العلم بصفات الله تعالى وأثره في تربية شباب الامة .
الحمد لله الذي خلقنا لنعرفه وجعل في معرفته سر سعادتنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي كان أعلمنا بالله وأخشانا له وعلى آله وصحبه وبعد:
قبل البداية لا بد من تمهيد ألفت فيه نظر القراء و أصارحهم بأن هذه المقولة بما فيها
من لمعات ربانية
ولمحات عرفانية
وتوجيهات تربوية
واستشرافات مستقبلية
ما هي إلا انعكاس مخفف ،واقتباس ملطف ،من محاضرة كريمة ألقاها فضيلة سيدي الشيخ محمد عبد الله رجو حفظه الله تعالى ونفع به شيخ الطريقة الشاذلية في هذا الوقت حيث تم إلقاؤها يوم الأربعاء 14 محرم 1447هـ ـ 9 تموز 2025م بعنوان:
(أثر العلم بصفات الله تعالى في سلوك المؤمن)
وذلك في جامع الفتح الكبير في محافظة حلب الشهباء.
هذا المسجد المبارك الذي حفل بآلاف الأنشطة الدعوية والفعاليات الايمانية والمجالس النورانية والمحاضرات العلمية في عهد سيدي الشيخ الرباني محمد نديم الشهابي رحمه الله تعالى لمدة أربعين عاما أو تزيد وما هذا المقال الا من آثارهم المتصلة وبقية من بقاياهم الراسخة ويمكن فتح المقال بهذا السؤال :
🖋️🖋️🖋️🖋️🖋️
لغز كان ولايزال يحير جماهير المؤرخين قديما وحديثا:
كيف انتقلت أمة الجهل والجاهلية إبان مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى أمة العلم والحضارة في مدة خمسين سنة ؟!
وما الذي انتشلها من قاع التردي والانحطاط إلى قمة الرفعة والمجد؟!
في هذا الوقت القياسي الخارق ؟
لقد حاول كثير من فلاسفة اليوم والأمس أن يجدوا جوابا شافيا لهذا التساؤل الملح ولم يستطيعوا حتى الآن إلا الوقوف على جواب عام من خلال معرفة السبب الرئيسي الكامن وراء هذه النهضة الفريدة- ألا وهو ظهور الإسلام ونبي السلام سيدنا ﷺ.
أجل إنه الإسلام الحق وانبثاق نوره في العالم من خلال دعوة سيدنا محمد ﷺ وما تحمل في طياتها من بذور الصلاح والإصلاح عندما يتبناها أناس صادقون وجماعة عاشقون.
ولعل القراء الكرام يقولون:
إن هذا الجواب يزيد القارئ شغفا أن يعرف السر الأكبر المطوي في آفاق هذه الرسالة السماوية:
فهل مجرد الدخول في هذا الدين ومتابعة نبيه ﷺ يعطي هذه الطاقة الهائلة؟!
وهل تنبي هذا الدين حقا يحقق هذا الزخم الأعلى والتيار الصاعق لانتشال الأمم والشعوب بهذه السرعة وهذا الوقت القياسي؟!
🌿🍃🌹🎋🪴🌳
أم هناك منهجية الإحياء بعد الموات؟ والترقي بعد التردي؟ جاهزة لكل راغب، متاحة لكل طالب، فردا كان أو مجتمعا أو أمة؟
🌷🌷🌷🌷
وللإجابة عن هذا التساؤلات لابد من الاصغاء أولا لعنوان هذا المقال الذي أرجو أن أوفق في بسط ما يطوي تحته من محاور تكشف للقارئ الكريم مدى معرفة الأثر الإيجابي البارز لمعالم هذا الدين الايمانية وأثرها في إحياء القلوب وزرع أشجار الحضارة ونبات التقدم في حياة الإنسان؛ كما قال سبحانه وتعالى:
﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
أجل - معاشر القراء- إن العلم بالله تعالى وصفاته عندما يتغلغل في القلوب الظامئة والمشاعر الجامدة والأفئدة المتلهفة يجعل الأموات جهلا وغفلة وشرودا أحياء في قلوب مليئة بالقرب الدافئ والأنس الشافي والحياة الطيبة والنور الغامر الذي يهيمن بإشعاعاته على الأقوال والأفعال والأحوال.
🌧️🌧️🌧️🌧️🌧️🌧️
فبعد أن كان إنسانا جاهلا ذاته وما حولها كحبة رمل شاردة مع ملايين الرمال إذا هو يكتشف بإيمانه أن هذه الرملة الملقاة في فلاة أرض صحراوية إن هي إلا كائن حي متصف بصفات علوية تؤهله لخلافة رب البرية جل وعلا وتصله بعالم الملكوت الواسع بعد أن كان في عالم الملك القاصر الضيق الخانق وتجعله قادرا مؤهلا ليكون وارثا من وراث جنة الله الخالدة؛ بعد أن كان لا قيمة له ولا ميزان.
وهاكم لمحة تاريخية وصورة عملية لمن صنعهم الايمان الحي بصفات الله جل وعلا :
في غزوة القادسية أرسل رستم قائد الروم إلى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل سعد ربعي بن عامر إليهم.
فدخل ربعي عليهم وقد زين رستم مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي المبثوثة وأظهر اليواقيت والوسائد المنسوجة بالذهب والزينة العظيمة وغير ذلك من الأمتعة الثمينة.. وعليه تاج من الذهب ويجلس على سرير من الذهب، فدخل عليه ربعي بثياب صفيقة ومعه سلاحه وسيفه الذي وضعه في خرقة وترس وفرس قصيرة.. ولم يزل راكبًا الفرس حتى داس بها على البساط.. ثم نزل وربط حبل فرسه بوسادتين شقهما، فلما اقترب من رستم قال له الجنود: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم ولكني أتيتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: /ائذنوا له، فأقبل ربعي وهو يمشي ويمزق الوسائد والنمارق التي في طريقه فلم يدع لهم وسادة ولا نمرقًا إلا أفسدها وهتكها، فلما أقبل عند رستم قال له: ما جاء بكم؟
فقال ربعي كلمات سطرها التاريخ، كلمات حُقَّ لها أن تكتب بمداد من ذهب، قال:
( الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله)
فقال رستم: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى الدخول في الإسلام والنصر لمن بقي.
فقال رستم: قد سمعنا مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا، فقال: نعم.. ولكن كم أحب إليكم؟ يومًا أو يومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا ونتشاور في أمرنا.. فقال له ربعي:
ما سن لنا رسول الله ﷺ أن نؤخر القتال أكثر من ثلاث ليال فانظر في أمرك وأمر قومك ثم اختر واحدة من ثلاث بعد ثلاث ليال:
إما الإسلام، وإما القتال، وإما الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وأنا كفيل بذلك عن أصحابي.
فتعجب رستم وقال له: أسيدهم أنت حتى تقرر؟ فقال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم.
فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أرجح وأعظم عزًا من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب – أي تدخل في الإسلام – أما ترى إلى ثيابه؟
فقال رستم: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل ويصونون الأحساب.
💦💦💦💦💦
إن المؤمن بالله عز وجل لا يذل ولا يخنع لأي أحد سوى الله؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله تعالى هو المدبر لهذا الكون القائم بأمره؛ إذا فلم يذل نفسه لغير الله بل يذل نفسه لبشر مثله؟!
حتى وإن كان في يد هذا البشر مظاهر القوة المادية إلا أنه ضعيف أمام الله عز وجل.
🫧🫧🫧🫧🫧🫧
إنه الايمان الذي ما إن تخالطه بشاشته القلوب حتى تجعلها تمور مورا بحياة كريمة لا يكاد يشقيها الموت إن كان في سبيل الله تعالى ونصرة دينه.
وعشق سام لا يكاد يثنيه إنفاق كل ما يملك من أجل أن ينال درجة البر عند ربه.
وصفاء غامر لا يكاد يحمل معه حقدا أو بغضاء حتى مع الذين آذوه وحاربوه لسنوات طويلة ونشاط مستمر تجعل صاحبه يواصل الليل والنهار بما يقرب البعيد ويثبت الجديد ويمضي بالسابقين واللاحقين للدخول في عبودية رب العالمين والتخلي عن الدنيا وشهواتها.
💧💧💧💧💧
خاصة في طبقة الشباب العربي والاسلامي الذين فقدوا على الأغلب الدور الكبير الذي يلعبه أمثالهم في هذا المجال فلم يعد للطبقة الراقية منهم إلا هم التعلم لتأمين راتب، ثم هم وظيفة يعودون بها على أنفسهم وذويهم، وأما الطبقة المتوسطة والأفقر فهم في هموم الدنيا المتكررة من هم تعليم دنيوي بحت ثم هم وظيفي وهم معاشي وربما يموت العشرات والمئات من هؤلاء الشباب وهم في سبيل الكد والشقاء كما هو حال أغلب الدول الفقيرة والمنكوبة بحرب أو تخلف اجتماعي وليس لهم في هذا الايمان العالي والترقي الحضاري أي سهم أو نصيب!!
🌨️🌨️🌨️🌨️🌨️
أما وجود الشباب المثقف ثقافة اسلامية حضارية راقية تنهض بالأمة وتعيدها لأحسن ما كانت عليه أو لأحسن ما يمكن أن تصل إليه فلم يعد هذا موجودا حتى في أطروحات المفكرين والمصلحين الذين شغلوا بدورهم بالدنيا ومعاشها عن الآخرة ونعيمها اللهم الا في نزر يسير.
🌾🌾🌾🌾🌾
دائما يحضرني هذا التساؤل:
إن كانت الأمم يقاس تقدمها ورقيها بحيوية الشباب وصدق إرادتهم وخلوص نواياهم وسمو أخلاقهم، فما الذي جعل من أغلبية شباب الأمة في مستنقع هذه الدنيا الفاني، وتخلفها الحضاري المرير، وهل من طريق للعودة، أو النهضة أو الحضارة؟؟؟
🍁🍁🍁🍁🍁
فلا أجد أمامي الا طريق الأوائل وعلى رأسهم رائد حضارتنا ومنشئ أمتنا وهاديها ﷺ ومن معه من أبناء الأجيال الأولى التي بنت لنا حضارة كانت ولا تزال آثارها حتى الان:
*أَفَلتْ شُمُوسُ الأَوَّلِينَ وَشَمْسُنَا
أَبَداً عَلَى فَلَكِ الْعُلَى لاَ تَغْرُبُ*
ولعل القارئ المتأمل في هذا الوصف يتساءل وأين هذا النموذج العالي أهو في زماننا هذا أم هو في الزمان الغابر؟!
نحن لا نريد أن نسمع عن الماضي فقك لقد مللنا من حكايا تاريخية وقصص خيالية ونماذج أصبحت أثرا بعد عين، لم يعد لها تأثير الا في ظلال المسلسلات وملاحم الروايات، نريد أنموذجا قريبا تراه عيوننا لا ما تسمعه آذاننا .
هل هذا ممكنا وأين هو؟!
نعم ايها القراء إنه ممكن بشرط واحد أن نرتقي بإيماننا التقليدي الذي ورثناه عن آبائنا وأمهاتنا ومدارسنا وجامعاتنا ذاك الايمان الخافت الضعيف الذي لا ينكر منكرا ولا يعرف معروفا ولا يغير سلوكا ولا يقوي إرادة ولا يشهد له نشاطنا في الاسرة ولا في المدرسة ولا في الجامعة اي تصديق من المبادرة الخلاقة والتعاون البناء والحوار الهادف والصبر الجميل والكرم النبيل والموقف المشرف ولا اي شيء من مقتضيات الايمان الحي الذي تحدث عنه القرآن الكريم في استفاضة بينة كما في مطلع سورة الانفال :
﴿إنما الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
أو في سورة الرعد :
﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾
أو في غير هذه السور التي تعطيك المستوى الايماني المطلوب لنهضة الأمة، إنه الايمان الحي الذي يحي الفرد بقيم الايمان التي كادت أن تفقد اليوم في مجتمعاتنا، إنه الايمان الذي يهدم كل شرور الانانية وآثامها بفرعيها الفردي والجماعي هذه الشجرة الملعونة التي يرعاها اليوم إبليس وجنوده من الانس والجن ، ويجندون لها الاجناد، وينشرون معها كل ما نشاهده اليوم من أنواع الشر والفساد ويزعمون بعد ذلك أنهم يحسنون صنعا كما وصف الباري جل وعز حالهم فقال :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾.
💥🔥💥🔥💥🔥💥🔥💥🔥💥🔥
ولعل القراء يسارعون للسؤال التالي وأين نجد هذا الايمان الراقي وكيف الوصول إليه ؟!
👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼
أجل ايها المسلمون :
إنه الايمان الذي انتظم أولا في عقولنا فكرا نيرا وتصورا متكاملا من خلال الايمان بالله وتعالى وصفاته العليا من علم وسمع وبصر وحياة هذه الصفات الجليلة التي تتجلى على القلوب الجاهلة فتكسبها عرفانا وعلى الأفئدة غافلة فتورثها مراقبة وعلى الاسرار الزائغة فتقوم اعوجاجها .
عندما يعيش المرء المؤمن في ظلال هذه الصفات الحقيقية فيعلم من خلال دراسة إيمانية صادقة أن الله تعالى يعلم سره ونجواه فيستحي منه أن يراه على مخالفة في ظاهره وباطنه مستهديا بقوله تعالى: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ وتستمر فعاليات هذه الدورة في ضميره ووجدانه فيقول في نفسه :
أنا اعلم أن الله تعالى حقا يراني حيث كنت فعمن أستخفي؟!
وهكذا في بقية الصفات عندما يسري نورها في الاعماق حتى تتجلى منه ثمراتها في حسن الاخلاق وما فيها من النور الخلاق .
ولن أستفيض قارئي الكريم في هذا المجال فكل مؤمن أحاط علما بأبجديات دينه الأولية يعرف أن هذا تمهيد في رحلة الايمان وتجديد مسيرتنا معه وانما غايتي ضرب المثل والسعي لهذا الامر الجلل.
ولعل لهفة الصادق في طلب النجاة تلاحقني وتقول وأين بداية الطريق ؟!
أجل إن السؤال الاهم :
من اين بداية الطريق ؟!
السائل إما أن يكون لم يدخل دائرة الاسلام فالبداية في حقه هي شهادة الشهادتين والتحقق في معناهما من خلال الانتساب لمدرسة سنية وأعني بها لم تتلوث بمتشابهات مدارس غير موثوقة تنشر فكرا متطرفا أو زندقة خفية وماكنت لأصرح بها لولا الكثرة الكاثرة التي اضطرتنا للتصريح بما كنا فيه من قبل نكتفي بالتلميح .
👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼
وإما أن يكون في داخل الدائرة الايمانية الاسلامية التقليدية فهذا اقول له وباختصار مركز:
إنها التوبة النصوح والصحبة الصالحة كما أرشد لذلك حبيب القلب والروح بأبي هو وأمي وروحي وكلي ﷺ في الحديث الصحيح:
(( أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟
وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟
وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟))
فطالما أن هناك أعمال تهدم أعمالا، وأن هناك فرصا مناسبة للتغيير، فلا يأس مهما كانت الترديات ولا غم مهما كانت هناك مخالفات ولا حجة لمسوف مهما كانت هناك تقصيرات؟!
🍀🌳🪴🌦️🍀🌳🪴
كل ما علينا هو السعي إلى مراقي الصلاح ومدارس الاصلاح المتمثلة في الصحبة الصالحة ومقتضياتها العملية في خمسة محاور نذكرها مختصرة بحيث تتكون منها منظومة إصلاحية جاهزة للتطبيق إن كان الطالب صادقا إذ الصدق في الطلب باب كل توفيق ويرحم الله القائل:
لكن سر الله في صدق الطلب ...
كم ريء في أصحابه من العجب
وتبدأ هذه الرحلة من عدة خطوات:
1) تحقيق التوبة بشروطها.
2) تعلم ضروريات العلم بصفات الله تعالى علما وشهودا.
3) مجاهدة النفس وهواها على مقتضى ذلك.
4) مذاكرة المرشد المشرف أو الأخ الناصح.
5) التحقق بمحبة الله تعالى ومحبة المؤمنين.
فالتوبة بوابة الوصول، حيث يتخلى أحدنا عن ذنوبه، ويمضي تجاه ربه جل وعلا، وهو يلاحظ لمحات الحنان الإلهي، ولمسات العطف الرباني تحول بينه وبين ماضيه الأسود وتجعله طاهرا مؤهلا للدخول في ميادين معرفته جل وعلا، وساحات عبوديته، متحققا بقوله جل وعلا:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
ثم يتابع الموفق خطوات هذا الطريق بكثرة الذكر لله رب العالمين الذي:
١/ يفتح الآفاق
٢/ويزيل الإغلاق
٣/ويحسن الأخلاق
٤/ ويرضي الخلاق
🌹🌹🌹🌹🌹
ولا يشترط لذلك ذكر معين لكن ذكر النفي والاثبات بقول:
" لا إله الا الله"
مجرب جدا ومأمور به في أحاديث صحيحة وذلك لأنه يكسب الشاب الداخل في هذه الدورة همة قوية ونشاطا وحيوية تجعله مع الأيام من أهل الحضور واليقظة حتى إنه لا يستطيع ترك الذكر لما يعود عليه من النشوة واللذة الايمانية وهي نشوة لها آلاف الثمرات والعوائد في إصلاح النفس والقلب والمشاعر.
وبعد عبادة الذكر تأتي عبادة الفكر والتأمل في نفسه والآفاق من خلال العيش مع آيات الصفات الإلهية كالآيات المتعلقة بعلمه جل وعلا:
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾
وكذا رقابته وإحاطته جل وعلا كقوله تعالى:
﴿ ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
وغير ذلك من مشاهد الآيات التي توقظ القلوب وتوجهها لمراقبة علام الغيوب بحيث تهيمن أنوار هذه المراقبة على السمع والبصر والفؤاد فتنتشر خشية الله تعالى في سويداء القلوب وتبسط أنوارها على ساحات الأفئدة فيخاف صاحب هذا القلب أن يدخل على قلبه شيء من خواطر السوء وإن جاءت فهي إنما تمر ولا تستقر لوجود أنوار المراقبة والعيش في ظلالها!
إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَوماً فَلا تَقُل
خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ
وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يُغفِلُ ما مَضى
وَلا أَنَّ ما يَخفى عَلَيهِ يَغيبُ
ثم ينتقل الشباب الموفقون بعد هذه المرحلة لاتخاذ الصفات الإلهية سلما ومنهاجا يزنون بها أنفسهم من خلال وسيلتين:
الأولى : تقديسية تعظيمية تكسب الشاب إجلالا للخالق سبحانه من وجه وحبا وعشقا من وجه آخر فهو مثلا يقول:
الله تعالى متصف بعلم وإرادة وقدرة وأنا كذلك ولكن أين علمي المحدود من علمه المطلق؟ وأين قدرتي من قدرته؟
وهكذا فتذل نفسه وتخضع لما يرى نفسه بعد هذه الموازنة أنه لا شيء أمام أوصاف رب جليل عليم خبير.
👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼
الثانية: من خلال التعلق السامي بأوصاف هذا الرب العظيم فإذا انتابه خوف استأمن بوصفه تعالى المحيط بكل شيء والكافي لكل شيء متأملا قوله جل وعلا:
﴿ أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه﴾.
وهكذا في جميع شؤون العبد وتقلبات أحواله وفي جميع مراحل عمره يجد معية الله تعالى تغمر قلبه وتملأ حياته وعندها يعرف قيمة ما ذكره بعض الصحابة رضوان الله عليه وأرضاه:
((أن النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ لحارثةَ بنِ سراقةَ : كيف أصبحتَ يا حارثةُ ؟
قالَ : أصبحتُ مؤمنًا حقًا، قالَ : فما حقيقةُ إيمانِك ؟ قالَ :
عزفْتُ نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرُها وذهبُها وكأني أنظرُ إلى عرشِ ربي بارزًا، وكأني أنظرُ إلى أهلِ الجنةِ يتمتعون فيها وإلى أهلِ النارِ يعذبون فيها، فقالَ : عرفتَ فالزمْ، عبدٌ نوَّرَ اللهُ قلبَه)) .
ولما كانت هذه الدورة التأهيلية تحتاج كأي دورة علمية فنية لقائد مسدد وفني موفق، فلا بد أن يكون لشبابنا مرشد صادق متصل السند علما وعملا بسيد المرسلين ﷺ يرجعون له إن اعتراهم إشكال، ويرون فيه معادن الكمال، استجابة لقوله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
🌹🪴🌳🍀🫧💧🌨️💧🫧💦
ومن خلال مذاكرته المستمرة ومجالسته الفياضة يعرفون أين وصلوا في تحقيق هذا المستوى الايماني الراقي الذي أصبح ضرورة لا بد منها ، بعد عهود الضياع والتخلف .
وبعد ذلك تأتي الثمرة الكبرى والنتيجة الأغلى في هذا المشروع ألا وهو سريان نور المحبة الإلهية في القلوب فيعيش الشاب الموفق قوله تعالى:
﴿يحبهم ويحبونه ﴾
ثم تسري أنوار هذه المحبة في حياته على مستويين رئيسين :
على مستوى جهده الخاص تجاه نفسه وأهله وأسرته فيؤدي واجباته حبا في ربه وطاعة لوالديه وصلة لرحمه وتعاونا مع أفراد عائلته النسبية بفروعها جميعا .
على مستوى جهده المجتمعي تجاه عائلته السببية من خلال الدوائر الرسمية التي يعمل بها فيؤدي دوره بإتقان وتفان ومسؤولية ليس طلبا لأجر دنيوي فقط بل حبا في ربه الذي خوله مسؤولية الحفاظ على هذه الأمانات المتسلسلة من أولها لآخرها .
🍃🌿💥🍁🌾🌷💦🌨️🍀🌳
وبهذا تتحقق صورة المجتمع الفاضل، والأمة الراقية، الذي حققه ﷺ في عهده المبارك، وعهد لمن بعده من الأجيال أن يحققوه وهو كما وصفه الله تعالى:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
🖋️🖋️🖋️🖋️
وخلاصة الكلام ومقترحات الختام وبها التمام في النقاط الآتية :
🌹🌹🌹🌹🌹
مبعثه ﷺ كان مفتاح الحضارة والرقي في العالم ولولاه لبقينا في دياجير الظلام والتخلف.
🍁🫧💧💥🌿🍃
سر النهضة الفردية والأسرية والمجتمعية التمسك بالصفات الإلهية بحيث نتعلق بها في جميع شؤون حياتنا.
🌧️🎋🌨️💦🍀🌳
لا يتحقق هذا الترقي الا من خلال دورة صادقة مع متخصص فيها لفترة زمنية محددة حتى تصبح حالا مستقيما وعملا مستديما .
🪴🌿🌳🍀💦🌨️🎋
جميع مشاكلنا المعاصرة سببها ضعف الايمان وغياب مقتضياته عن واقع الحياة ومرافقها.
🖋️🖋️🖋️🖋️🖋️
العلم بالصفات الإلهية علما ذوقيا شهوديا كفيل بحل أغلب معضلات شباب الأمة وتحقيق الأمل في جيل نهضة شاملة عامة .
🪴🌧️🍃💥💧🫧🍁
الاتجاه للنجاحات الدنيوية الفردية دون السعي المقابل لتوجيه هذه الطاقات في تحقيق بناء الذات المنورة الواعية بنور الله تعالى سعي خائب وباب مسدود وواقع الأمة اليوم خير شاهد.
🌷🌷🌷🌷🌷🌷
تم تحرير هذا المقال بعد ظهر الأربعاء
الحادي والعشرون من شهر الله المحرم لعام 1446
الموافق للسادس عشر من يوليو 2025
محمود عبد الكريم النعمة