منتديات البوحسن

منتديات البوحسن (http://www.albwhsn.net/vb//index.php)
-   المكتبة الاسلامية (http://www.albwhsn.net/vb//forumdisplay.php?f=24)
-   -   الأنوار القدسية في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية (http://www.albwhsn.net/vb//showthread.php?t=838)

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:24 PM

البَاريءُ جَلَّ جَلاَلُهُ


"هو الذي قدَّر الأشياء في علمه الأزلي، ويبرزها في عالم الظهور باقتداره الأبدي .


وهو الذي أدهش العقول، وحيَّر الألباب حيث أبرز لنا عناصر مختلفة متباينة، متضادة،ماءٌ سيال، هواءٌ لطيف، نارٌ حارَّة، أرضٌ يابسة، نبات عجيب، أزهار غريبة، حيوانات مختلفة، كواكب مضيئة، سماوات شفافة، وكل ذلك كان في العدم، ثابت في علمه في القدم، فأبرزه بقدرته وكوَّنه بحكمته.


فإذا أردت أن تفوز بسرِّ هذا الاسم الشريف فسلِ الأشياء وقل لها: من أنتِ؟ وأين كنتِ؟. تقول لك بلسان حالها: أنا العدم، وليس لي وجود، ولكن بنور الباري تمَّ لي السعود....؛ فوجودي حجابٌ عند أهل الغفلة، وراحٌ وريحان عند أهل اليقظة، من رأى أثراً بارزاً هام في جمال المؤثِّر، فتبين الحق للعاقل المفكر.


فأكثِرْ من ذكر هذا الاسم الشريف مع ملاحظة أصل الكون ونهايته، وارفع حجب الأنانية ، وانغمس في أنواره الأزلية، يتجلَّى لك نور"البارىء" البديع، وتدخل حصن الله المنيع .


قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:




الروح تشهد نور معطٍ باري=قد لاح لي في حيطة الآثار
يا شوق دُم؛ فجمال ربي ظاهر=قد بدَّل الآثار بالأنوار

1
2الروح تشهد نـور معـطٍ iiبـاري قـد لاح لـي فـي حيطـة iiالآثــار
يا شوق دُم؛ فجمال ربي ظاهر قـــد بـــدَّل الآثـــار iiبــالأنــوار



فمتى فكَّرت في معنى اسمه:"الخالق" الذي قدَّر الأشياء، وفي معنى اسمه: "البارىء" الذي أبراها من العدم، لاح لك نور يشرح الصدر، فتعيش طول حياتك في سرور.... .



الدُّعــــــاءُ


"إلهي... يا بارىء الأكوان وهي عدم، ومظهرها بالرحمة والجود والكرم... الأكوان ظلٌّ ممدود، وشمس الحقيقة دليلٌ عليها في الشاهد والمشهود، ونورك أبرز الآثار، وظهورك مشهود للأسرار، فأنت المشهود قبل كل شيء، وأنت المعروف فوق كل شيء.... ومن جعل الأشياء دليلاً عليك فهو محجوب فاته المطلوب، فما عرفناك إلا بك يا ظاهر، ولا وصلنا إلى الحقيقة إلا بنورك يا قادر، فاكشف لنا عن نور اسمك "البارىء" لنشهد نوره في أنفسنا وفي كل موجود، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".




اقتباس:====================== الحاشية =====================


(1) : وفي تاج العروس : الباريء في أسماء الله تعالى: هو الذي خلق الخلق لا عن مثال. والبرء أخص من الخلق، لأن البرء في الأصل لخلوص الشيء من غيره، إما على سبيل التقصي كبريء المريض من مرضه، والمديون من دَينه، أو الإنشاء، كبرأ الله آدم من طين، والبرء أخص من الخلق، فللأول اختصاص بخلق الحيوان، وقلّما يستعمل في غيره، كبرأ الله النسمة، وخلق السموات والأرض.

(2) : فحظُّ العبد أن يذكر من "البارىء" ما برأه عليه وكرَّمه ، وأن يتبرَّأ من حوله وطوله، وأن يشكر للمنعم مننه، وإكرامه، وأن يتبرَّأ متطهِّراً من ذنوبه، وأن يكون عاملاً بذلك على هداية الخلق، ليبرأ من إثم كتمان ما علمه الله وهداه إليه، وما أمره به من عمل الخير، ونصح الخلق، وإقامة الحق، ودفع الفساد، وهذا ما يعرفنا بتبعة قوله سبحانه وتعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } عن أداء حق هذه الرسالة اتِّباعاً وتبليغاً. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع الإسم الشريف: المُصَوِّرُ جَلَّ جَلالُهُ..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:25 PM

المُصَوِّرُ جَلَّ جَلاَلُهُ


"هو الذي صوَّر الأشياء وعدلها، وألبسها حلل الكمال وجمَّلها، أعطى كل موجودٍ صورة تناسبه، والاستعداد الذي به كماله، وجعل الإنسان في أحسن صورة تلفت الأنظار إليه، وتعطف القلوب عليه.


قال تعالى: { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } (1) . وقال سبحانه: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } (2) . وقال جل شأنه: { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء} (3) .


فالمظاهر التي يتجلَّى بها نور"المصوِّر" تعالى هي المرآة، ولذلك وجب احترام الأم لأنها كانت مظهراً لظهور نور"المصور" فقد كمَّلك الله وأنت في أحشائها، فإذا رأيت بجوارك زوجة فيها عواطف عليك فقلبها مظهر للرحمة، وثديها منبع للنعمة، ورحمها محلٌ لظهور أكمل الصور التي خلقها الله وأبدعها، وقلت لها: من أنت أيتها الزوجة ومن أنا؟ يقول لك لسان الحال: أنا لك،وأنت وأنا من الماء المهين، ومبدأ الكل من الطين.


والجمال الذي فينا أمانة رب العالمين عند ذلك يتجلى لك نور "الخالق، البارىء، المصور"، في نفسك وفي الآفاق.


وإذا داومت على التفكير والتأمل والتصوير، يظهر لك أن العالم كله كشخص واحد، وكل رتبة فيه تمثل حقيقة الإنسان، فالإنسان مثلاً له روح وعقل، ونفس، وحس، وجسم، وجوارح.


فرأس الإنسان وما فيها من الحواس تمثل العالم العلوي، وما فيه من الأفلاك والأسرار.
ومعدته وما فيها: تمثل العالم السفلي وما فيه من إبراز الآثار.
والجوارح: تمثل الجنود الإلهية التي تنفذ ما يريد.
والروح: تمثل الملك الذي له التصريف في المملكة التي بها نال الخلافة عن ملك الملوك، وسخر الله له الوجود.


فإذا أردت أن تشهد جمال "المصور" فانظر إلى صور الجمادات وألوانها، والمعادن وأشكالها، والنباتات وعجائبها، والطيور وغرائبها، والحيوانات ومزاياها.


وانظر إلى الكواكب وصفائها، وتأكد بأن الكل شخص واحد يخدم أعلاه أسفله، ولا يظهر جمال أعلاه إلا بواسطة أسفله، كما لا يظهر كمال الروح إلا بالجسم، ولا تظهر مزيا الروح إلا بظهور هذا الهيكل، فلا يذوق حلاوة اسمه"المصور" إلا من تفكر في نفسه، ورأى أن جميع العوالم ومعناها انطوى فيه، وأنه خلاصتها وصفوتها، وأن العوالم خلقت لخدمة العبد، والعبد خلق لخدمة الله تعالى.


وإذا أردت أن يتجلى لك نور هذا الاسم فجرِّدْ نفسك من مقتضيات البشرية، وتذكَّر أنك ماء مهين في بطن أمك، وانظر إلى عناية المصور الذي جمَّلك وصوَّرك، وكمَّلك، وعند ذلك تصل إلى السر المصون، وتشهد ما تقرُّ به العيون.


فإذا تجرَّدت من كل حيثية تحجبك ، ومن كل أنانية تبعدك، وطرحت التدبير للمدبِّر، وأرجعت الحقائق للمصور، وصلت إلى الله، وفزت برضاه ( 4 ) .



الدُّعـــــاءُ


"إلهي.... من ماء مهين صورتني، وفي ظلام الأحشاء توليتني، نفخت فيَّ روحاً من أعظم الأسرار، وألبستني حلل الجمال، فشرَّفتني أمام الأنظار. إن نظرت إلى صورتي سجدت شكراً للمصور، وإن تأملت إلى حقيقتي رأيتها ظلاماً وأنت لها منوِّر. فاجعلني بفضلك ذاكراً لأصلي حتى يتم لي وصلي، واحفظني من الحجاب بالصورة عن المصور، يا جميل، يا قريب، يا مقدر، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". " اهـ


اقتباس:========================= الحاشية ==================

(1) : سورة غافر - الآية 64.

(2) : سورة التين - الآية رقم 4.

(3) : سورة آل عمران - الآية 6.

(4) : فحظُّ العبد من هذا الاسم : أن يحافظ على صورته بأحسن صورها في ظاهره وباطنه، على أحسن تقويم، على ما خلقه الله تعالى وهداه إليه، وينـزل ما أعطاه من ذلك منـزلة الصيانة، والشكر، والاستزادة من فضله كما قال سبحانه: { لئن شكرتم لأزيدنَّكم } وأن يكون عوناً على مثل ذلك لتكون صورة الحياة والمجتمع على أكمل صورها، كالربيع بأزاهيره الملونة، وخصائصها المنوعة، وهذا ما يستوجب حسن التربية للأفراد، وقويم السياسة للنفوس، والمجتمع بالتزام واجب إقامة الحق بموازينه وصنيع الخير == وتوسة دائرة شموله فإن في ذلك استعمار الأرض، وبه قوامها { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ }. " اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الغَفَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ ..... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:25 PM

الغَفَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي يغفر الذنوب، ويستر العيوب، غفر قبائح العباد، وسترها عن نظر إخوانهم، وغفر ذنوب التائبين وبدَّلها حسنات بفضله المبين (1) .


هو الذي يفرح بتوبة عبده (2) . { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}(3) .


وأوسع دائرة من دوائر الحنان هو تجلي اسمه "الغفار" ، فقد قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (4) .


ثم وسع دائرة المغفرة بدون قيد ولا شرط فقال: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}(5) .


وإذا أردت أن تنال شرف هذا الاسم العظيم، وتنال السعد المقيم؛ فاستر عيوب إخوانك، واعف عنهم، بل قابل السيئة بالحسنة يتجلَّى لك قبسٌ من نور هذا الاسم الجليل (6) .


وعلامة المتخلِّق بهذا الاسم: أن يترك الغيبة والتجسُّسَ والنميمة، وإن ظهرت له عورة سترها (7) ؛ فقد قال الإمام أبو العزائم نفعنا الله به:" إن كل عبدٍ فيه كمال ونقص، فغضَّ الطرف عن النقائص، وانشر المحاسن، ولو كان في الرجل تسعة وتسعون عيباً وكمال واحد فاذكر الكمال واستر النقص".


ومن أراد أن يفيض عليه الحقُّ الوسعة في الأرزاق والأولاد فليكثر من الاستغفار، فقد قال الله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}( 8 ) .


ومامن بليَّةٍ في الوجود إلا وسببها ترك التوبة والاستغفار (9).



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ...... إنك فتحت لنا باباً واسعاً أطمعنا في عفوك وكرم، وغفرانك، فقلت وقولك الحق: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} فأشرقْ على قلوبنا أنوار اسمك "الغفار" فإني أنا العبد الضعيف الخطَّاء، الفقير، الذليل، وأنت القوي الغني العزيز الغفار. أسألك أن تغسل قلبي من الأوزار، وتملأه بالأنوار، وخلِّقنا بأخلاق هذا الاسم حتى نستر عورة الإخوان، ونقابل السيئة بالإحسان، فننال الوجاهة في الدنيا والآخرة، ونحفظ من ظلام المعصية الباطنة والظاهرة، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". " اهـ


اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : قال بعضهم: إنه غافر لأنه يزيل معصيتك من ديوانك، وغفور لأنه ينسي الملائكة أفعالك، وغفار لأنه ينسيك ذنبك حتى كأنك لم تفعل. وقيل: الغافر في الدنيا، والغفور في القبر، والغفار في عرصات القيامة. وقيل: الغافر لمن له علم اليقين، والغفور لمن له عين اليقين، والغفار لمن له حق اليقين. وفي الحديث القدسي الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ( يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ) أخرجه الترمذي في سننه، والضياء عن أنس.


(2) : روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه ،عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي. وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي. وَاللّهِ للّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالّتَهُ بِالْفَلاَةِ. وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيّ شِبْراً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً. وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً. وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيّ يَمْشِي، أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ".

وعَنِ الْحَارِثِ ابْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىَ عَبْدِ اللّهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَحَدّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ: حَدِيثاً عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثاً عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لله أَشَدّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوّيّةٍ مَهْلِكَةٍ. مَعَهُ رَاحِلَتُهُ. عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرابُهُ. فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ. فَطَلَبَهَا حَتّىَ أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ. ثُمّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَىَ مَكَانِيَ الّذِي كُنْتُ فِيهِ. فَأَنَامُ حَتّىَ أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَىَ سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ. فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعامُهُ وَشَرَابُهُ. فَاللّهُ أَشَدّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ". ورواه الإمام أحمد في المسند والبخاري في الجامع والترمذي في السنن كلهم بسندهم عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(3) : سورة الشورى – الآية 25.

(4) : سورة النساء – الآية 116.

(5) : سورة الزمر – الآية 53.

(6) : وقد أشار حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه وأرضاه إلى أن المغتاب والمتجسس والمنتقم والمكافيء على الإساءة بالإساءة يكون في معزل من أنوار اسمه (الغفار) وإنما ينال حظه من بركاته الذي ينشر عن عباد الله أحسن ما فيهم، فمن تغافل عن المقابح وذكر المحاسن فهو ذو نصيب من هذا الاسم. فلكي ينال العبد شرف هذا الاسم العظيم ينبغي له أن يتأدب بأدبه، فيستر عيوب إخوانه، ويعفو عنهم، ويقابل السيئة بالحسنة، وبذلك يتجلى له بفضل ربه قبس من نور هذا الاسم العظيم، ويستلزم ذلك أن يترك العبد الغيبة والنميمة وتتبع عورات المسلمين، وأن يغض الطرف عن القبائح، وينشر المحاسن، حتى قيل إنه لو رأى شخصاً فيه تسعة وتسعون عيباً، وفيه حسنة واحدة، ذكرها وترك العيوب

(7) : روى الإمام أحمد في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة ). وروى الطبراني عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من ستر أخاه في فاحشة رآها عليه ستره الله في الدنيا والآخرة) ، وفي رواية أبي نعيم عن ثابت بن مخلد بلفظ: (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة )، ولابن أبي الدنيا وابن عدي والخطيب عن مسلمة بن مخلد بزيادة: (ومن فك عن مكروب كربه فك الله عنه كربه من كرب يوم القيامة ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وروى أحمد والبيهقي عن عقبة بن عامر، والطبراني والخرائطي وابن النجار عن مسلمة بن مخلد: (من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موؤودة من قبرها)، وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته ففضحه في بيته) . وفي الباب أحاديث كثيرة في هذه الكفاية لمن أراد الله له الهداية.

( 8 ) : سورة نوح - الآيات 10-12.

(9) : ففي الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( من أكثر من الاستغفار) وفي رواية للبيهقي: ( من لزم الاستغفار) - (جعل اللّه له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب) وهذا مقتبس من قوله تعالى {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً} لأن من داوم على الاستغفار وقام بحقه كان متقياً وناظراً إلى قوله تقدس اسمه { استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً}

قال الحكيم الترمذي: وأشار بالإكثار إلى أن الآدمي لا يخلو من ذنب أو عيب ساعة فساعة والعذاب عذابان أدنى وأكبر فالأدنى عذاب الذنوب والعيوب، فإذا كان العبد مستيقظاً على نفسه فكلما أذنب أو أعتب أتبعهما استغفاراً فلم يبق في وبالها وعذابها وإذا لها – من اللهو وهو الغفلة - عن الاستغفار تراكمت ذنوبه فجاءت الهموم والضيق والعسر والعناء والتعب فهذا عذابه الأدنى وفي الآخرة عذاب النار، وإذا استغفر تنصل من الهم فصار له من الهموم فرجاً ومن الضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.



(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif القَهَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ.... )

عبدالقادر حمود 09-06-2008 05:26 PM

القَهَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي قهر الكفار بظهور آياته.

وقهر المعاندين بظهور بيناته.

وقهر قلوب أحبابه على العكوف ببابه، فأنسوا بجنابه.

قهر الروح وهي نور؛ فسخَّرها للجسم وهوظلام.

قهر العناصر فألَّف بين الحار والبارد والرطب واليابس.

قهر العباد بالموت؛ قال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير} (1) .

قهر الملائكة بالسجود لآدم وهو من الطين.

قهر الإنسان بالجوع والأمراض حتى يذلَّ لرب العالمين.

قهر جميع الحقائق حتى تفرَّد بالعزة الشامخة (2) .

قهر الإنسان بالنوم رغم أنفه؛ فسلب منه كل حيثية، ولولا تجليه بالقهر ما خضعت النفوس (3) .


روي أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل تجبَّر وتكبَّر، ومكَّنه الله في الأرض، وأمهله، وأبعد عنه الأمراض استدراجاً، ففي يوم استعرض جنوده وعظماء المملكة، واستعرض الجيش - وكان قوياً جداً - فخطر بباله أن له العزة دون غيره، وأنه المتصرف كيف يشاء!، فأمر الله مَلَكَ الموت أن يقبض روحه في تلك اللحظة، وهو في وسط جنوده، فجاء عزرائيل في صورة إنسان، وأمسك بزمام الدابَّة فأوقفها، فقال له المَلِكُ: أتعرفني؟.

قال: أعرفك... أنت نطفة قذرة، ونهايتك إلى الأرض، وأنت المغرور، الواقع في الزور، وأنا عزرائيل أمرت بقبض روحك الآن!.

فقال: أمهلني حتى أوصي.

فقال له: لا مهلة عندي. أنا خادم، ربي قد أمهلك طويلاً فلم تعتبر، وأعطاك كثيراً فلم تشكر، ورأيت منه ما رأيت فلم تنـزجر!!. وقبض روحه على ظهر الدابة، فسقط بين قومه جثَّةً هامدة، وأنفاسها خامدة، فانزعج الحاضرون، وتجلَّى "القهَّار" الذي يقول للشيء: كن فيكون.


واعلم... أن السرَّ الجليل في وصول العبد إلى المقامات العالية هو استمداده المعنوي من حضرة اسمه"القهار" فإذا تجلَّى له بنور هذا الاسم، قهر الله له العوالم، وسخَّر له الأعداء (4) .


والعبد المتخلِّق بهذا الاسم تهابه الملوك والعظماء، وتطيعه أملاك السماء، فيرى أن أعدى أعدائه نفسه التي بين جنبيه، فيقهرها، ويضيق خناقها، ويخالفها حتى تطيع الأوامر الإلهية، ثم يقهر خصمه العنيد وهو إبليس، فيحترس من وساوسه، ويضيق مجاريه الصيام، ثم يقهر شهوته البهيمية بالإعراض عن مخالطة النساء (5) ، فإن المرأة أعظم فتنة يصطاد بها إبليس الرجال (6) ، ثم يقهر الكفار، ويترك موالاتهم، ثم يقهر أهل الفسق ويهجرهم.


ولقد وضع العارفون علاجاً للتلاميذ وهو هذا الاسم، وهو أكبر سلاح لأن العبد إذا وصل إلى المعاني الروحانية، وتمكن في الرتب العلية، ربما تغتبر نفسه بأنه صار شيئاً مذكورا، فيدركه الله بنور هذا الاسم، فيقهر كل الخواطر والهواجس، ويسلم بفضل الله تعالى .



الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... قهرت العوالم كلها من دان وعال، وتجليت بالعظمة، فعرفت كل حبيب موال، أمدني بدقيقة من دقائق اسمك القهار، حتى تنقاد لي نفسي، وينهزم أمامي الفجار، وامنحني صولة عليها، لأَصول بها على إبليس، وأنجو من الشهوات الحيوانية، واجعلني ملاحظاً لأنوار اسمك (القهار) حتى لا أغتر بأي عظيم في الوجود، فالكل عدم إذا انكشفت الأنوار، والملائكة تحت القهر حيارى، والملوك أمام الحساب سكارى، وما هم بسكارى، واحفظنا وسلِّمنا، واقهر كل من يعارضنا، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ". " اهـ


اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : : سورة الأنعام – الآية 18.

(2) : وقهر العقول فمنعها عن الوصول إلى كنه حقيقته سبحانه، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.

(3) : وقال بعضهم: القاهر الذي قهر نفوس العباد، فحبسها على طاعته، والقهار الذي قهر قلوب الطالبين فآنسها بلطف مشاهدته. وقيل: القهار الذي يطلب منك الفناء عن رسومك، والبراءة من قدرك وعلومك. وقيل: القهار الذي طاحت عند صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين، قال تعالى: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فأين الجبابرة والأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب؟ وأين الأنبياء والمرسلون، والملائكة المقربون في هذا العتاب؟ ، وأين أهل الضلال والإلحاد، والتوحيد والإرشاد ؟ ، وأين آدم وذريته؟ ، وأين إبليس وشيعته ؟ وكأنهم بادوا وانقضوا . زهقت النفوس، وتبددت الأرواح، وتلفت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقي الموجود الذي لم يزل ولا يزال .

(4) : فحظ العبد من هذا الاسم أن يقهر عدويه؛ أولهما: النفس: كما قال سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) وذلك بشهواتها وغضبها، فيداوي أمراضها بالرياضة من العبادة. وثانيها: أن يقهر من يريد إغواء الإنسان وهو الشيطان، وقرين السوء من جنده بما يوسوس للإنسان، ويلم به من خواطر السوء، ونوازعه، وبذلك ليكون الإنسان سيد نفسه، وتقوى لمَّةُ الملَك عنده، فيحب الخير ويعمل به، ويجانب الشر ومزالق خطواته.

(5) : فإذا قهر العبد شهوته وغضبه، وحرصه، ووهمه، وخياله، فقد قهر أعداءه، ولم يبق لأحد سبيل عليه، إذ غاية أعدائه أن يسعوا في إهلاك بدنه، وذلك إحياء لروحه، فإن من مات وقت الحياة الجسمانية، عاش عند الموت الجسماني، كما قال تعالى: ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون صدق الله العظيم .

وأما كيف السبيل إلى قهر الشهوة والغضب؟ فتارة بالرياضة كما قال سبحانه وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} . وتارة بالجذب، وهو أكمل الطريقين كما قال عليه الصلاة والسلام: (جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين) .

(6) : روى الترمذي في سننه بسنده عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي في النّاسِ فِتْنَةً أَضَرّ عَلَى الرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وذلك لأن الطباع كثيراً تميل إليهن وتقع في الحرام لأجلهن وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا؟ وإنما قال بعدي: لأن كونهن فتنة أضر ظهر بعده. قال الحافظ في الحديث: إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: { زين للناس حب الشهوات من النساء} فجعلهن من عين الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك، وقد قال بعض الحكماء: النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنها ناقصة العقل والدين، تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد انتهى.قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه البخاري في النكاح، ومسلم في آخر الدعوات، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في الفتن. وفي الباب عن أبي سعيد أخرجه مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فسينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

(7) : قال العلامة محمد بن كمال الخطيب الحسني رحمه الله تعالى في معرض القول على اسمه تعالى القهار: لأن من ذكر اسم"القاهر" وعرف مننه على عبده الذي أمدَّه بقوته، فإنه لا يستكبر بنفسه، ولا يغتر بما آتاه الله من فضله، ونظر إلى ضعفاء العباد نظرته إلى نفسه، بضعفها وفقرها، فأعان ذوي الحاجة والضعف على خطته تعالى التي هدى إليها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث}. فهو لا يستكبر بما آتاه الله على من حرمه بل يكون لهم عوناً أداءً لحق الشكر والنعمة حقاً. وإن من أجهزة الإنسان ما يشتغل مقهوراً بمثل نبضات القلب غريزياً، ومنها قدرات يستطيع التصرف بها إرادياً، ضمن ما مكنه الله منه من سلطان، وما أعطاه القدرة عليه، وأذن له به، كقيامه وقعوده، وما يتم به كسبه لنفسه أو عليها من خير أو شر، وصلاح وفساد، فهذه القدرة يعرف الإنسان أنها منحة بجميع ما مكنه منه ربه وسخره له، فلا يطغى به،ولا يستكبر، ويستخدمه بمرضاة ربه على ما أحب الله من إصلاح في الأرض،وعون على البر والخير حتى يكون من أهل الرضوان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. " اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif الوَهَّابُ جَلَّ جَلاَلُهُ.... )

عبدالقادر حمود 09-21-2008 05:38 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الوَهّابُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي يهب العطاء بدون عوض، ويمنح الفضل بغير غرض، يعطي الحاجة بغير سؤال، يبدأ بالعطية وهو صاحب الأيادي العلية.


ولا يتحقَّق ذاك إلا من الله تعالى، فإنه هو "الوهاب" الذي تكرَّرت منه العطايا، وتنوَّعت منه الأسباب (1) .


وكل إنسان يهب شيئاً لأحد فهو يرجو من وراء ذلك معنى في نفسه، فالذي ينفق المال ويبذل ما يحب، يرجو بذلك حسن الثناء، أو وسعة من الله تعالى، أو يرجو دخول الجنة، فكأنه يشتري بعطائه الآخرة، وليس له حظٌّ من معنى اسمه"الوهاب" فإنه في الحقيقة ليس للعبد قدمٌ في هذا الاسم ، ولم يثبت ذلك إلا لله تعالى.... .


ولكن العبد إذا لمعت على قلبه أنوار المعارف الإلهية، وذاق لذة القرب من الحضرة العلية، بذل روحه وهو مسرور، وضحَّى بماله وهو شكور، وبذل قوته وملاذَّه راجياً بذلك رضاء الله، وما من عطية في الوجود إلا وهي من تجلِّي اسمه"الوهاب" (2) .


قال تعالى: { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب } (3) .


وقال سبحانه وتعالى في حق سيدنا موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا } (4) .


وقال في حق السيدة مريم حين دخل عليها السيد جبريل - عليه السلام - وقالت له: { قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (5) .


والسيد جبريل ليس هو الواهب، ولكنه خليفة عن الوهاب جلَّ شأنه، وإن السيد زكريا حين دخل المحراب على السيدة مريم وجد عندها رزقا من غيب الله ، قال تعالى: { قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب } (6) .


فشاهد باباً من أبواب"الوهاب" مفتوحاً، ونفحات من الحنَّان فياضة، فقال: { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء } (7) .


فأجاب الله دعاءه، وبشَّره على ألسنة الملائكة: { فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُك} ( 8 ) .


وقد دعا سيدنا سليمان http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/salam.gif فقال: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } (9) .


والذي فاز بالقسط الوافر من هذا الاسم سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فإنه بذل جميع ماله، وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ماذا تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله (10)


.
الدُّعــــــاءُ


(إلهي ... هب لنا نوراً نكتشف به محابك ومراضيك، ونجتنب به معاصيك، وهب لنا عافية في أبداننا، وسعة في أرزاقنا، وطولاً في أعمارنا، وهب لنا لذة المعرفة في قلوبنا، والشهود لأرواحنا، حتى نبذل النفس والمال بدون عوض ولا غرض إلى وجهك الكريم، يا وهاب يا رحيم ...؛ فإنني كنت نطفة جمادية، فواجهتني العناية الأزلية، فرفعت قدري،وكرَّمتني على العالمين، فسبحانك لا إله إلا أنت رب العرش العظيم.





نقـصـي كمـالـي رقــى فــي المقـامـات
لأنني ناقص في الوصف والذات (11)
كـلـي عـيــوبٌ ونـقـصـي لا يفـارقـنـي
حــــال الـقـيــام بــأنــواع الـعــبــادات
إن الـكـمــال لــــذات الله جــــلَّ عـــــلا
والنقص وصفي معي فـي كـل حالاتـي
إذا شـهـدت عيـوبـي واعـتـرفـت بـهــا
يــكــمِّــل الله نــقــصــي بـالـعـنـايــات





اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - لأن (الوهاب) الحق هو الله وحده ، ولن تتصور الهبة والعطاء والجود حقيقة إلا من الله سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي يعطي - كما يقول حجة الإسلام الغزالي - كل محتاج ما يحتاج إليه، لا لعوض ولا لغرض عاجل ولا آجل، ومن وهب وله في هبته غرض يناله عاجلاً أو آجلاً ، من ثناء أو مدح أو مودة، أو تخلص من مذمة، أو اكتساب شرف وذكر، فهو معتاض وليس بوهاب ولا جواد، وإنما الجواد الحق هو الذي تفيض منه الفوائد على المستفيد، لا لغرض يعود إليه.

ويذكر الرازي: أن الله هو (الوهاب) لأنه مالك الملك فيصح منه التمليك حقيقة، ولأنه منـزه عن الزيادة والنقصان، فهو منـزه عن الأغراض والأعواض، و(الوهاب) هو الذي كثرت مواهبه، واتسعت عطاياه، والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً ونوالاً في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم، ولا ولداً لعقيم، ولا هدى لضال، ولا عافية لذي بلاء ، والله سبحانه وتعالى يملك جميع ذلك، دامت عطاياه، وتوالت أياديه فكان هو (الوهاب) وحده .

(2) : ومن آداب من عرف أن ربه هو (الوهاب) أن لا يرفع حوائجه إلا إليه ، ولا يتوكل في جميع أموره إلا عليه ، وقد ذكروا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعنا به - قد فاز بالقسط الوافر من بركة اسمه (الوهاب) لأنه بذل جميع ماله في سبيل ربه ، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر ؟ . فأجاب : أبقيت لهم الله ورسوله . وحكي أن الشبلي سأل بعض أصحاب أبي علي الثقفي فقال : أي اسم من أسماء الله تعالى يجري على لسان أبي علي ؟ فقال : الوهاب . فقال الشبلي : فلهذا كثر ماله .

(3) : سورة ص - آية رقم 30.

(4) : سورة مريم - الاية 53.

(5) : سورة مريم - الآية 19.

(6) : سورة آل عمران – الآية 37.

(7) : سورة آل عمران – الآية 38.

( 8 ) : سورة آل عمران – الآية 39.

(9) : سورة ص – الآية 35.

(10) : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر عن الشعبي قال: نزلت هذه الآية { إن تبدو الصدقات فنعما هي} إلى آخر الآية في أبي بكر وعمر، جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تركت لأهلك؟ قال: عدة الله وعدة رسوله. فقال عمر لأبي بكر: ما سبقناك إلى باب خير قط إلا سبقتنا إليه". واخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر يحمل ما عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا".

(11) : من شعر المؤلف رحمه الله تعالى.. " اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif الرَّزَّاقُ جَلَّ جَلاَلُهُ.... )

عبدالقادر حمود 09-23-2008 01:45 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الرَّزَّاقُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي خلق الأرزاق، وساقها للمرزوقين، وهو الذي يسهلها لأهلها بحكمة خفية وأقدار أزلية تصريفها بيده، وتدبيرها بمشيئته.


قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين } (1) .


وقال تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } (2) .


فإذا رأيت إنساناً فقيراً فاعلم بأن لله حكمةً فيه، وهي ما هو عليه، والذي يهمُّ الإنسان ويشغله أمر معاشه وأرزاقه، فنبَّه الحقُّ لذلك. بقوله:{ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } (3) . يعني: رزقكم في القضاء والقدر ليس بيد العبد جلبٌ له، أو بيده وسعة فيه.


وقد أقسم الحقُّ ليطمئنَّ العبد فقال: { فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } (4) . فالنطق صفة ملازمةٌ للإنسان، كذلك الرزق حقيقةٌ ثابتة مع الإنسان، وقد يكون النطق في العبد فصيحاً، وقد يكون ضعيفاً، كذلك الرزق قد يكون واسعاً، وقد يكون ضيقاً.


والدليل على أن قسمة الأرزاق أزلية أننا نرى رجلاً نبيهاً عالماً، مفكراً، وهو فقير مع سعيه، ورجلاً جاهلاً غبياً والرزق يسعى إليه بدون تفكير منه أوتدبير (5) .


وربما حفر رجلٌ في الأرض ليأخذ منها تراباً لأي مصلحةٍ؛ فوجد كنـزاً دفيناً. ورُبَّ رجلٍ يقضي وقته في البحث عن الدفين أو الكنـز فلا ينال إلا التعب، ولو اجتمع العباد على أن يمنعوا رزقاً مقسوماً لأحدٍ ما أمكنهم ذلك، ولو اجتمعوا على أن يزيدوا ما ليس مقسوماً له لعجزوا.


قال تعالى: { إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } (6) .


وإذا نظرت إلى تصريف الحقِّ تعالى، وقيامه لكلِّ مخلوق بإيصال الرزق إليه بالوسائل والأسباب، أوبالفضل من الوهاب، تجلَّى لك القادر الحكيم، الخبير، الذي يسوق للدُّود الرزق في ظلمات الأرض، ويرزق الوحش في القفار، ويرزق الطيور بالمقدار.


قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ. لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ. تَغْد و خِمَاصاً، وَتَرُوحُ بَطَانا) (7).


فالطيور تصبح جائعة، وتطير في الجو ليس لها مكان معلوم، أوغذاء مفهوم، فترجع إلى أوكارها، وقد ملأ الله بطونها غذاءً ومعها قوت لأبهائها وهي فرحة مسرورة.


فإذا أردت تيسير الرزق فلا تظنَّ أنها بقوتك أو مكرك، ولكنها بتيسير الله تعالى... .


واعلم أن الرزق كل ما ينتفع به من أكل وشرب وملبس، وليس الرزق كل ما تملك، فقد تكون حارساً على المال لغيرك، فتنبَّه وأنفق مما آتاك الله تعالى ليكون لك رزقاً دائماً في الآخرة.


والرزق قسمان: رزقٌ للأرواح والقلوب، وهو العلم النافع، والمعرفة بالله والذكر والفكر، وهو أشرف الأرزاق.


والثاني: رزق الأشباح والجسوم، وهو غذاء وملبس، وملاذٌّ محسوسة، وهي عند العارفين مطالب حيوانية.


ومتى أشرق على القلب نور اسمه"الرازق" سكن القلب للخلاق، فلا يطمع في مخلوق. ولا ينظر إلى أي كائن يرجو منه رزقاً أو مدداً.... ( 8 ) .


ومن أراد وسعة الرزق فليحافظ على الصلاة، ويأمر أهله بها، قال الله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (9) .


واعلم أن للرزاق مظاهر: فأعلاها مظاهر أرزاق الأرواح والقلوب، فمن نفع الناس بعلمه ونصحهم بالحسي، وغذى أرواحهم بالمعارف فهو خير مظهر للرزاق، وأعلى من فاز بذلك الأنبياء ثم الورثة. والثاني: مظهر لقوت الأشباح وهم أهل الكرم والرحمة، الذين يطعمون الطعام على حبه لا يريدون جزاءً ولا شكورا. وكن واثقاً مما في يد الله أعظم مما في يدك (10) .


قال الإمام أبو العزائم [ http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya1.gif ] :




من ذاق راح الصفا يشهد ضيا الباقي= لم يصطبر نفساً من نار أشواقِ
من ذاق راح طريقي في بدايته=لم يلتفت لسوى معطٍ ورزَّاقِ




الدُّعــــــاءُ


" إلهي ....أنت الرزاق المتكفل بالعوالم، الواسع الرحيم، الذي يرزق المطيع والظالم، فارزق الضعيف بالإحسان، وربما جاع القوي وهو حيران، فالأرزاق بفضلك، والبلاء بعدلك. اللهم ...إنَّ لك موائد تنـزلها لأحبابك، تغذي بها الأرواح والقلوب، فأنزل علينا مائدة المعارف، وسلِّمنا من المخاوف، واجعلنا مظاهر توصل قوت الأرواح لعبادك، وأسباباً توصل قوت الأشباح لأحبابك، واحفظنا من الغرور بالأرزاق، واجعلنا مقبلين عليك بالأشواق، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"." اهـ




اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - سورة الذاريات - الآية 58.
(2) : سورة الشورى - الآية 27.
(3) : سورة الذاريات - الآية 23.
(4) : سورة الذاريات - الآية 23.
(5) : وصدق الشاعر حيث قال: ولو كانت الأرزاق على قدر الحجى *** هلكن إذاً من جهلهنَّ البهائمُ

(6) : سورة آل عمران – الآية 37.

(7) : قال العجلوني في كشف الخفاء: " وللعسكري عن وهب بن منبه أنه قال سئل ابن عباس عن المتوكل فقال الذي يحرث ويبذر وبذره بين المدر. وله أيضا عن معاوية بن قرة أنه قال لقي عمر بن الخطاب ناساً من أهل اليمن فقال: ما أنتم؟ فقالوا متوكلون. فقال: كذبتم أنتم متأكلون!! إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله عزل وجل. وقد ألف في التوكل غير واحد كابن خزيمة وابن أبي الدنيا رضي الله عنهم.

ولهذا كان سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من تحقق بالتوكل على الله الوكيل، وسماه الله المتوكل - كما في صحيح البخاري - قال الله تعالى في الحديث القدسي:" أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل". وأمره سبحانه بذلك فقال: { إذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}، أي إذا عزمت بعد المشاورة في الأمر فتوكل على الله في إمضائه، وكن واثقاً بمعونته وتأييده، فهو الوكيل وهو الكفيل، يحب عباده الذين يتجهون إليه، ويعتمدون عليه، مع بذل الجهد واتخاذ الأسباب، لأن التوكل ليس كما يروجه أعداء هذا الدين أنه ترك الأسباب، وإنما هو العمل بالأسباب وتفويض النتائج لمسبب الأسباب، ألا ترى أن الله تعالى قال في سورة الكهف: {وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سببا }، إذ التوكل إنما هو من عمل القلوب لا الجوارح فافهم، فهَّمني الله وإياك.

( 8 ) : والتعلق بهذا الاسم: استمداد الأرزاق منه؛ الحسية، والمعنوية، والثقة بضمانه، بترك الاضطراب، وعدم الوقوف مع الأسباب، ثقةً بمسبب الأسباب. قال بعضهم: العلم كله في كلمتين؛ لا تتكلف ما كفيت، ولا تضيع ما استكفيت.

والتخلق به: أن ترزق من كُلِّفت برزقه، وتجري رزقك على من قُدِرَ عليه رِزقُه من قريب أو بعيد.

والتحقق به: أن تفنى عن وجودك بشهود الرزاق الحقيقي، فتعطي ولا تبالي، فحينئذٍ تستمد منك الأرزاق الحسية والمعنوية لأنك حينئذ قطب الوجود، منك يستمد كل موجود. وفي الحقيقة ما ثَمَّ إلا واجب الوجود، وبالله التوفيق.

(9) : سورة طه - الآية 132.

(10) : عن أَبِي ذَرٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزّهَادَةُ فِي الدّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلاَلِ وَلاَ إِضَاعَةِ المَالِ وَلَكِنْ الزّهَادَةَ في الدُنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثقَ مِمّا فِي يَدِ الله، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ المُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبُ فِيهَا لَوْ أَنّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ". انظر: تحفة الأحوذي - كتاب الزهد عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم . 1538 ـ باب مَا جَاءَ في الزّهَادَةِ في الدّنْيَا .الحديث رقم:2378.

واعلم أن من آداب اسم تعالى (الرزاق) أن يعلم العبد أن ربه لا شريك له في رزقه، كما لا شريك له في خلقه، فهو يرجع إليه في جليل الرزق ودقيقه، وأن يرضى بقسمة الرزاق الوهاب، وأن يجعل يده خزانة لربه ، وأن يعرف حقيقة وصف (الرزاق) أنه لا يستحق هذا الوصف إلا الله سبحانه، فلا ينتظر الرزق إلا منه، ولا يتوكل إلا عليه." اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif الفَتَّاحُ جَلَّ جَلالهُ.... )

عبدالقادر حمود 09-29-2008 03:06 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الفَتَّاحُ جَلَّ جَلالهُ



"هو الذي يفتح مغلق الأمور، ويكشف الحقائق، ويسهل عسير الشؤون، بيده مقاليد السموات والأرض.


قال سبحانه وتعالى: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر } (1) .


هو "الفتَّاح" وعنده المفتاح. قال تعالى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (2) .


يفتح أبواب الأرزاق؛ فينـزل الأمطار؛ فيحيي بها الأقطار، يفتح البلاد بالأنبياء، فيشرق نور الحق، ويطهرها من كل داء، يفتح مغلق القلوب فيملؤها بأنوار الرب، فتصبح في الأنس والنور.
يفتح أعين الروح فتشاهد أنوار مولاها، ويفتح أعين الفكر، فتحل له مشكلات العلوم وغوامض المعارف، وما من فرد إلا وقد تحلَّى بنور هذا الاسم بقدر استعداده. وقد افتتح الوجود بسيد الخلائق صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مفتاح كل سر، وأساس كل نور. قال تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } (3) .


ومتى توجَّه العبد بكلِّيته إلى مولاه، فتح له أبواب السماء، واستجاب له الدعاء، وكاشفه بالأسرار، وصيَّره من الأخيار (4) .


ومن أراد أن يكون له حظ وافر من نور اسمه "الفتاح" فعليه بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والبحث عن العارفين أهل الفتوح، وتأكد أن قلبك كنـز فيه أسرار الحق، ونسأل الله أن يمنحك المفتاح الذي يفتح قلبك حتى تشهد الغيب المصون (5) .


والعبد الذي يتخلَّق بهذا الاسم هو الذي يفتح الإخوان بلطائفه، ويواليهم بنظراته ومعارفه ، ويبين للعاشقين جمال الحبيب، حتى تنفتح القلوب، وتهيم وتطيب، ويبين لإخوانه دقائق العلوم، ويكاشفهم بغوامض الفهوم، فالفتَّاح هو الله (6) . قال تعالى: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا } (7) . وهو "الفتَّاح" في الباطن والظاهر، جلَّ جلاله ( 8 )." اهـ




الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... أنت (الفتاح) الذي تفتتح العباد بكرمك، وتمدهم بوافر نعمك، تفتح القلوب فتطلعها على أسرار الغيوب، تفتح أبواب السماء بقبول الدعاء، وتفتح الممالك والأقطار لعبادك الأطهار. افتح لنا أبواب رحمتك، وعلِّمنا مالم نكن نعلم من سر الجسم والروح، فأنت صاحب المدد والفتوح، وأنت على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"."." اهـ




اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - سورة الأنعام - الآية 59.

(2) : سورة فاطر - الآية 2.

(3) : سورة الأعراف - الآية 89.

(4) :فالله سبحانه (فتَّاح) لأنه يفتح على عباده ما انغلق عليهم من أبواب الرزق وغيره، مما قصرت حيلهم عن فتحه، فمن علم أنه (الفتاح) للأبواب والأسباب ، لم يعلق فكره بغيره، ولم يشتغل قلبه بسواه، فيعيش معه بحسن الانتظار، كلما ازداد بلاء ازداد بربه ثقة ورجاء .

حكي عن بعض الفقراء أنه كان يأتي كل يوم ويقف بحذاء الكعبة بعد ما يطوف كثيراً، ثم يخرج من جيبه رقعة ينظر فيها، فلما كان في بعض الأيام فعل ذلك، ثم تباعد ومات، فجاء بعض من كان يرمقه، فأخرج الورقة وقرأ ما فيها، فإذا فيها: { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا }، وكان الرجل قد أصابته فاقة فصبر، ولم يظهر حاله لمخلوق حتى مات.

(5) : ومن التعلق به: دوام الالتجاء، وحسن الانتظار لوجود لطف (الفتاح) سبحانه، ودوام الترقب لحصول فضله، واستدامة التطلع لنبيل كرمه، مع ترك الاستعجال، والسكون تحت جريان الحكم علماً منه أنه لا يقدم ما حكم - سبحانه - بتأخيره، ولا يؤخر ما حكم بتقديمه ، ثم بالافتقار إليه في فتح ما انغلق عليه من جهة الحس أو المعنى، ففي كل ساعة يطلب فتحاً زائداً على ما يعرف، إذ لا نهاية لعلمه، فالعارف الكامل في كل ساعة ولحظة يترقى إلى علم جديد، وفتح مديد

(6) : والتخلق به: أن يكون فتّاحاً على العباد بما يفتح عليه، من علم، أو عمل، أو مال، أو حقيقة، أو همة، أو حال.

والتحقق به: يكون بالفتح الكبير، وهو الخروج من ضيق الأشباح، إلى فضاء عالم الأرواح، أو الخروج من شهود عالم الملك إلى عالم الملكوت، فتفتح على العباد بمجرّد النظرة، والهِمَّة.

ورد في بعض الآثار: إن لله رجالاً من نظر إليهم سعِدَ سعادةً لا يشقى بعدها أبداً، وهم العارفون بالله، الذين تحيا بهم البلاد، والعباد .
قال الشاعر :- (تحيا بكم كل أرض تنـزلون بها *** كأنكم في بقاع الأرض أمطار) ؛ (وتشتهي العين فيكم منظراً حسناً *** كأنكم في عيون الناس أقمارُ)


(7) : أول سورة الفتح.

( 8 ) : وقال الرازي ما جملته: إن "الفتَّاح" هو الحاكم من الخلق، يفتح الأمر المستغلق بما ميز به الحق والباطل، ودفع الباطل، وأنه هو الذي يفتح أبواب الخير في أمور الدين والدنيا بالعلم وإغناء الفقير، ونصرة المظلوم، وإزالة كربة المكروب. وهو الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته، وفتح على العاصين أبواب مغفرته، وهو الذي يعين على الشدائد، وينيل الزوائد، ولا يغلق باب النعمة بالعصيان معجلاً، ولا يترك إيصال الرحمة إليهم بالنسيان معرضا، وإنما حكمه حتم، وقضاؤه جزم، ولك أجل كتاب عنده قضت به حكمته سبحانه وتعالى. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif العَلِيمُ جَلَّ جَلالُهُ.... )

عبدالقادر حمود 09-29-2008 03:07 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
العَلِيمُ جَلَّ جَلالُهُ



"هو الذي يعلم تفاصيل الأمور، ودقائق الشئون، وخفايا الضمائر والنفوس، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، يستوي عنده العلم بالأشياء قبل وجودها، وبعد وجودها، وتنـزه سبحانه أن يستفيد علماً جديداً من الحوادث، لأنه غني عن العالمين.


والعلم صفة أزلية تكشف الحقائق على ما هي عليه، بلا زيادة ولا نقصان، وهي تتعلق بالواجب والجائز والمستحيل....


فالحق تعالى يعلم أنه الواحد الأحد، ويعلم أن الشريك مستحيل، ويعلم غيب السموات والأرض، وليس هذا الوصف إلا لله تعالى، والكل جاهلون، إن شاء الله علَّمهم، قال تعالى: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء } (1) .


وقال سبحانه: { الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآن } (2) .


وقال جلَّ شأنه: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } (3) .


وقال عزَّ سلطانه: { وَاللّه أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } (4) .


وقد اختلف الناس في تعليم الله بعض الغيب لأوليائه:


فقال بعضهم: إنه مستحيل. وقال الآخرون: إنه جائز.


والحقُّ الذي أبيّنه لك هو أن الغيوب كثيرة، فأولها الذات الأحدية، وهي في غيب الغيوب، لا يعلمها إلا هو تعالى، ثم غيب تجلِّي أنوار أسمائه وصفاته تعالى، وهذه يكرم الله بها أنبياءه، وورثتهم. ثم ... غيب القَدَر وحكمته العالية، وقد علَّمها الله لسيِّدنا الخضر عليه السلام، ثم عجائب وغرائب أسرار السماوات والأرض، وهذه يكاشف الله بها السالك الصَّادق ليطمئن.


وهناك غيب آخر: وهو الاطلاع على ضمائر الخلق، وكشف أعمالهم التي يعملونها في خلوتهم، وهي فتنة على صاحبها.


فقد روي أن بعض العارفين انكشف له هذا السِّرُّ؛ فاستغاث بالله وقال: يا ستَّار، أنت تحب أهل الستر، فاستر عني هذا المشهد لأكون ممن تحبهم.


وقد قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: إن للعلم طغياناً أعظم من طغيان المال. العلم يحفظك وأنت تحفظ المال، والمال ينقص بالانفاق منه، والعلم يزداد بالإنفاق.


فإياك أن تفتخر بالعلم، وتتكبَّرَ به، أو ترى نفسك نلته بحولك وقوتك، فتقع في البلية، وتصبح في مسئولية، ومن تعلم العلم طالبَ نفسَه أولاً بالعمل، ثم نصح إخوانه، ثم استعاذ بالله من علمٍ لا ينفع، ومن دعاءٍ لا يسمع (5).


واعلم أن العلوم تتفاوت بحسب المعلوم، فأشرف العلوم ما يتعلق بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وأيامه، وحكمة أحكامه، وبيان حدوده. وكل علم لا يدلُّ على الله أو على سبيله أو على ما يرضيه فليس له شرف، ولا قيمة، ولذلك تبحث الرجال عن أهل الله العارفين به سبحانه، فيتلقون عنهم غوامض العلوم، ودقائق الفتوحات، فيكتسبون الخشية من الله (6) .


قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (7) .


يعني: أن العلماء هم أهل الخشية، فمن لا خشية عنده لا يُعَدُّ عالماً، ولو علم علوم الأولين والآخرين.
واعلم بأنك إذا علمت علوم الأكوان ولم تعلم تاريخ نفسك من أين أتيت؟ وإلى أين ترجع؟ ولماذا خلقت؟ فلا يفيدك العلم.


فأنت تطورت في مظاهر كثيرة: كنت في بطن أمك، ثم في هذه الحياة الدنيا لتعرف ربك، وتعبده، ثم إلى الدار الآخرة، لتتلقى جزاءك ( 8 ).


وإذا أردت أن تنال نصيباً وافراً من العلم الإلهي؛ فعليك بالتقوى، وهي: الخوف من الله تعالى، والعمل بأوامره، والبحث عن أهل التقوى حتى تتعلَّم منهم كيف تحسن التقوى ( 9 ) ، فالجاهل بوسائل التقوى لا ينال العلم المطلوب.


قال تعالى: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ } (10) .


فاجتهد في الذكر، وخلو القلب من الغشِّ والحسد، وحب الدنيا، وخلوِّ المعدة من الحرام، حتى يشرق عليك نور اسمه "العليم"، فتصبح من الراسخين في العلم، وينطق لسانك بعجائب العلوم التي هي من وراء الفهوم، فتصبح ملجأً للقاصدين.


وإذا أردت أن تذوق شيئاً من حقائق العلوم، فتأكد أنك كنت عدماً ولكن كنت على ما أنت عليه الآن، ثابتاً في علم الله القديم، فاترك كل نسبة إليك في الوجود، وتنعَّم بأسرار العلوم، واشرب من حوضها المورود.



الدُّعـــــــاءُ


" إلهي ... أنت العليم بالأكوان قبل بروزها في الشهود، الخبير بدقائق الأشياء قبل اتصافها بالوجود، الخلائق جُهَّالٌ إلا من علَّمته، والعباد حيارى إلا من هديته. أشرق على قلوبنا أنوار اسمك: العليم حتى تنكشف لنا حقيقتنا في العلم القديم، وننجو من الغرور بمحض الكرم، وكاشفنا بأنوار أسمائك حتى نتخلَّق بها، وبيِّن لنا حكمة أقدارك حتى نرضى عنك يا عليم إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"." اهـ






اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : سورة البقرة - آية 255.

(2) : أول سورة الرحمن.

(3) : سورة الكهف - الآية 65.

(4) : سورة النحل - الآية 78.

(5) : روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللّهُمّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا. وَزَكّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكّاهَا. أَنْتَ وَلِيّهَا وَمَوْلاَهَا. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا".

وفي الحكم العطائية المباركة: " خير العلم ما كانت الخشية معه ". قال سيدي ابن عجيبة: يعني أن العلم النافع هو ما كان صاحبه ملازماً للخشية ، وهي خوف مع إجلال ينشا عنه العمل . وقد أثنى الله تعالى على العلماء بذلك فقال: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وأما العالم الذي لا خشية معه فليس عالماً على الحقيقة خصوصاً إذا كان همه الجمع والادخار والمباهاة والاستكبار . فإن علم هذا حجه عليه، وسبب في جر وبال العقوبة إليه؛ لأنه لا يكون من ورثة الأنبياء إلا إذا كان بصفة المورث عنه من الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وتمكن التقوى منه . وما ألطف قول بعضهم :

لو كان للعلم من دون التقى شرف *** لكان أفضل خلق الله إبليس

ولقد أحسن من قال :

قالوا فلان عالم فاضل *** فأكرموه مثل ما يرتضى
فقلت لما لم يكن ذا تقى *** تعارض المانع والمقتضى

وناهيك قوله سبحانه في كتابه المكنون: { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }. فالزم الطاعة أن أردت أن تكون من العلماء العاملين، واستعذ بالله من علم لا ينفع كما استعاذ منه سيد الأولين والآخرين .فـ" العلم أن قارنته الخشية فلك، وإلا فعليك" . يعني أن العلم النافع الذي يكون لك ثوابه، هو ما قارنته الخشية من الله تعالى، فتداوم العمل. وإلا بأن قصدت به المباهاة والتعاظم فعليك وزره، وخاب منك الأمل . فإنه لا يكون العلم نافعاً إلا إذا كانت نية صاحبه طلب مرضاة مولاه، واستعماله فيما يحبه ويرضاه؛ لأن التقرب إلى الله تعالى بالعلم هو مقصود الأكابر من القوم. وناهيك قوله صلى الله عليه وسلم: " كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى ربي فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم " وقد قالوا: مثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث أربعين أو خمسين سنة يتعلم ولا يعمل، كمثل من قعد هذه المدة يتطهر ويجدد الطهارة ولم يصل ركعة واحدة. إذ المقصود من العلم العمل، كما أن المقصود بالطهارة وجود الصلاة. وقد فشا في زمننا الكبر بين طلبة العلم وأشباههم ، الذين لم يتربوا على مائدة شيوخ التربية من العارفين العاملين المخلصين، فترى أحدهم تتلمذ على بعض خطباء الفتنة، من الذين أضلهم الله ونفخ في أنوفهم فملأها كبراً وجرأة على علماء الأمة من السلف والخلف، فظن نفسه إذا ما أحسن قراءة كتاب أنه صار شافعي زمانه، أومالك عصره وأوانه، أما ابن حنبل فحدِّث عن المتشبهين به ولا حرج، وهو رضي الله عنه بريء منهم ومن أمثالهم، فما عرفوا من الحديث إلا "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" فأخذوا المقولة دون فهم ولا وعي، ولا تدبر، ولا خشية، ثم أجروها على كل من قال لا إله إلا الله، ووزعوا شهادات التكفير والبدع والضلال والتشريك يميناً وشمالاً، دون خوف ولا وجل، وكأن الله وصاهم بهذا، فهذا هو أوضح مثال للكبر بالعلم، بل الكبر بالجهل، نسأل الله السلامة والعافية ، فاحذر يا أخي هذه المزلات، والمضلات، وإياك إياك أن تلقي سمعك لخطباء الفتنة في كل وقت وزمان ،وتمسك بما كان عليه سلفك الصالح حقيقة لا ادِّعاء، تولانا الله وإياك .

(6) : لأن من علم أنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر ووسواس الخواطر حري به أن يستحي من الله، ويكف عن معاصيه، ولا يغتر بجميل ستره، ويخشى بغتات قهره، ومفاجآت مكره. ومن علم أنه سبحانه كذلك فلا يتعرض لمخلوق فيما يحتاج إليه من مطالبه اكتفاء بعلم الله سبحانه .فإن من سكن قلبه إلى مخلوق عوقب في الحال، إن كان له عند الله قدر.

حكي عن بعضهم أنه قال: كنت جائعاً ،فقلت لبعض معارفي: إني جائع!. فلم يطعمني شيئاً !، فمضيت؛ فوجدت درهماً ملقى في الطريق، فرفعته، فإذا مكتوب عليه :"أما كان الله جلَّ جلاله عالماً بجوعك حتى طلبت من غيره؟" .

وحكي عن أبي سعيد الخراز أنه قال: خرجت من البادية، وكنت جائعاً، فدخلت الكوفة، وكان لي بها صديق يقال له الجراري، وكان يضيفني إذا دخلت الكوفة، فأتيت حانوته، فوجدته غائباً، فدخلت مسجداً بقرب حانوته، أنتظر رجوعه، وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وسلام علينا وعلى عباد الله المتوكلين . وقعدت أنتظره، فدخل داخل وقال : الحمد لله رب العالمين، سبحان من أخلى الأرض من المتوكلين، وسلام علينا وعلى جميع الكذابين، ...يا أباسعيد مدعياً التوكل !!، التوكل في الصحاري والبراري، وليس في الجلوس على البواري، وانتظار الجراري! . قال: فالتفت ...فلم أر أحداً ! .

وهكذا سنة الله جل جلاله مع خواص عباده، لا يساهلهم في خطرة، ولا يتجاوز عنهم في لحظة، بل يطالبهم بالكبير والصغير، ويحاسبهم في النقير والقطمير ، وأما الذين رتبتهم خسيسة، وقيمتهم قليلة، فيذرهم بإمهاله يغترون، وفي غفلاتهم ينهمكون، حتى يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون، نعوذ بالله من مكر الله.

(7) : قوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} سورة فاطر - الآية 28.

( 8 ) : قال سبحانه وتعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } سورة الروم- الآية 54.

(9) :وقد ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "جالسوا الكبراء" وفي رواية: " جالس " بالإفراد فيه والكبراء: هم الشيوخ الذين لهم التجارب وقد سكنت حدتهم وذهبت خفتهم لتتأدبوا بآدابهم وتتخلقوا بأخلاقهم أو أراد من له رتبة في الدين وإن صغر سنه وكبير الحال من جمع علم الوراثة إلى علم الدراسة وعلم الأحكام إلى علم الإلهام.

قال بعضهم: مجالسة الصالحين هي الإكسير للقلوب بيقين لكن لا يشترط ظهور الأثر حالاً وسيظهر بصحبتهم بعد حين وحسبك بصحبتهم إضافة التشريف والاختصاص. وفي قواعد زروق: الولي إذا أراد أغنى ومنه قول الناس خاطري أن أكون على بالك لعل اللّه ينظر إلي فيما أنا فيه قال: وأكثرهم في البداية يسرع أثر مقاصدهم في الوجود لاشتغالهم بما يعرض بخلافه في النهاية لاشتغال قلوبهم باللّه تعالى.


عبدالقادر حمود 09-29-2008 03:08 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
وقال العارف بالله تعالى الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي رضي الله عنه وعنا به: والمأمور بمجالستهم من الشيوخ هم العارفون بالكتاب والسنة القائلون بها في ظواهرهم المتحققون بها في بواطنهم يراعون حدود اللّه ويوفون بعهده ويقومون بمراسم الشريعة وهم الذين إذا رؤوا ذكر اللّه أما من ليس لهم في الظاهر ذلك التحفظ فنسلم لهم أحوالهم ولا يصحبون ولو ظهر عليهم من خرق العوائد ما عسى أن يظهر فلا يعول عليه مع سوء أدبه مع الشرع.

وهل للمريد أن يجالس غير شيخه؟. فيه خلاف؛ قال بعضهم: نعم إذا ظهر للمريد أن الشيخ الآخر ممن يقتدى به فله ذلك، وقال آخرون: لا ، كما لا يكون المكلف بين رسولين مختلفي الشرائع، والمرأة بين زوجين، وهذا إذا كان مريد تربية فإن كان يريد صحبة البركة فلا مانع من الجمع لأنه ليس تحت حكمهم لكن لا يجيء منه رجل في الطريق اهـ.

وقال رجل للعارف ياقوت العرش: ما بال سوس الفول يخرج صحيحاً إذا دش وسوس القمح يخرج ميتاً مطحوناً فقال: لأن الأول جالس الأكابر فحفظوه والثاني صحب الأصاغر فطحن معهم ولم يقدروا على حمايته قال العارف المرصفي: وإذا كان من يجالس أكابر الأولياء يحفظ من الآفات فكيف من يجالس رب الأرض والسماوات.

تنبيه: قال بعض الصوفية: ينبغي لمن يخدم كبيراً كاملاً ثم فقده أن لا يصحب إلا من هو أكمل منه وإلا جعل صحبته مع اللّه قال رجل للعارف التستري: أريد أصحبك قال: إذا مات أحدنا من يصحبه الثاني قال: اللّه تعالى قال: اصحبه الآن. وجاء إليه رجل يبكي فقال: ما يبكيك قال: مات أستاذي قال: ما لك اتخذت أستاذاً يموت.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم "وسائلوا العلماء وخالطوا الحكماء - وفي رواية وخاللوا -" أي : العلماء العاملين عما يعرض لكم من الأحكام ومن كان بالصفة المقررة فهو من كبراء زمانه وعلماء أوانه فيجب أن يجالس بالتوقير والإحترام ويسائل بالتبجيل والإعظام وذم الجوارح ومراقبة الخواطر ، أي اختلطوا بهم في كل وقت فإنهم المصيبون في أقوالهم المتقنون لأفعالهم المحافظون في أحوالهم ففي مداخلتهم تهذيب للأخلاق وفي النص على مسائلة العلماء تنبيه على إيجاب تقديم العلم على العمل ولم يوقت إيذاناً بملازمة السؤال إلى الترحال من دار الزوال فكأنه قال كن متعلماً أبداً وإذا أطلق العلماء فالمراد العارفون بالحلال والحرام وغيرهم يعرفه أو يضاف كعلم الكلام فكأنه حث على تعلم الفقه لعموم البلوى ومس الحاجة .

تنبيه آخر: قال الراغب: قال بعض الحكماء: مجالسة العلماء ترغبك في الثواب ومجالسة الحكماء تقربك من الحمد وتبعدك عن الذم ومجالسة الكبراء تزهدك فيما عدا فضل اللّه الباري تعالى.

وقال بعضهم: إذا جالست أهل الدنيا فحاضرهم برفع الهمة عما بأيديهم مع تحقيرها وتعظيم الآخرة أو أهل الآخرة فحاضرهم بوعظ الكتاب والسنة وتعظيم دار البقاء وتحقير دار الفناء أو الملوك فبسيرة أهل العدل مع حفظ الأدب والعفاف أو العلماء فبالروايات الصحيحة والأقوال المشهورة مع الإنصاف وعدم الجدال المظهر حب العلو عليهم أو الصوفية فيما يشهد لأحوالهم ويقيم حجتهم على المنكر عليهم مع أدب الباطن قبل الظاهر والعارفين فيما شئت فإن لكل شيء عندهم وجه من وجوه المعرفة بشرط عدم المزج وحفظ الأسرار سيما من الأشرار. و جاء في أقوالهم رضي الله عنهم: طأ أعتاب العالمين تطأ رقاب العالمين. والحديث رواه الطبراني في الكبير عن أبن جحيفة قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين أحدهما هذه والأخرى موقوفة .

(10) : سورة البقرة - الآية 282. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif القَابِضُ جَلَّ جلالُهُ.... )

هاجر 10-13-2008 08:04 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
:sm278:شكرا لك عمو الحسيني بس الموضوع طويل

عبدالقادر حمود 10-14-2008 12:07 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هاجر (المشاركة 4594)
:sm278:شكرا لك عمو الحسيني بس الموضوع طويل

هذا كتاب وفيه من الفوائد

ونحن امة أقرأ

ولم ينتهي الكتاب بعد

يتبع ان شاء الله

عبدالقادر حمود 10-14-2008 12:09 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
القَابِضُ جَلَّ جلالُهُ



"هو الذي يقبض النفوس بقهره، ويقبض الأرواح بعدله إذا انتهى أجلها، ويقبض الأرزاق بحكمته، ويقبض القلوب إذا خوفها من جلاله (1).


فالقبض نعمة الله على عباده لأنهم يستحضرون معنى أنوار "القابض"، فيتَّصلوا بالله تعالى، فإذا قبض الأرزاق عن إنسان توجَّه بكلّيته إلى الله يستعطفه، وإذا قبض القلوب بجلاله فرت داعية في تفريج ما عندها، فلا تنسب القبض والبسط لغير الله فهو القابض الباسط (2) .


قال تعالى: { وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }(3) .


والعارف بالله تعالى هو من تخلَّق بهذا الاسم، فيقبض أهل المعاصي، ويزعج أهل المخالفات، ويقبض يده فلا يعطي لأهل الفجور مالاً، ويقبض بشاشته، فلا يوالي الكفار ولا أهل الإنكار، ويقبض على نفسه بزمام الجهاد فلا يجعلها تمرح وتفرح بغير الله (4).


ويقبض لسانه فلا يجعله يتكلَّم في غيبة ولا نميمة، ولا أذى، ويقبض على سمعه فلا يصغي به إلى عورة ولا منكر.


ومتى قبض الإنسان على قواه الظاهرة بالحدود الشرعية، وقبض على قواه العقلية بمراقبة مولاه صاحب العزة الجبروتية، عرف نور "القابض" في نفسه، وكان له أوفر نصيب من معنى هذا الاسم الشريف (5) .




الدُّعـــــــاءُ


" إلهي ... أنت القابض على نواصي العباد، المتصرِّف في القلوب والأرواح بسبب الاستعداد، القبض في الظاهر بليَّه ولكنه عين العطية، فلولا القبض ما تأدَّب معك العبد، لأنك حكيم تفعل ما تريد، تقبض الأرزاق فتقبل عليك العباد بالتوبة، وتقبض القلوب فتتأدب معك النفوس من جلال الهيبة. وامنحنا قوة نقبض بها على زمام أنفسنا، حتى تخرج إلى مرضاتك، وامنحنا همة نقبض بها على كل من اتصل بنا فيكون قائماً بطاعتك، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ." اهـ




اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : وقيل: القابض: هو الذي يكاشفك بجلاله فيقيك، والذي يخوفك من فراقه. وقال القشيري رضي الله عنه: القابض هو قابض الأرواح عن الأشباح عند الموت. وقيل: القابض: الذي يقبض العباد بدلائل الخوف من الكبرياء.

(2) : حكي عن بعضهم قال: كنت مع الخواص في سفر، فنـزلنا تحت شجرة، فجاء أسد وربض بقربنا، ففزعت فزعاً شديداً، وصعدت إلى الشجرة، وقعدت على غصن إلى الصباح من خوف الأسد، ونام الخواص تحت الشجرة ولم يحتفل بالأسد، فلما كانت الليلة الثانية، نزلنا في مسجد فنام الخواص، فوقعت على وجهه بقَّة فضجَّ ! ، فقلت له: هذا عجب، البارحة ما جزعت من الأسد، والليلة جزعت من البقة ؟!!!. فقال: البارحة كنت مأخوذاً عني، والليلة أنا مردودٌ إلي ... فلهذا جزعت .

فالقبض والبسط عند أهل الله تعالى - نفعنا الله بهم -: حالتان تتعاقبان على القلوب تعاقب الليل والنهار، فإذا غلب حال الخوف كان مقبوضاً، وإذا غلب حال الرجاء كان مبسوطاً، وهذا حال السائرين. وأما الواصلون؛ فقد اعتدل خوفهم ورجاؤهم، فلا يؤثر فيهم قبض ولا بسط، ولذلك قال في الحكم: (بسطك كي لا يتركك مع القبض، وقبضك كي لا يتركك مع البسط، وأخرجك عنهما لتكون لله لا لشيء دونه).

(3) : سورة البقرة – الآية 245.

(4) : قال الإمام الشبلي رضي الله عنه: من عرف الله حمل السموات والأرضين على شعرة من جفن عينه، ومن لم يعرف الله جلّ وعلا، لو تعلق به جناح بعوضة لضجَّ.

(5) : فمن عرف أنه سبحانه وتعالى " القابض والباسط"، لم يغتب أحداً من الخلق، ولا يسكن إليه في إقبال ولا إدبار، ولم ييأس منه في بلاء، ولا يسكن إلى عطاء، فلا يكون له تدبير أبداً، انتهى . والتعلق بهذين الاسمين: بالانحياش إليه، في أن يقبضه، ويقبض عنه ما لا يرضاه من متابعة حظوظه وهواه. ويبسطه فيما يرضاه، ويبسط عليه ما يقربه إلى رضاه، أو بأن يستعمله بالأدب في قبضه وبسطه، ثم يخرجه عنهما إلى شهوده، ومعرفته. والتخلق بهما: بالقبض عما سواه، والبسط في كل شيء يرضاه، فإن كان مجاهدة فهو تخلُّق، وإن كان طبيعة فهو تحقق، والله تعالى أعلم." اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/azza.gif البَاسِطُ جَلَّ جَلالُهُ.... )

عبدالقادر حمود 10-24-2008 10:45 AM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
البَاسِطُ جَلَّ جَلالُهُ


"هو الذي يبسط العطاء لعباده، ويبسط القلوب بوداده، ويبسط الأرواح بشهوده، ويبسط الأشباح بالعافية والقوة بمحض جوده، بسط الأرض بتجلِّي "الباسط".


ويتجلَّى "الباسط" الكريم للقلوب برحمته الواسعة، يبسطها فتهيم إليه، وبسط أرزاق القلوب وهي العلوم والمعارف، وأرزاق الجسوم وهي الغذاء النافع .


ومتى تجلَّى لك باسمه"الباسط"، أصبح لسانك مؤانساً لمن جالسه، ويدك مبسوطة بالعطاء، ووجهك هاشٌّ باشٌّ لا يجاورك إنسان إلا وتدفع عنه الهموم، ولا تتوجّه بالدعاء لمخلوق إلا وتزول عنه الغموم، كأنك روضة مثمرة، من جلس بجوارها انتفع بظلها، وطيب أزهارها وثمارها.


فمن العارفين بالله تعالى من غلب عليه القبض، فهو خائف باكٍ حزين. ومنهم: من غلب عليه البسط فهو مسرور منشرح أمين.


والقبض والبسط مقامان من مقامات الرجال، لا بدّ منهما، واحذر أن يغلب أحدهما على الآخر فخير الأمور الوسط، فإن القبض والبسط كالجناحين للطائر يطير بهما في فضاء الملكوت، فإن غلبت إحداهما فلا ينتظم الطيران.


ومتى أكرمك الله بإدخال السرور على الفقراء وإعانة الضعفاء، فقد نلت حظاً وافراً من نور هذا الاسم الشريف.


وخير بسطٍ لك أن تدخل السرور على والديك، وأستاذك، وأقاربك، وجيرانك، حتى تبسط القلوب والنفوس.


وإذا ضاق صدرك، فتب إلى الله تعالى، وقل:" يا باسط"، بهمَّةٍ عالية، واستحضار، فلا تقوم من مجلسك إلا وقد ذهب عنك القبض. وأعظم بسط للقلوب أن يتجلَّى لها جمال حبيبها، فتأنس وتهيم.


الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... أنت الباسط للقلوب بشهودك، والباسط للأجسام بجودك، فتجلَّ لنا بنور اسمك الباسط، حتى تظهر أنواره على جوارحنا، فمن رآنا انبسط وانشرح صدره، ومن واجهنا عمَّه الفرح.
اجعل لساننا منبسطاً لعبادك بلطف الكلام، ويدنا مبسوطة بالعطاء بين الأنام، وقلبنا في بسط وهيام، حتى لوفرق ما عندنا من البسط والسرور لوسع العالم وشرح الصدور، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) : قيل: القابض هو الذي يكاشفك بجلاله فيقيك، والباسط هو الذي يكاشفك بجماله فيبقيك. وهو الذي يقبل الصدقات من أربابها فيربيها، والباسط الذي يبسط النعمة ويهبها. والقبض والبسط حالان يهذب الله بهما الذاكرين من عباده، ويفتح بهما عليهم أبواب العلم، والحكمة، وينبغي أن يتجنب الإنسان الضجر في وقت قبضه، ويتجنب ترك الأدب في حال بسطه، إن في ذلك لآيات لكل صبَّارٍ شكور، ويبتليه الله ويختبره بالشر والخير فتنة فعليه الرضا بما نزل به القضا ليرضى الله عنه." اهـ

نوح 10-29-2008 02:45 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيني (المشاركة 4648)
هذا كتاب وفيه من الفوائد

ونحن امة أقرأ

ولم ينتهي الكتاب بعد

يتبع ان شاء الله


بارك الله في عمرك اخي الحسيني كما ذكرت الامورة هاجر الموضوع طويل وقيم وفيه من الفائده الكثير ان شاء الله في ميزان حسناتك اخي الحسيني

عبدالقادر حمود 11-01-2008 09:00 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الخَافِضُ (1) جَلَّ جَلالُهُ


"هو الذي خفض أهل الكفر بعزِّه، وخفض أهل الكبر بجلاله، خفض أهل الزور بإظهار تكذيبهم، خفض كل خارجٍ عن شريعته مهما كان غنياً بالمال عزيزاً بين الرجال.


والعبد الذي يريد أن ينال حظّاً من هذا الاسم فعليه أن يخفض نفسه؛ فيراها أقلَّ من جميع العباد، ومتى سلم من شرِّها فكل شرٍّ بعدها يزول، ثم يخفض إبليس فلا يصغي لنصحه ولا إغوائه، ثم يخفض الكفار فلا يعظم أحداً منهم إلا بقصد أن يؤلِّفه إلى الإسلام (2) . ثم يخفض أهل المعاصي فلا يحتــرم أحداً منهم، ويخفض جناح الذلِّ لوالديه وللمؤمنين (3) ." اهـ




الدُّعـــــاءُ


"إلهي أنت الخافض للجبارين بقهرك، المذلُّ للمتكبرين بجبروتك، المتعالي العلي الكبير، المتجلي بنصرك، وأنت نعم المولى ونعم النصير. أسألك أن تمنحني قوة جبروتية أخفض بها كل جبَّار عنيد، وأصغِّر بها نفسي وشيطاني المريد، أتواضع بها لوالديَّ، وأتذلَّل بها لكلِّ مسلم، وأقدِّمه عليَّ، فيكون لي أوفر حظ من نور هذا الاسم الشريف، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) : : في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي موس الأشعري قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع : ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، ويرفع إليه عمل النهار بالليل، وعمل الليل بالنهار) . أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - الحديث 295 .

أراد أن الله يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه، وأرزاقهم النازلة من عنده، كما يرفع الوزان يده ويخفضها عند الوزن، وهو تمثيل لما يقدِّره الله وينزله . انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير4/60.

(2) : ومن حظه كذلك أن يعرف نعمة الله فيما أعطاه وحكمته فيما منع منه، وفيما رفعه به، وما أكرمه وفضَّله عن كثير ممن خلق ، فيكون ذاكراً للخافض الرافع، شاكراً صابراً، وهو يستعمل ما آتاه من أسباب العيش وما مكنه من القدرة عليه، ويسَّره من الأسباب، على وجه يرقب ربه ذاكراً من قوله " لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد "،فيلتزم في أمره كله حدوده باتباع أمر ربه، يرفع ما رفعه الله، ويخفض ما خفضه، ويضع ما وضعه، ويذكر أن من اعتزَّ بغير الله ذل، ومن أراد الشرف والرفعة والسؤدد بغير مرضاة الله ، وعلا مستكبراً بغير الحق أذلَّه الله.

(3) : متمثلاً قول ربه عز وجل: { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين}، وقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ }، وقوله في حق الوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}." اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الرَّافِعُ جَلَّ جلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 11-15-2008 07:29 AM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الرَّافِعُ جَلَّ جلالُهُ


"هو الذي يرفع الأولياء فينصرهم على الأعداء، ويرفع الصالحين إلى أعلى علّيين، تجلَّى باسمه "الرافع" فرفع السماء بغير عمد، ورفع الغمام على متن الهواء، ورفع الطيور في الفضاء. ورفع مقام الأولياء في الحياة بخضوع القلوب لهم، واحترام العالم لأشخاصهم، ولو كانوا فقراء ضعفاء، رفع شأن الصالحين بعد مماتهم، فترى القلوب تحنُّ إليهم، وتحنو عليهم وتزورهم، وتعظمهم.


قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم } (1) .


رفع رتبة الملوك على الرعية، ورفع رتبة الحكام على المحكومين، ورفع رتبة الأغنياء على الفقراء، وذلك عين البلاء.فإذا عدل الحكام وأنصف الملوك، وتصدَّق الأغنياء من مالهم كانت الرفعة عطاء، وإلا كانت عليهم بلاء وشقاء (2) .


وإذا تجلَّى لقلبك نور اسمه "الرافع" رفعه ذلك النور إلى العلي الأعلى، فصار مرتفعاً عن الأكوان، لا ينظر إلى ما في أيدي الناس، ويتحصَّن دائماً من الوسواس.


يرفع همته أن تكون عبادته لغير الله، يرفع قدر نفسه بأن لا يجعل لذَّته في الشهوات الفانية. يرفع كل شيء رفعه الله، وعظَّمه. وأعظم شيءٍ رفعه الله هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يرى شيئاً أكمل منه ، فيسعى في سبيل مرضاته (3) ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ...تجليت باسمك الرافع فرفعت قدر أنبيائك وأوليائك، فأظهرت لهم المعجزات، وأبرزت لهم الكرامات، فعظمتهم القلوب، ورفعت أعمالهم إليك بالقبول، ورفعت أرواحهم إليك بالوصول، ورفعت همتهم فلم يطلبوا سواك، لأن عيون أرواحهم تراك، فاجعل لنا أوفر حظ من نور اسمك الرافع، حتى يرفع شأننا فنرفع أحبابك، وننفذ أحكامك، فنكون رافعين مرفوعين بفضلك، يا رافع يا معين، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ".".



اقتباس:============================================

(1) : : سورة الأنعام – الآية 165.

(2) : وقد كرم الله بني آدم ورفع قدرهم بما أنعم عليهم وما سخره لهم، والرفعة من ابتلائه بالنعم والخيرات، ومن جزائه العاجل بالخير والإنعام، وهو تعالى الذي يرفع درجات عباده المتقين بإنعامه وتقريبهم إليه، ويخفض من يشاء عن رتبته، بانتقامه وطردهم من رحمته، وميزان الحق ما يلتزم العبد من ذلك أن يرفع الحق حتى ينتصر ، ويخفض الباطل حتى يدفع ويزهق. وعلى هذا قال القشيري في شرحه للأسماء:" ليس المرفوع قدراً العلي شأناً وأمراً والمستحق مجداً وفخراً من وضع الطين على الطين، وتكبر على المساكين، وافتخر على أشكاله بكثرة ماله، واستقامة أحواله، وإنما المشرَّف شأناً والمعلى رتبةً ومكانةً من رفعه الله بتوفيقه وأيده بتصديقه، وهداه إلى طريقه، صفا مع الله قلبه، وخلا له وجهه، ولبُّه، وصعد إلى السماء أنينه، وصدق إلى الله شوقه وحنينه. وكان فوزه في آخرته يوم الواقعة وهي كما وصفها الله تعالى: { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } ، بما يلقى كلٌّ من جزائه عند ربه.

(3) : وعلى العبد أن يطلب الرفعة بأسبابها من العلم والتقوى والعمل الصالح، ومحبة الناس، وخدمتهم، والإصلاح بينهم، وعون محتاجهم، وقد "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها" وفي صنيع هذا الخير محبة الله، ورفعة الشان بينهم ورضوان الله حتى يلحق بالصالحين من عباده الذين يحبهم ويحبونه، فيدنيهم إليه ويرفع منازلهم عنده. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: المُعِزُّ جَلَّ جَلالُهُ ....... )





سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى


http://www.rubat.com/phpbb/files/05092712123010282.gif

عبدالقادر حمود 11-22-2008 01:14 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
http://www.rubat.com/phpbb/files/b.gif



المُعِزُّ جَلَّ جَلالُهُ


"هو الذي أعزَّ أنبياءه بالعصمة والنصر، وأعزَّ أولياءه بالحفظ والوجاهة. يعزُّ الطائع ولو كان فقيراً، ويرفع التقي ولو كان عبداً حبشياً.


يتجلَّى باسمه "المعز" على قلوب أوليائه فيجعلهم أعِزَّاء به تعالى.


يعزُّ القلوب بمشاهدته، ويعزُّ النفوس بالأدب معه، ويعزُّ الأجسام بخدمته.


وليس هناك عزٌّ للعبد أكبر من عزّ الطاعة لله تعالى (1) .


ومن أراد أن ينال حظاً وافراً من التخلُّق بهذا الاسم الكريم؛ فعليه أن يعزَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعزَّ العارفين في عصره، فيحترمهم، ويتواضع لهم، ويبذل كل شيء في رضاهم.


وأعظم عزٍّ يناله العبد إذا دخل حضرة سيده، وواجهه بجماله ، وسجد قلبه لعزة العلي تعالى... (2) .
فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين... ." اهـ




الدُّعـــــاءُ


" إلهي ... أنت المعزُّ لأحبابك، فأدخلتهم في رحابك، تكاشفهم بالجمال، فيفرُّون إليك، وتلاطفهم بالحنان فيركنون إليك، في القلوب يعظمون شعائرك المصونة، ويعززون كل من اعتز بعزك، وأغنيته من كنـزك. إلهي ... تجلَّ لنا باسمك المعز فأعزَّنا، حتى لا يرانا مخلوق إلا ويرى تاج عزِّك على رؤوسنا، فيخضع لك يا معز، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) ففي مقدمة أسباب إعزاز الله العبد الإيمان؛ فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، إذ جعل الله تعالى العاقبة للمتقين، ومن أبرز أسباب الاستزادة من هذه النعم الطاعة لما أمر به سبحانه وتعالى، والتعفف والقناعة في مطالب الحياة الدنيا، ومن ابتلاه ربه فصبر صبراً جميلاً اجتباه إليه وقرَّبه وأدناه، وأهَّله لمناجاته وشهوده، كما يذلُّ سبحانه وتعالى بسلب ذلك من رانت شهواته على قلبه، وطبع الله عليه، ولم تذله الحاجة بالمطامع.


(2) : فإن العزيز من اعتزَّ بربه، وتوكل عليه واستغنى به، ومن اعتزَّ بغير الله ذل، فكيف بمن اعتزَّ بآثامه وعصيانه، وفسوقه وكفره، وعتوِّه وبغيه، وطغيانه؟!. وإن الاعزاز في الدنيا بالصحة والحسن والجاه وشرف النسب وكثرة الأعوان وبالمال، وتجميل المظاهر والاستغناء به عن الناس، والإعزاز في الدين بحسن الحال مع ربه وطهارة سريرته، والتوجه إلى الله تعالى. وقد قيل: ليس العزيز من تطاول على أشكاله بماله ورياشه، وأسباب معاضه، وتطاول على أبناء جنسه ، ويعجب بسلامة نفسه، وينسى ما كان يقاسيه في أمسه، إنما العزيز من له ذرةٌ من راح أنسه بربه تعالى، وشهود قدسه، نعوذ بالله من سوء الحال والمآل، ومن الحور بعد الكور، ومن الذل بعد العز، ومن يهن الله فما له من مكرم." اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: المُذِلُّ جَلَّ جَلالُهُ ....... )





سُبحانَكَ الَّلهُمَّ وبحمدكَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ

والحمدُ لله وَسَلامٌ على عِبَاده الذينَ اصْطَفَى

http://www.rubat.com/phpbb/files/05092712123010282.gif

عبدالقادر حمود 12-15-2008 08:35 AM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
المُذِلُّ جَلَّ جَلالُهُ


"هو الذي يُذلُّ الكافرين بصولة الحق، ويذل الجبارين بتسليط الأمراض (1) . وما من ظالمٍ أو جبار إلا وأذلَّه الله بشيء.


وشرُّ المصائب أن يكون العبد ذليلاً لشهوته؛ فتذلَّه امرأة، وتتصرف بعقله، وهي قاصرة، فيضيع دينه!! (2) . وأشرُّ من ذلك: أن يسلِّط الله الكفار على المسلمين فيذلّوهم، وذلك بسبب عصيانهم لله، وتكبّرهم على الشريعة.


وقد ورد في الحديث الصحيح: (لا زلتم منصورين على أعدائكم ما دمتم متمسكين بسنتي ، فإن خالفتم السنة سلَّط الله عليكم من يخوفكم؛ فلا ينـزع خوفه من قلوبكم حتى تعودوا لسُنَّتي) (3) .


وقد قال الإمام أبو العزائم [ http://www.rubat.com/phpbb/images/smiles/radeya1.gif ] :" إن الذلَّ لإخوانك - وإن أساؤوا - هو العز، والذلّ للعلماء هو السعادة".


وإذا تعسَّرت الأمور فتوجَّه إلى الله تعالى وقل له: "يا مذلُّ!"، وأنت تستمدُّ منه القوة التي تستعين بها على الأعداء." اهـ





الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... أنت المذلُّ لأعدائك، المهين للعصاة بحلول بلائك، أسألك أن تتجلى بمدد اسمك المذلّ حتى أذلَّ نفسي وشيطاني، وأذلَّ كلَّ كافر وفاجر، واحفظني من ذلِّ المعصية، وذلِّ الجهل، وذلِّل لي كلَّ صعب، وهوِّن عليَّ كلَّ عسير، وتوِّجني بتاج المهابة، حتى يذلَّ لي كلُّ كافر فاجر، إنك على كلِّ شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) وقد قال أهل الله العارفين: المعز الذي أعز أولياءه بعصمته، ثم غفر لهم برحمته، ثم نقلهم إلى دار كرامته، ثم أكرمهم برؤيته ومشاهدته. والمذل الذي أذل أعداءه بحرمان معرفته وركوب مخالفته ، ثم نقلهم إلى دار عقوبته، وأهانهم بطرده ولعنته. وقال بعضهم: ما أعز الله عبداً بمثل ما يدله على ذل نفسه، وما أذل الله عبداً بمثل ما يشغله بعز نفسه.

(2) : فالحق سبحانه يعزُّ الزاهدين بعزوف نفوسهم عن الدنيا، ويعزُّ العابدين بسلامة نفوسهم عن الرغائب والمنى، ويعز المريدين بصدق التوجه إلى المولى، ويعز العارفين بتأهبهم لمحل المسارّة والنجوى، مع حصول الكشف واللقا، والغنى به عن كل سوى، وإذا أراد إعزاز عبد قرّبه من بساطه، وأهّله لمناجاته، وإذا أراد إذلال عبده بعّده من حضرته، وقرنه مع شهوته، فلم تكتنفه الرعاية، ولم تلحظه عين العناية، وعلامته تركه وما يريد، كما قال الشاعر:-

ترك يوم نفسك وهواها *** سعي لها في رداها

فذل العبد هو أن يكون مملوكاً لنفسه، رِقَّاً لحظوظه، قد سكن قلبه الطمع، وامتلأ بالجزع والهلع.
قال حجة الإسلام رضي الله عنه : فمن رفع عن قلبه حتى شاهد جمال حضرته ، ورزقه القناعة حتى استغنى بها عن خلقه ، وأمده بالقوة والتأييد ، حتى استولى بها على صفات نفسه ، فقد أعزه وآتاه الملك عاجلاً ، وسيعزه في الآخرة بالتقرب، ويناديه : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي }.

(3) : لم أجده بهذا اللفظ." اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: السَّمِيعُ جَلَّ جَلالُهُ....... )

عبدالقادر حمود 12-31-2008 01:57 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
السَّمِيعُ جَلَّ جَلالُهُ



"هو الذي يسمع نداء المضطرين، ويجيب دعاء المحتاجين، ويغيث الملهوفين. هو الذي يسمع دبيب النملة، وحركة الذرّة، ويسوق إليها حاجاتها، يسمع خطرات القلوب، وهواجس النفوس، ومناجاة الضمائر.


والسمع صفة إلهية تنكشف بها حقائق المسموعات انكشافاً تاماً.


واعلم ... أن الله تعالى منـزَّهٌ عن الأذن، أما سمع الإنسان فبالأذن والجارحة، ويشترط أن يكون المسموع قريباً، ويتكلم بكلام معروف للسامع.


أما سمع الله تعالى: فهو يسمع جميع اللغات، ويجيب جميع السائلين لا يشغله شأن عن شأن .


واعلم أنك إذا تقربت إلى مولاك بالنوافل أحبك الله، فأفاض على سمعك نوراً به تنفذ بصيرتك إلى ما وراء المادة من أنوار الممدّ سبحانه وتعالى، فتسمع بالله، وربما أسمعك الله الهواجس التي بالقلوب، ومناجاة الضمائر، كما يحصل ذلك لأهل الله تعالى .


فإذا دامت الاستقامة للعبد والإقبال عليه، تبدَّل السمع المقيد بالسمع المطلق، وتتسلّط الروح على الجسم فتسمع النداء الأزلي من ربها: { ألست بربكم؟ } وعند ذلك يصير العبد كله سمعاً، وكله بصراً، فيسمع بكلِّه، ويبصر بكلِّه من جميع الجهات ." اهـ




الدُّعـــــاءُ


"إلهي ...أنت السَّميع لحركات القلوب وخطرات النفوس، السَّميع لنداء المضطرين، المغيث لجميع المحتاجين، فأشرق على سمعي نوراً منك، به أسمع تسبيح الكائنات في الأرض والسماوات، وامنحني - يا الله - قوة روحية أسمع بها عهد { ألست بربكم } إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) : فحقيقة السمع والبصر له سبحانه أنهما صفتان ينكشف بهما المسموعات، والمبصرات، بل جميع الموجودات من الجائزات، والواجبات، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دقَّ، لا يحجب سمعه بُعْد، ولا يدفع رؤيته ظلام، يرى من غير حَدَقَة وأجفان، ويسمع من غير أصمخة وآذان، وصفاته تعالى محجوبة عن الأفهام، كذاته المقدسة، والعجز عن الإدراك إدراك.

(2) : فحظ العبد من اسمه تعالى السميع: أن يحفظ استحياءً من الله تعالى لسانه من كلمة السوء، وجنانه من خواطر السوء فلم يحدث نفسه بشر فإنه: { لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ }. وسمع فوعى ما أمر به تعالى وأطاعه وهو يعلم أنه تعالى { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } وأكثر من ذكره تعالى ليذكره في ملأٍ خير من ملئه، يذكر الله ويدعوه { تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ }.


(3) : كما في الحديث الذي أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه،وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته ) . صحيح البخاري 8/105 - باب التواضع. وإذا علم العبد أن مولاه يسمع ما يقال، ويرى ما تختلف به الأحوال، اكتفى بسمعه وبصره، عن انتقامه وانتصاره لنفسه، فإن نصرة الحق سبحانه له أتم." اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: البَصِيرُ جَلَّ جلالُهُ ....... )


عبدالقادر حمود 01-26-2009 09:44 AM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
البَصِيرُ جَلَّ جلالُهُ



" هو الذي يرى ما فوق السماء، وما تحت الثرى، يرى ما نحن عليه من طاعة فيوالينا بلطفه، وما نحن عليه من معصية، فيحاسبنا بعدله، يرى معاملتنا للعباد، ويرى مقاصدنا وضمائرنا في كل حركة وسكون، محل نظره إلى القلوب.


قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَىَ صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) (1).


والبصر في حق الله تعالى صفةٌ تتكشف بها الموجودات، منـزهةٌ عن العين والأجفان، يستوي عنده الظاهر والباطن، والأول والآخر، ومتى تقرَّبت إلى الله بالنوافل أحبك الله وأعطاك في بصرك نوراً ترى ما لا يراه الناظرون، ويتَّحد نور البصر بنور البصيرة (2) ، فترى آيات الله في الكون، ثم يزداد النور فترى تجليات الأسماء والصفات، ثم يزداد النور فتشرق عليك أنوار مجلى الذات العلية، فيكون الخلق في حجاب الأكوان، وأنت في شهود العيان، ويعطيك فراسة نورانية بها تكاشف بطوايا السرائر، ومناجاة الضمائر، ويتجلى لك سرُّ البصير فتشهد منه نوراً لا يقع بصرك على شيء إلا وتأخذ منه عبرة، ولا ترى كائناً إلا وتذكر ربك الذي أبدعه، وتغضّ بصرك عن المنكر، وتنظر به إلى وجوه الأولياء والعلماء العاملين. وإذا كانت بصيرتك ضعيفة فقل:" يا بصير!"، حتى يكشف الله لك سرُّ البصير.


وما نال الرجال مقام المحاسبة والمراقبة إلا من تجلي اسمه البصير، فإنهم تأكدوا أنه يراهم. ومن اعتقد أنه يراه ووقع في ذنب فهو مستهين بربه، وإن اعتقد أنه لا يراه كفر (3) ." اهـ




الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... أنت البصير بعيوبي ، الخبير بذنوبي ، المطلع على سري ، بيدك زمام أمري ، أسألك أن تجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً ، لأشاهد حقائق الأشياء ، وأتأدب معك بالظاهر والخفاء ، إلهي أشهدنا جمالك الظاهر ، ولا تحجبنا بالمظاهر ، واجعلنا لك من المشاهدين ، وفي حماك قائمين ، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) :: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَىَ صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ". رواه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب البر والصلة والاداب - باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله.


(2) : والبصيرة نورٌ في القلب يستبصر به العبد فيميز بين الحق والباطل، والخير والشر، ويدرك الخفايا وعواقب الأمور.

(3) : فحظ العبد من اسمه تعالى "البصير": غضُّ بصره عن محارم الله تعالى، وتجميل صورته بالطهارة، وسريرته بالصفاء والنقاء، وأن يراقب من نفسه زلاتها، وما يلم بها فيستغفر ربه وينيب إليه حتى يعود إلى الفطرة النقية مغفوراً ذنبه صالحاً عمله، ويتأمل في آيات ربه في الآفاق وفي نفسه فيعرف مننه تعالى ويشكره ... " أسمع بهم وأبصر ما لهم - أي الخلائق جميعاً - من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا". فاللهم ... يا سميع ! يا بصير! كن لنا معيناً على غض البصر، وحفظ اللسان، واجعلنا ممن يبصر الحق وطريقه المستقيم ، ويتبعه قولاً وعملاً بصدق في السيرة والسريرة، وأنت أكرم الأكرمين. قال صلى الله عليه وآله وسلم في الإحسان:" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الحَكَمُ جَلَّ جلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 02-03-2009 01:14 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الحَكَمُ جَلَّ جلالُهُ



" هو الحاكم الذي حكم على كل حقيقة بما هي عليه، حكم في الأزل، وقدَّر العمل والأمل، وجعل لكل شيء سبباً، وربط المسببات بأسبابها، وبين الدخول من أبوابها، فالعباد أمام أحكامه أقسام:


منهم: من نظر إلى الخاتمة.


وأعلى منهم: من نظر إلى السابقية.


وأعلى منهم: من نظر إلى حكم وقته الذي هو فيه، فقام بواجب الوقت.


وأعلى منهم: من استغرق بالكلية في شهود الحاكم وذكره، والقيام بأمره.


فمن نظر إلى السابقية أو الخاتمة تكاسل في العمل، ومن نظر إلى الواجب عليه في وقته فهو السعيد المستحق للمزيد.


واعلم أن سر القدر والتكلم فيه منهيٌّ عنه لأن العقول لا تصل إلى حقيقته لأن الله كتب كتابان:


الأول: كتاب الأحكام القدرية ، أخفاه عنا.


الثاني: الأحكام الشرعية أبرزه لنا، وكلَّفنا به، وأخبرنا أن السعادة في الوقوف عند أحكامه الشرعية.


فإذا كنت مطيعاً فاعتبر الطاعة بقدر الله وتوفيقه، وهدايته، ولا تنسبها إلى نفسك خوفاً من الغرور بها.


وإذا كنت عاصياً فاعتبر ذلك باستعداد فطرتك، وظلم نفسك وغفلتك، وتنبَّه بسرعة إلى التوبة، وارجع إلى الأحكام الشرعية، كل ذلك بتقدير أزلي من الحكيم الخبير.


وإذا وقعت في ذنب فاعتبر أنك مريض أسرع بالعلاج، وهو مركب من ثلاث حقائق: الندم على ما فات، والعزم على أن لا تعود ، وردّ المظالم إلى أهلها إن أمكن.


واعلم أن الاحتجاج بالقدر لا يفيد، ولكن العارف يفر من قدر الله إلى قدر الله، كما يفر المريض من مكان مضر إلى مكان هواؤه نقي، فإن كانت المعصية بقضاء الله، فهي مرض مهلك يفر منها إلى قضاء الله، وهو الصلح على مولاك.


واعلم أن العبد متى تحقَّق بقضاء الله الأزلي وبقسمته السابقة في الأجل والرزق اطمأنَّ قلبه، ولم يطمع في حصول شيء لم يكن له، فيزول من قلبه همُّ الرزق، لأنه يصير له كالظل لا يفارقه (1) .


ومتى أشرق على قلبك نور اسمه "الحكم" وعرفت أنه أثبت كل أحكامه في القدم، صرت وقوراً لا تجزع، وإن جزع الخلق، ولا تفزع وإن فزع الخلق، ولا تحزن وإن حزن الجهَّال، رفعت الأقلام وجفت الصحف.


وحظُّك من هذا الاسم الشريف أن تكون حاكماً على قوتك الغضبية، فلا تغضب على من أساء إليك، وأن تحكم على قوتك الشهوانية فلا تطلب إلا ما يسَّره الله لك، ولا تحزن على ما تعسَّر، وأن تحكم على نفسك فتجعلها تحت سلطان العقل، وتجعل العقل تحت سلطان الشرع، ولا تحكم حكماً حتى تأخذ الإذن من الله "الحكم" العدل." اهـ




الدُّعـــــاءُ


" إلهي ... أنت الحكم الذي حكمت على العوالم وهي في علمك ، وخصصتها بإرادتك وأبرزتها بقدرتك ، فكل شيء في الوجود محكوم عليه فيما هو عليه من علم وعمل ، وقد نشرت أسباب السعادة لأهلها ،فأشهد قلوبنا أقدارك حتى نتنعم في أنوارك، ونرضى عن أحكامك، فنصبح بالرضا من خواص خدمك، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) : : فمن عرف أنه سبحانه وتعالى الحاكم لم يتحاكم لغيره، فإذا ظهر له شيء من أمره رضي بحكمه، وانقطع تعلق قلبه عن المستقبل ، - كما ذكر الرازي - بل يصير مشغول القلب بأنه لا يصيبه إلا الذي جرى في الأزل. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب) .قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت). اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: العَدْلُ جَلَّ جَلالُهُ ....... )



عبدالقادر حمود 04-05-2009 02:02 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
العَدْلُ جَلَّ جَلالُهُ



" هو العادل في أحكامه، الحكيم في إتقان نظامه، عدل بين البرية، وجعل لكل فرد مزية (1) .


رفع السماء على الأرض لشرفها، ورفع رأس الإنسان على جسمه لمزاياها، ركَّب الجسم من عناصر مختلفة، وأوقف كل عنصر عند حدِّه ، ولولا العدل الإلهي لطغت العناصر على بعضها، وهلك الوجود.


عدل في أحكامه الشرعية فجعل لكل قوة في الإنسان حداً لا تتعداه، فحكم على السارق بقطع يده، وحكم على شارب الخمر بالجلد، وحكم على الزاني المحصن بالرجم، وذلك هو عين العدل.


وعدل في أحكامه القدرية، فجعل لكل شيء قدرا، فضيَّق الأرزاق على قوم بالعدل، ولو بسطها لهم لبغوا في الأرض.


سلَّط الأمراض على قوم ليهذِّب نفوسهم حتى يرجعوا إلى بابه بالذل.


منح كل حقيقة في الوجود كمالها، فصرف الطيور في الهواء، وسخر للأسماك الماء، ومنح الحيوان الأجل والغذاء... بحكمة عادل قادر.


ومن عدله أن جعل في النباتات شيئاً يؤكل، وشيئاً يحرق. فالذي يؤكل مثل: الحبوب والثمار لطيبها ونفعها. والذي يحرق: الخشب والورق، كذلك في الإنسان من هو بمنـزلة الثمار، يستحق الاحترام، والمحافظة عليه، ومنها ما هو بمنـزلة الخشب والورق، يستحق النار بالعدل الإلهي.


وإن الجنة هي مظهر اسمه "الرحيم" والنار هي مظهر اسمه"العدل" ، والله تعالى يحب أن يظهر آثار أسمائه ليتجلى عدله، فلو كشف لك الستار لوجدت أن العدل الإلهي والحكمة العليّة، والمصلحة العامة دخول من يستحق النار فيها.


قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا }. فلا يصلح الحطب إلا للنار.


وإذا تجلَّى لك الحقُّ بنور اسمه"العدل" أخذت نصيباً من التخلُّق بهذا الاسم الكريم؛ فتعدل بين روحك ونفسك، وتعدل بين جوارحك وجسمك، فتعطي للروح رتبة الشرف والإجلال، والاحترام، وتعطي للنفس رتبة الأدب والوقوف على الحدود، وتعطي للقلب رتبة المحافظة عليه، لأنه شريف لطيف (2) .


وتعدل بين جوارحك فلا تجعلها تنغمس في شرور ولا منكر، ولو أنك أعطيت رتبة الشرف للوضيع لم تعدل، فإذا جعلت النفس تحكم على الروح فقد ظلمت وأسأت.


وقد ضرب العارفون مثلاً للعدل فقالوا:" لو أن عند الإنسان والداً محترماً، وزوجة لخدمته، ودابة لركوبه، فترك والده عارياً، جائعاً، وأعطى لزوجته الحرية وانقاد لها، وأعطى لدابته العناية الكبرى في الغذاء والمحافظة عليها من الحر والبرد... فهذا الرجل يكون في منتهى الجهل بالحقائق: فالوالد بمنـزلة الروح لأنه أصل وجوده، والنفس بمنـزلة الزوجة لأنها منبع الشهوة، والجسم بمنـزلة الدابة لأنها ركوبة تحمل الروح.


فالعدل يحتِّم عليك العناية بالروح، ويحتم عليك تأديب الزوجة حتى لا تتبرَّج، ويوجب عليك إعطاء القوت الضروري للجسم .


ومن أراد أن يذوق سرَّ الخلافة في نفسه، فليستعمل العدل في قواه، فهي رعية واسعة. " اهـ




الدُّعـــــاءُ


" إلهي ...أنت العدل في أحكامك بين العباد ، تنزل العطاء بالموازين على قدر الاستعداد ، رفعت قوماً وخفضت آخرين بالعدل ، قدرت في الأزل فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير ، تجلَّ لي بنور اسمك العدل ، حتى أعدل بين روحي ونفسي ، وجسمي وحسي ، وأعدل بين أهلي وأولادي ، وإخواني وأقاربي وجيراني، فأنال سر الخلافة عنك ، وأتلقى مدد المعونة منك ، لأحظى برضاك مع الأخيار الأبرار ، في جنات تجري من تحتها الأنهار ، إنك على كل شيء قدير.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) : : الذي يعطي كل ذي حق حقه ، ويضع كل شيء في موضعه ، ولا يصدر منه إلا العدل ، فهو الذي يفعل ما يريد، وحكمه ماض في العبيد .


(2) : فالتعلق باسمه "العدل" يكون بطلب التسديد والتوفيق في كل أمورك حتى تكون عدلاً فيما تحكم به بقولك، أو همتك، معتدلاً في جميع الأمور، خائفاً من سطوة عدله، طامعاً في نواله وفضله. والتخلق به: أن تعدل في أحكامك، وتعتدل في أوصافك، فلا فرقك يحجبك عن جمعك، ولا جمعك يحجبك عن فرقك، تعطي كل ذي حق حقه، وتوفي كل ذي قسط قسطه .أما التحقق به : فبأن تغيب عن حكمك وعدلك، بشهود حكم من أجرى حكمه وعدله عليك، والله تعالى أعلم."اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: اللَّطِيفُ جَلَّ جَلالُهُ....... )




عبدالقادر حمود 04-30-2009 08:29 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
اللَّطِيفُ جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي يلطف بعباده في المقدور، وهو يعلم خفايا الأمور.

له ألطاف خفية، وإغاثات رحمانية.

له حيطة العلم بالحقائق والدقائق.

وله القدرة النافذة التي بها يدفع عن عباده، ويلطف بخلقه، وهو اللطيف الخبير، سبحانه وتعالى.
وما من حقيقة في الوجود إلا وقد أحاط بها سر هذا الاسم الشريف، ونالها قسطٌ وافر من "اللطيف" بسرِّ هذا الاسم تلطَّفت الأرواح؛ فشاهدت الفتَّاح.

وبسرِّ هذا الاسم لطف الكواكب والأفلاك، فنفذت أشعتها إلى العباد.

وبسرِّ هذا الاسم تلطَّفت الأرواح السماوية فنالت الرتبة العلية.

وبسرِّه يلطِّف الله كثائف المادة فتتلطَّف وتجانس اللطيف من الأرواح (1) .

ولو نظرت إلى لطف الله بالعبد وهو في بطن أمه، وإلى لطفه به عند خروجه إلى الدنيا، وإلى لطفه به في الشدائد، لرأيت العجب العجاب.


فما من نَفَسٍ إلا ولله فيه ألطاف خفيةٌ بالعبد، ويكفينا أن العبد إذا نام يلطف به اللطيف، ويدفع عنه شر حشرات المنـزل، وغوائل الحياة... .


وقد روي أن رجلاً من الصالحين رأى رجلاً نائماً وعلى رأسه ثعبان عظيم، يريد أن يلدغه، فما يشعر إلا وعقربة جاءت بسرعة وضربت الثعبان، فسرى سمها فيه؛ فمات !.

قال: فأيقظت النائم، وإذا هو سكران!، فقلت له: أيها المخالف لربِّك، العاصي لأمره، أنت في نومك، وقد أحاطت بك ألطافه، ودفع عنك شر البلاء.

فقال الرجل: نعم الرب الكريم!، حتى في المعصية يلطف بي؟!.

فتاب وحسنت توبته.


وإن اللطافة التي وهبها الله للروح فنفذت من الكثائف هي من سرِّ تجلي اسمه "اللطيف".

وإذا شاهدت عيونك لطافة أي مخلوق فشاهد "اللطيف" الذي منحه اللطف، وإن لطافة المعاملة، ولطافة الكلام، وكل لطيف في الوجود فما هو إلا من تجلي "اللطيف" (2) .


وقد أشار بعض العارفين إلى أن الاسم الأعظم هو "اللطيف"، لكثرة توالي لطفه على كل كائن.

والذي يولِّد المحبة في القلوب كثرة معاينة اللطف، وذكر هذا الاسم مع معاينة استحضار الألطاف التي نشرها في الوجود على العالمين.


وإذا رأيت كثافة في طبعك، أو غلظاً في قلبك، أو شدة في حياتك، وذلك بسبب الغفلة، فإذا تنبَّهت ورجعت تائباً نادماً بقلب حاضر، ولسان ذاكر، ترى اللطف قد أحاط بك في الحال، وتنجو من الأهوال.


ولكنِّي أوصيك أن لا تأخذ الأذكار من الكتب، ولا الأوراد من الدفاتر، ولكن خذها بالتلقي عن الرجال، فإن السرَّ كله في الإذن منهم، وهم أطباء، والأذكار أدوية... فربَّما اتخذت الأوراد وسيلة للأغراض النفسية أو الحيوانية، فكأنك جعلت الأسماء وسيلة، والشهوات مقصداً؛ فكانت الشهوات أعزَّ عليك من المذكور جلَّ جلالُه، وهذا هو السبب في أن بعض الناس يحصل عنده انزعاج أو خلل في العقل أو مرض في الجسم، وهذه من غيرة الحكم العدل جلَّ جلاله.


وقد بلغنا أن رجلاً من العارفين وهو في خلوته قال: يا لطيف!. فسمع من يقول له: لبيك!.
فقال له: من أنت؟.
فقال: أنا خادم اللطيف، أنا ملك روحاني خلقني الله من نور اللطف، وأنا مسخَّرٌ لقضاء حوائج من ينادي "اللطيف".
فقال له: أنا لم أقل يا خادم اللطيف، أنا قلت: يا لطيف!، ولم تتوجَّه همتي إلى غيره.
فقال له: أنا أجبتك باعتباري خليفة عن "اللطيف" في قضاء حوائج الذاكرين بهذا الاسم.
فقال له: لا حاجة لي عندك، ولكني أريد أن أتنعم بتجلي لطفه، فيكون أنسي بشهوده فوق الجنة قدرا، وفوق الأرواح عزاً وفخراً.


وإذا أردت أن تنال حظاً من اسمه "اللطيف"؛ فكن لطيفاً بين العباد، تبذل لهم لطيف الألفاظ، وتتلطف في دعوة العصاة إلى الحق، وتجذبهم بلطيف أخلاقك، وتهتم بأهل الفقر فتلطف لهم حالهم، وتدعو لهم، وتسأل الله اللطف في كل حال (3) ." اهـ




الدُّعـــــاءُ


" إلهي ... إن ألطافك أحاطت بالموجودات، وعمت الكائنات، وإن لك نفحات إذا سرت في قلب غافل أيقظته، أو إلى عبد مذنب قربته، وإن لك لحظات جعلت أولياءك عندك في أعلى الدرجات، ولك ألطاف صيرت الواصلين لا يلتفتون إلى الجنات.


إلهي.... لطفت بنا في كل مرحلة في هذه الحياة، فالطف بنا حتى نخرج من هذه الدار، والطف بنا عند سؤال الملائكة الأطهار، وأشهدنا تجلي اللطف في النفس والآفاق، فأنت الواحد الأحد الخلاق، وأنت على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".".



اقتباس:============================================

(1) : ولطفه تعالى بخلقه من وجوه كثيرة، أعظمها تسهيل الطاعات وتيسير الموافقات، وحفظ التوحيد في القلوب والتثبيت على الإيمان، وإبقاء المعرفة مع وجود الزلات - وهو أعجب من إخراج اللبن من بين فرث ودم - ولكن سنة الله سبحانه حفظ كل لطيفة في طي كل كثيفة، وصيانة الودائع في المواضع المجهولة، ألا ترى أنه جعل التراب الكثيف معدن الذهب والفضة وغيرها من الجواهر، والصدف معدن الدر، والذباب معدن الشهد، والدود معدن الحرير؟ وكذلك جعل قلب العبد محلاً ومعدناً لمعرفته ومحبته، وهو مضغة لحم .


ومن ذلك إطلاع القلوب على المكاشفة بعلم الغيوب، وصيانة العقائد من الارتياب، وسلامة القلوب من الاضطراب، قال تعالى: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .


(2) : ولا يستحق اسم "اللطيف" عند حجة الإسلام الغزالي إلا من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، ومادقَّ منها وما لطف، ثم يسلك في إيصالها إلى المستحق سبيل الرفق، فإذا اجتمع الرفق في الفعل، واللطف في العلم فقد تم معنى اللطف، ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلا لله تعالى. وإحاطته سبحانه بالدقائق والخفايا لا يمكن تفصيله، بل الخفي مكشوف في علمه كالجلي من غير فرق.


(3) : والتعلق بهذا الاسم: طلبك منه، وابتهالك إليه أن يكشف لك عن أسرار ذاته، وأنوار صفاته، وذلك بتلطيف عوالم بشريتك، واستيلاء نور روحانيتك. وعلى الثاني: أن يطلعك على كمائن النفوس ودقائقها. وعلى الثالث: أن يجري منافع عباده على يديك . وفي الحديث: (طوبى لمن خلقته للخير، وأجريته على يديه) الحديث والتخلق به: بالاعتناء بتلطيف بشريته، وتقوية روحانيته، حتى تتلطف في حقه جميع الأواني لغلبة شهود المعاني . وفي ذلك يقول ابن الفارض رضي الله عنه :-




ولطف الأواني في الحقيقة تابع=للطف المعاني والمعاني بها تسمو



وبتحصيل العلم بأسرار الذات، وأنوار الصفات، وبإغاثة الملهوف، وإرشاد المتلوف، وجبر المكسور، وإعطاء الميسور. والتحقق به: بالرسوخ والتمكين في المعاني الثلاثة. فالتعلق:طلب ومحاولة. والتخلق: مجاهدة ومكابدة. والتحقق: وصول ومشاهدة، وهكذا في جميع الأسماء، والله تعالى أعلم."اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الخَبِيرُ جَلَّ جَلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 05-16-2009 10:42 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الخَبِيرُ جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي لا تعزُبُ عنه الأخبار الخفية، ولا تتحرك حركة في الملك أوالملكوت روحية أو جسمية إلا وهو تعالى خبير بها، بصيرٌ بحقائقها، عليمٌ بدقائقها.


و"الخبير": بمعنى العليم بدقائق الأمور، لا تخفى عليه خافية، يعلم الداء والدواء (1) .


و"العليم" له وسعة بالإحاطة الكلية، و"الخبير" له دقة العلم بالغيبات، ومتى خصصت العناية الأزلية لعبد من العبيد فيتجلى على قلبه نور اسمه تعالى"الخبير"، فيكشف له عن خفايا الأكوان، فيتجمَّل من جمال هذا الاسم، ويتخلَّق بمعناه "اللطيف" فيسمَّى "خبيراً"، يخفي الأمور ويشاهد أسرار المقدور.


ولا ينال الحظ الأوفر من هذا الاسم الشريف، إلا من كان خبيراً بدسائس نفسه، بصيراً بخدائع حسِّه، يعرف الفرق بين خطرات الملك والشيطان، بصيراً بإلهامات الرحمن.


وقد أرشد الحق تعالى إلى البحث عن العبد الخبير، المتخلِّق بهذا الاسم حتى صار بالرحمن خبيرا، قال تعالى: { الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } (2) . يعني: اسأل الخبير بأسرار الرحمن، وإن كان ضعيفاً فقيرا، فابحث عن الخبير واسأله عن دينك، وبه تصل إلى حق يقينك.


وما طلب الرجال العارفون الخبراء إلا لهذا المعنى الجليل الذي صيَّرهم أحباء أمناء (3) .


ومتى توالت عليك أنوار الخبير صرت خبيراً بالأمور، وكان لك كشف بأمور إخوانك الصغير والكبير، فترى النقص فيهم هو فيك، وترى الكمال فيهم عين أمانيك.


ولقد كان الإمام ابو العزائم - رضي الله عنه وعنا به - له الوراثة الكاملة لنور هذا الاسم، فكان يبين لك من دسائس النفس ما يخفى على العقلاء، ويكشف من أمراض القلب ما يجهله معظم العلماء (4).


ولقد كان له بصيرة نافذة يلاحظ بها أصحابه، وله خبرة فائقة، يرشد بها أحبابه، ولو كانوا في جهات بعيدة، فقد كان يرسل الرسائل لأصحابه يشرح لهم الداء الدفين (5) ، ويبعث النصيحة لتلاميذه يبين لهم المرض الكمين، وهي وراثة محمدية، وخصوصية أحمدية،.


ومن أراد أن يشرق عليه ضياء هذا الاسم الشريف فليكثر من ذكره، مستحضراً أنه بصير به، وبضميره خبير، ويستغرق في هذا المعنى العالي، حتى يغلب عليه حال متوالي، ويفوح طيب الوراثة على قواه، ويتخصَّص بالمدد من مولاه (6) ." اهـ




الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت الخبير بالدقائق والبصائر، المطلع على السرائر، الناظر إلى الضمائر، تجلَّ لي بنور اسمك الخبير، بلا حول مني ولا تدبير، حتى أكون خبيراً بالأمور الغائبة عن الجهال، وأنجو من الشرك الخفي، وما هو أخفى في الأقوال والأعمال، ويتجلى لي مولاي الخبير، نعم المولى ونعم النصير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". ".اهـ



اقتباس:============================================

(1) : : فهو سبحانه يعلم كل شيء، ولا يغيب عن علمه شيء، وهو العالم بكنه كل شيء، مطلع على حقيقته.

وقيل - كما ذكر حجة الإسلام -: هو الذي لا تعزب عنه الأخبار الباطنة، ولا يجري في الملك والملكوت شيء، ولا تتحرك ذرة ولا تسكن، ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبر ذلك.

وقد فرق العلماء بين لفظي "الخبير" و " العليم " فالخبير: يفيد معنى العليم، ولكن العلم إذا كان للخفايا الباطنة سمي خبرة، وسمي صاحبه خبيراً.


(2) : سورة الفرقان – الآية 59.


(3) : من هنا قال سيدي ابن عطاء السكندري في بعض حكمه الجليلة النافعة: " سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ". يعني: أنه سبحانه كما احتجب بالأكوان عن العقول والأبصار، ستر أولياءه بكثائف الظواهر من الصنائع الخسيسة صيانة لهم عن الأغيار. ولا دليل على معرفتهم إلا العناية الإلهية التي بها عرفت الربوبية. كما قال بعض الأكابر : عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي . فإذا أحبك الله وأراد أن يعرفك بولي من أوليائه، طوى عنك وجود بشريته، وأشهدك وجود خصوصيته . فإنه لم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ؛ لأنهم أحبابه ، فلا يحب أن يجمع عليهم إلا من جمع قلبه عليه .


(4) : وكذا أرباب القلوب وساداتنا مشايخ التصوف العالمين العاملين، فمن لا شيخ له فشيخه الشيطان... فينبغي على المريد الصادق أن يتخذ له شيخاً ورعاً صادقاً عاملاً بكتاب الله وسنة رسوله، تربى في مدارس التربية العرفانية على يد شيخ تربى هو كذلك على شيخ تربية هكذا إلى سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال في حديثه الشريف: " أدَّبني ربي فأحسن تأديبي" فمن لا شيخ له لا ضمان لاستمراره في الطريق، وعبادة الفذ قليل المداومة عليها فمن يذكر الله تعالى ويتعبد بنفسه من غير شيخ، فإنما يتعاطى أعمالا شاقة فتمل نفسه فيترك العمل آخر عمره جملة واحدة، ولذلك تقول الناس حبل العبادة طويل. وقد كان شخص من الناس اجتمع على سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه فجعله يفتتح المجلس بالجماعة لما كان عليه من المواظبة على الأوراد والخيرات، ثم بعد مدة سلبه الله تعالى ذلك الخير كله وصار كالفخارة الفارغة وزال ذلك البريق الذي كان على وجهه، فإن كل من لا شيخ له إذا أكثر العبادات فلا بد أن يمل منها ويذهب ميله إليها حتى لا يبقى له إليها داعية أو يعجب بها وهذا مكر من الله تعالى به بلا شك، وقد مدح الله تعالى رجالا بقوله: { صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا}.

فكن يا أخي مع هؤلاء، ولا تكن مع من مكر به من الناكثين لعهود أشياخهم، فلعلك يدور فيك ماء الحياة ويخضر عودك فلا تمل من العمل. وقد كان السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم إذا دخل أحدهم في سن الأربعين سنة أقبل على عبادة ربه حتى لو قيل له: غدا تموت لا يجد له زيادة على ذلك العمل الذي هو عليه رضي الله عنهم أجمعين.

ويتعين العمل بهذا العهد على الدعاة إلى الله تعالى لأنه متى لم يكن الشيخ أكثر عملا من المريد لا يتم اقتداؤه به، وإذا ترك الشيخ عبادة كان يفعلها اقتدى به المريد ضرورة، ولذلك قام صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه وكان أواخر عمره أكثر صلاته في بالليل جالسا ولم يترك العمل، ولذلك كان أتعب صلى الله عليه وسلم من بعده فما تورمت أقدام أحد بعده إلا نادرا، فلا تجد يا أخي أتعب قلبا ممن يكون قدوة أبدا. { والله غفور رحيم }.‏


(5) : كما كان يفعله سيدي ومولاي العربي بن أحمد الدرقاوي الشاذلي رضي الله عنه في رسائله الجليلة وحكمه الرائعة النافعة التي كان يوجهها لمريديه محبيه في كافة الأمصار، وهي مما أكرمني المولى بخدمته فخرج في كتاب بعنوان مجموع رسائل مولاي العربي الدرقاوي" تم طبعه في المجمع الثقافي في أبو ظبي، نفعنا الله به وبالصالحين في الدارين.


(6) : وقد تكرر في كلام مولانا الشيخ لفظ المدد والنظرة وغيرها من العبارات التي ربما يتوهم البعض أن فيها نوعاً من المغالاة أو البدعة أو الشرك كما هو دارج في ألفاظ بعض المتمسلفين، لذا وجب علينا بيان ذلك بمزيد من البيان والتفصيل عسى أن يفهم من يريد الفهم، ولا أسف على من أصر على جهالاته؛ ولا يستغرب الشيء من معدنه، فأقول وبالله المستعان:

إن ما يقال في معنى "المدد" وطلبه من الله تعالى عن طريق الأحياء والموتى، يقال كذلك في معنى:"النظرة" وطلبها من الله تعالى، فالأمر منه سبحانه وإليه : { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا }. وقد اتفق العلم الحديث والقديم على أن نظرات الناس تختلف باختلاف الانفعالات وباختلاف شحنتها من القوى والطاقات الباطنية في الإنسان. وهذا أمر محسوس ، فلكل نظرة معنى، ولكل نظرة تأويل، ولك نظرة حديث روحي تفهمه العقول، وتتأثر به القلوب والعواطف، والشاعر يقول:



عيناك قد دلتا عيني منك على = أشياء ، لولاهما قد كنت تخفيها
والعين تعرف من عيني محدثها = إن كان من حزبها أو من أعاديها



وهكذا يختلف معنى"النظرة" في القرآن المجيد باختلاف المضمون والمدلول والمفهوم، فمثلاً: قوله تعالى: { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } فهي نظرة حقد ونفاق. وقوله تعالى: { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } فهي نظرة حكمة وتخلص واعتذار.وقوله تعالى: { فَلَوْلَاإِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} فهي نظرة عجز وإشفاق. وقوله تعالى: { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} فهي نظرة خبث وتماكر وتفكير. وقوله تعالى: { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} فهي نظرة إيمان وسعادة…. إلخ. فالتنويم المغناطيسي الصادق أساسه النظرة. والانفعال بالحب أو البغض أو السكون أو الخوف أساسه النظرة. إذن: ففي النظرة سر، يرى، ويفهم، ويُحَس!! وفي الحديث الثابت:" العين حق". ومن هنا نفهم قوله تعالى فيمن أحبهم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} في مقابلة قوله تعالى فيمن كرههم: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِم يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ}. ولأمر ما قال سبحانه وتعالى: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا}. وكذلك لأمر ما قال سبحانه وتعالى عن غيرهم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ}. ولأمر ما قاس سيدنا موسى: { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}.

فالنظرة إذاً نوع من الإمداد الغيبي ترسل به عين البصر أو البصيرة وفي إشعاعاتها سيالات قوية وتيارات نفاذة مؤثرة، وأنت واجدٌ تجربة ذلك مكررة في اختلاف نظراتك اليومية إلى أولادك ومرؤوسيك والناس كلهم ممن تتعامل معهم أو لا تتعامل معهم ي حالتي الرضا والبسط أو الغضب والانقباض.ألا ترى نظرة المنوّم المغناطيسي الصادق؟، ألا ترى نظرات قواد الجيوش والحركات الثورية؟. ألا ترى إلى نظرات الخطباء والمحاضرين والممثلين؟. ألا ترى إلى نظرات المجرمين؟. ألا ترى إلى نظرات المحبين؟. ألا ترى إلى نظرات السعداء والمحزونين؟. والخائفين والواثقين؟.

يقول سيدي القطب أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه وعنا به - ما معناه -:" نحن كالسلحفاة نربي أبناءنا بالنظرة". ويقول:" لا والله ما بيني وبين المريد الصادق إلا أن أنظر إليه وقد كفيته!". نظرة القوة الخارقة، والروحانية النفاذة، التي تنفعل لها الأشياء!!.

وطلب "النظرة" من الميت الصالح أدخل في هذا الباب، وأجمع لمتعلقات الغاية، لانعدام العوائق والعلائق البشرية، واختفاء الحدود والقيود والأزمنة، وكل ذلك دائر، في المجال الإمكاني المحكوم شرعاً بالإباحة، وهو لا يتعارض مع العلم، ولا مع الناموس الكوني، ولا مع معقولية الأشياء، ولا مع معلوم بالضرورة من دين الله تعالى، ولا مع تجارب العلم والتنكنولوجيا.

هذا، وطالب "المدد" أشياخه قائمون جميعاً على قدم العبودية في ساحة العطاء الأقدس، وما منهم إلا من يدندن بطلب"النظرة" و"المدد" من ربه في حضرة الفرق، حتى يفنى عن "النظرة" و"المدد" في حضرة الجمع، ثم يبقى بعد ذلك بالنظر الحق الممد وحده عز وجلّ في حضرة البقاء والتجريد الأعظم.

فاللهم!! نظرة ومدداً ، وليس إلا منك النظر والإمداد!!. اللهم!! وأذق من يظن بنا الجهل والخرافة حلاوة سر النظرة، نظرته إليك ونظرتك إليه وأذقه حلاوة"المدد" الحق حتى يقول معنا:" إلهي! النظرة والمدد".

وقد ورد في الحديث الشريف عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا ضلَّ أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس، فليقل: يا عباد الله أغيثوني، يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عباداً لا يراهم). قال عتبة رضي الله عنه راوي الحديث: أنه قد جرّب ذلك فوجد. وهذا بعينه هو ترجمة قولهم :"مدد" فإن الإعانة أو الإغاثة كما تكون بالحس تكون بالمعنى، والله الفعّال ، والخلق أداة تنفيذ، في الحياة أو الممات.

وقد روى السخاوي عن إبراهيم ابن إسماعيل بن غازي الحراني قال: قال لي أبي : خرجت من حرّان إلى الموصل، في زمن الشتاء، والوحل والأمطار، وكانت جمال الناس تقع كثيراً، وقاسى الناس شدة عظيمة، فكنت أخشى على نفسي لما أعلم من ضعفي. فنمت فسمعت قائلاً يقول:" ألا أعلمك شيئاً إذا قلته لم يقع جملك وتأمن به؟. فقلت: بلى والله، ولك الأجر. فقال لي: قل:" { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ أَن تَزُولا} الآية. فقلتها فما وقع جمل حتى دخلنا الموصل، وهلك لنا شيء كثير من سقوط جمالهم، وسلم ما معي: وصدق الله { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.

وما نشر من كتب السنة ما هو الأقل والأيسر، فكيف يحكم فلان أو فلان بأن السنة خالية من ذكر عالم الغيب أو الغوث أو القطب، عبارة أو إشارة أو تخريجاً؟. والمسألة هنا أيضاً مسألة تجريبية لا نظرية ولا جدلية، ومع هذا فقد ألف فيها إمامنا السيوطي رسالته العلمية الموثقة "الخبر الدال" فأثبت فيها بالحديث وجود عوالم الأغواث والأقطاب والنجباء والعصائب والأوتاد والأبدال.

وقد ذكر الإمام محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية رضي الله عنه وأرضاه - في رسالته النافعة - ومنها نقلت وعليها عوَّلت لعظيم فائدتها -: "أصول الوصول" فقال:" قال لي عالم عارف ثقة لم يكن يومها صوفياً: لقد وقعت لي شدة ماحقة، فوقع لي الفرج ببركة"الغوث" فعرفت وتيقنت أن في مكة "غوثاً" على ما قال ساداتنا الصوفية، ومن ذاق عرف، ومن أراد وصل بتوفيق الله تعالى، كما فعل حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه من قبل.

وإن الذين ينكرون الأرواح والغوث والقطب ومن والاهم معذورون في ذلك - إن أحسنا الظن بهم - لأنهم يرون النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فرداً من الأفراد - حاشا شئون الوحي - ويرون أصحابه كآحاد الناس، أما فضل الله تعالى ودرجات الناس عنده، ومقاماتهم في غيبه، فلا علم لهم بشيء من ذلك لأنهم وقفوا على السطوح وعبدوا القشور، وحسبوا - غروراً - أنهم بلغوا نهاية النهاية، وغاية الغاية! وهم لم يبارحوا مكانهم.

وفي"أربعين" السلمي:"أن من العلم كهيئة المكنون لا ينكره إلا أهل العزة بالله" وفي البخاري تعليقاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" أوتيت وعاءين من العلم، أما أحدهما فقد بثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم". والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ} أي: هناك عوالم أخرى مستورة غير منظورة لها نظامها الدقيق الذي أقسم الله به، وغيب الله أعظم من أن يحيط به أحدٌ مهما اشتهر ذكره، وارتفع عند بعض الخلق قدره!!."اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الحَلِيمُ جَلَّ جَلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 06-02-2009 01:46 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الحَلِيمُ (1) جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي يرى مخالفة الأوامر ويعلم طغيان الظالم، والفاجر، وهو "حليمٌ" لا يعجل، مع القدرة التامة، رحيمٌ شملت رحمته الطائع والعاصي، بوسعة عامة (2).


قال تعالى: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ} (3) .


ولو فتَّشنا مكارم الأخلاق لوجدنا الحلم هو الدرة الغالية، وهو منتهى المفاخر العالية. وقد ورد في الأثر: ( الحلم سيد الأخلاق ) (4) . وورد : (كاد الحليم أن يكون نبياً) (5) .


وإن حلم الله على العاصي وستره على المذنب، وإمهاله للكافر، ورزقه للفاجر، بمنـزلة الراح الطهور الذي يشرح الصدور، كأن الحق سبحانه وتعالى يقول: تعلَّموا الحلم مني، وأنا القادر العظيم، وتخلَّقوا بالحلم، واحذروا نزغات الشيطان الرجيم، فأنا الحليم مع قدرتي، والسَّتَّار مع عزتي (6) .


ومن أراد أن يكون مثال الكمال، ويتحلَّى بحلَّة الجمال، فليستعمل الحلم مع الجهلاء، ويستعمل الصفح عن السفهاء، ويتمثَّل معاملة الله لأعدائه، وحلمه على المشركين ، ولطفه في قضائه، يعبدون غيره، ويرزقهم!، ويعظِّمون سواه، ويمهلهم! (7) .


وقد جعل الله السفهاء بمنـزلة المعراج الذي يعرج عليه أهل الحلم، والبراق الموصل لأهل العلم، فمتى تعدَّى عليك سفيه لئيم، فقابل ذلك بالحلم، واشكر الله على خلاصك من الخلق الذميم.


واعلم أن حظ العبد من هذا الاسم أن يكون حليماً على الجهَّال، غاضّاً الطرف عن سيِّء الأعمال ( 8 ).


وأكبر إمام تخلَّق بالحلم، وتحلَّى بهذا الخلق العجيب هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه لم يغضب لنفسه أبداً، ولقد رماه الكفار بالجنون والسحر، وكافة أنواع الأذى، وضربوه بالأحجار حتى سال الدم منه، ومع ذلك فهو حليم، لبس حُلَّة الرب "الحليم"، أنس بمولاه الكريم، راضٍ بحكم مولاه الحكيم، قائلاً:" اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (9) .


وصاحب هذا الخلق يحيا ذكره ويصير إماماً لإخوانه، وجيهاً في الدنيا والآخرة."اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ...تجليت باسمك الحليم، فسترت العيوب، وجذبت القلوب بفضلك، فلا تمنع عنا عطاياك، ننساك جهلاً فتواسينا بالرزق، تنـزهت في علاك. إلهي ... أشرق على قلوبنا بأنوار الحليم حتى نتخلق بالحلم . إلهي .... احفظ نفوسنا من الغضب والحماقة، وجمِّلنا بأنوار أسمائك على قدر الطاقة، حتى نكون نوراً مشرقاً للأحباب، ومورداً عذباً للطلاب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)." .



اقتباس:============================================

(1) : يقال:حلُم - بالضم - يحلُمُ حلماً-، فهو حليم. وأما حلَم - بالفتح - يحلُم- ، حلماً بضم فسكون- ، وبضمتين - فهو:حالم؛ فرؤيا المنام، والجمع أحلام.

(2) : وقيل: إن الحليم هو الذي لايعجل الانتقام مع غاية الاقتدار، ويعزم على عدم الانتقام ولايظهر ذلك. وقيل: هو الذي لا يحبس آلاءه وأفضاله عن العباد لأجل ذنوبهم . وقيل: هو الذي لايسارع بالعقوبة ولا يعجل بالمؤاخذة بل يتجاوز الزلات ويعفو عن السيئات .

(3) : سورةفاطر - الآية 45.

(4) : لم أجده بهذا اللفظ.

(5) : ‏قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (كاد الحليم أن يكون نبياً) أي قرب من درجة النبوة وكاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه، لكن لم يكن لفقد شرط أو عروض مانع. قال العسكري: كذا يرويه المحدثون ولا تكاد العرب تجمع بين كاد، وأن، وبهذا نزل القرآن. رواه الخطيب في ترجمة محمد البزدوي (عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي متروك، والربيع بن صبح ضعفه ابن معين وغيره ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح.‏ انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير - الحديث رقم 6198.

(6) : روى الرازي أن شاباً كان كثير الذنوب ولكنه لم يكن مصراً على ذنبه، بل كان يتوب ثم يرجع إلى الذنب، فلما كثر منه ذلك وسوس له الشيطان فقال له: إلى متى تذنب وتتوب ثم تعود؟ وأراد أن يقنطه من رحمة الله سبحانه وتعالى، فلما جاء الليل قام الشاب وتوضأ، وصلى ركعتين، ثم رفع بصره إلى السماء قِبلة الدعاء، ونادى ربه قائلاً: يا من عصمت المعصومين، ويا من حفظت المحفوظين، ويا من أصلحت الصالحين، إن عصمتني تجدني معصوماً، وإن أهملتني تجدني مخذولاً، ناصيتي بيدك، وذنوبي بين يديك، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . فقال الله سبحانه وتعالى للملائكة : يا ملائكتي ... أما سمعتم قوله ؟ اشهدوا أني قد غفرت له ما مضى من ذنبه، وعصمته فيما بقي من عمره .

(7) : في الحديث القدسي الجليل الذي رواه سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه عز وجلَّ قال: (قال اللّه تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري) لكن وسعهم حلمه فأخرهم { لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارمُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} أي متخوفة لا تعي شيئاً فيقال لهم: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}.

قال الغزالي: المنعم هو اللّه والوسائط مسخرون من جهته فهو المشكور وتمام هذه المعرفة في الشك في الأفعال فمن أنعم عليه ملك بشيء فرأى لوزيره أو وكيله دخلاً في إيصاله إليه فهو إشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فلا يكون موحداً في حق الملك وكمال شكره أن لا يرى الواسطة مسخرة تحت قدرة الملك ويعلم أن الوكيل والخازن مضطران من جهته في الإيصال فيكون نظره إلى الموصل كنظره إلى قلم الموقع وكاغده فلا يؤثره ذلك شركاً في توحيده من إضافته النعمة للملك فكذلك من عرف اللّه وعرف أفعاله على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره كالقلم في يد الكاتب واللّه هو المسلط على الفعل شاءت أم أبت. الحديث رواه الحكيم الترمذي ، والبيهقي، والحاكم بسندهم عن أبي الدرداء.

انظر: المناوي - فيض القدير شرح الجامع الصغير - الحديث رقم 6008.

( 8 ) : فالتعلق بهذا الاسم باستمطار حلمه تعالى بستر مساويك، ونشر محاسنك، وبشكر منته في خلقه، والرجوع إليه قبل ظهور أمره بإنفاذ حكمه. أما التخلق فيكون بالصفح عن الجناة، والعفو عنهم فيما يعملونه به من السيئات، بل تجازيهم بالإحسان تحقيقاً للحلم والغفران.

(9) : صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد حين كسروا رباعيته وشجوا وجهه: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) وهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء والدليل عليه ما رواه مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نبيا قبله شجه قومه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)."اهـ .




(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: العَظِيمُ جَلَّ جَلالُهُ....... )


عبدالقادر حمود 06-12-2009 12:27 AM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
العَظِيمُ جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي تسجد العقول على أعتاب عظمته، وتصعق الأرواح عند تجلِّي عزَّته، وتتلاشى الموجودات عند ظهور كبريائه، وتتضاءل الكائنات عند ظهور آلائه.


والعظمة لها معانٍ لغوية، ومراتب معنوية:


فالسموات عظيمة في صفائها وضيائها.
والأملاك عظيمة في طاعتها وتقديسها.
والأخلاق عظيمة في قدرتها ووصفها.
والأعمال الصالحة عظيمة في علو شأنها..... .


والعظيم المطلق هو الله جلَّ جلاله، الذي يعظم الأشياء بإفاضة الكمال عليها، وقد عظم في الوجود خلائق كثيرة، وأماكن مختلفة:


فأول الكائنات التي عظَّمها الأنبياء؛ لأنَّ نفوسهم من الصفاء، وقد صيَّرهم الحق بعنايته عظماء. ثم ورثة الأنبياء من العارفين العلماء (1) (؛ فمن احتقر الأنبياء وورثتهم كفر بواهب العطاء (2) .


ومن الأمكنة المعظمة الكعبة (3) ، وجميع المساجد، ومقامات الأولياء (4) ، وإن كانوا في البرازخ.

ومن التعظيم: شعائر الله. قال الله تعالى: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} (5) .


فالذي يعظم حرمات الله، ويحترم شعائر الدين، ويوقِّر كلَّ ما نسب إلى الحضرة العلية؛ فهو عظيم القدر عند الله، وعند عباده، وجيهاً في الدنيا والآخرة (6) .


ومن ذلك: تعظيم الملائكة لطالب العلم، فهي تضع أجنحتها إجلالاً له (7) ." اهـ




الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... تجليت بعظمتك فخضعت لك العوالم بالسجود ترتعد لعزتك، أشرق أنوار العظمة على قلبي، حتى يسجد فلا يرفع، وأشهدني جلال الكبرياء حتى تتزكى نفسي، فلا أرى سواك ينفع، فأرى نفسي حقيرة مهينة، وأرى حقيقتي عدماً، وأشاهدك لي معيناً. إلهي .... اجعلني معظماً لكل ما عظَّمت، محقِّراً معادياً لكل ما حقَّرت، حتى ألبس رداء الهيبة بين العوالم، وسلِّمني بفضلك من كل ظالم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:
============================================


(1) : ذكر حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه ونفعنا بمحبته: أن العظيم من العباد هم الأنبياء والعلماء الذين إذا عرف العاقل شيئاً من صفاتهم امتلأ بالهيبة صدره، وصار مستوفى بالهيبة قلبه ، حتى لا يبقى فيه متسع. فالنبي عظيم في حق أمته، والشيخ في حق مريده ، والأستاذ في حق تلميذه، إذ يقصر عقله عن الإحاطة بكنه صفاته، وكل عظيم ناقص بالنسبة إلى عظمة الله تعالى، لأنه العظيم المطلق، فعظمته فوق كل عظيم غيره.

عن كَثِيرِ بنِ قَيْسٍ قالَ: "كُنْتُ جَالِساً مَعَ أبي الدّرْدَاءِ في مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فقالَ: يَا أبَا الدّرْدَاءِ إنّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أنّكَ تُحَدّثُهُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَا جَئْتُ لِحَاجَةٍ. قالَ: فإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَك الله بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنّةِ، وَإِنّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْحِيَتَانِ في جَوفِ الْمَاءِ، وَإنّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ علَى سَائِرِ الْكَواكِبِ، وَإِنّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً، وَرّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أخَذَهُ أخَذَ بِحَظّ وَافِرٍ". أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي الدرداء.

انظر: تخريج أحاديث الإحياء، للحافظ العراقي - كتاب العلم - الباب الأول - الحديث رقم 2.


(2) : كما هو حاصل في أيامنا النحسات من روايات وأفلام وأقلام ومسلسلات ومقالات تسيء إلى رسل الله وعلى رأسهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا علماء الأمة وأئمتها من السلف والخلف، ويقرب منهم من يوافقهم في منهجه ودعوته ولو كان متحلياً بوصف الدعاة إلى الله، فيقع في أعراض أهل الله تعالى، ويحقر الأولياء والصالحين من هذه الأمة الموحدة، ويتهم أئمتها وعلماءها بالشرك والضلال دون وجه حق سوى التعصُّب الأعمى لفرقته، فاحذر يا أخي ولا تغتر بكل ناعق، هدانا الله وإياك لما فيه رضاه، ورضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ورزقنا الأدب مع أهل الله العارفين والعلماء العاملين، من السلف والخلف، آمين.


(3) : ومن تشريفه تعالى للكعبة المعظمة البيت الحرام أن كان من الأدعية المأثورة: ( اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبراً، وزد من حجَّهُ واعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبراً.


(4) : وزيارة أهل الله الصالحين من الأحياء والأموات، وزيارة قبورهم ومقاماتهم من أسباب حصول البركة والخير، وفيها من الفتوح والمنوح ما لا يدركه إلا من عرفه وذاقه، ورزقه الله الصدق والإخلاص، والفهم، لا سيما إن كان المزور من عباد الله الصالحين وأهل الله العارفين فتتأكد حرمته، والتحشم عنده، وحفظ القلب، وسلوك أدب الزيارة، وقد قال سيدي ومولاي العربي الدرقاوي في بعض رسائله في الحث على زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً : "فإذا كنتَ بفاس البالي - أيها الفقير! - وأردتَ زيارة شيوخ الطريقة الذين هم هنالك، فابدأ بسيدي ابن العربي المعافري الذي بين المدينتين البالية والجديدة - حرسها الله - ، ثم سيدي علي بن حرزهم، ثم سيدي عبد الله التاودي، ثم سيدي يوسف الفاسي، ثم سيدي محمد بن عبد الله، ثم سيدي أحمد اليمني ، ثم سيدي علي الجمل أستاذنا، وهو من بقيتهم هنالك، ثم بادر إن عزمت إلى سيدي أبي علي بايتيوسي، ثم إلى سيدي أبي يعزى بتاغية، ثم إلى سيدي أبي سلهام، بساحل البحر، ثم إلى مولاي عبد الله بن أحمد بمكناسة الزيتون - حرسها الله - ثم إلى سيدي أبي زكري بها، ثم إلى مولاي عبد السلام بن مشيش بجبل الأعلام، ثم إلى سيدي أبي زيد بقبيلة مزيات - حرسها الله - ثم إلى شيخه سيدي أبي مدين الغوث بعباد تلمسان- رضي الله عنهم - وهم كثيرون إلا أنهم لا يعرفهم إلا من وصل مقامهم، أو من وقف على آثارهم، فاستدل به عليهم، ولا يعرف ذلك إلا الحاذق اللبيب من أهل العلم والتقى ، إذ هم قد كادوا - رضي الله عنهم - أن يكونوا أنبياء، على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، كما قلنا فيما تقدم، وقد كررنا قولنا هذا عنوة لعل من يربح، ولا بد ولا بد زرهم - أيها الفقير – ما دمت حياً كما تزور الوالدين وأهل المحبة، إذ لزيارتهم الفضل الكبير، والسر الواضح الشهير ، قد شاهدناه مراراً متعدده - والله على ما نقول وكيل - ومن أراد أن يعرف فضل الزيارة وسرها وخيرها وبركتها ومزيتها فلينظر كتب القوم - رضي الله عنهم - فقد قال الشيخ الجليل ولي الله تعالى أبو سالم سيدي ابراهيم التازي دفين وهران - رضي الله عنه :



زيارة أرباب التقى مرهم يبري=ومفتاح أبواب الهداية والخير
وتحدث في القلب الخلي إرادة=وتشرح صدراً ضاق من سعة الوزر
وتنصر مظلوماً وترفع خاملاً=وتُكسِب معدوماً وتجبر ذا كسرِ
وتبسط مقبوضاً وتضحك باكياً=وترفع بالبر الجزيل وبالأجرِ
عليك بها فالقوم باحوا بسرها=وأوصوا بها ياصاح بالسر والجهرِ
فكم خلّصت من لجة الإثم فاتكاً=فألقته في بحر الإنابة والسرِ
وكم من بعيد قرَّبته بجذبة=ففاجأه الفتح المبين من البرِ
وكم من مريد ظفّرته بمرشدٍ=حكيم خبير بالبلاء وما يبري
فألقت عليه حُلّة يمنية=مطرّزة باليمن والفتح والنصر
فزر وتأدب بعد تصحيح توبة=تأدب مملوك مع الملك الحر
ولا فرق في أحكامها بين سالك=مربّ ومجذوب وحي وذي قبر
وذي الزهد والعباد فالكل منعم=عليه ولكن ليست الشمس كالبدر
وزورة رسل الله خير زيارة=وهم درجات في المكانة والقدر
وأحمد خير العالمين وخير من=ييممه العافون في العسر واليسر
وأمته أصحابه الغر خيرهم=وأفضل أصحاب النبي أبو بكر
ويتلوه فاروق أبو حفص الرضى=على رأي أهل السنة الشُّهُب الزهـر
وبالوقف قالوا في الهزبر أخي العلا=علي وعثمان الشهيد أبا عمروِ
وقالوا كترتيب الخلافة فضلهم=وقد تم نظمي في المزور وفي الزورِ
على أنبياء الله مني ورسله=وخاتمهم أزكى سلام مدى الدهرِ
وقرباه والصحب الكرام وتابع=لهم في التقى والبر والصبر والشكرِ


والسلام.


(5) : سورة الحج – الآية 32.


(6) : وحظ العبد من هذا الاسم : التواضع لله وأن يستعين بربه ويستهديه. والعلم والقدرة هما مظهرا عظمة الإنسان، وبهما كرَّمه الله تعالى، وفي هذا المعنى ورد أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: ( من تعلَّم وعلَّم وعمل بما علم ثم علَّم الغير فذلك يدعى عظيماً في السماء).

وقد قيل: العظيم من لا تكون عظمته بتعظيم الأغيار بله أهل الصغار، وإنما من جلَّ عن الحدِّ والمقدار بمزيد إيمانه ومعارفه وقوله وعمله.


(7) : روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم مرفوعا: ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ).


وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه في صحيحه مرفوعا: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر). " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الغَفُورُ جَلَّ جَلالُهُ....... )

عبدالقادر حمود 08-13-2009 09:57 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الغَفُورُ جَلَّ جَلالُهُ



" اعلم أن الله تعالى كرَّر أسماء المغفرة (1) في القرآن، ونوَّع معانيها لتطمئنَّ قلوب العصاة، وتسكن نفوس المذنبين، ولا ييأس مجرمٌ من رَوح الله "الغفور" جلَّ جلاله؛ فهو { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } (2) . من أذنب وأتى إلى بابه قبله.


الغفَّار: هو الذي إن تكرَّرت منك الإساءة وأقبلتَ عليه فهو غفَّارها وستَّارها (3) .


و"الغفور" هو السيد التامُّ القدرة (4) ، وقد يغفر فضلاً منه وإحسانا، بدون قيدٍ ولا شرط، فهو الفعَّال المطلق الذي هو فوق القيود والحدود.


واعلم... أن العبد متى تأمَّل في أخلاق الله تعالى ومعاملته لعباده انفتح أمامه باب الأمل، ونشط في صالح العمل (5) ، ولاح على قلبه نور "الغفور"، وانكشف له حكمة المقدور، فلا يرى عورةً إلا سترها، ولا زلَّةً إلا غفرها؛ إن اعتذر إليه أخٌ قَبِلَ، وعامله بالإحسان، ويقابل جميع الإساءة بالغفران.


وصاحب هذا الخلُق يصبح بين العالم كشجرة مُظِلَّةٍ مثمرة، وروضةٍ بأنواع المسرَّات عامرة.




الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت الغفور الذي تغفر الذنوب جميعاً، تمحو الإساءات فتجعل العاصي وجيهاً مطيعاً، تجليت بنور اسمك الغفور، ففرت إلى رحابك الأرواح، وانشرحت الصدور. تجلَّ لقلبي بواسع الغفران، واجعلني مظهر الإحسان في بني الإنسان، واجعل قلبي نقياً تقياً، راضياً مرضياً، فأكون مصدراً للعفو والصفح عليك، إذ الأمر منك وإليك. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:============================================

(1) : قيل: والمغفرة مأخوذة من الغفر، وهو: نبت إذا وضع في الجرح بريء من حينه، فالمغفرة تبريء جراح الذنوب، كما يبريء هذا النبات جراح الأبدان. وقيل من (المِغْفَر) وهو الجُنَّة التي تجعل على الرأس عند الحرب لأن المغفرة ستر الذنوب . وقيل الغفور هو السيد التام القدرة، وقد يغفر فضلاً وإحساناً منه، بدون قيد ولا شرط . فهو الفعال المطلق الذي هو فوق القيود والحدود . وقيل : إن الغفار هو الذي إن تكررت منك الإساءة ، وأقبلت عليه فهو غفارك وستَّارك وستارها.

(2) : سورة غافر - الآية رقم 3.

(3) : فالغفار صيغة مبالغة لغافر أيضاً وهي أبلغ لزيادة المعنى ، وقيل مبالغة من جهة الكمية والتكرار، فهو" العزيز الغفار" - سورة ص 66 - تدلُّ على غفران الذنوب على سبيل التكرار مرة بعد أخرى، فستر القبيح وأظهر الجميل، فهي تتناول الأفراد والأرتال، هذا بينما "الغفور" تتناول المبالغة من جهة الكيفية بمغفرة الذنوب العظيمة، وهو تعالى يغفر الذنوب جميعاً، كبيرها وصغيرها، غير أنه { لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} مهما عظم الذنب وتكررت الآثام.

(4) : والغفور صيغة مبالغة لغافر التي تدلُّ على أصل المغفرة، وهو من الغفر، وهو الستر بصيانة العبد عما استحقه من العذاب، فهو كثير الستر على عباده بالتجاوز عن سيئاتهم لمن استغفر من أي ذنب فهو يدل على كثرة ما يغفر، فهو يغفر الذنوب جميعاً، فهو من جهة الكيفية جودة وكمالاً فهو تام المغفرة كاملها ، يغفر الذنوب العظام.

(5) : مكرراً الدعاء الذي رواه البخاري، ويسمى سيد الاستغفار، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت) . وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي . فقال له: قل " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " .

وروى الأصمعي قال: وقف أعرابي أمام الروضة الشريفة فقال: اللهم هذا حبيبك، وأنا عبدك، والشيطان عدوك، فإن غفرت لي سُرَّ حبيبك، وفاز عبدك، وغضب عدوك. وإن لم تغفر لي غضب حبيبك، ورضي عدوك، وهلك عبدك. وأنت أكرم من أن تغضب حبيبك، وترضي عدوك، وتهلك عبدك. اللهم إن العرب الكرام إذا مات فيهم سيد أعتقوا على قبره، وإن هذا سيد العالمين، فأعتقني على قبره." اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الشَّكُورُ جَلَّ جَلالُهُ....... )

عبدالقادر حمود 09-01-2009 02:54 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 

الشَّكُورُ جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي يجازي على العمل اليسير بالأجر الكبير، ويعطي للطائعين في العمر المحدود رضوانه الأكبر في دار الخلود.


هو الذي وهب التوفيق والهدى للطائعين، ويشكرهم بين العالمين.


و"الشكور": هو الله، إذ العبد عاجزٌ في مبداه ومنتهاه.


والشكر من العبد: هو اعترافه بعجزه عن الشكران، والدواء الوحيد لحفظ النعمة ودوام المزيد هو شكر المنعم الكريم، والسير على الصراط المستقيم.


وما زالت نعمةٌ عن مخلوق إلا بترك الشكر، ولا نزلت بليّةٌ بإنسان إلا من التهاون في الأمر (1) .


قال تعالى: { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }(2) .



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ....أنت الشكور، جذبتنا إليك بحسن معاملتك فشرحت الصدور، وكشفت للعارفين الحقيقة، فلم يعاملوا سواك، ورفعت النقاب عن بصائر الواصلين فدخلوا في رضاك. شاهدوك متجلياً فشكروك، وعاينوا نورك في كل المواطن فعبدوك، تحققوا بالشكر فأعطيتهم المزيد، وجعلتهم بفضلك نوراً مشرقاً للعبيد، أسألك أن تكشف عن بصيرتي الحجب حتى أكون مظهراً للشكر، وأنت الشكور.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".



اقتباس:
============================================


(1) : فالشكر مبنيٌ على خمس قواعد: الأولى: خضوع الشاكر للمشكور. والثانية: حبه له. والثالثة: اعترافه بنعمه. والرابعة: الثناء عليه بها. والخامسة: أن لا يستعملها فيما يكره.

وإن نعم الله تعالى لا تحصى، وإن أجلَّها نعمة الصحة، والأبدان، والأبناء، والأموال، وما هدانا الله إليه وأعاننا عليه من طاعته، وغفر زلته، وما يلم بنا من ضعف، ومن مناجاته" تطاع ربنا فتشكر، وتعصى فتغفر لمن شئت". وسمَّى نفسه تعالى "شكوراً" على معنى أنه يجازي العبد على الشكر شكراً كما سمى جزاء السيئة باسمها { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }. إن الشكر يتضمن معرفة النعمة كما يتضمن إظهارها والثناء على المنعم بها، بوصفها في محلها، و" إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" فالثناء شكر،ووضع النعمة في مواضعها، وحسن استخدامها من ضروب الشكر ومستلزماته، وبضد ذلك الكفر بالنعمة، فهو غطاء وستر لها، وجحود ووضعها بغير مواضعها، كاستعمالها لغير ما يرضى بها المنعم... ولهذا قال تعالى: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }. الذي يصرف النعمة إلى ما خلقت من أجله، ويؤدي حقها نية وقولاً وعملاً.


(2) : سورة إبراهيم - الآية 7.

ويذكر القشيري أن شكر العبد للخالق غير ميسور وبيان ذلك من وجوه : الأول: أن شكر النعمة مشروط بمعرفة تلك النعمة ، ومعرفة نعم الله تعالى غير حاصلة ، يقول الله تعالى: { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } فإذا كانت معرفة النعم غير حاصلة ، كان الشكر غير ممكن من هذا الوجه . الثاني: شكر النعمة مخلوق من المنعم، وذلك الشكر أعظم قدراً من تلك النعمة ، فكيف يعقل شكر نعمته من غير نعمته . الثالث: أن الله يعطي على هذا الشكر نعمة زائدة فإن وقع هذا الشكر في مقابلة النعمة السابقة بقيت النعمة اللاحقة بلا شكر وإن وقع الشكر في مقابلة اللاحقة بقيت النعمة السابقة بلا شكر، وعلى التقديرين لا يفي شكر العبد بنعمة الرب . الرابع: أن الله يعطيك مع استغنائه عنك، وأنت تشكره مع افتقارك إليه، فكيف يقع هذا الشكر الصادر عن الحاجة والضرورة، في مقابلة الإنعام الذي هو محض التفضل والإحسان ؟." اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: العَلِيُّ جَلَّ جَلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 09-16-2009 04:26 AM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 


العَلِيُّ جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي له التعالي المطلق، والعلوُّ المحقَّق، وكل رتبة في الوجود مهما علت وارتقت فهي لعزِّ علاه خشعت (1)

.
والعلوُّ قسمان: علوُّ مكانة، وعلو مكان.


فعلوُّ المكانة: هو علوُّ الرتبة والشرف، مثل رتبةالخليفة، ورتبة العلماء.


وعلو المكان: مثل علو الكواكب والأفلاك، فالعرش العظيم له علوعلى جميع المخلوقات الحسية.
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له علو المكانة والشرف على جميع العوالم الكونية. وقد أكرمنا الله ببركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال تعالى: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } (2) . فمنحنا رتبة العلوّ في المكانة ونحن على الأرض حتى سبقنا بذلك أهل السماء، لأننا كنا في معية العلي الأعلى (3) .


وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه: ( اللهمَّ إنا نسألك الدرجات العلى) (4) . وهو أن يتجلى العليُّ لرفع شأن عبده فيجعله رفيع الدرجات، ظاهر البركات.


وعلوُّ الحضرة الإلهية علوُّ عزٍّ ومجد، وكمال، ونزاهة، يستوي عنده فوق وتحت، لأنه مقدَّسٌ عن الجهات، ولكن متى شاء الحق أن يرفع قدر عبده تعلَّق قلبه بربه، وخشع جسمه لطاعته، وهام في حبِّه، فلم يرَ سواه علياً كبيراً، ولا يرى غيره حافظاً نصيرا، فيكون في المعية الإلهية، ويرفعه الحق إلى مقام العبدية (5) .


ومن أراد العلو فليتواضع لله، فقد ورد في الحديث: ( من تواضع لله رفعه ) (6) .


وقد بين سبيل السعادة الباقية فقال تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين} (7) ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت العلي المنـزَّه عن الحدود والجهات، المقدَّس عن الأوهام والخطرات، جعلت الشرف الأعلى لمن لجأ إليك، وأعطيت المقام الرفيع لمن توكَّل عليك.
إلهي .... إنك منحت سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أعلى الدرجات، وصيَّرته مفتاحاً لكل المقامات والحضرات، فاجعل لنا حظاً وافراً من ميراثه العالي، وشرفه الغالي، حتى نفوز من علو المكانة بحظ أوفر، وننال بحسن اتِّباعه السعد الأكبر، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" ( 8 ) .



اقتباس:
============================================


(1) : واعلم أن علو الله تبارك وتعالى يرجع إلى واحد من ثلاثة أمور: إلى أنه لا يساويه شيء في الشرف والعزة، فيكون هذا الاسم من أسماء التنـزيه، أو إلى أنه قادر على كل شيء والكل تحت قدرته وقهره، فيكون من أسماء الصفات المعنوية، أو إلى أنه يتصرف في الكل بقدرته، فيكون من أسماء الأفعال. وأما علوه سبحانه فليس كما يفهم الأغبياء ومن شاكلهم من طلبة العلم المبتدئين أنه علو مكان - حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً - وإنما هو علو مرتبة. والعجب من هؤلاء وأضرابهم أنهم لا يفهمون من الفوق إلا المكان !!! - كما قال حجة الإسلام - ومع ذلك إذا سئل أحدهم عن شخصين من الأكابر وقيل له: كيف يجلسان في الصدور والمحافل؟ فيقول: هذا يجلس فوق ذاك. وهو يعلم أنه لا يجلس إلا بجنبه ، وإنما يكون جالساً فوقه لو جلس على رأسه، أو مكان مبني فوق رأسه . ولوقيل له: كذبت ما جلس فوقه ولا تحته ، ولكنه جلس بجنبه، اشمأزت نفسه من هذا الإنكار، وقال : إنما أعني به فوقية الرتبة والقرب من الصدر؛ فإن الأقرب إلى الصدر الذي هو المنتهى، فوق بالإضافة إلى الأبعد . ثم لا يفهم من هذا أن كل ترتيب له طرفان يجوز أن يطلق على أحد طرفيه اسم الفوق والعلو، وعلى الطرف الآخر ما يقابله فافهم فهَّمني الله وإياك.

(2) : سورة آل عمران - الآية 139.

(3) : ومن أدب المؤمن مع اسم "العلي" أن يتواضع ويتذلل بين يدي الله تعالى، وعند ذلك يرفع الله قدره . روى القشيري أن الله تعالى أوحى إلى سيدنا موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام - أن يأتي الجبل ليكلمه ، فتطاول كل جبل طمعاً أن يكون محلاً للمناجاة ، وتصاغر طور سيناء ، وقال : متى أستحق أن أكون محلاً لقدم موسى عليه السلام في وقت المناجاة، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن ائت جبل سيناء لتواضعه. وحكي أن رجلاً قال لمالك بن فضول : اتق الله، فألصق خده بالتراب، وقال : سمعاً وطاعة!!.

(4) : جاء في دعائه صلى الله عليه وآله وسلم ، فيما رواه الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك بسندهما عن السيدة أم سلمة رضي الله عنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم أنت الأول لا شيء قبلك، وأنت الآخر لا شيء بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، == ومن فتنة الغنى وفتنة الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، اللهم نق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس؛ اللهم بعد بيني وبين خطيئتي، كما بعدت بين المشرق والمغرب، هذا ما سأل محمد ربه؛ اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات، وثبتني وثقل موازيني، وحقق إيماني، وارفع درجتي وتقبل صلاتي، واغفر خطيئتي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنه، والدرجات العلى من الجنة آمين؛ اللهم نجني من النار، ومغفرة بالليل والنهار، والنزل الصالح من الجنة آمين، اللهم إني أسألك خلاصا من النار سالما، وأدخلني الجنة آمنا؛ اللهم إني أسألك أن تبارك لي في نفسي وفي سمعي وفي بصري وفي روحي وفي خلقي وفي خلقي وأهلي وفي محياي ومماتي؛ اللهم وتقبل حسناتي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين.

‏ انظر: كنـز العمال - المجلد الثاني - الفصل السادس - في جوامع الأدعية - الحديث رقم 3820.

(5) : العَبْدِيَّةُ والعُبودِيَّةُ والعُبودَةُ والعِبادَةُ: الطَّاعَةُ. القاموس - مادة عبد.

(6) : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (من تواضع لله رفعه الله) . رواه الإمام أحمد في المسند، وابن ماجه في السنن بسندهما عن أبي سعيد الخدري بزيادة: " به درجة ومن تكبر وضعه الله "- الحديث، وأخرجه أبو يعلى وأحمد بلفظ: ( ومن قنع أغناه الله ومن أكثر ذكر الله أحبه الله). وأسنده الديلمي عن عمر بلفظ فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس عظيم. ورواه أبو الشيخ عن معاذ بلفظ من تواضع تخشعا لله رفعه الله ومن تطاول تعظما وضعه الله وفي تاريخ ابن عساكر عن طلحة بن عبيد الله أن التواضع لله تبارك وتعالى الرضى بالدون من المجالس انتهى.‏

انظر: العجلوني - كشف الخفاء ومزيل الإلباس - الحديث رقم 2445.

(7) : سورة القصص - الآية 83.

( 8 ) : ومن عرف أنه العلي الذي ارتفع فوق كل شيء - علوَّ مكانة وجلال -، سَمَت همته لله، فجعل أحواله وقفاً عليه.

والتعلق باسمه تعالى "العلي": بطلب رفع همتك إليه، وجعل اختيارك وقفاً عليه، حتى لا تختار دنيا ولا آخرة، سوى الوصول إلى رضاه ، ولا تعتمد في كل أحوالك إلا إياه.

والتخلق به : بالجنوح إلى معالي الأمور. وفي الحديث: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ). وعن سيدنا علي كرّم الله وجهه : علوُّ الهمة من الإيمان." اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الكَبِيرُ جَلَّ جَلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 09-28-2009 10:00 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 

الكَبِيرُ جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي تتصاغر أمامه العظماء، وتضمحلُّ لجلالته الكبراء، كلُّ كبيرٍ أمامه كالذَّرِّ الحقير، وكلُّ شامخٍ إذا تجلَّى كبرياؤه فهو هباء صغير، له الكمال الذاتي، والجمال الصفاتي، له الغنى الأزلي، والبقاء الأبدي ( 1 ) .


واعلم ... أن الكِبْرَ من أمراض القلوب، وصاحبه ينازع علاَّم الغيوب، وهو من صفات إبليس، يوقع في الحجاب والعذاب، والبعد عن حضرة التوَّاب، ويولد مرض حب الرياسة والأنانية، ويجرُّ إلى الأمراض الظلمانية ( 2 ) ، فإذا أردت أن يحفظك الله من مرض الكبر: فكرِّر ذكر "يا كبير". واذكر من أنت في مبدأ الأمر والتصوير، حتى تنجو من الشر الخطير.


ومتى صغرت نفسك أمام عينيك، وفنيت ( 3 ) عن مقتضى حسِّك، أعطاك الله عزَّه الباقي الدائم، وصيَّرك كبيراً بين العوالم، متكبِّراً على كل ظالم، متواضعاً لكل فقير مسالم.


وقد خصَّص الحق سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بحلل الكمال، وكل من رآه أو سمع به خضع لظهور الكبير المتعال.


والكبير من العباد من منحه الله العلم بالله، وأعطاه الحمد فصيَّره كبيراً عند من رآه، ومنحه العواطف على الأمة فبذل النصيحة، وأنقذها من العصيان، ويدعو لها بالهدى ورفعة الشان ( 4 ) ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ....أنت الكبير الذي ذلَّت لكبريائك الكائنات، وسجدت لعلوِّك المخلوقات، من تكبر قصمت ظهره، ومن تعاظم خفضت قدره وذكره. أشرق على قلبي بنور الكبرياء، حتى تمحو مني وجودي الباطل ويزول الداء، وظللني بظل أسمائك وأنوارها، فمن رآني خشع لعلو مقداري، فكلُّ جمال هو منك واصل، وكل كمال من فيضك حاصل، فكيف أتكبر وأَصْلِي معدوم؟، وكيف أتعاظم وأمري مفهوم ؟. اجعلني لك ذاكراً شاكراً، وكن لي حفيظاً ناصراً. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" .



اقتباس:
============================================


(1) : : والله تبارك وتعالى هو الكبير في كل شيء، والغني على الإطلاق، وهو الذي كبر وعلا في ذاته وصفاته، وأفعاله عن مشابهة مخلوقاته: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ، أو الذي فاق مدح المادحين، ووصف الواصفين، فهو أكمل الموجودات وأشرفها، أو ذو الكبرياء والعلو والعظمة والرفعة، والتنـزه عن أوهام الخلق ومداركهم، فله تبارك وتعالى كبرياء الذات والصفات والأفعال. وهو الذي يتصاغر أمامه الكبراء والعظماء، والمتعالي عن مشاهدة كل الحواس وإدراك العقول، لا ينازعه في كبريائه أحد، ولا تهتدي العقول لوصف عظمته، ولذلك نقلوا عن أدعية هذا الاسم الكريم : " يا كبير أنت الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته " .


وليس كبره لكبر جثة، بل هو كبر جلال وعلو، ولذلك قيل: يمتنع أن يكون الله تعالى كبيراً بحسب الجثة والحجم والمقدار، فوجب أن يكون كبيراً بحسب القدرة والمقادير الإلهية .


(2) : وهذا ما نشاهده اليوم في قلوب ووجوه من تكبر واعترض على علماء الأمة، وأهل الله العارفين، والعلماء العاملين المخلصين من سلف هذه الأمة وخلفها، حيث جعل بعض المتكبرين من أنفسهم أشباهاً للسلف الصالح، وعاندوا العقل والمنطق، ونفخ الشيطان في أنوفهم، فشبَّه لهم أن سلف الأمة الصالح وأئمتها العظام رجال، وهم رجال، فأطلقوا مقولتهم بدون وجه حق، فقالوا:" هم رجال ونحن رجال" نأخذ ونرد كما أخذوا وردّوا، ونسي هؤلاء قدرهم في العلم والحال، والذوق والوجدان، فاغتروا، وضلوا وأضلوا، فإياك يا أخي وإياهم، وفرَّ منهم فرارك من الأسد، فهم القوم والله والله والله لا يسعد جليسهم، ولا يشرف مخالطهم، ولعن الله من كذب عليك، فاسأل الله تعالى العافية.


(3) : المراد بالفناء : أن يفنى العبد عن حظوظ نفسه وعن أبناء جنسه، وعن كل ما سوى الله فلا يكون له في شيء من ذلك حظ، ويسقط عنه التمييز فناء عن الأشياء كلها شغلاً بما فني به، فالفناء فضل من الله تعالى وموهبة للعبد وإكرام منه، ومنـزلة له، واختصاص له به، وليس هو من الأفعال المكتسبة وإنما هو شيء يفعله الله عز وجل بمن اختصه لنفسه واصطنعه له ". انظر التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي صفحة123".


( 4) : ومن عرف كبرياء ربه يتواضع متذللاً له سبحانه، وللعارفين به، ولأوليائه الصالحين من عباده، متأدباً معهم وبين أيديهم أحياءً وأمواتا، ويدفع فساد أهل الكبرياء في أرض الله، والله لا يحب المفسدين، وأن يكون كبير القلب، كبير الهمة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشريف:" كبِّروا هممكم فإني لم أرَ أقعد بالرجال عن معالي الأمور من ضعف الهمم". وإن من مستلزمات ذلك مجانبة الغرور، وحسن التواضع ، وإلا وقع في التفاخر والرياء، والكبر، والغرور وهي تجزى عند الله بالصغار والهوان، وعند الناس بالنفرة حيناً، والمصانعة أخرى، والاحتقار. ومن عرف طفولته وحاجته، ونومه ومرضه، وموته، أدرك حقيقته، وعرف منَّة الله عليه فيما آتاه، وأنه لا يدري ما يسلب عنه من ذلك، وعرف أن ما آتاه الله ابتلاء بنعمه، إنما يستحق الشكر لا الاستكبار، والتخلق من ذلك بخلق الشيطان الرجيم،الموسوم بما سمي به إبليس فأبلس، وبئس،وحزن، وما زاده الكبر إلا صغارا. " اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الحَفِيظُ جَلَّ جَلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 09-28-2009 10:00 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 

الكَبِيرُ جَلَّ جَلالُهُ



" هو الذي تتصاغر أمامه العظماء، وتضمحلُّ لجلالته الكبراء، كلُّ كبيرٍ أمامه كالذَّرِّ الحقير، وكلُّ شامخٍ إذا تجلَّى كبرياؤه فهو هباء صغير، له الكمال الذاتي، والجمال الصفاتي، له الغنى الأزلي، والبقاء الأبدي ( 1 ) .


واعلم ... أن الكِبْرَ من أمراض القلوب، وصاحبه ينازع علاَّم الغيوب، وهو من صفات إبليس، يوقع في الحجاب والعذاب، والبعد عن حضرة التوَّاب، ويولد مرض حب الرياسة والأنانية، ويجرُّ إلى الأمراض الظلمانية ( 2 ) ، فإذا أردت أن يحفظك الله من مرض الكبر: فكرِّر ذكر "يا كبير". واذكر من أنت في مبدأ الأمر والتصوير، حتى تنجو من الشر الخطير.


ومتى صغرت نفسك أمام عينيك، وفنيت ( 3 ) عن مقتضى حسِّك، أعطاك الله عزَّه الباقي الدائم، وصيَّرك كبيراً بين العوالم، متكبِّراً على كل ظالم، متواضعاً لكل فقير مسالم.


وقد خصَّص الحق سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بحلل الكمال، وكل من رآه أو سمع به خضع لظهور الكبير المتعال.


والكبير من العباد من منحه الله العلم بالله، وأعطاه الحمد فصيَّره كبيراً عند من رآه، ومنحه العواطف على الأمة فبذل النصيحة، وأنقذها من العصيان، ويدعو لها بالهدى ورفعة الشان ( 4 ) ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ....أنت الكبير الذي ذلَّت لكبريائك الكائنات، وسجدت لعلوِّك المخلوقات، من تكبر قصمت ظهره، ومن تعاظم خفضت قدره وذكره. أشرق على قلبي بنور الكبرياء، حتى تمحو مني وجودي الباطل ويزول الداء، وظللني بظل أسمائك وأنوارها، فمن رآني خشع لعلو مقداري، فكلُّ جمال هو منك واصل، وكل كمال من فيضك حاصل، فكيف أتكبر وأَصْلِي معدوم؟، وكيف أتعاظم وأمري مفهوم ؟. اجعلني لك ذاكراً شاكراً، وكن لي حفيظاً ناصراً. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" .



اقتباس:
============================================


(1) : : والله تبارك وتعالى هو الكبير في كل شيء، والغني على الإطلاق، وهو الذي كبر وعلا في ذاته وصفاته، وأفعاله عن مشابهة مخلوقاته: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ، أو الذي فاق مدح المادحين، ووصف الواصفين، فهو أكمل الموجودات وأشرفها، أو ذو الكبرياء والعلو والعظمة والرفعة، والتنـزه عن أوهام الخلق ومداركهم، فله تبارك وتعالى كبرياء الذات والصفات والأفعال. وهو الذي يتصاغر أمامه الكبراء والعظماء، والمتعالي عن مشاهدة كل الحواس وإدراك العقول، لا ينازعه في كبريائه أحد، ولا تهتدي العقول لوصف عظمته، ولذلك نقلوا عن أدعية هذا الاسم الكريم : " يا كبير أنت الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته " .


وليس كبره لكبر جثة، بل هو كبر جلال وعلو، ولذلك قيل: يمتنع أن يكون الله تعالى كبيراً بحسب الجثة والحجم والمقدار، فوجب أن يكون كبيراً بحسب القدرة والمقادير الإلهية .


(2) : وهذا ما نشاهده اليوم في قلوب ووجوه من تكبر واعترض على علماء الأمة، وأهل الله العارفين، والعلماء العاملين المخلصين من سلف هذه الأمة وخلفها، حيث جعل بعض المتكبرين من أنفسهم أشباهاً للسلف الصالح، وعاندوا العقل والمنطق، ونفخ الشيطان في أنوفهم، فشبَّه لهم أن سلف الأمة الصالح وأئمتها العظام رجال، وهم رجال، فأطلقوا مقولتهم بدون وجه حق، فقالوا:" هم رجال ونحن رجال" نأخذ ونرد كما أخذوا وردّوا، ونسي هؤلاء قدرهم في العلم والحال، والذوق والوجدان، فاغتروا، وضلوا وأضلوا، فإياك يا أخي وإياهم، وفرَّ منهم فرارك من الأسد، فهم القوم والله والله والله لا يسعد جليسهم، ولا يشرف مخالطهم، ولعن الله من كذب عليك، فاسأل الله تعالى العافية.


(3) : المراد بالفناء : أن يفنى العبد عن حظوظ نفسه وعن أبناء جنسه، وعن كل ما سوى الله فلا يكون له في شيء من ذلك حظ، ويسقط عنه التمييز فناء عن الأشياء كلها شغلاً بما فني به، فالفناء فضل من الله تعالى وموهبة للعبد وإكرام منه، ومنـزلة له، واختصاص له به، وليس هو من الأفعال المكتسبة وإنما هو شيء يفعله الله عز وجل بمن اختصه لنفسه واصطنعه له ". انظر التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي صفحة123".


( 4) : ومن عرف كبرياء ربه يتواضع متذللاً له سبحانه، وللعارفين به، ولأوليائه الصالحين من عباده، متأدباً معهم وبين أيديهم أحياءً وأمواتا، ويدفع فساد أهل الكبرياء في أرض الله، والله لا يحب المفسدين، وأن يكون كبير القلب، كبير الهمة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشريف:" كبِّروا هممكم فإني لم أرَ أقعد بالرجال عن معالي الأمور من ضعف الهمم". وإن من مستلزمات ذلك مجانبة الغرور، وحسن التواضع ، وإلا وقع في التفاخر والرياء، والكبر، والغرور وهي تجزى عند الله بالصغار والهوان، وعند الناس بالنفرة حيناً، والمصانعة أخرى، والاحتقار. ومن عرف طفولته وحاجته، ونومه ومرضه، وموته، أدرك حقيقته، وعرف منَّة الله عليه فيما آتاه، وأنه لا يدري ما يسلب عنه من ذلك، وعرف أن ما آتاه الله ابتلاء بنعمه، إنما يستحق الشكر لا الاستكبار، والتخلق من ذلك بخلق الشيطان الرجيم،الموسوم بما سمي به إبليس فأبلس، وبئس،وحزن، وما زاده الكبر إلا صغارا. " اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الحَفِيظُ جَلَّ جَلالُهُ ....... )

عبدالقادر حمود 01-15-2010 01:54 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 

الحَفِيظُ جَلَّ جَلالُهُ

هو الذي حفظ مراتب الوجود، ومنازل الكائنات، فالسموات يمسكها أن تقع على الأرض، والأرض يثبتها بالجبال فلا تميد بنا (1) .
ويحفظ الضعفاء من الأقوياء، حتى تبقى صور الأشياء.
ويحفظ النبات من الحشرات لغذاء المخلوقات.
ويحفظ أسرار السماء من استراق السمع. قال تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } (2) .
ويحفظ الإنسان من شر الشياطين وغوائل الحياة بالملائكة الحفظة.
قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ }(3) .
وقال سبحانه: { فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } (4) .

ومن تأمل في معنى اسمه"الحفيظ" وذكره بشوق وحنان إلى جنابه، تولَّد في قلبه حبٌّ لمولاه الذي يحفظ العبد وهو عاصٍ غافل، مقصِّرٌ متأخِّر، فينبه القلب ويصحو من غفلته، ويبرأ من علَّته. وعند ذلك يجعل الله قلبه يمنـزلة كنـز محفوظ فيه أسرار الحفيظ، ويقف موقف الشجاعة محافظاً على جوارحه من المعاصي، محافظاً على قلبه من الخطرات (5) ، محافظاً على إخوانه من الوقوع في الزلات، محافظاً على أنفاسه من الضياع في المنكرات، محافظاً على الأمانة التي أودعها الله فيه في كل اللحظات (6) .

الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت الحفيظ لكل مخلوق، المغيث لكل حي مرزوق، تجليت بنور الحفيظ فحفظت السموات، وأخرجت النبات، وحفظت البحر من العفونة بالأملاح، وحفظت قلوب العارفين ومنحتها عيون البصيرة، فشاهدت حق اليقين،.... اجعل جوارحي محفوظة بحفظك، وقواي خاضعة لأمرك.

إلهي .... إنك قلت: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }، فاحفظني بما حفظت به الذكر الحكيم، واجعلني حفيظاً عليماً، واحفظني من شهود الأغيار، والركون على الآثار، فأنت الحفيظ للخلائق الفعال المختار. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
". " اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف "المُقِيتُ جَلَّ جَلالُهُ... )



ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

(1) : و"الحفيظ" أشد مبالغة من الحافظ، كالعليم والعالم، وإذا أردت أن تعرف نعمة "الحفيظ" عليك بحفظه، فتأمل أحوالك في دينك ودنياك، أما الدين فانظر إلى الأكابر الذين زاغوا بأدنى شبهة: أما إبليس فانظر كم عَبَدَ الله وكم أطاعه، ثم ضلَّ بأدنى شبهة!! . وانظر إلى أكابر الطبيعيين وحذاق المهندسين والمنجمين كيف زاغوا بأخس شبهة!!، حتى تعرف أنك إنما بقيت على الحق بحفظ الحق سبحانه وعنايته، وانظر إلى الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، مع جلالة قدره، كيف قال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين} وقال: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك} وقال الكليم عليه السلام : { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} ، وقال تعالى لسيد الوجود سيدي وحبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً }، وقال: { وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ، وقال المؤمنون: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }.

وأما الدنيا : فاعرف كم فيها من جهات الآفات، وأسباب المخافات !!! ، ثم تأمل من الذي دفعها عنك ؟ كما قال تعالى : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ }.

وأيضاً وكَّل على عباده أشخاصاً من الملائكة ليحفظوهم عن الآفات، قال تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ } أي بأمره . وأيضاً يحفظ على الخلق أعمالهم، ويحصي أقوالهم، كما قال { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .

(2) : سورة الصافات - الآيتان 6و7.

(3) : سورة الانفطار - الآيتان 10و11.

(4) : سورة يونس - الآية 64.

(5) : الخطرات: هي دواعي القلوب إلى كل خير وشر. انظر: موسوعة مصطلحات التصوف مادة خطر - 324.

(6) : وحظ العبد من هذا الاسم أن يحفظ أمانة الله بما أنعم عليه،وآتاه ، فإنه مسؤولٌ عن أربع: عن عمره فيم قضاه، وعن شبابه فيم أبلاه، فهذه القدرات أمانة ، وإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا، ثم عن ماله من أين اكتسبه، أين أنفقه؟. وعن علمه وماذا عمل به؟. ويحفظ الحقوق والواجبات وما أمره الله بحفظه وهو "الحفيظ" الذي لا تخفى عليه من أمر العباد خافية، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قائلاً: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}. وعليه أن يحفظ نفسه من الظنون لحفظ إيمانه، ومن الشهوات لحفظ جوارحه، ومن حفظ الله في جوارحه : حفظ الله عليه قلبه ، ومن نعم حفظ الله لعباده الصالحين: حفظ سيدنا موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام من عهد حمله ورضاعه من بطش فرعون إلى حين إغراق فرعون على يديه، وحفظ الفتية الذين آمنوا بربهم، كما جاءت في سورة الكهف، وحفظ سيدنا يونس في بطن الحوت إذ كان من المسبحين، وحفظ سيدنا يوسف من الأخطار التي حاقت به، وحفظ أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام من النيران، ثم حفظ سيد الوجود وحبيب الرب المعبود سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعصمته من كيد الكائدين، وغير ذلك من آيات حفظ الله تعالى لأوليائه ، والعبر ليثبت قلوب المؤمنين، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. وحفظ الإنسان بالذاكرة معارفه، وبالعادة ما ألفه، وفي العمل مرونته، وخبرته، كما حفظ لكل شيء وجوده في عالم متحول متبدل كثير التفاعل، فصانه وحفظه بهويته وأطواره، ومختلف ظواهره، " إن ربي على كل شيء حفيظ"، وأجلُّ نعمة حفظاً أنه حقَّق وعده سبحانه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }، حفظاً للإنسان بأكرم ما خصه به من العلم، وأشرف ما دعاه إليه وهو الهداية في نية وقول وعمل ، وحفظ عمله ليوم الجزاء يزنها بالذرة. " اهـ

عبدالقادر حمود 01-15-2010 01:56 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 



هو الذي خلق الخلق، وساق إليهم الأقوات، وأوصل إليهم الضروريات والكماليات (1) .
والأقوات قسمان: قوت الأشباح، وقوت الأرواح.
فقوت الأشباح: هو غذاؤها المحسوس.
وقوت الأرواح: هو الحي القدُّوس.
فإن أتى إليك الغذاء فاشهد "المقيت" الواسع، ولا تحجب عن السِّرِّ العلي.

ومتى عشقت روحك "المقيت" فنيت في أنواره، واجتهدت في أذكاره، فتأكل الطعام، ويتجلَّى لك واسع الإكرام، فتغيب في أنواره عن الأكوان، وتحظى منه بالسرِّ المصان. وعند ذلك يجعلك الحق خزانةً للعباد، ويسوق على يديك الأرزاق، فتعلِّم الناس العلوم، وتدلُّهم على الحي القيوم (2) .


الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... خلقت الأقوات كالستائر، وأودعت فيها الآيات للقلوب والبصائر، أنت المقيت والقوت سبب، وأنت المغيث لمن لجنابك طلب، اكشف عن بصيرتي حجب المظاهر، حتى آخذ القوت على يديك يا قادر، وسهِّل لروحي قوتها من الحب والشهود، بمحض الفضل والجود. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
". " اهـ

(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف "الحَسِيبُ جَلَّ جلالُهُ... )


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



(1) : وذكر الرازي أن المشايخ يقولون : المقيت من شهد النجوى فأجاب ، وعلم البلوى فكشف واستجاب.

وقد فرَّق العلماء بين اسم (المقيت) وبين اسم (الرزاق)، فقالوا: إن المقيت هو خالق الأقوات وموصلها إلى الأبدان وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرفة، فيكون بمعنى الرزاق، إلا أنه أخص منه - كما يذكر حجة الإسلام رضي الله عنه - ، إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت، والقوت ما يكتفي به قوام البدن، وإما أن يكون بمعنى المستولي على الشيء القادر عليه، والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم، وعليه قوله تعالى: { وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا } ، أي مطَّلعاً قادراً، فيكون معناه راجعاً إلى القدرة والعلم، ويكون وصفه بالمقيت أتم من وصفه بالقادر وحده، لأنه دالٌّ على اجتماع المعنيين ، وبهذا يخرج هذا الاسم عن الترادف.

(2) : ومن أدب العبد مع اسم " المقيت" ألاّ يقبل إلا الحلال الطيب، ليرتفع عند الله ذكره، ويعظم أجره.

روي أن سفيان الثوري - رضي الله تعالى عنه ونفعنا بمحبته - كان يتحرى الحلال من الرزق، حتى كان أولاده يقاسون أنواع الفقر، فجاءه رجل بصرة مال وقال له: إن هذا مال حلال، ورجاه أن يقبله، فقبله سفيان، وبعد قليل رد المال إلى صاحبه، فقال أحد أبناء سفيان لأبيه: أليس لك أولاد في حاجة إلى هذا المال؟ فقال له سفيان: أتريد أن تأكل وتتنعم، وأبوك يُسألُ يوم القيامة !!؟. فهكذا أخلاق من تخلق بأخلاق الله تعالى يعمل جهده ليكون مظهراً من مظاهر الحق تعالى في كل اسم من أسمائه، واعلم يا أخي أن هذا الأمر لا بد له من السلوك على يد شيخ تربية عالم عارف صالح تقي نقي، وإلا فالنجوم أقرب إليه من الوصول إلى هذا فاعمل يا أخي جهدك في الوصول إلى أهل الله والسلوك على يديهم ليخلوك من كل خلق ذميم، ويحلُّوك بكل خلق حميد كريم ، أخذ الله بيدنا ويديك إلى ما يحبه ويرضاه، وجمعنا سبحانه بأهله والعارفين به، ووفقنا وإياك للعمل بما جاء في هذا الكتاب بجاه مولانا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. " اهـ

عبدالقادر حمود 01-23-2010 04:45 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الحَسِيبُ جَلَّ جلالُهُ


"هو الكافي الذي منه كفاية العباد، وهو السيد الذي عليه الاعتماد، وليس في الوجود حسيبٌ سواه، وكلُّهم في ظلِّ حماه، وقد قال الله تعالى لنبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات: { فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت } (1) .

وكان دعاء الصحابة: " حسبنا الله ونعم الوكيل" (2) .

ومن معاني "الحسيب": هو الذي يحاسب على جميع الأنفاس والخطرات، ويراقب دقائق الأمور والخفيات (3) .

ومن معنى "الحسيب": هو الذي انتهى إليه كل شرف في الوجود، وإلى جنابه كل مجدٍ يعود (4) .

ومتى راقبت معنى"الحسيب" وتجلَّى لك نور القريب، لاح في قلبك نورٌ فتحاسب نفسك على تقصيرها في الطاعة، وتذكِّرها بالحساب وهو القيامة، وتلزمها القناعة، وتحاسب الجوارح على التقصير والعصيان، وتوقفها عن الظلم والطغيان ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت الكافي لمن ركن إليك، القدير المتكفل بكل من توكل عليك؛ أنت أسرع الحاسبين، وغوث الطالبين، أشهدني نور اسمك " الحسيب، حتى أتحلى بالسرِّ العجيب، فأحاسب نفسي قبل أن أُحَاسَب، وأطالبها بالقيام بالواجب قبل أن أُطالَب، وحققنا بسر قولك: { حسبنا الله ونعم الوكيل }. واجعلني ممن اهتدى سواء السبيل، وخلِّقني بمعنى اسمك "الحسيب" فأقوم لإخواني بحوائجهم من بعيد وقريب، حتى أتحقق بالشرف والحسب، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".
. " اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف "الجَلِيلُ جَلَّ جَلالُهُ... )


(1) : سورة التوبة – الآية 128.

(2) : روى الترمذي في جامعه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: قَالَ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَكَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الاْذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بِالنّفْخِ فَيَنْفُخَ، فَكَأَنّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قُولُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى الله تَوَكّلْنَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ هَذَا الْحَدِيثُ عنْ عَطِيّةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.

(3) : وقيل: هو الذي إذا رفعت إليه الحوائج قضاها، وإذا حكم بقضية أبرمها وأمضاها. وقيل: هو الذي يعد عليك أنفاسك، ويصرف بفضله عنك باسك.

(4) : فعلى هذا الحسب لله بمعنى أن صفات المجد والشرف ونعوت الكمال والجلال والجمال ليست في الحقيقة إلا له.

(5) : ومن عرف أنه سبحانه " الحسيب"، عظّمه لكمال وصفه، ثم حاسب نفسه قبل محاسبته إياه. ومن علم أنه سبحانه وتعالى كافيه لا يستوحش من إعراض الخلق، ولا يستأنس بقبولهم، ثقةً بأن الذي قسم له لا يفوته وإن أعرضوا، والذي لم يقسم له لا يصل إليه وإن أقبلوا، فإذا دام على هذه الحالة فعن قريب يرضيه مولاه بما يختار له فيؤثر بعد ذلك العدم على الوجود، والفقر على الغنى، ويستريح ويستأنس بعدم الأسباب أكثر مما يستريح ويستأنس أبناء الدنيا بوجود الأغراض والأسباب.

والتعلق بهذا الاسم: بالالتجاء إليه سبحانه في صرف الغفلة عنه، حتى ينتبه لحساب نفسه قبل الحساب، لقوله عليه الصلاة والسلام: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )، وأن يكفيه ما أهمه في جميع الأحوال قائلاً: يا حسيب استعملني بالمحاسبة قبل الحساب والسؤال، وكن حسيبي في جميع الأحوال.

والتخلق به: أن تكون حسيب نفسك، مراقباً لها، وباحثاً عن عيوبها، متهماً لها في جميع الأوقات، ومسيء الظن بها في كل الحالات، وأن تثق بكفايته، وتكتفي بكفالته. قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي: كافيه، ومن كفاه مولاه كيف يلتفت إلى سواه ؟.

والتحقق به: يحصل بتمكين المراقبة من قلبه، والرسوخ فيها، فحينئذ يكون حسيب نفسه على الدوام، أو بتمكين المشاهدة فيكتفي بعلم الحال عن الطلب والسؤال، والله تعالى أعلم. " اهـ

عبدالقادر حمود 01-23-2010 04:46 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الجَلِيلُ جَلَّ جَلالُهُ


"هو من له الجلالة والعز، والغنى والنـزاهة، والكمال الذاتي والصفاتي (1) .

من عرفه خاف من جنابه، وعكف على بابه (2) .

له الجلالة التي تدكُّ الشامخ العالي، وعزّة ترفع شأن المطيع الموالي (3) .

واعلم أن صفات الحق أقسام:

صفات جلال: وهي العظمة، والعزة، والكبرياء، والتقديس. وكلُّها ترجع إلى اسمه تعالى "الجليل".

وصفات جمال: وهي صفات اللطف، والكرم، والحنان، والعفو، والإحسان. وكلُّها ترجع إلى اسمه تعالى"الجميل".

وصفات كمال: وهي الأوصاف الذاتية التي دونها جميع العقول والأرواح، مثل اسمه "القدوس".

وصفات ظاهرها جمال وباطنها جلال: مثل اسمه تعالى"المعطي"، "المنعم".

وصفات ظاهرها جلال، وباطنها جمال: وهي مثل "النافع"، "الضار".

فقد يعطي للعبد الدنيا وفي طيها جلال وحجاب، وقد يمنع العبد عن الدنيا وفي طيه عطاء واقتراب..... والعارف بالله هو الذي جمع المراتب.
واعلم أن الجمال قسمان:

جمال في الصورة الحسية، وجمالٌ في الصفات المعنوية. والذي جمَّل وأفاض عليها الجمال هو الله. فإذا رأيت صورةً جميلةً تجلَّى من جمالها سرُّ المتجلِّي سبحانه وتعالى.

أما جمال النفوس بالمعاني: فهو أعلى من جمال الأجسام. وإذا لاح لروحك معنى من معاني جماله تعالى هام قلبك، وانجذب لُبُّك، وتأكَّدت أن جمال الجنة ونعيمها دون نظرة واحدة إلى جمال الجميل.

وإذا تغلَّبت عليك نفسك، وتمكَّن منك الشيطان؛ فاستحضر جلالة العظيم الذي أذلَّ فرعون وهامان، وقل: يا "جليل"، وأكثر من ذكره بالاحترام والتبجيل، فيسطع عليك نور الجلال، فيمحو عنك كل ضلال ومحال، ومن رآك رأى "الجليل" ظاهراً يمدك بالتأييد والعز... (4) ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ...أنت الجليل الذي ترتعد الملائكة من جلالك، وتذوب الأكباد من خشية سلطانك، وأنت الكريم الذي تحن إليك القلوب، والرحيم المتجلي بالحنان المنفس من المكروب؛ لك الكمال المطلق، والعز المحقَّق. امنحنا عيون البصيرة التي نراك متجلياً بكل الصفات، فنعبدك حباً في الذات، واحفظنا من الغرور بظاهر الجمال، والوقوف عند صور الأعمال، فوراء الصور معان يراها العبد النوراني. إلهي .... تجلَّ لي باسمك الجليل، فلا أرى مخلوقاً إلا وقد سجد للحضرة، وأرى الكل ذليلاً لتجلي باهر قدرتك، فلا أقدم على معصية، إنك على كل شيء قدير. وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"
. " اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف "الكَرِيمُ جَلَّ جَلالُهُ... )


(1) : وقيل: الجليل هو المستحق للأمر والنهي، الذي يصغر دونه كل جليل ، ويتضع معه كل رفيع . وقيل: هو الذي جلَّ من قصده ، وذلَّ من طرده . وقيل: هو الذي جلَّ قدره في قلوب العارفين، وعظم خطره في نفوس المحبين. وقيل: هو الذي أجلَّ أولياءه بفضله، وأذلَّ الأعداء بعدله.

(2) : ومن عرف جلاله، ظهر في عوالمه إجلاله، فكان ذا همة ومحبة، وأنس واحترام، أما العابدون فشهدوا أفضاله فبذلوا نفوسهم، وأما العارفون شهدوا جلاله فبذلوا قلوبهم، والمحبون شهدوا جماله فبذلوا أرواحهم، فمن كان له علم اليقين شهد جلاله، ومن كان له حق اليقين شهد جماله.

(3) : واعلم أن الحق سبحانه يكاشف القلوب مرة بوصف جلاله، ومرة بوصف جماله، فمن كاشفه بوصف جلاله أفناه، ومن كاشفه بوصف جماله أحياه، فكشف الجلال يوجب المحو والاضمحلال، وكشف الجمال يوجب السرور والإجمال، فالعارفون كاشفهم بجلاله فغابوا، والمحبون كاشفهم بجماله فطابوا قاله القشيري .

(4) : والتعلق بهذا الاسم: الخضوع والاستكانة تحت ستر جماله، فلا تهاب أحداً سواه، ولا تحب إلا إياه.

والتخلق به: بإجلال نفسك عن الدناءات والسفسافات، إذ أنت أجلُّ مخلوق وأبدعه. وقال سيدي ابن عطاء في الحكم: "جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته، ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته"، انتهى .

والتحقق به: يحصل في مقام الاعتدال بين الظاهر والباطن، حتى يكون ظاهرك جلالياً، وباطنك جمالياً، وأنت بينهما برزخ لا يبغيان؛ فإن الولي الكامل هو الذي يكسوه الله حلة الجلال، وحلة الجمال؛ فبجلاله يسمع قوله، ويمتثل أمره، وبجماله تتعشق إليه القلوب، وتخضع له الأرواح، والله تعالى أعلم " اهـ

عبدالقادر حمود 01-23-2010 04:47 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الكَرِيمُ جَلَّ جَلالُهُ


"هو الذي يعطي بغير سؤال، ولا يحوجك إلى وسائط ولا شفعاء في وصول النوال. إذا قدر عفا، ولا يؤاخذ بالجفا (1) .

هو الذي يلهمك الجواب لتصل إلى الصواب.

قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } (2) .

والجواب: غرَّني كرمك، وأنت الفتَّاح العليم، تُحسن إلى من أساء، وتصل من قطع بوافر العطاء (3) .

وليس الكرم المطلق إلا لله جل جلاله، وقد يتخلَّق العبد ببعضه فيكتب كريما، إلا أن كرم العبد مقيدٌ محدود، ولكن له الشرف، حيث أنه لبس حُلَّةَ سيده، ولاح عليه نور موجده.

والكرم يغطي كل عيب، والبخل يغطي كل فضيلة، والكريم وإن كان مقصراً فهو أقرب إلى الغفار، والبخيل وإن كان مجاهداً يخشى عليه من النار، لأنَّ الكرم يجرُّ صاحبه إلى الخيرات، والبخل يجرُّ صاحبه إلى السيئات، والكريم محبوب لإخوانه، عزيزٌ في أوطانه.

والكرم قسمان: مادي، وخُلُقي.

فالماديّ: هو إطعام الطعام، وكسوة الأيتام، وصلة الأرحام.

والخُلُقي: هو العفو عن الجاني، وإن تكررت الإساءة، وستر عورة الإخوان في سائر الحالات؛ وهذا الكرم أغلى وأعلى من الكرم المادي، فإن المادي حياة الأجسام، والأخلاق حياة الأرواح. قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) (4) .

وقد أكرم الله بني الإنسان، وسخر لهم الأكوان. قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (5) ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت الكريم الذي تعطي لا لعلة، وتعفو عن السيئات، وتستر الزلة، جذبت بكرمك الأرواح، وتفضلت بجودك على الأرواح، فالسماء فيَّاضة بالأمطار، والأرض عامرة بالثمار، والقلوب عامرة بنور الإيمان، وعيون البصيرة آنسة بأيادي الجود من الرحمن. إلهي .... أشرق على قلبي بنور اسمك الكريم، حتى يسري هذا إلى جوارحي، فأتخلق بالكرم، فتحبني وأنال العز المقيم، وارزقني الفناء في شهود الكريم، حتى أراك متجلياً في نفسي وفي الآفاق بإغداق النعم، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"
. " اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف "الرَّقِيبُ جَلَّ جَلالُهُ... )


(1) : وقال الحارث المحاسبي رضي الله عنه : الكريم هو الذي لا يبالي من أعطى. وقيل: هو الذي لا يضيع من توسل به، ولا يترك من التجأ إليه، ويحفظ حقوق خَدَمَتِه إذا ماتوا. وأورد الرازي أقوالاً للمشايخ في اسمه تعالى الكريم فقال بعضهم: الكريم هو الذي يعطي من غير منة. وقيل: الكريم الذي لم يؤيس العصاة من قبول توبتهم، ويتوب عليهم من غير مسألتهم، وقيل: الكريم الذي إذا أعطى أجزل، وإن عصي أجمل. وقيل: الكريم الذي إذا أبصر خللاً جبره، وما أظهره، وإذا أولى فضلاً أجزله ثم ستره.

(2) : سورة الانفطار - الآية 6.

(3) : فالتعلق بهذا الاسم الكريم: باستمطار كرمه سبحانه وجوده الهطال، في كل ساعة ووقت وحال، وذلك بأن تجعل حوائجك كلها وقفاً عليه، ووجهك دائماً متوجهاً إليه، وجوارحك عاملة على ما لديه. قال سيدي ابن عطاء الله في الحكم: لا تتعدَّ نيّةُ همتك إلى غيره، فالكريم لا تتخطاه الآمال، انتهى.

(4) : قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنكم لا تسعون) وفي رواية:" إنكم لن تسعوا" (الناس بأموالكم) أي لا يمكنكم ذلك (ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) أي لا تتسع أموالكم لعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم والوسع والسعة الجدة والطاقة وفي رواية:" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم" انتهى. وذلك لأن استيعاب عامّتهم بالإحسان بالفعل غير ممكن فأمر بجعل ذلك بالقول حسبما نطق به {وقولوا للناس حسناً} وأخرج العسكري في الأمثال عن الصولي قال: لو وزنت كلمات المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بأحسن كلام الناس لرجحت على ذلك وهي قوله إنكم إلخ . قال: وقد كان ابن عياد كريم الوعد كثير البذل سريعاً إلى فعل الخير فطمس ذلك سوء خلقه فما ترى له حامداً . وكان العارف إبراهيم بن أدهم يقول: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه ما لا يدركه بماله لأنّ المال عليه فيه زكاة وصلة أرحام وأشياء أخر وخلقه ليس عليه فيه شيء.

قال الحرالي: والسعة المزيد على الكفاية من نحوها إلى أن ينبسط إلى ما وراء امتداداً ورحمة وعلماً ولا تقع السعة إلا مع إحاطة العلم والقدرة وكمال الحلم والإفاضة في وجوه الكفايات ظاهراً وباطناً عموماً وخصوصاً وذلك ليس إلا للّه أما المخلوق فلم يكد يصل إلى حظ من السعة أما ظاهراً فلا تقع منه ولا يكاد وأما باطناً بخصوص حسن الخلق فعساه يكاد. والحديث رواه البزار في المسند ، وأبو نعيم في الحلية،والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن، وكذا الطبراني ومن طريقه وعنه أورده البيهقي كلهم بسنده عن أبي هريرة.
انظر: فيض القدير - الحديث رقم 2545.

(5) : سورة الإسراء - الآية 70. " اهـ

عبدالقادر حمود 01-23-2010 04:48 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الرَّقِيبُ جَلَّ جَلالُهُ


"هو الحاضر الذي لا يغيبُ، الذي يراقب الخطرات والدقائق والخفيات، وليس ذلك إلا للحق سبحانه، ومتى شاء الله أن يصافي عبداً بأنوار "القريب" ويختصّه بخالص الحب، أشرق على قلبه أنوار "الرقيب"، وكتبه لحضرته حبيب، فيراقب القلب من دخول الأغيار، ويراقب النفس من الغرور بالآثار، ويراقب الرب وعظمة الجبَّار، وعند ذلك يكون متخلِّقاً بنور اسمه"الرقيب" (1) .

ولأهل المعرفة معراجٌ على أنوار هذا الاسم، فكلُّ مريدٍ لا يراقب نفسه، ويتيقَّظ لأنفاسه، ويحترس من الشيطان لا يُعَد سالكاً في الطريق، وإن كان مجاهداً في ظاهر الأمر (2) .

فراقبِ النيةَ في الأعمال، واحترس من العلة والعمل لغير الله، وراقب الله في التجارة والصناعة، وراقب ربك في أخيك، فلا تظهر عيبه." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ... أنت الرقيب لحركات الأكوان، العليم بخطرات قلوب الإنس والجان، أشرق على قلبي بنور اسمك الرقيب، حتى تتزكى نفسي وتتحلى بالتقريب، وامنحني عيوناً تراقب نعمك الظاهرة، وتلاحظ أسرارك الباهرة. إلهي .... احفظني من شر إبليس الذي ينسيني المراقبة، ويحل عقدة المحاسبة، فأكون محاطاً بنور الرقيب، طائعاً لأمرك مجيب، إنك على كل شيء قدير.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"
. " اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف "المُجِيبُ جَلَّ جلالُهُ... )


(1) : يرى حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه أن وصف المراقبة للعبد إنما يحمد إذا كانت مراقبته لربه بقلبه، وذلك بأن يعلم أن الله رقيبه وشاهده على كل شيء، ويعلم أن نفسه عدو له، وأن الشيطان عدو له، وأنهما ينتهزان منه الفرص حتى يحملاه على الغفلة والمخالفة، فيأخذ منهما حذره بأن يلاحظ مكامنهما أو تلبيسهما ومواضع انبعاثهما، حتى يسد عليهما المنافذ والمجاري، فهذه هي مراقبته. ويرى سادتنا الصوفية رضي الله عنهم ونفعنا بمحبتهم: أن المراقبة هي أن يصير الغالب على العبد ذكره بقلبه أن الله مطلع عليه دائماً، فيخاف سطوات عقوباته في كل نَفَس، ويهابه في كل وقت، ولقد سئل بعض القوم رضي الله عنهم: بم يستعين الرجل على غض بصره عن المحظورات؟. فأجاب قائلاً : بعلمه أن رؤية الحق تعالى سابقة على نظره ذلك المحظور.

(2) : فأساس المراقبة العلم باطلاع الله على ما في طوايا الضمير ودخائل القلب، وإقامة العبد على استحضار هذا العلم هي المسماة في عرف العلماء بمراقبته لله تعالى، وهذه المراقبة هي بفضل الله مفتاح كل خير، لأن العبد إذا تيقن أن الحق مراقب لأفعاله، مبصر لأحواله، سامع لأقواله، مطلع على ضمائره وخفاياه، خاف عقابه في كل حال، وهابه في كل مجال، علماً منه بأنه الرقيب القريب، والشاهد الذي لا يغيب.

كان لبعض المشايخ جمع من التلامذة، وكان قد خص واحداً منهم بمزية التربية. فقالوا: ما لسبب فيه؟ فقال الشيخ: أبينه لكم. ثم دفع إلى كل واحد من تلامذته طيراً، وقال: اذبحه بحيث لا يراك أحد، فمضوا ثم رجع كل واحد منهم وقد ذبح طيره، وجاء ذلك التلميذ بالطير حياً، فقال الشيخ: هلاّ ذبحته؟ فقال: أمرتني أن أذبحه حيث لا يراني أحد، ولم أجد موضعاً لا يراني الله فيه، فقال الشيخ: لهذا السبب أخصه بمزيد من التربية. " اهـ

عبدالقادر حمود 01-23-2010 04:49 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
المُجِيبُ جَلَّ جلالُهُ


"هو الذي يجيب دعوة السائل بالقبول، ويمنحه فوق ما يطلبه من المأمول (1) .

علم افتقارنا إلى الغذاء فقدَّر لنا أسباب الوصول إليه. دعوناه في الأزل بلسان الفقر فسهَّل لنا كل الأمر. حثَّنا على السؤال والدعاء في قوله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم } (2) .

فالإجابة محقَّقة، وهو حكيم؛ فإن طلبت الدنيا استجاب، أو ادَّخر لك ذلك في الآخرة.

والحق سبحانه يحب العبد الملِحَّ في الدعاء (3) .

وورد في الحديث: ( من لم يسأل الله يغضب عليه) (4) .

وقد ورد في حديث آخر: (الدعاء يرد البلاء، والبلاء ينـزل من السماء والدعاء يرفع إليها فيتقابلان، ويتصارعان إلى يوم القيامة) (5) .

والعبد المتخلِّق بنور هذا الاسم يكون مجياً لله ولرسوله، بتوفيق الله (6) .

قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُم } (7) .

ثم يكون مجيباً لسؤال من سأله في العلم إن كان عالماً، ولسؤال من سأله في المال إن كان غنياً، ولسؤال من استنجد به إن كان مظلوماً، وإن كان عاجزاً يرد بلطف. قال تعالى: { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ } ( 8 ) .

ولقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيب الأرامل والمماليك والفقراء، والضعفاء، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت) (9) .

وذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم تخلَّق بأخلاق "المجيب" سبحانه، قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) (10) ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت المجيب لمن دعاك، والمغيث لمن ناداك، تنصف المظلوم من الظالم، لأنك فوق الكل حاكم. إلهي .... إن نفسي ظلمت روحي فحجبتها عن الأنوار، ومنعتها من الأسرار، فانصر الروح على النفس بفضلك، وأسعدها في رياض وصلك.
إلهي .... لا تردَّ لنا الدعاء فأنت المجيب، ولا تؤاخذنا بما فرط منا فمن دعاك لا يخيب، واجعل لنا نوراً موروثاً من نور اسمك المجيب، فنستجيب لأمرك ونقوم بشكرك وذكرك، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" اهـ.




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف " الوَاسِعُ جَلَّ جَلالُهُ ... )


(1) : : ومعناه في حقه تعالى: أنه يجيب دعوة الداعين، ويشكر وسيلة المتوسلين، ويسكِّن ضرورة المؤمِّلين، يعطي قبل السؤال، ويحقق مراد عبده بعد سؤاله بجميل النوال. وإذا خطر ببال أوليائه حاجة أجزلها لهم قبل ذكر اللسان، وربما تتأخر الإجابة عن الدعاء حسبما اقتضته المشيئة.

(2) : سورة غافر - الآية 60.

(3) : فائدة جليلة:

في حكم سيدي ابن عطاء الله السكندري :" لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك ، فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعاً ؟ من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه ، فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعاً ؟". أي لا ترفعن إلى غيره تعالى حاجة؛ كفقر أو نازلة هو موردها عليك اختباراً لك، بل ارفع إليه ذلك، فإنه سبحانه يحب أن يسأل، وفي الحديث: " من لم يسأل الله يغضب عليه " .

وما ألطف قول بعضهم :

لا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب

فالله يغضب أن تركت سؤاله
وبني آدم حين يسأل يغضب

ومن المحال أن يرفع غيره سبحانه ما كان هو له واضعاً، فإن الله غالب على أمره، والعبد شأنه العجز عن رفع النازلة عن نفسه، فكيف يستطيع أن يرفعها عن غيره؟ فالطلب من الخلق غرور وباطل، وليس تحته عند أرباب البصيرة طائل، وهذا إذا كان على وجه الاعتماد عليهم، والاستناد إليهم، مع الغفلة في حال الطلب عن الله تعالى. وأما إذا كان من باب الأخذ بالأسباب، مع النظر إلى أن المعطي في الحقيقة الملك الوهاب، فهو من هذا الباب. والله أعلم بالصواب .

(4) : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنه من لم يسأل الله يغضب عليه). رواه الترمذي في كتاب الدعوات - الحديث رقم 3370 - بسنده عن أبي هريرة.

(5) : وقد جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكثير الكثير في فضل الدعاء وأثره في دفع البلاء منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " الدعاء يرد البلاء".

رواه الطبراني وأبو الشيخ عن أبي هريرة وابن عباس مرفوعا، ورواه الديلمي عنه بلفظ "الدعاء يرد القضاء" في حديث أوله "بر الوالدين يزيد في العمر"، ورواه الطبراني عن أنس رفعه بلفظ "اُدعوا، فإن الدعاء يرد القضاء"، والطبراني أيضا عن سلمان رفعه "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر"، والطبراني أيضا عن ثوبان رفعه بلفظ "لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر"، والحاكم عن ثوبان أيضا بلفظ "الدعاء يرد القضاء، وإن البر يزيد في الرزق، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يذنبه"، وفي لفظ "يصيبه"، وروى أحمد والطبراني أيضا عن معاذ بن جبل مرفوعا "لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم بالدعاء عباد الله"، روى الطبراني عن عائشة مرفوعا "لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينـزل، وإن الدعاء والبلاء ليعتلجان إلى يوم القيامة"، وللترمذي عن ابن عمر مرفوعا "إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل"، وأخرج أيضا حديث سلمان المار وقال حسن غريب، وأخرج أحمد حديث ثوبان، وصححه ابن حبان والحاكم وتقدم له طريق أخرى في "إن الله لا يعذب بقطع الرزق"، وأخرج أحمد وابنه حديث معاذ، وأخرج العسكري حديث عائشة عنها مرفوعا بلفظ "لا ينفع حذر من قدر، والدعاء يرد البلاء، وقرأ { إلا قوم يونس لما آمنوا } ، قال دعوا"، قالت: وإن كان شيء يرد الرزق، فإن الصُّبْحَة تمنع الرزق. وأرادت بالصبحة نوم الغداة لمن تعودها.

(6) : والعبد الحق يكون العبد مجيباً لربه اولاً فيما أمره به ونهاه، وفيما ندبه إليه ودعاه، ثم لعباده فيما أنعم الله عليه بالاقتدار عليهم، وفي إسعاد كل سائل بما يسأله إن قدر عليه، وفي لطف الجواب إن عجز عن الإجابة، ويجب على العبد أن لا يستعظم ما يسأله من الله، ولا يمل الاستكثار من الدعاء، وقد جاء في الحديث الشريف: إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله . فالتخلق باسمه تعالى المجيب: أن تجيب من دعاك في أمر دينك، ودنياك: ( ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا )، والاجابة في الدين وهو العلم، إن كان يليق الجواب بالسائل، وإلا فالسكوت أولى .

(7) : سورة الأنفال - الآية 24.

( 8 ) : سورة الضحى - الآية 10.

(9) : حديث "لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت"أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.
والكراع: كغراب ما دون الركبة إلى الساق من نحو شاة أو بقرة، وقوله:"لقبلت" أي لم أردَّه على المهدي وإن كان حقيراً جبراً لخاطره. وقوله"ولو دعيت إليه" أي لو دعاني إنسان إلى ضيافة كراع غنم (لأجبت): لأن القصد من قبول الهدية وإجابة الدعوى تأليف الداعي وإحكام التحابب وبالرد يحدث النفور والعداوة ولا أحتقر قلته والكراع أيضاً موضع بين الحرمين قال الطيبي: فيحتمل أن المراد بالثاني الموضع فيكون مبالغة لإجابة الدعوى اهـ. وقال غيره: كان عليه السلام ناظراً إلى اللّه معرضاً عما سواه يرى جميع الأشياء به والعطاء والمنع منه والمعنى لو أهدي إليَّ ذراع لقبلت لأنه من اللّه إذ هو على بساطه ليس معه غيره وقوله لو دعيت عليه لأجبته معناه أنه يناجيه فلا يسمع غيره داعياً فقبوله منه تعالى وإجابته إياه لأنه معه لا يسمعه غيره.

وفيه حسن خلق المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وحسن تواضعه وجبره للقلوب بإجابة الداعي وإن قل الطعام المدعو إليه جداً والحث على المواصلة والتحابب.

والحديث رواه الإمام أحمد في المسند، والترمذي، وابن حبان بسنهم عن أنس، وكذا رواه البخاري عن أبي هريرة في مواضع النكاح وغيره بلفظ:" لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إليَّ ذراع لقبلت".

(10) : قطعة من حديث قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف.
رواه الإمام أحمد في المسند، والترمذي في السنن، والحاكم ي المستدرك بسندهم عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما . انظر: كنـز العمال - المجلد الثالث - الحديث رقم 5691. " اهـ

عبدالقادر حمود 01-23-2010 04:52 PM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الوَاسِعُ جَلَّ جَلالُهُ


"هو الذي يسع بعلمه كل شيء، وورسع برحمته كل الوجود، ووسع بقدرته جميع الخلائق في حفظ نظامها، ووسع بحلمه الجهلاء (1) .

واسمه تعالى "الواسع" له تجليات واسعة، لا يعلمها إلا الراسخون في العلم، وبقدر ما فاتك من معرفة الواسع، بقدر ما تجهل من الحقيقة، ولا نهاية للوسعة، فقف عند حدِّ الأدب.

وقد ورد في الحديث الصحيح: أن الله تعالى يتجلَّى لعباده يوم القيامة في صورة يجهلونها، ويقول لهم: أنا ربكم، فينكرونه. ويتجلَّى لهم في صورة أخرى يعرفونها، فيقرون له ويقولون: "نعم أنت ربنا" (2) ، وذلك لجهلهم بوسعة التجلي.

ولما كان العبد الكامل لا يسع قلبه غير حبيبه، كذلك كان العبد لا يسعه إلا ربه، لأن العوالم ضيّقةٌ أمام العارف (3) .

قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( لي ساعةٌ لا يسعني فيها غير ربي ) (4) .

وتلك الساعة عند العارفين دونها الأرواح، وهي فوق نعيم الجنة.

ومتى أشرقت على قلبك أنوار "الواسع" كثرت معلوماتك، واتَّسعت معارفك، وانشرح صدرك، فلا تغضب على سفيه، ولا تحقد على جهول.
قال سيدنا معاوية رضي الله عنه: أعوذ بالله من جهلٍ لا يسعه حلمي، ومن ذنب لا يسعه عفوي." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... أنت الواسع الذي أدهشت بوسعك العالم، وحيرت عظمتك كل حكيم عالِم، لك الإطلاق في الظهور، ولك التجلي في المظاهر ومشاهد النور، حيرتنا في الوسعة المحدودة، فكيف تكون سعة أنوارك وصفاتك المشهودة، غمرت العاصين بنعمتك، ووسعت الموجودات بقدرتك، ووسعت الجاني بعفوك الشامل، ووسعت الضعفاء برزقك الواصل. أشرق على قلبي بنور اسمك الواسع، فأسع الخلائق بالرحمة،وأفرح لهم بالنعمة، وأسع الجاهل بحلمي، وأسع أهل الأذى بالعفو، وأشهد أني أنا العدم والظاهر فيمن أنواره الواسعة من نور القدم، فأشهدني أنوار الواسع في نفسي وفي الآفاق، وأدخلني في حمى الرب الخلاق،إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".اهـ.



(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف " الحَكِيمُ جَلَّ جَلالُهُ ... )


(1) : وقال بعض العارفين: الواسع الذي لا نهاية لبرهانه، ولا غاية لسلطانه. وقيل: واسع في علمه فلا يجهل، واسع في قدرته فلا يعجل. وقيل: الواسع الذي لا يعزب عنه أثر الخواطر في الضمائر. وقيل: الواسع الذي إفضاله شامل، ونواله كامل . فنعمة الله تعالى على عبده فيما يقبضه عنه من الدنيا أكثر وأوفر من نعمته عليه فيما يبسطه له منها،لأن قربه منه بقدر بعده عن الدنيا . حكي أن الوزير المعتصم بعث مالاً إلى أبي الحسين النوري ليفرقه على أصحابه، فوضعه النوري في بيت، ثم قال للفقراء: ادخلوا البيت، واحملوا منه بقدر حاجتكم، فدخلوا، فمنهم من أخذ دانقاً، ومنهم من أخذ درهماً، ومنهم من أخذ أكثر ، فلما خرجوا قال لهم: قُربكم من الحق وبُعدُكُم على مقدار ما أخذتم.

(2) : في الحديث الطويل الذي رواه البخاري في صحيحه بسنده عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلا اللَّهُ فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فَلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولا قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَفِظْتُ مِثْلُهُ مَعَهُ.

(3) : وقد جاء في حكم سيدي ابن عطاء الله: " مطالع الأنوار القلوب و الأسرار ". يعني : أن مواضع طلوع الأنوار المعنوية و هي نجوم العلم و أقمار المعرفة و شموس التوحيد إنما هي قلوب العارفين و أسرارهم، فهي كالسماء التي تشرق فيها الكواكب، بل تلك الأنوار المعنوية أشد إشراقاً في الحقيقة من الكواكب الحسية. وقد قال بعض العارفين: إذا كان الله تعالى قد حرس السماء بالكواكب والشهب كي لا يسترق السمع منها، فقلب المؤمن أولى بذلك؛ أي لأنه عرش تجلي الحق كما يشير إليه قوله سبحانه في الحديث القدسي: " ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن " فتأمل هذا الأمر الأعلى الذي أعطيه هذا القلب حتى صار لهذه الرتبة أهلاً ومن هنا قال أبو الحسن الشاذلي: لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق ما بين السماء والأرض، فما ظنك بنور المؤمن المطيع ؟ .

(4) :قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل" . تذكره ساداتنا الصوفية رضي الله عنهم وعنا بهم، كثيرا، وهو في رسالة القشيري بلفظ: " لي وقت لا يسعني فيه غير ربي"، ويقرب منه ما رواه الترمذي في شمائله وابن راهويه في مسنده عن علي في حديث:" كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى منـزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس". كذا في اللآلئ، وزاد فيها ورواه الخطيب بسند قال فيه الحافظ الدمياطي أنه على رسم الصحيح، وقال القاري بعد إيراده الحديث.

قلت: ويؤخذ منه أنه أراد بالملك المقرب جبريل وبالنبي المرسل أخاه الخليل انتهى فليتأمل، ثم قال القاري وفيه إيماء إلى مقام الاستغراق باللقاء المعبر عنه بالسكر والمحو والفناء انتهى.‏

انظر: كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني - الحديث رقم 2159. " اهـ

عبدالقادر حمود 01-26-2010 11:03 AM

رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية
 
الحَكِيمُ جَلَّ جَلالُهُ


"هو المحسن في تدبيره، اللطيف في تقديره، وهو الخبير بحقائق الأمور، العليم بحكمة المقدور. وهو الذي يضع الأشياء في مواضعها، ويعلم خواصَّها ومنافعها (1) .

والحكيم المطلق هو الله، وكل حكمة في الوجود فهي من آثار حكمته.

قال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (2) .

فمظهر الحكمة هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يتعلم الحكمة من غيره ضلّ.

وإن حكمة الله متجليةٌ في مظاهر كثيرة، وهي حجةٌ على كل من يدَّعي الحكمة... ." اهـ



الدُّعـــــاءُ


" إلهي .... إنك تجليت بنور اسمك الحكيم فأبرزت في كل مخلوق حكماً جليلة، وأظهرت في كل كائن فضيلة، فكل شيء لحكمة، وكل بلية في طيها نعمة، أرسلت الرسل بالأحكام وكلها حكم، وقدرت الأرزاق من خزائن الكرم؛ فأنت الباسط لحكمة خفية، وأنت القابض برحمة إلهية. أشرق على قلبي بأنوار الحكيم، وعلِّمني من أسرار الخبير العليم، حتى تتفجر الحكمة من قلبي على لساني؛ فتداوي نفسي من المرض النفساني، وأظهر بين العباد بالحكمة، وأتجلى بينهم بالرحمة، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".اهـ.



(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الإسم الشريف " الوَدُودُ جَلَّ جَلالُهُ ... )


(1) : ومن عرف أنه الحكيم لم يعترض عليه في شيء، ولم يتهم حكمه بشيء، بل يرى كل أفعاله جميلاً بالنسبة إليه، وإن كان فيها تفصيل بالنسبة إلينا. وذكر الرازي في أحد معاني (الحكيم) أنه من الإحكام الذي معناه في حق الله تعالى في خلق الأشياء هو إتقان التدبير فيها، إذ ليس ذلك في كل الخليقة، ففيها ما لا يوصف بوثاقة البنية، كالبقة والنملة وغيرها، إلا أن آثار التدبير فيها، وجهات الدلالات فيها على قدرة الصانع وعلمه، ليس أقلَّ من دلالة السموات والأرض، والجبال والبحار - على علم الصانع وقدرته، وكذا هذا في قوله تعالى: { الذي أحسن كل شيء خلقه } ليس المراد منه الحسن الرائق في المنظر، فإن ذلك مفقود في القرد والخنـزير، وإنما المراد منه حسن التدبير في وضع كل شيء موضعه بحسب المصلحة، وهو المراد بقوله: { وخلق كل شيء فقدره تقديراً }.

(2) : سورة آل عمران - الآية 164. " اهـ


الساعة الآن 02:59 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى