شخصيات فراتية ... عصمان بك
مالك الجاسم
عصمان بك وحكايات تستحق المتابعة والاهتمام شخصية جديدة تضاف الى الشخصيات التي توقفنا عندها في إعداد ماضيه ،شخصية تستحق منا أن نغوص في تفاصيل حياتها ومن منا لايعرف
مقهى عصمان بك ،ومن يبحر في حياة هذه الشخصية سيرفع القبعة احتراماً وتقديراً لهذه الشخصية ورحم الله المرحوم الباحث احمد شوحان الذي خلف لنا اسماء كثيرة في كتبه ومؤلفاته حتى باتت مرجع لكل كاتب لأنها تستحق ان نغوص عبر سطورها ومن هذه الشخصيات عصمان بك الذي نشأ في الحويقة وشب وهو يرى والده موسى كاظم بك تاجراً للخيول العربية الأصيلة ومزارعاً ،وكان يحب الاغاني التركية ويسمعانه المذياع ،وذات يوم سمع المذيع يقول : في مثل هذا اليوم توجه حسن آغا الى دير الزور لاستلام الولاية ،فنظر عصمان الى زوجته التي تجلس الى جانبه وقال: هذا هو جدي كان أمياً لايقرأ ولايكتب ولكنه كان بطلاً قبل استلام هذه الولاية ،وكان رئيساً لحرس السلطان عبد العزيز .
اهتم كثيراً في تربية الخيول وكان عنده أكثر من أربعين فرساً وحصاناً موزعين في بستانه بالحويقة وقرية البغيلية التي كان يمتلكها ،وكانت تربطه بالزعيم حسني الزعيم علاقة صداقة وحب للخيول الاصيلة ،فقد ولد في اليوم الذي قام الزعيم حسني بانقلابه العسكري عام 1949 حصان من فرس عسيلة ،فنذره عصمان لصديقه حسني وسماه «الزعيم» وكان عصمان رجلاً قوياً صلداً ،عنيفاً لايقبل بأنصاف الحلول أبداً ،وفي احدى الأيام جاء بطل تركي الى دير الزور ،فوقف على المسرح وخلع ثيابه وتمدد على ظهره فوق لوح مليء بالمسامير ،وجاؤوا بحجر حون كبير فوضعوه فوقه ،ووقف أربعة رجال فوق الحجر ،والبطل لايظهر تشكياً أو ألماً ،ثم انزلوا الحجر عنه فجيء بقضيب حديدي بقطر 16 مم فلفه على رقبته ،ثم أعاده مستقيماً كما كان ووقف وسط المسرح متحدياً من يصارعه .
كان عصمان بك من بين أولئك المتفرجين والى جانبه صديقه خضر التبن الذي راح يحرضه على مصارعته قائلاً : قم اليه ياأخا عجوة «يلقب به لشجاعته» فصعد عصمان الى المسرح وأظهر البطل سخرية ،فأمسك عصمان بيد البطل وحمله وضرب الارض به ،فقام البطل وقال: هذه ليست طريقة مصارعة ،قال عصمان بك : أنا لم أتدرب على المصارعة ،وكل ماعندي هو باب عثمان بك .
كان يحمل السيارة بيديه وكثيراً ماكان يسوق السيارة في الطريق فتعترضه ساقيه ماء فينزل فيحمل السيارة من فوق الساقية ثم يسير ،وهو أول من امتلك سيارة خاصة من نوع «فورد» مكشوفة بدير الزور .
مرة ذهب مع أصدقائه الى الصيد في البادية ،وذهب ليصطاد بعيداً عن الخيمة وعندما عاد وجد أصدقائه
مجردين من جميع الثياب فعجب منهم و قالوا له : لقد مر بدوي يحمل خنجراً ، و امرنا بخلع ثيابنا فنزعناها عن اجاسمنا فأخذها ، فقال لهم : من اين ذهب ؟ فاشاروا له ، فركب حصانه و لحق به ، و لما وصله طلب منه ان يدع الالبسة ، فقال البدوي ارجع و إلا ستخلع ثيابك ،فنزل عصمان عن الحصان ووضع الرسن على رأس الحصان ، و اقترب منه فشهر البدوي الخنجر ، ثم امسك عصمان بيد البدوي و اخذ منه الخنجر و ألقاه بعيداً ، و ادخل اصبعه في فم البدوي فشق شدقيه وراح الدم يسيل من فمه فأخذ منه ثياب اصدقائه و الخنجر و ترك البدوي في الصحراء فلما وصل الخيمة قال لاصدقائه وهو يرمي لهم ثيابهم : البسوا ثيابكم فقد فضحتمونا .
لكن هذه القوة لم تستمر حتى آخر لحظة من حياته ، فقد وهن جسمه قبل وفاته ، و كان يسير على الجسر العتيق فشاهده اثنان ممن يعرفون شجاعته فقال احدهما للآخر : كل قوي للزمان يلين ، فسمعها عصمان ،و نظر اليهما و قال : لنت و تابع سيره .
و كان عصمان يحب الكلاب فعنده من كل نوع اكثر من كلب و لكل واحد منها طوق من الفضة و كان يهتم بالكلاب و يطعمها بيده و ينظفها و يلبسها ألبسة خاصة في الشتاء لحمايتها من البرد بقدر حبه لكلابه كانت كلابه مخلصة له ، فحين كان يمرض كانت تلازم فراشه و غرفته ، و علائم الحزن بادية عليها .
احب عصمان الزراعة كثيراً و هو اول من جلب خبيراً بزراعة الخضار و الفواكه و جلب اقلام شجرة العنب مغروسة في حبات البطاطا حتى لا تتلف و هو اول من جلب بذور الملوخية من مصر وزرعها بدير الزور و قد زرع حول بيته في قرية البغيلية عشرة آلاف شجرة تفاح كانت تتناقص يوماً بعد يوم لأن فلاحيه انفسهم كانوا يقتلعونها و يحرقونها .
و اشتهر عصمان بالصيد و كان المفوض السامي الفرنسي يأتي من بيروت الى دير الزور للخروج معه شلة من الضباط الفرنسيين و اول من يسألون عنه لاصطحابه معهم عصمان بك و ذات يوم كانوا في رحلة صيد بالبادية فاعترضهم ذئب فضربوه فاصابه احدهم بجرح و لم يتجرأ على ذبحه فترجل عصمان ، و ذهب الى الذئب فلما وصله قام الذئب فصاحوا به لا تقترب منه ، لان الذئب اذا جرح ازدادت شراسته و قوته ، لكن عصمان بك تقدم فلما وصله رفسه بقدمه فرماه بعيداً ، فلما سقط على الارض تبين ان الذئب قد مات برفسته ، و لم يمت بالطلقة النارية .
و في احدى رحلاته وجد ضبعاً صغيراً فحمله و اراد تربيته في بستانه و كان يطعمه و يرعاه و يعتني به وبقي عنده عدة شهور ، فلما كبر هجم على نعجة فقتلها و اكل بعضها ، فلما سمع عصمان بك بما فعل ضبعه الصغير ضربه بكفه فاقتلع عينه و طرده فهرب الى البادية .
كان عصمان يحب الخيل و يقتني منها انواعاً عديدة فهو خبير بانسابها و صفاتها و كان له هوايات اخرى مثل الرياضة و اجراء المسابقات التشجيعية بين الشباب اعطاء الفائزين الجوائز المجزية .
اماحبه للخير فهو بحاجة الى مساحة خاصة به لكن نفردها بأنه كان يوزع اكياس القمح على الفقراء في موسم الحصاد و يضع عند كل باب كيساً دون ان يعلم من وضعها اضافة الى انه قدر رواتب شهرية لعدد من الفقراء بدير الزور و يتصدق يومياً بمائة ليرة سورية اي ما يساوي وقتها اربع ليرات ذهبية على الفقراء و المحتاجين و يرسل لهم الخضار و اللحم الى بيوتهم اما وفاته فقد كان رحمه الله قد فقد بصره فأخذه اولاده الى دمشق لمعالجته و اجريت له عملية نصحه الطبيب بعدها ألا يتحرك او يتكلم بانفعال ، و عاد الى دير الزور فتحسنت احواله ، لكنه استمر على نشاطه و حركاته فاصيب بانتكاسة جعلته يفقد بصره نهائياً فقعد في البيت فترة زمنية يتذكر ايامه الخالية ،ثم توفي في آخر يوم من ايام شهر رمضان المبارك عام 1891 و هذا اليوم يسمى يوم الجائزة لدى المسلمين و لما سمع الناس بوفاته اقبلوا من كل حدب و صوب لتشييعه و فعلاً شيعه الناس في موكب مهيب حزناً على فقدان رجل صالح ، يحب الخير للناس جميعاً .
و في حادثة اخرى يرويها ولده كنعان حسب ما ورد في المصادر تقول و على لسان ولده كنعان :
كنت اذهب كل يوم الى قبره بعد صلاة الفجر و اقرأ القرآن ، حتى ختمت القرآن مرتين في فترة شهر ، و كنت ارى على قبره الحمام الازرق البري و لم اجده على قبر غيره .
فعلاً سيرة طيبة و اتمنى ان اكون قد اوفيت هذه الشخصية حقها و لتكون منهل لقراءنا لمتابعهتها لانها بحق شخصية تستحق الاهتمام