معرفة الله وتوحيده
"إن الذي عرف الله تجلَّت له وسعته، وعزَّته، وعظمته، فيصغر معها الوجود، وقد قال الإمام أبو العزائم [
] :
"إن عقبات السالك في أمرين:
الأمر الأول: إذا سطعت عليه أنور ربه فمحته عن آياته وكسبه، وعن أنانيته، ويفنى في أنوار الوحدانية، ويستغرق في المعاني بالكلية؛ فيفتِّش على نفسه فلا يراها، ويحجب عن رتبة العبودية ذاهلاً عن فحواها، وهذه هي:" وحلة التوحيد"، التي يقول فيها الإمام ابن مشيش (1) [
] :" وانشلني من أوحال التوحيد". لأن رقي العبد في شهود العبودية، فإذا حجب عنها وقف عن الرقي.
العقبة الثانية: بادية الإلحاد وهي شهود آثار العبد، وخصوصية نفسه، والذي هو في وحلة التوحيد واقف عن الرقي".
والذي هو في بادية الإلحاد مغرور بشهود وجوده، والمرشد الكامل به الخلاص من كل العقبات، وبه الفوز بالمقامات.
فالسعادة كلها في معرفة الألوهية، ولم ينكشف سرُّها إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفازت الأمة بسر المشهد العالي، الذي تحقَّقت به العبودية. قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم } (2) .
ولله تعالى حضرة رحمانية، وهي تجلِّيه تعالى بالرحمة الشاملة لجميع العوالم.
ولله تعالى حضرة العزَّة، وهي ظهوره بالعزَّة والكبرياء والجلال.
ولله تعالى تجلِّي الوحدانية، وهي ظهور أسمائه وصفاته، وقد سترت بسلطانها الأكوان." اهـ149
اقتباس:======================= الحاشية ==================
(1) : : هو الشيخ الإمام العارف بالله القطب الواصل أبو محمد مولانا عبد السلام بن مشيش بن بكر بن علي بن حرمة ابن عيسى بن سلام بن مزوار بن حيدرة بن علي بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة رضي الله عن جميعهم. توفي رحمه الله شهيداً سنة اثنين وعشرين، أو أربع وعشرين، أو ست وعشرين وستمائة. قال ابن خلدون : قتله بـ "العَلَم"، قوم بعثهم لقتله ابن أبي الطواجين الكتامي الساحر المدعي النبوة. وضريحه – أي : الشيخ رضي الله عنه وأرضاه – هناك معروف. ويروى أن الشيخ رضي الله عنه كان يوماً بإزاء خلوته جالساً يتلو القرآن ومعه تلميذه الشيخ أبو الحسن حتى وصل إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} فورد عليه وارد الهي، اقتطعه عن حسه، فلما أفاق رفع يديه إلى السماء داعياً ، فكان من دعائه: "اللهم من سبق له الشقاء منك والحرمان فلا يصل إلي، ومن وصل إلي أكون له شفيعاً يوم القيامة، اللهم لا تبعث لنا من حكمت بشقائه ". ويشهد لهذا إسلام بعض الكفرة لما قرب من الضريح، ورجوع بعض الفسقة الذاهبين بقصد الزيارة لأسباب اتفقت لهم منعتهم الوصول. وتغلغله رضي الله عنه في علوم القوم التي مدارها على التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن لما ورد عن عائشة رضي الله عنها أشهر من أن يذكر . وقد قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: كنت في ابتدائي حصل لي تردد هل ألزم البراري والقفار للتفرغ والطاعة والأذكار أو أرجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار ؟ فوصف لي ولي هناك وكان برأس جبل؛ فصعدت إليه ليلاً ؛ فقلت في نفسي: لا أدخل عليه في هذا الوقت . فسمعته يقول وهو يدخل المغارة:"اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك. قال: فالتفت لنفسي وقلت: انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ؟ فلما أصبحت دخلت عليه فقلت: يا سيدي كيف حالك؟ فقال: أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار!!!. فقلت: أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه، وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلم أفهمه !!! . فقال : أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله تعالى . قلت : يا سيدي سمعتك البارحة تقول : (اللهم إن قوماً ...إلخ ) ؟ ؛ فتبسم وقال : يا بني عوض ما تقول: سخر لي خلقك. قل : يارب كن لي. أترى إذا كان لك أيفوتك شيء ؟ فما هذه الجبانة؟. وإليه - رضي الله عنه - تنسب الصيغة المشتهرة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الصلاة المشيشية" أو " البشيشية " التي يعرفها الخاص والعام من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(2) : سورة الفتح - الآية 10.
(يتبع إن شاء الله تعالى مع: .... )