أنت غير مسجل في منتدى الإحسان . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد،يُحيي ويُميت،وهو حي لا يموت،بيده الخير وهو على كل شئ قدير           

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 04-15-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 18
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: اللغة في العرفان الصوفي

سنرى الآن باختصار شديد موقفاً أكثر إلغازًا فيما يتعلق بصور اللغة وأشكالها في المنظور العرفاني ؛ وهو موقف أختص به علم مشهور من أعلام التصوف طبعت شخصيته بسريّة كبرى ونقصد عبد الجبار النفري صاحب المواقف والمخاطبات ، وهو صاحب العبارة المشهورة: " وقال لي : كلمّا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة " (20) , ونصّه كلّه توتر محض بين المعنى والعبارة ، بين الموقف والقول ، وكما هي عادة المتصوفة مع المعنى نرى النفري ينساق وراء رمزية كبرى للاشتغال على رموز وإشارات يقف عليها أهل الباطن والعرفان ، ومن ثمّ عد كتابه نصّاً مفتاحاً من نصوص الحداثة الشعرية والفلسفية على السواء ، ليس فقط فيما قاله من معان بل فيما قاله من استبصارات تخص عالم الإنسان وسياقاته المعرفية والوجدانية .
خلال نص المواقف والمخاطبات تتردد كلمة " أبد " لتدلَّ على نوع من المعنى خاص بالذات التي تتعالى على شرطها الطبيعي فتتجاوزه لبلوغ حالة من التماهي مع ما تستبطنه الذات الإلهية من معنى يذهب بكل القناعات بما فيها اللغة ؛ يقول النفري : " فقد رأيت الأبد ولا عبارة في الأبد " (21) , وكأنَّ اللغة مرتبطة بما يستطيعه العقل الإنساني من ممكنات , ويبقى ممكن المعنى الروحي فوق العبارة المنتهية والمنتسبة لعالم العقل الذي لا يستطيع مجاراة الوجدان في تملي الأسرار الإلهية ؛ فالإنسان أعظم من اللغة في حضرة الحق فقد كان الإنسان ولم تكن اللغة ، وإن كانت اللغة في الحقيقة هي المعبرة عن هذا المعنى الذي يشكل وجدان النفري : " وقال لي : إذا جئتني فألق العبارة وراء ظهرك وألق المعنى وراء العبارة وألق الوجد وراء المعنى " (22) .
فاللغة هي وسيلة الإنسان في التحقق وهي الدال على الكينونة بامتياز ، لذلك نجدها هي الإطار الذي يتمظهر به الكائن لمواجهة العالم ، ولكن مع المعنى الإلهي وجب تأخر مرتبتها عن مرتبة الإنسان ، وهذا يعد موقفاً من مواقف الصوفية , ولم يكن النفري سبّاقاً إليه بقدر ما كان مبدعه بشكل خاص ومختلف ، فقبله نجد مصطلح " الحجاب " , وكان المتصوفة الأوائل يرون اللغة حجاباً ، أي حاجزًا فاصلاً بين الإنسان ومقصده من المعنى الإلهي , ويدعم هذا الموقف ما ورد على لسان النفري في مواقفه : " وقال لي : الواقف لا يعرف المجاز ، وإذا لم يكن بيني وبينك مجاز لم يكن بيني وبينك حجاب " (23) .
هناك هاجس كان يضبط فكرة اللغة عند النفري ونستطيع أن نسميه " الإقامة في النفي " أي أن اللغة تبقى دائماً في دائرة الغياب حين حضور المعنى العظيم الذي يتجلى للإنسان عبر مسار تجربته الدينية : " إذا أردت أن لا يخطر بك الاسم والذكر فأقم في النفي " (24) , وهو موقف قد يتكرر في سياقات معرفية أجنبية عن عالم التصوف الإسلامي ، كما هو الأمر بالنسبة لبعض الفلسفات الجمالية التي قدست الغياب والنفي وآمنت بما هو مشبوه ، لقد قال موريس بلانشوMaurice Blanchot في كتابه الفضاء الأدبي : " ينتمي الكاتب إلى لغة لا يتكلمها أحد ، والتي لا تتجه إلى أحد ، والتي لا تملك مركزًا ، والتي لا تدل على شيء " (25) , ولا يخفى على أهل الفن أبدًا مكانة بلانشو من الفكر الفلسفي الغربي , ولو كان الأمر أمر نصوص واستشهادات فالقائمة طويلة بدءًا من الشعراء أنفسهم الذين تأثروا حقّاً بما ورثوه عن أهل التصوف خاصة ، لأنّ هؤلاء بدأوا من الروح وانتهوا إلى الحيرة لا إلى اليقين ، وهذا جزء من مبدأ الفكر القائم على الشبهة والنسبية البعيد عن أوهام التحديد والقطعية .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
الهوامش:
1 - ابن عطاء الله السكندري : لطائف المنن ، دار الكتب العلمية ، بيروت (د. ت) ، ص 259 .
2 - ابن فارس : معجم مقاييس اللغة ، تحقيق عبد السلام هارون ، دار الفكر ، بيروت 1979 ، ج 4 ، ص 281 .
3 - محمد عابد الجابري : بنية العقل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط 2 ، بيروت 1987 ، ص 254 .
4 - الشريف الجرجاني : التعريفات ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1995 ، ص 221 .
5 - ابن عربي : الرسائل ، دار صادر ، بيروت 1997، ص 539 .
6 - ابن قيم الجوزية : مدارج السالكين ، تحقيق محمد حامد الفقي ، دار الفكر ، بيروت 1991، ج 3 ، ص 335 .
7 - الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف، دار الكتب العلمية، بيروت 1999، ص 166.
8 - عبد الرحمن بدوي : شطحات الصوفية ، وكالة المطبوعات ، ط 3 ، 1978، ص 166.
9 - ابن قيم الجوزية : مدارج السالكين ، ص 341 .
10 - عبد الرحمن بدوي : شطحات الصوفية ، ص 165.
11 - أبو حيان التوحيدي : الإشارات الإلهية ، تحقيق عبد الرحمن بدوي ، دار القلم - وكالة المطبوعات ، بيروت - الكويت 1981، ص 331 .
12 - المصدر نفسه ، ص 278 - 279 .
13 - نفسه ، ص 96 .
14 - نفسه ، ص 142 .
15 - نفسه ، ص 157.
16 - السلمي : طبقات الصوفية ، تحقيق نور الدين شريبة ، مكتبة الخانجي ، ط 2 ، القاهرة 1969، ص 495 .
17 - السراج الطوسي : اللمع في تاريخ التصوف الإسلامي ، دار الكتب ، بيروت 2001 ، ص 203 .
18 - أبو حيان التوحيدي : المقابسات ، تحقيق محمد توفيق حسين ، دار الآداب ، ط 2 ، بيروت 1989، ص 138.
19 - السراج الطوسي : اللمع ، ص 25 .
20 - عبد الجبار النفري: المواقف والمخاطبات ، ص 51 .
21 – المصدر نفسه ، ص 103.
22 - نفسه ، ص 92 .
23 - نفسه ، ص 37 .
24 - نفسه ، ص 110.
25 - موريس بلانشو : الفضاء الأدبي، ص 17.
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تصل الى درجة العرفان عبدالقادر حمود الصوتيات والمرئيات 1 10-08-2015 12:44 PM
المرأة في الغزل الصوفي (3) عبد القادر الأسود القسم العام 0 02-09-2010 08:35 PM
المرأة في الغزل الصوفي(2) عبد القادر الأسود القسم العام 0 02-09-2010 08:30 PM
ما قيل في تعريف الصوفي عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 4 09-05-2009 11:23 PM
المعجم الصوفي علاء الدين المكتبة الرقمية 0 09-10-2008 03:14 AM


الساعة الآن 11:14 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir