فاستعملناه في مصالحنا، ‏فالراديو واللاسلكي ، وسرّ تلقيح النباتات، كل ذلك من ‏أسرار اسمه "العليم"، ولولا إلهامه وتعليمه لما تعلَّم إنسان.‏


وتجلَّى بنور اسمه "الخلاَّق" فأظهر لنا من بديع الخلق، ‏ودقيق الصنع ما يدلُّ على قدرته وعزَّته ووحدانيته. قال ‏تعالى:‏‎ { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }‏(1) ‏ ‏.‏


وكلُّ ذلك من معجزات القرآن، فإنه أشار إلى أسرار تلك ‏الحقائق، وأصبح القرآن تتجلَّى معانيه وتتبين أسراره، فلا تظنّ ‏أن عطاء الله مقيَّدٌ بزمان ومكان، فافتح عيون البصيرة ترى ‏الوجود في رقيٍّ وكمال في كل آن. قال تعالى:‏‎ {وَمَا كَانَ ‏عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا }‏ (2)‏ ‏.‏


فتمتَّع بشهود الحق في دائرة الشريعة، واحذر من الخروج ‏عن الحدود، وعلى اليقظة والأدب والجدّ فحافظ.... .‏" اهـ114


اقتباس:============== الحاشية ===============


(1) ‎ ‎‏: سورة النحل - الاية رقم 8.‏

(2) ‎ ‎‏: سورة الإسراء - الآية 20.‏



( يتبع إن شاء الله تعالى مع: المعاني والمباني..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:00 PM

المعاني والمباني


"اطرح القشور، وخذ اللُّب فهو نور، فالموجودات كلهُّا ‏قسمان: مباني، ومعاني. فالمباني هي: الأشباح. والمعاني هي: ‏الأرواح مملوءة براحٍ (1)‏ من حضرة القدوس.‏


فمن طلب المباني فقد طلب الحظَّ الفاني، ومن طلب المعاني ‏نال الصفاء الروحاني، فجسمك مبنى وروحك معناه، ‏ولفظك مبنى والمعنى فيه نوره وضياه، فالآثار مباني، والآيات ‏الإلهية معاني، وتجليات الأسماء والصفات هي الراح للعاشق، ‏وفهم أسرار الشريعة هو الشفاء لكل صادق.‏


فإذا تكلَّمت فاطرح الألفاظ، يتجلَّى لك الذي أنطقك، ‏وأبرزهان وحلاَّها.‏


وإذا سمعت فاطرح اللفظ الظاهر، وتجوَّل في معناه، تر ‏‏"السَّميع" يتجلَّى للجميع، وتفنى عن الاختيار والتدبير.‏


وإذا نظرت شيئاً من الماديات فاشهد "القَيُّوم" الذي أمدَّها ‏بالحياة وتسخير الكائنات.‏


فإذا أكلت فلا تحجب بلذَّة الطعام عن "البَرِّ"، " السَّلام".‏


وإذا شممت طيباً لاح لك "اللطيف".‏


وإذا خرج منك البول أو الغائط تجلَّى لروحك "الدافع" ‏الذي دفع عنك الأذى والضر.‏


وإذا أكلت فاشهد "النافع" الذي سهَّل لك الغذاء، ويسَّرَ ‏لك القوت في هناء.‏


وإذا أعطاك الأموال والبنين فاشهد الرب المعين.‏


وإذا حملت معك سلاحاً فاشهد" الحفيظ" " الواقي".‏


وإذا نمت فاشهد "القاهر"، "المميت" فالنوم هو الموت ‏الأصغر (2) ‏.‏


وإذا رأيت جميلاً فاذكر الذي جمَّله (3) ‏.


وإذا شهدت كاملاً فاشهد الذي كمَّله.‏


وإذا رأيت النار فاشهد "الجبَّار".‏


وإذا رأيت النعيم فاذكر "الكريم".‏" اهـ



اقتباس:================= الحاشية =====================

(1) ‎ ‎‏: الرَّاحُ: في أصل اللغة هي الّتي يَرتاحُ شَارِبُها لها (وُيقَالُ: بَلْ هِيَ الّتي يَسْتَطِيبُ ‏الشَّارِبُ رِيحَها) ، (وُيقَالُ: بَلْ هِيَ الّتي يَجِدُ شَارِبُهَا رَوْحاً، (وقد جمع ابْنُ الرُّوميّ ‏هَذِهِ المعاني في قولِهِ وأحْسَنَ: ‏‏(من الكامل):‏


والله ما أدْرِي لأيَّةِ عِلَّةٍ *** يدْعونَهَا في الرَّاحِ باسْمِ الرَّاح
ألِرِيحِهَا أم رَوْحِها تَحْتَ الحَشَا *** أمْ لارْتِيَاحِ نَدِيمِهَا المرْتَاحِ


(2)‎ ‎‏: والموت: هو النوم الأكبر، وهو أخو النوم.


(3) ‎ ‎‏: وصدق من قال: وإذا رأيت الله في الكل فاعلاً رأيت جميع الكائنات ملاحا." اهـ117



(يتبع إن شاء الله تعالى مع وقد أشار الحديث الشريف إلى تلك المعاني.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:00 PM

"وقد أشار الحديث الشريف إلى تلك المعاني بقوله صلى الله ‏عليه وآله وسلم: (اذكر الله عند كل شجر ومدر)‏ [1]‏. ‏


وروي في الأثر: "إن لله رجالاً إذا رؤوا ذكر الله ‏لرؤيتهم"‏ [2] ‏. وذلك لظهور أنوار سيدهم على صورتهم.‏


وإذا رأيت عالماً فاشهد من علَّمه.‏

وإذا رأيت حكيماً فاشهد من ألهمه.‏

وإذا رأيت ذاكراً فاشهد المذكور.‏

وإذا رأيت ثياباً فاذكر "السَّـتَّار" في سائر الأمور.

وإذا رأيت مذنباً فاخشع لمقدِّر الأقدار.‏

وإذا رأيت نوراً ففرَّ لمنوِّر الأنوار [3]‏.‏

وإذا رأيت مصلِّياً فاشهد "الهادي" الموفِّق.‏

وإذا عاينت مقبلاً على الله فاشهد " الودود" الذي جذبه ‏إليه.‏

وإذا رأيت غنياً فاشهد "الباسط" ، الواسع" الذي أغدق ‏الفضل عليه.‏

وإن رأيت ضالاًّ فاشهد من استدرجه من حيث لا يعلم.‏

وإن رأيت فقيراً فاشهد :"المانع" الذي منعه، وفي ناصيته ‏تحكم.‏

وإن رأيت أولياء الله فاشهد "الولي" الذي تولاَّهم، وشاهد ‏‏"الفتَّاح" الذي أعلى ذكراهم... .‏


وهكذا لا يقع بصرك على شيء إلا وتشهد معاني الأسماء، ‏وتتمتَّع بالضياء في غاية الصفاء، فإن تحرَّكت فاشهد المحرِّك، ‏وإن سكنت فاشهد المسكِّن، وإن انشرح صدرك فاشهد ‏الجميل الودود، وإن انقبض صدرك فاشهد "القابض" الذي ‏إليه الكلُّ يعود. فلا ترى مظهراً فوقك أو تحتك، أو أمامك، ‏أو خلفك، إلا وتتجلَّى أنوار الأسماء، وأنت مغمور بالسرور، ‏آنس بالبهاء... " اهـ.‏120


اقتباس:======================= الحاشية ======================


[1] ‏: حديث:" اذكروا الله عند كل شجر وحجر" . رواه الإمام أحمد في الزهد بسنده ‏عن عطاء بن يسار مرسلاً. انظر: كنـزل العمال للمتقي الهندي – الحديث رقم ‏‏1912. المجلد الثالث.‏


[2] ‎ ‎‏: حديث: "خيار أمتي الذين إذا رؤوا ذكر الله" . رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت ‏بزيادة:" وشرار أمتي المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت" . ‏ورواه البيهقي عن عمر بلفظ خياركم الذين إذا رؤوا ذكر الله بهم. انظر: كشف ‏الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني - الحديث 1263.‏


[3] ‎ ‎‏: لأنه سبحانه وتعالى:‏‎ {نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ‏الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ ‏لاشَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ ‏لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }‏.‏




(يتبع إن شاء الله تعالى مع "ولقد كان ســيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:01 PM

"ولقد كان ســيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏ يحب الماء البارد ، لأن فيه سرَّ "الحي"، "اللَّطيف"، ‏‏"الجميل".‏


ويحب اللَّحم (2) ، لأنَّ فيه سرَّ "المقيت"،"القوي"، ‏‏"الكريم".‏


واللحم أرقى من النبات، والنبات أرقى من الجماد، ‏فاللحم فيه معارف واسعة، وأسرار نافعة.‏


وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحب الحلوى (3) ، لما فيها ‏من معنى:"الودود"، "الرحيم"،" الحكيم" ما ينبِّه العقول إلى ‏سرِّ من حلاَّها ورقَّاها، فتشرق أنوار موجدها البديع، ‏ويتجلَّى الحبيب للعبد المطيع.‏


وكان يحبُّ الطِّيب (4) ، لظهور أنوار أسمائه:"اللطيف"،، ‏‏"الجميل".‏


وكان يحب النساء (5) ، لظهور أنوار أسمائه - سبحانه ‏وتعالى -:"المصوِّر"، "الحفيظ"، "القريب".‏


فارحم المرأة فإن المرأة مظهر من مظاهر القادر القريب، ‏قال تعالى:‏‎ { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ ‏يَشَاء} (6) ‏.‏


وفي ثدي المرأة مظهر من مظاهر العناية المدهشة، فهو ‏ينبوع اللبن الذي هو أساس حياة كل حي، فهو ‏مظهر"المقيت" النافع "الحنَّان". ‏


وفؤادها مظهر من مظاهر الرحمة الكبرى على أبنائها، ‏وتحمُّلها المشقَّة في التربية، والصبر، والسهر، وتلك المعاني لا ‏توجد في الرجل.‏


وفي الحديث الصحيح: (من تزوَّج فقد كمل نصف ‏دينه)‏ ( 7 ) ‏.‏


وكان يحب العسل: لظهور اسمه "الشافي"‏ ( 8 ) ‏.‏


ويحب السواك (9)‏ : لظهور اسمه "الواقي".


فاطرح المباني فهي قشور،وتنعَّم بالمعاني فهي نورٌ على نور.‏" اهـ126

اقتباس:====================== الحاشية ==================


(1) ‎ ‎‏:‏‎ ‎قال العلامة المناوي في "فيض القدير بشرح الجامع الصغير للإمام السيوطي" الحديث ‏رقم 6508:جاء في الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وآله وسلم (كان أحب ‏الشراب إليه الحلو البارد) الماء العذب كالعيون والآبار الحلوة فإنه كان يستعذب له ‏الماء أو الممزوج بعسل أو المنقوع في تمر وزبيب. قال ابن القيم: والأظهر أنه يعمها ‏جميعها ولا يشكل بأن اللبن كان أحب إليه لأن الكلام في شراب هو ماء أو فيه ماء ‏وإذا جمع الماء هذين الوصفين أعني الحلاوة والبرد كان من أعظم أسباب حفظ الصحة ‏ونفع الروح والكبد والقلب وتنفذ الطعام إلى الأعضاء أتم تنفيذ وأعان على الهضم. ‏وقال في عارضة الأحوذي : كان يشرب الماء البارد ممزوجاً بالعسل فيكون حلواً بارداً ‏وكان يشرب اللبن ويصب عليه الماء حتى يبرد أسفله. رواه الإمام أحمد في المسند، ‏والترمذي في سننه في كتاب الأشربة عن سيدتنا عائشة وقال: الصحيح عن الزهري ‏مرسلاً والحاكم في المستدرك في الأطعمة (عن عائشة) وتعقبه الذهبي بأنه من رواية ‏عبد اللّه بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه عن عائشة وعبد اللّه هالك ‏فالصحيح إرساله اهـ.‏


(2) ‎ ‎‏: قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: أنه صلى الله عليه وآله وسلم ( كان ‏أحب الطعام إليه اللحم ويقول: "هو يزيد في السمع، وهو سيد الطعام في الدنيا ‏والآخرة، ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل" أخرجه أبو الشيخ من رواية ابن ‏سمعان قال: سمعت من علمائنا يقولون: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم اللحم... الحديث. والترمذي في الشمائل من حديث جابر: "أتانا النبي ‏صلى الله عليه وسلم في منزلنا فذبحنا له شاة فقال "كأنهم علموا أنا نحب اللحم" ‏وإسناده صحيح. وروى ابن ماجه من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف: "سيد طعام ‏أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم".‏


(3) ‎ ‎‏: في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه:" كان يحب الحلواء ‏والعسل". رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأبو داود في سننه، والترمذي في ‏سننه، والنسائي، وابن ماجة بسندهم عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها. انظر: الجامع ‏الصغير للإمام السيوطي - الحديث 6999

.‏
(4) ‎ ‎‏: حديث: "كان صلى الله عليه وآله وسلم يحب الطيب والرائحة الطيبة ويكره ‏الروائح الرديئة".أخرجه النسائي من حديث أنس: "حُبِّبَ إليَّ النساء والطِّيب". وأبو ‏داود، والحاكم من حديث عائشة: "أنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جُبَّةً ‏من صوف فلبسها فلما عرق وجد ريح الصوف فخلعها وكان يعجبه الريح الطيبة". ‏‏== لفظ الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولابن عدي من حديث عائشة: ‏‏"كان يكره أن يوجد منه إلا ريح طيبة".انظر : تخريج الحافظ العراقي لأحاديث ‏الإحياء – متاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة.‏


(5) ‎ ‎‏: ‏ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما أحببت من عيش ‏الدنيا إلا الطيب والنساء) قال العلامة المناوي في "فيض القدير بشرح الجامع الصغير": ‏ومحبته لهما لا تنافي الزهد فإن الزهد ليس بتحريم الحلال كما سلف ومحبته للطيب ‏لكونه للملائكة بمنزلة القرى والنساء لنقل ما بطن من الشريعة مما لم يطلع عليه ‏الرجال.


‏ تنبيه: قال ابن عربي قدس الله سره العزيز: ما ورد قط عن نبي من الأنبياء أنه حبب إليه ‏النساء إلا محمد وإن كانوا رزقوا منهن كثيراً كسليمان وغيره لكن كلامنا في كونه ‏حبب إليه النساء وذلك أنه كان منقطعاً إلى ربه لا ينظر معه إلى كون يشغله عنه به ‏فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم مشغول بالتلقي من اللّه ورعاية الأدب فلا يتفرغ إلى ‏شيء دونه فحبب إليه النساء عناية من اللّه بهنَّ فكان يحبهن لكون اللّه حببهن إليه، ‏واللّه جميل يحب الجمال.‏


(6) ‎ ‎‏: سورة آل عمران – الآية رقم 6.‏


(7) ‎ ‎‏: حديث: (من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان) وفي رواية:" نصف دينه"، (فليتق ‏اللّه في النصف الباقي) جعل التقوى نصفين نصفاً تزوجاً ونصفاً غيره، قال أبو حاتم: ‏المقيم لدين المرء في الأغلب فرجه وبطنه وقد كفي بالتزوج أحدهما قال الطيبي: وقوله ‏فقد استكمل جواب، والشرط فليتق اللّه عطف عليه أو الجواب الثاني والأول عطف ‏على الشرط فعليه السبب مركب والمسبب مفرد فالمعنى أنه معلوم أن التزوج نصف ‏الدين فمن حصله فعليه بالنصف الباقي وهذا أبلغ لإيذائه بأنه معلوم مقدر وعلى ‏الوجه الآخر إعلام بذلك فلا يكون مقدراً وعلى الأول السبب مفرد والمسبب ‏مركب. رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. انظر: ‏فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة المناوي – الحديث رقم 8591.‏


( 8 ) ‎ ‎‏: حديث: كان يحب العسل ويأكله. متفق عليه من حديث عائشة: كان يحب الحلواء ‏والعسل... الحديث. وفيه قصة شربه العسل عند بعض نسائه. انظر: الحافظ العراقي ‏‏– تخريج أحاديث الإحياء.‏


‎ (9)‎‏: وأمر به وحضَّ عليه في سائر الحالات خاصة عند الصلوات فقال صلى الله عليه وآله ‏وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة). رواه الإمام ‏مالك، والإمام أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحيهما. والترمذي وابن ‏ماجة في سننهما وغيرهم.‏"اهـ126



( يتبع إن شاء الله تعالى مع: "فالخلائق من التراب ، ولكن ظهر فيهم العجب العجاب‏... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:01 PM

"فالخلائق من التراب ، ولكن ظهر فيهم العجب العجاب، ‏قال تعالى:‏‎ { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ‏الأَلْبَابِ } (2) ‏. وأولو الألباب هم الذين يأخذون لُبَّ الأشياء ‏ويطرحون القشور إلى الوراء.‏


ففرَّ من المباني إلى المعاني، تدخل حضرة القدس وأنت في ‏المحبوب فاني...

.‏
اشهد في روحك سرَّ "الحيِّ القيُّوم".‏


واشهد في قلبك سرَّ "الواسع ، الحكيم"، الذي إليه ترجع ‏الأمور.‏


واشهد في عقلك سرَّ " الهادي الخبير".


واشهد في سماعك "السميع".‏


وفي بصرك "البصير".‏


واشهد في لسانك أنك سر "المتكلم" الذي أنطق الجماد.‏


وشاهد في يدك: سرَّ "القوي، المتين" الذي يغيث العباد.‏


واشهد في وجهك سرَّ"الجميل" الذي حلاَّك.‏


واشهد في بطنك "الحكيم" الذي غذَّاك.


واشهد في رأسك سرَّ "العليم" الذي منحك التفكير، ‏واشهد سرَّ من منحك التدبير.‏


ولاحظ في باطنك أنوار"الباطن". ومن ظاهرك ‏أسرار"الظاهر".


وشاهد في العظام أسرار"المتين"، وفي العروق أسرار"المنعم، ‏المعين".


وشاهد أنوار القادر الذي جمع فيك الضدين، وهداك ‏النَّجدين، ففيك الروح وهي: نور ومظهر "للهادي، المبين". ‏


وفيك الجسم وهو: ظلمة ومظهر لاسمه "الستار" في كل ‏حين. ‏


واشهد في والديك أسرار "الممد، الودود".‏" اهـ



اقتباس:==================== الحاشية =====================


2- ‏: سورة يوسف - الآية 111.‏" اهـ 129





(يتبع إن شاء الله تعالى مع الباب الثالث: معارج الوصول ‏ وأسرار التوحيد.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:01 PM

الباب الثالث

معارج الوصول ‏ وأسرار التوحيد‏
‏ ‏
‏ ‏
الصــفا والوفـــا

التمسك بسنة المصطفى - صلى الله عليه ‏وسلم - بها نيل الوفاء والصفاء‏



إذا أساء إليك إنسان، فاجتهد أن تصبر على الأذى، أو ‏فارضَ بالقضا، أو حاول أن تعفو عما مضى، واحترس من ‏الدعاء على مسلم مهما كان، فالقاتل بدعائه مثل القاتل ‏بسيفه، يسأل أمام الديَّان.‏


إن زلَّ أخوك فادع له بالهداية والتوبة والإصلاح، واسأل ‏الله أن يكفيك شرَّه حتى تنال السماح، ولكن توجَّه إلى الله ‏أن يصلح فساد قلبك، حتى تصل إلى ربك، وأن يؤدِّب ‏نفسك بإحسانه ويشهدها أسماءه الحسنى بحنانه.‏" اهـ (ج2/ص:131)




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: أسرار الوصول.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:02 PM

أسرار الوصول



"اعلم أن سرَّ الحضرة العليَّة لا يتجلَّى إلا لمن يتحقَّق ‏بالعبودية، والعبودية : أن تشهد في نفسك عين اليقين أنك ‏ضعيفٌ، فقيرٌ، جاهلٌ بحقائق الأمور. ذليلٌ ناقصٌ، خطَّاءٌ ‏مذنبٌ، لا حولَ لك ولا قوة إلا بالله (1) ‏.


فإذا واجهت حضرة الغني بفقرك، والعزيز بذُلِّك، والقوي ‏بضعفك، والكمال بنقصك، جاءتك الإغاثة في الحال.‏


والذي حجب الإغاثة ركون العبد على فكرته وقوته، ‏وتدبيره (2) ‏. ولذلك نرى القلوب تحنُّ إلى رحمة الأطفال، لأنهم ‏لا تدبير لهم ولا تفكير، وتعطف على المرضى والفقراء، لأنهم ‏تحقَّقوا بما يوجب العطف عليهم، ولو أن رجلاً ينازعك ‏ويخاصمك معتمداً على ماله وقوَّته، ورأيته مريضاً ضعيفاً ‏عطفت عليه، فإذا رأيته وقع في الأرض مغشياً عليه بادرت في ‏إسعافه، فإذا رأيته وقع صريعاً وخرجت روحه انفعل قلبك ‏بالعطف عليه، وكنت ممن يحملوه ويجهزوه ، مع أنه كان ‏خصماً لك!.‏


اقتباس:======================= الحاشية =====================


(1) ‎ ‎‏: وقد قال سيدي ابن عطاء الله :" تحقق بذلِّك يمدُّك بعزِّه ، تحقَّق بعجزك يمدُّك ‏بقدرته ، تحقَّق بضعفك يمدُّك بحوله وقوته" ولسيدي ابن عجيبة رحمه الله ورحمنا به، ‏كلام نفيس هنا لابأس بذكره تتميماً للفائدة حيث قال: أوصاف العبودية أربعة ‏يقابلها من أوصاف الربوبية أربعة : أولها: من العبد الفقر ، ومن الله الغنا. الثاني: من ‏العبد الذل ومن الله العز. الثالث: من العبد العجز ومن الله القدرة . الرابع: من العبد ‏الضعف ومن الله القوة. ‏


‏ والتحقق بالوصف: هو التجلي والاتصاف به قلباً وقالباً، ويكون ذلك بادياً بين خلقه، ‏فلا يتحقق الذل لله حتى يظهر ذلك بين عباده، فمن أراد أن يمـــــده الله ‏بالغنا به عما سواه، فليتحقق بالفقر مما سواه. ومن أراد أن يمده الله بالعز الذي لايفنى ‏، فليتحقق بالذل لله، والتواضع بين خلقه، فمن تواضع دون قدره، رفعه الله فوق ‏قدره، ومن أراد أن يمده الله بالقدرة الخارقة للعوائد فليتحقق بعجزه، ويتبرأ من حوله ‏وقوته، ومن أراد أن يمده الله = = بالقوة على طاعة مولاه ، ومجاهدة نفسه وهواه ، ‏فليتحقق بضعفه ، ويسند أمره إلى سيده ، فبقدر ماتعطي تأخذ ، وبقدر ماتتخلق ‏تتحقق ، وبقدر ماتتحقق بوصفك يمدك بوصفه ، انتهى من شرح الحكم لابن عجيبه ‏رحمه الله ورحمنا به .


(2) ‎ ‎‏: أي اعتماد العبد على تدبيره واختياره. فالواجب على المتأدب بآداب الله ترك ‏الاعتراض على الحال الذي أقامه الله فيه، وأراده له، فلا يريد خلاف ما يراد له ولا ‏يختار خلاف ما يختاره له ‏{وربك يخلق ما يشاء ويختار} ‏ قال سيدي ابن عطاء الله في ‏حكمه: "إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك ‏الأسباب == مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية" ، و "سوابق الهمم ‏لا تخرق سور الأقدار "، و"أرح نفسك من التقدير فما قام به غيرك عنك لا تقم به ‏لنفسك"، و " ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يحدث في الوقت شيئاً غير ما أظهره ‏الله "، و "لا تطلب منه أن يخرجك من حال ليستعملك فيما سواها فلو أراد ‏لاستعملك من غير إخراج". وقد خلقك الله لما شاء لا لما تشاء فكن مع مراد الله ‏فيك لا مع مرادك لنفسك ففوض إليه ولا تركن إلى شيء ولا تدبر شيئاً وإن كان ولا ‏بد من التدبير فدبر أن لا تدبر وهو أقامك فيما فيه صلاحك لا فيما علمت أنت.‏" اهـ 133




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: ‏"فالسعادة كلها لمن ‏ .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:02 PM

"فالسعادة كلها لمن ألقى سلاح،وتحقَّق بالضعف لمولاه، ‏ومات على الحق لا يتحوَّل.‏


قال بعض العارفين: ذكرت الله اياماً فصحَّت لي جلالة ‏واحدة كانت سرَّ وصولي وبلاغ مأمولي".‏


فإذا قلت: " لا إله إلا الله". فتأكَّد بعين اليقين أنَّه لا قويَّ ‏إلا الله، ولا دافع إلا الله، وهكذا جميع معاني أسماء الله ‏الحسنى، فتكاشف بالأسرار، وتغرق في الأنوار.


واعلم أن الدعاء ؛ إما أن تكون طالباً به قُرباً ووصولاً ‏وتوبةً. أو تكون طالباً به معونة دنيوية لكمال جسمك، ‏وراحة قلبك من الهم.‏


فالأول: هو أشرف المطالب. ويليه الثاني ، لأنه الوسيلة ‏للأول.‏


فإذا طلبت طلباً دنيوياً لا تطلبه لحظِّك بل اطلبه لتستعين ‏به على دينك، فيتحوَّل بسبب النية من دنيا إلى أخرى.‏


واعلم أن الدعاء محقَّق الإجابة (1)‏ ‏.


قال سبحانه وتعالى:‏‎ { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ ‏لَكُمْ }‏ (2)‏ ‏. ولكن قد يؤجِّل النفاذ لوقت معلوم لحكمة عالية، ‏أو تُدَّخر الإجابةإلى الدار الآخرة، لأنه حكيم رحيم، يختار ‏لعبده الخير كله (3)‏.‏" اهـ137

اقتباس:==================== الحاشية ====================

(1) ‎ ‎‏: وقد قال سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه ونفعنا به وبالصالحين في ‏الدارين:" (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نحسن ظننا ‏في ربنا، وأنه يجيب دعاءنا ولا نترك الدعاء أبدا استنادا إلى السوابق، فإن في ذلك ‏تعطيلا للأوامر الشرعية، ولو تأمل العبد وجد نفس دعائه من الأمور السوابق، ونحن ‏نعلم من ربنا جل وعلا أنه يحب من عبده إظهار الفاقة والحاجة، ويثيب عبده على ‏ذلك سواء أعطاه أو منعه، وأكثر من يخل بهذا العمل العهد من سلك الطريق بغير ‏شيخ، فيترك الوسائل كلها ويقول: إن كان سبق لي قضاء هذه الحاجة فلا حاجة ‏للدعاء، وإن لم يقسم لي قضاء تلك الحاجة فلا فائدة في الدعاء، وقد مكثت أنا في ‏هذا المقام نحو شهر ثم أنقذني الله منه على يد شيخي الشيخ محمد الشناوي رحمه الله، ‏وفي القرآن العظيم: ‏{قُلْ مَايَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ }‏. فأخبر أن العبد من أدبه مع ‏الله أن يدعوه في كل شدة ولا يعول على السوابق، فإن العبد لا يعلمها نفيا ولا إثباتا، ‏وقد دعت الأكابر من الأنبياء والأولياء ربهم سبحانه وتعالى ولم ينظروا إلى السوابق. ‏{ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ };‏ والله يتولى هداك.‏


(2) ‎ ‎‏: سورة غافر – الآية 60.‏


(3)‎ ‎‏: وقد ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة منها ما رواه الترمذي في الباب الثامن ‏والأربعين من سننه " أحاديث شتى من أبواب الدعوات" . الحديث رقم 3747 - ‏بسنده عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو الله ‏بِدُعَاءٍ إلاّ اسْتُجِيبَ لَهُ. فإِمّا أنْ يُعَجّلَ لَهُ في الدّنْيَا، وإِمّا أَنْ يُدّخَرَ لَهُ في الاَخِرَةِ، وَإِمّا ‏أنْ يُكَفّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا. مَا لَمْ يَدْعُ بإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أوْ يَسْتَعْجِلْ. ‏قالُوا يَا رَسُولَ الله وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قالَ يَقُولُ دَعَوْتُ رَبّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي". ‏


‏ قال في "فتح الباري": وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن العبد عليه أن ‏يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار ‏الافتقار، حتى قال بعض السلف:" لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم ‏الإجابة"، وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه " من فتح له منكم باب الدعاء ‏فتحت له أبواب الرحمة " الحديث أخرجه الترمذي بسند لين وصححه الحاكم فوهم، ‏قال الداودي: " يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم ‏الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير" انتهى.‏


‏ وقال ابن الجوزي: أعلم أن دعاء المؤمن لا يرد، غير أنه قد يكون الأولى له تأخير ‏الإجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب ‏من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض. والله سبحانه ‏وتعالى أعلم وأحكم.‏" اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع "الحقُّ واحد، والخلق واحد ‏.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:02 PM

الحقُّ واحد، والخلق واحد



"الحق واحد؛ وإن تعدَّدت أسماؤه وصفاته، والخلق واحد؛ ‏وإن تنوَّعت أجناسه وتطوُّراته، فللحقِّ تعالى حضرات يتجلَّى ‏بها، ولكلِّ حضرة منها أحكام وآداب، وأسرار، يراها أولو ‏الألباب.‏


ولكلِّ اسم رجال وأفراد،ولهم علوم خاصة من حضرة ‏الجواد. ‏


أما حضرة الذات العلية: فليس لمخلوق فيها قدم، وقد شاء ‏الحقُّ أن يتجلَّى لخلقه، ويتنـزَّل برحمته – وهو الغني الكبير ‏‏– فيتجلَّى في عزِّ الألوهية، ويظهر في رداء الكبريائية، ويقول:‏‎ ‎{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي } (1)

‏ ‏ ‏.‏
فحضرة الألوهية: ظهور الحقِّ بالأوصاف الكمالية من ‏عظمةٍ وتقديس، وعلوّ، وغنى مطلق. ولا يصل إلى تلك ‏الحضرة إلا الكُمَّل الذَّاتيو، وتلك الحضرة أدهشت الألباب، ‏وحيَّرت الأرواح، لأن الله يجمع فيها بين الضِّدَّين باقتداره ‏العالي، فيظهر عبد ضعيف أصله العدم، ويظهر مولى كبير ‏شأنه العظم، وتثبت رتبة العبد وهي الشرف العظيم، ويتجلَّى ‏العليُّ الأعلى، البّرُّ الرَّحيم.... .‏


ومن الحضرات الحقِّيَّة حضرة الربِّ تعالى، وهو يتنـزل ‏على قدر العقول والاستعداد، فيتملى به كل مراد. ولتلك ‏الحضرة تسعة وثمانون إسماً. مظهرها الإنسان، الذي هو كنز ‏الحق ، وصورة الرحمن، فإنسانٌ حيٌّ بحياة الله، بصيرٌ بنور الله، ‏سميع بمدد الله، مريد بمراد الله.‏


تراه "رحيماً" والرحمة صفة ربه، "حكيماً" والحكمة من ‏سيده، تراه "قوياً" والقوي هو فيَّاض المدد، وهكذا بقية ‏الأسماء التسعة والثمانون التي تجلَّت أسرارها ظاهرة في ‏الإنسان، وبها نال الخلافة في الأكوان، مسخّرة للإنسان، لما ‏تجلَّى فيه من أسرار الربوبية للعيان. قال تعالى:‏ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ‏لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}‏(2) ‏ ‏. ‏


فما سجدت الملائكة ، وخضعت العوالم، إلا لظهور ‏أسرار الرب فيه، وقد يحصل للولي تصريفٌ في الأكوان بحكم ‏السرِّ الذي فيه (3) ، وتقبل عليه العوالم احتراماً وإجلالاً للظاهر ‏فيه من أنوار باريه.‏" اهـ 140

اقتباس:=================== الحاشية ====================

(1) ‎ ‎‏: سورة طه - الآية 14.‏

(2) ‎ ‎‏: سورة البقرة - الآية 30.‏

(3) ‎ ‎‏: وبذلك يصبح من أهل التصريف. و هم أهل الوجاهة عند الله والقبول لديه، ‏واستجابة الدعاء، سواء كان ذلك نطقاً باللسان، أو توجُّهاً بالقلب، أو تحرُّكاً ‏للإرادة، وكنه الهمة، في حدود ما جاء في الحديث القدسي الجليل الآتي، وحديث " ‏من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" أو كما قال صلى الله ‏عليه وآله وسلم في حديث الشريف:" رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب ‏لو أقسم على الله لأبرَّه" وهذا هو معنى قول ساداتنا الصوفية:" إن لله عباداَ إذا أرادوا ‏أراد".وذلك ترجمة لقوله تعالى:‏‎ {ادعوني أستجب لكم} ‏. فافهم يا أخي هذا ، فهَّمنا ‏الله وإياك.

‏ لذلك كله لا يرد على كلام الشيخ رضي الله عنه أي خلاف إلا ممن ولع بالخلاف ‏وكان طبعه حب المخالفة لشهوة في نفسه واتباع للشيطان ورسله!، فلكلام الشيخ ‏رضي الله عنه شاهد قوي من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ‏سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الجليل،( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ ‏بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي ‏يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي ‏يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ ‏اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ ‏الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) الحديث في صحيح البخاري وغيره. وفيه دليل على أن ‏العبد إذا أخلص الطاعة وصارت أفعاله كلها للّه عزَّ وجلَّ، فلا يسمع إلا للّه، ولا ‏يبصر إلا للّه أي ما شرعه اللّه له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة اللّه عزَّ وجلَّ ‏مستعيناً باللّه في ذلك كله. عند ذلك يكون متحقِّقاً بصفة الفناء في الله تعالى، - ‏ويصير كما مرَّ - من أهل التصريف الذين إذا أرادوا أراد الله إكراماً لهم، وتثبيتاً ، ‏ومعونة. وذلك لتخلُّقهم بأخلاقه سبحانه ، ثم لاتصافهم بمحض عبوديتهم، فأمدَّهم ‏الله بوصفه. وفي بعض روايات الحديث - في غير الصحيح -: "فبي يسمع وبي يبصر ‏وبي يبطش وبي يمشي". ‏

‏ فالمراد "بالتصريف" هنا هو تفضل الله تعالى على عبده بإيقاعه تعالى الأمر – كما ‏سبق في علمه القديم – على مراد عبده الظاهر، بما يجيء في دعائه القولي، أو توجّهه ‏القلبي ، أو تحرك إرادته الروحية، وذلك تنفيذاً لترتيب الأسباب والمسببات، على ‏مقتضى ما في اللوح وأم الكتاب. فليس العبد مصرفاً شيئاً من الله تعالى ولكن الله ‏تعالى يتفضَّل فيصرِّف الأشياء كما هي في علمه، على مراد أوليائه وأحبائه ظاهراً ‏فقط، تنفيذاً لسبق إرادته.‏

‏ لذلك فـ "أهل التصريف" يعنون بهم:" أهل الفضل الإلهي" الذين يكرمهم الله ‏بتحقيق مرادهم الظاهر، وهو مراد الله الحقيقي الباطن فيما يطلبونه من الكونيات، ‏سواء كان الطلب بالقول أو الفعل أو الهمة.‏

‏ وبمعنى آخر: أن الله تعالى يجعل عبده الصالح نفسه أداةً من أدوات تنفيذ المراد الإلهي ‏الأزلي، الذي قد يظهر في صورة مراد العبد البشري، فيما يراه الناس. والله سبحانه ‏وتعالى أعلم. " اهـ 142‏




(يتبع إن شاء الله تعالى .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:03 PM

"ولكن يخشى على العبد أن تستر عنه رتبة العبودية بإشراق ‏أنوار الربوبية فيشم رائحة التعالي على الأكوان، فينقص منه ‏العرفان.‏


يرى الجمال في نفسه، واللطف في أحواله، وأسرار الربوبية ‏تتجلَّى منه له في الآفاق، يرى جميع أسماء الربوبية ظاهرة وهو ‏مظهرها، فلا يكمل وينجو إلا بمعرفة أسماء الألوهية.‏


وألطف الكائنات المسخرة بسر الخلافة في الإنسان هي ‏الفواكه؛ فهي هيِّنةٌ ليِّنةٌ جميلةٌ، ملذِّذة، ثم الحبوب، ولكنها ‏محتاجة إلى الطحن والخبز.‏


وقد تتعاصى على الإنسان بعض المعادن، فجعل لها النار ‏والمطرقة حتى تلين وتخضع، فكما أن لله ناراً يدخل فيها من ‏عصاه، فلخليفته نار يدخل فيها من المعادن ما تعاصى!!. ‏فالربوبية ظاهرة في الإنسان ، وقد طاوعته الأكوان، ويخشى ‏عليه أن يقول: أنا ، لي، أو عندي، أومني، أول إليّ ‏.... (1) .‏


وقد قال لي الإمام أبو العزائم - رضي الله عنه -:‏


‏"احذر أن تشهد نفسك في الأكوان،ولكن اشهد نفسك ‏مع الله واسع الإحسان". وقد أشار القرآن إلى بيان حضرة ‏الربوبية فقال:‏‎ { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ‏الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}‏(2) ‏ ‏.


ونبَّه على وسعة حضرة الألوهية ، فقال:‏ { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن ‏بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّه }‏(3) " اهـ145

اقتباس:==================== الحاشية ===================‏ ‏. ‏


(1) : ‎ ‎‏: كما هو ملاحظ في طغيان إنسان يومنا وجبروته، وظنه بنفسه أنه ملك الكون ببعض ‏اكتشافات سمَّاها ظلماً" اختراعات" إنما هي في الحقيقة اكتشافات قدَّر الله لها أوقاتاً ‏تظهر فيها بأسبابها وفق إرادته سبحانه، لكن "فرعون" ابن آدم وهي نفسه يأبى إلا أن ‏يتمرَّد على فطرته التي خلقه الله عليها، ونسي عبوديته لله بمجرَّد سطوته على = = ‏بعض أسباب الكون، فصاح لسان حاله – وإن لم يفصح بلسان مقاله - :"أنا ربكم ‏الأعلى" فوقع في المحذور الذي كان سبب بلائه وشقائه، فانقلبت اكتشافاته التي سماها ‏‏"اختراعات" انقلبت في غالبها وبالاً وشقاء عليه، كما أخبر سبحانه وتعالى بقوله:‏‎ ‎{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}‏ سورة الروم – الآية 41. فأذاق الله البشرية نتيجة استكبارها ‏وتكبرها، وتجبُّرها، وغرورها وطغيانها وفسادها بعضاً من العذاب كما رأينا من قبل، ‏وما زلنا نرى اليوم في أيام الناس هذه من أوبئة وأمراض ، وجوائح، ومصائب، ‏وفيضانات، ورياح هوجاء، وثقب في طبقة "الأوزون" ....إلخ ، وما خفي كان ‏أعظم..... كل ذلك نتيجة هذا الغرور والطغيان، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.فـ:‏‎ ‎{يا حسرة على العباد}‏.‏

(2) ‎ ‎‏: سورة الكهف - الآية 109.‏

(3) ‎ ‎‏: سورة لقمان الآية 27.‏" اهـ



(يتبع إن شاء الله تعالى مع: معرفة الله وتوحيده.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:03 PM

معرفة الله وتوحيده



"إن الذي عرف الله تجلَّت له وسعته، وعزَّته، وعظمته، ‏فيصغر معها الوجود، وقد قال الإمام أبو العزائم [ http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya1.gif ] :‏


‏"إن عقبات السالك في أمرين:


الأمر الأول: إذا سطعت عليه أنور ربه فمحته عن آياته ‏وكسبه، وعن أنانيته، ويفنى في أنوار الوحدانية، ويستغرق في ‏المعاني بالكلية؛ فيفتِّش على نفسه فلا يراها، ويحجب عن ‏رتبة العبودية ذاهلاً عن فحواها، وهذه هي:" وحلة التوحيد"، ‏التي يقول فيها الإمام ابن مشيش (1) [ http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya1.gif ] ‏:" وانشلني من أوحال ‏التوحيد".‏ لأن رقي العبد في شهود العبودية، فإذا حجب عنها وقف ‏عن الرقي.‏


العقبة الثانية: بادية الإلحاد وهي شهود آثار العبد، ‏وخصوصية نفسه، والذي هو في وحلة التوحيد واقف عن ‏الرقي".‏


والذي هو في بادية الإلحاد مغرور بشهود وجوده، والمرشد ‏الكامل به الخلاص من كل العقبات، وبه الفوز بالمقامات.‏


فالسعادة كلها في معرفة الألوهية، ولم ينكشف سرُّها إلا ‏لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفازت الأمة بسر ‏المشهد العالي، الذي تحقَّقت به العبودية. قال تعالى:‏‎ { إِنَّ ‏الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم }‏ (2) ‏ ‏.‏


ولله تعالى حضرة رحمانية، وهي تجلِّيه تعالى بالرحمة الشاملة ‏لجميع العوالم.‏


ولله تعالى حضرة العزَّة، وهي ظهوره بالعزَّة والكبرياء ‏والجلال.‏


ولله تعالى تجلِّي الوحدانية، وهي ظهور أسمائه وصفاته، ‏وقد سترت بسلطانها الأكوان.‏" اهـ149


اقتباس:======================= الحاشية ==================


(1) ‎ ‎‏: : هو الشيخ الإمام العارف بالله القطب الواصل أبو محمد مولانا عبد السلام بن ‏مشيش بن بكر بن علي بن حرمة ابن عيسى بن سلام بن مزوار بن حيدرة بن علي ‏بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل ابن الحسن المثنى بن ‏الحسن السبط بن علي وفاطمة رضي الله عن جميعهم. توفي رحمه الله شهيداً سنة اثنين ‏وعشرين، أو أربع وعشرين، أو ست وعشرين وستمائة. قال ابن خلدون : قتله بـ ‏‏"العَلَم"، قوم بعثهم لقتله ابن أبي الطواجين الكتامي الساحر المدعي النبوة. وضريحه – ‏أي : الشيخ رضي الله عنه وأرضاه – هناك معروف. ويروى أن الشيخ رضي الله عنه ‏كان يوماً بإزاء خلوته جالساً يتلو القرآن ومعه تلميذه الشيخ أبو الحسن حتى وصل ‏إلى قوله تعالى في سورة الأنعام:‏‎ {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} ‏ فورد عليه ‏وارد الهي، اقتطعه عن حسه، فلما أفاق رفع يديه إلى السماء داعياً ، فكان من دعائه: ‏‏"اللهم من سبق له الشقاء منك والحرمان فلا يصل إلي، ومن وصل إلي أكون له شفيعاً ‏يوم القيامة، اللهم لا تبعث لنا من حكمت بشقائه ". ويشهد لهذا إسلام بعض الكفرة ‏لما قرب من الضريح، ورجوع بعض الفسقة الذاهبين بقصد الزيارة لأسباب اتفقت لهم منعتهم الوصول. وتغلغله رضي الله عنه في علوم القوم التي مدارها على ‏التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن لما ورد عن عائشة ‏رضي الله عنها أشهر من أن يذكر . وقد قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: كنت ‏في ابتدائي حصل لي تردد هل ألزم البراري والقفار للتفرغ والطاعة والأذكار أو أرجع ‏إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار ؟ فوصف لي ولي هناك وكان برأس جبل؛ ‏فصعدت إليه ليلاً ؛ فقلت في نفسي: لا أدخل عليه في هذا الوقت . فسمعته يقول ‏وهو يدخل المغارة:"اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك، ‏فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا ‏إليك. قال: فالتفت لنفسي وقلت: انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ؟ فلما ‏أصبحت دخلت عليه فقلت: يا سيدي كيف حالك؟ فقال: أشكو إلى الله من برد ‏الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار!!!. فقلت: أما شكواي من ‏حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه، وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلم ‏أفهمه !!! . فقال : أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله تعالى . قلت : يا سيدي ‏سمعتك البارحة تقول : (اللهم إن قوماً ...إلخ ) ؟ ؛ فتبسم وقال : يا بني عوض ما ‏تقول: سخر لي خلقك. قل : يارب كن لي. أترى إذا كان لك أيفوتك شيء ؟ فما ‏هذه الجبانة؟. وإليه - رضي الله عنه - تنسب الصيغة المشتهرة في الصلاة على النبي صلى الله ‏عليه وآله وسلم " الصلاة المشيشية" أو " البشيشية " التي يعرفها الخاص والعام من ‏المحبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.‏


(2) ‎ ‎‏: سورة الفتح - الآية 10.‏





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: .... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:03 PM

"يقول لك الرب في حضرة الربوبية: " يا عبد! أنت ‏صورتي، أنت خليفتي، أنت كنـزي، أنت مصباح، بك ‏عرفت، ولولاك ما تجلَّى سرُّ الربوبية... .‏


أظهرت فيك سر السميع البصير، وتجلَّيت لك باسم" ‏الحكيم"، " الخبير". وحملتك أمانة السرِّ العزيز، فاشهد فيك ‏أنوار"القريب"، وتنعَّم في رياض المعية، فأنا لك مجيب، سعد ‏العالم بأنوار ظهوري فيك، فاسعد أنت بي، فالحبيب يوافيك.‏


ويقول لك الحق في حضرة الألوهية: من أنت حتى تطمع ‏في الوصل إليّ؛ وأنا الغني الكبير؟. أنت العدم، وأنا صاحب ‏القدم، أنت الظلمة، وأنا النور. النقص وصفك، والكمال ‏وصفي، عند ذلك ينتفي الغرور، ويتجلى الحق للعبد ‏الشكور.‏


ويقول لك في حضرة اسمه "الظاهر": أنا المتجلِّي بأسراري ‏للفكر والعقول، أنا المشهود بأنواري، وأنا المسؤول ليس في ‏الوجود إلا ظهور أنواري، وانكشاف معاني وأسراري فلا ‏تشهد بالقلب والروح إلا أنوار تجلياتي.‏


ويناديك الحق من حضرة اسمه "الباطن": إياك أن تحكم ‏عليَّ بشهودك، فأنا "الباطن" عن عيون الأرواح، فضلاً عن ‏الأشباح، فعجزك عن المعرفة هو المعرفة، وعجزك عن الشكر ‏هو الشكر، فما عرف الله إلا هو.‏


ويناديك الحق من حضرة عزته فيقول لك: أيُّ نسبة بيني ‏وبينك؟. أنت الظلمة وأنا "النور". وأنا : "القدُّوس، الصَّمد" ‏وأنت الظلوم الجهول، بالأزل والأبد، فاعرف من أنت، ومن ‏أنا، تفز مني بالغنى.‏


ويناديك الحقُّ من حضرة القيُّومية، فيقول لك: أنت قائمٌ ‏بي في كل الأحوال، وعواطفي تواليك في الأفعال والأقوال، ‏فاشهد فيك حسن ولائي، واقرأ فيك آيات عطائي.‏


فمن العارفين: المسرور بالجمال.‏

ومنهم: الخاضع للجلال. والعبد الكامل هو الذي منح كل ‏الحضرات وورث سيد السادات صلى الله عليه وآله وسلم.‏" اهـ152





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: "علوم اليقين .... )‏

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:04 PM

علوم اليقين


"إن مراتب الرجال في المعرفة على ثلاثة أقسام:‏


الأول: علم اليقين (1) ، وهو أن تتلقَّى الحقائق عن رسول ‏الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن الوارثين لأسراره، ‏فتقوم بها، وتسلِّم لها، وتشتاق إلى شهودها، وهذا هو علم ‏اليقين، الذي لا يتزعزع صاحبه، ولا يتحوَّل عنه.‏


وقد أخبرنا القرآن أن الله معنا، فنؤمن بتلك المعية (2) ، ‏ونسلِّم بها مع ملاحظتها، حتى يكشف الله "الستَّار" عن ‏معناها اللائق بحضرته تعالى، فيصبح العبد في "عين اليقين"، ‏يشاهد الرب المعين، فإذا فني عن وجوده في شهود مولاه، ‏وصل إلى "الحق اليقين".‏


وإنك لو اعتقدت عقيدة ثابتة في أن ربَّك هو الحفيظ ‏النافع، فتكون فيهذه الحالة في "علم اليقين"، فإذا واجهك ‏نور"الحفيظ، النافع" انكشف لك أن جميع ما لديك من ‏الأسباب والماديات، والتفكير، كلّها بمدد نوره، ولو سلب ‏هذا المدد لوقف نظامك في الحال.‏


ويكفيك أن النار لم تحرق الخليل، والسِّكين لم تؤثر في ابنه ‏اسماعيل، فلو عرفت ذلك صرت في معية الله : عين اليقين؛ ‏فلا تتحرك إلا وتشهده بمدده، ولا تسكن إلا وتشهده ‏بعنايته، فإذا تجمَّلت بجمال الأسماء، وعشقت معانيها، وصلت ‏إلى حق اليقين.... .‏


ولا تظنّ أن تلك المعيَّة محدودة، ولكنها سارية معك، ‏وأنت في علم الله، وفي بطن أمك، وهي معك في الدنيا، والله ‏على ما عليه كان، لا فرق عنده بين كونك في علمه، أو في ‏عالم الأرواح، أو في عالم الأشباح (3) ‏. ‏


واعلم أن السرَّ في الوصول إلى هذه الحقائق : صحبة ‏الرجال العارفين، وهو استحضار جمال الله ، ونعمه، وعطفه، ‏وكرمه. وأنه أحياك، ورقَّاك، وجعل تلك المعاني فيك، فإذا ‏ذكرت الله ذكرك، وهذا هو الشرف العظيم.‏


قال الله تعالى في الحديث القدسي: (من ذكرني في نفسه ‏ذكرته في ملأ خير منه) (4)‏ ‏. ‏


والذكر في النفس استحضار معاني المذكور، فيذكرك في ‏نفسه، ويملأ قلبك نوراً، وإذا ذكرته في ملأ بين الإخوان، ذكرك ‏في الملأ الأعلى، وأفاض عليك من الرضوان، فتكون ذاكراً ‏مذكوراً، مؤيَّداً منصورا.‏" اهـ 158



اقتباس:=================== الحاشية ===================


(1) ‎ ‎‏: هناك علم اليقين، وعين اليقين وحق اليقين. ‏

‏ فعلم اليقين: ما كان من طريق النظر والاستدلال. ‏

‏ وعين اليقين: ما كان من طريق الكشوف، والنوال. ‏

‏ وحق اليقين: ما كان بتحقُّق الانفصال عن لوث الصلصال بورود رائد الوصال. ‏


‏ علم اليقين لا اضطراب فيه. وعين اليقين : هو العلم الذي أودعه الله تعالى الأسرار، ‏والعلم إذا انفرد عن نعت اليقين كان علماً بشبهة، فإذا انضم إليه اليقين كان علماً بلا ‏شبهة. وحق اليقين: ما أشار إليه علم اليقين وعين اليقين.

‏ وقال الإمام الجنيد قدس سره العزيز:" حق اليقين ما يتحقَّق العبد بذلك، وهو أن ‏يشاهد العيوب كما يشاهد المرئيات مشاهدة عيان، ويحكم على الغيب فيخبر عنه ‏بالصدق، فعلم اليقين حال التفرقة. وعين اليقين حال الجمع. وحق اليقين: جمع ‏الجمع بلسان التوحيد. انظر: عوارف المعارف للسهروردي 2/332.‏


(2) ‎ ‎‏: في قوله تعالى:‏‎ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏} ‏. سورة الحديد - ‏الآية 4. ‏


(3)‎ ‎‏: وهذا كله داخل في عموم قوله تعالى:‏‎ {‏ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ‏}‏. أي في أي ‏مرحلة من مراحل وجودكم، سواء في عالم الأرواح، أو في عالم الأشباح، أو في عالم ‏البرزخ، وفي أي حالة من حالاتكم، وتقلب من تقلُّباتكم، فهو سبحانه وتعالى معكم ‏يراكم، ويمدّكم بمدده، مجتمعين ومنفردين:‏‎ { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء ‏رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا }‏.‏


(4) ‎ ‎‏: في الحديث القدسي فيما يرويه صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إذا ‏ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ‏ملئه ، وإذا تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً ، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ‏، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة " رواه أحمد ، والشيخان ، والترمذي، وابن ماجة ، ‏وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:" يقول الله عز وجل : أنا عند ‏ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ‏ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً ، وإن ‏تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " . ‏

وفي هذا الذكر أكرمك الله أيها العبد بكرامات ثلاث : جعلك ذاكراً له ؛ ولولا فضله ‏لم تكن أهلاً لجريان ذكره عليك. وجعلك مذكوراً به ؛ إذ حقق نسبته لديك . ‏وجعلك مذكوراً عنده ، فتمم نعمته عليك . يعني أن الله تعالى أكرمك أيها المؤمن ‏بثلاث كرامات ، جمع لك فيهن أنواع الفضائل والمبرات .‏

‏ الأولى : جعلك ذاكراً له بلسانك وقلبك ، ووجه حلاوة ذلك إليك ، ولولا فضله لم ‏تكن أهلاً لجريان ذكره عليك. ‏

‏ والثانية : جعلك مذكوراً به عند الناس ؛ بأن يقال: هذا ولي الله وذاكره ؛ إذ حقق ‏نسبته _ أي خصوصيته _ لديك ، وهي ما أظهره من أنوار الذكر والطاعة عليك.

‏والثالثة : جعلك مذكوراً عنده ، فتمم نعمته عليك بمزيد الإكرام ومنتهى الفضل ‏والإنعام . وفي ذلك تصديق لقوله تعالى في الحديث القدسي : " من ذكرني في نفسه ‏ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " . وقال صلى الله عليه ‏وسلم : " ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ‏ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " . والعندية هنا عندية مكانة _ أي ‏شرف _ لا مكان ، تعالى الله عن ذلك .‏" اهـ 158




(يتبع إن شاء الله تعالى : مواجهة الأسماء الحسنى -تتجلَّى الأسماء الإلهية للمراقب لعزة الربوبية.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:04 PM

مواجهة الأسماء الحسنى

تتجلَّى الأسماء الإلهية للمراقب لعزة الربوبية


"قال الإمام أبو العزائم - رضي الله عنه -:" إن الأولياء ‏تتفاوت مراتبهم بحسب مشاهدهم:


فأول مرتبة تواجهك فيها أنوار الأسماء (1) ‏ : أن تتنـزَّل ‏من أنانيتك وتدبيرك واختيارك، وتلاحظ أنك طفل في مهد ‏ربِّك، يتولاَّك بعنايته، ويحفظك بلطفه، ليس لك في الوجود ‏بعير ولا نقير، وعند ذلك يرفع الله عنك الهموم، ويدفع ‏البلايا، ويعطف عليك القلوب. فترى آثار اسمه:"الرحيم" ‏يحيط بك ، وأنوار اسمه:"الكريم" تعمُّك، يغفر الله لك ‏الهفوات، كما يسامح الوالد ابنه الصغير، وتشاهد ‏انفعال النفوس لك، والحنوّ عليك، كما تحنو النفوس على ‏الأطفال الصغار، فيتجلَّى بالعناية والحفظ، واللطف والكرم.‏


فاطرح الحول والطَّول، والفهم والتدبير، وقل له: تولاَّني يا ‏بصير، يا خبير.‏


كذلك أولياء الله مع الله، سلَّموا له الأمور (3) ، ورضوا ‏بالمقدور، وهذه معاملتهم مع الحق سبحانه وتعالى، أما مع ‏الخلق فهم نبهاء، عقلاء، يقدِّرون الأشياء ، ويميزون بين ‏مراتب العالم، وينـزلون كل حقيقة في منـزلتها (3) ‏. " اهـ161


اقتباس:============================== الحاشية ==============================


(1) ‎ ‎‏: يقول الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي رضي الله عنه وأرضاه، وعنَّا به:" ‏أنوار الأسماء نور ينبسط على المعدومات والموجودات، فلا يتناهى امتداد انبساطها، ‏وتمشي العين مع انبساطها، فينبسط نور عين صاحب هذا المقام فيعلم ما لا يتناهى ‏كما لا يجهل مالا يتناهى بتضاعف الأعداد، وهذا علامة من يكون الحق بصره، ‏فالأسماء كلها موجودة، والمسمَّيات منها ما هي معدومة العين لذاتها، ومنها ما هي ‏متقدّمة العدم لذاتها، وهي التي تقبل الوجود والأحوال لا تقبل الوجود مع إطلاق ‏الاسم على كل ذلك، فللأسماء الإحاطة والإحاطة لله لا لغيره. فمرتبة الأسماء الإلهية ‏وما فضل آدم الملائكة إلا بإحاطته بعلم الأسماء فإنه لولا الأسماء ما ذكر الله شيئاً ولا ‏ذكر الله شيء، فلا يذكر إلا بها، ولا يذكر و يحمد إلا بها، فما زاحم صفة العلم في ‏الإحاطة إلا القول، والقول كله أسماء، ليس القول غير الأسماء، والأسماء علامات ‏ودلائل على ما تحتها، فقد ظهر له ما لا يمكن ذكره. ‏‏ انظر: الفتوحات المكية - 2/489.


(2) ‎ ‎‏: وهذا حال كل ولي لله تعالى من أهل الله العارفين، حيث سلَّموا له سبحانه في كل ‏الأمور كما كان عليه سيدنا إبراهيم حين سأله جبريل وقت كان - على نبينا وعليهما ‏أفضل الصلاة والسلام - ملقى في النار فقال له : " علمه بحالي يغني عن سؤالي" ، ‏فقد فوَّض الأمر كلَّه لله تعالى فأنقذه الله تعالى مما هو فيه وقال للنار: ‏{كوني برداً ‏وسلاماً على ابراهيم}، وكذلك من كان على تلك الحالة من التفويض لا بدَّ أن يبدل ‏الله نار الذل إلى برد العز ونار الضعف إلى برد القوة ونار الفقر إلى برد الغنى وهكذا ....في جميع المحن والبلايا ‏‏.‏


(3) ‎ ‎‏: فهم رضي الله عنهم سكارى صاحون، فانون باقون، تراهم مع الخلق بأشباحهم، ‏ومع الخالق بقلوبهم وأرواحهم، إذا ما نظرت إلى أمورهم الدنيوية تراهم على غاية ‏الدقة، والعلم بما هو حلال وما هو حرام، حكَّموا الشرع في حركاتهم وسكناتهم ‏وأقوالهم وأعمالهم، وفي أعمال الآخرة باقون بأذواقهم وأحوالهم، ومعرفتهم بربهم.‏" اهـ 161





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الرتبة الثانية من مراتب الولاية:‏.... )‏


الساعة الآن 03:59 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى