القَابِضُ جَلَّ جلالُهُ
"هو الذي يقبض النفوس بقهره، ويقبض الأرواح بعدله إذا انتهى أجلها، ويقبض الأرزاق بحكمته، ويقبض القلوب إذا خوفها من جلاله (1).
فالقبض نعمة الله على عباده لأنهم يستحضرون معنى أنوار "القابض"، فيتَّصلوا بالله تعالى، فإذا قبض الأرزاق عن إنسان توجَّه بكلّيته إلى الله يستعطفه، وإذا قبض القلوب بجلاله فرت داعية في تفريج ما عندها، فلا تنسب القبض والبسط لغير الله فهو القابض الباسط (2) .
قال تعالى: { وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }(3) .
والعارف بالله تعالى هو من تخلَّق بهذا الاسم، فيقبض أهل المعاصي، ويزعج أهل المخالفات، ويقبض يده فلا يعطي لأهل الفجور مالاً، ويقبض بشاشته، فلا يوالي الكفار ولا أهل الإنكار، ويقبض على نفسه بزمام الجهاد فلا يجعلها تمرح وتفرح بغير الله (4).
ويقبض لسانه فلا يجعله يتكلَّم في غيبة ولا نميمة، ولا أذى، ويقبض على سمعه فلا يصغي به إلى عورة ولا منكر.
ومتى قبض الإنسان على قواه الظاهرة بالحدود الشرعية، وقبض على قواه العقلية بمراقبة مولاه صاحب العزة الجبروتية، عرف نور "القابض" في نفسه، وكان له أوفر نصيب من معنى هذا الاسم الشريف (5) .
الدُّعـــــــاءُ
" إلهي ... أنت القابض على نواصي العباد، المتصرِّف في القلوب والأرواح بسبب الاستعداد، القبض في الظاهر بليَّه ولكنه عين العطية، فلولا القبض ما تأدَّب معك العبد، لأنك حكيم تفعل ما تريد، تقبض الأرزاق فتقبل عليك العباد بالتوبة، وتقبض القلوب فتتأدب معك النفوس من جلال الهيبة. وامنحنا قوة نقبض بها على زمام أنفسنا، حتى تخرج إلى مرضاتك، وامنحنا همة نقبض بها على كل من اتصل بنا فيكون قائماً بطاعتك، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ." اهـ
اقتباس:=================== الحاشية ==============
(1) - : وقيل: القابض: هو الذي يكاشفك بجلاله فيقيك، والذي يخوفك من فراقه. وقال القشيري رضي الله عنه: القابض هو قابض الأرواح عن الأشباح عند الموت. وقيل: القابض: الذي يقبض العباد بدلائل الخوف من الكبرياء.
(2) : حكي عن بعضهم قال: كنت مع الخواص في سفر، فنـزلنا تحت شجرة، فجاء أسد وربض بقربنا، ففزعت فزعاً شديداً، وصعدت إلى الشجرة، وقعدت على غصن إلى الصباح من خوف الأسد، ونام الخواص تحت الشجرة ولم يحتفل بالأسد، فلما كانت الليلة الثانية، نزلنا في مسجد فنام الخواص، فوقعت على وجهه بقَّة فضجَّ ! ، فقلت له: هذا عجب، البارحة ما جزعت من الأسد، والليلة جزعت من البقة ؟!!!. فقال: البارحة كنت مأخوذاً عني، والليلة أنا مردودٌ إلي ... فلهذا جزعت .
فالقبض والبسط عند أهل الله تعالى - نفعنا الله بهم -: حالتان تتعاقبان على القلوب تعاقب الليل والنهار، فإذا غلب حال الخوف كان مقبوضاً، وإذا غلب حال الرجاء كان مبسوطاً، وهذا حال السائرين. وأما الواصلون؛ فقد اعتدل خوفهم ورجاؤهم، فلا يؤثر فيهم قبض ولا بسط، ولذلك قال في الحكم: (بسطك كي لا يتركك مع القبض، وقبضك كي لا يتركك مع البسط، وأخرجك عنهما لتكون لله لا لشيء دونه).
(3) : سورة البقرة – الآية 245.
(4) : قال الإمام الشبلي رضي الله عنه: من عرف الله حمل السموات والأرضين على شعرة من جفن عينه، ومن لم يعرف الله جلّ وعلا، لو تعلق به جناح بعوضة لضجَّ.
(5) : فمن عرف أنه سبحانه وتعالى " القابض والباسط"، لم يغتب أحداً من الخلق، ولا يسكن إليه في إقبال ولا إدبار، ولم ييأس منه في بلاء، ولا يسكن إلى عطاء، فلا يكون له تدبير أبداً، انتهى . والتعلق بهذين الاسمين: بالانحياش إليه، في أن يقبضه، ويقبض عنه ما لا يرضاه من متابعة حظوظه وهواه. ويبسطه فيما يرضاه، ويبسط عليه ما يقربه إلى رضاه، أو بأن يستعمله بالأدب في قبضه وبسطه، ثم يخرجه عنهما إلى شهوده، ومعرفته. والتخلق بهما: بالقبض عما سواه، والبسط في كل شيء يرضاه، فإن كان مجاهدة فهو تخلُّق، وإن كان طبيعة فهو تحقق، والله تعالى أعلم." اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف البَاسِطُ جَلَّ جَلالُهُ.... )