أمس كنتُ أقلّب بصري في مكتبتي فوقعت عيني على ديوان قيس بن ذريح ( قيس لبنى ) فأحببتُ أن أختار لكم بعض أشعاره , وأتمنى أن تنال إعجابكم
وَما أَحبَبتُ أَرضَكُم وَلَكِن   =    أُقَبِّلُ إِثرَ مَن وَطِئَ التُرابا
لَقَد لاقَيتُ مِن كَلَفي بِلُبنى    =   بَلاءً ما أُسيغَ بِهِ الشَرابا
إِذا نادى المُنادي بِاِسمِ لُبنى    =   عَيَيتُ فَما أَطيقُ لَهُ جَوابا
يُقَرُّ بِعَيني قُربُها وَيَزيدُني    =   بِها كَلَفاً مَن كانَ عِندي يَعيبُها
وَكَم قائِلٍ قَد قالَ تُب فَعَصَيتُهُ   =    وَتِلكَ لَعَمري تَوبَةٌ لا أَتوبُها
فَيا نَفسُ صَبراً لَستِ وَاللَهِ فَاِعلَمي    =   بِأَوَّلِ نَفسٍ غابَ عَنها حَبيبُها
حَلَفتُ لَها بِالمَشعَرَينِ وَزَمزَمٍ   =    وَذو العَرشِ فَوقَ المُقسِمينَ رَقيبُ
لَئِن كانَ بَردُ الماءِ حَرّانَ صادِياً   =    إِلَيَّ حَبيباً إِنَّها لَحَبيبُ
إِذا خَدِرَت رِجلي تَذَكَّرتُ مَن لَها   =    فَنادَيتُ لُبنى بِاِسمِها وَدَعَوتُ
دَعَوتُ الَّتي لَو أَنَّ نَفسي تُطيعُني  =     لَفارَقتُها مِن حُبِّها وَقَضَيتُ
بَرَت نَبلَها لِلصيدِ لُبنى وَرَيَّشَتْ   =    وَرَيَّشتُ أُخرى مِثلُها وَبَرَيتُ
فَلَمّا رَمَتني أَقصَدَتني بِسَهمِها   =    وَأَخطَأتُها بِالسَهمِ حينَ رَميتُ
وَفارَقتُ لُبنى ضَلَّةً فَكَأَنَّني   =    قُرِنتَ إِلى العُيوقِ ثُمَّ هَوَيتُ
فَيا لَيتَ أَنّي مِتُّ قَبلَ فِراقِها    =   وَهَل تَرجِعَن فَوتَ القَضِيَّةِ لَيتُ
فَصِرتُ وَشَيخي كَالَّذي عَثَرَت بِهِ    =   غَداةَ الوَغى بَينَ العُداةِ كُمَيتُ
فَقامَت وَلَم تُضرَر هُناكَ سَوِيَّةً     =  وَفارِسُها تَحتَ السَنابِكِ مَيتُ
فَإِن يَكُ تَهيامي بِلُبنى غَوايَةً    =   فَقَد يا ذَريحَ بنَ الحُبابِ غَوَيتُ
فَلا أَنتَ ما أَمَّلتَ فِيَّ رَأَيتُهُ   =    وَلا أَنا لُبنى وَالحَياةَ حَوَيتُ
فَوَطِّن لِهُلكي مِنكِ نَفساً فَإِنَّني   =    كَأَنَّكَ بي قَد يا ذُرَيحَ قَضَيتُ
كَأَنَّ القَلبَ لَيلَةَ قيلَ يَغدى     =  بِلَيلى العامِرِيَةِ أَو يُراحُ
قَطاةً عَزَّها شَرَكٌ فَباتَت    =   تُجاذِبُهُ وَقَد عَلِقَ الجَناحُ
أَلا لَيتَ أَيّامَ مَضَينَ تَعودُ    =   فَإِن عُدنَ يَوماً إِنَّني لَسَعيدُ
سَقى دارَ لُبنى حَيثُ حَلَّت وَخَيَّمَت    =   مِنَ الأَرضِ مُنهَلُّ الغَمامِ رَعودُ
عَلى كُلِّ حالٍ إِن دَنَت أَو تَباعَدَت    =   فَإِن تَدنُ مِنّا فَالدُنوُّ مَزيدُ
فَلا اليَأسُ يُسليني وَلا القُربُ نافِعي    =   وَلُبنى مَنوعٌ ما تَكادُ تَجودُ
كَأَنِّيَ مِن لُبنى سَليمٌ مُسَهَّدٌ    =   يَظَلُّ عَلى أَيدي الرِجالِ يَميدُ
رَمَتني لُبَينى في الفُؤادِ بِسَهمِها    =   وَسَهمُ لُبَينى لِلفُؤادِ صَيودُ
سَلا كُلُّ ذي شَجوٍ عَلِمتُ مَكانَهُ   =    وَقَلبي لِلُبنى ما حَيِيتُ وَدودُ
وَقائِلَةٍ قَد ماتَ أَو هُوَ مَيِّتٌ    =  وَلِلنَفسِ مِنّي أَن تَفيضَ رَصيدُ
أُعالِجُ مِن نَفسي بَقايا حُشاشَةٍ   =    عَلى رَمَقٍ وَالعائِداتُ تَعودُ
فَإِن ذُكِرَت لُبنى هَشِشتُ لِذِكرِها    =   كَما هَشَّ لِلثَديِ الدَرورِ وَليدُ
أُجيبُ بِلُبنى مَن دَعاني تَجَلُّداً   =    وَبي زَفَراتٌ تَنجَلي وَتَعودُ
تُعيدُ إِلى رَوحِ الحَياةَ وَإِنَّني    =   بِنَفسِيَ لَو عايَنتِني لَأَجودُ
تَعلَقَ رَوحي رَوحَها قَبلَ خَلقِنا    =   وَمِن بَعدِ ما كُنّا نِطافاً وَفي المَهدِ
فَزادَ كَما زِدنا فَأَصبَحَ نامِياً   =    فَلَيسَ وَإِن مُتنا بِمُنفَصِمِ العَهدِ
وَلَكِنَّهُ باقٍ عَلى كُلِّ حادِثٍ    =   وَزائِرُنا في ظَلمَةِ القَبرِ وَاللَحدِ
يَكادُ حُبابُ الماءِ يَخدِشُ جِلدَها   =    إِذا اغتَسَلَت بِالماءِ مِن رِقَتِ الجِلدِ
وَإِنِّيَ أَشتاقُ إِلى ريحِ جَيبِها    =   كَما اشتاقَ إِدريسُ إِلى جَنَّةِ الخُلدِ
وَلَو لَبِسَت ثَوباً مِنَ الوَردِ خالِصاً    =   لَخَدَّشَ مِنها جِلدَها وَرَقُ الوَردِ
يُثَقِّلُها لُبسُ الحَريرِ لِلينِها   =    وَتَشكو إِلى جاراتِها ثِقَلَ العِقدِ
وَأَرحَمُ خَدَّيها إِذا ما لَحَظتُها  =     حِذاراً لِلَحظي أَن يُؤَثِّرَ في الخَدِّ
بِنَفسِيَ مَن قَلبي لَهُ الدَهرَ ذاكِرُ   =    وَمَن هُوَ عَنّي مُعرِضُ القَلبِ صابِرُ
وَمَن حُبُّهُ يَزدادُ عِندِيَ جِدَّةً    =   وَحُبّي لَدَيهِ مُخلَقُ العَهدِ داثِرُ
وَدِدتُ مِنَ الشَوقِ الَّذي بِيَ أَنَّني    =   أُعارُ جَناحَي طائِرٍ فَأَطيرُ
فَما في نَعيمٍ بَعدَ فَقدِكِ لَذَّةٌ    =   وَلا في سُرورِ لَستِ فيهِ سُرورُ
وَإِنَّ اِمرَأً في بَلدَةٍ نِصفُ نَفسِهِ    =   وَنِصفٌ بِأُخرى إِنَّهُ لَصَبورُ
تَعَرَّفتُ جُثماني أَسيراً بِبَلدَةٍ    =   وَقَلبي بِأُخرى غَيرَ تِلكَ أَسيرُ
أَلا يا غُرابَ البَينِ وَيحَكَ نَبِّني    =   بِعِلمِكَ في لُبنى وَأَنتَ خَبيرُ
فَإِن أَنتَ لَم تُخبِر بِشَيءٍ عَلِمتَهُ   =    فَلا طُرتَ إِلّا وَالجَناحُ كَسيرُ
وَدُرتَ بِأَعداءٍ حَبيبُكَ فيهِمُ   =    كَما قَد تَراني بِالحَبيبُ أَدورُ
فَإِن يَحجُبوها وَيَحُل دونَ وَصلِها    =   مَقالَةُ واشٍ أَو وَعيدُ أَميرِ
فَلَم يَمنَعوا عَينَيَّ مِن دائِمِ البُكا    =   وَلَن يُذهِبوا ما قَد أَجَنَّ ضَميري
إِلى اللَهِ أَشكوا ما أُلاقي مِنَ الهَوى   =    وَمِن حُرَقٍ تَعتادُني وَزَفيرِ
وَمِن حَرَقٍ لِلحُبِّ في باطِنِ الحَشا  =     وَلَيلٍ طَويْلِ الحُزنِ غَيرِ قَصيرِ
سَأَبكي عَلى نَفسي بِعَينٍ غَزيرَةٍ     =  بُكاءَ حَزينٍ في الوِثاقِ أَسيرِ
وَكُنّا جَميعاً قَبلَ أَن يَظهَرَ الهَوى  =     بِأَنعَمِ حالِ غَبطَةٍ وَسُرورِ
فَما بَرِحَ الواشونَ حَتّى بَدَت لَهُم     =  بُطونُ الهَوى مَقلوبَةً لِظُهورِ
لَقَد كُنتِ هَسبَ النَفسِ لَودامَ وَصلُنا  =     وَلَكِنَّما الدُنيا مَتاعُ غُرورِ
صَدَعتِ القَلبَ ثُمَّ ذَرَرتِ فيهِ    =   هَواكِ فَليمَ فَاِلتَأَمَ الفُطورُ
تَغَلغَلَ حَيثُ لَم يَبلُغ شَرابٌ   =    وَلا حُزنٌ وَلَم يَبلُغ سُرورُ
لَوَ أَنَّ اِمرَأً أَخفى الهَوى عَن ضَميرِهِ    =   لَمُتُّ وَلَم يَعلَم بِذاكَ ضَميرُ
وَلَكِن سَأَلقى اللَهَ وَالنَفسُ لَم تَبُح     =  بِسِرِّكِ وَالمُستَخبِرونَ كَثيرُ