ظهور أسماء الله في خلقه
"كل اسم من أسماء الله العلية له عبدٌ ظهرت عليه أسراره الخصوصية.
إن أسماء الله تعالى لها أنوار وتصرفات، ولكل عبد نصيب من معانيها بحسب القابل والاستعداد:-
فمن العارفين: من كشف له سرُّ اسمه "الحي" فشاهد الحياة السارية في العالم، فانجذب بالكلية إلى الحي الدائم . (1)
ومنهم: من كاشفه الله بسرِّ اسمه "القيُّوم" (2) ؛ فشاهد العوالم كلَّها قائمة بقيُّوميَّة الله، ولو سلب عنها المدد لانعدمت في الحال، ففني عن المخلوق بالخالق.
ومنهم: من كاشفه الله بسرِّ اسمه "البصير" ؛فانكشفت له الأمور، وصار بسرِّها خبير... .
ومنهم: من واجهه الحق بسرِّ اسمه "السميع" ؛ فسمع تسبح الكائنات . (3)
ومنهم: من جمَّله الله بنور اسمه"الرحيم" (4) ؛فصار يرحم العوالم، ويدعو للكل بقلب سليم.
ومنهم: من أشرق عليه أنوار اسمه"الجامع" فاجتمعت عليه العباد حبّاً ووداداً، وكان همّه جمع العباد على مولاهم، فـ"عبد الكريم" هو الذي جمَّله الله بالكرم الروحاني، والخلق الحميد، والكرم المادّي، ونشره بين العباد، فمن رآه شاهد أنوار"الكريم"، ومن أحبّه فقد أحبَّ سرَّ ربه القديم (5) ... .
وأعلى العبيد في المقامات والوصول: هو الذي تجلَّى له نور اسمه:"الله" وهو وارث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأن هذا الاسم شامل لكل الأسماء، و"عبد الله" من يعبده بغير ملاحظات للمنع أو للعطاء، فـ "عبد الله" سابق لـ "عبد المعطي"، و"عبد المنعم"، لأن "عبد المنعم" يعبد الله وهو يلاحظ النعمة، و"عبد الله" يعبد الله ملاحظاً القيام بحق العبودية ... (6) .
================ الحاشية ===============
(1) : فسمي :"عبد الحي" لأن الحق سبحانه تجلى له بحياته السرمدية، فحيي بحياته الديمومية. انظر: جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم لسيدي أحمد النقشبندي 121.
(2) فسمِّي:"عبد القيُّوم"، حيث شهد قيام الأشياء بالحق، فتجلَّت قيوميَّته له فصار قائماً بمصالح الخلق ، قيِّماً بالله، مقيماً لأوامره في خلقه بقيُّوميته، ممدّاً لهم فيما يقومون به من معايشهم، ومصالحهم، وحياتهم. ذكره القاشاني - اصطلاحات الصوفية 121.
(3) : فسمِّي:"عبد السميع، وعبد البصير"؛ حيث تجلى له الحق بهذين الاسمين ، فاتَّصف بسمع الحق وبصره، كما قال:"كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به". - صحيح البخاري ، كتاب الرقاق، باب التواضع – 1/105-؛ فيسمع ويبصر الأشياء بسمع الحق وبصره.
(4) : فسمي :"عبد الرحيم" حيث تجلى له الحق باسمه "الرحيم"، فصار مظهراً له، وهو الذي يخص رحمته بمن اتقى وأصلح، ورضي الله عنه. وينتقم ممن غضب الله عليه .
(5) : فعبد الكريم: هو الذي أشهده الله وجه اسمه الكريم، فتجلى بالكرم وتحقق بحقيقة العبودية بمقتضاه، فإن الكرم يقتضي معرفة قدره، وعدم التعدّي عن طوره، فيعرف أن لا مِلْك للعبد ، ولا يجد شيئاً ينسب إليه إلا يجود به على عباده بكرمه تعالى. فإن كرم مولاه يختصُّ بملكه من يشاء. وكذا لا يرى ذنباً من أحدٍ إلا وهو يستره بكرمه، ولا يجني عليه أحدٌ إلا ويعفو عنه، ويقابله بأكرم الخصال وأجمل الفعال. قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنا به لما سمع قوله تعالى: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم) - الانفطار - الآية 6 -، قال: كرمُك يا رب!.
وقال سيدي محيي الدين بن عربي قدس الله سره العزيز: هذا من باب تلقين الحجة. وفي الجملة: لا يرى لذنوب جميع عباده في جنب كرمه تعالى وزناً. ولا يرى لجميع نعمه تعالى عن فيض كرمه قدرا. فيكون أكرم الناس لصدور فعله عن كرم ربه الذي تجلى له به. وقس عليه:"عبد الجواد" فإنه مظهر اسمه "الجواد" وواسطة جوده على عباده، فلا يكون أجود منه في الخلق، وكيف لا وهو جاد بنفسه لمحبوبه، فلا يتعلق بقلبه ما عداه!. انظر: اصطلاحات الصوفية للقاشاني 116.
(6) : فـ"عبد الله" عبد تجلى له الحق بجميع أسمائه، فلا يكون في عباده - سبحانه - أرفع مقاماً أو أعلى شاناً منه، لتحقُّقه باسمه الأعظم، واتِّصافه بجميع صفاته، ولهذا خُصَّ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الاسم في قوله تعالى: ( لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) سورة الجن - الآية 19.
فلم يكن هذا الاسم في الحقيقة إلا له - صلى الله عليه وآله وسلم - وللأقطاب من ورثته - رضي الله عنهم وعنا بهم - بتبعيته، وإن أطلق على غيره مجازاً؛ لاتِّصاف كل اسم من أسمائه بجميعها بحكم الواحدية، وأحدية جميع الأسماء. انظر: المرجع السابق - ص 108. " اهـ
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الرجال في معرفة الأسماء.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات